أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تطبيقات الفكر التكفيري













المزيد.....

تطبيقات الفكر التكفيري


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 5155 - 2016 / 5 / 7 - 11:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    





تطبيقات الفكر التكفيري
التنظيم الإرهابي داعش أنموذجا









مقدمة:
وهذا البحث هو محاولة لتعميق الجانب العملي للفكر التكفيري المعاصر وهو امتداد لبحثنا السابق في عام 2009( الفكر التكفيري المعاصر) مقبول النشر والمنشور على النت في (موقع الحوار المتمدن) لغرض الفائدة العلمية. والبحث استمرار في دراسة الفكر التكفيري الذي ظهرت أدواته في التنظيم الإرهابي داعش. والجذور الأولى للفكر الداعشي منشور أيضا على مواقع الكترونية مختلفة لغرض الإسراع في محاربة التكفير على مستوى الإعلام وتصحيحا للمسار الإسلامي الحنيف من دنس أولئك التكفيريين العتاة الذين يعملون على تشويه صورة الإسلام على نحو عام والذي عجزت كل وسائل الإستشراق واليهودية العالمية ( الماسونية) في النيل من هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين.
الجذور الأولى للفكر الداعشي
لم تكن النزعة (الداعشية) وليدة ساعتها قط ، بل هي امتداد جديد لعموم المنظومة الفكرية للخوارج المنافقين وللوهابية السلف الأمثل لتلك النزعات المنحرفة والوهابية ( نسبة إلى الداعية الديني محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1206هـ) (1703م - 1791م) - الذي ظهر في حقبة اشتد بها ظهور التحريفات المختلفة للاسلام كالبابية والبهائية والأحمدية والمهدية وجند السماء أخيرا(*) وغيرها من الحركات المنحرفة - مدافعا بتظاهر عن الأصولية الإسلامية المتشددة تارة وإعادة الهيبة للإسلام – كذا.. - وهي الدعوة نفسها التي حاربت الإمام علي (ع) المسلم الأول بعد رسول الله ، مثلما هي معظم الحركات المعاصرة له والتي انكشفت ارتباطاتها بالماسونية العالمية مرة وبالصليبية أخرى. وإذا كانت تلك الحركات قد أصبحت تاريخا اسود فإن الوهابية لما تزل فاعلة بحكم ارتباطها غير المقدس بالبيت السعودي .. ونجحت دعوة محمد بن عبد الوهاب(1) بالتحالف مع البيت السعودي في شبه الجزيرة العربية) وتعدّ الوهابية حجر الزاوية للعديد من الأفكار الأصولية والمتطرفة في العالم الإسلامي الحالي. ولولا النفط وما يدخله من ريع إلى المملكة العربية السعودية واستخدام موارده في العقود الأخيرة من القرن العشرين المنصرم لبقيت الدعوة الوهابية حبيسة مكانها ولاضمحلت كسابقاتها من الحركات التحريفية للإسلام ولتحولت إلى ألانحسار ومن ثم الزوال. لكن مداخيل الأمراء السعوديين المرتبطين بالماسونية العالمية ومؤسسة الدولة السعودية نفسها التي قامت على المذهب الوهابي رسميا من دون مذاهب المسلمين المعروفة عملت على إنعاش الوهابية والترويج لها في عموم العالم الإسلامي لكي تقف بقوة بوجه حركات التحرر الوطني المختلفة وضد منهج أهل البيت بخاصة. وما الصراع السعودي الناصري 1952- 1970 وكذلك خفايا مقتل الملك فيصل بن سعود ( 1953- 1975) إلا وجه بيّن لهذا الصراع المحتدم الذي استمرّ طويلا.
وقد فرخت الوهابية حركات شتى متشددة كداعش وجبهة النصرة والقاعدة وجماعة التبليغ في أفغانستان التي اتخذت من الوهابية فكرا ومنهجا تكفيريا. ومهما حاول بعضهم من التفريق بين الوهابية السلفية (العلمية) كفكر" اصلاحي" للدين و(الوهابية الجهادية) المتطرفة فانهم يحاولون عبثا لأن التوجه الوهابي في أصوله يعتمد العنف منهجا وما الفضاعات والشناعات التي قام بها " المطاوعة" و"جيش الإخوان" السعودي المتشدد إلا دليلا على وحشية وسطحية هذا الفكر المشوه لحقيقة الدين الإسلامي الحنيف. ويرى الداعشيون الذين هم امتداد للمنهج نفسه في إزالة الآثار التاريخية كما حدث في أفغانستان من تفجير لتماثيل بوذا التي لم يوقف فعلهم ذاك جميع الاحتجاجات العالمية والبيانات في كون التماثيل تعد أثرا تاريخيا ولا أحد يراها آلهة في هذا العصر إلا أن حكومة طالبلن الوهابية النزعة أصرت على تفجير التماثيل علنا بحجة انها أصنام غير مبالية بالصورة البشعة التي حفظها الرأي العام العالمي عن الإسلام. وفي الواقع ان هذا الإصرار الهمجي ينبع بالدرجة الأساس من إظهار الإسلام في أبشع صوره ليس إلا فما فائدة إزالة اثر تاريخي لا ينفع ولا يضر مثل تماثيل بوذا في أفغانستان التي جهدت الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو في الحيلولة دون تفجيرها ابان مدة حكم منظمة طالبان في افغانستان لكنها عمدت على تفجيرها لاثارة الرأي العام العالمي ضد الإسلام وترسيخا لحركة عارمة ضد الإسلام (الإسلامفوبيا : حركة ظهرت في اوربا وانتقلت الى العالم وتعني: الخوف من انتشار الإسلام). وقد امتدت هذه النزعة التدميرية إلى الإسلام نفسه حيث فجرت مراقد الأنبياء في الموصل وهي آثار يكنّ لها المسلمون الاحترام على مدى الفي سنة كمرقد النبي يونس والنبي شيت عليهما السلام. وفي التاريخ الوهابي بعد هبوب عاصفة التهديم على قبور البقيع التاريخية كان ثمة محاولات لتهديم قبر النبي محمد صلى الله عليه وآله نفسه. فالقبور باجمعها (محرمة) في الفكر الوهابي القاعدي الطالباني الداعشي. وفي الحقيقة ان إزالة القبور لم تكن لغرض كونها مزارات لعبادة غير الله تعالى بمقدار ما هي النزعة التدميرية الكامنة في بقاء النزعة الوهابية وحدها على الأرض وتشويه الجانب الإنساني للاسلام والذي يخدم اعدائه بالدرجة الأساس ومحاربة مزارات أهل البيت وهي امتداد للنزعتين الأموية والعباسية التدميريتين. ومن هنا فقد جاءت نزعة التكفير التي لصقت بها منذ البداية في كون كلّ ما هو غير وهابي كافر وكل مزار فوق سطح الأرض هو شرك. هذه النزعة التي تحاول أن تشوه صورة الإسلام المتسامحة والثابتة تاريخيا. فاليهود الذين اضطهدتهم وأجلتهم أوربا لم يجدوا إلا في الدولة العثمانية والمغرب العربي المسلمين ملجئا. ومن هنا تأتي فكرة تشويه صورة الإسلام كدين يرفض الآخر في محاولات صهيونية جديدة محمومة لكبح انتشار الإسلام ولتحقيق الأهداف الصهيونية عموما والتي تساعدها الداعشية أخيرا المهتمة جدا بتدمير المزارات في المناطق التي احتلتها في سورية والعراق.
