أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم














المزيد.....

فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 04:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


خلال خمسة عشر عامًا، منذ بدأتُ مشوارَ الكتابة الصحفية، وأنا أتحاشى قدر إمكاني كلمتين: “مسلم- مسيحي"، وأستبدلتُ بهما كلمتيْ: “إنسان- مصري"، إيمانًا منّي بأن العقيدةَ شأنٌ خاصٌّ بين المرء وربّه. أما المواطَنة، فشأنٌ عامٌّ يخُصّنا جميعًا. إن اهتزّت مواطَنةُ مواطنٍ في أقصى جنوب مصر أو أعلى شَمالها أو أيمن يمينها أو أيسر يسارها، فقد اهتزّت مواطَنتي، وإن أُهينت إنسانيةُ إنسانٍ في أقصى بقعة من بقاع العالم، فقد انكسرت إنسانيتي، بالتبعية. الأمرُ، كما ترون، محضُ شخصيّ. برجماتيّ. فإن أنا غضبتُ لإهانة امرأة في أفغانستان، فإنما أغضبُ لكرامتي الشخصية، دون أن أعرف تلك المرأة المُستضعفة. وإن انبريتُ للانتصار لمواطن قبطي مسيحي مُهدَر حقُّه، فإنما أدافعُ عن حقيّ الشخصي، دونما أعرف هذا الشخص المُستلَب حقُّه. وإن أنا أشفقت على ذبيحة تُعذّب قبل نحرها، أتصوّر نفسي محلّها، فأغضب لنفسي حين أغضبُ لها. الأمرُ جَدُّ بسيط. الأمرُ جَدُّ منطقيّ. الأمر جدُّ برجماتي.
عيني مُصوّبةٌ على "الإنسان" وقيمته، دون الاهتمام بمعرفة اسمه أو جنسه أو دينه. قلمي المسنونُ مُصوّبٌ نحو قلب الظالم للذود عن حق المظلوم، دون النظر لعقيدة الظالم والمظلوم، أو نوعهما أو لونهما أو جنسهما. هذا ما نذرتُ له قلمي، وأدفع ثمنه غاليًا، راضيةً مرضية، نتيجةَ سوء فهم البعض حينًا، ونتيجة بُغض الظالم لمن يشير عليه، أحيانًا أخرى.
لهذا استهولتُ تجريد امرأة من جلبابِها وسحلها عاريةً في طرقات الصعيد على مرأى من شيوخ القبيلة الغلاظ. لم أعبأ بُعمرها ولا بديانتها ولا بموقعها الاجتماعي. فهي أنا، وفقط. ولهذا رأيتُ أن النظر إلى تلك الجريمة من زاوية الطائفية، يُعدُّ تقزيمًا لغول ضخم أبشع وأقبح من الطائفية. غول "انهيار الإنسان". فالإنسانية تسبق الديانات والطوائف والمذاهب. حين تخرج عن مظلّة الإنسانية، فلا يحقُّ لنا أن نسألك أي دين تعتنق. لأن العقائد لم تنزل إلا للبشر، فإن لم تكن بشرًا، فأنت غير مُكلّف وغير مُعتقِد.
أحزنتني التعليقات الطائفية التي قرأتُها على صفحتي حول الواقعة. قلتُ لقرّائي: لا تَجرّوا الجريمة من الخانة الأخطر إلى الخانة الأقل خطرًا. فجريمة تعرية سيدة أخطرُ كثيرًا من أن تكون جريمة طائفية. امرأة مستضعفةٌ فقيرة، مسّنة كانت أو غير مسنّة، يهودية أو مسيحية أو مسلمة أو لا دينية، إذلالُها وإهانتُها على مرأى من شيوخ القبيلة وبمباركتهم وتهليلهم وتكبيرهم، هو أمر أخطر كثيرًا من الطائفية الضيقة. لهذا غضب من تلك الجريمة كل من هو (إنسان)، وليس المسيحي أو المسلم.
