أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد عبد اللطيف سالم - وقائع رمضان العجيبة ، في أرض السوادِ العجيب














المزيد.....

وقائع رمضان العجيبة ، في أرض السوادِ العجيب


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 5199 - 2016 / 6 / 20 - 14:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وقائع رمضان العجيبة ، في أرض السوادِ العجيب

(1)

في أوَّلِ أيّام رمضان المُبارَكة .. و بعد دقائق قليلةٍ من وجبة "الإفطار" التي تمّ التهامها على عَجَل .
و بينما بدأ أفرادُ العائلة الصائمونَ بالانتشار ، ليتفرّقوا كُلاًّ على "موبايلهِ" ، لـ "يُبحْوِشوا" شؤونَ دنياهم الفانيّة . و بعدَ أن أُصيبَ الجميعُ بـمتلازمة "التوَحُّد الأنترنيتي" ( حتّى قبلَ أن يثْبُتَ الأجْرُ ، وتبْتَلُّ العروق ) .. كانت أمّي التي تكرهُ الُمسلسلات ، تُتابِعُ وحدها على التلفزيونِ ، حواراً مُحتَدِماً بين ثلاثة كائنات سياسية زاعقة .. وإذا بها تصيحُ بي :
- شوف يابه . صوموا أنتُم . أمّا أنا فلن أصومَ ، إلى أن "يَنْطيني" اللهُ مُرادي .
- وما هوَ مُرادكِ يا أمّاه ؟
أشارتْ أمّي الى شاشة التلفزيون ، وقالتْ :
- أنْ لا يبقى على وجهِ الأرضِ فُلان ، و فُلان ، وفلانة .
نظرتُ أنا أيضاً الى شاشة التلفزيونِ ، و صِحتُ بدوري :
- آمينْ يُمّهْ .. آمين .
(2)
اقتصاديّاً .. ينبغي أن ينكمشَ الطلبُ على السلعِ ، وتنخفض الأسعار في شهر رمضان .
رمضانيّاً .. لا يحدثُ ذلك .
اقتصاديّاً .. يبدو أنّ بعضَ أنواع العبادات ، مُبدّدةٌ للموارد .
رمضانيّاً .. يُفتَرَضُ أنّ الدينَ المُعامَلَة .
الدينُ مُعامَلاتْ ، وتهذيبُ سلوكيّاتْ ، وليس فقط عبادات .
(3)

