أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نبيل عودة - يوميات نصراوي: تجربتي في الحركة الشيوعية















المزيد.....

يوميات نصراوي: تجربتي في الحركة الشيوعية


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 5293 - 2016 / 9 / 23 - 12:02
المحور: سيرة ذاتية
    


يوميات نصراوي: تجربتي في الحركة الشيوعية
نبيـــل عـــودة

سنتان في الاتحاد السوفييتي
قضيت فترة هامة من حياتي في الاتحاد السوفييتي، ضمن اطار الدراسة الجامعية في معهد العلوم الاجتماعية ، حيث درست العلوم السياسية ، الفلسفة، الاقتصاد السياسي ودورات في الصحافة وعلم النفس الاجتماعي وكانت فترة ذهبية من حياتي الشخصية والفكرية.
كان عدد الطلاب في الصف الذي درست به في السنة الأولى طالبان فقط، في السنة الثانية كنت تقريبا طالبا وحيدا في الصف، وفر لي المعهد محاضرين منهم باحث جاء من اوزباكستان الى موسكو لمدة شهر ليقدم لي سلسلة محاضرات، هي بالأساس كتاب بحثي له عن الاستقلال الاقتصادي للدول العربية بعد استقلالها السياسي، كان من طلاب إبنة عمي المستشرقة السوفييتية بروفسور كلثوم عودة التي اسست وأدارت معهد اللهجات العربية في موسكو، وكان له حديث ذكريات ممتع عن استاذته كلثوم عودة..اسمه مولود عطاللوف!!
تبين لي فيما بعد ان البحث الذي اعده مولود عطاللوف مجرد لغو سوفييتي لا علاقة له بالواقع الاقتصادي المتخلف والمتهاوي للعالم العربي ، خاصة لما يعرف بالدول التقدمية التي تحالفت مع الدولة السوفييتية مثل مصر ، سوريا ، العراق والجزائر !!
ما ص عليه كطلاب في المعهد الشيوعي، وهو معهد دولي للدراسات الخاصة بالقيادات الشيوعية لشيوعيين من مختلف دول العالم، كان حلما انسانيا لا يمكن تخيله من حيث ما وفر لنا من مخصصات مالية وصحية ودراسية ونقاهة، يكفي أن اشير ان معاشاتنا الشهرية كانت تزيد ب (20%) على الأقل من معاش أي طبيب اختصاصي بلقب بروفسور طب في ذلك الوقت.
ضمن الدراسة كانت لنا زيارتان هامتان ، زيارة الى جمهورية اذربيجان استغرقت ما يقارب الشهر تقريبا، عشنا بما يشبه ليالي الف ليلة وليلة، وزيارة لمدينة لينينغراد، التي استعادت اليوم اسمها القديم بطرسبورغ.. وهي من اجمل المدن التي زرتها وخاصة متحف الأرميتاج الذي لا ثان له في العالم، من حيث كنوزه الفنية وكميتها الهائلة التي وزعت على ثلاث مبان في مركز المدينة منهم قصران ضخمان. زيارة جادة للمتحف تحتاج الى اسبوع كامل على الأقل وعشر ساعات يوميا، طبعا تشتهر لينيغراد بالحدائق الرائعة وأهمها حديقة بطرس الأول حيث يوجد قصره الصيفي والذي تحول الى متحف أيضا. هذا الى جانب الليالي البيضاء في لينينغراد من الفترة التي تبدأ بشهر ايار ايار وتنتهي بشهر حزيران.
لم اكن اعمى البصر او البصيرة وقد شاهدت الفجوة الكبيرة بين جمهورية اذربيجان وعاصمتها باكو مع مستوى حياة سكان موسكو او لينيغراد ، طبعا ما قدم لنا من دعاية كان كفيلا بجعلنا نرى اللون الأسود لونا أبيض ناصع البياض ، لكني دربت عقلي منذ بداية وعيي ان ارى الحقائق بحسي وعقلي. وقد تأكدت ظنوني من واقع الحياة في كولوخوز (مزرعة تعاونية) زرناها وشاركنا مزارعيها في سبت العمل الشيوعي، انتبهت انها تفتقد لطرقات صالحة للسيارات، منازل للفلاحين صغيرة وضيقة وبعضها أشبة بمنازل مخيمات اللاجئين، الشيء الجيد انه في الكولوخوز توجد قاعة كبيرة للاجتماعات او للحفلات الراقصة، عقد اجتماع سياسي اثناء زيارتنا للاستماع الى "خطاباتنا الثورية" وعظمة النظام الاشتراكي بالمقارنة مع النظام الرأسمالي الاستغلالي ، طبعا حضر مواطني الكولوخوز الاجتماع ، كانوا يصفقون بناء على تصفيق قائد الحزب الشيوعي الأذربيجاني في وقته واسمه علييف واصبح بعد تفكك الاتحاد السوفييتي رئيسا لجمهورية اذربيجان.