كما تمتد جذور الداعشية إلى القرن العشرين وخاصة الى النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم بعد ظهور سيل من الأفكار التكفيرية المتطرفة التي تبناها شكري مصطفى المؤسس لجماعة المسلمين والداعية الواضح لتكفير جميع الدول والمجتمعات الإسلامية قاطبة. ولم يكن شكري مصطفى عالما بالشرع ولا في أصول الدين على الرغم من أنه التلميذ النجيب لسيد قطب العقل المدبر للتكفير في العالم الإسلامي الذي أعدمه النظام الناصري في عام 1966.وكان شكري مصطفى قد كفر حتى جماعة الإخوان المسلمين التي نبع عنها. وباختصار شديد: تؤمن الداعشية الجديدة بتكفير كلّ مخالف للرأي لها وهو توكيد على نزعة ( الجوييم) الصهيونية اليهودية التي تعني عنف الغير والغائهم فقد تمثلت في التكفير الإسلامي ب(شكري مصطفى) الذي قتل الدكتور الشيخ حسيين الذهبي وزير الأوقاف المصري آنذاك لأنه أصدر فتوى بتحريم الانتساب لجماعة المسلمين التي أسسها شكري مصطفى حيث واجه القضاة الذين حكموا عليه بالإعدام مع بعض الخاطفين بسخرية باردة ولا أبالية مطلقة، في حين كان هو المسؤول عن جريمة قتل مروعة لشيخ خالفه الرأي فقط. وهذا ما تفعله جماعات داعش بالمخالفين لهم.
فشل الإخوان المسلمين وصعود داعش
( مسألة الخلافة كتطبيق تكفيري)
أخيرا ظهر على التلفاز بالموصل رجل يعرج بلحية سوداء كثّة ورداء عربي كلاسيكي أسود باللون نفسه ومن عامة المسلمين غير قرشي ولا هاشمي (خذ حذرك ملك الأردن أنت ضمن الأجندة ) ولا عباسي ولا من سلالة عثمان أرطغرل المعظّمة أو سلالة آل سعود ( من أخرج العفريت من القمقم؟)، معلنا نفسه وعلى الملأ كلّه وعلى جميع الفضائيات أنه خليفة للمسلمين وهو الموغل بالتكفير ودون أن يكون لهم رأيا أو وجهة نظر أو حتى شقّ كلمة في امر خلافته تماما كما حدث في عهود الأمويين والعباسيين والعثمانيين، وبرداء اسود فضفاض يذكر بأولئك القتلة الذين ظهروا في أفلام فرانكشتاين وبعمّة سوداء ذات ذؤابة يمنى تيمنا بالرسول (ص) لكي يكون الدور المسرحي التراجيدي محبوك جيدا لتشويه صورة الإسلام وكاملا حتى إسدال الستارة المصنعة في الولايات المتحدة ومطابخ الموساد النتنة. ثم أعلن نفسه خليفة للمسلمين دون أن ينتخبه أحد على أساس (إمارة الاستيلاء) لا (إمارة الاستكفاء) كذا كما يرد في كتب التراث الاستبدادي وفي الربع الأول من القرن الحادي والعشرين للميلاد وصولا الى تعميق حركة الرفض للعصرنة في الإسلام الناتج عن المؤسسة التاريخية المغتصبة للسلطة.
هكذا أعلن نفسه ومن عندياته وحده ومن فوهات أسلحته التي غنمها من الجيش السوري والعراقي. ودون أن يستشير جهة شرعية دينية أو علمانية مدنية بأنه (أميرا للمؤمنين) وولي أمر المسلمين الشرعي بعد السلطان العثماني محمد رشاد سلطان اخر سلاطين آل عثمان الملقبين بسلطان البرّين والبحرين! وكخلفاء أواخر للمسلمين.
