أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - الاجتياز














المزيد.....

الاجتياز


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5342 - 2016 / 11 / 13 - 14:08
المحور: الادب والفن
    


الاجتباز

ما هذا الوباء الذي الجأنا إلى الفرار العشوائي بعد أن تفشى بنا، ودخل علينا في الحارات والأزقة والبيوت، دونما ندري مصدرا له، ولا وكيف جاء، وما اسمه الطبي، وما هي اللقاحات المضادة له، إنها العدوى التي لم تخطر لنا على بال، فلم تحفظ لنا ذاكرتنا ما نستجلب منها خبرات تدرأ عنا غائلة هذا الوباء، فارضنا الجميلة الخضراء التي نغرق بها اطمئنانا إلى عيشنا وأمننا واكلنا وشربنا، كانت دوما عصية على الأمراض الفتاكة، والكوارث البيئية.
ها نحن نحزم أمتعتنا استعدادا للفرار الذي نجد فيه اتقاءً لمرض واتقاءً من موت محتم، يداهمنا كعاصفة من الأمواج البحرية، عمياء لا تدري وجهتها، ونحن القارب الصغير الذي لا يدري أين يتوارى، تدفعه موجة إلى أخرى تلطمه بعنف كأنه لعبة في يد طفل عابث.
هرولة جماعية نحو الوادي الممتد إلى الأسفل، دون سابق تخطيط أو تفكير وإدراك، حيث هناك متسع من المكان نتذارى فيه، ها هي أم تحمل أولادها الثلاث لأنها لا تستطيع أن تساير مشيتهم البطيئة المتعثرة ، تنوء بحمل مضاعف يدعوها للتعثر في كل لحظة، ورجل شيخ اقرب في إبصاره إلى العمى المطبق، يقوده إلى المواطن السهلة يافع كأنه حفيد له، وحمار يحمل أمتعة غير منضدة على ظهره ولا مربوطة بعناية، تسقط هنا طنجرة لم يحكم ربطها، وتعلق فرشة بغصن يابس تدلى فوق الطريق، واثنان يحملان مريضا على نقالة يحاولان جهدهما أن لا تنزلق إحدى أقدامهم فيسقط المريض، وذاك المصور الذي يقتنص اللحظات المدهشة يلقطها دون استئذان من احد، لعله يستثير بها أعين القراء الفضولية، والدمع الكاذب الذي ينهمر نفاقا.
كان هؤلاء البائسون هم افضل حالا من أولئك الأشخاص الذين تساقطت أجزاءهم كأنها كانت معلقة بهم بصمغ أو غراء رديء، أيديهم سقطت أو أرجلهم أو آذانهم وأنوفهم أو جلد الوجه حتى باتوا يسيرون بجماجم نتنة كأنهم خرجوا من مقابرهم، يسيرون زحفا أو دحرجة أو يشحطهم كلب في طرق متربة، يخطون عليها رحيلهم كبصمة إقرار واعتراف.
على حافة الوادي المترع بالماء المتدفق الآسن، كان القوم مختلطون بمن جاورهم من البلدات القريبة التي انتابها ما انتابهم من وباء، يتعارفون بكلام مترع بالعاطفة الحزينة، يتشاكون لبعض ما حل بهم ، يتباكون بصمت لا يثلم كرامتهم ولا يسلمهم لليأس، لا يدرون إن حملوا الوباء معهم أم تركوه هناك؟ يتداولون فكرة يبحثون لها عن حل ممكن ، يتساءلون إن كان بإمكانهم أن يجتازوا، هذا الوادي إلى العدوة الأخرى ، لكن خوفهم من غوائل النهر يجعلهم يحجمون، ويتكلمون عن مهارة السباحة التي لا يدرون حذقهم بها . وما يخبئه لهم النهر من خفايا يقتحمونها على جهل منهم أو ضعف.
