أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 38















المزيد.....

سيرَة أُخرى 38


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5246 - 2016 / 8 / 6 - 13:09
المحور: الادب والفن
    


1
منارة الكتبية، هيَ أكبر مئذنة في العالم الإسلامي. لقد سبقَ لي أن شبهتها، في مقالة قديمة، بأنها " نجمُ قطب " مدينة مراكش. ذلك أنها دليلٌ للغريب، الساعي إلى الوصول لمركز المدينة القديمة؛ ثمة حيث تنبسط ساحتها الأكبر والأهم، " جامع الفنا ". تسمية هذه الساحة، ذات الشهرة العالمية، لا ترتبط بأيّ جامع ( مسجد ). بل هيَ متأتية من تاريخ المدينة، حين كان يتمّ تجميع المحكوم عليهم بالإعدام في تلك الساحة ثم تقطع رؤوسهم على الملأ. على الرغم من ذلك ، استمرت ساحة جامع الفنا طوال قرون عديدة كمكانٍ أثير لكل من يبحث عن الطعام والشراب والشفاء والطرب والموسيقى والرقص والتسلية وحتى الحظ السعيد.
منذ بدء الشهر الفضيل، فإنني أتمشى نحو مركز المدينة القديمة، وغالباً مساءً وعبْرَ سوق " درب أوضة باشي ". فما أن أصل إلى منتصف الدرب، إلا وأفواج الخارجين من صلاة التراويح تبدأ تغمر المكان شبه المقفر من المتسوقين. أحياناً، أخرجُ من المنزل بعيد الإفطار مباشرةً. عند ذلك، فإنني ألحقُ رؤية عشرات آلاف المصلين، الذين يؤدون التراويح في الساحة الخارجية لمسجد الكتبية والحدائق المحيطة به. الشرطة، يضعون حواجز حديدية للحيلولة دون حركة السيارات والدراجات النارية. أما حواجز شارع محمد الخامس، من الجهة المقابلة للكتبية، فعادةً ما يتجمع السياح خلفها لمتابعة المشهدَ المهيب. ومن أهم تقاليد التراويح ثمة، هوَ إعلان بعض الأوربيين إسلامهم على يد الإمام. أمس، عندما أجتزتُ الحاجز الحديديّ بغية مشاهدة الصلاة، فإن أحد رجال الشرطة تقدّم مني بوجه متهلل فرحاً وهوَ يظنّ أنني كَاوري ( نصراني ) أرغبُ بإشهار اسلامي!

2
في ليلة العيد، تزدهي مراكش بألوانٍ من الأشياء الجميلة والمفرحة؛ هيَ من استحقت منذ القدم لقبَ " مدينة البهجة ". رأيتني إذاً أخرج من منزل العائلة بعد المغرب، سالكاً طريقي المعتاد عبرَ درب أوضة باشي، السوق الأكثر شعبية وارتياداً من الأهالي. الأولاد كانوا يهزجون، فيما الكبار يتبادلون قبلات التهاني. الإزدحام، كان على أشدّه عندئذٍ، وخصوصاً عند مخرج السوق من جهة ساحة جامع الفنا. ثمّة، فُرش جانبا المكان بمزيد من البسطات والبضاعة. العتمة في هذا المكان، كانت منذورة للفوانيس المختلفة الأحجام، المُنارة بالشموع، إلى قناديل الغاز التي يستضئ بها نقاشات الحنّاء وبائعو عقاقير الطب العربي ومعلمو أكشاك الأطعمة وموسيقيو ومطربو الفرق المحلية والأمازيغية ومرقّصو الأفاعي والقردة.
ما أن اجتزتُ الساحة، في طريقي إلى حيّ غيليز الراقي، إلا ومظاهر العيد تخفت رويداً وما عاد ثمة سوى الأضواء القوية للمقاهي والمطاعم الأنيقة على طرفي شارع محمد الخامس. وكذلك الأمر عند وصولي إلى ساحة PLAZA، التي تبهر المرء بأنوار نوافيرها ومصابيحها العملاقة. وإذا بصدى قوي لموسيقى " كَناوة " التقليدية بتناهى من جهة مطعم ماكدونالد. هذا الأخير، كان قد أفتتح للتو بحلّته الجديدة على أثر الترميم الشامل وإضافة طابق ثالث له. عدّتُ إذاً لخوض الزحام وأنا متوجّه إلى المقهى. عند مروري بغاليري EDEN، أنطلقت نفس الموسيقى من فرقة أخرى مُحتفلة بالعيد. تمنيتُ عند ذلك أن يطول طريقي لكي أتمتع بهذه الموسيقى ومرأى الفتيات الفاتنات، اللواتي ظهرنَ بأبهى ملابسهن وزينتهن وابتساماتهن. أما أندادهن من السائحات، فما أن تتطلع إلى احداهن حتى تشزرك بنظرةٍ تقول: " وماذا بعد، أيها المتصابي؟! ".

