أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رياض الأسدي - مصفوفة يسار قادم (1-1)















المزيد.....


مصفوفة يسار قادم (1-1)


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3125 - 2010 / 9 / 15 - 18:23
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لوبودا مكتشف الأرقام/اريتولي صانع الأحذية (1-1)
لم يعد ثمة أهمية كبيرة لنشر ظلاميات جديدة، حندسية، في الحياة العربسلامية فقد فعلت فعلها تماما، بعد عام 1979 وسجلت نصرها معمدا بدماء الأبرياء من الفقراء الحفاة: قتلى وسط الشوارع وبنايات مهدمة سخامية، وبطالة، وانعدام خدمات، وغياب قسري لمئات آلاف من الناس، ومجاميع جائعة تقمعها شرطة مكافحة الشغب في مصر وتونس والمغرب والأردن. لادولة هنا: هذا هو الشعار النهائي للرأسمالية الجديدة المتوحشة القادمة من عصر ثورة المعلومات والاتصالات السريعة.
ربما يراد للأنموذجين السيئ والأسوأ العراقي والصومالي التعميم في غياب عمتنا الدولة: مجاميع من الأحذية والخفاف البلاستك المدماة تسلط عليها كاميرا صحفي شاب مستجد. يقتل الصحافي من مسلحين مجهولين لا يريدون حتى للصورة التي صنعوها هم ان تظهر على الملأ في إحدى أزقة الموصل. يصعب علينا ان نجد تفسيرات لتصرفات المجاميع المسلحة سوى أنها الفوضى. وضياء الكواز صحافي في ألمانيا قتل أحد عشر فردا من أفراد عائلته!؛ صرحت أمه لقناة تمولها الخزانة الأميركية: بأنها محض أكذوبة إعلامية قبض منها ضياء مالا.. أيضا! إنها أخبار اللايقين الإلكترونية. منتهى الفوضى في معرفة ما يجري. ربما تبدأ قوى اليسار معركتها رقميا. يتم اضطهاد العشرات من المدونين لإخفاء آثار الجرائم اليومية التي تقترفها دويلات المدن العربسلامية.
ويرى بعض الباحثين المتفقهين من أمثال الدكتور أحمد الكبيسي إن الإرهاب والتطرف يأتي من اللايقين الديني.. لكن يجيب على ذلك بكلّ وضوح الشيخ أسامة بن لادن المطلوب رقم واحد على الأجندة الأميركية: رفعت الأقلام وجفت الصحف فلا تشاور احدا في قتل الاميركان. لاشك إن أسامة بن لادن استبدل حذاءه الكلاسي الرفيع ب(جيوه= حذاء خفيف محلي الصنع) أفغانية بشتونية لسهولة التنقل الجبلي. خسارة حقيقية أصابت صانعي الأحذية الخاصة غالية الثمن في ايطاليا. بمعنى إن المسلم لم يعد بحاجة إلى يقين، ولندع العقل يذهب في استراحة طويلة حتى ظهور المهدي المنقذ من الظلال. تنبهت الحكومات صانعة فوضى الفتوى إلى ظاهرة اللايقين وحصرت الفتوى بمفتين محددين من قبلها في محاولة لرجم فوضى الفتوى بعد فوات الأوان.
هذه هي النمطية الجديدة في السياسة العربسلامية الحكومية المزدراة غالبا ومن المؤمنين المفخخين على حدّ سواء. يمكن لمايكل شوير ان يضع لها عنوانات ويطلق كتابا جديدا يضعه في راحة مالية كبيرة جديدة أفضل من عمله الطويل السابق في CIA يتعلق بمدى نجاح الوسطية الإسلامية الحكومية.
