أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي














المزيد.....

قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1425 - 2006 / 1 / 9 - 06:27
المحور: الادب والفن
    


إلى العزيزة بريهان ....

في الرابع الابتدائي عرفت إن مدينتي الناصرية والواقعة في الجنوب العراقي على بعد 15 كلم من المدينة المقدسة أور السومرية قد بنيت من قبل الوالي العثماني ( مدحت باشا ) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . ومن لحظتها ، أنا وأهل المدينة نكن احتراما كبيرا للرجل الذي خلق كيان المدينة وأسس لذاكرتها وجودا حضاريا طاف كما أحلام الفقراء بين غيوم الفقر والإبداع والجنود الشهداء ، حيث تميزت هذه المدينة بأنها أعطت لحروب بلادها العدد الأكبر بين ضحايا مشادات الحرب منذ حرب البلقان وحتى تهدم أسوار بغداد إمام رعد الألوية المجوقلة آلاتية من أريزونا وكنتاكي وسان ديغو ..
واعترف أنني منذ اللحظة التي سمعت بها باسم ( مدحت باشا بك ) وأنا أسعى لمعرفة التفاصيل الدقيقة لسيرة الرجل وأتخيل روحه الإصلاحية التي أكرمت وجودي بوطن لولاه لربما لم يلاقِِ أبي والدتي ليهيم بعينيها الناعستين ويقترن بها بعد أن فشل في زيجته الأولى لتأتي أمي ( مسماية ) بأنوثتها الطاغية وسحرها الريفي لتجعله يرمي قبعة الجندية ويصرخ في ساحة فضاء بيدر الرز: أريدها ..
أمي قالت : أشترطتُ عليه أن نذهب لنسكن المدينة ، وفي المدينة ولدت أنت .
لا ادري كم مرة قرأت عن مدحت باشا وعن محطات حياته وما تعرض له من فتن ومؤامرات وأعجبني فيه روحه التي كانت تتطلع إلى الحرية والحداثة والتي نال منها ما نال أن يموت بطريقة أرادها له ندماء سلطان قصر يلدز رغم إن الرجل كان قد خدم الإمبراطورية العلية بكل أمانه .
تاريخ الرجل معروف . وقصتي الحميمة معه بدأت في صباي وربما كنت في الصف الأول المتوسط أو الثاني لا ادري فما يحدث الآن على مستوى الاغتراب والشعور بالخوف والإقصاء وعدم الحصول على فرصة العيش الآمن ينسيك فصولا كثيرة من سيرتك الذاتية تلك التي لا تشبه بحال من الأحوال مشاعر بابلو نيرودا وهو يكتب سيرته المسماة ( اشهد إني قد عشت ) فهنا قد تنقلب الآية لتكتب ( أشهد إني قد مت ) وهذا ما ينسيك الحوادث ويضبط أزمنتها .
على كل حال في تلك الأيام لفتت نظري صورة قديمة لسيدة تشع بجمال غريب وهي ترتدي محرمها الشرقي ولكن وجهها يشع بضوء حزن غريب ، حزن تختمر فيه فصولا لا تنتهي من حكايات عهد ما
والذي شدني أكثر وجعلني احتفظ بالصورة إنها كانت تمثل زوجة الوالي مدحت باشا وعرفت بأنها زوجته الشركسية .
لم افهم ماذا تعني كلمة شركسية ، ولكنني وعلى ضوء الفانوس حيث دخلت الكهرباء بيتنا وأنا في المرحلة الإعدادية ( أديسون قال : أعطيت الكهرباء للفقراء فلم يرثوا منها شيئاً ) قرأت ضوء هذه العيون وفسرت حزنها وعرفت إن المرأة لم تكن تركية صاغ إنما كانت من أثنية أخرى وهو ما أرشدني إليه مدرس التاريخ في اليوم الأخر ، ومن لحظتها صرت التهم تاريخ هذه الأثنية القفقاسية وأرى وأقرا سيناريوهات لا تحصى عن وجودها المشتت في ساحات المعارك أو حمامات قصور وزراء وباشوات بني عثمان أو وهم يوقدون اراجيل ليل السمر الأسطورية من ليلة محمد الفاتح الأولى وهو يفك لغز أسوار قسطنطينية وحتى إرغام أتاتورك آخر خلفاء الإمبراطورية على البصم على ورقة العلمانية والتغيير والتنازل .
ظلت الصورة تسكن ناظري ، وكانت تشخص بسحرها الذهبي كلما اقرأ نصا تكون فيه الروح الشركسية موجودة كالتي التي كتبت في سلسلة روائية عن الحياة الخاصة لسلاطين عثمان وتاريخ الدولة العثمانية وحياة السلطان عبد العزيز وكذلك ماقراته في الفصول الممتعة لكتاب الدكتور علي الوردي ( لمحات اجتماعية في تاريخ العراق ) وفيه جانبا مهما من حياة مدحت باشا وأسرار ما تعرض وحيك له وكنت في كل قراءة أضع عيون زوجته الشركسية التي وجدتها مشعة كدموع ملونة في الصورة التي احتفظ بها ، فعرفت من خلال تعدد القراءات مدى تعلق الوالي بزوجته الشركسية ومدى ثقته بأمانتها ولهذا كانت مستودع أسراره والصوت الذي يهديه إلى الخطوة الأخرى وهو ما أضرم عليه ربما نار الحقد وجعل العيون تراقبه وتحسب خطواته .
وكنت أضع من خلال القراءات القليلة لهذه المرأة المخلصة سيناريوهات عديدة لما حدث لها بعد موت أو قتل الوالي وهي تمتلك من أسراره الكثير حيث حملت رسائله إليها جوانب مهمة من حياة الحركة الإصلاحية التركية التي مهدت لإنشاء الجمعيات السرية التي تنادي بتعديل الدستور المقيت للدولة وكانت حافظة لتلك الرسائل بأمانة وإصرار . وكم كنت أتمنى لو أن هذه المرأة الصالحة قد قررت لتعيش في مدينتي . الناصرية تلك التي بناها زوجها ، فالمدينة حتماً ستكون أمينة لتدافع عنها ولتكفل لها حياة تليق بامرأة رجل عظيم منح للمدينة حياة لتقف على قدميها وتجمع شتات الأرياف في حاضرة مدنية جلبت المدارس والمشافي والحدائق الجميلة .
لكنها ربما لم تضع في بالها هكذا وربما فكرت بقريتها القفقاسية الأولى هناك حيث ولد والديها .
وأتصورها وهي تشد الرحال إلى بلدتها النائية في ليلة اسطمبولية ماطرة وليس معها سوى حوذيها الأمين وجاريتها المخلصة ، وخلسة ذهبت هناك لتفني جمالها وعمرها بالدموع وأسرار الرسائل وذكريات خشونة اللحية البيضاء الطيبة للوالي المغدور .
اعترف إن الوجه الشركسي للمرأة الجميلة من الوجوه الذي ظلت معلقة في ذاكرتي وقد كان محفزا لنبوغي الأول لقول الشعر والقصة وكلما ألاقي صديقا من أبناء المدينة من الأصول التركية أو الشركسية أتذكر ذلك الوجه الوديع كقطة نائمة وأساله لماذا لم يأتِ إلى مدينتي ويبقيَ شيئا من سلالة مؤسسها يمشي في عروقها ......؟



