أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - ملكية فريدة و ملك فريد















المزيد.....

ملكية فريدة و ملك فريد


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1397 - 2005 / 12 / 12 - 11:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


احتفلت تايلاند في الخامس من الشهر الجاري بالعيد الثامن و السبعين لميلاد عاهلها الملك بهوميبول ادولياديج ( راما التاسع)، و أيضا بالذكرى التاسعة و الخمسين لتتويجه رسميا. وكما جرت العادة في سنوات العقد الأخير التي شهدت تقدم الملك في السن و تراجع نشاطه، فان الحدث كان مناسبة لتكرار السؤال حول مصير البلاد في حال غيابه عن المشهد، هو الذي يعتبر أطول ملوك تايلاند عهدا، بل عميد ملوك العالم أجمع.

وأسباب الخشية تكمن في أن ولي العهد الأمير " فاجيرالونغكورن" (52 عاما) قد لا يستطيع ملء الفراغ و مواصلة دور والده بنفس القدر من الحكمة و بعد النظر. فهو رغم مؤهلاته العسكرية (خريج الكلية الحربية في بيرث باستراليا) و مؤهلاته السياسية (خريج امبريال كوليدج في لندن) لا يملك من سحر الشخصية والاستقامة العائلية و المواهب الفريدة و التجارب الغنية ما يمكنه من أن يكون صنوا لأبيه. ورغم أن التايلانديين عموما يتجنبون الحديث علانية عن ذلك (احتراما للعائلة و أيضا خشية من العقوبة التي قد تصل إلى السجن لمدة 15 عاما لكل من يسيء بالكتابة أو القول إلى الملك أو الملكة أو ولي العهد)، فان ما لم يعد سرا هو أنهم ينظرون إلى ولي العهد بحذر شديد بسبب كثرة مغامراته و نزواته و فشل زيجاته وغير ذلك من الأمور التي لا تليق في عرفهم بمن يفترض انه سيمثل الأمة و يجسد هويتها الثقافية ، ناهيك عما عرف عنه من حدة الطبع والتي قد توقعه و توقع الملكية معه في مشاكل مع الساسة.

والملكية في تايلاند فريدة من نوعها سواء لجهة تاريخها و تطورها، أو لجهة التقاليد التي تحكمها و الأدوار التي يضطلع بها الملك في الحياة العامة. إذ لها من التاريخ ما يقارب سبعة قرون شهدت خلالها عمليات تطوير و تحديث تدريجية على يد من توالوا على العرش، ولا سيما الملوك التسعة من سلالة تشاكري التي ينتمي إليها العاهل الحالي، بحيث تحولت في النهاية إلى مؤسسة محترمة في الداخل و الخارج و إلى عمود فقري لاستقرار البلاد ووحدتها الوطنية و سلامها الاجتماعي. أحد ابرز هذه التطورات ما حدث في عام 1932 الذي يؤرخ لبدء مرحلة الملكية الدستورية وانتهاء عهد طويل من الملكية المطلقة و الحكم المركزي الشديد. ففي ذلك العام استجاب الملك براجاديبوك لضغوط النخب التايلاندية و غير نظام الحكم مدشنا أول دستور في تاريخ تايلاند.