هذا اللقب العسكري العتيد (أمير المؤمنين) الذي كان للإمام علي (ع) ثم لعمر بن الخطاب وتوارثه جميع من خلفه بلا استثناء. فالدولة إمارة وليست مؤسسة إلا على الشكل القبلي والويل لمن حلق لحاه أو قصّرها أو استطال جلبابه ( دشداشته) قليلا. وعلى رأس كلّ بضعة من الأنفار أمير صغير واجب السمع والطاعة أيضا حتى وإن كان سارقا أو داعرا أو مصابا بمرض نفسي أو جنسي بحكم من أطاعه فقد أطاع الله ورسوله وأولي الأمر منكم أما كيف أصبح من ولاة الأمر فهذا شيء غير مهم وهو عائد إلى قضاء الله وقدره! وتنصيب الطغاة واجبي الطاعة برأيهم المتهافت وكذلك الى أسلحة الجيشين السوري والعراقي. وهو لقب حربي يقتضي الجهاد بالنفس والمال وبذل الغالي والنفيس والبنت والولد والبنت بالدرجة الأساس لتعويض الخسائر التي تلحق بالمجاهدين. إذا مليار ونصف مسلم ومسلمة عليهم لا أحد يجاهد في سبيلهم إلا داعش وأخواتها المؤمنات: القاعدة وطالبان وجيش النصرة وجيش محمد وحماس وفرسان الأقصى وأمهم الولادة السلفية وأبيهم الأخوان المسلمون بقيادة الشيخ الجليل أمين عام علماء المسلمين وزعيم الإخوان المسلحين بالحق وما علينا نحن عموم المسلمين إلا (السمع والطاعة) لخليفة المسلمين الجديد وإلا سيكون المصير كمصير الروافض والمسيحين والأزيدين والشيوعين كما هي تصريحات (الخليفة) ابو بكر البغدادي ( ابراهيم عواد ابراهيم السامرائي ضابط المخابرات الصدامية السابق وزعيم القاعدة في العراق والعضو السابق في جماعة الاخوان المسلمين باعتراف يوسف القرضاوي) . والويل والثبور لمن لا يبايع أمير المؤمنين الجديد ولا يتخلى عن فكره وطائفته ودينه فلا حلّ إلا حلّ الذبح ( قص رأس وأقطع خبر) كما هو مثلهم الدارج في تلك المناطق والذي اصبح قاعدة للتكفير ايضا فلا علاقة لهم بالقانون الدولي ولا بمجلس الأمن ولا بحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات العالمية المدنية ولذلك يجري اعدام مختلف انواع الصحفيين لزيادة تشويه صورة الإسلام عمليا...
وتيمنا بالحديث النبوي: أطع ولي الأمر (الجائر) تحديدا كما يرى ابن عثيمين احد كبار علماء الوهابية المعاصرين وإن جلدك واخذ مالك! ؛ وهو حديث لوي معناه فالمقصود هو ولي الأمر العادل المعصوم أو من ينوب عنه وليس من هب ودبّ من الطغاة من الامراء المستولين على السلطات بالجور أو لم يسمع ابن عثيمين بالحديث الصحيح الوارد في مصادر السنة نفسها والذي يشير الى مستقبل الامة السياسي ( ان فساد امتي في الأمراء والعلماء) وهو من الأحاديث الشهيرة فأي فساد يأتي الا من امراء وعلماء السوء الذين تسلطوا على الأمة. ومن الغريب حقا أن هذا الحديث لا يشمل الخليفة العادل بل هو على العموم كما يشير بذلك أهل العلم! – كما هو رأي ابن عثيمين التكفيري- والمراد بالعلم هنا العلوم الدينية المتوارثة عن السلف الصالح فقط من الوهابيين طبعا وتحديدا وهو الغاء لعموم علماء المسلمين الآخرين. ولا معنى للفيزياء والكيمياء والطب وعلوم السياسة والدساتير وغيرها في قاموسهم التكفيري؛ فهذه ليست بعلوم باقية بل زائلة ومتغيرة – من وجهة نظرهم- وطالما احتجّ المشايخ بتناقضها في حين أن التناقض في العلوم الدينية يبلغ أشده حتى بات يكفر بعضهم بعضا! ولا يستطيع أي باحث محايد أن يخرج بنتيجة علمية واحدة وسط هذا الخضم المتلاطم من التفلسف المذهبي وعلم الكلام الذي يحرص على تعلمه حتى أولئك المشايخ الذين يقولون :( من تمنطق فقد تزندق!) ولا أدري ما حكم الشيخ محمد رضا المظفر صاحب كتاب ( المنطق) الشهير في هذا المجال. طبعا من وجد في بيته كتاب المنطق أو الفيزياء المسلّية فلا يلومنّ إلا نفسه في سياق التكفير.. هذه خلافتنا وهذه طريقتنا. ومن استقام على الطريقة نسقه ماء غدقا ويختار من الحور العين ما يشاء وفي الدنيا ما يشاء من سبايا النساء داعش المسيحيات والازيديات وحتى المسلمات داعش طريقنا وليس البعث العفلقي والأسدي و من هنا فقد اظهرت يوتيوبات متعددة لنساء يبعن في سوق الموصل الى جانب تلال من اكداس النرجيلات ليسقط التدخين والنرجيلة ما دام ذلك ينفر الناس من الاسلام فكل التطبيقات التكفيرية صغرت أم كبرت هي لحرف الناس عن مسار الإسلام الصحيح.
