أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول1














المزيد.....

بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول1


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5230 - 2016 / 7 / 21 - 14:28
المحور: الادب والفن
    


كانت الحرب على وشك الوقوع في لبنان، وكان ذلك يسلينا كثيرًا نحن الصغار والكبار. كنا ننتظر، كلنا، بفارغ الصبر، أن يتفجر الوضع. كان ذلك رد فعلنا على حياة البؤس التي نحياها أكثر من استخفافنا بالموت، فالحرب كانت شغلنا مثل باقي أشغالنا، وكانت تجعلنا نقضي وقتنا، فما قيمة الوقت في أعيننا؟
لم نكن نتعلق بالآمال الكاذبة، فلم تكن لنا آمال، وهكذا كان كل شيء ذريعة لتسليتنا، أتفه الأشياء وأخطرها. ربما كان ذلك لأننا لم نكن لا من بيروت الغربية ولا من بيروت الشرقية، ولأننا لم نكن نعتبر لا مسيحيين ولا مسلمين، فحينا يقع على الخط الفاصل بين البيروتين، في قلب العاصمة. كنا، نحن السكان الملعونين، الأكثر شطارة، فلم نكن نقول لأحد إلى أية طائفة ننتمي، "انتهازيون أبًا عن جد"، كما كانت تقول العمة مريم. لتخلط عالمها، كانت العمة مريم تضع حول عنقها الصليب وآية الكرسي، فيعتبرها المسيحيون مسيحية عندهم، ويعتبرها المسلمون مسلمة عندهم. كمُلابَسة ليست مؤسفة، كان اسمها اسمًا للطائفتين، ولو لم تكن تُسَمَّى كذلك لاخترعت اسمًا موافقًا للظروف، لتخدع الجميع. بالمقابل، كان الكل يحاول خداعنا. كان كل طرف من أطراف النزاع يحاول كسبنا إلى جانبه، بما أن لا هوية محددة لنا، وللمصلحة الاستراتيجية التي كان يمثلها حينا.
كان تقي الدين الشيعي كما يدل اسمه عليه أول من جاء يعظ عندنا، مع أنه لم يكن إمامًا. كانت العمة مريم تعرفه –ونحن كلنا- منذ كان طفلاً صغيرًا. في ذلك الوقت، كان يأتي عندها مع أمه، عندما لا تجد أمه ما يأكلونه، فتذبح لأم تقي الدين الدجاجة التي يعطيها إياها كتائبي كبير لخدمة تقدمها له تعبيرًا عن تشكراته الحارة، فالدجاجة بالنسبة لهذا الكتائبي البخيل أرخص من كيلو لحم بكثير. كان عليها أن تبقي لنا بعضها نحن أبناء إخوتها وأعمامها الذين كنا نعيش عالة عليها وكنا كثيرين. وكما كانت عادتنا عندما نشبع، كنا نلعب ببنادقنا الخشبية لعبة الحرب، وكان تقي يخسر دومًا لكثرة ما كان خوافًا.
في خطابه إذن، كان تقي العظيم يعدنا بالثروة والعدالة إن وقفنا إلى جانبه، فكانت العمة مريم تقول له إن كل الحي معه. لكن ما أن كان يذهب حتى كانت تسخر منه. كنا نسخر منه كلنا. خواف الزمن القديم هذا يريد أن يجعل من نفسه علينا زعيمًا في الوقت الحاضر! وعن أية عدالة كان يتكلم؟ عن أية ثروة؟ كانت العمة مريم تسأل. بالنسبة لها العدالة والثروة لا تعيشان بوفاق.
بعد تقي الدين كان يأتي دور بطرس الأحمر. كانت العمة مريم في الزمن الماضي تنظف بيتهم ثلاثة أيام في الأسبوع في بيروت الشرقية، وكانت كذلك تذهب لإحضار بطرس من مدرسة الراهبات على الساعة الرابعة عندما تكون أمه مشغولة مع صاحباتها في جمعية "خبز ورحمة"، حتى أنها كانت تصحبه إلى الكنيسة يوم الأحد إن فضلت أمه الذهاب "لتناضل". كان الصغير بطرس يذرف دموعًا حارة إذا ما فاته القداس. الآن، وقد صار أحمر، كان يعدنا هو أيضًا بالثروة والعدالة إن وقفنا إلى جانبه، وكانت العمة مريم تقول له ما تقوله لتقي، إننا أزلامه. بعد ذهابه، كانت تحكي كيف كان هذا الشيوعي، وهو صغير، يبكي ليذهب إلى القداس! وكانت تحكي كذلك عن قسوة أمه، وتضحك. كانت تتذكر عندما عملها تحته في جناح الكنيسة، لا لسبب إلا لأن الخوري، مخطوفًا بوحي رباني، قد رفع صوته. كنا نبكي من الضحك.