وهي – أي الملكية التايلاندية – لئن اتفقت مع باقي الملكيات الدستورية في كون صاحبها يملك ولا يحكم، فإنها تختلف معها في أن للملك ثلاثة حقوق أساسية يمكنه من خلالها إضفاء مرئياته على شئون البلاد. هذه الحقوق هي: الحق في إسداء المشورة إلى رأس الحكومة، و الحق في تحذيره والحق في تشجيعه. وقد استخدم الملك الحالي هذه الحقوق بمهارة فائقة أثناء المنعطفات و المآزق الصعبة التي واجهت بلاده خلال العقود السبعة الماضية. ففي الستينات مثلا عندما رفضت الحكومة العسكرية قبول قرار لمحكمة العدل الدولية لصالح كمبوديا ضد تايلاند في خلاف حدودي، تدخل الملك و أقنعها بالموافقة، الأمر الذي جنب البلاد الانتقادات وحمى سمعتها الدولية. وفي عام 1973 الذي شهد ثورة طلابية ضخمة ضد الحكم العسكري، سقط خلالها أكثر من مائة متظاهر برصاص الجيش، لم يستطع الملك السكوت و تدخل طالبا من رئيس الحكومة و نائبه مغادرة البلاد و عاهدا بالمسئولية إلى أحد كبار القضاة السابقين. أما حينما قام نفر من عقداء الجيش بانقلاب في عام 1981 على رئيس الحومة الجنرال بريم احتجاجا على اعتداله و مرونته، فقد كان خروج العائلة المالكة من بانكوك و التحاقها بالجنرال المخلوع في شمال شرق البلاد مؤشرا على امتعاض الملك و كافيا لإحباط الانقلاب. إلى ما سبق من الأمثلة، لا يزال التايلانديون يتذكرون كيف أن الملك حما البلاد و الشعب من حرب أهلية في عام 1992 حينما احتل المتظاهرون من نشطاء الديمقراطية شوارع و ساحات العاصمة فيما كانت الحكومة العسكرية ترد بالرصاص و الدبابات. وقتها استدعى الملك رئيس حكومته و زعيم الحركة الاحتجاجية إلى قصره، فجاءاه زاحفين على اقدامهما ليسمعا منه أمام كاميرات التلفزيون العالمية توبيخا على ما آلت إليه الأحوال و دعوة لإنهاء الأزمة. فكانت هذه الخطوة إشارة على عدم رضا الملك عن الحكومة التي بادر زعيمها إلى الاستقالة فورا، مفسحا الطريق أمام تدشين عهد ديمقراطي جديد.

وتدين الملكية في تايلاند بالكثير للعاهل الحالي. فهو بذكائه و بعد نظره و احترامه للدستور وتواصله المستمر مع العامة من خلال زياراته الميدانية في طول البلاد و عرضها للإطلاع على أحوال العامة و الاستماع إلى ملاحظاتهم، اكسبها وهجا واحتراما شعبيا قلما تنافسه فيه الملكيات الأخرى، و أضفى عليها بعدا إنسانيا بحيث صار ينظر إليها كمصباح مرشد للأمة و كمؤسسة تعمل من اجل رفاهية و نهضة الشعب ، لا من اجل إخضاعه وحكمه.

حدث كل هذا رغم أن الرجل لم يعد ليكون ملكا. فاختياره جاء مصادفة و ذلك في أعقاب مقتل شقيقه الأكبر الملك أناندا في عام 1946 في حادث مأساوي غامض و هو لم يزل في ريعان شبابه. والأخير كان قد سمي ملكا في عام 1935 خلفا لعمه الملك براجاديبوك الذي تنازل عن العرش لأسباب خاصة، في واقعة شبيهة بما حدث لملك بريطانيا الأسبق ادوارد الثامن. ولأن الأمير بهوميبول كان وقتها طالبا في المرحلة الجامعية في سويسرا التي كان قد انتقل إليها مع والدته في أعقاب وفاة والده الأمير ماهيدول شابا في الولايات المتحدة، فان تتويجه تأخر لمدة أربعة أعوام، كي ينهي الأمير دراسته في كلية القانون و العلوم السياسية في جامعة لوزان.

