أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الشعب السوري ليس مع النظام ولا مع المعارضة















المزيد.....



الشعب السوري ليس مع النظام ولا مع المعارضة


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 5070 - 2016 / 2 / 9 - 08:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشعب السوري: لا مع النظام ولا مع المعارضة
1-مدخل: إعادة صوغ المفاهيم
من الفضائل الكثيرة لما سمي بـ " ثورات الربيع العربي" أنها خلقت موضوعات جديدة وكبيرة جداً للمشتغلين في الحقل الفكري والسياسي، وللعاملين في مجال الإعلام، والأدب، والفن، وفي مجال العلوم الاجتماعية المختلفة، فالثورة لا تكون كذلك إذا لم تشغل جميع حقول المعرفة والسلوك على حد سواء.
لكن الثورة وهي تحفر في الواقع لتغييره، فإنها تقوم بعملية تصعيد فكرية كبيرة له في محاولة لخلق صورة ذهنية جديدة عنه وتأصيلها في الوعي العام، والاعتياد عليها. في عملية التصعيد هذه تصعد ليس فقط الصور الذهنية الصحيحة بل وتلك التي تقارب الأوهام. وهذا شيء طبيعي لأن الثورة فعالية مجتمعية شاملة تطال جميع المكونات المجتمعية، وأشكال وجودها وفعالياتها، وتفتح أسئلتها على كل الاتجاهات.
لكن، عفواً، عن أية ثورة نتحدث؟!
إن المقاربة المعرفية لما يجري في بعض الدول العربية باستخدام مفهوم " الثورة " دون تحديد الدلالة الاصطلاحية له سوف يقود إلى ضلال معرفي. فمصطلح "ثورة" كما هو متداول في الأدب السياسي بصورة عامة، تحت ضغط الأدبيات الماركسية المختلفة بصورة خاصة، مملوء بالمحتوى الاجتماعي الطبقي. إنه يشير إلى صراع طبقات، واحدة تهوي فتحجز في قاع التاريخ مع نظامها الاجتماعي الاقتصادي، وأخرى تصعد لترفع معها نظام اجتماعي اقتصادي جديد ليبدأ سيرورته نحو التكون. الثورة بالمعنى الاجتماعي، وكما هي في التعميم النظري لتجارب التاريخ الثورية، لا تكون بدون مشروع سياسي، وبدون برنامج لتحقيقه، وبدون قيادة لها .
هكذا كانت الثورات الكبرى في التاريخ، من ثورة اسبارتاكوس وحتى ثورة البريسترويكا، مروراً بالثورة البلشفية، والثورة الفرنسية. في جميع هذه الثورات، الناجح منها والفاشل سياسياً، كان الهدف يتركز على تغيير النظام الاجتماعي الاقتصادي برمته، أي الانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى.
الثورات العربية لم يكن هدفها تغيير النظام الاجتماعي الاقتصادي القائم، أي النظام الرأسمالي، بل إزالة العقبات من طريق تطوره اللاحق، خصوصا من الحقل السياسي. إنها بالمعنى المجازي " ثورة أسئلة" لكونها قد أخرجت من جيوب التاريخ جميع الأسئلة المتعلقة بنظام الاستبداد المشرقي ككل، لتبحث لها عن أجوبة. بهذا المعنى يصح تسميتها بـ "ثورات خريف الاستبداد "، لأن الربيع لم يزهر بعد في الدول العربية التي شهدت هذه الثورات. وإذا كانت كذلك فإن مصطلح " ثورة سياسية تطورية " يعد مناسبا للقبض عليها معرفياً، كاتجاه عام، وليس تعبيراً عن وقائع. في حقل الوقائع فإن مصطلح " انتفاضة شعبية " أكثر دقة ودلالة في أدائه الوظيفي التحليلي لعملية التصعيد المعرفي لوقائع الساحات والميادين في بعض الدول العربية.
إذا، كاتجاه عام، فهي " ثورة سياسية تطورية" تهدف إلى نقل المجتمعات العربية من وضعية الإدارة بالاستبداد ومنظوماته وقيمه، وفي مقدمتها قيم الفساد وآلياته،إلى وضعية الإدارة بالديمقراطية وآلياتها وقيمها، وفي مقدمتها قيم الحرية والمسؤولية والمشاركة والقانون. ثورة من هذا الطراز لا تهدف إلى إقصاء أي طبقة أو فئة اجتماعية، بل على العكس، فهي تبغي خلق أفضل فضاء سياسي يسمح لمختلف القوى المجتمعية بأن تؤدي دورها في تطور المجتمع وهي تسعى لاستقصاء مصالحها الخاصة[1]. بهذا المعنى فإن الثورات العربية أعادة نحت مفهوم" الشعب "، ليصير دالا على الفعالية، وعلى الحضور، وعلى القدرة على تقرير مصير السياسات المختلفة، والقائمين عليها، بدلا من كونه، في ظل الاستبداد، يرمز إلى كتلة هلامية لا دور خاص لها تؤديه سوى ما تريده منها القوى الحاكمة. لم يعد من الممكن اليوم، في ظل الثورات العربية، لأي حاكم عربي أن يتجاهل شعبه، لقد أعيد الاعتبار للساحات والميادين التي كانت حتى حين مكاناً لأداء واجبات الخنوع " بالروح بالدم نفديك..." لتملأ أجوائها هتافات" الشعب يريد..".
لكن هل فعلا أن كل "الشعب يريد... "، أم جزء منه، أقله أو أغلبه الأعم لا فرق؟. وهل ما أراده الشعب، وعبر عنه في هتافاته، يندرج في إطار المطالب، أم كان مجرد شعارات تعبوية لا غير، هدفها تعبة الناس للتظاهر وبث الحماس فيهم؟. هذه الأسئلة وكثير غيرها من مثلها، تكشف عن كثير من الأوهام التي رافقت الثورات العربية وتجلت في الخطاب السياسي والفكري المعارض المصاحب لها[2].
من هذه الأوهام التي تكاد تسيطر في الخطاب السياسي المعارض،يتقدم وهم "تمثيل" الشعب. لقد صار مفهوم "الشعب" مضللا بالطريقة التي يستخدم بها، وقد بلغ حجم الضلال في استخدامه درجة عالية، بحيث صار مفهوما غير معين، يخضع لمزاج مستخدمه، يضع له الدلالة التي يريدها. مفهوم "الشعب" في اللغة، وفي الاصطلاح، هو مفهوم مركب لا يقبل التماثل الداخلي، لذلك لكي يتم استخدامه بصورة صحيحة ينبغي أن يُسبق بما يجزئه كأن يقال "بعض" الشعب، أو "أغلب" الشعب، بحسب الحالة المستهدفة من الخطاب. فعندما تزعم المعارضة، أو بعضها، كما في الحالة السورية، بأنها "الممثل الوحيد والشرعي للشعب السوري"، فهي تعبر عن أوهام لا عن حقيقة، فالشعب السوري ليس كله معها، بل جزء منه. الحقيقة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-. انظر دراستنا "الثورة في تونس وفي مصر بين القطع البنيوي والقطع التطوري" تاريخ 25/2/2011)
WWW.AHEWAR.ORG/M.ASP?!=230
2- انظر مقالتنا " أوهام تعاند السقوط.جريدة النهار اللبنانية،29/102013
الأرض تقول بأن السلطة الحاكمة لديها مناصروها، وهم ليسوا أكثرية الشعب، وهم موزعون في مختلف أشكال الوجود الاجتماعي، الأهلية منها، والمدنية والدينية والسياسية بدرجات مختلفة. والمعارضة لها مناصروها أيضا، وهم أيضا ليسوا أكثرية الشعب، وموزعون في مختلف أشكال الوجود الاجتماعي. أما الغالبية الساحقة من الشعب السوري فهي ليست مع السلطة، وليست مع المعارضة، بالمعنى المباشر والفاعل للموقف السياسي. إن الإقرار بهذه الحقيقة، التي لطالما تجاهلتها المعارضة والسلطة الحاكمة في خطابها السياسي، يساعد كثيرا على تأسيس الواقعية في السياسة، التي بدونها لا تكون السياسة فاعلة في الواقع وأداة لتغييره بالاتجاه المستهدف. بالطبع يمكن تفهم الاستخدام المجازي لمفهوم "الشعب"، في الحالات التي يعبر فيها جزء منه عن مصالح كله بصورة موضوعية، وليس بالمعنى المباشر. فالشعب بأغلبيته الساحقة،مثلا، له مصلحة موضوعية في الحرية ، وفي حكم القانون، وان يكون رأيه مسموعاً في الشؤون التي تخصه، حتى ولو طالب بذلك جزء منه، أو ثار من أجله.
ومن الأوهام التي سيطرت على الخطاب السياسي المعارض وهم "إسقاط النظام". كثيرون ممن نادوا بإسقاط النظام لم يفرقوا بين النظام والسلطة، وبين الوظيفة التعبوية للمصطلح عندما يرفع كشعار في الشارع، وبين كونه مطلبا سياسياً مباشراً. وهم بالتالي، لا يفرقون بين إسقاط النظام كعملية وبين إسقاط السلطة كحدث مباشر. إسقاط النظام ليس حدثاً بل عملية، وهو لا يسقط بسقوط السلطة الحاكمة، لأن الاستبداد ليس موجودا فقط في الحقل السياسي، بل هو في التشريع وفي العلاقات الاجتماعية وفي الحياة الاقتصادية، وفي منظومة القيم العامة وآليات التفكير، وفي جميع مناحي الحياة الاجتماعية الأخرى، تصونه وترعاه وتعيد إنتاجه ثقافة استبدادية سائدة، وإن إزالته من هذه الحقول يحتاج إلى زمن قد يمتد إلى عقود من السنين. المهم في الأمر هو فتح المسار باتجاه إزالته، بدء من الحقل السياسي، وذلك من خلال تعميم مناخ الحرية فيه، وإعادة تشغيله وفق المبادئ الديمقراطية وآلياتها.
