أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - قمامة وعمامة














المزيد.....

قمامة وعمامة


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 05:09
المحور: الادب والفن
    


قبل أن أتوصل الى تلك الفكرة العبقرية، لم يكن يتسنى لي الراحة ولا النوم في بيتي أبداً..لهكذا مشكلة لا يوجد غير حل غير عادي، بفضله تنقضي المتاعب وتتغير الأجواء في كل الجوار، حينلا تعود أزمة المزبلة أمام بيتي تقلق تفاصيل يومي.
- " في الحقيقة، القمامة التي تشتكي منها، لها فوائد جمة "، يعلق صديقي ببرود، " انها تعجل قرارك في الهجرة، كما أنها تنتج أجود الأنواع من حشرات تحسدك عليها بعض الشعوب التي تحمّصها وتقدمها كمقبلات..أتعلم بأنه أعلى نسبة من البروتين موجودة في بعض أنواع الجداجد والخنافس، وان حليب بعض أناث الصراصير أكثر فائدة من حليب البقر".
أكاد افقد أعصابي..أسأله " أنىّ لي أن أفرّق بين ذكر وانثى الصراصير" ، ببرود يندر توفره لمن يعيش في هذا البلد، غير موجود لا عند والد ولا ولد، يخبرني بأن المسألة بسيطة وبديهية، فكل حشرة قريبة من المرآة نعتبرها أنثى وما علينا الا ان نقوم بحلبها.
أحكي لصديقي بحسرة عن سيدتي الحبيبة الأنيقة بغداد، كيف أسمعها تنحب على ماضً ولّى، ثكلى شعثاء غبراء منذ استباحتها القذارة والخراب وهجرتها مظاهر النظافة والحدائق، وفارقها التمدن والجمال..أمسى كلّ شيء فيها ينّم عن اضمحلال وضمور.
يتمادى صاحبي في تهكمه وبرودة أعصابه،" بعيداً عن رومانسيتك الحافية، مدينتك مزبلة بدينة تنزّ من ترهلاتها روائح عفنة وبالخصوص في أوقات الصيف..تجد فيها كل انواع النفايات، فضلات طعام، قناني بلاستيكية، صنادل مقطعة، حفاظات أطفال وحتى كلاب وقطط ميتة، ولاغرابة ان تجد في تلك المزابل قنبلة قابلة للانفجار أو جثة مجهولة الهوية، زد على ذلك ما ينجم عن تلك الفوضى من أنواع الحشرات والهوام بدليل لسعات البعوض على جسدك".
أحبس أنفاسي خشية اختناقي من هواء ملوث لافح بحرارة لا تطاق وبما هو متبخر من قمامة متراكمة أمام الدار ومن المولدة الكهربائية، أتأمل:" نحن نمتلك قدرة التأثير على مجريات حياتنا، لو امتلكنا نية وارادة التغيير".
أقف عن ناصية الشارع، أنظف المكان، أجمع كل القمامة، أحمل ما يرميه الآخرون، ألقي به أمام أعينهم في حاوية مخصصة للنفايات رغم عدم وجود متسع فيها..نعم، " كن أنت التغيير"، صدق غاندي العظيم.
يتسع طموحي الاصلاحي فأطلب بتهذيب من مارّة عابثين رمي قمامتهم في المكان المخصص لها.
- " انه شارعنا، والأجمل أن يكون نظيفاً، لنحافظ معاً على نقاء هوائنا وعلى صحتنا".
يخلفون وراءهم أكياس قمامتهم مع أصوات غير مهذبة يطلقونها من أفواههم مرفوقة بكلمات بذيئة غير لائقة..لا أعجب من قلة وعي حضاري لهؤلاء بل أندهش من أصدقاء يتندرون عليّ عندما أحمل ورق الشكولاتة في جيبي لفترة حتى في سلة المهملات.
معذرة غاندي الرائع، ستغيّر طريقة تفكيرك لو تعيش في بلدنا، دون ريبة، ستحصل على أعلى نسبة من " العفاط".
بعضهم يشتكي لي من وضع مزرٍ: أين هي الحاويات؟ سرقوها وسرقوا البلد..لا ماء، لا كهرباء، لا مرتّبات تصرف لعمّال البلدية، لا رقابة، لا ضمير ، لا..لا..
ذباب، رائحة عطنة، حشرات زاحفة، جراثيم تصاحبني حتى في مناماتي، تغيضني، تدفعني لشراء مسدس وإطلاق النار على رأس كل من يرمي القمامة أمام داري أو على رأسي.
- " دعك من كل هذا الهراء"، يعلّق صاحبي، " الحل الأمثل هو أن تشتري بطل عرق، تشربه قبل أن تنام لتنسى كل شيء.. سيجعلك لا تحس بلسعات البعوض الذي لو يتجرأ ويمتص دمك، سيروح في سابع سكرة".
يشغلني موضوع القمامة على نحو كبير، ألجأ الى ماكنات البحث في الانترنيت، علّني أجد حلاً، أتشفع الى گوگل طالباً العون، يقيناً لن يطلع لي بمقولة " اصبر، فإنّ گوگل مع الصابرين"، بل يرشدني الى صراط المعالجات المستقيم السليم..أرفع يدي عن مفاتيح البحث متضرعاً مستغيثاً..أجد حلولاً لمشاكل مماثلة كقضية التبول على الجدران في احدى الدول..يقوم مستاؤون من رائحة البول بكتابة آيات مقدسة على الجدار بعد تنظيفه، الأمر الذي يبعد من يتبول بسبب قدسية الموقف والمكان.
تخطر لي حينها فكرة، أقوم بتنفيذها على الفور.
أهرع الى السوق، أشتري صورة كبيرة، أرجع الى الشارع، انظف من أمام الدار، أجمع كل ما هو متروك من قمامة، أرميه في الحاوية الكبيرة، أعطر المكان بكل أنواع المطهرات، ألصق على الجدار الصورة المعنية، صورة قائد ديني متميز ينضح تقى وورعاً ويعتمر عمامة كبيرة فوق رأسه.
اهتديت الى أم الحلول..لا مزابل بعد اليوم..من يجرؤ على رمي قمامته تحت صورة مهيبة لرمز ديني ذي هيبة وإجلال؟.. لا أحد كما أظن.
أرفع قبعتي عرفاناً بالجميل لك، لعمامتك ورمزك وخواتمك وعبوسك وتقطيبة وجهك..كيف لا يقتنع بعضنا بجدواك؟



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم همست المدن بكامرة قاسم عبد
- البيئة المحلية في الرواية.. زخرفة أم وظيفة عضوية؟.. رواية - ...
- الخالقون
- مش عيب يا محمد !
- (عشاء مع صدام)........مزاوجة بين السياسة والاستخفاف
- تلويحة وفاء
- -غودو- الهزلي ، رؤية إخراجية جديدة
- الى من يهمه العمر
- على معبر بْزيبيز
- العراق الى أين؟ الحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقرا ...
- رواية -أنا ونامق سبنسر- أرشفة ذاكرة ومشتقات حياة
- -تكفير ذبيح الله- رواشم سردية على قرابين بشرية
- نضوب
- يوم عادي
- حصار الرصد الواقعي فيما سرده لنا الجبل
- رثاثة
- على الأرض السلام
- هنا خازر (من أوراق نازحة)
- عائلة الياسمين والمسرح
- - خبال - علمي


المزيد.....




- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- الذكاء الاصطناعي يختار أفضل 10 نجوم في تاريخ الفنون القتالية ...
- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - قمامة وعمامة