أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - كارشي خان آباد















المزيد.....

كارشي خان آباد


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1280 - 2005 / 8 / 8 - 11:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إحدى مشاكل السياسة الخارجية الراهنة للولايات المتحدة هي كيفية الموائمة ما بين الرغبة في سيادة قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان في العالم التي تستوجب انتقاد الأنظمة الشمولية و دعم معارضيها ، و متطلبات الأمن القومي الأمريكي التي تفرض أحيانا التعامل مع تلك الأنظمة و السكوت عن جرائمها.

مثل هذه المشكلة لم تكن تؤرق الأمريكيون كثيرا في سنوات الحرب الباردة التي فرضت طبيعتها و ظروفها التخلي عن الكثير من المباديء و القيم لصالح مد النفوذ في كل مكان من اجل تحقيق النصر على السوفييت بأي ثمن، بدليل أن واشنطون لم تكتف بدعم العديد من الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية حفاظا على مصالحها الاستراتيجية فيها وإنما ساهمت في ضرب محاولات التغيير. و لعل أفضل مثال هو مساندتها لنظام الشاه في إيران ضد حركة مصدق الوطنية في الخمسينات.

و مناسبة هذا الحديث هو ما أعلنته الحكومة الاوزبكية نهاية الشهر المنصرم من أنها أمهلت واشنطون فترة ستة أشهر لسحب جنودها و معداتها من قاعدة كارشي خان آباد التي تستخدمها الولايات المتحدة منذ عام 2001 بموجب اتفاقية ثنائية. هذه القاعدة التي أرخت لأول تواجد غربي في منطقة آسيا الوسطى منذ زمن الاسكندر الأكبر، ولعبت دورا هاما في تسهيل مهمة القوات الأمريكية للإطاحة بنظام طالبان الأفغاني في أكتوبر 2001 بفضل موقعها الاستراتيجي على بعد 190 ميلا من شمال أفغانستان، كانت حتى وقت قريب عنوانا للعلاقات الاستراتيجية التي ربطت البلدين منذ زيارة الرئيس الاوزبكي إسلام كريموف لواشنطون في عام 2002 . كما كانت تجسيدا حيا لتعاونهما الذي بدأ في عام 1992 بإقامة علاقات دبلوماسية ثم تشعب سريعا لتشمل مجالات متنوعة.

و بطبيعة الحال فان فقدان واشنطون لهذه القاعدة السوفيتية السابقة قد لا يؤثر كثيرا على عملياتها العسكرية و الإنسانية في أفغانستان أو غيرها لأنها تملك بدائل أخرى من بينها قاعدة ماناس الجوية في قرقيزستان حيث تحتفظ بمعدات عسكرية و نحو 1200 عنصر أمريكي و كوري جنوبي، إضافة إلى التسهيلات العسكرية التي تقدمها لها طاجيكستان بموجب تفاهم ثنائي. غير أن الحدث يصلح كمثال جيد على إمكانية أن تقع واشنطون ضحية لسياساتها الداعية إلى الإصلاح و الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان فتخسر نفوذا بذلت من اجله الكثير لصالح قوى منافسة لا تعير تلك المسائل أية أهمية.

من السهل بطبيعة الحال على نظام كريموف أن يقول في تبرير قراره أشياء مثل استنفاذ الأغراض التي دعت إلى تواجد الأمريكيين في قاعدة كارشي خان آباد بزوال نظام طالبان و تحسن الأوضاع في أفغانستان، أو مخالفة الأمريكيين لبنود الاتفاقية الخاصة بالقاعدة بتهربهم من دفع تكاليف الصيانة و الحراسة و الوقود و تعويضات الأضرار البيئية الناجمة من حركة طائراتهم العملاقة. غير أن الدوافع الحقيقية للقرار تبدو مختلفة تماما و يكشفها التوقيت، و إلا لأقدمت طشقند على قرارها في وقت سابق.

يجمع المراقبون أن الخطوة جاءت ردا على انضمام واشنطون إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي و جماعات حقوق الإنسان العالمية في التنديد بأعمال القمع و القتل التي ارتكبها نظام كريموف بحق مئات المواطنين العزل في انديجان في مايو الماضي، و في المطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل في تلك الأحداث. كما يمكن النظر للقرار من زاوية المخاوف التي صارت تتلبس الرئيس الاوزبكي من إمكانية استغلال الأمريكيين لتواجدهم على أراضيه في إسقاطه من خلال دعم ثورة شعبية على غرار الثورة الوردية في جورجيا و الثورة البرتقالية في أوكرانيا و ثورة الزنبقة في قرقيزستان، وكلها انتفاضات حظيت بدعم و بمباركة إدارة الرئيس جورج بوش، بل أن الأخير أثني عليها في عدة خطب و عدها – إضافة إلى الثورة البنفسجية في العراق و ثورة الأرز في لبنان – بمثابة البداية لحركة انتصار الحرية و الديمقراطية ضد القمع والديكتاتورية و الفساد في العالم.

و الجدير بالذكر أن الرئيس كريموف كان قد عبر أولا عن امتعاضه من الموقف الأمريكي بتقييد حركة الطائرات الأمريكية في قاعدة كارشي خان آباد ليلا ، ثم لمح إلى إمكانية إعادة النظر في بنود اتفاقيته مع الأمريكيين، و اتبع ذلك بتصريحات تسخر من "القوى التي نصبت نفسها مدافعة عن الديمقراطية في العالم"، الأمر الذي قوبل في واشنطون بالامتعاض بدليل أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد استثنى أوزبكستان من جولته في آسيا الوسطى في أواخر الشهر الماضي مكتفيا بزيارة جارتيها، قرقيزستان و طاجيكستان.

هذه التطورات في الموقف الاوزبكي استغلته الصين و روسيا، الدولتان اللتان تبدوان الآن في حالة انتقال من سياسة الصمت أو العمل الصامت حيال توسع النفوذ الأمريكي في دول آسيا الوسطى أو ما تعتبرانها حديقتهما الخلفية إلى سياسة المناكفة العلنية لاستراتيجيات واشنطون في المنطقة. فكلا البلدان التزما الصمت يوم كان التواجد الأمريكي في المنطقة يخدم اغراضهما في التخلص من نظام طالبان و تنظيم القاعدة الداعمين للحركات الإسلامية الانفصالية في الشيشان و داغستان و إقليم سينكيانغ الصيني. أما الآن، وبعدما انتهت طالبان و تشتت القاعدة و نجحت بكين من بناء نفوذ لها في آسيا الوسطى عبر بوابة الاقتصاد و الاستثمارات و المساعدات التنموية و المناورات العسكرية المشتركة ، و تمكنت موسكو من زيادة تواجدها العسكري في المنطقة وتقنينه عبر اتفاقيات ثنائية و جماعية، فان البلدين صارا يحرضان ضد التواجد الأمريكي. وأفضل دليل على صحة هذه المقولة ما حدث في قمة منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي في العاصمة الكازاخية في أوائل يوليو المنصرم. حيث وظفت بكين و موسكو ثقلهما في هذه المنظمة للضغط على الأعضاء الآخرين (كازاخستان وأوزبكستان و طاجيكستان و قرقيزستان) لإصدار إعلان رسمي يطلب من واشنطون تحديد جدول زمني لسحب قواتها من آسيا الوسطى ، الأمر الذي ردت عليه واشنطون بالقول أن وجودها في المنطقة تنظمه اتفاقيات ثنائية ولا شأن للمنظمة بها.

كذلك قالت حكومتا قرقيزستان و طاجيكستان حينما أعلنتا أن الولايات المتحدة يمكنها الاستمرار في استخدام القواعد والتسهيلات الممنوحة لها في البلدين طالما كان ذلك ضروريا ، بل أن طاجيكستان أضافت أن ما يصدر عن منظمة شنغهاي ليس ملزما و أن المنظمة لا تملك الوسائل والإمكانيات من اجل توفير غطاء امني جماعي لأعضائها ضد الإرهاب العالمي و بالتالي فانه من قبيل قصر النظر إملاء الشروط على الأمريكيين أو حلف الناتو. ولأن هذا الموقف المتناقض مع مضمون إعلان قمة منظمة شنغهاي جاء بعيد زيارة رامسفيلد للبلدين ، وخلافا لبعض التسريبات التي خرجت من دوائر النظام الجديد في قرقيزستان في وقت سابق حول احتمال لجؤ الأخير إلى إخراج الأمريكيين من قاعدة ماناس ، فان واشنطون برهنت على أنها لا تزال تملك بعض الأوراق القوية لمواجهة منافسيها في المنطقة.

و هكذا نجد نظام كريموف في أوزبكستان وحده الذي يسير في اتجاه استبدال تحالفاته مع واشنطون بتحالفات جديدة مع بكين و موسكو اللتين حتما لن تضغطا عليه للإقدام على إصلاحات ديمقراطية و احترام حقوق الإنسان ، كما لا يمكن توقع دعهمها لمعارضيه. وقد اتضح ذلك في الاستقبال الحار الذي لقيه كريموف في بكين في وقت لم تكن فيه دماء ضحايا انديجان قد جفت بعد، وما تبع ذلك – بحسب بعض التقارير – من حصول كريموف على وعود صينية بتعويض بلاده عن أية خسائر قد تنشأ من فك التحالف مع الأمريكيين.

د. عبدالله المدني
*باحث وحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 8 أغسطس 2005
البريد الالكتروني: [email protected]



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصانع إنتاج الإرهاب و الكراهية
- دبلوماسية الكهرباء
- عاشق ربطات العنق الملونة زعيما
- نحو ضم الهند و الصين إلى نادي الأغنياء
- تكريس القطيعة مع الماضي: فيتنام مثالا
- الصين و - أنفلونزا- الفساد
- هل ستفقد اندونيسيا عضوية الأوبك؟
- المشروع الذي سيقرب المسافات
- عبدالكلام في موسكو
- حزب التحرير
- سر اهتمام الصين بآسيا الوسطى
- نادي القهوة
- الأصل يشدد قبضته على الفرع
- نظام الكوتا النسائية آسيويا
- بلوشستان كبؤرة توتر جديدة
- لا تزال أفغانستان هدفا للتنافس الإقليمي
- من الخلاف حول العراق إلى الخلاف حول الصين
- عندما تغضب كبرى الديمقراطيات ممن يمسون الديمقراطية
- نجاح جديد للهند في سباقها على مصادر الطاقة
- الأخ الآسيوي الأكبر يضيع فرصة ذهبية لتأكيد نفوذه


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - كارشي خان آباد