أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قراءة فى أعمال الشاعرطاهرالبرنبالى















المزيد.....


قراءة فى أعمال الشاعرطاهرالبرنبالى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 15:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة فى أعمال الشاعرطاهرالبرنبالى
طلعت رضوان
يـُـعتبرالشاعرطاهرالبرنبالى أحد الشعراء الذين أسهموا فى الكتابة الجادة للشعرالمكتوب بلغة شعبنا المصرى فى حياته اليومية. كما أنه تمكــّـن من أنْ يكون له تميــّـزه الخاص، بحيث يسهل التعرف على أشعاره بدون قراءة اسمه.
وربط فى معظم دواوينه بين التطورالاجتماعى والثقافى للشعوب، بالقدرة على مقاومة (الجمود/ الموت) ونظرًا لوعيه بدورالحضارة المصرية وأهميتها فى تاريخ الحضارات الإنسانية، وكيف أنّ أجدادنا المصريين القدماء قهروا الموت، وهوما نجده فى أكثرمن قصيدة مثل (طريق مفتوح فى ليل أعمى) وهى القصيدة التى حملتْ عنوان الديوان (هيئة قصورالثقافة- يوليو2004) فكتب ((اللى بانين الحضاره.. ما بيعرفوش الموت.. الخلود فى البـُـنا والنقش على الجدران)) ولأنه وعى الفرق بين حضارة المجتمع الزراعى ومجتمع الرعاه كتب فى قصيدة (قول على الدنيا السلام) من نفس الديوان ((إيه اللى جاب الراعى لحضارتى؟!)) وبالعودة إلى القصيدة الأولى يتبين أنّ الشاعرمهموم (ومهتم) بذلك الفارق الحضارى بين مجتمعيْن نقيضيْن، لذلك كتب فى بداية القصيدة ((كل السكك قافله بالضبه والمفتاح.. الأمه رجعت للغنم تانى.. مع إنْ بترولها كفيل بقتل عويل الليل)) ولكنه لايفقد الأمل فاستمرليكمل رؤيته فأضاف ((هوّاه طرق واحد.. طريق مفتوح فى ليل أعمى.. لساه بيقدرع الوجع والآه.. لساه بينسف كل أوهام الخلايق.. ويمد إيده للحياه.. طريق واحد مالوش رجعه.. يدغدغ الليل الفسيح من طاقة الجامعه.. ويطل بالمواويل فى أرض النيل)) ولكنه يربط ذلك الوعى بالمتغيرات السياسية، وتدخلات القوى الاستعمارية بهدف السيطرة على الدول العربية ومصر، فسخرمن المشروع الأمريكى حول (الشرق الأوسط الكبير) فكتب ((من شرق أقصى وأدنى.. ولشرق أذعركبير)) إنها المؤامة ((والأمركه والدربكه لبلدنا)) ويختتم تلك القصيدة البديعة قائلا (خد من كلامى وهات..أجمل ما فيك للوطن.. قبل الزمن ما يدور.. وتخش ف المتاهات)
وتلك القصيدة البديعة ذكــّـرتنى بقصيدة الشاعربيرم التونسى الذى كتب ((يا شرق فيك جو منوّر، والفكرضلام.. وفيك حراه يا خساره وبرود أجسام.. فيك سبعميت مليوم زلمه.. لكن أغنام..لابالمسيح عرفوا مقامهم ولابالإسلام.. هىّ الشموس بتخلى الروس بدنجان؟!)) وكأنّ الشاعرالبرنبالى يواصل رسالة بيرم التونسى.