ها هم أصحاب المبادرة وعشاق المغامرة يشمرون السواعد والسيقان لكي يمروا عبر هذه المخاضة الغامضة التي تخفي اكثر ما تبدي ، لكنها الحياة التي تدفع نحو التجريب و المغامرة ، كانوا رجالا ونساء شجعانا حملوا أمتعتهم على رؤوسهم وأطفالهم على أكتافهم وراحوا يتحسسون قاع النهر بأقدامهم العارية، يدارون برودة سرت من الماء عبر أقدامهم، ودفق الماء الذي اصبح اقوى مع تغوطهم في الماء، حتى غدت قواهم تتوزع ما بين تثبيت الأقدام والتحرك للأمام ومقاومة التيار المتدفق من الجانب ، بدا الترنح شديدا على الأضعفين منهم، فها هي بقجة سقطت من على رأس امرأة جرفها السيل وبقيت متشبثة بطفلها على صدرها مشتتة الذهن وبالتالي مشتتة القوى، جعلها تنزلق هي وطفلها، صرخت صرخة قوية ما لبثت أن أغرقها الماء المتدفق إلى فمها، نظر نحوها ذاك الرجل الذي يحمل صندوقا فما رأى إلا اطراف ثوبها وهو يرف على سطح الماء ، وطفلها الذي يتدحرج فوق الماء وتحت الماء، يبدو واضحا ببلوزته الحمراء، لعله يحاول السباحة التلقائية كالأطفال، لكن التيار كان اقوى منه، جعل ما اكتسبه في الرحم من مهارة العوم والغطس، غير ذات نفع، وما عاد يقوى على الصمود، أما الرجل ذو الصندوق تشتت ذهنه وهو يتابع الطفل وأمه، فسقط منه صندوقه، اقفل فمه وغاص خلف الصدوق الذي جرفه التيار بعيدا، لعله كان به ما كان بحرص عليه، من اسفل رأى سيقان النساء التي ترفس في الماء لعلها تحاول أن تبقي على نفسها طائشة، ها هي واحدة تنقلب على نفسها وتغوص، يتلقفها قرش ابيض يقضمها فتنثر دماؤها، تخضب النهر الذي لا يهتم بأي لون يكون، نفد الهواء من رئته فصعد كمحترف سباحة، هاله اتساع الوادي الذي اصبح بحرا عميقا به القروش والحيتان والدلافين، تراها من أين جاءت، وفي علمه انه الوادي الذي خبره طفلا ، يمخره من الحافة إلى الحافة دون عناء، يلتقط منه الأسماك بشراك يصنعها من مزق الثياب التالفة.
منهك هو لا يدري كيف يثبت نفسه على حافتي الطفو والغرق ، يرى زعنفة مشرعة كالسيف تشق الماء نحوه، ارتجف رعبا إذ أيقن أنه مشرف على الموت بين أنياب هذا المفترس، لا يدري كيف يتقي كل هذه المخاطر التي تتتالى بعضها إثر بعض، تَشَهّدّ بعض التّشّهدِ في فسحة الموت القادم على بعد هنيهة، لكنه وجد نفسه مرفوعا على انف الدولفين، ينزلق عنه نحو اليمين ونحو اليسار، والدلفين يعينه على الثبات ما امكن، يحاول أن يبعد عنه القرش المميت، وبمنحه الفرصة للسباحة نحو الشاطئ.
هناك على الضفة الأخرى كان الواقفون في الانتظار رجال يعرفون مهماتهم تجاه القادمين، لعلهم يأخذون منهم ضرائب المرور، وهدايا يحملونها أو يهبونهم إياها كهدايا أو رشاوى ، لكن كان أول الواصلين طفلا ذا بلوزة حمراء ، انهكه الموت ، فارتمى على وجهه ، وتوالت بعده أشلاءٌ أفلتت من فم القروش والحيتان، أو تركتها شبعاً أو تخمةً من صيد هذه المخلوقات المهاجرة.



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية
- بين الدين والفكر الديني
- المرأة في الفقه البدوي
- العنوسة
- مذهب النقل والعقل في تراثنا
- إلى الكتبة الفلسطينيين الذين يزيفون الوعي
- الأفكار الميتة
- الأفكار الحية والأفكار الميتة
- هوس القتل في فقه الأقدمين
- عبد الملك الحوثي حيث ينتحر
- ماذا بعد هزيمة داعش
- هل يكفي دولة واحدة للخلافة؟
- إلى روح سميح القاسم
- قبل أن يهدأ غبار الحرب
- كيف نحمي الشعب من الحاكم


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - الاجتياز