ولا تقتضي المعرفة العلمية شرطا في الخلافة ( العلم السياسي) وحتى (العلم الديني) كما حدّد ذلك أبو بكر الصديق الخليفة الأول للمسلمين ( لقد وليت عليكم ولست بخيركم) بمعنى أن ثمة من هو أفضل منه حتما بين المسلمين في العلم الشرعي والقيادة وأمور الحياة ومع ذلك فإن مؤسسة السلطة الإسلاموية تضع أبا بكر على رأس الأفضلية. وليس ثمة معنى كبيرا أن يعرف الخليفة علوم عصره فلطالما ولي الخلفاء الأطفال والصبيان منصب الخلافة. بل لا يخرج المرء من ذلك إلا الشطط ولا أدري من يجرؤ أن يقول إن خليفة رسول الله مجنونا. يمكن أن يكون الخليفة فاجرا وداعرا وشرّيب خمر ولوطيا أيضا. فما عليك إلا طاعته.. ويمكنك أن لا تطيعه في المعصية فقط! هكذا يسوق مذهب المسلمين العام ( أهل السنة والجماعة) رأيه بحجة غريبة وهي أن الخروج على ولي الأمر ( الخليفة ، الملك، الحاكم العسكري الديكتاتور، الحاكم المنتخب) فتنة والفتنة أشد من القتل هو خروج عن الشرع ما دام الخليفة مسلما وهو ينطق بالشهادتين لفظا. ولا يعرف حقيقة البديل عن الحاكم الظالم في حين دعا القران الكريم صراحة الى نبذ الظلم ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا) ( الآية) لكنّ هذا التيار المحافظ يتهاوى أمام النقد حينما يخرج معاوية بن أبي سفيان على خليفة زمانه الشرعي علي بن أبي طالب الذي بقي يسبّ على منابر المسلمين اربعين عاما حتى خلافة عمر بن عبد العزيز؟ ناهيك عن قيادة الجيوش لحرب علي بقيادة عائشة أم المؤمنين وآلاف الأرواح التي زهقت بفعل ذلك الصراع المحتدم بين علي ومعاوية. وقد وجد هذا التيار المصطنع العام بين المسلمين وتكرس بقوة إبان حقبتي الحكم الأموي والعباسي ووريثهما الحكم العثماني. وهذا الأخير قد ضرب صفحا بتعاليم الرسول (ص) في أن يكون خليفته عربيا قرشيا؛ فالأئمة من قريش!َ هذه القبيلة التي حاربت النبي وهجرته صلوات الله عليه وآله طوال حياته. وما زال هذا التيار ينحو باللائمة على شباب ميدان التحرير لأنهم خرجوا على الحاكم حسني مبارك وهم يسوقون الأمثلة تلو الأمثلة في ليبيا أيضا ملوحين بالخراب الذي لحق بدول الربيع العربي الذي يسمونه بالربيع العبري! وكأن الملايين التي خرج مطالبة بالتغيير هي من صنع رجل يهودي صحفي واحد فرنسي هو برنارد ليفي! هكذا يمكن تصور هذا العقل المحيّر الذي لا يكفّ عن أن يفسر كلّ ما يتعلق بحيوات المسلمين العامة بنظرية المؤامرة على الدين. في حين يضربون صفحا عن المظالم الكبرى التي تحيط بشعوب العالم الإسلامي. وبالرغم من هذا الصمت العام الذي غلف بروح اشرع فإن مذاهب بعينها لم تجوز الخروج العسكري على الحاكم إلا تحت راية معصوم. في حين جوز المذهب الزيدي ( نسبة الى زيد بن علي بن زين العابدين الخروج بالسيف على الحاكم الظالم.
الخلافة التي انتهت منذ عهد الدولة الإسلامية العثمانية على يد الضباط الاتحاديين في تركيا الجمهورية في عام 1923من القرن المنصرم ، فلم يسجل التاريخ منذ ذلك الوقت ثمة أحد أعلن نفسه خليفة رسميا بهذه الطريقة. على الرغم من أن شارات الخلافة : سيف الرسول المزعوم وشعرة من رأسه لا تزال في المتحف التركيَ! ولا أدري متى يطالب الخليفة الجديد أبو بكر البغدادي بشارات الخلافة لاستعادتها من تركيا. هكذا كتب الله تعالى على هذه الأمة أن تعيش الغرابة دائما. فلم هذا التوقيت بالذات في إعلان الخلافة؟ وما كان عمل الإخوان المسلمون إذا؟ تلك الحركة القديمة التي عيّشت المسلمين طويلا في حلم الخلافة بل وانشأت خلافة ( باطنة) وكان ( المرشد العام) حسن البنا أول خليفة باطني للمسلمين ثم ورّثها إلى جميع المرشدين العامين الذين خلفوه. ولعل حزب التحرير الإسلامي الذي تأسس في القدس مطلع عام 1953 على يد القاضي تقي الدين النبهاني، بعد تأثره بحال العالم الإسلامي وإثر سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في إسطنبول هو الآن يعيش فرحته الكبرى بوجود الخلافة الجديدة وعليه أن يحلّ نفسه! لتحقيق هدفه الأسمى.
لم تكن الخلافة في ذهن المسلم إلا (يوتيبيا) جميلة ويرى التكفيريون أن حان الوقت لتشويهها, وكأنها بلا أخطاء في حين أنها كانت ( فلتة وقي الله شرّها) على حد قول عمر بن الخطاب كما في الحديث. وعلى الرغم من جلّ التفاسير لعلماء المسلمين بكلمة "فلتة" إلا أنها تبقى موازية للإمامة فلا يعقل أن يترك الرسول (ص) مسألة الحكم سدى وهو الذي لاحظ اختلاف الصحابة حول تنفيذ أوامره وهو في حياته. وتعدّ الخلافة الراشدة من اليوتوبيا العالية رغم إن ثلاثة من الخلفاء قضوا قتلا في عهدها وقد أولغ بعضهم بدماء بعض.. من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. وما قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بتلك الطريقة الدراماتيكية ( خضب بالدم وهو يقرأ القران الذي جهد نفسه على جمعه) إلا دليلا على شدة الخلافات وعنفها الدموي أيضا.وما وصف الإمام علي صلوات الله عليه ( إن أمركم هذا كشعث نعلي (أي الخلافة) إلا دليلا مضافا لذلك الصراع الدموي المحتدم بين المصالح الدنيوية الضيقة وروح العقيدة الأخروية الزاهدة والباحثة عن رضا الله تعالى الدائم. لكن المسلمين تعلموا احترام تلك (المرحلة الشائكة الانقلابية) من أجل إظهار الحدّ الأدنى من الوحدة الشكلية بينهم حكاما ومحكومين. وما زال كثير من الكتاب وحتى الباحثين الإسلاميين وحتى غير الإسلاميين يعفّون عن إظهار التناقضات المرّة في تلك الحقبة المريرة من تاريخ الإسلام الراشد، من أجل الحفاظ على صورة الخلافة النقية. ولهذه الذكريات البعيدة بقيت الخلافة حلما يراود المسلمين على الرغم من البشاعات والشناعات التي اقترفت طوال حقبتي الحكم الأموي والعباسي. بل إن بعضهم يترحم على الخلافة العثمانية المتهرئة التي انتهت على يد الضباط الأتراك الاتحاديين بتنازل أخر خليفة للمسلمين محمد رشاد في عام 1923.
بات من المعلوم بأن حركة الإخوان المسلمين التي تأسست في عام 1928 من القرن الماضي هي التي فرّخت معظم حركات الإسلام السياسي أو الإسلام الحركي كما يرد في أدبيات الإخوان ومؤسسها الشيخ حسن البنا احسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتي 1906-1949لذي اغتيل في عام 1949 في اثر تأسيس ما يعرف ب(الجهاز أو النظام الخاص) في حركة الإخوان وكانت من أول العمليات هي قتل القاضي أحمد الخازندار الذي كان يحكم في قضية كان الإخوان طرفا فيها. وعلى الرغم من تنصّل البنا عن الأمر بقتل أحمد الخازندار إلا أنها أرست بوضوح دعائم بدايات الإرهاب والاغتيال السياسي في العالم العربي. ومن ثمّ عملية دعم الانقلاب في اليمن حيث اغتيل الإمام حميد الدين كأول عمل للتغيير السياسي وعلى الرغم من أن الانقلاب لم ينجح ولم يستطع حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين أن يجعل من اليمن قاعدة لانطلاق الإخوان المسلمين. لكن الإرهاب استمر في حلحلة ما يعرف (بروح التبلّد) في الطبقة الحاكمة من الإخوان وبقوة مرة أخرى فقام بالاغتيال الشهير محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر آنذاك بحل جماعة الإخوان لكونها جماعة إرهابية وقد شرع باغتيال النقراشي باشا إذ كان حل الجماعة هو مل ضدّ الدين. فالحركة التي تأسست على الدعوة في الظاهر ( كما كان يردد البنا نفسه: نحن دعاة لا قضاةَ!) لم تلبث أن حولتها السياسة إلى حركة إرهابية عادية كما نقرأ عن الحركات الإرهابية اليمينية واليسارية المتطرفة في أوربا.
ولعلّ ظهور منظمة القاعدة المصنّعة أميركيا كما صرّحت(هيلاري كلنتون) وزيرة الخارجية الأميركية نفسها وكذلك داعش خير دليل على ذلك وما سيناريو الخلافة
العنف
لم تكن تطبيقات الفكر التكفيري وليدة الساعة بل تمتد جذورها الى القرن الثامن عشر الميلادي بظهور الحركة الوهابية التكفيرية. فقد أظهر (المطاوعة) وهم يعدون الجانب الفكري السطحي للوهابية وجيش الأخوان من أتباع محمد بن عبد الوهاب وهو داعية متعصب ومجهول النسب على افضل تقدير, ما يكفي من العنف ضد المخالفين له في الرأي وضد الفرق الإسلامية الأخرى التي شنّ عليها حربا شاملة من التكفير وبكل توجهاتها بما في ذلك مخالفيه من أهل السنة. بيد أن الشيعة الأثناعشرية خاصة نالوا في العصر الحديث القسط الأكبر من التكفير والعنف الوهابيين وخاصة ما نالهم في العقود السابقة من عنف وبخاصة في المدن المقدسة للشيعة فضلا عما نال الشيعة الاسماعيلية من اضطهاد وعنف في نجران، ولأنها أي الحوادث التي لحقت بالشيعة الأثنا عشرية قد وثقت الى حد ما هي من أهم الحوادث التي أثارت الاستنكار في نفس كل إنسان فضلا عن عموم المسلمين ، وتركت في العالم الإسلامي الصورة الشنيعة عن الاسلام في وقت مبكر من ظهور التكفير الوهابي.
وجاء في كتاب (الدر المنثور) المخطوط ما هذا نصه :" ان في سنة 1216 هـ كان فيها مجيء (سعود الوهابي) إلى العراق وأخذ بلد الحسين عليه السلام وكان دخوله إلى كربلاء ليلة 18 ذي الحجة ليلة الغدير وأباد أهلها قتلاً وسبياً ، وكان عدد من قتل من أهل كربلاء ( 4500 ) ( لاحظ فداحة الرقم السكاني قياسا الى نفوس العراق انذاك) رجل وانتهبت جميع ما فيها وكسر شباك قبر الحسين عليه السلام وكذا قبور الشهداء . ولم يكن استيلاؤه على جميع ما فيها بل كان استيلاؤه على ما كان دور قبر الحسين عليه السلام والنهب والقتل كان في تلك الأمكنة ولم يبلغ جيشه إلى ناحية قبر العباس عليه السلام وارتحل منها وكان أكثر أهلها في النجف" ويلاحظ حجم العنف التكفيري ضد الاماكن المقدسة والأهالي الامنين على نحو جلي .
كما نقل انه (2) في سنة 1223 هـ جاء الخارجي سعود في جمادى الأخره فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور ثم قضى إلى مشهد الحسين على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً .
وقد نظر المستر لونكريك(3) في كتابه الشهير اربعة قرون من تاريخ العراق إلى هذه الحادثة الخطيرة فاستفزت عاطفته بتجربة حادة فقال :
إذ انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بالزيارة فسارع من بقي في المدينة لاغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب باب من أبواب البلد فتمكنوا من فتحه عسفاً ، ودخلوا البلدة فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم . اما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس ، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة أيضاً خارج الضريح من الصحن . أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فساداً وتخريباً وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل لم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ، ولقد قدر بعظهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك .
وذكر ابن بشر الحنبلي تفاصيل هذا الحادث المؤلم فقال: ان سعود قصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة 1216 هـ فحشد عليها قومه تسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين واخذوا ما في القبة وما حولها واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر . ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها نحو ألفي رجل . ثم ان سعود أرتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه .. الخ .
وذكر في كتابه آنف الذكر ما نصه : في سنة 1218 هـ قتل عبد العزيز بن محمد السعود في مسجد الطريق ( المعروف في الدرعية ) وهو ساجد في أثناء صلاة العصر مضى عليه رجل قيل أنه كردي من أهل العمادية ( قرب الموصل ) اسمه عثمان على هيئة درويش وقيل إنه رافضي من اهل بلد الحسين ( كربلاء ) خرج من وطنه لهذا القصد. ومهما يكن امره فقد كان العنف هذه هي نتائجه.
غير ان تلك الحادثة ألمت بحياة الشيخ سليمان باشا الكبير والي بغداد ـ آنذاك ـ ورجع جيش الوهابيين الى نجد مثقلين بالأموال النفيسة التي لا تثمن ويجمل بنا ونحن نستعرض في الحديث عن هذه الغارة الشنعاء أن ننقل رأياً آخر يعكس أعمال الوهابيين البربرية ، فيقول الحلواني : وفيها غزا سعود بن عبد العزيز الوهابي العراق وحاصر كربلاء وأخذها بالسيف عنوة وغنم جميع ما كان في مشهد الحسين من الذهب والجواهر التي أهدتها الملوك والشيعة إلى ذلك المقام المقدس وقتل أهلها قتلاً ذريعاً وإستباحها ونهب من المال والذهب والفضة ما لا يتصوره العقل ، وبه تقوى واستعد لملك الحرمين ثم رجع إلى عارضه متبجحاً بما صدر من عسكره ويقول : لو لم نكن على الحق لما انتصرنا ، وما علم ان ذلك استدراج وانه على الباغي تدور الدوائر ، وانه من قال : ( لا إله إلا الله ) فقد حقن دمه وماله ، ولكن الهوى إذا استولى أعمى البصائر وبأموال كربلاء استفحل أمر ابن سعود وطمع في ملك الحرمين وشرع في محاصرة المدينة المنـورة فصـار في أمره مـا سيأتيك بيانـه.
وعقب على ذلك أيضاً بقوله : فأمر الوزير ما صنع في كربلاء أمر الكنخدا علي بك أن يخرج بعسكره ويتبعه إلى مقر ملكه العارضي فما وصل النهدية حتى نجا سعود على المهرية القود والتحق بالقفار والصحاري ، فجبن الكنخدا ولم يمكنه أن يلحقه .
وكانت هذه الفاجعة العظيمة موضع اهتمام كثير من الباحثين والمؤرخين قال السيد عبد الحسين الكيدار : ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط تارة تنحط فتخضع لدول الطوائف وطوراً تعمر متقدمة بعض التقدم إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية سنة 914 هـ وأخذت تتنفس الصعداء مما أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها وبقيت وهي مطمئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ، ولم ترَ في خلالها ما يكدر صفو سكانها حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية ، جهز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل وهجم بهم على مدينة كربلاء ، وكانت على غاية من الشهرة والفخامة ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيق عليها ، وقاتل حاميتها وسكانها قتالاً شديداً ، وكان سور المدينة مركباً من أفلاك نخيل مرصوصة خلف حائط من طين ، وقد ارتكبت الجيوش فيها من الفضائع ما لا يوصف حتى قيل انه قتل في ليلة واحدة 20 ألف نسمة ، وبعد أن أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس ، فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأوان ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل من جملة ما نهبه سعود آثاث الروضة وفرشها منها 4000 شال كشميري و 2000 سيف من الفضة وكثير من البنادق . وقد صارت كربلاء بعد هذه الوقعة في حال يرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجى بنفسه فاصلح بعض خرابها وأعاد إليها العمران رويداً رويداً ، وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر أحد ملوك الهند فاشفق على حالتها ، وبنى فيها أسواقاً حسنة بعد العنف وتخريبها من جيش الاخوان التكفيري(4)
من يمول التنظيم التكفيري داعش؟
تحدّث تقرير المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب عن ان «بعض المتبرعين السعوديين، ولضمان وصول مساهماتهم إلى سوريا، فإنهم يقومون بإرسال أموالهم عبر دولة ثالثة هي تركيا الى الارهابيين، ويرى التقرير، ان السعوديين يمثلون، حتى الآن المصدر الأكبر لتمويل الجماعات المسلّحة في سوريا»، مضيفاً أن «العديد من الجهات المانحة التي يعتقد أنها جهات خيريّة في الخليج قامت بتسريب مئات الملايين من الدولارات لهذه الجماعات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك داعش».ويؤكّد معهد واشنطن أن السعودية وغيرها شكلت مصدراً تمويلياً هاماً لداعش، غير ان المعهد يشير الى ان هذا التنظيم في طريقه الآن للاستغناء عن هذه التبرعات، وذلك بسبب مصادره الخاصة المتأتية من الموصل أو بنك حديثة أو النفط المهرب وتجارة اللحم الأبيض فان المال ركن اساسي في تطبيقات التكفير. وانه «بعدما دخل إرهابيو داعش في هجوم مفاجئ – يقدر بثلاثة الاف مقاتل على افضل التقديرات- على مدينة الموصل المليونية زُعم أنهم استولوا على أربعمئة مليون دولار من أحد فروع البنك المركزي العراقي وقفز رقم مقاتليهم الى عشرات الآلاف فمن يدفع مستحقاتهم المالية ؟ تشيرتقديرات أخرى أكثر حذراً تحدثت عن مئة مليون دولار في بنوك الحكومة في الموصل ومهما يكن حجم المبالغ المسروقة فانها تطبيق عملي للتكفير.
وتعد قضية التكفير والجنس والمال من المسائل المستحدثة والشائكة في العلم السياسي المعاصر. وهي تحتاج الى اكثر من وقفة علمية متروية. فمن الواضح ان ظاهرة الكبت الجنسي من اهم مظاهر الشخصية في الشرق الاوسط. ويعود ذلك الى اسباب كثيرة. بيد ان المهم لدينا ارتباط الجنس بالتكفير. وتعود فكرة ارتباط التكفير بالجنس الى الخطيئة الأولى حيث كفر ادم (ع) عن خطيئته بان هبط به الله تعالى الى الأرض التي تعني اول ما تعني ممارسة الجنس مع الأنثى(4)
ولعل من ابرز انواع التكفير هو المتاجرة بالجنس وهو من اهم تمويلات داعش برأينا و لغرض استجلاب اكبر عدد من الشباب للانخراط في القتال الى جانب داعش التي احلت ما يعرف ب(جهاد النكاح) كما اظهرت ذك التقارير الدولية
وكانت "داعش" بقياداتها المتعددة واجنحتها المختلفة وشبه المتناحرة على طريقة عصابات المافيا تكون دورا يدور في فلك "أيمن الظواهري"، زعيم القاعدة الذي خلف "اسامة بن لادن" بعد مصرعه. وكان من المتوقع عندئذ أن تكون القيادة الأم في القاعدة، هي التي تمول "داعش" التنظيم الارهابي من منظمةالقاعدة ماليا كما هو متوقع . ولكن بعد أن أصدر "الظواهري" أمره بفك الارتباط بين منظمة التنظيم الارهابي داعش و"جبهة النصرة: زعيمها ابو محمد الجولاني"، طالبا تخصص الأولى بالشأن العراقي، وانفراد الثانية بالشأن السوري، ورفض ما يعرف بأمير "دولة العراق الاسلامية" ماضيا في القتال في "سوريا" اضافة الى القتال في "العراق"، قرر "الظواهري" التوقف عن الاعتراف ب"داعش" كمنظمة تابعة للقاعدة الأم، مما عنى التوقف عن تسديد فواتيرها المتعلقة بشراء السلاح والتموين اللوجستي، او دفع مستحقات المقاتلين العرب والأجانب. ولذا بات من الضروري التساؤل عمن يدفع فواتير "داعش" اذن؟ فقد اعلن الجميع تقريبا التخلي عنها؟ بعد أن كانوا من أشد المساعدين لها.
من المحتمل ان "الكويت" و"السعودية" هما الممولان الرئيسيسان الى جانب قطر، ولم يبق اذن الا "تركيا" كممولة لوجستية بالمقاتلين والسلاح، وبالتالي كمشجعة لها على ارسال بعض مقاتليها الى "سوريا" كل ما في الأمر، أن التنظيم الارهابي "داعش" قد ذهبت بعيدا في وحشيتها، فخاضت من ناحية، معارك وتفجيرات بمحاذاة الحدود التركية ( كوباني- عين العرب) بل وقصفت أحيانا بعض الأراضي التركية، اضافة الى خوضها معارك مع "الجبهة الاسلامية"، و"أحرار الشام"، و"الجيش السوري الحر"، وهؤلاء كلهم ينضوون تحت لواء وحماية وتمويل "السعودية"، التي باتت الحليف الأكبر ل"تركيا" في المعركة من أجل ما يعرف (اسقاط النظام السوري) تلك الذريعة الكبرى التي دعمت بها داعش. ومما زاد في المخاوف التركية، أن رجال أمنها قد ضبطوا بعض مقاتلي "داعش" يتجولون داخل بعض المدن التركية، كما ضبطوا شاحنات ممتلئة بالأسلحة لم يعلن ل"تركيا" عن تواجدها، مما اثار مخاوف الأتراك بأن "داعش" الطموحة لانشاء امارات اسلامية في المنطقة قد تدخل في صراع ضد تركيا ايضا، وربما تعمل سرا على تشكيل خلايا نائمة داخلها قد تفيد "داعش" في مخططات لاحقة. وهذا كله بطبيعة الحال، اضافة الى تطورات سياسية داخلية تركية وكردية وضغوط دولية، اضطر "تركيا"، الى الاصطفاف مع ما يعرف بالحلف الدولي على داعش، والى التوقف عن تمويلهما.
فاذا كانت تركيا قد توقفت عمليا عن تمويل "داعش"، فمن يمولها اذن؟؟، ومن يدفع فاتورتها الكبيرة؟
رددت المعارضة السورية كثيرا ما مفاده: أن الحكومة السورية قد أطلقت العديد من المساجين المنتمين للقاعدة، وزودتهم بالمال والسلاح، مع تكليفهم بمهمة واحدة: هي أن يعيثوا فسادا عبر ارتكاب أعمال وحشية، بل فيها مغالاة في الوحشية، بغية اثارة الرعب في قلب العالم الأوروبي والأميركي من خطر الارهاب العالمي، وتقديمه للعالم على أنه الخطر الأكبر، والقوة الوحيدة المؤهلة لتولي زمام الأمور في "سوريا" اذا سقط النظام السوري المستهدف من السعودية وتركيا. وكان الهدف السوري من ذلك، كما تقول المعارضة السورية، السعي للحصول على تأييد أميركا والدول الغربية، في وجوب التعامل مع الارهاب والارهابيين قبل كل شيء، مع التخلي عن مشروعهم لاسقاط النظام السوري، باعتبار أن خطر الارهابيين ممثلا ب"داعش"، بات هو الخطر الملح والأكثر مداهمة على كل شيء آخر.
