أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبدالله المدني - مصانع إنتاج الإرهاب و الكراهية















المزيد.....

مصانع إنتاج الإرهاب و الكراهية


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1274 - 2005 / 8 / 2 - 11:42
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في أعقاب هجمات 11 سبتمبر تركزت الأضواء على السعودية، باعتبار أن جل الذين نفذوا ذلك العمل الإجرامي كانوا سعوديي الجنسية والمنشأ، مع تركيز أقل على باكستان التي كانت حتى ذلك التاريخ الداعمة الرئيسية بل الوحيدة لنظام طالبان المتحالف مع القاعدة. اليوم وبعد ثبوت ضلوع بريطانيين من أصل باكستاني في تفجيرات لندن الأخيرة، تجد باكستان نفسها في قلب دائرة الاتهامات و الضغوط.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل بمقدور الرئيس برويز مشرف أن ينجح في احتواء هذه الضغوط مثلما فعل بذكاء بعيد أحداث 11 سبتمبر حينما قطع روابط بلاده بالنظام الطالباني و انضم إلى الحرب الأمريكية على الإرهاب فجنب بلاده و نظامه المحاسبة والمقاطعة؟ الجواب يعتمد كثيرا على كيفية تعامله مع المدارس الدينية المنتشرة في بلاده و التي وصفها وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول صراحة ذات مرة بأنها "مصانع لإنتاج التطرف و الإرهاب".

صحيح أن مشرف قد استجاب للضغوط الأمريكية فأطلق في السنوات الأخيرة حملة لتقييد أنشطة هذا المدارس و إخضاعها للقانون، إلا أن الصحيح أيضا هو أن حملته لم تسفر عن نتائج حاسمة على الأرض. فهو لئن نجح في تقليص عدد طلبتها الأجانب، فانه لم ينجح كما يبدو في منع أبناء باكستانيي المهجر من الالتحاق بها. وهو لئن أمهل تلك المدارس مهلة لتعديل أوضاعها عن طريق قيامها بتسجيل نفسها لدى السلطات المختصة والتصريح بأسماء طلابها و مدرسيها وتوثيق مقرراتها وإضافة مواد عصرية إلى مناهجها القائمة حصريا على التلقين الأعمى للموروثات الدينية، فان عدد المدارس التي استجابت قليل جدا مقارنة بتلك التي رفض أصحابها الفكرة و اظهروا تحديا للرئيس وصل إلى حد تهديده بالقتل.

في الأسبوعين الأخيرين وعلى خلفية تفجيرات لندن قام الجيش الباكستاني بحملة غير مسبوقة ضد تلك المدارس والجماعات التي تديرها و اعتقلت المئات من المتشددين. وهذه تحسب للجنرال مشرف، غير أن مثل تلك الخطوة التطمينية لم تعد اليوم قادرة على إقناع المجتمع الدولي بخلو باكستان من مصانع تفريخ المتشددين، خاصة بعدما تأكد أن نفرا غير قليل ممن قاموا بأعمال إرهابية في السنوات الأخيرة مروا بمدارسها الدينية أو كانت لهم علاقة بها، ابتداء من زعماء القاعدة الستة المعتقلين، و مرورا بريتشارد ريد صاحب الحذاء المفخخ و ساجد بدات الذي اعترف بمخطط لتفجير طائرة ركاب متجهة إلى أمريكا في عام 2003 وأسامة نزير الذي فجر إحدى الكنائس في إسلام أباد في عام 2002 واحمد عمر سعيد شيخ قاتل الصحفي الأمريكي دانيال بيرل و عمر خان شريف و آصف محمد حنيف اللذين فجرا مقهى في تل أبيب في عام 2003 ، وانتهاء بمرتكبي تفجيرات السابع من يوليو في لندن.

فالمسألة إذن ربما باتت تستوجب إغلاق المدارس المذكورة نهائيا و دمج طلابها في النظام التعليمي العام. لكن هذا عمل كبير فوق طاقة حكومة مشرف الذي تخاصمه القوى و الأحزاب الليبرالية الرئيسية منذ انقلابه العسكري في 1999 ، وتعاديه الأحزاب والجماعات الإسلامية بسبب تحالفه مع واشنطون و سياساته المهادنة حيال الهند، وربما لا تدين له المؤسسة العسكرية بالولاء المطلق بدليل أن واحدة على الأقل من محاولات استهداف حياته كان مصدرها بعض منسوبي الجيش.

