أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - أحداث باريس وكلمات ألبير كامي














المزيد.....

أحداث باريس وكلمات ألبير كامي


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1378 - 2005 / 11 / 14 - 11:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" أحداث العنف " هو التعبير الذي يخفي بذكاء جوهر أي تمرد اجتماعي أو وطني أو سياسي ، وبعبارة أخرى فإنه التعبير الذي يستبعد من كل حادثة طرفي الصراع ، وقضيته ، بحيث تبدو أحداث العنف تلك كالأمطار التي تنهمر بلا تاريخ ولا مغزى . هكذا توصف أحداث فرنسا التي شمل غضب الفقراء فيها كل أنحاء العاصمة وثلاثمائة بلدة أخرى لمدة أسبوعين حتى الآن ، وشاركت فيها أكثر من عشرين جالية . وقد بدأ الأمر بمقتل شابين يوم 27 أكتوبر في ضاحية " كليشي سوبوا " على يد الشرطة الفرنسية ، أو بسبب مطاردة الشرطة لهما . أحدهما من أصل تونسي ، والآخر من مالي ، وينتميان لجيل ثالث من المهاجرين . وأججت تلك الحادثة الصغيرة غضب وثورة الآلاف في الضواحي البائسة التي حرم سكانها من الخدمات وفرص العمل والتأمينات الاجتماعية والتعليم ، وانتشرت بينهم المخدرات والجرائم والبطالة ، علاوة على شعورهم المتصل بالتمييز العنصري . ولهذا صرح " جون لوي بورلو " وزير التضامن الاجتماعي بأن على فرنسا أن تعترف بأنها : " أخفقت منذ عقود في التعامل مع الغضب المتزايد في الضواحي الفقيرة " . وتقول باربرا شولتز الصحفية الفرنسية إن : " البطالة الدائمة هي التي خلقت بين المهاجرين : " التطرف الديني والعنف وتشكيل العصابات والتشرد والإدمان على المخدرات ". ويشكل المهاجرون الذين فجروا الأحداث ثمانية بالمئة من تعداد السكان في فرنسا ، لكنهم لا يتمتعون لا بالمواطنة ، ولا بالحق في التصويت ، كما يعانون من أعلى معدلات للبطالة . ولا يمكن لفرنسا أن تدعي أن أولئك المهاجرين عبء عليها ، لأن فرنسا تعيش في واقع الأمر بفضل قيام أولئك المهاجرين بكل الأعمال القذرة مقابل أجور بخسة . وتأتي هذه الهبة لتعري حقيقة الأوضاع الاقتصادية في فرنسا – ثالث أكبر اقتصاديات أوروبا - حيث يعاني من البطالة نحو ثلاثة مليون شخص ، وحيث سحبت الدولة كل الموارد المخصصة لبرامج التأمينات الاجتماعية ، إلي أن زادت معدلات الفقر والتضخم ، وأصبح العجز المالي يعادل نحو 4 % من الناتج المحلي الإجمالي متجاوزا السقف الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي للعجز ، وتراجعت الصادرات ، دون نمو حقيقي في الإنتاج . ومن الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تشير الإحصائيات الفرنسية إلي وجود 751 منطقة فقيرة يسكنها خمسة ملايين شخص في فرنسا . والمسألة إذن ليست " أحداث عنف " ، لكنها أقرب إلي انتفاضة ، يهدد وزير الداخلية الفرنسية خلالها بفرض حالة الطوارئ ، والاستعانة بقوات من الجيش ، وهي انتفاضة سقط فيها الضحايا والقتلى من الجانبين ، ولم تعرف فرنسا مثيلا لها منذ نصف قرن ، كما أن آثارها وعواقبها مستقبلا مازالت غير محسوبة . إلا أن ما تطرحه هذه الانتفاضة،
أو حسب التعبير المفضل " أحداث العنف " هو العلاقة بين الديمقراطية الغربية ، والقضية الاجتماعية . فقد عرفت فرنسا البرلمان عام 1789 ، أي منذ أكثر من مائتي عام ، وكان في البداية يسمى " مجلس الطبقات " ثم " الجمعية الوطنية " ، ولا يستطيع أحد أن يدعي أن فرنسا بجلال قدرها تعاني من أزمة ديمقراطية ، ومع ذلك فإن أحداث العنف تبين أن عزل الديمقراطية عن القضية الاجتماعية لا ينتهي إلا بذلك الفشل الذريع الذي أوشك أن يحول باريس من عاصمة للنور إلي عاصمة للنار . لا البرلمان العريق ، ولا الأعداد الضخمة من الصحف ، ولا جمعيات حقوق الإنسان والحيوان ، ولا الأحزاب المتعددة ، ولا حرية التعبير ، استطاعت أن تنفي أن الأزمة هي أزمة العدالة ، وأن الديمقراطية إذا لم تكن سبيلا ووسيلة إلي العدالة تصبح مجرد ديكور تتزين به الجماعات السياسية ، ويتزين بها المجتمع لكي يخفي طرفي الصراع ، وقضيته .
ذات يوم كتب الأديب الفرنسي المعروف ألبير كامي يقول : " إذا فشل الإنسان في التوفيق بين العدالة والحرية فسوف يفشل في كل شيء ". وقد فشلت باريس مدينة النور ، والثقافة ، والموسيقى ، والديمقراطية ، والبرلمان ، والصحف ، في الجمع بين العدالة والحرية ، فلم تحصد سوى ذلك التمرد .

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة والطائرات
- المسألة القبطية وماجرى في الاسكندرية
- اللحظة الحرجة
- علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
- هي وأخواتها علماء العراق
- الرواية اليوم
- الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
- الثورة مع الاستعمار
- فاجعة مسرح بني سويف
- نجم .. من الذاكرة !
- جغرافيا الفكر والثقافة
- رواية الصحن لسميحة خريس
- أقلام وأوراق
- جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
- كنت في شرم الشيخ
- هذه الرواية - نادي القتال
- الفساد جملة واحدة مستمرة
- الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
- أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
- الرقابة والثقافة في مصر


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - أحداث باريس وكلمات ألبير كامي