انتبهت اننا في مهزلة خطابية الجمهور في القاعة لا يفقه ما نقول ولا يهمه ما نقول ويبدو ان حضوره كان ضمن الواجب الذي يعرض المتغيب لعقاب، حين جاء دوري الغيت نص الخطاب المعد سلفا وارتجلت خطابا بدون ان اعلنها ثورة ضد الاستعمار وضد الرأسمالية الاستغلالية، تحدثت عن الاستقبال الرائع لنا في الكولوخوز، عن الحفل الراقص في قاعة الكولوخوز، عن كرم الضيافة وعن مشاركتنا بسبت العمل الشيوعي ، ولولا ان امسكت لساني لتحدثت على الصبايا الساحرات اللواتي جعلوا سبتنا الشيوعي سبتا دونجوانيا لا يمحى من الذاكرة ، تمنيت ان نعود لزيارتهم وقد أصبح للكولوخوز شارعا حديثا وبيوتا حديثة لأعضائه. طبعا لم يصفقوا لي مثل التصفيق لزملائي اصحاب الخطابات الثورية. انما علمت ان سكرتير عام الحزب الشيوعي الأذربيجاني غاضب مني وابلغ ادارة المعهد باني انحرفت عن برنامج الخطابة وتحدثت بما لا يليق برفيق شيوعي ضيف.
حوسبت في موسكو وكانوا غاضبين مني وربما فكروا بطردي لأني شيوعي سيئ. انتقدت نفسي بناء على نصيحة استاذي للاقتصاد السياسي، الذي مدني بمعلومات مثيرة بعد ان اطمأن بأن التلقين لم يفقدني قدرتي على التفكير المستقل. ومنذ ذلك التاريخ اصبح الشك أيضا عنصرا سائدا في تفكيري، حررني من التحول الى مجرد متلقي لا ضرورة ليفكر، لأن هناك من يفكر عنه وعن الآخرين ويحدد لهم ادوارهم الحزبية ومكانهم في صف السحجة!!
لكن تحرري النهائي استغرق وقتا طويلا.. كنت واهما بأني في حزب ثوري نظيف من الفساد.. حتى اصطدمت مع الفساد الحزبي بأبشع صورة حين جرى الانقلاب على سالم جبران ، وقبلها كانت مشكلة سرقة اموال جريدة "الاتحاد" ، واذكر جملة قالها المرحوم اميل حبيبي لينهي بحث الموضوع في كادر الحزب في الناصرة "يا رفاق لا توجد لدينا أموال لتسرق". هذا التصريح نبهني الى واقع هناك محاولات لإبقاء ما يجري داخل الحزب بعيدا عن معرفة كادر ألحزب ، هذا دفعني لأبدأ مرحلة من المراجعات الفكرية.. فيما بعد اضطر اميل حبيبي نفسه لترك الحزب مهانا ...
موضوع الماركسية أشغلني من جديد لكن برؤية متحررة من الصياغات التقليدية المكررة لدرجة الملل، لفت انتباهي التناقض بين الفكر الشيوعي الأوروبي، خاصة المنظرين الماركسيين، وبين سائر الأحزاب الشيوعية التي لم تجرؤ على الانحراف عن الخط السوفييتي.
كان التناقض بين الماركسية الأوروبية والماركسية حسب النهج السوفييتي الستاليني شاسعا.. النص التالي كان فاتحة مقالاتي ضمن رؤيتي الماركسية غير الخاضعة لأي نهج، الا اجتهادي الذاتي. ، حقا بدأ شكا اثناء دراستي في موسكو في سبعينات القرن العشرين وتجسم برفضي ان اكون رقما بلا رأي في حزب يقمع أصحاب الرأي. فاستقلت، او تحررت نهائيا في بداية التسعينات من القرن الماضي.
بين الماركسية الأوروبية والماركسية الستالينية
يمكن الاشارة الى تيارين أساسيين في الفكر الماركسي في مسيرته التاريخية والفكرية ، شكلا الوزن النوعي للفكر الماركسي على المستوى العالمي.هما التيار السوفييتي، والتيار الماركسي الغربي. طبعا لا أرى ماركسية إطلاقا بالتيار الصيني الماوي، الذي طرحه أنصار ماو تسي تونغ كفكر مكمل للماركسية اللينينية بإضافتهم الماوية (الماركسية اللينينية الماوية ، على نسق إضافة الستالينية في فترة عبادة ستالين في الفكر الشيوعي السوفييتي) ولكنه تيار ولد في رحم الأوهام الماوية، عبر فكرة الدولة العظمى والشوفينية الصينية التي نمتها الماوية من منطلق الشعب الأكثر تعددية في العالم، ونظريات محلية بعضها تكرير مشوه لنظريات تروتسكية، وبعضها فكر مغامر (الاستعمار نمر من كرتون) وبعضها فكر ثقافي بوهم إعادة تشكيل المجتمع برأي ثقافي وفكري واحد، لا ارى علاقة تربطه بفلسفة ماركس، نتيجته كانت الثورة الثقافية في الصين، والتي شهدت دمارا ثقافيا وحضاريا، رسخ في الذاكرة منه مهرجانات حرق كتب لا تتمشى مع الفكر الانساني، واضطهاد المفكرين وأصحاب الرأي والاعتداء على المواطنين بحجج واهية مضحكة تتهمهم بعدم الامتثال للفكر الماوي. وتثقيف مشوه للجماهير لم يسفر عنه إلا تحول الصين إلى دولة قمعية مستبدة بلا حرية رأي او حق الاختلاف ورأسمالية في اقتصادها (اقتصاد السوق) تحت ستار شيوعي مهلهل ومتفكك بانقطاع كامل عن الفكر الماركسي.
لا بد من اشارة الى ان ستالين أيضا مارس "ثورة ثقافية" تعرف باسم وزير الثقافة في وقته "جدانوف" بالتضييق على الفكر الابداعي بفرض شروط متزمتة على الأدب وممارسة الارهاب الفكري ضد الأدباء والمفكرين لتقييدهم بسجن فكري ثقافي ، للأسف استمرت هذه الظاهرة بشكل أقل فظاظة، بعد ستالين أيضا.
وهنا لا بد من ملاحظة أني في طرحي للماركسية لا اربطها بالفكر اللينيني، الذي أرى به فكرا ثوريا روسيا بالأساس، ولست في باب مراجعة العلاقة بين الفكر الماركسي والفكر اللينيني والتماثل والتعارض بينهما في قضايا جوهرية.
إذن يمكن التلخيص أن الماركسية عرفت بتيارين مركزيين.وبالتالي الكثيرين من دارسي الماركسية في فترة الاتحاد السوفييتي الذهبية، وجدوا انفسهم في مواجهة صدامية بين جبهتين نظريتين. ويمكن الاشارة ان ما يعرف ب "الشيوعية الأوروبية" (الشيوعية الحرة) كانت نتاج ذلك الصراع.
الجبهة الأولى: الفهم الستاليني (السوفييتي) رغم غياب ستالين ونقده، ظلت الستالينية نهجا تنظيميا للحزب والدولة وتميز هذا النهج بقمع حرية التفكير ونفي حق التعددية، والرقابة على الأدب (عندما فاز الكاتب الروسي باسترناك بجائزة نوبل عن روايته "دكتور زيفاغو" منعه خروتشوف من قبولها، وواجه باسترناك حملة تشهير بسبب روايته) وسجن المعارضين، ومنهم أدباء ومفكرين وعلماء ، من ناحية أخرى استمر النهج الإقتصادي الستاليني ولم يتغير إلا بشكل طفيف، وكل مجهودات رئيس الحكومة السوفييتي الكسي كوسيجين لإقرار إصلاح اقتصادي عميق في الزراعة والصناعة، ووجه بالرفض من المكتب السياسي وزعيم الحزب بريجينيف "خوفا" من اتهام الاتحاد السوفييتي بالتخلي عن الاشتراكية.