وكلمة الوطن ومشتقاتها تتردّد فى معظم قصائد الدواوين، من ذلك قصيدة (هزيمة) من ديوان (طرطشات الذات والبنات) الصادرعن مكتبة الأسرة- عام2008) فكتب ((لوعزيز جوا بلدك.. بره بلدك تبقى قيمه.. لكن إنت بكل طيبه.. والنوايا أكيد سليمه.. سبتْ روحك للى باعك.. خرده للعالم قديمه.. واللى فرط ف انتصارك.. دوّقك طعم الهزيمه)) فى هذه القصيدة- بكلماتها القليلة- لخــّـص الشاعرفلسفة الربط بين قيمة (المواطن) داخل وطنه و(قيمة الوطن) لدى باقى (الأوطان والأنظمة) ولم يكتف الشاعربذلك وإنما ربط بينه وبين وعى المواطن ومايحدث له فى وطنه فكتب فى قصيدة (كعبله): ((الخيوط متشبكه على بعضها.. كل خيط بيروح لخيط.. والأمورمتكعبله ف اللخبطان.. اللى سارق للبيارق ميت حويط.. واللى زارع كدب صافى من زمان.. واللى مسروقه ملامحه.. للأسف عامل عبيط)) وربط ذلك بموقف المواطن من أعداء الوطن، كما فى قصيدة (حضن شبابك الدافى) حيث قال لحبيبته ((أنا بحبك.. قد عناقيد غضب مفروطه.. مفروطه بفعل أعدائى.. وح أفضل عشانك باشتياقى فدائى.. وألـِمْ بيكى الألم.. وارميه ف حجرالخوف.. أنا المسكون بأوصافك.. وتنهيدك وعودك الفارع.. تاخدينى بأنين مكتوم.. وصوت ملغوم بأشجانك.. أنا بيكى غناويكى.. وحضن شبابك الدافى.. يا نورصافى)) وأعتقد أنّ بيت ((عناقيد غضب مفروطه بفعل أعدائى)) المُـوجـّـه لحبيبته هومفتاح فهم القصيدة، فتلك الحبيبة ليست إلاّ الوطن الذى شكــّـل عناقيد الغضب ضد أعداء الوطن.
ورسالة الشاعرعن الوطن تكرّرتْ فى قصيدة (استحالة ممكنه) حيث قال فيها ((مفضوح يا قلبى فى كل لحظة شجن.. وف كل رعشة وطن.. وف كل عشق جديد)) وللتأكيد على أنه يخاطب الوطن أضاف ((واشهد بإنى باحب شجرك.. وشعرك النعناع.. وروحى باتتْ مغرمه.. بالنرجس الحساس.. وبقيتْ مـِـتبتْ فيكى.. إنتى استحاله ممكنه.. طول ما صوت الشعر.. ف الوجدان بـُـنا)) وهكذا وظــّـف الشاعرمفردات (الشجر) و(النعناع) و(النرجس) ليوحى– بلغة الشعر- أنّ المقصود هوالوطن.
والوطن ليس هوالدفاع عنه ومقاومة الأعداء فقط وإنما هو- أيضا– بهمومه الاجتماعية والسياسيه، وهوما عبـّـرعنه الشاعرفى قصيدة (ضد الخيبه) فقال ((راكب حصانك فوق سحاب الغيم.. إنت مصاب أليم.. عن يمينك فساد.. وموت العداله بالتجديد.. وعن يمين اليمين.. رِده وحـِـده.. وحسم باسم الدين.. وأنا مش بالوم الخصوم.. على قوة الأكاذيب.. أنا بالوم اللى ساب.. الساحه فى الميادين.. وقـِـبـِـل يسلم ع الوطن.. من غيرإيدين.. وبات فى عين الناس كما الفهد الكسيح.. تمرجحه الأيام بفعل الريح.. مين اللى آمن للغوله.. وسابها ترمح فى داره سنين.. وعمّـال تهاتر ف الحوار وتفن..اشرب بقى.. طعم اختيارك انصهارك.. أنا كنت فاكرثورتك قايده.. بعيد عن الوقفه المحايده.. وإذا كنت ح تغير.. لابد تتغير.. أول كلام فى المعاينه.. من فات شعوبه تاه.. أو صاربروح درويش.. ودا آخرته التهميش.. تانى كلام للعلام.. إياك تنام فى حضن اللئام.. تفقد حنان أمتك وتجرب الإعدام.. ولوكان هديرالناس.. أعلى من الإمكان.. حصـّـن جيوش خبرتك.. واترد لجذورك.. واقرا كتاب المعرفه الجدلى.. تتهز لك أركان.. وخاصم الأوهام.. وانزل لجرح الشارع الموجوع.. طبطب بكفك ع الوجع...))