تلك لحظة تنهارُ فيها الإنسانية، وليس العقائد. هي لحظة الاطمئنان إلى غياب المساءلة فيُساءُ الأدب. هي لحظة لابد من أن نقف فيها أمام المرآة لنشاهد سوءاتنا فنسارع بمواراتها قبل أن يلمحها الغرباء. هي لحظة علينا أن نُقرّ فيها بأننا لا نستحق لقب: "إنسان". أحزنتني التعليقات الطائفية لأنني شاهدتُ فيها خزيًا لا يقلّ عن خزي من يقتلوننا كل يوم بدم بارد. وجدتُ فيها تسطيحًا لهول عظيم، يراه البعضُ مجرد محنة طائفية. هولُ عظيم. حين يتجرأ رجلٌ على امرأة في عمر أمّه ليُعريّها ويسحلها على التراب. هولٌ تهتز له السموات والأرض. هولٌ تُغمِضُ السماءُ عنه عيونها حتى لا تشاهد قبحَنا. لحظة تتساءلُ فيها السماءُ: على مَن أنزلتُ دياناتي، ولأي غرض؟ العقائد نزلت من أجل تهذيبنا وزرع القيم الرفيعة داخلنا، فإن لم تفعل فنحن لا نستحقّ العقائد، ولا نستحق الحياة ذاتها.
على كل إنسان منّا الآن أن يقف أمام مرآة نفسه ويسألها: بماذا أفادني ديني؟ هل صرتُ أرقى وأنقى وأتقى وأجمل وأنظف وأطيب وأرحم وأكرم وأصدق؟ إن كانت الإجابة: "لا"، فإننا لا نستحقُّ الهواء الذي يدخل صدورنا كل نهار، ولا نستأهل صوت العصافير التي تغرّد حين يرسلها اللهُ كل فجر لكي نتعلم أن نكون رحماء وطيبين.
تلك الواقعة االبغيضة هي اختبارٌ حاسم لكل إنسان. فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم. هل إنسانيتكم بخير؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضعيف والمُستضعَف
- جلباب سعاد وأُذُن أيمن
- حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
- في الغُربة... الجول باثنين
- كيف وأدت الإماراتُ أخطبوط الطائفية؟
- صباح الخير يا مايسترو
- من فوق غيمة
- سيبيهم يحلموا يا طنط عفاف
- جمال السويدي يحذّر من السراب
- عينُ الطائر... والزّمارُ البدين
- مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا
- بناءُ الإنسان في الإمارات
- اليماماتُ مذعورةٌ في بلادي!
- قراءة في كتاب -دفتر العمر-
- تحت شرفة عبد الوهاب … كَم تُرتكب من جرائم!
- السير يعقوب وليلى ابنة الفقراء
- الإمارات تكسر شرانقهم |الأسبوع العالمي للتوّحد
- تعالوا نمشيها نكت
- حُلم | قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت
- دعاء خصم فاطمة ناعوت | كيف ندعو على ظالمينا؟


المزيد.....




- بابا الفاتيكان يحث قادة العالم على السعي لتحقيق السلام بـ-أي ...
- مرجعية العراق الدينية تدعو لوقف الحرب
- ترفض -السماح ببقائه-...هل تريد إسرائيل رأس المرشد الأعلى الإ ...
- استقبل قناة الأطفال المحبوبة على شاشتك الآن.. التردد الجديد ...
- إيهود باراك: لا مبرر منطقيا للحرب مع إيران الآن
- مادورو يدعو يهود العالم لوقف جنون نتنياهو
- الاحتلال يفرض سياسة جديدة بعد 6 أيام من إغلاق المسجد الأقصى ...
- أفغانستان تغير تسمية -الجامعة الأمريكية- إلى -الجامعة الإسلا ...
- حرس الثورة الإسلامية يعتقل 5 جواسيس للموساد في لرستان
- آية الله مكارم شيرازي: الشعب الايراني يقف خلف سماحة قائد الث ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم