|
فاجعة مسرح بني سويف
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1313 - 2005 / 9 / 10 - 12:04
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
إلي متى يموت المثقفون ؟ الحريق الذي شب في مسرح بني سويف التهم مع المقاعد والستائر حياة عدد من أفضل الشباب المثقفين أبناء الحركة المسرحية بكل روافد اختصاصاتها من كتابة وموسيقى وتمثيل وإخراج وديكور . منهم : نزار سمك - محمد بهاء الميرغني – شادي منير الوسيمي – مدحت أبو بكر - حسن عبده- أحمد عبد الحميد – محسن المصيلحي – محمد شوقي – مازن قرني – أحمد الفيومي – أيمن الجندي – أحمد عزت – حاتم شحاته – سعد صالح – خالد محمد ( 16 عاما ) –محمد صلاح حامد ( 17 عاما ) ووالده صلاح حامد – أميرة حسين الفيومي – محمد حافظ – أشرف سعيد – سناء عطوة – ربيع محمد – سيد سعيد – محمد منصور – أحمد سليمان – عبد الله عبد الرازق – حسين حسن – سامية محمد – ياسر ياسين – أيمن الجندي- مؤمن عبده - حسن عبده - وغيرهم ممن يرقدون في المستشفيات في حال خطرة بين الحياة والموت . شب الحريق خلال عرض مسرحية " هاملت " وصيحته الشهيرة " أن تكون .. أو لا تكون ، تلك هي القضية " . ثم سقطت شمعة وامتدت منها النار إلي كل ناحية ، ووجد الجميع أنفسهم محاصرين باللهب والدخان ، فأخذوا يتدافعون بيأس نحو الباب الوحيد في القاعة ، لكنه كان مغلقا من الخارج بإحكام كما قيل . من المسئول عن تصميم مسرح وقاعات بهذه الشكل ؟ . الأبواب المغلقة سياسة كوارث قديمة ، تتجدد . فقد كانت الأبواب مغلقة أيضا في حادثة قطار الصعيد التي احترق في عرباتها السبع نحو ألف مواطن في فبراير عام 2000 ، وفي حينه تبرأت الحكومة من المسئولية وألقت بعبئها على الركاب ، ولم يحاسب مسئول واحد، ودمغت الضحايا بختم المهمل الذي أدى لوقوع الكارثة ! سياسة الأبواب المغلقة سياسة عامة في القطارات ، والمسارح ، ومجال التعبير ، وحقوق التظاهر ، والاجتماع ، والاحتجاج ، والتنظيم . أبواب مغلقة بإحكام ، حتى لو قاد ذلك إلي اندلاع الحرائق وتفحم البشر . المثقفون عندنا يقتلون أيضا في حوادث السيارات ، كما وقع في ديسمبر 1979 مع المناضل زكي مراد ، وكما جرى في أبريل 1981 للكاتب المبدع يحيي الطاهر عبد الله . وفي نوفمبر 1999 صدمت سيارة الصحفى محمد همام ، وبعدها بيومين توفي الإعلامي المعروف صلاح زكي في حادثة مشابهة . هل كانت تلك الحوادث مصادفة ومجرد سوء حظ ؟ أم أن ذلك وقع في إطار أن مصر تشهد ثلاثين ألف حادثة مرور سنويا ؟ . في كل تلك الحوادث لم يحاسب أحد من المسئولين عن أوضاع الطرق أو حالة المرور في مصر ، وهي حالة تفضي فقط لكل احتمالات للموت ، ولم يحاكم وزير واحد . المثقفون عندنا يختفون ، ويتبخرون فجأة ، وهم ملء السمع والبصر ، في عز النهار ، كما حدث مع الصحفي رضا هلال الذي اختفى في 11 أغسطس عام 2003، ولم يستدل على أثر له منذ ذلك الحين . هل توفي ؟ هل فقد الذاكرة ؟ هل قتل ؟ . لم تعبأ أجهزة الأمن المسئولة عن أمان المواطنين بالإجابة ، واكتفت بالإعراب عن عجزها أمام الحالة السحرية التي ابتلعت رضا هلال على مرأى من الجميع . وفي كل تلك الحوادث لم تدفع الدولة تعويضا لأحد، ولم تعتبر أنها مسئولة عن شئ . المثقفون عندنا يختطفون ، كما اختطف عبد الحليم قنديل في مطلع نوفمبر العام الماضي ، دون أن تتمكن الأجهزة إلي الآن من الوصول إلي الفاعل . المثقفون عندنا يضربون في الشوارع ، نساء ورجالا إذا خرجوا في مظاهرة أو تجمعوا للتعبير عن احتجاجهم على وضع أو آخر . المثقفون عندنا يموتون من العزلة والتجاهل والمرارة ، كما حدث مع جمال حمدان. المثقفون عندنا يموتون بلا علاج ، كما حدث مع الزميل الراحل فتحي عامر المسئول عن صفحة الثقافة في العربي ، وقد ظل فتحي عامين يشكو من الكبد ، فلما توفي لعجزه عن جمع المال اللازم ، صرح المسئولون عن الثقافة بأن الفقيد " باغتنا بموته " ! المثقفون عندنا يمرضون ، فيجري أصدقاؤهم في كل ناحية بحثا عن مخرج ، كما حدث حين مرض الشاعر طاهر البرنبالي ، والزميل العزيز خليل كلفت ، وحين مرض أديب وكاتب معروف مثل علاء الديب حاصل على جائزة