2-بحث في أسباب "الثورات العربية
كثرت، خلال السنوات التي تلت بدء انتفاضة الشعب التونسي وحتى اليوم، القراءات الفكرية والسياسية للانتفاضات الشعبية في العديد من الدول العربية ، وهي تركز على أسبابها ونتائجها المحققة والمحتملة، على أدواتها وقابليتها للتعميم في ظروف أخرى. وكانت هذه القراءات متنوعة جداً ومختلفة، خصوصا لجهة البحث في أسبابها، وتعريف نتائجها القريبة، وتصور نتائجها البعيدة.
ومع أنه من المبكر أن تكشف الثورات العربية المشار إليها عن خباياها، وعن ممكناتها النظرية، فهي ليست حدثا كما ذكرنا بل عملية تصير طويلة، لذلك فإن أية مقاربة فكرية لها ينبغي أن تكون مفتوحة على أي تعديل يرقى إلى مستوى التعميم النظري، يمكن أن تكشف عنه هذه الثورات في سياق تحققها التاريخي.
وبالعودة إلى السجالات الفكرية حول الأسباب الكامنة وراء هذه الثورات، فقد وجد البعض في الفقر، وسوء توزيع الثروة، وانتشار البطالة، أسباباً رئيسية دفعت الجماهير لكي تثور على حكامها. غير أن بعض آخر اعتبر مسألة استعادة الكرامة المهدورة هي السبب، وفئة ثالثة وجدت في قضية فلسطين، وما يتعرض له الفلسطينيون من مجازر وإذلال السبب. وهناك من وجد في الهيمنة الأمريكية سبباً.... بلا شك فإن جميع هذه القضايا كان لها حضورها ودورها في الانتفاضات الشعبية العربية بدرجات مختلفة. لكن السبب الأكثر عمومية من وجهة نظرنا يكمن في طبيعة النظام السياسي في الدول العربية ودخوله في تناقض كارثي مع ضرورة إشباع حاجات المواطنين في هذه الدول.
في سياق تفاعل الإنسان مع الطبيعة يتكون ما نصطلح على تسميته بـ "الوسط الصناعي " الملائم لإشباع حاجاته. يحتوي الوسط الصناعي عادة على قوى الإنتاج، وعلاقات الإنتاج، وشروط الإنتاج المختلفة، بما فيها من أشكال لتنظيم الوجود الاجتماعي، وأشكال الوعي المطابق لها. من جهتها تتنوع كثيراً الحاجات، وهي تشمل حاجات مادية وثقافية ونفسية وغيرها. تتحدد العلاقة بين الحاجات والوسط الصناعي على شكل قصور نسبي في الوسط الصناعي بالمقارنة مع الحاجات. فالحاجات تتقدم دائما على إمكانات الوسط الصناعي لإشباعها، مما يدفع مكونات الوسط الصناعي للتفاعل مع الوسط الطبيعي، لتحويل ما هو ممكن فيه إلى وسط صناعي جديد يلاءم إشباع الحاجات، وما إن يتحقق لها ذلك حتى تقفز الحاجات إلى وضعية جديدة، لتبدأ من جديد عملية تفاعلية جديدة وهكذا دواليك.
تتميز هذه الأوالية العامة بالموضوعية، بمعنى أنه لا يمكن إيقافها، فهي تتعلق بوجود الإنسان ذاته. فلكي يوجد الإنسان ككائن بيولوجي أولا وككائن ثقافي ثانيا عليه أن يستهلك( أن يشبع حاجاته)، ولكي يستهلك عليه أن ينتج ما يستهلكه. مع ذلك فإن هذه العملية الموضوعية تتعرض لتشوهات كثيرة، بسبب اختلاف وتباين مصالح الفواعل الاجتماعية سواء تجاه الاستهلاك أو تجاه الإنتاج، وهذا ما يظهر أولا في المستوى السياسي على شكل جمود. ومع استمرار الجمود في هذا المستوى يتشكل ضغط متزايد على الوسط الصناعي، مما يدفعه في لحظة معينة إلى الانفجار دافعا أمامه المستوى السياسي إلى التغير، وإذ يتغير فإنه يؤسس لتفاعل جديد بين الوسط الصناعي والوسط الطبيعي ينجم عنه إشباع الحاجات الجديدة[1]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-. انظر دراستنا "الثورة في تونس وفي مصر بين القطع البنيوي والقطع التطوري" تاريخ 25/2/2011) مرجع سبق ذكره

في العقود الأخيرة حصلت تطورات نوعية على الوسط الصناعي خصوصا في مستوى تطور قوى الإنتاج ، فدخلت الآلة الحديثة جميع الميادين مسببة إزاحة كبيرة لقوة العمل غير المؤهلة مما زاد في أزمة التشغيل، فكثر العاطلون عن العمل. إضافة إلى ذلك فإن نهج التنمية المتبع المعتمد أساسا على الاستثمار المكثف لرأس المال لا يتيح فرصاً لاستيعاب العمالة الوافدة الجديدة من خريجي الجامعات فكثرت البطالة في وسط الخريجين الذين يتميزون بالنوعية، مما فاقم كثيرا من أزمة التشغيل العامة التي لم تعد تقتصر على العمالة غير المؤهلة بل شملت أيضا العمالة المؤهلة.إن أولى النتائج المترتبة على تفاقم أزمة التشغيل تزايد حالة الفقر في المجتمع. جدول(1).
جدول(1) معدلات الفقر في الدول العربية في عام 2009
البلد خط الفقر معدل الفقر % من السكان
الأردن 504 دينار شهريا 13.3
الإمارات === ===
البحرين 5 دولار يومياً 12
تونس 2 دولار يومياً 10
الجزائر 140 دينار يومياً(2-$-) 40
جيبوتي 1.25 دولار يومياً 20
السعودية 1662ريال شهريا(442-$-) 22
السودان 2 دولار يومياً 45-90
سوريا نحو3000 ل.س شهرياً 33
الصومال 2 دولار يومياً 75
العراق 76896دينار شهرياً 40
عمان === 32
فلسطين 2 دولار يومياً 75 القطاع و59 الضفة
قطر 3.5-9.8 دولار /يوم ===
الكويت === ===
لبنان 2.4 دولار /يوم 8.4
ليبيا 2.5 دولار /يوم 20
مصر 167 جنيه/شهر 40
المغرب === 15
موريتانيا 2 دولار/يوم 70
اليمن 2 دولار/يوم 45
المصدر: الشبكة العنكبوتية، "خط الفقر في كل دولة عربية ". تاريخ الدخول 20-22/9/2010
ومما يفاقم من هذا الوضع معدلات الإعاشة العالية، التي لا تقل عن ثلاثة أشخاص لكل شخص عامل، وقد تزيد عن ذلك في بعض الدول العربية وذلك بسبب تزايد عدد السكان الذين هم دون سن التشغيل. تبين بعض المعطيات أن عدد السكان في الدول العربية الذين هم دون سن العشرين من العمر يعادلون نحو 50 % من عدد السكان الإجمالي. يعود السبب في ذلك جزئيا إلى معدلات تزايد السكان المرتفعة في الدول العربية . جدول( 2)
جدول(2) عدد السكان في الدول العربية في عام 2008 ومعدل تزايدهم قياسا إلى عام 2006
البلد إجمالي عدد السكان
(مليون نسمة) معدل الزيادة % السكان الريفيون
(ألف نسمة) نسبتهم من إجمالي عدد السكان معدل زيادتهم %
الأردن 5.850 4.46 1017.9 17.4 4.46
الإمارات 5.324 25.89 106.98 2.01 12.55
البحرين 1.454 95.89 218.19 15 95.81
تونس 10.400 2.43 3624.43 34.85 2.08
الجزائر 34.800 3.19 13843 39.78 3.92
جيبوتي 0.716 3.45 287.03 40.05 0.0
السعودية 24.807 4.04 4654.64 18.76 0.01
السودان 39.154 7.87 24667 63 8.82
سورية 23.027 9.33 9133 39.66 3.69
الصومال 12.368 4.07 7204.28 58.25 2.03
العراق 31.895 10.71 10608 33.26 14.68
عمان 2.867 12.4 667.33 23.27 0.0
فلسطين 3.825 1.63 619.60 16.2 43.6
قطر 1.443 38.5 49 3.39 0.0
الكويت 3.458 13.3 26.68 0.77 0.0
لبنان 4.812 2.72 480.89 9.99 2.68
ليبيا 5.882 3.69 747.04 12.70 0.0
مصر 85.233 3.66 43149 57.35 3.65
المغرب 31.177 2.20 13447 43.13 0.15
موريتانيا 3.075 5.47 1558.22 50.67 0.23
اليمن 22200 6.22 15800 71.17 6.04
المجموع 343.77 5.83 151.906 44.19 4.45
المصدر:المنظمة العربية للتنمية الزراعية، الكتاب السنوي للإحصاءات الزراعية العربية،الخرطوم 2009، المجلد(29)، الجدول(1)
غير أن السبب الأكثر أهمية في تفاقم ظاهرة الفقر في الدول العربية يكمن في سوء توزيع الثروة، واستغلال الدولة لتحقيق كسب غير مشروع، من خلال تعميم ظاهرة الفساد. لقد كشفت الثورات العربية عن حجم الأموال الهائلة التي استحوذ عليها الحكام وحاشيتهم والتي يمكنها في حال استثمارها في صالح شعوبهما أن تخفف من حدة ظاهرة الفقر، وتؤمن تشغيلا لعدد كبير من طالبي العمل والباحثين عنه. ففي سورية على سبيل المثال تقدر الأموال المهربة إلى الخارج خلال العقود الأربعة الماضية بنحو 135 مليار دولارـ
الوجه الأخر لهذا التناقض يكمن في زيادة حدة الاستقطاب في المجتمع، بين الفقراء والأغنياء، بين الذين يكسبون من عملهم وبين الذين يكسبون بوسائل سياسية. فعلى سبيل المثال، خلال العقود الثلاثة الماضية في سورية كان نحو 60% من الناتج الوطني يذهب كحصة للأرباح والريوع (أي لـ10% من السكان) في حين يذهب 40% لتغطية حصة الأجور والرواتب( أي لـ 90% من السكان).