3
بعد أسبوعين من معدلات قياسية بدرجة الحرارة، انتعشنا أمس بنزول أمطار غزيرة في كل أنحاء مراكش. مع الصباح، كانت السماء ملبدة بسحب رمادية كئيبة. عندما اتصلت عصراً بقريبي، الذي يقيم على طرف مطار المنارة الدولي، فإنه أخبرني بأن الأمطار تجتاح المكان. قبلها بيوم، هبت عاصفة قوية خلال الليل. وقد رأيتُ آثار العاصفة، عندما مررتُ مساء أمس حِذاءَ مدخل المدينة القديمة من جهة غيليز. شجرة سامقة من النخيل، كانت مقتلعة من جذورها وسدّت الطريقَ بعدما سحقت تحت ثقلها شجرة زينة ذات أوراق فضية. مقهى الشارلو، كان قسماً من حاجزه البلوريّ مهشماً.
أخذتُ من ثمّ مكاني المعتاد، بمقابل النوافير العملاقة لساحة غيليز. قبل أن يتصاعد ماء النوافير مع إضاءة المكان بعشرات المصابيح الأنتيكية الجميلة، إذا بجيراني يبدأون بالعزف والغناء. كانوا شابين وفتاة بملامح شرقية، أحدهم يحمل غيتاراً. أمتعونا بأغانٍ فارسية شجية. في فاصل صمت الغناء، المُعقّب انبعاث هدير النوافير، رحتُ أتكلم معهم بكلمات فارسية مُجاملة. أعلموني أنهم يعيشون في لندن منذ الصغر، وأنهم لم يروا بلد الآباء مرة قط. عرفوا أيضاً أنني سوري، فأبدوا فوراً مشاعرهم الغاضبة تجاه النظام المجرم وحليفه الإيراني وميليشياته الطائفية. ثم تفرقنا بعد ذلك، حينما بدأت قطرات كبيرة من المطر تتساقط مع هدير الرعد ووميض البرق، الشبيهان بقصف طائرات جيش أبي شحاطة.

4
الأسواق، خيرُ دليل على ما تتمتع به مراكش من سِعَة العيش ووفرة الرزق. والمعروف أيضاً أنّ ساحة جامع الفنا هيَ مَعْقِد الحياة الروحية للمدينة، بما تحتويه من حواة وقرداتية وسَحَرة وحكواتية وضاربين رمل ونقّاشي حنّاء وراقصين وبهلوانيين ومغنين وموسيقيين شعبيين. بل إن هذه الساحة، الشهيرة عالمياً، هيَ أيضاً المصبّ الرئيس لروافد أسواق المدينة. على ذلك، لم يكن بالغريب أن تذخر جوانبها بشتى ضروب المحلات التجارية ودكاكين الأغذية وأكشاك العصائر وبسطات العطارة والطبّ العربي. علاوة طبعاً على المطاعم والمقاهي والمقاصف والفنادق ومراكز الاستحمام والتدليك.
سنة بعد سنة يتعاظم عدد مرتادي الساحة من مواطنين وسيّاح، فيما تبقى مساحتها على حالها. وبالرغم من اتساع المكان أصلاً، حتى أنه يوهمك بأنه ثلاث ساحات وليسَ واحدة، فإنّ مشكلة الزحام حقيقية وتتفاقم باضطراد. المعنيون بالأمر، اتخذوا للحق قرارات صائبة في سبيل التخفيف من المشكلة. كأن يُمنع مرور السيارات والدراجات النارية تحت طائلة غرامة باهظة، أو بنقل مشتل بيع الورود الكبير من مكانه وتوزيع على شكل أكشاك أنيقة تُحدق بالساحة وتزيدها جمالاً وألقاً. كذلك الأمر، تمّ تنظيم الحديقة المفتوحة على الساحة ورصفها مجدداً وتحديد موقف ثابت على طرفها للعشرات من عربات الكوتشي ( الحنطور ). ثمّة، على الطرف الآخر من الساحة، صار المكان أرحب لفعاليات مهرجان السينما الدولي ومعرض الكتاب الوطني وحتى لحفلات نانسي عجرم.

5
الدراجة النارية، كما سلفَ القول، صارت هيَ وسيلتي للنقل ليلاً. إنها تمنحُ متعة أكبر، ولا شك، لمن شاءَ التوغل في الدروب القديمة، الغامضة الملامح، التي تهيمن عليها الأقواسُ والبواكي والقناطر. قبل أمس، كنا في طريقنا إلى حيّ باب خميس، إلى مقهىً شعبيّ يُغامر بتقديم الأركيلة ( الشيشة ) للزبائن. وإذا بوسيلة نقلنا تتعطّل في منتصف الطريق، نتيجة بسمارٍ خرقَ جلد العجلة. أكملنا بعضَ الطريق مشياً، لحين وصول صديق آخر على دراجته النارية الجديدة. هذا الصديق الطريف، قال عندئذٍ يُخاطب الآخر: " عليكَ بيعَ هذا الموتور وشراء بغل عوضاً عنه! ".
في منتصف ليلة أمس، بعد خروجنا بقليل من مقهى الشيشة، الكائن في حيّ غيليز الراقي، إذا بصاحبنا الموتور يُصاب في عجلته نفسها. هكذا سرنا على أقدامنا لمسافة طويلة نوعاً، إلى أن وصلنا لمشارف ساحة جامع الفنا. ثمة، عثرنا على مصلّح يتخذُ من الرصيف ورشةً. بغية الاستفادة من الوقت، رأيتني أتمشى داخل الساحة، المُنارة جوانبها بأضواء قوية. صخبُ موسيقى الفرق الشعبية، كان مُتآلفاً مع عبق شواء اللحوم، المنبعث من الأكشاك العديدة. نقّاشة حناء، مشغولة برسم وشوم بديعة على يد سائحة أوروبية. امرأة أخرى، متسوّلة، تتحادث بحنان مع ابنتها الصغيرة ذات القميص الزهريّ اللون. أسرة تتابع برامج التلفاز الوطنيّ، فيما هيَ تتناول عشائها في مطعمٍ صغير. أفواج الناس تغادرُ الساحة، ليحلّ محلهم أفواجٌ أخرى. الموتور العتيد، جاهزٌ. يطلبُ الرجل المصلّح عشرة دراهم لا غير لقاء سويعة من جهده. أقول لقريبي: " لو أننا في السويد، لكان عليك دفعُ ما يُعادل نصف ثمن الدراجة! ".








#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الثالث من الرواية: 7
- الفصل الثالث من الرواية: 6
- الفصل الثالث من الرواية: 5
- الفصل الثالث من الرواية: 4
- الفصل الثالث من الرواية: 3
- الفصل الثالث من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الثالث
- سيرَة أُخرى 37
- الفصل الثاني من الرواية: 7
- الفصل الثاني من الرواية: 6
- الفصل الثاني من الرواية: 5
- الفصل الثاني من الرواية: 4
- الفصل الثاني: 3
- الفصل الثاني: 2
- الرواية: الفصل الثاني
- سيرَة أُخرى 36
- الفصل الأول: 7
- الفصل الأول: 6
- الفصل الأول: 5
- الفصل الأول: 4


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 38