|
الثقافة لا تعرف ميري ريغيف
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5293 - 2016 / 9 / 23 - 20:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نعرف أن كلمة ثقافة فيها المساحات والفضاءات الواسعة التي تحمل روعة وابداع الانسان ، كلمة ثقافة تختصر ضخامة الفكر والمعرفة وتحمل مفاتيح البيوت المسقوفة بقرميد اللغات والفكر والتجارب والتراث البشري الإنساني ، وترسم الخطوط البيضاء والأضواء تحت خطوات الانسان الذي يسعى للتعلم دائماً . هذا ما عرفناه عن الثقافة عبر علاقاتنا مع قبائل الانصات والقراءات والصفحات ورؤيتنا للفن والفنون بكافة اشكاله وتوجهاته ، وحين نلتهم تفاحات المعرفة ونشترى صناديق التفاح من الأراضي التي تتنفس عشق الوجود ، وزرع بذور الفن والجمال. لكن اكتشفنا أن كلمة ثقافة عند البعض قد تحمل أيضاً لغة ترويض أسود التاريخ وادخالهم الى قنوات لا تتسع لمرور فئران ، واذا صرخ يوماً وزير الاعلام الألماني زمن هتلر غوبلز " اضع يدي على مسدسي عندما أسمع كلمة ثقافة " لأنه اعتقد أن الثقافة معناها تحريض وفتح مغاليق العقول وتمرد على الواقع ، فإن هناك من يحاول وضع الثقافة في ميزان الغارات الاحتلالية ، ويؤسس لثقل الميزان غضباً مغطى بالتجاهل ومسح ثقافة الآخر ، عن طريق فرض مناهج دراسية لا تمت له بصلة أو تحريفها وتغييرها ، وتطويق لغة وتاريخ الآخر بأساليب الممنوع ومحاربة ابداعه . وزيرة الثقافة الإسرائيلية " ميري ريغيف " من بين هؤلاء الذين يحاولون تغطية شمس الثقافة الفلسطينية ، فكلما وجدت نفسها أمام وجه من وجوه الثقافة الفلسطينية ، تنزع مسامير كرسيها كوزيرة مسؤولة عن الأجواء الثقافية ، و تدق المسامير في لافتة الاحتجاج بطريقة فجة ، بائسة ، متناسية أن الثقافة الفلسطينية أكبر وأوسع من ابتسامة رضى أو رفض الوزيرة ، التي تقف بالمرصاد لكل ابداع فلسطيني ، بسبب أن منصبها يحتم عليها احتواء جميع سكان الدولة ، فهي وزيرة للجميع ، وأيضاً نحن نعيش زمن الفضاء المفتوح على الجهات الأربعة ، ولم يعد هناك كلمة تختفي أو فرشاة تكسر أو قصيدة تصادر أو قصة تمنع ، فكل شيء سيخرج للعلن . آخر تصرفات وزيرة الثقافة " ميري ريغيف " تركها الحفل احتجاجاً على أغنية مطرب الراب العربي " تامر نفار " الذي قام بغناء قصيدة الشاعر محمود درويش " سجل أنا عربي" وذلك في حفل توزيع الجوائز للأعمال السينمائية لعام 2016 . كأن الوزيرة تعتقد بتصرفها هذا تلغي قصيدة الشاعر محمود درويش "سجل أنا عربي " وتلغي صوت تامر نفار ، وتلغي وقع القصيدة على الأجيال الفلسطينية التي شربتها حتى الثمالة ، وأصبحت جزءاً من تراثه وهويته . خروج وزيرة الثقافة من القاعة أمام الحضور يؤكد ثقافة الوزيرة التي لم تتحمل أغنية فلسطينية ، بل تعاملت بأسلوب القمع والكبت والرفض غير القادر على احتواء ثقافة الشعب الذي يقوم شعبها بإحتلاله ، بل رغم الاحتلال تريد مصادرة فكره ورأيه وثقافته، وقد حاولت التخفيف من حدة خروجها من القاعة، بأن قالت : أنها توافق على قصيدة " سجل أنا عربي " ولكن نهاية القصيدة دفعتها للخروج ( لكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي .. حذار حذار من جوعي .. ومن غضبي ..) لأن فيها تحريضاً ضد اليهود . لا نعرف من أين أتت الوزيرة أن فيها تحريضاً ضد اليهود ، مع العلم أن هذه الأبيات الشعرية قد تصلح لكل انسان ولكل شعب ، فكل من يجوع ويغتصب هو على استعداد لكي يأكل لحم من يغتصبه ويقوم بتجويعه . لقد عرفت الشعوب التي وقعت تحت نير الاستعمار والاحتلال القمع والرفض وتجاهل تراثه وأدبه وفنه، لكن بعد نيل الاستقلال والتحرر كانت الابداعات تخرج لتسجل تاريخاً حقيقياً لتلك الشعوب ، بينما يكون النسيان لتلك الأصابع الخفاشية التي منعت ومحت ومسحت ، ولم تتذكر الشعوب الوزير والمسؤول الذي منع وشطب ومسح ، بل تتذكر القصيدة والرواية والقصة والأغنية والفلم واللوحة والرقصة . الوزيرة " ميري ريغيف " تتجاهل القصيدة ، وهي غداً ستخرج مثلما خرجت قبلها " الوزيرة السابقة " ليمور ليفنات " التي منعت وضع قصائد محمود درويش في المنهاج الدراسي العبري ، ولنتذكر.. لقد بقي محمود درويش ، ولم يعد أحد يتذكر لفنات وغيرها . في الوقت الذي خرجت فيه " ميري ريغيف " من قاعة الحفل رغم غضب الكثير من المتواجدين ، كان هناك في العاصمة الفرنسية باريس ، في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي ، على الرفوف جماجم معروضة ، جماجم لرجال من المقاومة الشعبية الذين قتلوا خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر من الجزائر ، من بين هذه الجماجم جمجمة للمقاوم " محمد لمجد بن عبد المالك " المعروف باسم شريف بوبقلة ، وجمجمة للشيخ بو زيات قائد مقاومة الزعاطشة سنة 1949 . وقد اعترف مدير المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي ، أن هناك مئات الجماجم في علب من الورق المقوى موضوعة في خزانات حديدية ، والآن يوجد حملة في الجزائر لتحرير هذه الجماجم من المتحف واعادتها للجزائر لدفنها كما يليق بها . نحن نملك جماجمنا حيث ندفنها في تربة الاعتزاز والفخر ، لكن نطالب الوزيرة " ميري ريغيف " تحرير جماجم القصائد والابداعات الأدبية والفنية الفلسطينية وتمريرها في المناهج العبرية لكي يعرف الشعب اليهودي عن ادب وفنون الآخر ، ولا يبقى الآخر في نظرهم على هيئة سكين يطعن في الخلف .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطفل خالد الشبطي يركب الطائرة مع ليلى خالد
-
ما زالت ذاكرتي في حقيبتي
-
الفن يزدهر في تربة السياسة
-
صورة سيلفي مع ثور وكوز صبر
-
نساء -داعش - بين فتنة السلاح والنكاح
-
الموت غرقاً ورائحة الخبز أبعدت زكية شموط
-
غزة انتصرت لكن ما زال دلو الركام في عملية خنق الرقاب
-
عن غزة وجيش المفاجيع بقيادة نانسي واحلام ووائل كفوري
-
في غزه الوقت من دم
-
التنسيق الأمني وبنطلون الفيزون
-
ابو مازن في غرفة مغلقة والستائر سوداء مسدلة
-
الجريمة والعقاب
-
يهوشوع بن نون يجلس في حضن المهندس الفلسطيني..!
-
امريكا الأمير ونحن حذاء السندريلا
-
تعالوا نسافر بلا عودة..!!
-
-غندرة مشي الفدائي غندرة-..!!
-
حملة -اخبر ابنك- امام حملة -أنجب ابنك- رغم القضبان
-
سلوى + سعاد = الرجاء اصمتا..!
-
أنا ارتعب وأخاف اذن أنا موجود..!!
-
رمضان بأي حال عدت يا رمضان..؟
المزيد.....
-
السيسي يعزي البرهان هاتفيا في وفاة نجله بعد تعرضه لحادث سير
...
-
مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون يتحدثون عن أيام لإتمام صفقة الر
...
-
مقتل 5 فلسطينيين في الضفة الغربية
-
وسائل إعلام فلسطينية: -حماس- وافقت على المقترح المصري لوقف إ
...
-
القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تصدر بيانا بشأن وفاة
...
-
قوات كييف تهاجم قرية موروم بطائرتين مسيرتين
-
دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية تضر بنمو الدماغ
-
مصر.. القبض على المتهم بالتعدي على قطة في محافظة بورسعيد
-
الأسد: في ظل الظروف العالمية تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهم
...
-
مصر.. الحبس 3 سنوات للمتهمين بقتل نيرة صلاح طالبة العريش
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|