في أكثر من مكان ، يبدو أنّ رمضانَ هذا العام ، هو رمضان سايكس - بيكو ، وليس رمضان القرن السابع الهجري .
في فمنا مذاقُ الرصاص ، وليس مذاق التمرِ واللبن .
صوموا عن الدماءِ ..
تَصِحّوا .
(4)
نحنُ نُحبُّ أمّهاتنا أكثر من زوجاتنا ، فقط ، في رمضان .
الأمُّ تقول : رمضان كريم .
الزوجةُ تقول : الله كريم .
(5)
الريجيم الرمضانيّ ، أسوأ أنواع الريجيم .
و السِمْنةُ الرمضانيّة ، أسوأُ أنواع السِمْنة .
جوعٌ كافرٌ قبل الإفطار .. وشراهةٌ كافرةٌ بعد الإفطار .
و ... ضَعْ ما تراهُ مناسباً ، في الفراغ المناسب .
(6)
هو لا ينتظرُ أن ينتهي الشهرُ كلّه .
بعدَ الإفطارِ مباشرةً ..
يبدأُ بارتكابِ المعاصي .
(7)
قالَ لها : أوصيكِ خيراً بالعائلةِ من بعدي .
قالتْ لهُ : لماذا ؟ هل ستموت ؟
قال لها : لا . بل سأصومُ شهراً .. عن المُنكَرِ ، والفُسقِ ، والفسادِ ، والفاحشة .
(8)
نحنُ ، في حقيقة الأمر ، نُريدُ " شُهراً" ننسى فيه أسبابَ أوجاعنا المُستدامة .
شَهراً نُحاوِلُ التمويهَ بهِ على محنتنا ، بالإفراطِ بالأكلِ والشربِ ، والجوعِ والعطشِ ، و طقوس العبادة .
شهراً نتفرّجُ فيهِ على أنفسنا ، وما يحدثُ لنا ، في عشرات المُسلسلات .
شَهراً نُريدُ أن ننسى بهِ (مثلاَ) أنّ لدينا 5 ملايين نازح . و 4 ملايين مُهاجِر . و 25 مليون "مواطن" ، لا يثقُ أحدهم بالآخر ، ولم يَعُدْ قادراً على تقبّل العيشِ معه ، وعلى استعدادٍ لأن يكرههُ .. في أيّة لحظةٍ قادمة .
شهراً واحداً ، هو من حقّنا .. لأنّ البدائلَ مستحيلة ، والسلامَ بعيد .
(9)
من فضائل التلفزيون في رمضان .. أنّ الأمورَ تختلطُ عليك ، إلى درجةٍ تعتقدُ معها أنّ جميع "المسلسلات" هي مُسلسلٌ واحد . وإنّ جميع النساء لديهنّ مسحةً من الجنون الجميل . وأنّ جميع الرجالِ أطفال . وأنّ جميع السياسيين حمقى . وأنّ "الممثّلينَ" هم ذاتهم في جميع المسلسلات . وأنّ البدايات واحدة . وإنّ كلّ "الحَلَقات" تكمّلُ بعضهاً بعضاً . و أنّها تُحكِمُ الطَوقَ عليك .
نحنُ أجملُ مُسلسلاتِ رمضان .
و أغناها مادةً .
وأكثرها تشويقاً .
وأفضلها حِبْكة .
"النهايات" فقط .. هي التي تبدو مُبهَمَة .
(10)
قلتُ لهُ : خُذْ "صينيّة" الإفطارِ هذه يا بُنيّ ، وأذهبْ بها الى الجامع .
عندما عادَ ، قالَ لي : إنّ بعضُ الصائمينَ يا أبي ، أكلوا كلّ ما في "الصينيّة" من طعام ، عند خروجهم من "المُصَلّى" . و قبل يذهبوا الى بيوتهم ، مُسرعينَ ، للإفطار .. أعطوا كلّ فقيرٍ "رُبعَ" دينارٍ ، في باب الجامع .
(11)
دقّتْ طفلةُ الجيرانِ ، الفقراء ، البابَ عليه .
عندما فتحَ البابَ رآها تحملُ صحناً من التمر .. و تبتَسِم .
صرخَ في وجهها : لسنا شحّاذينَ ، ولا نستجدي التمرَ من أحد .
جَفَلَتْ الطفلةُ ، وسقطَتْ حبّاتُ التمرِ ، كالنخلِ اليابسِ ، على قدميها البهيّتين .
(12)
على شاشةِ التلفزيون ..
يزعقُ كائنانِ قادمانِ من القرن الحادي عشر الميلادي :
- أنتَ "بويهيٌّ" مُتعصّب .
- أنتَ "سلجوقيٌّ" شوفينيّ .
- أنتَ قاتِلٌ .. وأنا القتيل .
- بل أنا القتيلُ .. وأنتَ القاتِل .
هكذا .. دُفعةً واحدة .. لا حاضرَ لنا غير هذا ، ولا ماضٍ لنا غير ذاك .
هكذا .. دون مُستقبل ، وبنقلةٍ واحدة ، مُحدّدة الوجهة ، يأخذوننا من القرن الحادي عشر ، ويرمون بنا في القرن الواحد والعشرين .. نحنُ "الأتباعُ " الذين لا دورَ لنا . نحنُ الكلمات العاطلة ، التي لا مكانَ لها من الإعراب .
هكذا .. نموتُ قبل أن نعيش ، و قبل أن نسكنُ في بيوتٍ صالحةٍ للسكَن ، و قبل أن نتعلّم في أفضل المدارس ، و قبلَ أن نتخرّجَ من أفضل الجامعات .
في البيوتِ ، و في الشوارعِ ، وفي كلّ مكانٍ ، هناك أيضاً فريقان ..
فريقٌ يقولُ لـ "السلجوقيّ" : عفْيَة .
و فريقٌ يقولُ لـ "البويهيّ" : بارَكَ اللهُ فيك .
(13)
في ليلةِ القَدْرِ ، طرَقً أبوابَ الجيرانِ باحِثاً عن مُسَكّنٍ للألم .
لم يفتَحْ لهُ البابَ أحد .
وقفَ في منتصفِ الحيّ ، و صَرَخ : إذا أنتم لم تفتحوا لي أبواب بيوتكم ..
فكيف ستُفْتَحُ في وجوهكم أبواب السماوات .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يبدو أنّ الناسَ يموتون
- مُفارقة الأغلبيّة والأقليّة في الاقتصاد السياسي للعراق الحدي ...
- لم يَعُدْ في سامراءَ شيءٌ
- عن هموم المُنتجين للفواكه والخُضَر في أرض السواد العظيم
- هموم اقتصادية قصيرة الأجَل لموتى الأجَلِ الطويل
- عن اتفاق العراق الأخير ، للدعم والمساعدة ، مع صندوق النقد ال ...
- قلبكَ الذي لايزالُ يغنّي
- مثل سحليّةٍ واقفة
- هناك أكثرُ من كابوس في هذه اللحظة
- عندما تكونُ الحروبُ جميلة
- حتّى اذا عادَ يوسف
- هذا الهراء الاقتصاديّ العظيم
- معلومات و بيانات عن اتفاقية العراق الأخيرة مع صندوق النقد ال ...
- العراق .. عندما تخذلهُ الجغرافيا ، ويخونهُ التاريخ
- مجلس عزاء في السوشيال ميديا
- مدري ليش
- عندما كان البلبلُ يطيرُ .. ويُغنّي
- داعش و أمّي
- حتّى أنت يا بروتوس ؟
- لا تنتَظِرْ أصابعهم الخضراء .. فوقَ صدركَ اليابس


المزيد.....




- ماكرون يتشدد.. منحدر جديد في العلاقات الفرنسية الجزائرية
- ما تداعيات قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله وما هي خ ...
- ما حجم التقدم في مباحثات ويتكوف وبوتين لإنهاء حرب أوكرانيا؟ ...
- رغم فرضه عقوبات على روسيا.. البيت الأبيض: ترامب مستعد للقاء ...
- اصطحبت طفليها إلى الشاطئ.. ابنة هالك هوغان تفسّر سبب عدم حضو ...
- موجات الحرّ -تفتك- بإسبانيا: تسجيل أكثر من ألف حالة وفاة خلا ...
- الجيش السوداني يعلن إسقاط طائرة إماراتية -محملة بمقاتلين أجا ...
- 200 منظمة خيرية ووكالات أممية تدعو إسرائيل لإلغاء تشريع
- جنوب أفريقيا تدعو العالم للاعتراف بفلسطين ووقف الإبادة الجما ...
- تعرف على 5 تحف معمارية تزين الرباط


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد عبد اللطيف سالم - وقائع رمضان العجيبة ، في أرض السوادِ العجيب