و الملك بهوميبول، الذي ولد في عام 1927 في مدينة كمبردج بولاية ماساتشوسيت الأمريكية حيث كان أبوه و أمه يدرسان الطب في جامعة هارفارد و كلية سومونس على التوالي، يستمد جزءا من احترام شعبه له من كونه حارس الديانة البوذية التي يدين بها غالبية السكان، ويستمد الجزء الآخر من نبوغه و تميزه في جملة من المعارف و العلوم، على اعتبار أن التميز والفرادة رديفان لصفة الملك. ففضلا على إطلاعه الواسع في مجال السياسة و القانون و العلاقات الدولية، يولي الملك اهتماما خاصا بعلوم البيئة و شئونها إلى الدرجة التي حول معها جزءا من مكتبة القصر الملكي و قاعاته للأبحاث المتعلقة بهذا المجال. إلى ذلك فهو عازف ماهر على آلة السكسافون و له مؤلفات موسيقية كثيرة في فن الجاز، و كاتب رواية، و خبير في فنون التصوير الفوتوغرافي و تقنياته، وفنان تشكيلي مبدع.

أما شعبيته الطاغية فقد لعبت فيها عوامل كثيرة أبرزنا بعضها فيما تقدم، فيما البعض الآخر يتعلق بايلائه اهتماما خاصا و فريدا منذ شبابه بعملية تنمية قدرات و أحوال مواطنيه الأقل دخلا، و ذلك وفق فلسفة تقوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي بمعنى الإدارة الصحيحة و الفعالة لموارد محدودة من اجل خلق اكبر قدر من المنفعة للجميع. و في سبيل تحقيق هذا الهدف تجاوز الملك جهود حكومته و مؤسساتها، فتبنى شخصيا آلاف البرامج و المشاريع التنموية الصغيرة و انفق عليها من مخصصاته الملكية و ذلك في مجالات مثل تنمية الاقتصاد الريفي، و حماية الغابات و مصائد الأسماك، و تطوير آليات الري، و مكافحة الأمراض و زراعة المخدرات، و تعليم المهارات الجديدة.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو إقامة نظام نفطي آسيوي بقيادة الهند و الصين
- أفغانستان تؤكد هويتها الجنوب آسيوية
- الوزير المثير للجدل
- امرأة الصين الحديدية
- النفط الروسي كمحور للتنافس الصيني- الياباني
- النسخ الآسيوية من الزرقاوي
- الهند تنحاز إلى إناثها
- مطاردة -الأحمديين- تمتد إلى اندونيسيا
- -فرقة مريم-.. نمط جديد للأمر بالمعروف
- جنرال مسلم لقيادة جيش تايلاند -البوذية-
- ديمقراطية تمثيلية و بيئة حضرية و أديان لا تتدخل في السياسة
- توقعوه من اندونيسيا ففعلته باكستان
- انظروا إلى من تذهب الجوائز في آسيا!
- مشروع طلبنة بنغلاديش
- اغتيال رجل شجاع بيد جبانة
- البريد يطيح بالبرلمان
- كارشي خان آباد
- مصانع إنتاج الإرهاب و الكراهية
- دبلوماسية الكهرباء
- عاشق ربطات العنق الملونة زعيما


المزيد.....




- وزير خارجية الإمارات يعلق على فيديو سابق له حذر فيه من الإره ...
- سموتريتش لنتيناهو: إذا قررتم رفع الراية البيضاء والتراجع عن ...
- DW تتحقق - هل خفّف بايدن العقوبات المفروضة على إيران؟
- دعوة الجامعات الألمانية للتدقيق في المشاريع مع الصين بعد مز ...
- الدفاع الروسية تعلن ضرب 3 مطارات عسكرية أوكرانية والقضاء على ...
- -700 متر قماش-.. العراق يدخل موسوعة -غينيس- بأكبر دشداشة في ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي يصادق على خطط المراحل القادمة من حرب ...
- زاخاروفا: روسيا لن تساوم على أراضيها الجديدة
- اكتشاف ظاهرة -ثورية- يمكن أن تحل لغزا عمره 80 عاما
- بري عقب لقائه سيجورنيه: متمسكون بتطبيق القرار 1701 وبانتظار ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - ملكية فريدة و ملك فريد