هنا نرى انطلاقة فكر السيادة المطلقة للدولة العظمى البيروقراطية للاشتراكية السوفييتية، حيث شكل الحزب جهازا من أجهزة الدولة بدل أن تكون الدولة أداة لتنفيذ الفكر الحزبي الماركسي بكل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والدولية. أي أن دور الحزب تقلص إلى دور ثانوي ملحق بجهاز السلطة الاستبدادي ( ربما يصح تسميته جهاز أمني هائل تحكم بكل الوظائف تقريبا، وبكل وسائل الاعلام والفنون والثقافة والادارة والرقابة).ومن هنا يمكن رؤية أن النظرية الماركسية جمدت وشوهت، واعتبر كل نشاط إبداعي في إطار الماركسية، انحرافا وخيانة للماركسية السوفييتية. وحتى مؤتمرات الأحزاب الشيوعية لتطوير النظرية والتطبيق لم تخرج في النهاية عن الحدود التي يسمح بها جهاز الدولة البيروقراطية السوفييتية.
الجبهة الثانية:هي جبهة مفكرين ماركسيين رفضوا فكر السيادة المطلقة للدولة السوفييتية، وانطلقوا بنضال عنيد من أجل "ماركسية صحيحة" ثورية إنسانية في جوهرها، ضد كل التشويهات التي شهدتها الماركسية في الشرق والغرب . وبرز خلال سنوات العديد من المفكرين الماركسيين، أمثال جيورغ لوكاتش (هنغاري) وكارل كورش (ألماني) وانطونيو غرامشي (ايطالي) وارنست بلوخ ( ألماني) وروجي غاروديه (فرنسي) وغيرهم.
هذا التيار قدم للفكر الماركسي إبداعات هامة تشهد حتى اليوم على حيوية الماركسية وما تختزنه من قدرات فكرية وثقافية، وعرف باسم "المدرسة الماركسية الغربية" ، ربما بسبب رفضها الخضوع للمدرسة الفكرية للماركسية السوفييتية، رغم أن بعض مفكريها جاءوا من داخل الكتلة السوفييتية مثل الهنغاري لوكاتش الذي انضم للحزب الشيوعي الهنغاري عام 1918 . بعد إقامة النظام الاشتراكي أصبح عضوا في البرلمان، وكان عالما ومفكرا ، انتقده الحزب الشيوعي الهنغاري بشدة، بسبب شكوكه بموضوع "الواقعية الاشتراكية" في الأدب (ليون تروتسكي أيضا طرح في كتابة " الأدب والثورة" نقدا لموضوع خلق أدب بروليتاري طبقي عرف بصيغة "الواقعية الاشتراكية" واليوم يثبت أن موقف تروتسكي كان الموقف الماركسي الصحيح وصاحب الرؤية السليمة من الموضوع بتأكيده استحالة خلق تيار أدبي طبقي جديد بقرار فوقي وعدم ضرورته أصلا في مجتمع اشتراكي جاء لإلغاء الطبقية) وعوقب لوكاتش بإبعاده تماما من الحياة السياسية ونفي إلى رومانيا، وصدر كتاب ينتقد فكره الإصلاحي ويرفض تنظيراته، ثم عاد إلى هنغاريا ، بعد أن صفحت عنه الحكومة، وعاد إلى عضوية الحزب الشيوعي حتى توفي عام 1971. وتعتبر تنظيراته من أبرز التنظيرات في الفكر الغربي للماركسية، رغم انه منظر من داخل المعسكر الاشتراكي.
قمع التعددية الفكرية أسقط الماركسية
من أبرز العلائم المميزة لهذا الاتجاه الفهم ان التعددية هي ضرورة تاريخية لن تتطور الماركسية ولن تصمد بدونها. وأكد ممثلو هذا التيار انه من الأهمية أن تُقر التعددية كمسالة أساسية وجوهرية متفق عليها بدون تردد، وذلك في إطار الاشتراكية النظرية والاشتراكية التطبيقية (أي في نهج البناء الاجتماعي والقانوني للمجتمع الاشتراكي) سواء بسواء.