وتلك القصيدة البديعة جمع فيها بين الفساد السياسى، وغياب الوعى لدى معظم أفراد الشعب الذين ينخدعون بشعارات السلطة، والأكثرفداحة انخداعهم بالشعارت الدينية. ورغم أنّ تلك القصيدة منشورة فى الديوان الصادر عام 2008، فلا أعرف إنْ كان قد كتبها بعد انتفاضة شعبنا فى شهر طوبة/ يناير2011 أم لا، لأنه لم يكتب تاريخ كتابة كل قصيدة. وأعتقد أنه كان يقصد ماحدث فى يناير2011، حيث استغل الإسلاميون تلك الانتفاضة العظيمة، ووجـّـهوها لصالحهم، وهوما عبـّـرعنه بقوله (( عن الرِده والحسم بالدين)) وكان أكثرافصاحـًـا عندما عاتب الذين تركوا الميادين فى قوله ((أنا بالوم اللى ساب الساحة فى الميادين)) وسواء قصد ذلك أم لا، فإنّ النتيجة واحدة، حيث أنّ ترك الميادين سبق أنْ حدث فى انتفاضة مارس 1968 (اعتراضـًـا على المحاكمات الهزيلة بعد كارثة بؤونة/ يونيو1967) وانتفاضة يناير1977.
والأكثرأهمية أنّ الشاعر ربط عشقه للوطن بتراثه، من ذلك قصيدته (مش ح تــِـسْـلم) حيث قال ((يا عدوى لسه روحى مرفرفه.. لسه شمع الحلم لاخضرما انطفى.. واللى باع المُـر ف سنين الجفا.. مش ح يـِـسـْـلم من عمايله.. عمره ما يدوق الصفا)) فهذه القصيدة تــُـذكرالقارىء بتراث المواويل المصرية، حيث حكمة الشعب عن الذين يبيعون (الوطن) أويبيعون (المُر) كناية عما يلاقونه من ظلم، ويختتمها بأنّ هذا الإنسان لن يفلت (من أعماله) و((عمره ما ح يدوق الصفا)) وقد تأكــّـد ولعه بتراث المواويل فى قصيدة (م المآسى والدموع) حيث قال ((كل فجر وله طلوع.. والأمل ما فيهوش رجوع.. مهما بتعاند.. أوبتسرح أوتطول.. الفوارس ليها خيل.. م المآسى والدموع.. كل فجر وله طلوع))
والشاعريهتم بطرح الأسئلة فقال فى قصيدة (على قرب المسافه) ((إيه اللى خلانى شفتك امبارح على قرب المسافه؟ وإيه اللى خلى الخيل.. وخيال الخيل.. ما بين شعرطالع من شقوق الروح.. والصهيل)) ولم يكتف بطرح الأسئلة وإنما حذرمن المراوغة فقال لحبيبته ((ما تربطيش المعنى فى جدارابتسامتك.. أوتطلقيه لدمع السواحل.. وانسياب المد.. صحيح عندك كتير م الحق.. ف الظن المباح)) فى هذه القصيدة جدل الشاعرالعلاقة بين اليقين المشكوك فيه، والظنون المشروعة. وفى البيت الذى قال فيه: خيال الخيل.. ما بين شعرطالع من شقوق الروح.. والصهيل، صنع حركة موسيقية، ورغم أنها تبدومباغتة للوهلة الأولى، إلا أنها متسقة مع الحالة الشعورية العامة، ويتبين ذلك أكثر، حيث أن القصيدة كما بدأتْ بسؤال استنكارى، انتهت بسؤال استنكارى.
وفى قصيدة (هوانتى مين فيهم) يسأل حبيبته ((هو انتى مين فيهم؟ قدك مثالى فى خيالى.. انتى هنايا اللى جاى.. وبرغبتى الأولى .. واللاغناى ف مملكة للعشق؟ فوق الوصف.. واللا انتى حبيبه بجد؟ عايزأتوه جواكى.. عشق وطفوله)) ولكنه لايملك اليقين فيختتم القصيدة بنفس السؤال الأول: بس انتى مين فيهم؟
وفى قصيدة (على شفة الأحضان) يسأل ((الدنيا قايده.. واللا العيون متزغلله؟ والمعانى مشعلله ف الروح.. تخافى ليه ودراعك المفرود.. نعومه وصدق ومحبه؟ بيشدنى لبحرك هدير مكتوم.. وتنامى ليه تحت العطش؟ والجسم حامى برغبته محموم.. أنا الفارس اللى راكب فرس.. بس الفرس حرنان.. كل اللى بينا بان.. وطن حيران)) وهكذا جمع بين أسلته لحبيبته وهموم الوطن.
