أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.















المزيد.....

قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 5237 - 2016 / 7 / 28 - 00:19
المحور: المجتمع المدني
    


قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.

اقتحم مسلحان يدينان بالولاء لعصابة داعش الإجرامية كنيسة ً في مدينة روان الفرنسية و ذبحا الاب جاك هامل على نفس مذبح الكنيسة الذي كان يستخدمه الأب الراحل لرفع ذبيحة المصالحة التي تحمل للعالم بشارة أمل و حياة. غسيل الدماغ الذي قاد شابين في بداية الحياة إلى هذا الفعل الخسيس يجد أصوله في قراءة إجرامية لنصوص الإسلام يرفضها الجل ُّ الأعظم من المنتسبين للإسلام و يرون فيها خروجا ً عليه، و تتعارض مع قراءات ٍ يتبعها هذا الجل و يرفض بموجبها تلك القراءة الإجرامية. و لقد قدمت ُ فيما مضى سلسلتي "وباء السلفية التكفيرية" و التي أبرزت ُ فيها التركيب النفسي للمجرم التكفيري ضمن قراءة تصلح ُ ككتاب ِ جيب ٍ صغير و كتالوج سريع لفهم عقلية هؤلاء المجرمين. حزن ٌ عميق في العالم يجمع المسيحين المكلومين بالأب الراحل طيب الذكر بالمسلمين إخوتهم ممن تسبب لهم هذا الحادث بحرج و ضيق مفهومين بكل ذوي الإرادة الإنسانية الصالحة. غضب كبير أضافه الحادث إلى النفوس التي تغلي بسبب كل هذه الأحداث التي يقترفها مجرمو داعش، تتصاعدُ منه دعوات للتضيق على عموم المسلمين و محاربة دينهم و اجتثاثه عن وجه الأرض. نشهد حالة ً فريدة من نوعها من طرف الطبيعة الإنسانية نحو الارتداد للقانون البدائي الاول بالثار و الانتقام.

حزن عميق يضرب قلبي، و يدفعني إلى الحقيقة ِ دفعا ً، إلى فهم ما يعتمل ُ في النفوس و إلى هدفه النهائي الذي هو استئصال هذا الوباء الفكري دون رحمة ٍ أو شفقة أو تردد، و بينما يتخذ الرئيس الفرنسي الحرب وسيلة ً للقضاء على وباء الجماعات المقاتلة أرى أن حربا ً موازية يجب أن نخوضها في النفوس، حربا ً نكون ُ كلنا فيها معا ً في جانب: بشرا ً دون الالتفات للدين أو الإثنية، ضد الجانب السلفي التكفيري، حربا ً فيها اللاديني و المسيحي و المسلم و اليهودي والبوذي و الهندوسي و كل صاحب دين شركاء في مصلحة مشتركة تجمعهم الإنسانية.

ألتمس ُ منكم اليوم أن تعودوا معي إلى رمضان الماضي و فيه عرضت قنوات MBC مسلسلا ً تلفزيونيا ً باسم "ونوس" أبطاله من عمالقة الفن المصري: هاله فاخر، نبيل الحلفاوي و يحيى الفخراني. جسد الفخراني دور الشيطان، و الحلفاوي دور الإنسان الأول، و هالة دور الخير الجامع في القلوب متجسدا في: الأم. في آخر حلقة و في الربع ساعة الأخيرة يبتزُّ الشيطان الفخراني آدم الحلفاوي ليوقع صك بيع روحه مقابل كل ما قدمه له من خدمات، و لعلنا هنا نستحضر ُ سفر أيوب التوراتي و المُبدع الألماني جوتيه، لنرى العمل بلغة عربية و سياق ٍ شعبي مصري قريب من المشاعر و مُتحد مع ثقافتنا.

يرفض الحلفاوي توقيع الصك بينما تتصاعد صلوات المسلمين الصوفين الطيبين من أبناء حارته مناجية ً الألوهة متمايلة ً يمينا ً يسارا ً هاتفة ً: يا لطيف يا لطيف، فيبتزه الفخراني بأن يهدده بجعل ولده: عزيز يقتل ولده الآخر:نبيل، و يقدم له وعدا بأن يمنع الجريمة إن وقع، في الوقت الذي يركض فيه عزيز بسكينه نحو بيت العائلة ليرتكب جريمته. يصل عزيز للمنزل و ينقض هاجما بالسكين مُرسلها في الهواء إلى جسد أخيه ضربة َ موت، و تجري الأم نحو نبيل فتصلها السكين حامية ً ولدها بجسدها، و تبلغ الدراما ذروتها حين تغلق الأم المجروحة باب البيت لتمنع عزيز من الخروج. إن مشهد إغلاق الباب و كلام الأم هو تمثيل ُ إغلاق ِ دائرة ِ الحب على الأبناء، تلك الدائرة التي حين تُغلق يصبح الشر ُّ الكامن في الإنسان أسير الخير الأعظم الموجود في النفوس، هذا الخير الذي تمثله الأم لا بالعاطفة فقط لكن قبلها بإدراكها العقلي أن هزيمة الشر إنما تكون من نقيضه الخير لا باعتناقه. تقدم الأم الحل المناقض لعرض ونيس، و هو تبني الخير مع الاعتراف بوجود الشر و ضراوته و حتمية استمرار صراع الخير و الشر. يسقط الحلفاوي ميتا ً أمام باب المنزل المغلق و هو الذي ركض لإنقاذ أبنائه، و نرى روحه أمام ونيس، و القلم في يده ينظر للصك و تبرق عيناه بالأمل و تدب الحياة في صوته و هو يدرك لحظة انتصار الإنسانية الأخير فيخاطب الشيطان الفخراني: قلتلك الحجة مش بإيدك و لا بإيدي، فينتفض الشيطان صارخا ً بذهول: أمال بإيد مين!!! و يختفي الحلفاوي من المشهد ليترك الشيطان مخاطبا ً الله بكل الغضب: بعد كل لي عمله خلاص سماح؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!

ما هو هذا السماح؟

إنه إدراكنا الإنساني أن الشر: موجود، قوي، ضاري، عنيف، مثابر، مستمر، مؤلم، و أن الصراع معه: حتمي، دائم، و أن الانتصار عليه لا يكون سوى بالانقلاب عليه لا بتبنيه و لا باعتناقه و لا بتوقيع صك ِّ العبودية له. هذا السماح الذي يرسل لنا كتابا ً للقلوب و العقول معا ً بأن الخطأ كثير و الألم كثير و أن قبول الإنسان لأخيه الإنسان إنما هو القوَّة الشديدة ُ الضاربة للشر، القادرة على الانتصار عليه، المُجرِّدة له من أي انتصار لا يأتي به سوى معانقة هذا الشر و قبول سيادته على النفوس، فقط في اعتناق الشر انتصاره و الحكم الأبدي على الإنسان بالانحطاط و العذاب. نعم اعتناق الشر هو جهنم البشر، و صرخات ُ يا لطيف يا لطيف الداخلية هي الاستدعاء الفاعل و المؤثر لقوة الانتصار التي يملكها الخير الأصيل في طبيعة البشر.

إن حزننا العميق على ذبح الأب الراحل الشهيد للمبادئ التي أعطاها حياته، و الغضب العميق على شر عصابة داعش الإجرامية و القراءة السلفية التكفيرية للإسلام لا يجب باي حال ٍ من الأحوال أن يعمينا عن جامعنا الإنساني المشترك مع إخوتنا المسلمين و لا أن يدفعنا نحو محاربة الخير الموجود فيهم و الذي بواسطته يتبنون قراءاتهم المعتدلة و الإنسانية لديهم و التي بواسطتها لن يترددوا أن يضعوا أيديهم في أيدي العالم بأسره ضد داعش، و علينا أن ندرك تمام الإدراك الخيانة العظمى التي سنرتكبها في حق الأب الذبيح كسيده المصلوب الأول إذا سمحنا للحزن و الغضب أن يخرجانا عن إيماننا بكل ما هو خير و بكل ما هو حب و بكل ما هو إنساني يجمعنا.

أبتي الحبب أرقد بسلام، فلقد جاهدت الجهاد الحسن، الطوبى لنفسك تردد و أنت تُذبح:

"
عم قايوسو أمرينن مشيحو إدخرين مو دو ثي آت،
يا أبت ِ في يديك َ أجعل ُ روحي!
"

----------------------------------
الحلقة الأخيرة من مسلسل ونوس: https://shahid.mbc.net/ar/episode/144899/ونوس-الموسم-1-الحلقة-30.html



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في اللادينية – 9 – القتل بين: الحتمية بدافع الحاجة و ا ...
- إلى إدارة موقع الحوار المتمدن.
- عن هزاع ذنيبات
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 10 – ما قبل المسيحية – 5.
- بوح في جدليات - 19 - خواطرُ في الإجازة.
- لهؤلاء نكتب.
- عن محمد علي كلاي – نعي ٌ و قراءة إنسانية.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 9 – ما قبل المسيحية – 4.
- طرطوس و جبلة - ملاحظة تختصر ُ تاريخا ً و حاضرا ً و منهجاً.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 8 – ما قبل المسيحية – 3.
- مدخل لقراءة في الثورات العربية - ملخص كتاب - سيكولوجية الجما ...
- بوح في جدليات - 18 – ابصق ابصق يا شحلمون.
- قراءة في اللادينية – 8 - ضوء على الإيمان، مُستتبَعاً من: علم ...
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 7 – ما قبل المسيحية –ج2.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 6 – ما قبل المسيحية – ج1.
- بوح في جدليات – 17 – من حُلو ِ الزِّمان ِ و رِديَّه.
- قراءة في اللادينية – 7 - الأخلاق مُستتبَعة ً من: علم النفس – ...
- قراءة من سفر التطور – 8 – ال 4 التي تأتي بال 1.
- وزيرٌ تحت سنِّ ال 25
- قراءة من سفر التطور – 7 – عذرا ً توقيعك غير معروف لدينا!


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نضال الربضي - قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.