ما نود قوله أن التناقض بين الحاجة للتنمية المستدامة بما يوفر فرص عمل وتشغيل للعاطلين، وتخفيف حدة ظاهرة الفقر وبين ممكنات تحقيق ذلك في الوسط الصناعي، أخذ بعداً كارثياً لم يكن من الممكن تسويته إلا بإزالة الجمود من المستوى السياسي الذي يحول دون تحقيق ذلك.
عند هذا المستوى من التحليل نستنتج أن المطالب المعيشية على اختلافها كانت من الأسباب الرئيسة لاندلاع الثورات في بعض الدول العربية.
من جهة ثانية، فإن المطالب المعيشية قد ولدت نوعاً أخر من المطالب المرتبط بها، مثل تحديد خيارات العيش، وطرق تحقيقها، والمشاركة في تأمين الظروف اللازمة لإشباعها. بكلام آخر صارت المطالب في تحسين إدارة الدولة، والمشاركة فيها، ومحاربة الفساد ملحة كثيراً، خصوصا وإن تحقيقها كان يصطدم دوما بجمود المستوى السياسي، الذي يقوم على رعايته حلف طغموي بين المال والقوة. لقد استخدم نظام الطغمة الفساد كأسلوب في إدارة الدولة والمجتمع، بحيث لم يعد بالإمكان تسيير أي شأن من شؤون الدولة والمجتمع إلا عبر آليات الفساد، فأزيحت القوانين إلى الرفوف، أو تقدمت قراءات لها تخدم آليات الفساد. في هذا المناخ المعمم غابت فكرة القانون وأخلاقياته، وحلت محلها منظومة قيم الفساد وسلوكياته. من الزاوية المجتمعية فإن الطبقة الوسطى كانت أكثر الفئات الاجتماعية تضررا من الفساد، وبالنظر إلى مستوى وعيها المرتفع نسبيا، فقد كانت شديدة الحساسية تجاهه، مما دفعها إلى مقدمة المطالبين بمحاربته، وإعادة بناء الدولة على أسس القانون والعدالة. بكلام آخر فإن الحاجة إلى بناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة وصلت إلى حد التفارق الكارثي مع ممكنات تحققها في الوسط الصناعي بسبب طبيعة وجمود المستوى السياسي، الأمر الذي جعل من مهمة إزالته في مقدمة مطالب الحركة الاجتماعية في الدول المشار إليها.
من جهة أخرى" ليس بالخبز وحده يحي الإنسان"، فالخبز يحافظ عليه ككائن حي، لكنه لا يحافظ عليه ككائن ثقافي. بكلام آخر ثمة حاجات كثيرة من طبيعة غير مادية، مثل الحاجة للتقدير، الحاجة للكرامة، الحاجة لتأكيد الذات والمنافسة، الحاجة للسكينة والاطمئنان، الحاجة إلى الحلم والسعي في سبيله، وكثير غيرها من الحاجات المعنوية والنفسية. جميع هذه الحاجات كانت تصطدم بعدم قابلية الوسط الصناعي لتحقيقها بسبب جمود المستوى السياسي، وضعف مرونة بقية مستويات البناء الاجتماعي بسبب منه. لقد تحول الإذلال إلى نهج عام في المجتمع، يمارسه السياسي و المسؤول الحكومي في مختلف مستويات الدولة وأجهزتها، من الشرطي إلى الوزير وما فوق الوزير، تجاه جميع المواطنين، ويمارسه أصحاب رؤوس الأموال تجاه مستخدميهم، بحيث لم يعد ثمة من فسحة في المجتمع لا يتم فيها امتهان كرامة الناس بدرجات مختلفة. ويتحقق كل ذلك عبر آليات الرشوة والسرقة المكشوفة أو المستترة، وكذلك من خلال منع أية إمكانية للاحتجاج. بعبارة أخرى حصل نوع من التناقض الكارثي بين الحاجة إلى تأكيد الذات وبين ممكنات تحقيق ذلك في الوسط الصناعي، وقد زاد من حدة هذا التناقض انتشار التعليم وإحساس الفئات الوسطى بالمهانة الأمر الذي جعل من مهمة التغيير قضية من قضايا الثورة في الدول العربية.
هناك حاجات تتجاوز الحدود الفردية إلى ما يسمى بالإنسان الجمعي، حاجات من طبيعة وطنية وقومية وإنسانية عامة، بعضها يتعلق بمصالح البلد، وكرامة البلد، واستقلال سياساته، وبعضها الأخر يتعلق بدور البلد . هذا النوع من الحاجات لعب دورا مهما في ثورة مصر، وكان حاضرا أيضا بأشكال مختلفة في بقية الثورات العربية، وسوف يكون حاضرا في ثورات أخرى على الطريق أو محتملة في دول عربية أخرى. لقد حول النظام السياسي المصري مصر من دولة قائدة، وفاعلة، ومقررة في إقليمها، وعلى الصعيد العالمي، من دولة ترعى مصالحها وتدافع عن مصالح العرب إلى دولة تابعة، منكفئة على ذاتها، لا دور لها. وأكثر من ذلك صارت تتلقى الإذلال يوميا من قبل أمريكا وإسرائيل، من خلال توجيه وتوظيف إمكانيات مصر في خدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية. لقد أرغمت مصر على التخلي عن دورها في إفريقيا، وخصوصا في السودان المجاور، علما أن جانبا مصيريا من الأمن القومي المصري يتقرر في السودان، الذي يتعرض للتمزق تحت أنظار المصريين. وقد أُزلت مصر أيضا من خلال اتفاقيات كامب ديفيد، التي مدت الحدود الأمنية الإسرائيلية إلى مشارف قناة السويس، وأُزلت أيضا من خلال صفقة بيع الغاز لإسرائيل، وأُزلت ولا تزال تزل يومياً من خلال شل إرادتها تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون في فلسطين المحتلة، وخصوصا في قطاع غزة المحاصر.
في سورية بدا ذلك من خلال التناقض بين فائض الادعاء بالممانعة والمقاومة لإسرائيل وللسياسات الأمريكية والغربية عموما، وبين واقع الحال الذي يقول بأن النظام السوري قدم أفضل الخدمات الأمنية لها. فطيلة أربعين سنة تلت حرب تشرين لم تطلق رصاصة واحدة من الجولان السوري المحتل ردا على اعتداءات إسرائيل المتكررة التي طالت جميع مناطق سورية بما فيها قصور الرئاسة. لقد صار كل عربي يتطلع إلى تركيا أو إلى إيران ليستلهم منها بعض الشعور بالكرامة، في حين نحن أحوج إلى الكرامة النابعة من دورنا ومن سياسات حكوماتنا. باختصار إن الحاجة للكرامة الوطنية، والحاجة للدفاع عن المصالح الوطنية والدور الوطني دخلت في حالة تناقض كارثي مع ممكنات تحققها في الوسط الصناعي من جراء جمود المستوى السياسي، الأمر الذي كان حاضرا في الثورتين المصرية والسورية بقوة، وفي بقية الثورات العربية بدرجات مختلفة، وكان من محركاتها الأساسية.
ثمة حاجات أخرى من طبيعة إنسانية عامة ناجمة عن ظروف العولمة وسرعة تبادل المعلومات بين مختلف مناطق وشعوب العالم، واستلهام طريقة عيش الآخرين في الدول الديمقراطية، أو انتفاضات الشعوب التي ثارت على حكامها وانتقلت إلى النظام الديمقراطي. لم يعد مقنعاً ما تقول به الأنظمة العربية من خصوصية الدول العربية، ومن أن الديمقراطية لا تلائمها، أو إنها يمكن أن تؤدي إلى تفتيت الكيانات السياسية إلى قبائل وطوائف وجهويات متصارعة، متناسية أنها هي المسؤولة عن وجود إمكانيات التفتت في بعض الدول العربية بسبب من محافظتها على الطابع التركيبي، غير الاندماجي، في بنية بعض الشعوب العربية.
خلاصة القول تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وهي أن الشعوب العربية لم تعد تقبل بأن تعيش بالطريقة السابقة في ظل أنظمة استبدادية أمنية شديدة المحافظة، إنها تطلع إلى أنظمة سياسية ديمقراطية تعيد لها دورها وفعاليتها في تقرير مصيرها.
3-في خصوصية الحالة السورية.
تمر سورية، كغيرها من الدول العربية، بمرحلة تاريخية من وجدودها، عنوانها العريض أن الشعب السورية لم يعد يرضى العيش بالطريقة السابقة، إنه يرفض النظام الاستبدادي، ويتطلع نحو الحرية، نحو بناء نظام سياسي ديمقراطي، يشكل مدخلا لبناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة.