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة.. شارب دالي ودولة مالي وردود أفعالي .
- البصرة دمعة نخلة وتوابل قبلة خضراء
- قصة قصيرة ..البرتقال وام اولادي
- قبعة مكسيكية .. وموسيقى موزارتية .. وقصائد سريالية
- قصائد كتبتها نيابة عن أندريه بريتون
- عام مندائي آخر .. وسيغطيني النور برداءه الأبيض
- أمنيات 2006..العراق في حاضنة الورد وليس في حاضنة المفخخات
- قصة قصيرة ..الليل ومدونة القلب
- عام جديد .. رسالة حب وحبة كرز ودمعة قطة
- توصيف اللحظة الرومانسية
- الورد الكردي ..يرتدي القمر دمعة ، وطحين كيمياوي
- الكلمة ...الله ... المرأة
- عولمة .... أو لنقل الزمن الأمريكي
- أنا .. وطفولة وداعاً غوليساري
- دمع المطر يغسل أرصفة عينيك بموسيقى نحيب العشب
- شئ من موسيقى الذين ذهبوا
- في عاصفة الثلج ، جسدي يسرق معطف القمر
- موسيقى .. البيت
- جسد من نعناع .. يصنع الشهوة والشعر معا
- عبد اللطيف الراشد... موت الشعر الذي لا يشبهه موت


المزيد.....




- -القلب يعشق كل جميل-: أم كلثوم تغنّي فرحة الحج بلغة البسطاء ...
- ظهور خاص لبيلا حديد في كليب فنان عربي (فيديو)
- وفاة الملحن المصري الشاب أمير جادو
- -فنان العرب- يظهر في عيد ميلاده.. -روتانا- تحتفل به وآمال م ...
- فنانة لبنانية ترقص وتغني على المسرح في أشهر متقدمة من الحمل ...
- “فرحة للعيال كلها في العيد!” أقوى أفلام الكرتون على تردد قنا ...
- موسيقيون جزائريون يشاركون في مهرجان الجاز بالأورال الروسية
- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي