أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - وهم الهويات الكبرى















المزيد.....

وهم الهويات الكبرى


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 5170 - 2016 / 5 / 22 - 21:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لطالما تغنى العرب بكونهم عربا ظنا منهم أن هويتهم الجامعة تصيرت في التاريخ كقوة فاعلة جامعة، حددت وجودهم تجاه الغير عبر مراحل متعددة منه. كان ذلك مجرد وهم اعتاش عليه الخطاب الديني والقومي والإعلامي والثقافي وغيره لفترات طويلة، حتى استفاق أصحابه، أي من تحددوا في الخطاب الوهم كعرب،على واقع يقول غير ذلك. ، مثلا إن القول بأن العرب أمة، أو القول بالوحدة العربية ، أو القول بالتاريخ العربي المشترك، والثقافة المشتركة، والدين الواحد، وغير ذلك من هويات كبرى، لا يعدو كونه قول افتراضي، في حين أن العرب يتحددون في الواقع من خلال بلدانهم وقبائلهم وطوائفهم ومذاهبهم وغير ذلك من هويات صغرى. فالهويات الكبرى لا تعدو كونها إنتاج مغامرة ذهنية لذهن جامح يحاول تعيينها في الواقع باستخدام صور ذهنية ،سماها مفاهيما، أو مسميات، توهم أنها تقبض على موجودات متعينة في التاريخ، غير أن هذا الأخير سرعان ما يكشف زيف ما هو وهم أو افتراض، وحقيقة ما هو واقعي و تاريخي.
لم يكن للعرب هوية كبرى حقيقية في التاريخ، بل هويات صغرى، فالدين الذي جمعهم لفترة من التاريخ كقوة فاعلة فيه، لم يكن في الواقع سوى راية تعلو الغنيمة التي وعد الرسول أهله بها في بداية دعوته عندما خاطبهم قائلاً " أطيعوني أملككم كنوز كسرى وقيصر " ، وهم إذ تقاتلوا عبر التاريخ، ولا يزالون يتقاتلون اليوم فمن أجل الغنيمة التي تعلوها راية الله أكبر.وحتى اللغة العربية التي تبدو وكأنها محدد لهوية كبرى تميز العرب عن غيرهم، لا تعدو كونها مجرد مظهر مخادع لهوية كبرى مفترضة. فهي في الحياة الواقعية لغات، لكل بلد عربي لغته، وليس فقط لهجته، فاللغة لوحدها لا تحدد هويات كبرى، وإلا لكانت جميع الدول الناطقة بلغة واحدة تشكل معا هوية كبرى.
من المعلوم أن أول محاولة في التاريخ لإنشاء هوية كبرى جامعة هي تلك التي جاء بها محمد - النبي كرسالة سياسية لتكوين هوية كبرى للعرب تنافس، وتواجه الهويات الكبرى الفارسية والرومية التي كانت في ذلك التاريخ. ورغم نجاحه الظاهري بالتأسيس لدولة إسلامية، سرعان ما حملها المسلمون من بعده إلى أبعاد غير مسبوقة في التاريخ، لكنها في الواقع كانت محمولة على الهويات الصغرى الواقعية، وبالتالي الحقيقية. فالهويات القبلية والعشائرية التي كانت قبل الإسلام، والتي كانت تحدد وتميز وجود العربي تجاه غيره من العرب، بل وتجاه ذاته في القبائل العربية المختلفة، هي التي حملت الهوية الإسلامية الكبرى الجامعة لكنها لم تذب فيها وتنصهر لتؤسس لوجود حقيقي للعرب المسلمين كهوية ثابتة، بل لهويات صغرى متصارعة على المجال الحيوي لوجودها،أي لمصالحها، وعلى رموز ذلك المجال الحيوي. فإذا كان العرب قبل الإسلام قد تحددوا بهوياتهم القبلية والعشائرية وحتى بأفخاذ منها، صاروا بعد الإسلام يتحددون بالإضافة إليها، بهويات دينية صغرى كثيرة. إنهم اليوم يختلفون حتى على الله، وعلى رسوله، وعلى القرآن وتفسيره، وعلى مناسك الإسلام وطقوسه،ويتحددون بناء على ذلك في التاريخ كهويات صغرى ( مذاهب ومدارس وطرق دينية متعددة ومختلفة) ، رغم أنهم شاهدوا الرسول كيف كان يؤديها خلال فترة تقارب العشرين سنة. لقد قولوه من الأحاديث بعد نحو مائة وثلاثين سنة من وفاته، ما يكفي لإشغال كامل زمن دعوته مرات عديدة، ويتعاملون معها على أنها حقيقة تاريخية.
لنلقي نظرة على واقع ما يسمى العرب اليوم كهوية كبرى، فسوف نكتشف بلا عناء أنهم يتحددون في الواقع ليس من خلال هويتهم الكبرى المفترضة كعرب، بل من خلال هوياتهم الصغرى. في الواقع التاريخي هناك نحو اثنين وعشرين بلدا عربيا، وحتى هذه البلدان العربية كهويات كبرى، فهي قائمة فعلياً على بنية مجتمعية غير انصهارية، متعينة من خلال هويات صغرى عديدة، بعضها ديني ومذهبي، وأغلبها قبلي وعشائري، وحتى جهوي ومناطقي. وما إن يزول اللاصق القهري للهوية الكبرى، أي للدولة، وهو الدكتاتورية، حتى يتم الارتداد إلى الهويات الصغرى، فتصير القبيلة والعشيرة والمذهب،وحتى الزعامة ضمن المذهب، بل والجهة أو المنطقة، هي الهويات المتميزة الفاعلة. في العراق بعد زوال الدكتاتورية التي كانت الشرط الحاسم لوجود هوية العراق كهوية كبرى، ارتد العراقيون إلى هوياتهم الصغرى المنحدرة في الصغر من المذهب، إلى التيار ضمن المذهب، إلى الزعامة الدينية، إلى العشائر وأفخاذها وغير ذلك من هويات صغرى.
