|
غزل البنات
عبدالكريم هداد
(Abdulkarim Hadad)
الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 12:21
المحور:
الادب والفن
1-2 ان الدارمي يتكون من بيتين شعريين فقط (1) وذي قافية موحدة ، متكامل الصورة الشعرية ، بكل الخصائص الشعرية المشروطة . ويشترط في البيت الثاني دوماً أن يكون معناه مضاداً للأول و مناقضاً أو مكملاً وتوضيحاً له ، وأعتقد هنا بأن فنية البناء الشعري للدارمي وشكله ، قد توارثها شعراء القصيدة الشعبية في العراق كأحدى الطرق المحببة في كتابة الشعر الشعبي العراقي . واستنتجت بأن الدارمي حسب التعريف أعلاه هو إمتداد لشكل الشعر البابلي أيضاً ، الذي أوضح فيه العلامة الراحل طـه بـاقـر حيث قال ( والعادة في الشعر البابلي ، كما في إسطورة الخليقة وملحمة جلجامش ، أن القصيدة فيه تنقسم الى وحدات تتكون الوحدة منها من بيتين من الشعر (دوبيت ) والأعم في البيت الثاني أن يكون معناه أما مغايراً لمعنى البيت الأول أو مشابهاً له أو مكملاً له .) (2) . وهذا ما يؤكده أيضاً في كتابه المعنون بأسم مقدمة في أدب العراق القديم حيث أورد حول إسلوب تأليف الشعر وأجزائه (كان الناظمون يجمعون عدة أبيات لتأليف وحدات شعرية أكبر ، بعضها من بيتين – دوبيت couplet - )(3) ويضيف في الموضوع ذاته ( يكون معنى البيت الثاني في الدوبيت مكملاً أو موضحاً لمعنى البيت الأول أو رجعاً وصدى لمعناه كما في البيتين التاليين من ملحمة جلجامش . صرخت عشتار كالمرأة في الولادة انتحبت سيدة الآلهة بصوت شجي وقد يكون من المفيد أن نورد هذين البيتين بلفظهما البابلي في الحروف اللاتينية والعربية : Isishshi Ishtar kima aliddi Unamba belit ilani tabat rigma وبالحروف العربية : اسشّي عشتار كِما آليدِّى أونَمبَا بعلة ايلاني طابت رِكْمَا أو أن يكون البيت الثاني مغايراً أو مفارقاً لمعنى البيت الأول تمهيداً لتدرج موضوع القصيدة العام ، والمثال على ذلك البيتان الأولان من إسطورة الخليقة :
حينما في العُلى لم يُنْبَأ عن السماء وفي الأسفل لم تذكر الأرض بأسم . )(4) وهذه هي تركيبة الشكل الشعري في كتابة الدارمي الآن .والدارمي سـلس الوقع ذو موسيقى ناعمة ، قوي الديباجة ،تفيض به الكلمات الدارجة العراقية ذات الشحنات الجذابة . ومن خصائص الدارمي هو الكشف عن حالة ما بوضوح شعري تام . والدارمي يحوي علىإبداعية كبيرة لشاعره ، لكون المساحة الكتابية ضيقة وقصيرة جداً ، مقارنة مع أنماط الشعر الشعبي الأخرى . لذا يمكن أن أسميه بـ" شعر الومضة " الكاشف بغنائية عالية وروحية الأقصوصة الغنية بزوايا الحدث الروائي . والدارمي سهل ممتنع ،له من المسميات المعروفة كالغناء – التوشيح - غزل البنات أو نظم البنات وذلك لفحولتهن الشعرية المتجددة وجدارتهن في إنتاجه وصياغته بإبداعية ملموسة . حيث مازالت المرأة العراقية رائدة في الأبداع من خلال هذا النمط والشكل الشعري الشعبي . فقد دجنته وعبأته بدفء مشاعرها ومكونات أحاسيسها الشجية العذبة ، وكذلك نمنمات أشياءها اليومية . فما بين شفافيتها كأمراة ووضعها الأنساني العام ، وجدت في شعر الدارمي خير لسان حال لها . ويكتب على ( سائر الأوزان الشعرية العامية ومجزوءاتها ) (5) ، لكن الكاتب عبدالكريم العلاف في كتابه " الطرب عند العرب " والأب انستاس الكرملي في كتابه " مجموعة في الأغاني العامة العراقية " يوردان أن وزنه "بحر البسيط " . أما الباحث عبدالأمير جعفر في بحثه المعنون " الأغنية الفولكلورية في العراق " يرى أن الدارمي بحره " مجزوء الرجز " والذي هو : مستفعلن فعلان مستفعلاتن مستفعلن فعلان مستفعلاتن (6) والأسم مشتق من " الدردَمَة " وهو إصطلاح شعبي ، يعني " الـهَمْهَمَة " أي تكلّم كلاماً خفيّاً . ونظراً لسهولة معانيه العميقة بما يحمله من ترافة نغمية أخاذة ، مازالت الأغنية العراقية تعتمده كنصوص غنائية . ومن الدارميات فخراً برجال الثورة : واحدكم عله الموت يكبل ولا يهاب لا نفسه تحمل لوم لا يقبل عتاب (7) وهذا الدارمي فيه شئ من الحس الطبقي حسب تعليق مظفر النواب : شبه الدرج دنيّاك شَيْ اعله من شَيْ يَالبِالشمس ظليت هَمْ يِكسر الفَيْ (8)
ومن الدارميات المتداولة بين العراقيين ، وهي كوصية على الكبرياء وعزة النفس : لو ضَكِـتَكْ دِنْياكْ ها بالَـكْ اتْصيحْ إرجي الرمح لِجْلاكْ واصْبرْ لَمَا اتْطيحْ (9) وهذا دارمي آخر يفسر نفسه : يادِنيَة نوبْ ألويـج نوبْ انْتي تِـلْوين إخْذيني بِالمعروفْ لو رِدْتي تِجْـفينْ (10) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * جزء من أحد فصول البحث المعنون بـــــ ( مدخل الى الشعر الشعبي العراقي – قراءة في تاريخ شعب ) و الصادر في السويد ، أوائل كانون الثاني من عام 2003 . 1- فنون الأدب الشعبي - ح2 .ص25 . يذكر المؤلف إن الدارمي يشتمل على بيتين ، لا شطرين . 2- ملحمة كلكامش .ص7 . العلامة طه باقر . 3- مقدمة في أدب العراق القديم . ص60 . تأليف طه باقر . 4- المصدر السابق . ص 60-61 . 5- فنون الأدب الشعبي . ج2. ص25 . 6- الأغنية الفولكلورية في العراق . ص 174 . تأليف عبدالأمير جعفر . 7- المصدر السابق . ص 178 . 8- المصدر السابق . ص 187 . 9- الأغنية الفلكلورية في العراق . ص204 . 9-الأصالة في الشعر الشعبي العراقي .ص37 . تأليف جميل الجبوري .
#عبدالكريم_هداد (هاشتاغ)
Abdulkarim_Hadad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكمن العقارب
-
صديقي
-
السندباد الثائر ، شيخ المنفى ، الشاعر العراقي الكبير كاظم ال
...
-
ثقافة البعث العفلقي مازالت تقود العراق بقوة ..!
-
دللول الفخاتي - شعر شعبي عراقي
-
شكراً للفنان العراقي محمد جواد أموري ، حين لا يجامل الخراب و
...
-
سعدي الحلي لا يغني ...!
-
خايف
-
أمريكا لن تمثل حلمي ...!
-
من أولها...تجاوز أعضاء الجمعية العراقية قانون إدارة الدولة .
...
-
أردناً حصاناً لجرِ العربة ، فتخاصموا على ركوب الحصان
-
إهزوجة عراقية - شعر شعبي عراقي
-
قصيدة - نشيد الله
-
لا نريدها هكذا ..، ياسيادة وزير الثقافة العراقية.. !
-
لماذا لا يعلن الأخوة قادة الأكراد حقهم الشرعي في الأستقلال .
...
-
وعاد المغني..!
-
قصائد لأمرأة
-
قصيدة شعر شعبي عراقي
-
شباط يا أتعس شهر - للشاعر الراحل طارق ياسين
-
هل يجوز تناسي الضحية تحت مظلة المصالحة ومكافئة الجلاد وفكره
...
المزيد.....
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|