أبو أرز، القيادي الكتائبي، لم يكن أبدًا يخلف موعدًا معنا. كان يزورنا هو الآخر، فلم يكن يشك، بما أن حينا يقص بيروت من وسطها، في أن أولى الطلقات ستنطلق منه. كان يقرر، دون أن يأخذ رأينا، أننا كلنا مسيحيون، كلنا كتائب. لم يكن يتكلم عن ثروة وعدالة، لكن عن واجب ونظام. كانت العمة مريم تصفق له، كنا كلنا نصفق له. كانت العمة مريم تعلم أنه سيوزع ظرفًا من النقود، وكانت الثروة من المحتمل أن تكون معه، ويا لها من ثروة! لم تكن تتجاوز بضع ليرات لبنانية لكل واحد منا. أما العدالة، فلم تكن تهمنا. منذ وجدت بيروت، والحي يتعامل هكذا مع أبي أرز وأبي أبي أرز وأبي أبي أبي أرز، وسيتعامل في المستقبل مع أرز، ابن أبي أرز. وما أن كان يدير لنا ظهره حتى تصف العمة مريم القيادي الكتائبي بالغبي، غبي وغني فضلاً عن ذلك، فكنا ننفجر كلنا ضاحكين.
برفقة أبي المشارق، لم يكن كمال الدرزي يتأخر عن الظهور عند العمة مريم، كان يعتبرها زعيمة كل الحي. بعكس الآخرين الذين كانوا يأتون ليتأكدوا من دعمنا إياهم، كان يريد أن يثبت لنا أنه سيبقى إلى جانبنا مهما حصل. هكذا هو يفهم "الاشتراكية"، كما كان يقول الدرزي، معتقدًا أنه هكذا يؤدي رسالته على أكمل وجه كما يدل عليه اسمه. "اشتراكيتك أنت، يرد الآخر باحتقار، أنا ماوي." "نعم، لكن الماوي من المشرق عليه أن يدين لي بالولاء." كان الاثنان يبدآن بالجدل في هذا الأمر النافل، فتهدد العمة مريم بعدم دعمها إياهما. كنا نبلع اعتراضاتنا عليها بصعوبة، ونحن نفكر فيما سنخسره، فتجاملنا العمة مريم، وتقول إنها ستدعم الاثنين. منذ أجيال، وهما هكذا، الواحد تطرفي والثاني اشتراكي، على الطريقة الدرزية طبعًا. وفي الختام، كانا يكافئان كل الحي بمئات صناديق السجائر التي كنا نبيعها في السوق السوداء.
بالمقابل، كان القائد الفلسطيني عبد السلام يأتينا بمئات صناديق الأسلحة. عشية أمس، كانت العمة مريم قد شاهدته بين المدعوين عند أبي أرز، وهي تساعد في تحضير الوليمة. كان من المفروض أنهما ألد عدوين في الكون، هو وأبو أرز، وكنا نتظاهر بعدم معرفتنا ذلك، فأقل الأشياء أن تعرف كيف تغمض عينيك عما يتعارض عند واحد يوزع كلاشينكوفات بكل ذلك الكرم، كلاشينكوفات كنا مفتونين بها، فنلعب في الأخير لعبة الحرب حق اللعب. كانت العمة مريم قد خافت فجأة، تجهم وجهها، وانشغل بالها، عندما فكرت في تَبِعات هذه الحرب. لم يكن باستطاعتها ألا تحب عبد السلام، كنا كلنا نحبه، حتى ولو لم يكن يحبنا بالفعل. كان الأكثر ذكاء بين كل القياديين الآخرين، ولم يكن هناك غيره ممن يستوجب فخرنا.

يتبع...



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيروت تل أبيب كلمة الغلاف
- المؤتمر العربي العالمي فرنسا هذا لا يعنيك!
- المؤتمر العربي العالمي فرنسا سرقت فكرتي
- المؤتمر العربي العالمي إلى الحمير من المحيط إلى الخليج
- المؤتمر العربي العالمي المكتوب واليوتيوب
- المؤتمر العربي العالمي يا كتاب -الحوار- أين أنتم؟
- المؤتمر العربي العالمي انعقاده في 5 حزيران
- المؤتمر العربي العالمي
- النظام العالمي
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني النص الكامل
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 51
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 50
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 49
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 48
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 47
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 45
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 44
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 43
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 42
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 41


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول1