أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - أبناء قابيل














المزيد.....

أبناء قابيل


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


أبناء قابيل

لم تعد جلساتهن مؤنسة كما كانت سابقاً، لن تظلمهن ومن الأفضل أن تكون أكثر دقة في التعبير: " أنا لم أعد آنس بجلساتهن الآن".
رددت هذا القول في نفسها مراراً، تستغفر الله مخافة أن تكون قد أخطأت بحق جاراتها اللواتي ما قصّرن يوماً معها، لا بفرح ولا بحزن، يوم غادرها زوجها وقد زرع بذرته التي تجذرت في تربة حمراء مروّاة، قاصداً بلداً بعيداً قال أنه لن يغيب فيه أكثر من سنة، ليعود إليها محمّلاً بما يحقق لهما كل أحلامهما الحياتية، قالت له يومها :" لا حلم لي غيرك ، وقد تحقق ، بل ولقد ولّد لنا حلماً آخر أحمله في رحمي، فلمَ السفر ؟". لكن أحلامه تعدّت أحلامها كثيراً، وقد عزم على تحقيقها...
وضعت حملها ذكراً بهياً، في غيبة من المسافر ، وانتظرت قدومه من بلاد الأحلام كي يختن ابنه، جاءتها ورقة تخبرها أنها كانت تنتظر السراب، والسراب لن يأتي أبداً، أبدلها بتربة أخرى زرع فيها وينتظر الثمر، أما هي، فحرة طليقة بائنة،
طعنة الظهر هذه شاركتها بها جاراتها، لم يتركنها تحتسي حسرتها بمفردها، ثرثراتهن البرئية بلسمت جرحها بطريقة غريبة، الآن عرفت سببها، تمتماتهن كانت في باطنها رقية شافية، ودعوات مخلصة كانت لها عوناً على التخطي، والمضي في الطريق...
وهي ترتشف أول الرشفات من فنجان قهوة الصباح في إحدى الصباحات الصيفية، وقد اعتذرت عن دعوات جاراتها لها لاحتسائها عندهم، مفضّلة العزلة في بيتها الريفي الصّغير، بعد أن أخذت نسائم الربيع الهائج فلذة كبدها الوحيد في غياهب اختطاف فجائي لم تعرف أين استقر به، تراقب صوصين صغيرين وقد هجم أحدهما على الآخر بعنف تجاوز اللعب، تصايحا فحضرت إحدى الدجاجات مسرعة لتنقذ صوصها وقد أدماه الآخر، تذكّرت كيف كانت تهرع لتخليص وحيدها من براثن خصم ضخم جمعته به عراكات الطّفولة وعنجهية المراهقة، كانت تخرج بابنها وقد تهتك جلده بأماكن عديدة، وتلألأت نقاط الدم النازفة من وجهه ويديه وقدميه، تأخذه وهي توبّخه وتوبخ خصمه معه، و تسب الجهل والتخلف الذي يوقعهم بالخصومات والعراك، لماذا يختصم الناس ويتعاركون ؟ و من أجل ماذا تقوم الحروب ؟ وما هي الغنائم ؟
لم يمكنها عقلها البسيط أكثر من طرح أسئلة لم تملك لها إجابات شافية، تذكر فقط أن البشر هم أبناء قابيل قاتل أخيه هابيل، نعم البشر بالمجمل أبناء قاتل، وليس أبناء مقتول ، إذ لم يتسنَّ لهابيل أن يرزق بذرية، قتله أخوه بسبب الغيرة والحسد، حرب البسوس قامت بسبب ناقة، وحروب اليوم تقوم بسبب جشع الإنسان اللا محدود، تكالب على البلاءالأسود يظن أنه بتسلطه عليه سيحوز الخلود...
هل حابى الموت أحداً عبر التاريخ ؟ ألم يأخذ في طريقه الملك والرعية، السيد والخادم ؟ المعافى والمريض ؟ الصّغير والكبير؟
كم حصد الموت أحياءً قبرناهم في الذاكرة و هم مايزالون يرتعون من رحيق الحياة ونعمها، وكم أبقينا من الأموات أطيافاً لا يغادروننا أبداً.
انتبهت من شرودها على طرق عنيف على باب الدار جعلها تهرع إليه مسرعة، علّه خبر عن وحيدها، فتحت الباب ليرتمي أمامها جسد ضخم، نما الشعر في معظم أجزائه، حتى بدا كالوحش، وقد تدافع فوقه شبان الحي، يكيلون له الضربات واللكمات والركلات، أبعدتهم عنه، و ساعدته على الوقوف، وهم يتسلقون فوق بعضهم للوصول إليه و الاستمرار بضربه، نهرتهم، صاح أحدهم : "لقد قتل ابنك يا خالة !".
صمت قاتل جثم على صدور الجميع ...! حرَّكه صفعة ضعيفة من كفها الهزيل باتجاه وجه قابيل، وسؤال يبقى بلا جواب :" لماذا قتلته ؟".

د. عبير خالد يحيي



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحرض النفسي وأثره في إذكاء الصراع الإنساني المجتمعي
- سحر البيان وأدب الحوار والإمتاع السردي في سورة (طه )
- فلسفة التبادل المكاني وجدلية البقاء في نص / أفعى وحمامة / لل ...
- الوطن وعنفوان الغربة في نص الشاعر السوري الدكتور حسن نعيم ( ...
- الشعر كوسيلة لاستعراض الآفات المجتمعية وعرضها على طاولة التش ...
- قراءة نقدية في كتاب (ابن العذراء) للكاتب المصري /محمد ربيع /
- نهاية الانتظار
- الهاجس
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأدباء والنقّاد والمترجمين العرب
- البديل
- المنتصر في الحرب مهزوم
- النهاية
- التدوير الأدبي ورسم المشاهد عند الكاتب المصري الأستاذ محسن ا ...
- نذور الوطن
- نقد أدبي مقدّم لرابطة الأدباء والنقاد والمترجمين العرب من ال ...
- نقد أدبي مقدّم إلى رابطة الأبدباء والنقاد والمترجمين العرب م ...
- ومع ذلك ..لم أقتنع
- وعد غير منجز
- الاتجاهات التربوية والعبر المجتمعية في نصوص الكاتب والأديب ا ...
- ملامح المدرسة الرمزية في نصوص الأديبة السورية إيمان السيد


المزيد.....




- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - أبناء قابيل