والشاعرمولع بالفرسان فى عصورالنبل الإنسانى، لذلك فإنّ كلمتىْ (فرس وفارس) تتردّدان كثيرًا فى معظم الدواوين، وكما فى القصيدة السابقة، بدأ القصيدة التى منحها عنوان (الفرس) وقال فيها ((نام الفرس على ضفة مين؟ وساب عينيها للأشواق.. وصاركلامى الحجامى.. آخر وسيله للإحكام.. فرس الطموح الرماحى.. صبح النهارده بألف جناح.. وفرشتْ روحى بطموحى)) وربط بين الفرس الذى منحه أجنحة للطيران، وبين أشواقه لكسرجاذبية الواقع فقال ((صحيت لقيتنى بانده له.. جوا قصيدتى بالشهوات.. شهوة جسد صدق النيه.. المليانه آهات..هوّ الفرس وأنا الفارس)) وهذا الفرس (المتخيل) هوالذى سيأخذه إلى الجماهيرالشعبية، وخاصة من الأميين فقال ((من غيرصراحه أوتلميح.. خدنى لشط العاميه صاحى النيه.. مع إنه فصيح.. جوّزنى روحه اللى غنيه بالملاغيه)) ولكن هذا الفرس يراه الشاعر/ الفارس أنه مثل جماهيرالشعب ((فيه البلاغه والوداعه والخرس)) أى جمع بين الوجدان النقى، ولكنه لايملك حرية التعبيرعن همومه. ولذلك يخاطب الفرس قائلا ((ساعد جروحك ع الفطام.. واكسرلجام الأسئله.. اللى تجيب ضهرك ورا.. وبدون ركوع للحساب.. صح وغلط.. تقدرتعيش.. فرس حرون.. مليان جنون.. إبداع حياه.. قلبى معاك.. حب ومدى لطوق النجاه))
ومن الأسئلة التى شغلتْ علماء العلوم الإنسانية عن اختلاف الناس فى رؤاهم وتوجهاتهم الاجتماعية والسياسية والدينية، عن هذا السؤال لخصه الشاعرفى قصيدة قصيرة بعنوان (إحنا وهمّ) قال فيها ((همّ منا وإحنا منهم.. وإحنا ما نستغنى عنهم.. بس ليه همّ كدا؟ دا إحنا زى النور لعنيهم.. وأما ندعى ربنا عشان يعينا.. ندعى برضه عشان يعينهم)) هذه الروح الإنسانية النبيلة تدل على أنّ الشاعريتمنى أنْ يكون (الاختلاف) فى إطار(الائتلاف) أى فى إطار(التعددية) التى تنبذ (الأحادية) مثلما قال الشاعرالفلسطينى الكبيرمحمود درويش: علينا مواجهة الاختلاف.. لنصل- فى يوم- إلى الائتلاف.
وفى قصيدة (أشجان) من ديوان (طفله بتحبى تحت سقف الروح) الصادرعن هيئة قصور الثقافة- عام 2012 يسأل ((يقرب لمين شجن الجحيم والتلج.. يعرف منين دم القرنفل والحرير والطير.. إنْ اختيار وجع الخضار زمنى؟ وليه تفيض يا صدرأمى ملايكه؟ فين دفين جيشانك وشايك)) هنا جمع بين المتناقضات ليخلق حالة شعورية، عن التوحد فى إطارالتنوع فى وحدة الكون، خاصة عندما ربط بين دم القرنفل ودم الطير.