لأول مرة منذ خمسة عشر قرناً يطرح التاريخ في جدول أعماله مهام الثورة السياسية الوطنية الديمقراطية في الوطن العربي، كمهمة قابلة للإنجاز، بعد كل الإرهاصات الفاشلة التي سبقتها منذ بداية ما اصطلح على تسميته بعصر النهضة.
غير أن من مفارقات التاريخ أنه عندما يطرح في جدول أعماله الثورة كمهمة قابلة للانجاز لا يهتم أبدا بالصدف التي تقود إليها(مثلا البوعزيزي في تونس،وخالد سعيد في مصر، وأطفال درعا في سورية...)، ويتجاهل في كثير من الأحيان طبيعة القوى الاجتماعية التي تشكل قبضته، فهو ينشغل بالعملية، وباتجاه الحركة فيها، وبمآلها النهائي، لا بتفاصيلها. إنه يترك التفاصيل لنا نحن- أدواته الفاعلة في الحركة- لنقوم بنقلها من حيز الضرورة الكامنة، إلى حيز الضرورة الفاعلة، من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. وإذ نقوم بنقلها، فإن الظروف الخاصة بكل بلد عربي تترك بصماتها على طريقة النقل، وتحدد كلفتها، وزمن استغراقها.
لقد ساهم وجود مستوى معين من الحياة السياسية، والاستقلالية النسبية لهيئات المجتمع المدني والأهلي، وميل ميزان القوى المجتمعي الفاعل لصالح قوى التغيير، وكذلك وجود مؤسسة عسكرية وطنية غير سياسية، في تسريع عمليات إسقاط السلطة في كل من تونس ومصر. أما في اليمن فإن وجود حياة سياسية نشطة، والتوازن النسبي بين قوى التغيير المجتمعية والسياسية، والقوى الداعمة للنظام، وخصوصية المؤسسة العسكرية التي تدخلت البنى الأهلية في تكوينها، جعلت عملية التغيير تأخذ طابع المساومة والحلول الوسط.
الوضع في ليبيا يختلف جذريا. هنا لم يسمح نظام القذافي بوجود دولة، بل سلطة عائلية، وبالتالي لم يكن هناك حياة سياسية، ولا جيش وطني، ولا تنظيمات مدنية، أو أهلية خارج الأطر القبلية التي حاول القذافي استمالتها إليه مستخدما ثروة ليبيا الهائلة التي بددها في كل اتجاه.ومع أن انتفاضة الشعب الليبي، أخذت في البداية الطابع السلمي، وشملت جميع المدن الليبية في تعبير واضح عن رغبة الغالبية العظمى من الشعب الليبي بضرورة التغيير، إلا أن الرد العنفي للنظام الليبي، وتدخل القوى الخارجية جعل مسار التغيير يأخذ صيغة الحرب الأهلية، مع بروز الدور الحاسم للتدخل العسكري الخارجي فيها.
في الجزائر والمغرب حيث يوجد مستوى جيد من الحياة السياسية الديمقراطية، ومن الحريات الإعلامية، سرعان ما استجابت السلطات لمطالب التغيير المجتمعية والسياسية، فأعلن في الجزائر عن برنامج إصلاحي متكامل يجري إعداده وتنفيذه بمشاركة جميع القوى السياسية والمجتمعية في البلاد. وفي المغرب تم الإعلان عن لجنة لتعديل الدستور بما يستجيب لمطالب الشعب في التغيير، والتحول إلى ما يشبه الملكية الدستورية.
في دول الخليج العربي، وبغض النظر عن طريقة التعامل مع انتفاضة الشعب البحريني ، فإن رياح التغيير آتية لا محالة، في ضوء الخصوصيات القائمة في كل بلد منها، وسوف يحصل ذلك في الأردن والعراق، كما هو في سياق الحصول في سورية.
3-1 في طبيعة النظام السوري ونهجه السياسي
يتميز النظام السياسي في السوري بجملة من الخصوصيات نذكر منها ما يأتي:
أ- استطاع النظام خلال نحو أربعة عقود بناء دولة أمنية جهازيه قل نظيرها، في تعميم واسع لمفهوم الأمن بحيث شمل جميع مناحي الحياة في سورية.
ب-القوة الحقيقية في هذه الدولة هي للأجهزة الأمنية، فهي المرجع والمقرر في كل ما يخص الدولة والسلطة والمجتمع.
ت-وفي سياق الرؤية الأمنية تم تسييس المؤسسة العسكرية تحت غطاء من العقائدية البعثية، التي أخفت تحتها استخدام واسع وفج لكثير من البنى الأهلية في بناء الجيش، بل أعدت قوات النخبة فيه (الحرس الجمهوري) لتنفذ مهام أمنية صرفة.
ث-ومن أجل إخفاء وتمويه حقيقة الدولة الأمنية الجهازية ،تم استخدام حزب البعث، والأحزاب المتحالفة معه في إطار ما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية لتؤدي وظيفة الغطاء السياسي الديكوري لها ، بعد قتل روح الحزبية فيها، وتحويلها إلى مجرد أجهزة للسلطة.
ج- وفي ذات السياق نجح النظام بتوظيف حزب البعث، من خلال توسيع إطاره وإرغام الفئات الشابة على الانتساب إليه، أو من خلال المنظمات التابعة له، لشل إرادة قطاعات مهمة من الشعب، ومنعها من رؤية الأسباب الحقيقية لمعاناتها ولما تعاني منه سورية بصورة عامة. ومن أجل تأمين مزيد من السيطرة والتحكم بالمسجلين في حزب البعث، أصدر النظام قانون أمن الحزب، لترهيب البعثيين أنفسهم، ولقتل روح التساؤل لديهم. لقد حول النظام البعثيين، وقاعدتهم الاجتماعية إلى مجرد أذان تسمع، وأياد تصفق، وحناجر تصرخ بالروح بالدم...
د- وفي السياق ذاته، ومن أجل الهدف الأمني ذاته، تم تحويل جميع التنظيمات النقابية وهيئات المجتمع المدني والأهلي، بعد القضاء على الروح النقابية فيها، إلى مجرد أجهزة للسلطة تقوم بمهام أمنية بالمعنى الواسع لمصطلح أمن.
لقد كان واضحاً منذ البداية لمؤسس النظام وشركاؤه، أن الغاية من بناء الدولة الأمنية الجهازية هو المحافظة على السلطة، والبقاء فيها. ومن أجل ذلك تم تكريس كل الوسائل المتاحة لبناء نظام سياسي يسهر عليها ويعيد إنتاجها. وكان واضحا لهؤلاء، أنه لكي ينجح النظام السياسي المنشود في مهمته المركزية كان عليه أن يعتمد السياسات الآتية:
أ-سياسة الإدارة بالفساد.
ب-سياسة قتل الروح السياسية في المجتمع.
ت-إنعاش البنى الأهلية وتوظيفها سياسيا.
لقد كان من نتيجة النهج المعتمد على سياسة الإدارة بالفساد، إنعاش الغرائز اللصوصية في أجهزة الدولة والمجتمع والاقتصاد، بحيث صارت السرقة والرشوة من الوسائل الأساسية في الإدارة والضبط المجتمعي. لقد أدت هذه السياسة إلى تشكيل تحالف ذو طابع طغموي أمني بين شرائح البرجوازية البيروقراطية، والكمبرادورية، والطفيلية، والأجهزة الأمنية لتكوين سلطة سياسية شديدة المحافظة.
ومن جهة ثانية، أدت هذه السياسة إلى انهيار شبه كامل لمنظومة القيم الحميدة في المجتمع، لتحل محلها منظومة قيم جديدة فاسدة تعلي من شأن الفاسد والسارق والمهرب ( برافو قد حالو..)، وما تشكل حولها مجموعات استزلامية تحت اسم الشبيحة ( لقد صار لكل متنفذ شبيحته...يستخدمها في تأمين مصالحه، وفي الدفاع عنها). وأكثر من ذلك استخدمت الشبيحة في صيغ مختلفة( كتائب عمالية مسلحة، أو كتائب بعثية مسلحة، أو لجان شعبية...) في ترهيب الناس، والدفاع عن النظام في الأزمات.
أما فيما يخص سياسة قتل الروح السياسية في المجتمع فقد تم العمل بموجبها على جبهتين:
على جبهة النظام جرى العمل على قتل الروح الحزبية في أحزاب السلطة، وخصوصا في حزب البعث، وإغراق قياداتها في الفساد والإثراء غير المشروع، وتحويلها إلى مجرد ديكورات سياسية.
على جبهة القوى المعارضة عمل النظام وبكثافة لمنع نمو تيارات سياسية معارضة فاعلة وجماهيرية، من خلال تكثيف حملات الاعتقال لأعضائها، إلى درجة أنها أخذت طابعا استئصاليناً في بعض المراحل، كما حصل خلال أزمة أواخر السبعينات أوائل الثمانينات التي تسبب بها الإخوان المسلمون والنظام ودفع الشعب بأسره تكاليفها الباهظة. كان من نتيجة هذه السياسة من جهة، إضعاف القوى السياسية المعارضة إلى درجة كبيرة، حتى صار الكثير منها مجرد أخويات سياسية تمارس السياسة تحت الأرض كنوع من الطقوس. ومن جهة ثانية تم تعميم الخوف في المجتمع، حتى صار عنوانا للسلبية والابتعاد عن الخوض في القضايا السياسة الوطنية، وخصوصا ما يتعلق منها بالشأن الداخلي. بل واستخدم النظام بذكاء ما حصل في العراق من جراء الغزو الأمريكي له، وهو يستخدم في الوقت الراهن ما يجري في ليبيا من أجل تعميق الخوف من أية مطالب بالتغيير. لقد نجحت هذه السياسة في تكوين مجتمع منزوع السياسة، منزوع الحزبية، منزوع الثقافة السياسية، لتملؤه ديماغوجيا تعظيم الزعيم.
أما فيما يخص سياسة إنعاش البنى الأهلية وتوظيفها سياسيا، فقد نجح النظام باستخدامها في صيغ وأشكال مختلفة، بدءا من سياسة التوازنات الطائفية أو العشائرية في تكوين قياداته الحزبية،أو في توزيع المناصب في الدولة وأجهزتها، وصولاً إلى تعزيز دور المؤسسة الدينية الرسمية وربطها به أمنيا واقتصاديا. لقد حول النظام الزعامات الأهلية للطوائف والقبائل والعشائر إلى خلفية اجتماعية له يستدعيها عند الحاجة لتمارس دورها في الضبط المجتمعي. لقد توسع النظام كثيرا في بناء دور العبادة، والمدارس الدينية، ومعاهد حفظ القرآن وغيرها، فانتشر ما يسمى بالتدين الطقوسي على حساب تفريغ المجتمع من الخطاب السياسي العلماني القومي أو اليساري أو الديني المعتدل، مما أسس لوعي طائفي خطير، يدفع البلد ثمنا باهظا له اليوم.
بطبيعة الحال ما كان باستطاعة النظام السوري أن يستمر في السلطة لمدة تزيد على أربعة عقود باعتماده على النهج الأمني فقط، لذلك عمل على جبهات أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وغيرها، أدت في المحصلة إلى بروز تناقضات كارثية هي من جملة الأسباب التي أسست للدعوة إلى التغيير الجذري والعميق تحت عناوين إصلاحية. لقد حصل تراكم مهم على صعيد رسملة المجتمع، ودخلت المدنية إلى الريف، وانتشر التعليم على نطاق واسع، وتوسعت وسائل الاتصال بالعالم.. كل ذلك عمل على تكوين شخصية المواطن السوري بصورة تجمع التناقضات في داخلها وتتعايش معها وكأنها من الأمور الطبيعية. فهي من جهة غير راضية مثلا عن طريقة إدارة المجتمع بالفساد الذي استشرى بحيث لم يبق أحد خارجه، لكنها لا تعمل شيئا من أجل الحد منه، أو محاربته خوفا من السلطة. لم يعد الاقتصاد قادرا على تأمين فرص عمل لطالبيه خصوصا من الفئات الشابة المتعلمة، مما أدى إلى انتشار البطالة، والفقر في المجتمع، لكن لا أحد يشير إلى المتسبب به، إلا في الدوائر الضيقة، خوفا من المخبرين أيضاً. صار التوظيف في جميع مستويات الإدارات الحكومية على اختلافها خاضعا لموافقة الأجهزة الأمنية، وللواسطة، وفي بعض المجالات صارت الوظيفة سلعة خدمية تباع وتشرى.
لقد ورث الدكتور بشار الأسد عن والده نظاماً سياسيا شديد الجمود والمحافظة، ومجتمعاً خائفا شديد السلبية، واقتصادا ضعيفاً على حافة الانهيار... لذلك ومنذ اللحظة الأولى حاول تقديم نفسه كمنقذ للبلاد من خلال خطاب إصلاحي منفتح، فاعترف بوجود أخطاء، وأعلن برنامجا للإصلاح الاقتصادي على الطريقة الليبرالية، لكنه سرعان ما اكتشف أن الجهاز الإداري القائم لا يستطيع إدارة عملية الإصلاح، فأعلن عن برنامج للإصلاح الإداري، وترافق ذلك مع صدور العديد من التشريعات والقوانين المساعدة على ذلك. وأكثر من ذلك فقد تم تشكيل العديد من الفرق البحثية لتقديم رؤى لعملية الإصلاح وأولوياتها، فتشكل فريق عمل مهم لدراسة المسألة السكانية، وآخر لدراسة مسألة التعليم، وثالث لدراسة مسارات التنمية في سورية حتى 2025، وغيرها كثير لكن جميع هذه الدراسات التي أنجزها الباحثون وضعت في الدرج وأهملت. في حقيقة الأمر لم يكن النظام جاداً بالإصلاح الحقيقي خوفا على تهديم دعائم سلطته، فارتد على هامش الحرية النسبي الذي سمح به في بداية عهده( ربيع دمشق) وأغلق جميع المنتديات الحوارية التي انتشرت في جميع المدن السورية في حينه، وبدأت تشكل حاضنة لتوليد وعي سياسي جديد، على الضد مما تريده السلطة.
3-2-في خصوصية مركزية الرئيس في النظام السياسي السوري
ليس خافيا مركزية دور الرئيس في كل الأنظمة الديمقراطية الرئاسية، لكنها هنا مركزية قانونية، كل جانب من جوانبها يحدده قانون، ولا يستطيع الرئيس تخطي الحدود التي يرسمها له، وهي قبل كل شيء مركزية مفوضة من قبل الشعب يمارسها تكليفاً. هذه الحالة تختلف جذريا عنها في في الأنظمة الاستبدادية، وخصوصا في تلك الآتية من رحم "الشرعية الثورية"[كذا] كما هو حاصل في سورية.
وبالفعل، منذ أن استولى حافظ الأسد على السلطة في سورية في عام 1970، في انقلاب أبيض كان يعد له منذ سنتين على الأقل، شرع في جعل نفسه محور النظام برمته، منه وإليه تنتهي جميع علاقات النظام الداخلية وترابطاته، وحتى أشخاصه. فهو لم يسمح طيلة فترة حكمه التي امتدت نحو ثلاثة عقود ببروز أية شخصية من شخصيات النظام، إلا بالقدر الذي يريده هو، ولأداء الدور الذي يطلبه منه.
وعندما حل أبنه، بشار الأسد، محله في هرم السلطة في منتصف عام 2000، في عملية تسليم واستلام، هي الأخرى كان يجري الإعداد لها منذ بضع سنين على الأقل، بقي النظام على حاله يعمل بقوة العطالة السابقة، لكن موقع الرئيس فيه، في البداية، لم يكن محورياً، كما كان في عهد والده، من جهة؛ للاختلاف الجوهري بين كاريزمية كلا الرجلين، ومن جهة ثانية بالنظر إلى استمرار وجود طاقم والده في الحكم.
غير أن نمط الحكم الذي بناه حافظ الأسد لا يكون، ولا يستمر بالوجود، بدون محورية موقع ودور الرئيس فيه، وهذا ما عمل الرئيس الابن على تحقيقه في عام 2005 بعد أن أزاح جميع رجالات والده من السلطة، والإتيان برجاله الخاصين. منذ ذلك التاريخ صار النظام السوري يتحدد بدلالة رئيسه فيسمى نظام بشار الأسد، كما كان يسمى في حينه نظام والده بنظام حافظ الأسد، وبذلك أعيد تطويب البلد لرئيسها من جديد،أو لعائلته الدالة عليه، فعادت تعرف بـ "سورية الأسد".
لقد بنى حافظ الأسد نظامه على أربعة دعائم أساسية هي: أولاً؛ منع أية حياة سياسية طبيعة في سورية، بما في ذلك في حزب البعث ذاته، وفي الأحزاب المتحالفة معه، إذ تم تحويلها إلى مجرد أجهزة للسلطة. وثانياً؛ تقوية أجهزة الأمن والجيش وربطها به شخصياً. وثالثاً؛ التحالف مع البرجوازية السورية، وخصوصا البرجوازية الدمشقية والحلبية. ورابعاً التحالف مع رجال الدين وخصوصا رجال الدين السنة. وفي توزيع للأدوار غير معلن، لكنه معروف، فقد أوكل للأجهزة الأمنية والعسكرية مهمة الحفاظ على النظام بالمعنى المباشر، ومن أجل ذلك فقد منحها امتيازات واسعة، وتغاضى عن فسادها، بل أصدر قوانين تحول دون مساءلتها عما ترتكبه من جرائم، مما سمح لها بالتغلغل في جميع مفاصل الدولة والمجتمع. إضافة إلى ذلك فقد ركز في بنائها على الحضور الكثيف والواسع فيها للعناصر الموالية له عضوياً.
أما فيما يخص تحالف النظام مع البرجوازية السورية وتأمين ولاءها له، فقد أناط هذه المهمة ببرجوازية النظام البيروقراطية (حيتان النظام الجدد) لتولي هذه المهمة وذلك بنسج شراكات مع البرجوازية التقليدية، وهي برجوازية مدينية سنية الانتماء المذهبي في غالبيتها الأعم، لاقتسام فائض القيمة المنتجة خصوصا في قطاع الدولة الاقتصادية، مما ساعد في تحولها شيئا فشيئا إلى برجوازية طفيلية وكمبرادورية.
وإذا كان تأمين تحالف النظام مع البرجوازية السورية، تطلب منه تقديم تنازلات كثيرة لها على الصعيد الاقتصادي، في مقابل تخليها عن دورها السياسي التاريخي المفروض أن تؤديه في ظروف التحولات الرأسمالية، فإن تأمين ولاء فئة رجال الدين له لم يكن يتطلب منه الكثير. فشيء من تحسين امتيازاتهم المعنوية والمادية الشخصية، إضافة إلى منحهم فسحة واسعة نسبياً لممارسة شعائرهم الدينية، وبناء دور العبادة، ومعاهد تحفيظ القرآن، كانت أكثر من كافية لتأمين ولائهم له ومنحه غطاء أيديولوجيا دينيا، كان بحاجة إليه.
3-3- في خصوصية التدخل الخارجي في سورية.
