أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - يوميات جندي أمريكي في العراق















المزيد.....

يوميات جندي أمريكي في العراق


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1396 - 2005 / 12 / 11 - 10:09
المحور: الادب والفن
    


" جندي أمريكي في العراق "
من الأدب الروسي الساخر !
لا أدري كيف هي الحال في بلدان أوروبا الأخرى ، لكن فن " المونولوج " الذي عرفته مصر منذ العشرينات ، خرج في روسيا من عباءة اللحن والموسيقى ليصبح قطعة أدبية ساخرة يكتبها كبار الأدباء هناك ثم يتركون إلقاءها على منصة المسرح لفنان محترف ، أو يقومون هم بأنفسهم بإلقائها إذا توفرت لديهم موهبة الأداء والحضور المسرحي أمام الجمهور . وعادة فإن أولئك الكتاب يقومون فيما بعد بجمع تلك اللوحات الأدبية الساخرة في كتب تمتع القراء بنوع خاص من الأدب الساخر ، ليس قصة ، ولا مسرحية ، لكنه مونولوج ، أي كلام مرسل من طرف واحد ، يسخر فيه مؤلفه من ظاهرة اجتماعية ، أو سلوك إنساني ، أو يوجه من خلاله سهام النقد إلي النظام السياسي . ويعتبر " ميخائيل زادورنوف " أحد أشهر الكتاب الروس الذين يتولون إلقاء تلك المونولوجات في أشهر المسارح بالعاصمة الروسية . ويتمتع " زادورنوف " بشعبية وحب كبيرين . وقد أصدر ذلك الكاتب الممثل الساخر مؤخرا كتابا بعنوان " عالم مجنون مجنون " ضمنه قطعة بعنوان " رسائل جندي أمريكي في العراق " ، كتبها في شكل رسائل يبعث بها جندي أمريكي إلي زوجته . وسيجد القارئ – جنبا إلي جنب مع متعة الأدب الساخر – أن ذلك المونولوج يبين موقف الشعب الروسي من الغزو الأمريكي للعراق . وقد اقتصر دوري هنا على ترجمة تلك القطعة الأدبية من الكتاب الصادر في موسكو هذا العام عن دار نشر " ترانزيت كنيجا " .
د . أحمد الخميسي

رسائل جندي أمريكي في العراق

(1)

تحياتي أيتها العزيزة . اليوم عندنا في القاعدة العسكرية عيد . سنطير إلي العراق عما قريب . هذه بلد بعيدة جدا . الزملاء يقولون إنها أبعد من المكسيك . وقد نبهتنا القيادة إلي أن الحرب ستكون صعبة جدا لأن الحرارة هناك كما يقولون مرتفعة للغاية . وقد أكد لنا السرجانت أن العراق توجد في جنوب أفريقيا ، بينما يجزم العقيد الذي كان مدرسا للجغرافيا فيما سبق أن كلام السرجانت غير صحيح ، وأن العراق يوجد ليس في جنوب أفريقيا لكن في شمال الهند . وقد خاطبنا صباح اليوم الرئيس الأمريكي ، وأوضح لنا أن القائد العراقي صدام حسين لا يريد أن يتقاسم معنا نفط بلاده ، وأن معنى ذلك أن الرئيس العراقي ضد الديمقراطية . والآن فإن واجب أمريكا الأساسي إدخال الديمقراطية إلي العراق ، بما أننا – نحن الشعب الأمريكي – الموزع المعتمد للديمقراطية في العالم . وقد أشار العقيد إلي أن رئيسنا الأمريكي زعيم جريء حقا ، لأنه استجمع شجاعته وقرر إعلان الحرب على بلد أصغر من بلده بعشرين مرة . أيتها العزيزة .. نحن جميعا واثقون من النصر السريع ، لأن لدينا رئيسا مباركا ، وأحدث الأسلحة بما في ذلك " البامبرز " المضادة للمشاة ، وألغام بطعم تفاح الغابات . لكن هناك شيئا لا نستطيع فهمه : كيف يمكن أن ننطق الاسم صحيحا : عراق ، أم عيران ؟
هناك خبر آخر جميل لك . بدءا من الآن سيكون في وسعك مشاهدتي في أوقات كثيرة على شاشة التلفزيون الذي سينقل المعركة على الهواء مباشرة فترات الاستراحة ما بين عرض مسلسل" الموت بفرشاة الأسنان " و البرنامج الاستعراضي " تأثير العواصف الشمسية على غشاء الذكورة لدي ضفادع كاليفورنيا " .
أيتها العزيزة .. لا تقلقي علي ، فقد أخذت معي كريم لحماية بشرتي من الشمس .