وفى قصيدة (وترالسكوت) يعزف على نفس اللحن ليعمقه فقال ((كل العيون متسربلين منك يمام برى.. وحصان أخوك مكسورعلى برى.. والشعربيك مسكون)) وفى الأبيات الأولى قال ((وترالسكوت مش زى خيل مكبوت)) أى أنه سينطلق رغم كل المرارات. ولذلك قال فى القصيدة التى منحها عنوان الديوان (أنا المُهيأ للنزيف بالعشق والحنه..كانت سمايا بتشهق خوف من الأحزان.. كنت المهيأ للبكا والنوح) ولكنه تغلب على شعورالعجزفقال ((أنا م الألم بركان))
لغة شعبنا وطريقة كتابة الكلمة:
أجمع علماء (علم اللغويات) أنّ الكلمة تــُـكتب حسب نطقها، وقد التزم الشاعربهذا فى بعض قصائده فكتب الظابط) وليس (الضابط) بالعربى بل إنّ شعبنا أحيانــًـا ينطقها (زابط) بالزاى. وكتب ((ظبطتها بتغنى)) بدل (ضبطتها) وإنْ كان الأدق- كما فى الواقع- (زبطتها) وكتب ((شعرها الفاحم المـِـتساب على كتافها)) وهوهنا استفاد من بلاغة النطق المصرى، حيث أنّ (مـِـتساب) أكثربلاغة من (مسترسل) بالعربى. وكتب ((وبقيت مـِـتبتْ فيكى)) فاستطاع نقل البلاغة المصرية، لأنه فى حالة ترجمة نفس التعبيرللعربى ستكون (مُـتمسك بك) لكنها لاتؤدى نفس المعنى المصرى الذى يعنى (الالتصاق) بينما (التمسك) له بـُـعد معنوى بحت، كما أنّ (مـِـتبتْ) تترادف مع (مكلبش) وتوحى بها. وكتب ((قلبى نارصهللت)) بينما بالعربى (توهجت) وكتب ((نن عينك)) بينما بالعربى (بؤبؤ) وهى كلمة لايستخدمها شعبنا (أميين ومتعلمين)
وكان موفقــًـا عندما استخدم (فى معظم الدواوين) اللفظ المصرى (يادوبك) والأدق (يدوبك) وهواللفظ فى حالة ترجمته للعربى = بالكاد. كذلك كان موفقــًـا عندما استخدم (فى معظم القصائد) اللفظ المصرى (لساه) مثل ((لساه ماشى)) أى أنّ فلانــًـا ترك المكان منذ دقائق بالعربى. ومع ملاحظة أنّ لفظ (لساه) مستمد من اللغة المصرية القديمة فى مرحلتها الثالثة (القبطية) وكتب فلان ((طالع دوغرى)) أى مستقيم ولديه مبادىء يتمسك بها عند ترجمتها للعربى. وكتب ((لما انتى رايده)) بمعنى ترغبين أوتودين أوتــُـحبين بالعربى، خاصة أنّ البيت التالى أكــّـد على ذلك فقال ((والمعانى مشعلله ف الروح)) وبالتالى فإنّ (رايده) هنا لاعلاقة لها بكلمة (الإرادة) فى العربى، خاصة أنّ (رايد) فى اللغة المصرية القديمة تعنى (يحب) وهذا ما وعاه مؤلف الأغنية التى غنــّـتها ليلى مراد ((رايداك والنبى رايداك))
وكتب ((آخركلام متحاش)) بمعنى محبوس أوممنوع بالعربى. وكتب ((وطن حيران)) بينما هى بالعربى (حائر) لأنّ شعبنا اختصرالصيغ العربية المتعددة فى صيغة واحدة، فقال (جربان) وليس (أجرب) و(كسلان) وليس (كسول) و(تعبان) وليس (تعب) و(جعان) وليس (جائع) إلخ. وكتب ((ولاشغلتى الزوغان)) بمعنى الهروب بالعربى أوالتنصل من المسئولية أوعدم احترام الوظيفة مثلما نقول ((الموظفين بيزوغو)) وكتب ((دغدغ براحه فى الكتمان)) بمعنى أنه قمع رغباته وكبتها بالعربى، حيث أنّ (دغدغ) العربية تعنى دغدغة المشاعر، بينما بالمصرى تعنى (التكسير) مثلما نهاجم أى شخص ونــُـهدده فلنقول له ((اسكت أحسن أدغدغ دماغك)) أى أكسر دماغك. واستخدم لفظة (بس) كثيرًا وهى لفظة مستمدة من اللغة المصرية القديمة ويستخدمها شعبنا عشرات المرات فى اليوم فتقول الأم لطفلها (بس اسكت) ويعترض الموظف على مبلغ المكافأة فيقول ((همّ دول بس)) بمعنى (فقط) بالعربى والذى يتسامح مع غيره يقول له ((بس لو ما كنتش طيب وأمير)) إلخ. وكتب ((باع وسقف للى طواه)) بينما بالعربى التصفيق أى أنّ الشاعرانحازللنطق المصرى حيث يميل شعبنا إلى استخدام حرف (السين) بدل حرف (الصاد) فنقول (سدرى بيوجعنى) ولانقول (صدرى يؤلمنى) واستخدم كلمة (واد) بدل الكلمة العربية (ولد) حيث أنّ (واد) أصلها من اللغة المصرية القديمة وكانت تنطق (ياد) أو(ياض) حسب النطق فى المرحلة الهيروغليفية، وهوالنطق الشائع بين الأميين.