الدولة التقديرية ، قدمته المستشفى للنيابة ، لأنه لم يسدد مصاريف العلاج ! أما الفقيد الشاعر حسن بيومي فقد رقد مؤخرا في معهد ناصر ، بينما كانت زوجته الفاضلة الدكتورة سناء تلهث في أروقة كل وزارة ، بحثا عن تمديد لطلب العلاج المجاني ، فيردونها ، ويماطلونها ، إلي رحل حسن بيومي عن عالمنا منذ أسبوع . المثقفون الذين يفوتهم الحريق ، والحوادث ، والمرض ، لا تفوتهم سجون الدولة وأقسام الشرطة . مساء 8 سبتمبر ، أقيم عزاء عام بمسجد الشاذلية في منطقة المهندسين ، شارك فيه صحفيون وكتاب وفنانون وممثلون ومثقفون من شتى المجالات ، وساده وجوم غريب ، ونحيب متقطع يصدر من هنا وهناك . ووقف أهالي الراحلين وأصدقاؤهم على الرصيف المقابل للمسجد رافعين يافطات الاحتجاج ، بوجوه اشتعل فيها الغضب بين الدموع . وكانت الدولة قد أعلنت أنها ستصرف 15 ألف جنيه لأسرة كل فقيد ، و 3 آلاف جنيه لأسرة كل مصاب . وكان يكفي للمرء أن ينظر إلي وجوه الأهالي ، لكي يدرك حجم الإهانة التي أحسوا بها حين اعتبرت الدولة أنها بتلك الملاليم قد عوضتهم عن أبنائهم ، من دون أن تقدم مسئولا واحدا للحساب . ما الذي ارتكبه المثقفون – ويرتكبونه - لكي يلقوا مثل هذه المعاملة من الدولة البليدة الشعور والثقافة والعلم والنخوة ؟ في أكتوبر 2002 ، اقتحمت مسرح " دوبروفكا " في موسكو مجموعة من المسلحين ، وسيطرت على المبنى ، واشتبكت معهم قوات الأمن الروسية ، فقتل نحو ألف شخص ، وأصبح ذلك العرض الوحيد في تاريخ المسرح الذي قتل فيه المتفرجون ! بعد وقوع الحادثة بيومين صرح ستانيسلاف بيلوكوفسكي رئيس مجلس الاستراتيجية القومية بقوله : " إن ما جرى في مسرح دوبروفكا قد يؤدي إلي تغييرات هامة في النظام السياسي لروسيا " . أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقدم اعتذارا رسميا إلي الشعب في أول خطاب له بعد كارثة المسرح قائلا : " نحن لم نستطع إنقاذ الجميع .. فسامحونا " . أما عندنا ، فلا اعتذار ، ولا محاسبة ، ولا تغيير ، ولا تعويض لأهالي الضحايا ، ولا شئ . عندنا يموت المثقفون بشتى الطرق ، فلا يعبأ أحد . إن الإصرار على محاكمة المسئولين ، ودفع تعويضات تليق بالبشر ، هي قضية كل الكتاب الشرفاء ، وعلى أكاديمية الفنون بدورها أن تسعى في ذلك بعد أن فقدت ما فقدته من أبنائها الذين علمتهم ، وبذلت من أجلهم الوقت والجهد والمال ، فلم تستطع الدولة الاستفادة منهم إلا باعتبارهم ضحايا ، عاشوا آخر لحظات حياتهم يتخبطون بين الدخان واللهب مندفعين نحو الباب المغلق . *** أحمد الخميسي . كاتب مصري
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نجم .. من الذاكرة !
-
جغرافيا الفكر والثقافة
-
رواية الصحن لسميحة خريس
-
أقلام وأوراق
-
جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
-
كنت في شرم الشيخ
-
هذه الرواية - نادي القتال
-
الفساد جملة واحدة مستمرة
-
الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
-
أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
-
الرقابة والثقافة في مصر
-
مسيحيون من أجل القرآن
-
حديقة - قصة قصيرة
-
المستشار محمد بك نور .. الذي برأ طه حسين
-
أيام واحات صنع الله إبراهيم
-
التمويل الأجنبي عمالة صريحة
-
جذور للكتابـة
-
المادة 76 في حياة مصر الثقافية
-
معرض القاهرة والكتب
-
طول لسان رياض النوايسة
المزيد.....
-
مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس
...
-
-حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع
...
-
دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
-
جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما
...
-
حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن
...
-
بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس
...
-
تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة)
...
-
روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم
...
-
كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
-
بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|