في ليبيا واليمن أيضا حصل الشيء ذاته، فما إن سقطت الديكتاتورية حتى سقطت الدولة كهوية كبرى معها، واليوم يتعين الليبيون واليمنيون افتراضاً من خلال دولة ليبيا ودولة اليمن كهوية كبرى، لكنهم في الواقع يتعينون من خلال قبائلهم، ومذاهبهم، وجهاتهم، ومناطقهم، واثنياتهم، وعائلاتهم، وغيرها من هويات صغرى تؤكد ذاتها من خلال الصراع.
في سورية لا زالت الدكتاتورية مستمرة كلاصق لهوية كبرى، لكنها في المضمون تستخدم الهويات صغرى كمواد لاصقة للدفاع عن استمرار وجودها، من قبيل الهويات الطائفية والقبلية والعشائرية وغيرها. الصورة على جبهة خصومها أكثر وضوحا، يميزها تعدد الهويات المقاتلة. فرغم أن جل المقاتلين على الأرض السورية من المفروض أن تجمعهم هوية كبرى ، فهم يقاتلون من أجل إسقاط الديكتاتورية، وبناء دولة الخلافة على منهاج النبوة كما يزعمون، تحت رايات " الله أكبر"، إلا أنهم في الواقع يتحددون من خلال هويات صغرى، قائمة أساساً على الغنيمة. وفي سبيل الغنيمة فهم يتقاتلون فيما بينهم بشراسة لا تقل عن شراسة قتالهم لقوات النظام.
إن الهوية أيا كانت كبرى أو صغرى تتحد في الواقع التاريخي بعاملين أساسيين هما: توافر المصلحة، ووحدة الإرادة لتحقيقها و الدفاع عنها. تمثل المصلحة الشرط الموضوعي لوجود الهوية، لكنها لوحدها ليست كافية ، فلا بد من توافر الإرادة لتحقيقها والدفاع عنها كشرط ذاتي، وهذه الأخيرة يشترطها توافر الوعي بحقيقتها والاقتناع بها أو الايمان. في حالات كثيرة، يقدم التاريخ شواهد عليها، تكون المصلحة متوافرة لتكوين هوية ، لكن لا يتوافر الوعي الكافي بضرورتها، وبالتالي تغيب الإرادة المشتركة لتحقيقها، فتظل هذه الهوية في دائرة الافتراض كمغامرة ذهنية. لكن التاريخ يقدم شواهد على حالات معاكسة، بمعنى أن وجود الوعي بضرورة هوية معينة، حتى ولو كانت ستقوم على مصلحة مفترضة، وتوافر الإرادة لتحقيقها، يحولها من دائرة الافتراض إلى دائرة التاريخ فتصير فيه تعبير عن مصلحة موضوعية إلى حين، طالما استمر الوعي بضرورتها، وتوافرت الإرادة المشتركة للحفاظ عليها والدفاع عنها.
في العالم العربي والإسلامي كهويات كبرى مفترضة، لا يزال المحرك الرئيس للتاريخ فيها هو الهويات الصغرى، الدينية والمذهبية، والقبلية والعشائرية وغيرها، وبالتالي فهي وحدها الواقعية، وما عداها فهو لا يعدو كونه هويات مفترضة. يعبر عن هذا الواقع المرير خير تعبير ما قالته المستشارة الألمانية أنجلينا ميركل في دبي " لدى الهنود والصينيين نحو 150 رب،وأكثر من 800عقيدة، مع ذلك فهم يتعايشون بسلام، أما أنتم المسلمون فلديكم رب واحد، ورسول واحد، ودين واحد، مع ذلك تصبغ شوارعكم الدماء، القاتل ينادي الله أكبر، والمقتول ينادي الله أكبر".



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة5)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة4)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة3)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة2)
- اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة1)
- مسار جنيف التفاوضي بينالنجاح والفشل
- الانسحاب العسكري الروسي من سورية: أسبابه ودلالته
- من قتل الحلم إلى قتل الشعب
- خصائص تفاعلات المكان والنظام السياسي العربي
- الشعب السوري ليس مع النظام ولا مع المعارضة
- الحوار -السوري- السوري- كذبة كبيرة
- النص الكامل للقرار 2254 وقراءتي المتأنية له
- البيان الختامي لمؤتمر المعارضة في الرياض وقراءتي المتانية له
- محاولة أخيرة لتوليف مالا يأتلف
- مأساة العقل السياسي المعارض
- سياسات صنع الكارثة
- الاستثمار في صناعة الكوارث
- أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية
- التدخل العسكري الروسي ونتائجه المحتملة
- قطار التسوية السياسية في سورية يتحضر للانطلاق


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - وهم الهويات الكبرى