ما كان للدوائر الغربية الرسمية عموماً، والأمريكية منها على وجه الخصوص، وكذلك حكومات العديد من الدول العربية والإقليمية، أن تقبل بدور المتفرج على ما يحصل في بعض الدول العربية، من انتفاضات شعبية، تطرح لأول مرة في التاريخ أسئلة تتعلق بالأنظمة السياسية المستبدة الحاكمة فيها، في منطقة لطالما وصفت مصالحها فيها بأنها حيوية، دون أن تبدي أية ردة فعل. وإذا كانت انتفاضة الشعب التونسي وانتفاضة الشعب المصري قد فاجأتا هذه الدوائر إلى حد كبير، مما جعلها تعمل لاحقا على احتوائها، فإنها في انتفاضة الشعب الليبي، وكذلك في انتفاضة الشعب اليمني، وفي انتفاضة شعب البحرين، قد أدت الدور الحاسم. في الأولى عن طريق التدخل العسكري المباشر، وفي الثانية عن طريق فرض ترتيبات معينة، فتحت الطريق أمام حصول تغييرات في المستوى السياسي، في حين أنها في حال البحرين لجأت إلى إرسال قوات لحماية النظام الملكي القائم. أما في سورية فإن الوضع كان مختلفا منذ البداية، إذ أنها كانت تراقب ما يمكن أن يحصل في هذا البلد العربي الذي كانت تعتبره غير صديق، بدفع وتحفيز من انتفاضات الشعوب العربية بصورة رئيسية، وبدفع وتحفيز منها ثانية، عن طريق وسائل الإعلام على الأقل .
لكن ما إن شرع الشعب السوري أخيراً بالتمرد على حكامه، حتى بادرت دول عديدة عربية وإقليمية وبعيدة تتدخل في الشأن الداخلي السوري تحت عناوين مختلفة، ظاهرها دعم الشعب السوري في مطالبه العادلة، وباطنها الدفاع عن مصالحها الخاصة. واللافت أن التدخل الخارجي جاء بداية من سلطات الدول التي كانت تعد صديقة للنظام السوري مثل قطر وتركيا، لتتحول سورية لاحقا، وخلال زمن قصير، إلى ساحة صراع دولية لم يُشهد لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
إن نهج العنف، في الظروف السورية، هو نهج قطع مسار تحول الانتفاضة الشعبية إلى ثورة وفتح الطريق أمام خيارات وممكنات الثورة المضادة، وهذا كان مستهدفا لذاته من قبل السلطة السورية، لكنه لم يكن بعيدا عن استهداف دول عربية وأجنبية أخرى، ولكل أسبابه الخاصة.
لقد تدخلت دول عربية وأجنبية في سورية لأنه كان لها مصلحة حقيقية في وقف مد " ثورات الربيع العربي " والقضاء على احتمالات انتقالها إلى دول أخرى. لذلك فهي قد شجعت وساعدت على انتشار العنف في سورية لإدراكها أنه في ظروف سورية سوف يدفن هذه الاحتمالات على الأقل في المدى المنظور.
من جهة أخرى؛ فإن دولاً عربية وأجنبية قد وجدت في الصراع العنيف في سورية فرصة سانحة للقضاء على تحالفها مع روسيا وإيران مما يضعف هذه الأخيرة، من خلال استنزاف قدراتها المالية والعسكرية، وفضح سياساتها الداعمة للنظام السوري في مواجهة شعبه، ويبعد روسيا عن المنطقة من خلال القضاء على آخر حليف لها.
غير أن تدمير سورية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، والقضاء على دورها الفاعل والمحوري في المنطقة لم يكن أيضا غير ملحوظ في سياسات كثير من الدول الأجنبية وفي مقدمتها الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي،وذلك خدمة لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وفي مقدمتها مصلحتها في الحفاظ على أمن إسرائيل.
على المقلب الآخر فإن حلفاء النظام كانوا مدركين منذ البداية لأهداف تدخل الدول الغربية في الشأن الداخلي السوري، لذلك وقفوا بقوة إلى جانب النظام، حليفهم الاستراتيجي في المنطقة، وقدموا له كل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي.
لقد أدى التدخل الخارجي في سورية إلى تأجيج الصراع المسلح فيها، بحيث صار يملأ كامل المشهد. في جهة تصطف قوى المجموعات المعارضة المسلحة التي صار يغلب عليها الطابع الجهادي المتطرف مدعومة من ألاف المقاتلين الأجانب القادمين إليها من أكثر من ثمانين بلداً،تساندها عسكريا وماليا وسياسيا مجموعة دول ما يسمى بـ " أصدقاء الشعب السوري ". وفي الجهة الأخرى يصطف النظام بكل قدراته العسكرية والأمنية مدعوما على الأرض من آلاف المقاتلين من حزب الله اللبناني وبعض التنظيمات شبه العسكرية العراقية، والإيرانية وغيرهم. هذا المشهد الذي يتميز بالاستقطاب الحاد سوف يلقي بظلاله على أفاق الزمن القادم في سورية، خصوصا لجهة الحلول المطروحة ورسم ملامح سورية المستقبل.
4-مقدمات لزمن قادم.
4-1 المراحل التي مرت فيها انتفاضة الشعب السوري
مرت انتفاضة الشعب السوري، منذ انطلاقها في الخامس عشر من آذار لعام 2011 بثلاث مراحل رئيسية متمايزة، بدأت في أولها على شكل تظاهرات سلمية مدنية، ركزت راياتها على الوحدة الوطنية، وعبرت شعاراتها عن مطالب الشعب المحقة في الحرية والكرامة والديمقراطية، واستمرت هذه المرحلة ما يقارب الستة أشهر.
وفي المرحلة الثانية بدأت تزاوج بين المظاهرات السلمية والدفاع عن النفس وحماية المتظاهرين بقوة السلاح. في أواخر هذه المرحلة التي استمرت ما يقارب التسعة أشهر بدأت تظهر الانشقاقات عن جيش النظام لتشكل ما صار يعرف بالجيش الحر.
أما في المرحلة الثالثة فإن الصراع المسلح بين قوى النظام العسكرية والأمنية من جهة، والجيش الحر مدعوما من مقاتلين محليين وأجانب من جهة ثانية، صار مسيطراً على كامل مشهد الثورة، لتتراجع كثيرا المظاهرات السلمية وما يصاحبها من شعارات وطنية جامعة لصالح الشعارات الطائفية. خلال هذه المرحلة جرى تحول مهم في دور الجيش الحر والمسلحين المحليين فكثرت كتائبهم لتغطي كامل جغرافية سورية، ولينتقلوا من وضعية الدفاع عن النفس وعن المتظاهرين السلميين إلى الهجوم، هدفه الوحيد المعلن هو إسقاط النظام بالقوة العسكرية.
أما المرحلة الرابعة الجارية فإنها تتميز بتحولات نوعية على صعيد جبهة القوى المعارضة المسلحة المواجهة لقوات النظام، إذ توقفت نهائيا الانشقاقات عن الجيش النظامي، واختفى ما يسمى بالجيش الحر أو كاد. وعموما لم يعد له أية فاعلية عسكرية، لصالح هيمنة القوى الجهادية المتطرفة على كامل مشهد الصراع المسلح في سورية في مواجهة قوات النظام، وفي مواجهة بعضها بعضاً. الشعارات التي تعلو رايات هذه القوى الجهادية اليوم هي شعارات الخلافة الإسلامية ودولتها. لقد تحول الصراع اليوم إلى صراع على السلطة بين قوى الاستبداد الأصولي المتطرف وبين استبداد النظام.
إن جميع هذه التحولات في مسار الثورة هي تحولات موضوعية فرضتها مجابهة النظام للثورة بالقوة العسكرية والأمنية والتدخلات الخارجية المشجعة لخيار العنف والداعمة له. غير إن تصاعد العنف المتبادل بين قوى النظام وقوى المعارضة المسلحة على الأرض بات يهدد بصورة لم يسبق لها مثيل وجود الدولة والوطن.
4-2- نظام يجيد تفويت الفرص
من المعلوم أن نظام بشار الأسد الذي سوق نفسه تحت شعارات وعناوين " الإصلاح " و " التطوير والتحديث " عند استلامه للسلطة في عملية استلام وتسليم كان والده قد أعدها له مسبقاً سرعان ما اكتشف أن السير في هذا الطريق سوف يؤدي حتما إلى اقتلاع نظامه من جذوره، ولذلك عاد إلى نهج والده السابق فعمد إلى كم الأفواه من جديد، وأغلق المنتديات الحوارية التي كانت قد تكاثرت في جميع المدن السورية، وزج كثيراً من النشطاء في السجن فيما صار يعرف بـوأد "ربيع دمشق ".
