|
مقلب من بلاد الكنانة !!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 5177 - 2016 / 5 / 29 - 02:46
المحور:
المجتمع المدني
مقلب من بلاد الكنانة !! ليس غريبا أن يتعرض أحدنا لمقلب من المقالب ، وتنطلي عليه خدع المحتالين ، لكن الأغرب هو أن يوقع الواحد منا نفسه بنفسه في شراك مقالب ما، بإرادته ، وكأنه نصب لنفسه "كاميرة" خفية ليوقع نفسه في فخها . لقد عشت قبل أيام ، مقلبا حقيقيا - ومن منا لم يكن في يوم من الأيام عرضة لمقلب أو خدعة ماكرة ؟؟ - لا أدري إن كان كوميديا أو تراجيديا ، لكنه غير مصنوع ولا مزور، ولا مفبرك السيناريو ، وغير متفق مع أبطاله على تمثيل أطواره ، من أجل التهييج والإضحاك ، كما هو حال الكثير من برامج المقالب التلفزيونة التي عرفت انتشاراً واسعاً خلال السنوات الأخيرة ، والتي تفنن أصحابها بأفكار غريبة ، وفنية عالية ، وتقنيات جد متطورة ، للإيقاع بضحاياهم والتلاعب بمشاعرهم ، لا يهم منتجيها من الضحية ؟ ولا على حساب من يُبني نجاحهم ؟ كل ما يهمهم ، أن ينجحوا في تحقيق أقصى المشاهدات. لقد كانت بداية المقلب ، الذي لم أتخيل يوما أني سأواجهه ، مع إشتهائي للدلاح أو"البطّيخ" ، كما يسميه إخواننا هنا في مصر، والذي هو أكثر الفواكه الصّيفة شعبيةً لديهم ، وأكثرها انتشاراً في كل أسواقهم الشعبية ومحلاتهم التجارية ومولاتهم الفاخرة - تماما كما هو حاله في أسواقنا في المغرب- والذي قررت إقتناء دلاحة لأروي بها العطش الناتج عن شدة حرارة أجواء القاهرة المرتفعة جدا . دلفت محلا تجاريا* Supermarche وطلبت من أحد الباعة به مساعدتي في إنتقاء واحدة من بين أنواع الدلاح المعروضة في رواق الفواكه والخضر ، فأشار علي بواحدة ، مؤكدا على أنها الأفضل والأحلى . عدت بمشترياتي وعلى رأسها "الدلاحة "التي سارعت مزهوا إلى فلقها نصفين ، وكم كانت المفاجأة صادمة ، والصدمة مؤلمة ، حين وجدتها صفراء فاقع لون لبها ، فثارت ثائرتي وجن جنوني ، ليس تحسرا على ما دفعت من جنيهات ثمنا لها ، لكن لاعتقادي –وبعض الظن إثم-أن عامل المحل التجاري ، قد استغفلني لكوني غير مصري ، وباعني دلاحة صفراء ، "قرعاء" كما في دارجتنا المغربية " دلاحة قرعة"، أي غير ناضجة ، والتي عرف عادة تجار الدلاح على إستبدالها بأنضج منها . كانت ردة فعلي والتي لم تختلف عن ردة أفعال إي ضحية مقالب ، قوية ، -لا تمثل ، في الغالب الأعم ، أخلاقهم أو أفعالهم الطبيعية في الحالات العادية- حيث غمرني شعور بالخيبة والغبن و"الحقرة" وإنفعلت انفعالا شديدا ، وعدت مسرعا للمتجر ، رغم بعد المسافة ، وواجهت مساعد التاجر بوابل من اللوم الحاد ، وإتهمته بالخداع ، والكذب ، والغش، والنصب، والاحتيال وتعمده بيعي "دلاحة قرعة" شاهرا شقها في وجهه ، تدخل رجل تبدو على ملامحه علامات الوقار ، قائلا في لباقة وتأدب : هدئ من روعك يا بييه ، الأمر لا يستحق كل هذه النرفزة !! زادت حدت غضبي وصحت في وجه الرجل الوقور بدارجتنا المغربية : أسيدي رخف علي ، راه حشالي "دلاحة قرعة" ملي عرفني ماشي مصري، لم يثر إنفعالي وغضبي الرجل ، بل زاد من عرض إبتسامته اتساعا ، وسألني في هدوء : الباشا من أيها بلد؟؟ لاشك أنك من المغرب ، مضيفا : أجدع ناس ، وإحنا بنحب المغربة كثيرا ، وبنحب ملككم أوييييييي ،تم أشار علي بمصاحبته إلى مكتبه ، عرفت ساعتها أنه صاحب المحل ، وتعبته ، بعد أن خف حنقي وقل توتري . دلفنا المكتب ، وقبل الجلوس صاح : حاجة ساقعة للبيه المهندس ، تم توجه إلى بالحديث وابتسامته تزداد اتساعا ، يا باشا تلك البطيخة ليست قرعة ، كما تخيلت ، هنا شعرت بالغضب يعاودني ، وصحت في وجهه : هي انا كذاب ؟ اشوف آسيي واش هاذي صفرا ولا خضرا ، أولا أنا مريض بعمى اللوان ؟ رد والابتسامة لا تفار شفتيه : لا لا ما عاد الله يا باشا، لا عاش من يقول ذلك يا دكتور، الأمر وما فيه ، هو أن البطيخة أو الدلاحة كما تسمى عندكم في بلادكم الطيب والجميل، هي بطيخة مستوردة من آسيا يا بيه ، وهي من نوع البطيخ الأصفر ، فلا غرابة أنيكون لبها أصفر اللون ، وهي يا دكتور ، غير الدلاح البلدي البلدي الأحمر المعروف عندنا وعندكم ، وأنه كلما زادت صفرتها ، كلما ارتفعت نسبة حلاوتها أكثر، فهل تذوقتها يا باشا ؟ أجبت بالنفي ، فأمر بسكين ، ومدني بقطعة من لبها الأصفر ، كم كان مذاقه حلوا ومميزا. وكم كان خجلي كبيرا أمام لطف ولباقة صاحب المحل ، حتى أني لم أجد في قاموس لغتي ما يفي بإعتذاري وتأسفي له على تصرفي الأهبل بسبب ما إعتبرته ، شمتة . حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما كل الطرق تؤدي إلى ثواب الله !!
-
يوم على طرقاق مدينة مجنونة .
-
تساؤل قلم حائر !!
-
رمضان شهر الإفتاء بإمتياز .
-
التاريخ يعيد نفسه!!
-
رد على منتقدي مقالتي -لماذا نكره الاصطفاف في طوابير الانتظار
...
-
مهرجان الموسيقى الروحية لفاس -شنعتو عليا ما غطى ودنيا- !!
-
ليس القضاء على الفقر غاية مستحيلة !!
-
بلاد الذل تنهجر
-
اليوم العالمي للصحافة ، أية آفاق؟؟
-
الفقر في المغرب !!
-
رجالات ما في ألسنتهم عظم !!
-
أي موقع ل-مي فتيحة- في النضاليات النسوية المغربية ؟؟
-
هل الإنتحار فعل لاأخلاقي ، أم هو موقف يستحق التقدير والاحترا
...
-
من -خربوشة- إلى -من فتيحة-!!
-
لماذا نكره الاصطفاف في طوابيرالانتظار ؟
-
واقع حرية الرأي وقوى الإسلام السياسية!!
-
قضية خولة وبوتازوت ، هي معركة قيم !!
-
حضارية التظاهرات واستفزازيتها !!
-
التأسلم- الموضة الجديدة !! 3 تابع
المزيد.....
-
کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق
...
-
المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع
...
-
مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
-
-غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت
...
-
الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس
...
-
مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال
...
-
مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما
...
-
فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
-
لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
-
اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|