للأسف لم تحظى التعددية بأي نصيب، وعومل كل دعاتها كأعداء ، ومن طالته يد الكومنترن أو السلطة السوفيتية اعدم أو نفي أو القي به في السجون (المنافي) السيبيرية الرهيبة، وبأحسن الحالات أنهى حياته في الصمت والإنعزال.
من المواضيع التي طرحها تيار " الماركسية الصحيحة" أو "التيار الماركسي الغربي" كما يعرف في الدراسات الأكاديمية، كان مفهوم "الثورة".
إن الفهم لموضوع "الثورة" لدى النهج السوفيتي، ويشاركهم في هذا الفهم التيار الإصلاحي للاشتراكية الديمقراطية، هو أن الثورة هي مفهوم ينبع من التفسير الصحيح للفكر الماركسي. ولكن الفهم الماركسي "الصحيح" يمتد باتساع بدءا من الفهم الذي يقول أن الثورة هي عمل بروليتاري ثوري عبر إقامة وحدة بين الطبقة العاملة (البروليتاريا) مع طبقات أخرى، حتى مفهوم الثورة كحرب ضد أعداء العصرنة، وأعداء الثقافة الحديثة العصرية والإنسانية كان لغوا بعيدا عن الواقع المتغير للعالم الرأسمالي نفسه، والفهم هنا يمكن تلخيصه انه لا يوجد انتقال فوري من الهمجية إلى المدنية ، تماما كما لا يمكن الانتقال من الحرب بالمقلاع إلى الحرب بالقنابل النووية بشكل فوري. إنما عبر تطور يمر بمراحل متعددة.
مراجعة أدبيات الفكر الماركسي الغربي، نجد مفاهيم وتفسيرات مختلفة، تمتد من النضال الثوري البروليتاري في طرحه الفكر الماركسي التقليدي، إلى فهم أهمية التحالف بين الطبقة العاملة وطبقات أخرى كما يطرح ذلك المفكر الايطالي انطونيو غرامشي، حتى مفاهيم الثورة التي تعني تصدير ثقافي عميق للإنسان المعاصر بروح إنسانية،أي بدون عنف، كما طرح ذلك المفكر الماركسي الفرنسي روجيه غاروديه.
من الواضح أيضا أن مفهوم الثورة الماركسي الرسمي المرتبط بنظرية ماركس التاريخية، الحتمية التاريخية، أي حتمية التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية والشيوعية، نرى أن التطور الحاصل أسقط هذه النظرية، التي لم تصمد في امتحان التاريخ، رغم أن جوانب هامة منها تعتبر فتحا فكريا فلسفيا لفهم تطور التاريخ. مثلا موضوع الثورة التي تعني استبدال تشكيلة اقتصادية اجتماعية (رأسمالية مثلا) بتشكيلة أخرى (اشتراكية مثلا)، أرقى وأفضل وأكثر عدالة ، نتيجتها حسب المفهوم الثوري الماركسي تحطيم ونفي القديم الاستغلالي، وتبني الجديد العادل الديمقراطي بإحداث قفزة للمجتمع والإنسان .. التطبيق العلمي سقط بالأخطاء والانحرافات والفساد، النظرية كانت في واد والتطبيق في واد آخر !!
بالطبع نظرية الثورة تتحدث أيضا عن تحرير العلاقات الإنتاجية من قيود تمنع تطور القوى المنتجة (البروليتاريا في النظام الرأسمالي – غني عن القول أن البروليتاريا ظلت ظاهرة أوروبية لم تنشأ باي مكان آخر خارج اوروبا وتلاشت سريعا حتى من المجتمعات الأوروبية ويمكن استعمال صيغة طبقة العمال أو الشغيلة للدقة).
التطور التاريخي والاقتصادي للراسمالية نفى نظرية ماركس عن الثورة والتغيير. الثورات لم تقد إلى التغيير المنشود. إلا إذا اعتبرنا فقدان الحرية، والإفقار والخضوع لشبه حكم استعماري ابتزازي، كما كانت حالة مجموعة الدول الاشتراكية تحت السيطرة السوفييتية بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث يمكن القول انه التغيير الذي حلم عليه ماركس!!
لا بد من توضيح، بأن النظام السوفييتي ابتز مليارات الدولارات من دول المجموعة الاشتراكية رغم اوضاعها الاقتصادية الصعبة بعد الحرب. لقد عانت الشعوب في هذه الدول من فاقة وفقر وبطء في التطور والرفاه الاجتماعي بالمقارنة مع الغرب، استمر الفقر والعوز والقمع حتى سقوط كل انظمة المجموعة الاشتراكية .
شهد المعسكر الشرقي تبعا لذلك، ثورات في المجر وتشيكوسلوفاكيا ، وابتعاد يوغوسلافيا عن المعسكر السوفييتي. ونظام روماني استبدادي ابتعد تدريجيا عن الاتحاد السوفييتي، ثم حركة نقابية ثورية في بولونيا.. وعمليا بدأ انهيار المعسكر الإشتراكي .
قد نجد تفسيرات وتبريرات حول الأسلوب السوفيتي في التطبيق... لا خلاف في ذلك، ولكننا أمام ظاهرة أفلاطونية حيث تحول الحزب نفسه إلى طبقة مسيطرة، سيرا على طريق "جمهورية أفلاطون"، حيث الحكماء والفلاسفة (اقرأ زعامة الحزب الشيوعي والدولة) يشكلون طبقة الحكام ، وقوى الأمن هم طبقة حراس النظام، والطبقة الأخيرة هم الصناع (العبيد). للأسف هذه هي الصورة التي سادت النظام الاشتراكي.صورة نقيضة لرؤية ماركس الفلسفية والنظرية عن المجتمع الاشتراكي العادل.. بدلا منه مجتمع استبدادي مطلق.
النتائج في الصراع الاجتماعي والاقتصادي لم يكن لصالح النظام الاشتراكي. ما السبب؟ ماذا يهم الآن؟النظام الرأسمالي تجاوز النظام الاشتراكي بحقوق الإنسان، بالديمقراطية، بالتطور الاجتماعي والاقتصادي، بمستوى الرفاه الاجتماعي، بمستوى الخدمات، بالحقوق المدنية، بالتعددية الفكرية وبمختلف أشكال الضمانات الاجتماعية والصحية.
لا اكتب دفاعا عن النظام الرأسمالي وشروره. ولكن المقارنة للأسف ليست لصالح النظام الاشتراكي وهذا أضحى واضحا اليوم.
أكتب بدافع الألم لضياع تجربة إنسانية عظيمة نتيجة انحرافات وتجاوزات لفكر عظيم في النظرية والتطبيق. لا اعتقد أن الصواب والخطأ في النظرية هو السبب، إنما غياب التعددية الفكرية وحرية التفكير والنقد مما جرد الفكر الماركسي من عناصر قوته التجديدية، وحول الدولة والحزب إلى جهاز مغلق لمجموعة منتفعين، افسدوا جهاز الدولة والحزب والمجتمع نفسه!!
إذن، هل بالصدفة سقوط الاتحاد السوفيتي، لدرجة أن جيشه " الجيش الأحمر العقائدي" الخاضع للقيادات الحزبية العليا، لم يحرك ساكنا للدفاع عن دولته ونظامه وحزبه؟!

[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة مبسطة: اطلالة على فلسفة سبينوزا
- شر التعددية في مجتمعات يسودها فكر اثني وطائفي
- الببغاوات
- مزامير
- من أجل ثقافة بلا سلاطين..!!
- جماعة -ميري كريسماس- أحيوا العروبة ثقافة وانتماء
- اناشيد لا تموت..!!
- -الاستجابة الشرطية- في تفكير مالك قبطي وأصحابه
- الوجه الطفولي الأجرد...
- يوميات نصراوي: ذاكرة مبعثرة.. ايام مع سالم جبران - 3
- يوميات نصراوي: ذاكرة مبعثرة ... أيام مع سالم جبران -2
- حتى المسيح عانى من العنصريين البيض
- يوميات نصراوي: ذاكرة مبعثرة - ايام مع سالم جبران
- بحث توثيقي للباحث نادر زعبي*: حكاية.. أرض وصمود!!
- انتصارات جبهوية: او فرحة الخائبين
- القصة القصيرة بين التنظير والابداع
- درس في الأخلاق السياسية
- رؤية فكرية بين الاعلام والتأريخ
- يوميات نصراوي: هكذا تعرفت على المناضل تيسير العاروري
- يوميات نصراوي: بورسعيد عربية والقنال مصرية


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نبيل عودة - يوميات نصراوي: تجربتي في الحركة الشيوعية