أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية














المزيد.....

أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 31 - 06:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية

على خلاف ما جرى في الدول العربية التي عرفت ما يسمى الربيع العربي، لم تستطع المعارضات السورية أن تتوحد في إطار سياسي جبهوي لمواجهة النظام الحاكم، بل لم تستطع توحيد رؤاها السياسية تجاه ما يجري في سورية والمخارج المحتملة والممكنة منه، فبقيت منقسمة جسدا وروحاً. إنه لتبسيط شديد البحث عن سبب ذلك في خضوع فصائلها وشخصياتها لتجاذبات دولية مختلفة، لأن السبب الحقيقي يكمن في طبيعة تكوينها والدور الرئيس الذي لعبه الاستبداد في ذلك.
إن النقص الشديد في الحرية في ظل حكم البعث، وشدة القمع واستمراريته، وتزييف إرادة الناس، وتحويل تنظيماتهم المختلفة إلى أجهزة للتوصيل الديماغوجي، وأدوات للسيطرة ، كل ذلك زرع في نفس كل مواطن رقيباً أمنياً يشل حركته، ويمنعه من المبادرة، والتفاعل البناء مع قضايا وطنه الداخلية، وبالتالي تشكيل معارضة حقيقة لها مشروعها السياسي ورؤيتها.
فبسبب الاستبداد وضغط السلطة على المجتمع، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والقضاء على الحريات، وتخريب القضاء، وتعميم الديماغوجيا، كل ذلك ساهم موضوعياً وبصورة مباشرة في إنعاش الأطر العائلية، والطائفية، والمذهبية، والعشائرية، والجهوية، باعتبارها ملاذاً للمواطن، يؤكد من خلالها شخصيته وحضوره، ويحقق أمنه.
إن سياسة الإفساد وتعميم الفساد كأسلوب في الإدارة وضبط المجتمع، بالإضافة إلى تعميم العلاقات الشخصانية، وإنعاش جميع البنى الاجتماعية ذات الطابع التفتيتي في الحقل السياسي ، ساهمت في تخريب شخصية المواطن إلى حد بعيد، وجعلت الكثيرين يحنون إلى مرحلة الاستعمار، بل لا يشعرون بالحرج من المجاهرة برغبتهم بقدوم الأجنبي إلى بلدهم لتخليصهم مما هم فيه، أو يحزمون حقائبهم ويهاجرون إليه..
إن السلطة المستبدة الحاكمة في سورية ذات خلفية اجتماعية ضيقة جداً، تنتمي بمجملها إلى الشرائح البيروقراطية والكمبرادورية والطفيلية من البرجوازية، وهي كما بينت التجربة زادت الأوضاع تعقيدا على تعقيد، من خلال تعميمها للفساد في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وبناء نظام في المصالح يقوم أساسا على العلاقات الشخصانية، فسادت قيم اللصوصية وأخلاقها. لقد أصبحت المناصب العامة في الدولة وأجهزتها المختلفة امتيازاً، فضاعت المسؤولية، وغابت المحاسبة وفي المحصلة زاد اغتراب السوريين عن وطنهم وقضاياه.
إن من طبيعة النظام الاستبدادي الحاكم في سورية منع وجود حياة سياسية طبيعة في البلد، مما حال ليس فقط تدون تشكيل معارضة سياسية حقيقية، بل قضى على الروح الحزبية والسياسية في أحزاب السلطة ذاتها.
إن إعادة الروح الحزبية إلى حزب البعث، وإلى جميع الأحزاب المتحالفة معه في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، التي هي في أحسن حالاتها ليست أكثر من صورة كاريكاتورية عنه، يتطلب قبل كل شيء إخراجه من السلطة ومن مختلف أجهزتها، ومن مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها، إلى الحياة المدنية، هذا أولاً. وثانيا يتوجب عليه القيام بعملية مراجعة جذرية وعميقة لتجربته في السلطة، وأن يتساءل بجدية لماذا لم يستطع تحقيق أي هدف من أهدافه، بل على العكس أوصل البلد إلى حالة من التأزم، بحيث توشك على الانهيار. وثالثا عليه أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية، في الحد الأدنى، عن تعميم مظاهر الخوف في المجتمع، من جراء تعميم القمع و كم الأفواه، حتى طال ذلك أعضاء الحزب ذاته ففقدوا القدرة على توليد الأسئلة الجدية. ويجب عليه أيضاً تحمل المسؤولية السياسية عن تعميم الفساد في المجتمع، وحرمان الشعب السورية من حياته السياسية الطبيعية، مما تسبب في تخريب الشخصية السورية بصورة عميقة.
