شهر رمضان والشخصية المتناقضة

تحسين يحيى أبو عاصي

الحوار المتمدن-العدد: 5185 - 2016 / 6 / 6 - 03:42
المحور: المجتمع المدني
    

شهر رمضان والشخصية المتناقضة
د.تحسين يحيى أبو عاصي
العبادة ليست حركة ميكانيكية ، ولا هي اشباع روحي ، ولا نزوة نفسية عاطفية فقط ، فهل يزرع رمضان في قلوبنا الحب الذي لا يزول أبدا ؟ وهل ستكون صلاتُنا شكلية وصيامنا مجرد طقوس تعبدية ؟ أم ستكون عبادتنا صِلةً حيَّةً لها الفعل والتأثير الحي الذي يربط بين الفكر الديني والواقع الحياتي بواقع من الحب والرحمة والإنسانية وكل معاني الجمال الكوني ؟ .
آمل أن يُغير رمضان من سلوكنا المتناقض مع الذات والواقع ، والمتناقض بين الفكرة المعنوية والسلوك المادي ، وألا يكن أحدنا مزدوج الشخصية متناقضا مع ذاته ، فالشخصية المتناقضة لا تبني وطناً ولا انسانا .
وربما من خلال هذه النصائح نقرع جدران خزان الوعي الديني :
لا تحولوا رمضان إلى مجرد مهرجان شعبي أو بروتوكول تراثي فقط ، وكأنكم في احتفال موسم سنوي يشبه مواسم النبي صالح ، والنبي روبين ، وشم النسيم ، وأربعة أيوب ، وما شابه ذلك .. فالعقل الباطن والوعي الجمعي اليوم يُعبر عن هذه الحقيقة أكثر من غيرها مع الأسف .
تذكر أن العبادة لا يمكن أن تكون على حساب مصلحة الأمة وقضاء حوائج الناس ، ولا على حساب الاقتصاد القومي ، وإلاَّ انقلبت تلك العبادة إلى ضدها .
لا تُنفِّس كبتك وآلام جوعك على أطفالك ، فهم ضعفاء أمام جبروتك ، ثم تطلب من الله الرحمة والمغفرة والعتق من النار !!!!! .ولا تنفعل قبل موعد الإفطار على السائق أو التاجر أو أي شخص آخر ، وكأنك تُحمِّل ربك الجمائل على صيامك . ولا تجعل زوجتك المسكينة تفطر بدموع عينيها بسبب انفعالك ، فما ذنبها يا رجل ؟
لا تتباهوا في رمضان بالأكل والشرب ، فكم من الأسر تشتهي ما تتباهون به وأنتم عنها غافلون . وتذكر أنك تفطر أجمل الطعام ، وتشرب ألذ الشراب ، والكثيرون يفطرون على الخبز والبصل والزعتر ولا أُبالغ بذلك . وتذكر أخي وأقسم لك بالله أن كثيرا جدا من الأُسر تفطر بدموع أعينها ، فسارع بجبر القلوب المكسورة .
التمس بقلبك روح العبادة لا شكلها ، وارتشف من معانيها وأسرارها ؛ لعلك تكن من الأحياء الذين لا يموتون وإن مات الناس .
تذكر أن أهم ما في العبادة هو أن تجعلك إنساناً بكل معنى الكلمة ، فتجنب الغلظة والظلم ، وصل رحمك ومن قطعك ، واعفو عمن ظلمك ، وبادر بكل خير .
تذكر أن رمضان بروحه وبأسراره وبمعانيه ليس هو هذا الشهر العابر فقط ، بل يمتد إلى العام كله ، فهل يملك قلبك هذه الرؤية سلوكا وقولا ووعياً معاً وفي وقت واحد !؟.
هل تٌطبق أحاديث " الصوم جُنَّة " " وصوموا تصحوا " " ومن صام رمضان احتساباً " " واصبروا " " وكم من صائم لا صوم له " " ومغفرة ورحمة وعتق من النار " أم فقط نكابد آلام الجوع بدون فائدة على صعيد القِيَم والسلوك ؟
ثمرة الصيام التقوى ؛ فاحرص على أن تحصل عليها بمعانيها الدينية الانسانية الروحية السامية الجميلة ، وليس بمعاني التطرف والأجندة الحزبية الضيقة ، التي أثبتت وبالها على البشرية جمعاء ، فالإنسانية أن تكون إنسانا ليس فقط في رمضان بل على امتداد عمرك كله .
وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك اسمحوا لي أن أقدم لكم ومن قلبي الذي يحبكم أجمل تهنئة قلبية حارة ، فكل عام وانتم بخير .. كل عام وشعبنا بخير .. كل عام وأمتنا بخير .. كل عام والعالم كله بخير وأمن وحب وسلام .. وتذكروا أن أفضل الصيام هو صوم القلب عن كل حقد واستئصال وفساد ، وأن الصيام لا فائدة منه مالم يُعدِّل من سلوكنا ووعينا ، وأنه كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، وأنَّ تقوى القلب هي ثمرة الصوم ، فهل سنجسد تلك التقوى عملاً فيما بيننا ، أم سنجسد مزيدا من المعاناة والألم ، فقد صامت أمتنا آلاف من شهور رمضان ولا زلنا نعيش التقهقر والانحطاط في كل شيء ... كونوا إنسانيين لعلنا نحيى ولا نموت .

#تحسين_يحيى_أبو_عاصي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات