أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ابراهيم ابراش - أزمة الاتحاد الأوروبي وفشل رهانات العولمة الثقافية















المزيد.....

أزمة الاتحاد الأوروبي وفشل رهانات العولمة الثقافية


ابراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 5223 - 2016 / 7 / 14 - 09:45
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


أصاب المعلقون السياسيون الذين وصفوا نتائج استفتاء البريطانيين يوم الرابع والعشرين من يونيو المنصرم والتي جاءت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بأنه زلال ، وهو كذلك ليس فقط من حيث تأثيره على المملكة المتحدة وشعوبها وعلى الاتحاد الأوروبي ومستقبله ، بل أيضا من حيث تأثيره الجيوستراتيجي على ما كان يعتبر مسلمات في سياق تطور المجتمعات والنظام الدولي ، مثل توجه الدول نحو التكتلات الإقليمية و الدولية الكبرى ، ونحو مزيد من الاندماج ، والعولمة بما هي كسر للحواجز والحدود ، وتجاوز النزعات الدولانية التي تتمسك بمفهوم الدولة ذات السيادة المطلقة ، أيضا من حيث الزعم بأن الشعوبية وكل اشكال التطرف أمور تخص المجتمعات العربية والإسلامية فقط الخ .
تصويت البريطانيين لصال الخروج من الاتحاد الأوروبي يمكن قراءته من عدة جوانب ، والرسالة المهمة والإيجابية الأولى في الموضوع أن الشعوب في الغرب تملك قرارها وهي التي تحدد مصيرها وهويتها وعلى الساسة الخضوع لإرادة الشعب ، فعندما اختار الشعب البريطاني سياسة تتعارض مع سياسة رئيس الحكومة ديفيد كاميرون قرر هذا الأخير التنحي عن السلطة ، دون أن نسمع منه أو من حزبه أي تشكيك بالانتخابات أو الحديث عن تآمر خارجي الخ . مهما كانت نتائج هذا التصويت فالشعب هو الذي سيتحمل مسؤولية خياراته ، هذا درس علينا كعرب الاستفادة منه .
ومن جهة أخرى فإن هذا التصويت له أبعاد تتجاوز مجرد الخروج من الاتحاد الاوروبي ، فما جرى سيشجع بعض الشعوب التابعة لـ " المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا" ، أو كما تختصر بريطانيا ، للانفصال عن المملكة ، وخصوصا اسكتلندا ، وقد يدفع بعض مكونات الاتحاد الأوروبي ليعيدوا النظر في بقائهم في الاتحاد الاوروبي ، وقد ارتفعت الأصوات بالفعل في فرنسا وهولندا تطالب بإعادة النظر في عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي ، أو يتم إعادة النظر في طبيعة العلاقات التي تجمع دول الاتحاد لتصبح هذه العلاقات أكثر مرونة ، بالإضافة إلى تأثيره على الاقتصاد البريطاني والاقتصاد العالمي .
على مستوى أبعد ، فما جرى ينسجم مع ظاهرة تتفاقم في العالم وهي انتشار الشعوبية بكل اتجاهاتها العنصرية و القومية الشوفينية ، والعودة للانغلاق والتمركز على الذات ، وتعميم ظاهرة الأصولية لتشمل كل الديانات والأيديولوجيات والثقافات .
بالتأكيد هناك أسباب متعددة وراء توجه البريطانيين نحو الانفصال عن الاتحاد الاوروبي ، مثل الموقع الجغرافي لبريطانيا وتجربتها التاريخية ، زيادة الهجرة وخصوصا من دول أوروبا الشرقية إلى بريطانيا ، والوضع الاقتصادي ، وتدافع الأجيال أو الصراع ما بين الجيل القديم الذي يحن للماضي والجيل الجديد المتطلع للانفتاح ، ولكن أهمها قوة اليمين المحافظ في بريطانيا .
هذا اليمين كان وراء دعم فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد وهو شكل من الأصولية والشعوبية التي لها نضير في كثير من دول أوروبا ، كحزب " الجبهة الوطنية " في فرنسا الذي تتزعمه جان ماري لوبان ، وحزب " الحرية " في النمسا ، وفي الدنمرك "حزب الشعب الدنماركي " بزعامة بيا كيارسغارد ، وفي السويد حزب " الديمقراطيين " ، وحزب " البديل " في المانيا ، وحزب " التقدم " في النرويج الخ ، وفي الولايات المتحدة الامريكية فإن اليمين المحافظ واليمينيين الجدد صعدوا إلى مواقع قيادية في الإدارة الأمريكية منذ الثمانينيات ، ونموذجهم الأكثر تطرفا اليوم المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب ، وفي إسرائيل حيث التوجه نحو اليمين غير مسبوق ، ولا نتجاهل ما يجري في عالمنا العربي والإسلامي من أصولية دينية متطرفة ومتخلفة .
الموضوع يطرح قضية إشكالية أو مفارقة على مستوى التغيرات الكونية منذ انتشار الحديث عن ظاهرة العولمة نهاية ثمانينيات القرن العشرين . المفارقة أنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة والتي يمكن وسمها بعصر العولمة ، بما تعنيه العولمة من إزالة الحدود والحواجز وحرية تنقل البضائع والأفراد ، وتحويل العالم لقرية صغيرة تتجاوز العصبيات الهوياتية والإثنية والدينية أو ما يسمى بالعولمة الثقافية ، خلال هذه العقود أنتجت العولمة نقيضها وهو الطائفية والعنصرية والإثنية والأصولية بكل أشكالها ، وبدل توحيد العالم وتقارب الثقافات انفجر العالم في حروب وصراعات وخصوصا مع انهيار دول المعسكر الاشتراكي ، وبعدها صعود اليمين المتطرف في أكثر من بلد في العالم ، وقد سبق للمفكر الامريكي صمويل هانتجتون في كتابه صدام الحضارات 1996 (The Clash of Civilizations) أن نعى ، بطريقة غير مباشرة ، العولمة وخصوصا الثقافية .
ما جرى مع بريطانيا وما سيترتب من تداعيات ، عنوانها العودة للانغلاق على الذات واستحضار الدولة القومية المعتزة بسيادتها وهويتها ، وما يجري من صعود للشعوبية والأصوليات في العالم كله ، وهي تتعارض مع منطق وفلسفة العولمة وخصوصا الثقافية ، كل ذلك يستدعي إعادة النظر في صحة ودقة الحديث عن زمن العولمة وخصوصا في شقها الثقافي ، أو على الأقل إعادة النظر في غالبية التعريفات التي أعطيت للعولمة والتي حاولت أن تضفي عليها طابعا اخلاقيا وانسانويا ، والتعامل مع العولمة ، إن كان ما زال هناك مجال للحديث عنها ، كايدولوجيا يوظفها الأقوياء لصالحهم ، وهذا ما يمنح مصداقية للكُتاب الذين ناصبوا العولمة العداء منذ ظهورها وحذروا من تداعياتها على دول العالم الثالث .
قد يكون صحيحا أن العولمة الاقتصادية قطعت اشواطا مهما فيما يتعلق بالتجارة والاستثمارات أو حركة رؤوس الاموال ، إلا أنها متعثرة دون ذلك . فمثلا تعتبر ثورة المعلوماتية خصوصا الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي من أهم مظاهر العولمة ، وكان الهدف من هذه الوسائل زيادة التواصل بين الافراد داخل المجتمع ، والتواصل ما بين الشعوب وبعضها البعض ، إلا أن هذه التقنية تم استعمالها لإثارة الفتن والنزعات الشعوبية وباتت هذه الأخيرة وخصوصا الحركات الأصولية توظفها لنشر افكارها وتنفيذ عملياتها العنيفة ، حتى أن كثيرا من دول العالم باتت تخضع هذه التقنيات للمراقبة الشديدة وأحيانا تتدخل لوقف نشاطها ، ولا نلمس أن هذه التقنيات زادت من تقارب الشعوب وبعضها البعض .
بطبيعة الحال هناك فرق في كيفية توظيف والاستفادة من تقنيات ثورة المعلوماتية ما بين دول العالم المتقدم ودول العالم الثالث ، ايضا هناك فرق بين ما يجري في الغرب بشكل عام وخصوصا صعود الأصوليات أو اليمين المتطرف أو المحافظين الجدد ، وما يجري في العالم العربي والإسلامي مع ظاهرة الأصولية الإسلامية . صعود اليمين المتطرف وظاهرة الأصولية في الغرب غالبا ما تعزز الدولة القومية وتحافظ على الهوية القومية وتحقق أهدافها غالبا بوسائل ديمقراطية وحضارية ، بينما اصولياتنا فإنها مفَتِتة ومُذَرِرة لوحدة الشعب والهوية ومُدمرة للدولة الوطنية وتستعمل العنف لفرض تصوراتها كما تثار شكوك حول علاقاتها مع قوى أجنبية .
وأخيرا فإن ما يجري في بريطانيا ما زال في بداياته ومهما كانت التداعيات فإن ثقافة الديمقراطية والحوار التي تسود في الغرب كفيلة بحل كل الإشكالات بطريقة سلمية . أما بالنسبة لتداعيات ما يجري على دول الشرق الأوسط ، فهي متعددة منها ما هو اقتصادي وما هو ثقافي وما هو سياسي ، وسيختلف التأثير من دولة لأخرى ، فتأثيره بالنسبة لتركيا مختلف عن دول الخليج مثلا . كما أن تصاعد النزعة العنصرية والقومية المتطرفة يؤكد كونية التطرف والأصولية ،مع اختلاف أدوات العمل والأهداف كما سبقت الإشارة ، والمهم ألا ترتد أحداث أوروبا سلبا على منطقتنا العربية وخصوصا على القضية الفلسطينية ، حيث غالبية قوى اليمين والأصوليات المسيحية تدعم إسرائيل .
[email protected]



#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجامعات الفلسطينية : ما لها وما عليها
- االمصالحة بين تركيا وإسرائيل تستنزف رصيد حركة حماس
- ما وراء إثارة مسألة خلافة الرئيس أبو مازن
- في ذكرى الانقسام : مقاربة مغايرة
- الوجه الآخر من الصراع
- لماذا يتعثر المشروع الوطني الفلسطيني ويتقدم المشروع الصهيوني ...
- الشعب الفلسطيني يفتخر بتاريخه ورموزه الوطنية
- في قطاع غزة حالة غضب على الجميع
- في ذكرى النكبة نستحضر تاريخنا الوطني
- المبادرة الفرنسية تكشف بؤس الدبلوماسية الفلسطينية
- ميناء غزة : مشروع جاد أم ورقة ضغط وابتزاز ؟
- السلطة والمعارضة في النظام السياسي الفلسطيني
- حول جدلية السلطة والمعارضة
- حالة فوضى وليس مجرد انقسام سياسي
- ماذا بعد انهيار السلطة وفشل خيار حل الدولتين ؟
- حركة فتح أمام منعطف مصيري
- الإرهاب : من تفجيرات الملك داوود إلى تفجيرات بروكسل
- شبهات حول تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة حول قضية الصحرا ...
- مراجعات حركة حماس بين التكتيك والإستراتيجية
- البديل الوطني لاتفاقية أوسلو وتوابعها


المزيد.....




- رغم إعلان ترامب لوقف إطلاق النار.. شاهد كيف كانت الدفاعات ال ...
- وسط إرباك حول توقيته.. وسائل إعلام من إيران وإسرائيل تُعلن س ...
- ترامب يُعلن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ويوجه -رجاءً- ...
- إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع ...
- -فُرض على العدو بعد مهاجمة العُديد-.. شاهد كيف وصف التلفزيون ...
- رضا بهلوي من باريس: أنا مستعد لحكم إيران وعلى خامنئي أن يرحل ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمّات المباشرة لإسناد فلس ...
- حادثة الطفلة غيثة تشعل المغرب.. موجة غضب وتضامن
- ثمرة واحدة قبل النوم تُحسّن جودة نومك بشكل ملحوظ


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ابراهيم ابراش - أزمة الاتحاد الأوروبي وفشل رهانات العولمة الثقافية