ولكن الذين نشروا هذا الادعاء، فاتتهم عدة أمور:
1 - أن عدد المساجين السوريين المطلق سراحهم، لا يمكن أن يكون بهذا العدد الضخم من المقاتلين الذي تضمه منظمة "داعش" الارهابية. فعدد المساجين قد يكون بالمئات، وفي أسوأ الحالات بالآلاف. ولكن ليس من المعقول أن يبلغ عددهم عشرات الآلاف، حيث تتحدث الأرقام عن وجود أربعين الى خمسين الفا يقاتلون ضمن "داعش" السورية فمن اين جاؤا ان لم تكن السعودية هي الممول؟.
2- "داعش" تضم مقاتلين من الشيشان، ومن افريقيا، ومن الصومال، واليمن، وباكستان ودول أخرى عديدة. فهل كان في سجون سوريا هذا العدد من المساجين غير السوريين لتطلقهم الحكومة السورية بغية انضمامهم لحركة داعش ذات التبعية السورية؟
3- صحيح أن "داعش" تقوم حاليا، بين الفترة والأخرى، بمقاتلة السلفيين، وأحرار الشام، والجيش السوري الحر. وقد يدعي البعض بأنها من صناعة "سوريا" والموساد وصنيعتها الولايات المتحدة، تقاتلهم نيابة عن الحكومة السورية. لكن البعض ينسى أمرين هامين: أ) أنها تقاتل الجيش السوري النظامي أيضا. فاذا كانت من صناعته وصنيعته، كيف تقوم بعمليات قتالية وحشية ضده؟ ب) أن "داعش" قد ارتكبت أعمالا وحشية كبرى ضد الجيش السوري والشعب السوري. فقد قتلت أكثر من مائة وخمسين الف حتى الان مواطنا سوريا . وقد قتلتهم على الهوية كما كان يحدث في لبنان ابان الحرب الأهلية ( 1975-1989) وقد فعلت ذلك في مخالفة واضحة منها لاتفاقية "جنيف الرابعة" الخاصة بكيفية التعامل مع الأسرى من الجنود والمدنيين.
4 - أن "داعش" كانت موجودة في "العراق"، باسم آخر، قبل اشتعال العصيان في "سوريا"، وكانت عندئذ تقتل الكثير من العراقيين من خلال عمليات تفجير السيارات والانتحاريين. فكيف يمكن بعد ذلك التنسيق مع من يقاتلون ضد الحكومة العراقية، الصديقة لسوريا؟ كيف؟
وهكذا يبدو تدريجيا ضرورة استبعاد الاحتمال بكون الحكومة السورية هي من تمول وتسلح "داعش" وتدفع فاتورتها. فاذا لم تكن "سوريا" هي التي تسدد فاتورة "داعش"، فمن يبقي بعد ذلك على جدول الممولين المحتملين ودافعي كلفة فاتورة "داعش" الكبيرة. خصوصا بعد ان اعلنت السعودية بعد اعلان الخلافة الداعشية وقوفها ضدها علنا ولم يبق الا "جمعيات الاغاثة الاسلامية" و"اسرائيل" وأنصار "صدام(5).

خاتمة:
يظهر مما سبق ان تطبيقات الفكر التكفيري لما تزل قائمة في عالمنا الإسلامي من اجل تشويه صورة الإسلام في العقول الجديدة. وهذا ما دأب عليه معظم المستشرقين وحركات الصهيونية. واستطاع التكفيريون بالنموذج الداعشي أن يقدموا خدمة لأعداء الإسلام لم يحلموا بها. ولذلك لا بد من المسلمين العمل الدؤوب لرفع الحيف والظلم الذي لحق بالإسلام والمسلمين بسبب هذه الحركة المارقة ( التكفير) وهذه مهمة الباحثين المنصفين الجدد. وهكذا ان العمل على فضح الفكر التكفيري هو دحر اكيد لنزعة ( الإسلامفوبيا) التي يراد لها أن تجتاح العالم الإسلامي أيضا بعد أن ترسخت في اوربا واميركا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مخطوطات:
- الدر المثور, 1216 هـ -العتبة العلوية المقدسة
الهوامش:
(*) من المهم كما ارى النظر الى بحثنا مقبول النشر والمنشور على موقع الحوار المتمدن: البابية والبهائية وانتشارها في العالم.
(1) لمزيد من التفصيل ينظر: بنوا ميشان ، آل سعود
(2) جواد العاملي، مفتاح الكرامة ( النجف الأشرف: مطبعة الغري، ص19
(3)
لونكريك، اربعة قرون من تاربخ العراق,
(4)
- Abd Allah Muhmmad Gadhami
، الخطيئة والتكفير, من البنيوية الى التشرحية ( جامعة فرجيينيا: دار سعاد الصباح, 1993) ص6
(5) تقرير معهد واشنطن



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرافيك المدينة
- جذور الفكر الداعشي
- الفكر السياسي للسلطان قابوس بن سعيد
- صندوق الكلب
- دوبلير مزعج
- الشيخ النائيني: كفاح شخصي وعمق علمي
- اللغة و(سياسيو الصدفة ) في العراق
- زلزال سوريا القادم ( بارومتر موزه)
- ماذا بعد اتفاقية أربيلو والآلهة الأربعة؟
- عارنا في العراق
- مصفوفة ليسار قادم 1-2
- البهائية في إيران أصولها وانتشارها في العالم
- ( المجلس الوطني للسياسات العليا) في العراق مشروع للإرضاء الس ...
- نقد الكتاب الاخضر( آلة الحكم)
- (الغاندية الجديدة) دراسة في حركات اللاعنف العربية
- أية جامعة نريد؟
- طركاعة الشيخوقراطية
- حكومة بلابوش: تلاثة قرؤ وعشرة أيام
- فاشيون قدماء/ فاشيون جدد
- كهرباء في الذكر


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تطبيقات الفكر التكفيري