أما بالنسبة لأحزاب المعارضة، فهي ليست بأفضل حال من شقيقاتها أحزاب السلطة، أليس حال المعارضة من حال السلطة؟!! من الخطأ أن نتصور أن الاستبداد هو نظام في السياسة فقط، بل قبل ذلك، ومن حيث الأساس، هو نظام في الاجتماع، وفي الثقافة وغيرهما. في مثل هذه البيئة من الصعوبة بمكان وجود أحزاب ديمقراطية. ويزيد المشكلة تعقيداً كون السلطة عملت خلال عقود متواصلة على نزع السياسة من المجتمع، وقمع أي عمل سياسي معارض، فتحولت الأحزاب المعارضة (قل بقايا أحزاب) إلى نوع من الأخويات التي تجمعها طقوس السرية.
في ظل هذا الواقع كان من الطبيعي أن تختفي أحزاب السلطة عن كامل المشهد السوري خلال الأزمة الراهنة، لأنها في الأساس لم تكن أحزابا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مجرد أجهزة سياسية شكلية للسلطة، لتتقدم بدلا عنها الأجهزة العسكرية والأمنية التي هي حزب السلطة الحقيقي والفعلي.
على المقلب الآخر لم تستطع أحزاب المعارضة وشخصياتها أن تدرك أهمية توحدها لتشكيل إطار سياسي يقود الحراك الشعبي الذي انطلق في آذار من عام 2011 بتحفيز قوي من حراك الشعب التونسي والمصري على وجه الخصوص، ضد السلطة الحاكمة، ونظامها المستبد مطالباً بالحرية والديمقراطية، مما أفقده البوصلة السياسية الضرورية، وجعله عرضة لتجاذبات شتى من بقايا هذه الأحزاب، التي سرعان ما فقدت أي تأثير لها عليه لتنتقل قوة التأثير عليه إلى حملة السلاح الذين وأدوه ليحلو محله، لكنهم بدورهم عجزوا عن التوحد، بل بقوا شديدي الولاء لتشكيلاتهم العسكرية التي ناهز عددها المئات.
المشهد في سورية اليوم هو مشهد العنف المعمم، ترسمه قوتان: النظام وحلفاؤه من جهة، والمجموعات المسلحة وحلفاؤها من جهة أخرى، وصار الشعب ضائعا بينهما، بل ضدهما معا، مهجراً أو لاجئا أو أنهكه البحث عن مقومات الحياة.
في ضوء ما تقدم يمكن القول إن النظام السوري المستبد كان على الدوام مشروع أزمة كارثية، تبحث عن تحيين لها، فكان ما تشهده سورية اليوم من أزمة طاحنة أودت بالبلد وشعبه. وإن المخرج منها هو في تغييره بصورة جذرية وشاملة، ليقوم محله نظام يعمم مناخات الحرية والديمقراطية.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدخل العسكري الروسي ونتائجه المحتملة
- قطار التسوية السياسية في سورية يتحضر للانطلاق
- ما بين إيران وتركيا
- من اسقاط النظام إلى التحالف معه
- المسألة الكردية في سورية بين الحلم والواقع
- هل الساحل خط أحمر حقاً
- تسريبات سوتشي وقراءة بين السطور
- أسئلة ديمستورا ومفاجأة موسكو
- قراءة سياسية في المشهد العسكري في سورية
- احياء مسار جنيف من جديد
- بين الفشل والنجاح ثمة - أسس موسكو-
- تحولات استراتيجية خطيرة
- دائرة النفوذ الإيرانية
- الحل خطوة خطوة على الطريقة الروسية
- اغتيال الحلم
- تحولات سياسية استعدادا لمواجهة بين قطبين مذهبيين
- تمرين تركي لمنطقة عازلة في سورية
- هل تنجح موسكو فيما فشلت فيه جنيف
- حقيقة الموقف الأمريكي من الأزمة السورية
- ما بين لقائي القاهرة وموسكو عشر نقاط سحرية


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية