عاطف الدرابسة
الحوار المتمدن-العدد: 5373 - 2016 / 12 / 16 - 04:38
المحور:
الادب والفن
قلتُ لها :
مرَّ العُمرُ كمُتشرِّدٍ ، أو كخيلٍ بلا لِجام ، كأنّي ما عانقتُ امرأةً ، ولا استنشقتُ عطراً ، ولا حرَّرتُ وطناً ، ولا أسندتُ رأسي على صدرِ أُمّي ، فأنا ما زلتُ إلى اليوم على علاقةٍ مشبوهةٍ معَ التّاريخِ والصُّدورِ العارية .
مرَّ العُمرُ وأراني كالشُّعوبِ البدائية ؛ أعتقدُ بأنَّ الأرضَ يحملُها رأسُ ثورٍ هائج ، وبأنَّ الفينيقَ يأتي كلَّ عام ، ليُمارسَ طُقوسَ الاحتراق ، ومن رمادهِ تُبعثُ الحياة .
مرَّ العُمرُ وما زلتُ كبلادي ، طفلاً قاصراً تحتَ الاحتلالِ ، وتحتَ الرعايةِ الدوليَّةِ .
كلّما كتبتُ قصيدةً ، أو غازلتُ امرأةً ، أو عشقتُ قملةً يجبُ أن أستأذنَ من صاحب المقام الأرضي .
مرَّ العُمرُ وأنا لا أعرفُ نفسي ، هل أنا شهيدٌ ؟ أم هل أنا قتيل ؟ هل أنا من أهلِ اليمينِ أم من أهلِ اليسار ؟
مرَّ العُمرُ وأنا أبحثُ عن هويتي في شعرِ عنترة وطرفة والمُتنبي والمعرّي والسيّاب ونزار قباني ؛ فلا أجدُني إلّا كائناً ممسوخاً يقفُ على أطلالِ عبلةَ وخولةَ يبكي خيلَ العربِ ، وليلَ العربِ ، وسيفَ العربِ ، وقلمَ العربِ ، على أنغامِ أُنشودة المطرِ في بغداد ، ودموعِ بلقيسَ في اليمن .
مرَّ العُمرُ وما زلتُ لا أعرفُ الفرقَ بينَ إلياذةِ هوميروس وملحمةِ جلجامش ، ولا أعرفُ الفرقَ بينَ بيتهوفن وعمرو دياب ، ولا الفرقَ بينَ الراهبةِ والعاهرةِ ، أو العولمةِ وربِّ البندورة .
مرَّ العُمرُ وأنا أبحثُ عن الفرقِ بينَ الطائفيةِ والديموقراطيّةِ ، وعن الفرقِ بينَ الزهايمر وداعش .
مرَّ العُمرُ كمطرٍ عقيم أو كغيمةٍ ميّتةٍ ، أو كشحّاذٍ بلا عُيون ، يستجدي امرأةً لم يتبقَ في فمها سوى سنٍّ واحدٍ آيلٍ للسُّقوط .
مرَّ العُمرُ وأنا أبحثُ عن عمرٍ بلا حربٍ أو فتنةٍ أو خيانةٍ أو فسادٍ أو انتحار .
الآن عرفتُ سرَّ جنون نيتشه ، وسرَّ انتحار هامينغواي ، وسرَّ إعدام لوركا ، وصرع دستوفسكي ، وهواجس جويس ، وانتحار تيسير سبول ، وخليل حاوي ، وفيرجينيا وولف .
د.عاطف الدرابسة
#عاطف_الدرابسة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