و تتضح صعوبة التخلص من تلك المدارس أكثر حينما نعلم أن عددها يقدر بنحو 50 ألفا، وأنها تحتضن نحو مليوني طالب تتراوح أعمارهم ما بين 5 – 18 سنة ، و أنها المصدر الوحيد لتقديم التعليم الأولي المجاني – إضافة إلى السكن و الكساء و الطعام - لأبناء العائلات الفقيرة أو الريفية في بلد لا ينفق على التعليم سوى 2 بالمئة من إجمالي ناتجه المحلي طبقا لمصادر البنك الدولي.

الجانب الآخر من الصعوبة يكمن في ارتباط هذه المدارس بجماعات و قوى الإسلام السياسي في البلاد ذات النفوذ في بعض الأقاليم. وهذه لا يتوقع منها أن تستسلم بسهولة لأي إجراء من شأنه حرمانها مما تعتبره مصانع لإعداد ذخائرها البشرية المؤدلجة، بل يمكنها أن تستغل حضورها في الشارع الباكستاني الملتزم وفي أوساط الأميين الذين يشكلون نصف عدد السكان للترويج بأن الحكومة تستهدف الإسلام. بل أن هذا حدث بالفعل و من أمثلته قول الرجل الثاني في حزب "سباه الصحابة" المتشدد مجيب الرحمن انقلابي "إن إصلاحات مشرف المزعومة هي ضد الإسلام وتستهدف تحويل مدارسنا إلى ما يشبه مدارس مصر و الأردن، كي تتوقف ماكنة الجهاد عن العمل".

والحال أننا إزاء مشكلة تتطلب دعما دوليا واضحا لحكومة مشرف من خلال مشروع كبير يستهدف استبدال ما هو قائم حاليا بمدارس حديثة ذات مناهج عصرية و مدرسين مؤهلين، مع تطوير النظام التعليمي الباكستاني الراهن و توفير التعليم المجاني للجميع وإطلاق حملة في أوساط المجتمعات الفقيرة لتوعيتها بفوائد إلحاق أبنائها بمدارس عصرية بدلا من مدارس تلقنهم كراهية الآخر و تقودهم في النهاية إلى التهلكة خدمة لأجندات سياسية دموية. غير أن هذا يتطلب أولا اعتراف صناع القرار في إسلام آباد بوجود المشكلة، و ثانيا امتلاكهم لإرادة التغيير و عزيمة المضي فيه إلى النهاية، و ثالثا ضرورة ألا ينظر الباكستانيون إلى العملية على أنها استجابة لمطلب خارجي وإنما كإجراء لا بد منه من اجل مستقبل باكستان و أجيالها الشابة، وأخيرا ضرورة خلق آلية للتأكد من أن ما سيضخه المجتمع الدولي من أموال سوف ينفق على التعليم و ليس على مشتريات السلاح.

هنا لا بد من القول أن الغرب عليه أن يتحمل جزءا أساسيا من المسئولية إذا أراد فعلا التخلص من مصانع تفريخ المتشددين في باكستان، لأنه ساهم في ازدهارها زمن حرب الجهاد ضد السوفييت.

فالمدارس الدينية التي كان عددها وقت قيام الكيان الباكستاني في عام 1947 لا يتجاوز 250 مدرسة ثم ارتفع تدريجيا حتى وصل إلى 2000 في أواخر السبعينات لم تكن تختلف في مناهجها أو مواردها كثيرا عن المدارس الإسلامية التقليدية في الدول الأخرى. غير أنها تكاثرت كالفطر و مالت بمناهجها نحو التشدد و زرع الكراهية والأفكار المتطرفة ابتداء من الثمانينات التي شهدت حرب الجهاد ضد الروس في أفغانستان وتطبيق باكستان لمشروع اسلمة المجتمع و تدفق الأموال و المساعدات الضخمة على الجماعات و الحركات الإسلامية الباكستانية و الأفغانية من الغرب وحلفائه تحت مسمى مقاومة الكفار الروس.

