لماذا لم يحتج الأصوليون على إلغاء التقويم الهجرى ؟

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5398 - 2017 / 1 / 10 - 13:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لماذا لم يحتج الإسلاميون على إلغاء التقويم الهجرى؟
طلعت رضوان
هل للقرارعلاقة بتجميد أمريكا الأرصدة السعودية؟
كيف تقبل فقهاء السعودية العمل بالتقويم الميلادى؟
وما موقفهم لوأصدرالملك قرارًا بأنْ يكون الصيام فى طوبة؟
فى خطوة غير مُـتوقــّـعة ألغتْ السعودية التقويم الهجرى، على أنْ يكون التعامل بالتقويم الميلادى، فى كل المجالات والتعاملات، على المستوييْن الداخلى والخارجى.
وبغض النظر عن دوافع السعودية فى هذا القرار، فإنّ الأمر يستدعى الملاحظات التالية:
التقويم الهجرى هو أحد ثوابت (الاعتقاد) الذى يختلط بالعقيدة. وهذا الاعتقاد كان (راسخـًـا) رسوخ الجرانيت الذى يصعب تفتيته. فما المادة المُـستخدمة فى تكسير عظام رسوخ المعتقد بالتقويم الهجرى؟ ولأننى لا أملك قدرة الغوص فى عقول الآخرين، فإننى أملك قدرة طرح الأسئلة ومنها :
هل جاء القرار السعودى نتيجة ضغط (خارجى)؟ ولماذا جاء بعد قرار الكونجرس الأمريكى بتجميد الأرصدة السعودية التى قـدّرها بعض الاقتصاديين بآلاف التريليونات؟ أم أنّ السعودية أرادتْ أنّ تـُـثبتْ لأمريكا وأوروبا أنها مُـتوافقة مع (العصر الحديث)؟ وهذا معناه (التقرب) و(التودد) لأميركا وأوروبا. وهذا الاحتمال ينقل عقل الباحث الحر إلى الملحوظة التالية:
التقويم الميلادى هو التقويم المُـعتمد (عالميـًـا) سواء فى الهيئات والمنظمات الدولية، أو فيما يتعلق بعلاقات الدول بعضها مع بعض، مثل عقد اللقاءات أو تنظيم المؤتمرات..إلخ.
الفرق بين التقويم الهجرى والتقويم الميلادى: الأول قمرى والثانى شمسى. الأول غير مُـنضبط مع حركة النجوم وحقائق علم الفلك، بينما الثانى (الشمسى) هو الذى حقق التوافق والانضباط . والدليل على أنّ التقويم القمرى غير متوافق مع حركة النجوم، أنّ شهر رمضان يأتى فى الصيف لعدة سنوات، ثم يأتى فى الشتاء لعدة سنوات أخرى (وهذا مجرد مثال وحيد من بين عشرات الأمثلة)
التقويم الميلادى مأخوذ من التقويم الجريجورى، المأخوذ من التقويم الرومانى، المأخوذ من التقويم الشمسى المصرى. مع ملاحظة أنّ جدودنا كانوا يتعاملون بالتقويم القمرى، قبل اكتشاف التقويم الشمسى، ففى بردية خاطب الفلاح الإله (آمون) قائلا ((ماذا يحدث يا إلهى؟ إنّ الشهور تتراجع إلى الخلف. والفصول تختلط ببعضها. وما نحسبه صيفــًـا يكون شتاءً. وما نحسبه ربيعـًـا يكون صيفــًـا)) وفى بردية أخرى معنونة (صلاة إلى آمون) قال فيها كاتبها ((تعال إلىّ يا آمون وخلصنى من سنة البؤس هذه. فقد حدث أنّ الشمس لا تطلع . وأتى الشتاء كأنه الصيف. وانعكستْ الأشهر، واختلتْ الساعات)) ولكن بعد استقرار التقويم الشمسى واعتماده كأساس لمواكبة الدورة الزراعية، تم العثور على بردية عبارة عن قصيدة قال فيها كاتبها ((الماء ثابت لا ينقص . والنيل يحمل فيضانــًـا عظيمًـا. والشهور تأتى فى مواقيتها. والحياة تمر فى ضحك)) (سليم حسن- الأدب المصرى القديم- مؤسسة أخبار اليوم-15ديسمبر1990- ص152، 223) إنّ جملة ((الشهور تأتى فى مواقيتها)) هى الدليل على التقدم فى علم الفلك المصرى الذى استغرق عدة آلاف من السنين فى رصد حركة النجوم، وكان الهدف هو ضبط مواعيد بذر البذور، ومواعيد الحصاد.
وعن بداية التقويم الشمسى فى مصر القديمة ذكربرستد ((دلــّـتنا الأبحاث الفلكية أنّ هذا الحادث حصل عام4241ق.م، ويعتبرهذا الاكتشاف الميقاتى واستعماله فى الشئون الدنيوية خطوة كبيرة نحو الرقى وشرفــًـا عظيمـًـا للوطن الذى اكتشفه. ولم تكتشف دولة من دول العالم منذ أقدم الأزمنة حتى بداية العصر الأوروبى المتوسط توقيتــًـا سنويـًـا مثله.. وأنّ يوليوس قيصر الرومان هو أول من أدخل التوقيت المصرى امبراطوريته ثم عمّ استعماله العالم. ومن ذلك يتضح أنّ استعمال التقويم المصرى عمره ستة آلاف سنة. وهذا الفضل يرجع للمصريين القدماء. ومع ملاحظة أنّ التقويم المصرى أفضل وأدق من التقويم الرومانى، لأنّ التقويم المصرى أسهل استعمالا، فقد قسّـم السنة إلى إثنى عشر شهرًا، والشهر ثلاثين يومًـا، أما التقويم الرومانى فقسّـم السنة إلى إثنى عشر شهرًا غيرمتساوية الأيام)) (برستد- تاريخ مصر منذ أقدم العصور- ترجمة حسن كمال- هيئة الكتاب المصرية- عام1999- ص34، 35) والدليل على تلك الدقة أنّ الشهور الميلادية بعضها30يومًـا وبعضها31 وبعضها28أو29، أما الشهور المصرية فهى ثابتة 30يومًـا ثم شهر (صـُـغنتوت) من خمسة أيام كل أربع سنين.
وإذا كانت السعودية قرّرتْ بعد (عناد) الأصوليين الإسلاميين والعروبيين التمسك بالتقويم الهجرى، وهو(العناد) الذى استمرّ طوال14 قرنـًـا، فى حالة غيبوبة عن معطيات العصر الحديث ، وعن الفرق بين مجتمع الرعاة ومجتمع الزراع ، فإذا بهذا (العناد) الابن المُـشوّه للتعصب ، يتفتتْ على صخرة الواقع (بغض النظر عن دوافع السعودية) وإذا كان التقويم الميلادى (العالمى) أصله مصرى ، وإذا كانت السعودية ستعمل به ، فهذا معناه أنّ الفضل يعود لمصر باعتبارها مُـبدعة علم الفلك ، كما أبدعتْ فى مجالات أخرى كثيرة.
أما آخرملحوظة استوقفتنى فهى: لماذا خضع الإسلاميون والعروبيون للقرار السعودى؟ وكيف تخلوا عن (ثوابتهم) التى توارثوها عبر مئات السنين؟ بقولهم أنّ التقويم القمرى هو (الأفضل) عالميـًـا؟ وأليس هذا التخلى عن الثوابت دليل على التبعية المطلقة لآل سعود، مثل تبعية السعودية لأمريكا وأوروبا؟ وأليس تنازل العروبيين والإسلاميين عن (ثوابتهم) دليل على أنّ مصالحهم (المادية) أهم من معتقداتهم (الدينية)؟ وكيف وافق فقهاء السعودية على قرار الملك السعودى؟ أليس هذا معناه أنهم (صفرعلى الشمال) وأنّ كل دورهم ينحصرفى ترسيخ التخلف بفتاوى العودة إلى عصر الكهوف؟ وهل كان بمقدورهم (الاعتراض) على القرارالملكى؟ وأليس موقفهم هذا أكبر دليل على سمة (الطاعة العمياء) التى وصمتْ فقهاء السلطة فى كل العصور؟ وإذا كانوا قد سبق لهم (الإفتاء) بأنّ التقويم الميلادى (بدعة) فلماذا صمتوا وتقبـّـلوا العمل بتلك البدعة؟ وماموقفهم لو أصدر الملك قرارًا بأنْ يكون الصيام فى شهرطوبة المصرى، الذى يتوافق مع شهر ينايرالميلادى، حتى يـُـجنــّـب المسلمين قسوة الصيام فى شهور الصيف؟
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات