أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - نقد الكتاب الاخضر( آلة الحكم)















المزيد.....

نقد الكتاب الاخضر( آلة الحكم)


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أصعب الممارسات تخلي الإنسان عن مهنته الأساسية التي نذر نفسه لها ليعمل في مهنة أخرى لا علاقة له بها ولم يهيئ نفسه إليها سلفا. لكن بعضهم يصرّ على فعل ذلك. والعرب كما يبدو في هذا العصر مولعين بهذه التحولات إذ يعود تفسير ذلك بقوة إلى رغباتهم في الخلاص الفكري دائما؛ من هنا تتخذ هذه المحاولات - غير المدروسة غالبا- طابعا سيئا على الحياة العربية ومستقبل العرب أنفسهم بعد أن أصبح من الواضح أهمية التخصص كلغة علمية للعصر الحاضر. وربما كان العسكر – والعقيد القذافي في هذه الأيام يصول ويجول- من الذين استولوا على السلطة في النصف الثاني من القرن العشرين في الأول من سبتمبر عام 1969 هم أكثر الفئات الاجتماعية التي وقعت بهذا الخطأ الفادح. وذلك لا يعني بأية حال وجود (ممنوعات أو ممانعات) معينة في عدم كتابة العسكر في السياسة أو الأدب أو الاجتماع أو غيرها من العلوم والفنون؛ فتلك حالة أخرى لدينا من الشواهد عليها ما يكفي.. لكن الاعتراض هو في تحول العسكري الذي استولى على السلطة بقوة السلاح إلى سياسي ومنظر وصاحب رسالة وإيديولوجيا خاصة به.
ولعلّ من أخطر المشكلات الفكرية التي واجهت الفلاسفة القدماء والمحدثون هي قضية الحكم والحكم العادل والحكم الرشيد: بدءا من أفلاطون في جمهوريته والفارابي في مدينته الفاضلة و(توماس مورSir Thomas More؛ 7 فبراير 1478 - 6 يوليو 1535) في (اليوتيبيا) وكارل ماركس في الشيوعية.. ويبقى السؤال الذي يواجه البشرية: ما الصفات التي يتوجب عليها أن تكون في الحكم العادل أو الحكم الرشيد كما يوصف في أدبنا السياسي؟ وكيف يمكننا إنشاء هذا الحكم على أرض الواقع؟ وما الطرق الصحيحة للوصول إلى السلطة وممارسة العدل من خلالها؟ وهل يختلف العدل الإلهي بين الناس عن العدل البشري؟ ينقسم المفكرون على العموم إلى فئتين رئيستين في هذا المجال:
الفئة الأولى: ترى في إمكانية الإنسان أن ينشئ لنفسه حكما عادلا وان يوظف من القوانين ما يكفي لجعل ذلك الحكم قريبا إلى العدالة الإنسانية.
الفئة الثانية: ترى أنها تستمد (نظرية الحكم) من الله الذي أرسل الأنبياء والرسل لوضع قواعد الحكم في الأرض. وعلى الرغم من ذلك فهم بطبيعة الحال يختلفون في منظومات ذلك الحكم وأدواته ليس باختلاف الأديان فحسب بل في الاجتهادات في الدين الواحد نفسه حيث يطل (التأويل) للنصوص برأسه بقوة بينهم.
وفي الوقت الذي يدعي العسكر جميعا بلا استثناء - ما خلا مصطفى كمال أتاتورك- أنهم أنصار الإسلام ودين الله والعاملين على نشره والدفاع عنه، إلا أنهم في الوقت نفسه وجهوا إلى الإسلاميين في كل البلدان طعنات نجلاء وإعدامات ومنافي وسجون كثيرة، وعدوا أولئك من ألد أعدائهم. فسلطتان لا تجتمعان في مكان واحد كما لا يجتمع سيفان في غمد واحد.
ويعد القذافي في حساب عددي مبسط وغير علمي إن الأنظمة الديمقراطية هي دكتاتورية في محصلتها النهائية لأنها فقط تفوز بنسبة 51% في الانتخابات حيث يظهر قصور (فهم) القذافي لدور المعارضة باعتبارها السلطة المرآة الأخرى ففي حساب بدوي ساذج يعد القذافي ال49% الخاسرين للانتخابات مظلومين؟؟. ومن الغريب عن القذافي يعد مسألة أداة الحكم مستمرة في حين عن البشرية قد قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال منذ الثورة الجليلة Glories Revolution عام 1688في انكلترا حيث تم ولأول مرة تحديد السلطات المطلقة للملوك، ولازالت البشرية تعمل على تقعيد أصول الحكم وخاصة بعد انهيار نظام الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط جدار برلين في عام 1989 وظهور الأنظمة الديمقراطية وشيوع المفاهيم الليبرالية في العالم.
ويعد القذافي المجالس النيابية هي العمود الفقري للديمقراطية في العالم وهي تمثيل خادع (ص11) ويرى القذافي عن هذه المجالس حالت دون ممارسة الشعب للسلطة إذ يكون هؤلاء الممثلين من وجهة نظره مزيفين لطموحات (القطيع) من خلال عدم تحقيق مطالب الناس بمجرد الوصول للسلطة؛ وهي الفكرة الرئيسة لعموم (نظرية) القذافي المسطحة للحكم. ولذلك هو يرى من الضروري ممارسة القطيع بأكمله للسياسية؛ هذه الممارسة لا تتم إلا من خلال زجه بالعمل السياسي. في حين إن حتى هذه الفكرة المبسطة تستدعي – إذا ما تمّ تطبيقها- إلى وجود مراكز قوى وسط هذا القطيع نفسه يمكن فرض رأيها على الجميع قبولا أو رفضا مما يعني نسف الفكرة من أساسها.
وتصل فكرة نقد القذافي للنظام الديمقراطي إلى نقد فكرة صناديق الاقتراع نفسها التي تعدّ الآلية المناسبة للتمثيل الديمقراطي حيث يفترض العقيد فكرة غريبة بديلة لوجود الفرد في القطيع وإمكانيته التعبير عن رأيه ولو بقي وحيدا متفردا وهذا ملا يتلاءم وطبيعة طرق كبت الفرد وقوة الرأي العام المكون داخل القطيع في حين يكفل النظام الديمقراطي للفرد إمكانية الرفض ولو كان وحده كما أنه منحه فرصة حق عدم التصويت أيضا. ويرغب القذافي في تنفيذ هذه الفكرة لتحقيق هدف واحد هو محو أية معارضة يمكن أن تنشأ داخل( القطيع) من خلال زجه في حظيرة واحدة. في وقت لاضمانات في ممارسة الحرية الفردية بأي حال من الأحوال فمن ذا الذي يستطيع الاعتراض على (قائد القطيع) المطاع؟ ومن هنا يدعو القذافي إلى قيام ما يعرف بثورة شعبية ضد (النيابة) عن الشعب لتحرير السلطة نحو سلطة الشعب ولا نعرف لتلك السلطة أي تنظيم أو تشريع محدد سوى الرضوخ للقيادة أو القيادات المسبحة بحمد القائد الواحد المطلق فيها؛ وهذا يعني بالطبع تيارا معكوسا للدكتاتورية يفترضه القذافي لحكم ( القطيع) الذي يكون منم وجهة نظره – بالطبع- غير قادر على ممارسة الشرعية إلا من خلال القائد والقيادات الثانوية المسبحة بحمده تماما مثلما يحدث في ميليشيات ما قبل الدول الحديثة. وتتطور الفكرة المسطحة حول آلية الحكم لدى العقيد القذافي إلى فكرة محو الأحزاب السياسية الفائزة بالانتخابات باعتبارها فازت كأحزاب ولي كسلطة شعب فيكون الشعب فريسة لحزب أو عدد من الأحزاب الفائزة؛ لكنه لا يجعل من الشعب فريسة في النظام المليشياوي الذي يقترحه. فالتمثيل الديمقراطي للشعب محض تدجيل(ص15) في ظل أنظمة الحزب الواحد أو الحزبين المتناوبين على السلطة كما في الولايات المتحدة أو أنظمة الأحزاب المتعددة. ثم يخلص القذافي بان الانتخابات لا تجلب إلا الأغنياء فقط.
وتعود ألأصول الأولى لأفكار القذافي إلى التجارب الناصرية الأولى حيث أصبح – وبأمر من عبد الناصر- إلى زج جميع الأحزاب السياسية ذات الاديولوجيات المختلفة من الإخوان المسلمين إلى الشيوعيين إلى القوميين إلى الوطنيين التقليديين في تنظيم سلطوي واحد كان يدعى (الاتحاد القومي) ثم انتقل أسميا بعد ذلك إلى ما عرف ب(الاتحاد الاشتراكي) حيث تم بموجب هذين التنظيمين مصادرة الحريات بكل أشكالها في مصر الناصرية. وهكذا يعد القذافي في معالجة آلة الحكم إلى زج (الجميع: القطيع) في اللجان الشعبية. فعداء القذافي في مضمونه النهائي ليس لفكرة التمثيل الشعبي ظاهرا بل لعموم الأحزاب التي تدعي تمثيلها للشعب او لقطاعات واسعة منه. وهذه القوى بالطبع هي لمنافسة الرئيسة لفكرة القائد او قائد الثورة كما يحلو للقذافي أن يوصف.
وفكرة القذافي عن الأحزاب لا تنمو إلا بتلك الطريقة الغائرة في الفهم القبلي للأشياء والكائنات حيث يرى القذافي أن ليس ثمة فرق بين الحزب والطائفة والقبيلة إلا بإسقاط رابطة الدم. فالحزب هو " قبيلة العصر الحديث" (ص25) وتحتل مفاهيم القبيلة (القطيع) في رؤية القذافي لقضايا إنسانية كبرى كتبت بها نظريات ودرجت البشرية على تجاوز الكثير من معضلاتها؛ ليعود إلى أفكار هي نتاج التعليم البدوي بالدرجة الأساس. وهو لا يتوانى عن وصف الصراعات الحزبية التي تتم وفق دستور وقواعد اجتماعية متوافق عليها وحريا مكفولة بالصراعات القبلية والطائفية؛ ففي إلغاء القذافي لفكرة الصراع يكون قد وضع اللبنة الأولى في رفض مواجهته ومساءلته تمام كما هو شيخ القبيلة المطلق. ويظهر ذلك في كتابه الآخر (القذافي رسول الصحراء) وكذلك في وصف ذاته بأنه ثائر من الصحراء إلى الصحراء. وربما تكون المناطق الصحراوية الواسعة التي تغطي ليبيا قد أضفت على فكره هذه (الحلول) القطعية فضلا عن سكنه في خيمة –كما يبدو في إعلاناته السياسية- هذه الخيمة هي التي منحته تبسيط مسائل لازالت البشرية تحاول حلها وقد حلّت كثيرا من معضلاتها وخاصة ما يتعلق بالحكم التوافقي بين الشعوب.
ويواصل القذافي نقده التبسيطي للحياة السياسية وآلة الحكم من خلال نفيه لأهمية الحزب أو الأحزاب عموما ويجعل منها أداة لحكم الشعب دكتاتورية حيث يرى القذافي عن أي حزب مهما كانت قاعدته الجماهيرية عريضة هو لا يمثل الشعب وهو يريد حكم من هو خارج الحزب. ومن هنا فغن الرؤية لا تتعدى عن تلك القاعدة المستهلكة القديمة التي شاعت في مصر الناصرية برهة من الزمن وكذلك في العديد من البلدان العربية: (من تحزب خان) وحينما يجعل القذافي من الحزبية خيانة فهو يريد بذلك احتكار الحكم بطريقة أو بأخرى تحت ستار رفض الحزبية، ولما تكونه الحزبية من معارضة للحكم الشيخوقراطي الذي يطمح إليه العقيد. ويرى القذافي في صراع الأحزاب على نحو مبهم وغريب : عن صراع الأحزاب مدمرا للمجتمع برغم ما يبدو عليه من نشاط سياسي؛ فالرجل يرفض أي شكل من أشكال الاختلاف في الرأي، وتصل هذه الحرمة المصطنعة إلى الحياة أيضا.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (الغاندية الجديدة) دراسة في حركات اللاعنف العربية
- أية جامعة نريد؟
- طركاعة الشيخوقراطية
- حكومة بلابوش: تلاثة قرؤ وعشرة أيام
- فاشيون قدماء/ فاشيون جدد
- كهرباء في الذكر
- ماريو فارغاس يوسا المهتم بالكيوات العراقية
- العراقيون مسجلون في منظمة الشعوب المنقرضة؟
- مصفوفة يسار قادم (1-1)
- إعترافات الشيخ احمد الكبيسي
- هل يُناط بطارق عزيز دورا (ما) جديدا؟
- راشيل كوري/ مركريت حسن
- حسن العلوي: قلق ولاء قديم/ قلق الحاضر
- لحظات فانية
- بقعة الأرجوان
- أرض الريشوله(*)
- جراد أصفر
- خيول بيض
- رائحة بول غريب
- من أين تبدأ الديمقراطية؟ قراءة في تجربة حزب الوفد المصري


المزيد.....




- ما أوجه التشابه بين احتجاجات الجامعات الأمريكية والمسيرات ال ...
- تغطية مستمرة| إسرائيل تواصل قصف القطاع ونسف المباني ونتنياهو ...
- عقب توقف المفاوضات ومغادرة الوفود.. مصر توجه رسالة إلى -حماس ...
- أنطونوف: بوتين بعث إشارة واضحة للغرب حول استعداد روسيا للحوا ...
- مصادر تكشف لـ-سي إن إن- عن مطلب لحركة حماس قبل توقف المفاوضا ...
- بوتين يرشح ميشوستين لرئاسة الوزراء
- مرة أخرى.. تأجيل إطلاق مركبة ستارلاينر الفضائية المأهولة
- نصائح مهمة للحفاظ على صحة قلبك
- كيف يتأثر صوتك بالشيخوخة؟
- جاستن بيبر وزوجته عارضة الأزياء هيلي في انتظار مولودهما الأو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - نقد الكتاب الاخضر( آلة الحكم)