ورغم وعي الشاعربالنطق المصرى للكلمات، فإنه لم يلتزم به بصفة دائمة فكتب (ويصدقوا خطاويك) بينما النطق المصرى (يسدقو) وبدون ألف واوالجماعة لأنها حسب علم اللغويات مثل الزائدة الدودية. وكان يشبك الحرف المستقبلى مع الفعل أومع الضميرفكتب ((هتغير)) وصحتها ( ح تغير) حيث أنّ حرف (الحاء) يعنى المستقبل فى اللغة القبطية ويجب فصله عن الفعل و(أكثر) بالثاء وصحتها (أكتر) بالتاء لأنّ اللغة المصرية لم تعرف الحروف بين اللسانية (ثاء، ذال إلخ) ولذلك نقول (تعلب) ولانقول (ثعلب) ونقول (ديب) ولانقول (ذئب) إلخ. ونفس الشىء عندما كتب ((آخذ)) بالذال وصحتها (آخد) وهوما فعله عندما كتب ((وخدت نفسى حنان)) فاستخدم حرف الدال وليس الذال. كما كتب ((وقلت يمكن سدرها الوافى)) ولم يكتب (صدرها) بالصاد. وكان شديد الوعى بالمفردات المصرية عندما كتب ((المطره بتندع)) لأنّ ترجمتها إلى العربى يكون (السماء تــُـمطرمطرًا خفيفــًـا) ولكنه عاد إلى عدم الالتزام فكتب (يزقطط)) وصحتها (يزأطط) وكتب (ضحكتك) بالضاض وصحتها (دحكتك) بالدال كما ينطقها شعبنا.
يتصورالشعراء أنّ عدم الالتزام بالعربى يجعلهم يكتبون بالمصرى، وهوما يحدث اللبس وصعوبة القراءة مثل قول البرنبالى ((قوليلى رُدى)) وصحتها (قولى لى) وتكرّرعندما كتب ((أنا باقوللك)) وصحتها (أنا باقول لك) وهوما يقع فيه كثيرون. وعن التأرجح بين المصرى والعربى كتب (كما الفهد) بينما بالمصرى (زى الفهد) وكتب ((يزغرد) بالدال بيما شعبنا ينطقها بالتاء (زغروته) ومن بين ملاحظات علماء اللغويات أنّ شعبنا (الأمى) كان على وعى (فطرى) بعلم الصوتيات وخروج الألفاظ من الحلق، فيختارالأسهل، فرغم أنه استخدم التاء فى (زغروته) ورفض الدال، فإنه رفض التاء فى كلمة (تمغة) لأنها فى بداية الكلمة مع الميم فقال (دمغه) ومن مشاكل الكتابة بالمصرى لصق الحروف التى يجب فصلها بين كلمتين: مثال من ديوان (طرطشات) حيث كتب ((باندهله)) وصحتها (بانده له) بينما كتب الكتابة الصحيحة فى ((بتمد لك أشجان)) لأنّ أغلب الشعراء لم ينتبهوا إلى أنّ اللغة العربية بها حروف فى آخرالكلمة تمنع الاتصال مثل (الزاى) و(الراء) و(الدال) وحروف فى آخرالكلمة مع الاتصال مثل الهاء والحاء..إلخ وهى الحروف الغالبة فى العربى لذلك يكتب الشعراء (أسمحله) وصحتها- لسهولة القراءة (أسمح له) لذلك كان البرنبالى موفقا عندنا كتب ((كل الخلايق بصا له)) لأنّ حرف الألف من الحروف التى تمنع الاتصال. وكتب (كده) بالهاء وصحتها (كدا) بالألف لأنّ أصلها العربى (كذا) وهوما يقع فيه معظم الشعراء، كما يكتبون (على الشجر) وصحتها (علا الشجر) حتى لاتختلط باسم العلم (على) ولكنهم بما فيهم البرنبالى كانوا على وعى ببلاغة اللغة المصرية التى استغنتْ عن تسع أدوات فى العربى (هذا، هذه، هذان، هاتان، هذين، هاتين..إلخ) بأدة واحدة فنقول (الولد اللى، البنت اللى، الناس اللى..إلخ) ولذلك استخدمها العرب وانتشرتْ بينهم.
وشعرالبنبالى به الكثيرمن الجماليات مثل قوله ((عشربلابل وعدونى يستنونى.. ويصفوا عسلى من مناجل روحى)) فهنا بلاغة شاعرية جمعتْ بين دورالبلابل ومناجل الروح. ومثل قوله لحبيبته ((أنا بس باشتكيلك (أشتكى لك) وبافك عن نفسى.. بدل ما أموت فى ضل السكات)) فهوهنا عبــّـرعن القهرالاجتماعى والسياسى بالشكوى لحبيبته حتى لايقتله الصمت وعدم البوح وإطلاق صرخات الغضب، ولذلك اختتم القصيدة بمواصلة الغناء.
وكان البرنبالى على درجة عالية من النبل الإنسانى عندما كتب قصيدة بدون عنوان وأهداها لصديقه الشاعرالراحل خالد عبدالمنعم، الذى خطفه الموت وهوفى قمة نضجه الفنى، رغم صغر سنه. ولأنّ خالد قتله فيروس (سى) لذلك كتب البرنبالى ((شوف ست سنين من عمرك فاتوا إزاى.. من غيرما نحس.. تيودوربلهارس ما كانش بيفهم فى الأشعار.. ولاطعم المر فى حلق المصريين.... الموضوع أكبرمن طاهر.. وأكبرمن خالد.. أكبرمن ابن امبارح وابن اليوم.. كبد الوطن مأزوم)) وهكذا جمع بين رحيل صديقه الذى لم يجد (من المسئولين) أية مساعدة لعلاجه لأنه ليس من النجوم الكبار، حتى ولوكانوا متواضعى الموهبة، وبين هذا (الوطن) الذى لايعبأ بالموهوبيين الحقيقيين.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يستطيع العرب تحدى الكونجرس الأمريكى ؟
- الميديا المصرية والغزل فى الأصوليين الإسلاميين
- فخرى لبيب : شيوعى محترم كسرته الناصرية
- الوعى بقانون التغير وتقدم الشعوب
- البروفة الأولى للغزوات العربية
- العلاقة العضوية بين المؤسسات الدينية وأنظمة الاستبداد
- لماذا بدأت الديانة العبرية بالقتل ؟
- لماذا يقول الإسلاميون (فتح) ولايقولون (غزو)؟
- أليست الآيات المتعلقة بالواقع تؤكد أنها ليست سابقة التجهيز؟
- لماذا تحتفى الميديا المصرية بالإسلاميين ؟
- الاعتداء على الكاتدرائية المصرية والسجل الإجرامى للإسلاميين
- الاقتصاد واختلاف الأنظمة
- أحادية أخناتون التى انتقلتْ للديانة العبرية
- هل يستطيع اليسارالمصرى التخلص من كابوس العروبة؟
- لماذا إصرار العروبيين على التزوير؟
- لماذا لايهتم صناع السينما المصرية بمأساة ماريه القبطية؟
- لماذا انقسم أبناء الديانة العبرية ؟
- ثوابت الدين وتغيرالبيئة والزمن
- هل الشيخ محمد عبده من التنويريين ؟
- لماذا أحرق عثمان المصاحف ؟


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قراءة فى أعمال الشاعرطاهرالبرنبالى