في هذا السياق يقول الجنرال الباكستاني المتقاعد كمال متين الدين في كتابه "ظاهرة طالبان" أن الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق ساهم في ازدهار هذه المدارس بحلتها الجديدة ليس من اجل توفير وقود بشري لحرب الجهاد فحسب وإنما أيضا كسبا لدعم الأحزاب و الجماعات الدينية لنظامه المفتقد للشرعية.

ولئن تنبهت إسلام آباد بعد انتهاء حرب الجهاد الأفغاني إلى الأثر المدمر لهذه المدارس على وحدة باكستان و سلامتها - بدليل اعتراف وزير داخليتها الأسبق معين الدين حيدر بذلك حينما قال أن بعض المدارس الإسلامية تدرس طلابها أفكارا دينية لا تفيد باكستان و تسمم عقول الصغار بالطائفية و العنف – فإنها لم تتحرك بجدية ضدها، ربما لأنها كانت بتخريجها للمجاهدين و إرسالهم عبر الحدود إلى كشمير تساهم في قضية الصراع مع الهند. إحدى المدارس التي تخصصت في هذا هي "مدرسة خدام الدين" في لاهور التي تفاخر مديرها محمد أجمل قادري ذات مرة بالقول أنها خرجت 13000 مجاهد مدرب من جنسيات مختلفة من بينهم عدة آلاف ذهبوا للقتال في كشمير، مضيفا أن "العالم يجب أن يتشكل بالكيفية التي نحددها نحن وان يخضع بكل أجناسه و أديانه للإسلام". المصيبة أن هذا الرجل سمح له بزيارة الولايات المتحدة مرارا حيث تنقل بين جوامعها و مدارسها الإسلامية مبشرا بالأفكار نفسها و جامعا للتبرعات من اجل توسعة مدرسته المتطرفة.

ونختتم بما كتبته الصحفية كريستينا لامب في التايمز اللندنية مؤخرا عن زيارتها للمدرسة الدينية الأشهر في باكستان و هي مدرسة "دار العلوم الحقانية" التي أنتجت معظم قيادات طالبان. في هذه المدرسة التي أرسلت طلابها الصغار في شاحنات إلى أفغانستان للدفاع عن نظام الملا محمد عمر ضد القوات الأمريكية في أكتوبر 2001 ، فانتهى الكثيرون منهم قتلا، لا يعرف طلبتها الصغار إجراء عمليات الحساب ولم يسمعوا قط بالديناصور و يسخرون من مقولة وصول الإنسان إلى القمر. غير أن الأمر من ذلك هو رغبة الكثيرين منهم في أن يصبحوا مجاهدين حينما يكبرون من اجل أن ينتهوا شهداء لأن ذلك – حسبما قيل لهم - سيدخلهم الجنة.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دبلوماسية الكهرباء
- عاشق ربطات العنق الملونة زعيما
- نحو ضم الهند و الصين إلى نادي الأغنياء
- تكريس القطيعة مع الماضي: فيتنام مثالا
- الصين و - أنفلونزا- الفساد
- هل ستفقد اندونيسيا عضوية الأوبك؟
- المشروع الذي سيقرب المسافات
- عبدالكلام في موسكو
- حزب التحرير
- سر اهتمام الصين بآسيا الوسطى
- نادي القهوة
- الأصل يشدد قبضته على الفرع
- نظام الكوتا النسائية آسيويا
- بلوشستان كبؤرة توتر جديدة
- لا تزال أفغانستان هدفا للتنافس الإقليمي
- من الخلاف حول العراق إلى الخلاف حول الصين
- عندما تغضب كبرى الديمقراطيات ممن يمسون الديمقراطية
- نجاح جديد للهند في سباقها على مصادر الطاقة
- الأخ الآسيوي الأكبر يضيع فرصة ذهبية لتأكيد نفوذه
- التسونامي يخلق فرصا للسلام في آسيا


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبدالله المدني - مصانع إنتاج الإرهاب و الكراهية