أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أحمد صبحي النبعوني - شجرة توت














المزيد.....

شجرة توت


أحمد صبحي النبعوني

الحوار المتمدن-العدد: 5392 - 2017 / 1 / 4 - 09:46
المحور: سيرة ذاتية
    


اليوم وفي مثل هذه الذكرى ...ذكرى ميلادي الذي لم أحتفل به يوما... ولم يكن يعني لأحد غيري شيئا مهما ..سوى لوالدتي المتوفية التي أصبح الحنين إليها يزيد ويكبر كلما تقدمت بالعمر .. كانت فرحتها لا توصف علما إنني لست ولدها البكر أو الوحيد من الذكور مثلما كانت العادات سابقا ...لدرجة إن الداية أو القابلة (حجية صلوحة رحمة الله عليها ) أخذت تهلهل وتبشر الجمهرة بقدوم المولود أحمد وحتى يومنا هذا لم أعرف سبب أصرار والدتي التي كان لديها شابان ذكور وستة بنات غيري .. أصرارها على أن تنجب طفلا ذكرا أخر وهكذا وبهذه المناسبة كنت الطفل المدلل عند الجميع ...وفي مثل هذا اليوم في التاسعة ليلا أ عود إلى الوراء و أتسلق ركام الماضي الغابر .... من مدرجات الطفولة المشاكسة والعنيدة إلى أنسان هادئ أصبح يكتفي بالقليل ليسمو بروحه المعذبة عن صراع البشرية وأنتشار الظلم وعدم المساواة بشكل يفوق كل الأزمنة .... وجوه ملونة وكاذبة وحفنة من غبار الغربة ...يكتمل المشهد الجنائزي لكل ذكرياتنا التي سحقتها طاحونة عمرنا الذي هكذا ألفناه يتبدد بدقائق قصيرة دون تحقق ..لأحلام صغيرة أصبحت صعبة المنال .... مفهوم جميل ورائع كنا نجهله قبل الغربة هو أمتدادنا التاريخي ...أمتداد من ملاعب الصبا .... في الساحات الريفية الواسعة حيث الشمس لا تخجل من أحد ... لتفتق رائحة كل غصن وزهرة وحكاية لتكتمل طقوسها تحت شجرة التوت التي رافقتنا في كل مراحل حياتنا بفرحها وحزنها ... إلى البحيرات التي كانت تتشكل في الساحات أمام دارنا بفعل غزارة الأمطار وإلى السيمفونية الرائعة عند غروب الشمس التي كانت تعزفها عشرات الضفادع في موسم الربيع لتعلن موسم تزاوج الكائنات الحية أجمعها ... في عامودة مارست متعة اللعب حافياً وصيد العصافير والحمام وسرقة الحصرم من بيوت الجيران في حر الظهيرة حيث الجميع نائم وقطع الطريق على الماعز والأغنام التي تمر أمام بيتنا لأقوم بتجربة حلبها وشرب الحليب طازجا ...أو التسلل إلى كوخ دجاج جارتنا خالة نورة رحمة الله عليها وسرقة صوص صغير منه لأعيده في أخر النهار إلى أمه حتى لا ينكشف الأمر وأنال نصيبي من عقوبات الأباء التي كنا قد تعودنا عليها ومع ذلك كنا نخشاها .... وجربت ذات يوم تقليد بطلي المفضل دوق فليد في القفز لركوب جريندايزر من سطح منزلنا ... وبالطبع كانت الأرض مليئة بالرمل الناعم .
وفي الطفولة لا يعنينا الآخرون، ولا تعني الآخرين أخطاؤنا التي لن يتوقفوا عن البحث عنها حين نكبر وإن لم نخطئ لاخترعوها.
.وفجأة نشد الرحال في غفلة عن عواطفنا وأفكارنا ومدركاتنا وكأننا نخون أمتدادنا التاريخي بطعنة في الظهر فتسيل منه كل ما كنا قد أدخرناه من قصص وحكايا وبصمات واضحة هنا وهناك ... على جدران بيوت حارتنا أو ما تبقى لنا من أرث الأباء ... قطعة من الجلد ... او صندوق خشبي ... او ربما صورة قديمة معلقة على حائط وجودنا وتراثنا ... كان يشبه سفر التيه ... ليلا باغتنا الجميع لنهرب من واقع يفجر كل ما لا تستطيع أرواحنا تحمله ... لم يكن الأمر سهلا .. لتترك كل ما تعشقه من أرواح أو حاجات وإلى غير رجعة لأنك مسافر في طريق اللارجعة وتعلم إنك ستقضي كل ماتبقى من سنوات عمرك تحن وتذرف الدموع على ماض لن يعود ولن يتكرر أبدا .. كذاك الرجل العجوز الذي فر من أرمينيا عندما كان طفلا وفقد والديه وأستقر به الحال في عامودة وأصبح جدا لعشرات الأبناء ومع ذلك لم تكن الدموع تفارق جفونه وهو يتحسر على مسقط رأسه ووطنه لأن الذكريات خبز الأيام المُر صارت أثقل من أن تحملها روحي.



#أحمد_صبحي_النبعوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصاد السنابل
- أحلام مستغانمي ....ما بين فخامة المفردات والشخصية غير المتوا ...
- حافية القلب
- كل حلم جميل
- تسمية عامودا وقلعة ماردين
- هديل المخيلة
- محطات للرحيل
- ندم لا ينتهي
- قصاصات على حائط حبيبتي
- المرأة في زمن الحرب
- الليل وما يتبعه
- همسات تهطل عشقا
- خربشات الغربة
- دراما
- ألمانيا تخذل اللاجئ السوري
- التاريخ هو ماضينا السعيد والحزين معا
- مدينة الأحزان
- عذراء عاقر....قصة قصيرة جدا
- سرد الأمكنة
- وريقات تسقط بهدوء


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أحمد صبحي النبعوني - شجرة توت