(2)

تحياتي أيتها العزيزة . لقد وصلنا إلي العراق . بالفعل الجو حار جدا هنا . وحكما بما نراه من حولنا ، فإن هذه البلد ليست الهند ، لأن السكان هنا لا يشبهون الهنود على الإطلاق . المهم أن العقيد أكد لنا أن النطق الصحيح لاسم هذا البلد هو " عراق " ، أما " إيران" فقد اتضح أنه اسم مواد مشعة " إيران – 238 " . أما السرجانت فأعلن لنا أن المعارك الحربية ستبدأ غدا حسب ما تناهي لسمعه من الراديو والإذاعة . وقال أيضا إن الإنجليز والبولنديين والأسبان سيحاربون هم أيضا .. لكنه لم يوضح مع من سيحاربون . ولكن القيادة أفزعتنا حين أخبرتنا أن ثمن الحرب سيكون كبيرا ، ومن ذلك أن الخنادق خالية من أجهزة التكييف والحمامات ، لكننا نحن الأمريكيين أبطال ، وسنتحمل كل شئ ، حتى لو لم يوزعوا علينا الكوكاكولا المثلجة أثناء المعارك .

(3)
اليوم قمنا – لأول مرة – بشغل مواقعنا . وتبين لنا أن أولئك العراقيين متوحشون فعلا ، فقد أطلقوا أول أمس نيرانهم على طائرة مسالمة تابعة لنا كانت تقصف مدنهم . وقد أنذرتنا القيادة ألا يقع أحد منا في الأسر ، لأن العراقيين يعذبون العسكريين الأمريكيين ، ويحرمونهم من " الفشار " ولا يسمحون لهم بوضع ساق على ساق على الموائد . إلا أن الأمر المرعب حقا هو تلك الأقنعة الواقية من الغازات السامة التي تم توزيعها علينا . فقد صنعت في أكرانيا ، وتنبعث منها طيلة الوقت رائحة ثوم وشحم خنازير حتى أننا قررنا أنه من الأفضل لنا أن نستنشق الغازات السامة عن وضع تلك الأقنعة . ولكننا على أية حال نشعر بأنفسنا أبطالا . بلغي ابني أن " بابا " حتما سيعود إليه حيا إذا لم يرغموني على وضع ذلك القناع على وجهي .

(4)

أيتها العزيزة .. مع كل يوم يمر يصبح الوضع أصعب فأصعب ، وقد مر علينا الآن شهر بكامله ونحن نستنشق رائحة الثوم ، ونشعر أن ثمة فيلقا أكرانيا بجوارنا في مكان ما . وإذا لم تبدل الرياح وجهتها في الأيام القادمة فإن نهايتنا ستكون سريعة ! أما العراقيون فقد تبين لنا أنهم برابرة بكل معنى الكلمة . إنهم لا يعرفون أننا الأقوى في العالم ، ومن ثم يواصلون هجماتهم علينا دون توقف ! أما أجهزة الليزر التي نصوب بها على الأهداف فإنها لا تعمل ، فقد اتضح أن أولئك المتوحشين ليس عندهم حتى تلسكوب لنتعقبه بالليزر ! الأسبوع الماضي جاءتنا طائرات مروحية حديثة ، تحلق على مستوى منخفض بحيث لا يستطيع أحد رصدها ، لكن فلاحا عراقيا عطلته إحدى الطائرات عن زرع حقله أسقط الطائرة بفأس قديمة . وقد رفع البنتاجون ضده قضية لاستخدامه سلاحا لم تقره الأمم المتحدة .

(5)

عزيزتي .. اليوم هو أصعب الأيام التي مرت بنا . فقد ضلت طريقها في مكان ما مكنة الفشار المتنقلة ، وكذلك مطبخ " ماكدونالد " الذي يرافق جنودنا . أيضا فقد توقفت دباباتنا عن التقدم لأن إشارة المرور عند حدود بغداد كانت حمراء . فيما بعد تبين لنا أن إشارات المرور عند أولئك العراقيين المتوحشين كلها تالفة ، بينما ظللنا نحن واقفين بدباباتنا أمام الإشارة حتى دخل الليل علينا . وأكد لنا السرجانت أنه لو لم يكن هناك عراقيون لانتصرنا عليهم من زمن بعيد .
وقد طلب الصحفيون منا عند دخولنا بغداد أن نغرقها في النابالم لكي يتوفر لهم الضوء الكافي لالتقاط الصور . وقد نبهت القيادة علينا بعدم قصف شمال بغداد بالقنابل ، لأن مجموعة من هوليود تصور هناك فيلما جنسيا عن اعتقال صدام حسين بعنوان " غرام مع صدام في مدينة الأحلام " . في البداية كان المرشح للقيام بدور صدام النجم اللامع أرنولد شفيزنيجر ، أو توم كروز ، أو جوليا روبرتس ، لكن لأن الأجر عن التمثيل كان كبيرا جدا فقد وافق صدام حسين ذاته على القيام بالدور !
أحسست بالقنوط لأن الحرب أوشكت على الانتهاء ، بينما لم أظهر ولا مرة على شاشة التلفزيون ، ولذلك أخذت أرفع ذراعيي الاثنتين عاليا وألوح بهما أمام الكاميرات لعل وعسى . وفي نهاية المطاف لاحظ الصحفيون وجودي ، وظهرت صورتي على الشاشة مصحوبة بتعليق يقول : " الجنود الأمريكيون يستسلمون ببطولة عند مشارف بغداد ". يا إلهي ، لك الحمد ، فقد أصبحت نجما تلفزيونيا أخيرا .

(6)
حبيبتي .. اقتربنا من مشارف بغداد . وصادفنا في الطريق أشجارا كثيرة جرداء ، التوت فروعها وجفت أوراقها ، وشاهدنا طيورا كثيرة ، وحشرات ، وثعابين ميتة . إذن فقد مرت الفرقة العسكرية الأوكرانية من هنا ! وأنقذتنا بمرورها ، لأن القوات العراقية لم تتحمل رائحة البصل وهربت كلها تاركة المدينة خلفها . وبعد ذلك دخلت قواتنا الأمريكية البطلة إلي المدينة .

(7)

عزيزتي .. أشتاق إليك كثيرا . يمكنك الآن أن تباركي لنا ، فقد استطعنا بفضل ذكاء السيرجانت أن نلقي القبض على أربعة وثلاثين صدام حسين ، أي أكثر بأحد عشرة صدام حسين مما اعتقلته الفرقة العسكرية المجاورة لنا . الأكرانيون ألقوا القبض فقط على ثمانية صدام حسين ، من بينهم طفلتان وقطة ! وقد أرسلت القيادة كل الحسينيين المعتقلين لإجراء فحص " الكود الجيني " لشواربهم . الشئ الجميل أن أحد الحسينيين الذين ألقت فرقتنا القبض عليهم شغل المرتبة الأولى بقرار لجنة التحكيم في المسابقة . وقد تأكد للجنة أنه هو .. الآن يجمعون المعلومات : من هو ؟ . والمهم أن الرئيس أرسل إلينا برقية تهنئة بانتهاء العمليات بشكل ناجح ، وأكد في برقيته أننا دولة محبة للسلام ، ولهذا لا نستطيع أن نترك السلام في حاله ! الأرجح أننا عما قريب سننقل هذا " السلام" إلي كوريا الشمالية ، وهي على حد قول السرجانت جزيرة تقع في المحيط الهادئ .
ملحوظة : ( مساء نفس اليوم )
بدأت في بغداد عمليات نهب واسعة النطاق . فقد قام الفيلق الأوكراني بالهجوم علينا فجأة بأقنعته الواقية من الغاز ، وحاول بمختلف الطرق أن ينتزع منا كل ما نهبناه من العراقيين . واتضح أن الأكرانيين لا يتلقون رواتبا مثل بقية الجنود ، وأن القيادة عندهم قالت لهم : " كل ما ستحصلون عليه في العراق ملك لكم " ! ولهذا كانت العمليات القتالية بيننا وبينهم من أعنف المعارك التي لم تشهد لها الحرب مثيلا !
عزيزتي .. إذا لم أرجع إليك ، فبلغي ابني أن والده كان أمريكيا حقيقيا ، وموزعا بطوليا للديمقراطية في العالم !



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أين يأتي الحزن ؟
- أقباط مصر .. هل يريدون الكثير ؟
- أحداث باريس وكلمات ألبير كامي
- الثقافة والطائرات
- المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية
- اللحظة الحرجة
- علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
- هي وأخواتها علماء العراق
- الرواية اليوم
- الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
- الثورة مع الاستعمار
- فاجعة مسرح بني سويف
- نجم .. من الذاكرة !
- جغرافيا الفكر والثقافة
- رواية الصحن لسميحة خريس
- أقلام وأوراق
- جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
- كنت في شرم الشيخ
- هذه الرواية - نادي القتال
- الفساد جملة واحدة مستمرة


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - يوميات جندي أمريكي في العراق