لقد فوت النظام بوأده ل " ربيع دمشق "، والعودة إلى سياسة القمع وكم الأفواه، فرصة كبيرة لإصلاح النظام السياسي في سورية بصورة " سلمية وآمنة ومتدرجة"، ليتتالى بعد ذلك تفويته لفرص أخرى كانت نخب سياسية وثقافية وحزبية معارضة قد طرحتها عليه قبيل، وفي سياق انتفاضة الشعب السوري. ففي 25 شباط 2011 أصدر تجمع " إعلان دمشق " ، وكان في حينه أهم تجمع للمعارضة السورية، بياناً من وحي انتفاضة بعض الشعوب العربية، خصوصا في تونس ومصر، دعا فيه السلطة إلى المبادرة بالدعوة إلى "حوار وطني شامل " لرسم معالم طريق التغيير الديمقراطي بصورة " سلمية وآمنة ومتدرجة". وكنت شخصيا، في مقالة لي بعنوان " أفاق الزمن القادم " نشرتها بتاريخ 5/3/2011 قد طالبت السلطة بالدعوة إلى مؤتمر وطني جامع للنظر في إصلاح أجهزة الدولة والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة وتنظيمها بصورة قانونية، وتقدمت في حينه بجملة من المطالب الإصلاحية( برنامج الحد الأدنى) ، لكن السلطة سدت أذانها، وبقيت على مكابرتها بأن الشعب السوري لن ينتفض ضدها في حين كان يتحضر أمام الأبواب. وفي 22/3/2011 بعد أن كان الحراك الشعبي قد بدأ في درعا، وأخذ يتحضر في اللاذقية، صدر بيان وقعه في حينه مباشرة نحو عشرين من الشخصيات الوطنية في اللاذقية ، ليصير عدد الموقعين عليه بعيد نشره أكثر من أربعمائة شخصية وطنية سورية من مختلف النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، يطالبون فيه السلطة بالمبادرة إلى الدعوة إلى مؤتمر وطني عام لإعداد خطة شاملة للإصلاح، لكن السلطة لم تستمع لنداء العقل من جديد، واتهمت معدي البيان بأنهم عملاء بندر بن سلطان(كذا). وفي 17/4/2011، كنت شخصيا قد نشرت مقالة مطولة نسبيا بعنوان " بمثابة مبادرة وطنية للحل في سورية" طرحت فيها " برنامج وطني للإصلاح"، وجددت فيها الدعوة من جديد إلى عقد مؤتمر وطني عام للعمل على إنقاذ البلد، لكن السلطة سدت أذانها أيضاً. وفي 23/6/2011 ، في مؤتمر سمير أميس للمعارضين غير الحزبيين، الذي شارك فيه أكثر من مائتين من الشخصيات الوطنية الثقافية والفنية ورجال الأعمال وغيرهم، وحظيت بشرف ترأسه، طرحت أيضا مبادرة " خطة عمل" لإصلاح النظام في سورية، تبناها المؤتمر وأشار إليها في توصياته، لكن السلطة بدلاً من مد اليد للمؤتمرين والاستماع إلى أرائهم، شنت حملة تخوين ضدهم.
لقد كانت المبادرات لإنقاذ سورية الشغل الشاغل لجميع أطياف المعارضة السورية، وكانت جميعها تركز في حينه على إصلاح النظام وليس على إسقاطه. في هذا السياق جاءت مبادرة الإخوان المسلمين في بيان أصدرته في 5 نيسان 2011 تدعو فيها إلى حوار وطني شامل، وخلق الظروف الملائمة له. وفي ذات السياق جاءت مبادرة الأحزاب والشخصيات الوطنية السورية في 13/نيسان 2011، لكن قادة النظام كالعادة رموا جميع هذه المبادرات في سلة المهملات، لتتراكم فوقها لاحقا جميع المبادرات التي قدمتها حكومات كانت تعد صديقة للنظام في حينه.
لماذا رفض النظام جميع المبادرات التي قدمت له للإصلاح؟ هل كان ذلك تعبيراً عن غباء سياسي، كما يحلو للبعض نعت قادة النظام به؟!!
في الواقع كلمة " غباء " ليست في محلها، فقادة النظام يدركون جيداً أن نظامهم مبني بطريقة تجعله غير قابل للإصلاح، وأن أية عملية إصلاحية تُجرى عليه مهما كانت جزئية، سوف تضعه على طريق السقوط، وهذا ما لم يكونوا مستعدين للسماح به، حتى ولو تطلب الأمر منهم تدمير البلد، الأمر الذي يحصل للأسف.
4-3-هل يقبل الشعب السوري بقاء النظام
اليوم وبعد دخول انتفاضة الشعب السوري في سبيل الحرية والديمقراطية عامها الرابع صار البلد في أزمة وطنية شاملة، جره إليها بصورة واعية نظام مستبد شديد المحافظة. لقد كان باستطاعة قادة النظام، بل شخص واحد فيه، تجنيب الشعب والبلد هذا الامتحان الرهيب الذي تعرضا له، ويدخلون التاريخ كمصلحين لكنهم لم يفعلوا. لقد تسببت القراءة الخاطئة للنظام لطبيعة الحراك الشعبي، وعمق وأصالة رغبته في التغيير، وان حراكه السلمي لا يعدو كونه سؤال كبير في التاريخ يتعلق أساساً بأزمة النظام الاستبدادي، وليس مؤامرة كونية عليه، هي التي قادت البلد إلى هذه الأزمة الوطنية الشاملة. إن اعتماد النظام للنهج الأمني العسكري في الرد على مطالب الشعب الثائر المشروعة والمحقة، وما رافقه وتسبب به من تعقيدات هو المسؤول عن جعل سورية مكشوفة أمام كل متدخل في شؤونها. لقد حول عنف النظام سورية إلى بيئة جاذبة للتطرف من كل لون وخصوصا اللون القاعدي، وإلى ساحة صراع وتصفية حسابات دولية.
إن حصيلة نحو ثلاث سنوات وبضع أشهر من العنف في سورية كانت كارثية بكل المعاني. فحسب ما جاء في تقرير صادر عن المركز السوري لبحوث السياسات، ومركزه دمشق، فإن خسائر الشعب السوري طيلة أكثر من 37 شهراً من النزاع المسلح قد بلغت أبعاداً كارثية لم يسبق حصولها منذ الحرب العالمية الثانية ولم يكن بمقدور أحد توقعها. تحدث التقرير عن أن 4,4 مليون سوري هم تحت خط الفقر الآن، وأن نسبة البطالة بلغت نحو 48,6 بالمائة من مجموع السكان. كما أشار المركز في تقريره الذي أجرى مسوحاته بالتعاون مع وكالة غوث اللاجئين- الأونروا، ووكالة التنمية التابعتين للأمم المتحدة إلى أن نحو 36,9 بالمائة من سكان سوريا قد غادروا سكنهم الطبيعي.
وأشار التقرير الأنف الذكر أيضاً إلى أن الوفيات المرتبطة بالنزاع المسلح ازدادت بنسبة 67% في النصف الأول من عام 2013، لتصل إلى زهاء 100 ألف حالة وفاة خلال فترة النزاع المشار إليها، كما يقدر أن ما يقرب من 400 ألف شخص تعرضوا للإصابة أو التشويه، وتالياً فإن أكثر من 2% من السكان قتلوا، أو أصيبوا، أو جرحوا. وقد قدر المركز قيمة الخسائر الاقتصادية حتى الربع الثاني من العام 2013 بنحو 103,1 مليار دولار.
مع تحفظنا على دقة الأرقام التي وردت في تقري المركز السوري لبحوث السياسات، والتي هي بالتأكيد أقل بكثير من واقعها الحقيقي، لابد أن يضاف إليها أيضاً حرمان أجيال بكاملها من الدراسة والتعليم، عداك عن كثير من الأمراض الاجتماعية والنفسية التي تسبب الصراع المسلح بانتشارها في أوساط السوريين والتي سوف تحتاج إلى عقود من السنين لعلاجها. في ظل هذه المعطيات والظروف فإن السؤال الذي يكتسب وجاهة الطرح هو: هل سوف يقبل الشعب السوري أن يعود إلى حضن الاستبداد من جديد ويستكين؟!!.
لا شك بان الشعب السوري قد تعب كثيراً من جراء الصراع المسلح الجاري بين أبنائه ومن قبل آخرين على أرضه، وهو يتوق بالتأكيد إلى إيجاد حل للأزمة التي تعصف بسورية، لكنه في مجمل الأحوال لن يقبل أبداً، بإرادته، أن يحكمه نظام مستبد ظالم، وأنه يتطلع إلى نظام ديمقراطي تعددي يقرر فيه من يحكمه وكيف يحكمه.
4-4- تفكيك النظام السوري
إن ثلاث سنوات ونيف من الأشهر مضت على بدء الصراع المسلح في سورية بين قوات النظام والمجموعات المعارضة المسلحة قد برهنت على استحالة إسقاطه بالعنف. لكنه من جهة أخرى قد برهنت أيضاً على صعوبة أن يحسم النظام الصراع لصالحه بالقوة العسكرية.
بداية ينبغي العلم بأن الخيار العسكري الخارجي لم يكن مطروحا أصلا بصورة جدية، حتى في ذروة إخراجه المسرحي الأخير، بالعلاقة مع استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، الذي اتهم النظام به. السبب الجوهري في عدم جدية هذا الخيار هو عدم وجود مصلحة حقيقية للدول التي تستطيع تنفيذه به، أعني الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الغربية الأخرى، إضافة إلى تعقيدات الوضع السوري، الناجمة أساسا عن الأهمية الجيوسياسية الاستراتيجة لموقع سورية في المنطقة. ثم لماذا تتدخل الدول الغربية في سورية، يتساءل بلهجة استنكارية باراك اوباما، طالما أن القوى التي تتقاتل فيها هي بمجملها قوى معادية لها ولمصالحها بحسب رأيه؟!!
ومن جملة الأسباب الأساسية لعدم إسقاط النظام عسكريا من الخارج، عدم موافقة إسرائيل على ذلك. ففي حديث مع السفير البريطاني في دمشق، قال السفير انتم –السوريين- لا تأخذون بعين الحسبان دور إسرائيل في الصراع الجاري في سورية، فهي اللاعب الرئيسي فيه سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فهي التي لا تريد إسقاط النظام، بل تدمير سورية وجيشها، بحيث تخرج نهائيا من دائرة الصراع معها، ومن دائرة الفعل والتأثير في المنطقة لعقود من السنين. لذلك فهي عملت مع حلفائها الغربيين على حصول مزيد من الإستنقاع في الوضع السوري، وخصوصا بعد تورط حزب الله فيه. وهي اليوم أشد تمسكاً ببقاء النظام السوري من ذي قبل، بحسب ما أفاد بذلك تقرير استخباراتي نشر حديثا، وذلك بالنظر إلى تزايد الحركات الجهادية المتطرفة في سورية، وعدم وجود بديل موثوق يحافظ على أمن الحدود معها.
وينبغي أن لا ننسى أيضاً موقف كل من روسيا وإيران الرافضتين لأي تدخل عسكري خارجي لإسقاط النظام السوري، وهو موقف جدي غير قابل للمساومة، كما أفصح عن ذلك مراراً مسؤولوا البلدين. وأكثر من ذلك فإن إيران متورطة في الصراع العسكري المباشر على الأرض السورية بحسب ما صرح بذلك أحد النواب الإيرانيين.
أما في جملة الأسباب الداخلية التي تحول دون إمكانية إسقاط النظام بقوة المواجهة العسكرية الداخلية معه، يقف في المقدمة قوة النظام العسكرية، واستمرار تغذيتها من قبل روسا وإيران، وعدم حصول انهيار اقتصادي فيه كما كان يتوقع خصومه، ونجاحه في تحييد قسم مهم من الشعب السوري عن الانخراط في الصراع الجاري. حتى في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة المسلحة بدأ الناس يتذمرون منها، لأنها لم تقدم البديل الأفضل لإدارة للنظام لهذه المناطق. يضاف إلى هذه الأسباب سبب جوهري آخر وهو عدم قدرة المعارضة المسلحة على التوحد وإدارة عملياتها العسكرية بصورة مركزية تستند إلى إستراتيجية وتكتيك عسكريين محددين بصورة ملائمة. ولا يخفى أيضاً الأثر السلبي على قوة المعارضة المسلحة التنافس والصراع بين فصائلها المختلفة، الأمر الذي كان في صلب هزائمها المتكررة، خصوصاً، في ريف دمشق وريف حلب.
هناك أسباب كثيرة أخرى، خارجية وداخلية تحول دون إمكانية إسقاط النظام بالقوة العسكرية، حتى لو استمر الصراع المسلح سنوات أخرى. لقد كان بالإمكان إسقاطه فعلا لو استمر الحراك السلمي، وتطور وصولا للعصيان المدني، لكن هذا الخيار لم يعد قائما اليوم، بسبب من نجاح النظام في دفع المتظاهرين إلى حمل السلاح، وخوض الصراع ضده في ساحته التي يتفوق فيها عليهم هذا من جهة. ومن جهة ثانية لأن لجوء الناس إلى العنف سمح ، مع الوقت، بتحول الحراك الشعبي المدني المطالب بالحرية والديمقراطيةـ إلى قوى جهادية متطرفة همها إسقاط النظام من أجل بناء نظام إسلامي على النمط القاعدي، وهذا ما أفاد النظام منه سياسياً.
ويبقى اليوم الخيار الوحيد الذي يمكن من خلاله إسقاط النظام عبر تفكيكه، هو الخيار السياسي التفاوضي، وصيغة مؤتمر جنيف 2 المطروحة لتنفيذه. في هذا المؤتمر يمكن جر النظام إلى ساحة الصراع السياسية التي لا يملك فيها عناصر قوة، للعمل على تفكيكه. ويبدأ التفكيك بالمطالبة بضرورة الانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يتم الإعداد له من خلال العمل على دستور جديد، يحول سورية إلى جمهورية برلمانية، مع جميع القوانين التنفيذية له المتعلقة بالحريات العامة والإعلامية، وتشكيل الأحزاب، وصولاً إلى انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية متزامنة نزيهة وشفافة تحت رقابة دولية. إن هزيمة النظام عبر صندوق الاقتراع هو الخيار الوحيد الممكن اليوم، لكنه يتطلب، لكي ينجح، وحدة المعارضة حوله ، وتخليها عن الشعارات التي أفاد النظام منها كثيراً من قبيل التنحي المسبق للأسد، و لجميع شخصيات نظامه، بل محاكمتهم. وينبغي أن لا ننسى أن النظام بحاجة إلى مخرج من الوضع الحالي الذي قاد نفسه والبلد إليه، وهذا ما يمكن تأمينه له من خلال المؤتمر، حتى في صيغته الأكثر إيلاماً بالمعنى الأخلاقي، وهي القبول به منافساً أمام صندوق الاقتراع. ولتبقى للمستقبل مهمة محاسبة من كان له دور في تدمير سورية، وفي مقدمتهم مسؤولوا النظام، فالشعب السوري لن يسامح أحداً أساء إليه.
4-5- سورية على مفترق طرق : مشاهد سيناريوهية.
في ضوء التحليل السابق يمكن القول أن سورية تقف اليوم على مفترق طرق، كل طريق منها يؤدي إلى مشهد مختلف لسورية في المستقبل. في هذا المبحث سوف نتوقف عند أربعة مشاهد سيناريوية محتملة وهي الآتية:
أ-سيناريو المشهد الأول( السيناريو الأسوأ): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- استمرار دعم المعارضة المسلحة بالمال والسلاح وخاصة النوعي منه.
- نجاح المعارضة المسلحة في إسقاط السلطة الحاكمة في نهاية المطاف.
- عدم وجود بديل جاهز ومنظم، ويتميز بالكفاءة لتولي مقاليد الحكم بديلاً عن النظام.
وفق فرضيات هذا السيناريو فإن انهيار الدولة سوف يكون حتمياً، وعندئذ سوف تتحول سورية إلى دولة فاشلة ممزقة يحكمها أمراء الحرب، ويصير خيار التقسيم واقعاً.
ب-سيناريو المشهد الثاني( سيناريو سيئ): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- استمرار الوضع الراهن لسنوات في المستقبل
- إدارة الصراع المسلح في سورية بحيث يعجز أي طرف عن هزيمة الطرف الآخر
- إفشال أية مبادرة سياسية لحل الأزمة في سورية.
وفق فرضيات هذا السيناريو سوف يستمر تدمير سورية وتمزيق نسيجها الاجتماعي واستنزاف قدراتها لسنوات قادمة.
ت-سيناريو المشهد الثالث( سيناريو أقل سوء): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- استمرار الدعم الإيراني والروسي للنظام وتناميه.
- تراجع دعم المعارضة المسلحة، بل التخلي عنها نهائياً
- نجاح قوات النظام في هزيمة المعارضة المسلحة
وفق فرضيات هذا السيناريو سوف تتم المحافظة على بقاء الدولة السورية موحدة، لكنها ضعيفة جداً، ومدمرة، يحكمها نظام معزول، إلا من أصدقائه، يواجه مشكلات كبيرة وخطيرة نجمت عن الصراع المسلح وفي مقدمتها مشكلات إعادة الأعمار، وإعادة الوحدة إلى النسيج الاجتماعي. في وضعية كهذه سوف تزداد مركزية السلطة مع بعض الديكورات الديمقراطية، وسوف تزداد تبعية سورية للدول الداعمة لها لعشرات السنين.
ث-سيناريو المشهد الرابع( سيناريو أفضل): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- خشية الدول الداعمة للمعارضة من تنامي الإرهاب في سورية والخوف من انتقاله إليها.
- تفاهم روسي أمريكي على حل الأزمة السورية في مؤتمر دولي وفق بيان جنيف1، أو أية مبادرة أخرى تتفق عليها الدولتان.
- استمرار توازن القوى على الأرض، واقتناع الطرفين المتحاربين بأن كسر هذا التوازن غير ممكن في المستقبل المنظور.
- تفاهم إيراني سعودي على الحل السياسي للأزمة السورية.
- اقتناع النظام والمعارضة بأهمية الحل السياسي التفاوضي للأزمة السورية.
- اتخاذ قرار في مجلس الأمن بوقف العنف في سورية، وإرسال قوات دولية للمراقبة والفصل بين القوى المتحاربة، ومنع أي طرف دولي من التدخل في النزاع السوري دعما لاستمرار الصراع المسلح .
وفق فرضيات هذا السيناريو سوف تتم المحافظة على وحدة الدولة السورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تقود البلد إلى نظام ديمقراطي. هذا السيناريو في حال تحققه سوف يمنع تحول سورية إلى مفرخة للإرهاب الدولي، ويخلق مناخاً ملائما للمصالحة الوطنية ولعودة المهجرين، وبناء علاقات سياسية جيدة مع جميع الدول مما يخلق تعاون دولي واسع يساعد في إعادة أعمار البلد. 20/9/2014



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار -السوري- السوري- كذبة كبيرة
- النص الكامل للقرار 2254 وقراءتي المتأنية له
- البيان الختامي لمؤتمر المعارضة في الرياض وقراءتي المتانية له
- محاولة أخيرة لتوليف مالا يأتلف
- مأساة العقل السياسي المعارض
- سياسات صنع الكارثة
- الاستثمار في صناعة الكوارث
- أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية
- التدخل العسكري الروسي ونتائجه المحتملة
- قطار التسوية السياسية في سورية يتحضر للانطلاق
- ما بين إيران وتركيا
- من اسقاط النظام إلى التحالف معه
- المسألة الكردية في سورية بين الحلم والواقع
- هل الساحل خط أحمر حقاً
- تسريبات سوتشي وقراءة بين السطور
- أسئلة ديمستورا ومفاجأة موسكو
- قراءة سياسية في المشهد العسكري في سورية
- احياء مسار جنيف من جديد
- بين الفشل والنجاح ثمة - أسس موسكو-
- تحولات استراتيجية خطيرة


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الشعب السوري ليس مع النظام ولا مع المعارضة