وفي الجامعة يُعلّم الطلبة إن السياسة في ابسط تعاريفها المتداولة والشائعة والهشة البورجوازية على أنها فن الممكن! أي ممكن هذا؟ لا احد يدري. يمكن تدمير الغرب في عقر داره مثلما يمكنه ضرب العالم العربسلامي بست قنابل نووية كبيرة في عقر داره أيضا. ممكن أيضا. وهناك رأي آخر لتعريف السياسة هو الأقرب لنا مثلما يورده مفكر ألماني هو كارل شميدت: السياسة هو ان تعرف من هو عدوك ومن هو صديقك. هكذا يُفضل الأمر لدى السيد حسن نصر الله إذا ما وقفنا معه بمن هو العدو ومن هو الصديق حسب المقاسات المتعلقة بجيش الله وحزب الله وكتائب الرب وفصائل الحق: الحق هو الله أيضا. تقول الحكمة القديمة: كم من المذابح والحروب والصراعات الدموية جرت باسمك يا الله! كان الحشاشون من الشيعة الإسماعيلية متفردين برضا الرب وهم يمارسون الاغتيال السياسي المنظم ضدّ عامة المسلمين. مارس طريقتهم سياسيون جدد إسلاميون على نطاق واسع في العراق بغض النظر عن المذهب والفرقة أيضا.
لقد مارست قوى الموت المجاني المحلية والإقليمية والدولية على حدّ سواء أبشع ألوان العسف والتضليل والغموض على مستوى الفكر، والعمل، والرؤية، ثم على مجمل التنويريين واليساريين والليبراليين والأغلبية الصامتة العربية (السكوتية) وبامتياز تاريخي قل ّنظيره في التاريخ الإنساني إلا في عصور محاكم التفتيش الأوربية. ويرى الشيخ أحمد الكبيسي وهو داعية إسلامي عراقي ان 99% من الدعاة الإسلاميين لله هم في النار! لم يعد الوضع يقينيا ممكنا. بارومتر انحدار دائم. ولا مقياس ( سافير سمبسون Saffir-Simpson) لمعرفة قوة الريح والأعاصير الهاريكانية القادمة. اليونان مثل واضح.. من سيكون المثل الآخر..؟ يقول مواطن يوناني من الطبقة الوسطى أنه لم يعد يستطيع شراء حتى سمكة واحدة في ظلّ إجراءات التخفيض المالي المتواصلة وإفلاس الدولة!
في الشرق الأوسط الدول غير البترولية مفلسة منذ زمن بعيد ولولا القمع البوليسي الأسود لأشهرت إفلاسها. وكان السيد (جونس لوبودا) المسؤول عن منظمة عدّ الجثث في العراق – ينتعل حذاء من الكتان يستعمله الجنود الاميركان عادة- من أكثر العارفين بحجم كارثة الإفلاس الإنساني المطلق في عصر التسويد العربسلامي لما خبره بيده ورآه بعينيه وسجله لنا. في وقت كان السيد اريتولي Aritioli صانع الأحذية الإيطالي الشهير هو الآخر أيضا يصنع أحذية فاخرة للرئيس صدام حسين، وكذلك لبطل الحرب الفلتة اللسان (الحملة الصليبية العاشرة!) على العراق جورج دبليو بوش الانجيلني؛ ليس اعتباطا أبدا ان يلبس كلا الرجلين أحذية من صانع واحد طبعا. إنها أحذية الحرب المقدسة لكليهما والتي لم تستثنها نبوءات أشعيا في التوراة، ولا الملخصات السرية عن ظهور الإمام المهدي القابعة في سراديب النجف، على أية حال، التي لا يعرف عنها شيئا كلا الشعبين الأميركي الهاجم والعراقي (المهجوم) عليه.
تمويه منظم للوصول إلى تعمية كاملة في عدم معرفة العدو من الصديق حيث تمارس آلة الإعلام المزمجرة الأخطبوطية الباعثة بروائح ملونة مختلفة وبكل أذرعها الماصة الدور بحبكة متناهية: أبعدوهم عن فكرة العدو والصديق ودعوهم يلوكون حصى حقوق الإنسان بجدارة.
يخرج على الناس السيد علي الموسوي المستشار الإعلامي للحكومة العراقية المنتهية ولايتها في ظل الاحتلال مسفها تقارير منظمة العفو الدولية و Human Rights Watch في انتهاكات مجلجلة لثلاثين ألف معتقل عراقي بلا محاكمات فيزل لسانه بأن المسؤولين عن التعذيب في السجون العراقية السرية والعلنية الذين ثبت ذلك عنهم خرق حقوق الإنسان تمت محاسبتهم وليس محاكمتهم طبعا!. لا ينسى الموسوي طبعا أن يذكرنا ببلادة (فن الممكن) أنه حينما كان مضطهدا في عهد الرئيس الدكتاتور السابق صدام حسين أن الجهة الوحيدة التي وقفت لفضح جرائم النظام كانت منظمة العفو الدولية وهيومن رايت وتش! مرحى لممارسة الدور نفسه. يمكن للسيد الموسوي مراجعة ردود حكومة صدام على الانتهاكات التي مارستها ضد الشعب العراقي أليست هي ردودكم نفسها؟!
متاهة أطفال تنتهي بذبحهم. جزيرة الشياطين ديزني لاند. أربعة ملايين يتيم نصفهم يسيرون في شوارع بغداد الآن. دكتورة فاتن الجراح مديرة دار ثقافة الطفل تضع صورة لطفلة عراقية وهي تجلس على صندوق حديد لبيع السكائر الأجنبية. ولا أحد يفكر بالهجرة! الإسلامفوبيا قائمة ودائرة بقوة وسوف تحول دون البحث عن مكان آمن في أوربا أو أميركا. القس تيري جونز سوف يطردك ويضعك في مقعد مدفوع الثمن من حكومتك. وهناك بعد وصولك إلى المطار لن تكتشف إلا حسن المعاملة. ولكن في الوقت نفسه أيضا ربما سيعين أكثر من لوبودا في منطقة الشرق الأوسط قريبا- جثة مهاجر عائد من السويد مجبرا ضمن الأرقام اللوبودية- فالفوضى البناءة تسير بخطى سريعة وثابتة على طريقة كوندي (كوندليزا رايس) فقد نشر المراسل السياسي لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية جان كوسل مؤخرا تفاصيل مثيرة للجدل عن حياة وزيرة الخارجية الأمريكية التي تعدّ المرأة الأقوى في إدارة الرئيس جورج بوش السابقة، والمنظرة الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط الآيل للضمور بفعل إمكانيات تعرضه لعدة ضربات نووية. هل يحتاج العالم إلى تجربة نووية جديدة في آسيا ليقتنع العقل الغربي الرأسمالي بفداحة المهمة؟ يمكننا ان نكتشف ذلك في الكتاب الجديد "امرأة السر": كوندليزا رايس وإبداع ميراث بوش. من الصعب الكشف عن الأسرار كلها الآن ولابدّ من مرور ثلاثين او خمسين عاما على ذلك؟ هكذا هي سياقات العمل في الكشف عن الوثائق. ورطة الفكر والمعلومات الحدسية.
وقال كوسلر في كتابه: إن رايس بلغت 53عاماً من العمر ولم يرتبط اسمها برجل.. وهي تعيش مع صديقة حميمة لها تدعى (ريندي بين) حيث تعمل الأخيرة مصورة أفلام وثائقية وتقاسمها ملكية المنزل، إلى جانب حساب مصرفي خاص أيضا!: يشبه ذلك حالات الأزواج المثليين عادة. لم يعد الصمت ممكنا تماما مثلما هي ضرورة الفضح للقنبلة النووية القذرة لخوسيه باديا (عبد الله المهاجر) الذي خطط مع متهمين آخرين لإبادة اكبر مقدار ممكن من البشر في الولايات المتحدة وكندا. فيروس HPV لتشويه القدمين واليدين والوجه: مسخ جديد كافكوي يعلن ولادته من اليمين الديني. يوجد في العالم أكثر من 8000 وحدة نووية تصلح ان تكون كلّ واحدة منها دولة مارقة تهدد السلم العالمي بجدية. ليس الوضع على هذا النحو من الخطورة 11سبتمبر2001 كان الذروة. وهم آخر. يضحك المسخ الجديد من تبسيط الفكرة.
لم يعد السكوت واردا في هذه الحقبة العصيبة من سلسلة الانهيارات المتواصلة العامة للسياسات الداخلية الأميركية. وحتى أولئك الذين اكتشفوا ما يعرف (بالوسطية) الخجلة أخيرا، ممن وضعوا على جباههم دمغة دائرية او اهليلجية لصناعة حكومية (ممكنة التقليد) فهم يجدون صعوبات جمة في تسويق بضاعتهم الفكرية الآن، بعد نجاح مقولات الإسلام السياسي في تسييس الدين وتديين السياسة. كما أصبح الوضع بعد بداية تراجع الدينويين العملية غاية في الانطلاق لقوى إنسانية لا تعرف التضليل ولا تمارس العسف إذا ما قيضت لها الظروف للنهوض. ربما يكون يسارا ليس من نوع الدكتور وديع حداد المسؤول عن خطف الطائرات في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي اغتيل بتسميمه بواسطة (شكولا بلجيكية) طالما أحب تناولها وديع. ربما قتل وديع من الموساد او المخابرات العراقية الصدامية أيضا كما تشير التخمينات؛ سواء بسواء كلّ ذلك لأن عصر التسويد العربسلامي السري لا يزال قائما وربما لن تجد ثمة إجابات واضحة حول ما جرى وما سيجري في عالم كواليس السياسة. يمكننا ان نحصي في لبنان وحدها عددا من الاغتيالات السياسية الكواليسية الغامضة كرفيق الحريري وبيير الجميل وأنطوان غانم وكمال جنبلاط وجبران ثويني وأيلي حبيقة بطل مذبحة صبرا وشاتيلا والشيخ حسن خالد وموسى الصدر وعماد مغنية ورشيد كرامي وسلسلة من الشخصيات السياسية المرموقة لا نهاية لها. وحينما يقتل اليساريون لا أحد يذكرهم. ناجي العلي الكاريكاتوري ذكر أخيرا لأسباب إعلامية بحتة.
هكذا يمكن للدراكسيون (سكان السيارة) ان يتحول إلى اليسار. لا أشك في ذلك لأن البلادات نفسها والمظالم عينها والقتلى هم هم من عامة الناس أيضا والتمويه في عدم معرفة العدو من الصديق قائما. ولكن يبقى السؤال: ما الآليات المناسبة لذلك ومن هي القوى المرشحة؟ لا يسار ولا جديد ولا بديل، وما أعددناه لنهضة ثقافية وفكرية غير طائرة في الهواء وغير مستوردة من العالم الرأسمالي المتوحش ربما تساعدنا، وهي تستفيد من جميع وسائل الاتصال وتعبئ الشعوب باتجاه الحقيقة. الحقيقة هذه العاهر المتملصة على مدى التاريخ (رحاب الباقية من بين جميع من قتل في الحصن!) التي يدعي الجميع ركوبها. النسبية. القابلة للتغيير بين حين وآخر. المخادعة. الراكضة. يمكنها التوقف – ربما- بعد سلسلة الفواجع التي ستواجه العالم وخاصة عالم جنوب الكرة الأرضية. ولا يلحق بتلك الغانية (رحاب) اللعوب إلا أولئك المفعمين بالحدوس الكبرى لقيام عالم أفضل وهم يرقبون أعلام القرصان الإنكليزي العتيد فرنسيس دريك ترفرف باتجاه متغيرات الريح.
لا يهتم الرأسماليون الجدد مثلما هم القدماء من مالكي ماكنات البخار والمانيوفاكتوره بالإيديولوجيا؟ إنهم يعدونها أسطورة صعبة التحقيق مثل موقف نابليون بونابرت تماما؛ لكن لا بأس من ممارسة بعض (الترميد) لعيون الجماهير المعدمة والعاطلين كما يفعل السيدان علي الموسوي ونوح فيلدمان. للرأسماليين المسلفنين الجدد مثلما هو للإسلاميين الطائفيين فكر أخيرا، وكذلك لأولئك المغموسين بالآتي من حملة تابوت موسى وهم يرسمون من خلاله نهاية التاريخ وربما نهاية العالم أيضا.. عالمهم الكالح: مليار جائع جديد على الأبواب في ظلّ أزمة مالية عاصف. ويموت في كلّ عام(8) مليون طفل في كلّ أنحاء العالم و(20) مليون مشردا في فيضانات باكستان. ثم ملايين الأيتام في العراق بسبب العنف الفيضاني.. هل يمكن للسيد علي الموسوي إخبارنا بالرقم الصحيح او حتى المزيف..مثلما هو يحاول ان يقدر عدد المعتقلين بنصف ما اوردته منظمة العفو الدولية أي(15) ألف معتقل فقط قد يفعل لوبودا آخر ذلك.
لم يعد ثمة معارض لهذا البؤس الإنساني في فلسفته التاريخية الجديدة إلا أولئك الساكنين وراء الحجب النائية في عمق الأرض، هناك، بعيدا عن المدن والحضارة، المترسنين ضد صواريخ كروز بكهوف ترابورا وكويتا، القلة المدججة بالأحزمة الناسفة وأجهزة الاتصال عالية التكنولوجيا المؤمنة جدا، المفخّخون في كلّ لحظة، الماليون الاستثماريون السابقون، العائلة، البناءون، والمشرّعون الوحيدون للإيمان والكفر في هذا العالم الفاني؛ الذين يستخدمون أرقى التكنولوجيا في إشاعة الموت والدمار؛ أولئك في الظاهر رسل الله الاخيرون للعالم وممثلوه الوحيدون المتفردون على الأرض ويراد لهم – وحدهم من دون العالمين- ان يكونوا آخر نبض في جسد الأمة المتهالكة " آه يا امة ضحكت من جهلها الأمم"!. حسنا. يمكن استنساخهم بشريا في طوائف أخر غير أهل السنة والجماعة طبعا: الشيعة والأباظية وربما الدروز والأقباط أيضا في وقت لاحق. من يدري؟ السؤال الكامن: هل يمكن استنساخهم بجلد آخر مارونيين أو أقباطا أو شركس أو أمازيغ في المدى المنظور؟! هذا ما يمكن ان يجيب عنه يساري من أصول مسيحية في وقت لاحق. عصر تسويد عربسلامي كامل لا يعرف المهادنة ولا يجيد التأمل.
لم يعد ثمة أمل ما في الخروج من هذا المأزق التاريخي المشين حقيقة، فقد حوصر ودمّر عصر التنوير التأملي العربي الأول 1850- 1952 (جمال الدين الأفغاني محمد عبده رفاعة رافع الطهطاوي سلامة موسى عبد الفتاح إبراهيم..) من السيدة الخاكية (العسكرتاريا العربية) الارتجالية(رسم حذاء عسكري احمر علامة الضباط) التي افتتحها الجنرالان محمد نجيب وجمال عبد الناصر في عام 1952 بما عرف بانقلاب23 يوليو، وكان الصراع الشخصي بين الرجلين كصراع الأمراء المماليك سابقا في مصر قد أفضى إلى حبس محمد نجيب في فيلا زينب الوكيل مع عدد من الجرذان العابثين وخادمة عجوز وضباط مخابرات ناصريين ممتلئين بروح الإذلال للجنرال الرئيس السابق. حينئذ وأنت تشاهد الجنرال محمد نجيب هابطا من الطائرة لمقابلة الملك عبد العزيز آل سعود بتلك الابتسامة المنتصرة العريضة لا تني أن تحدس مدى دخول الأمة في برزخ طويل جديد لما تنتهي كوارثه من التخبط وغياب الرؤية الكاملة، والانزلاقات الخطرة، ليس بسبب (وهم) الثورة المختومة بختم العسكر فحسب، بل لصعود قيم الفرد/ البطل/ المنقذ/ الوحيد/ والمفعم بجنون القيادة والمطعّم بمصل اللااستشارة (أنا قائدكم الأعلى والأعلم فامتثلوا لما أرى وما سيكون فأطيعون!) ويمكن لأعضاء القيادة المغموسين بممارسة السلطة حتى من خلال متسلط واحد يمكنهم الوقوف بالطابور لمتابعة تفكيك وإعادة تركيب بندقية كلاشنكوف عيار.. كما يمكن نحرهم ك( المشير عبد الحكيم عامر) مكافأة لهم على دورهم في الهزيمة عام 1967 الرجل السكير النائم في حضن برلنتي عبد الحميد ليلة سيّر الجنود الصعايدة بملابس مدنية وعودتهم أسرى بها أيضا. سوق الحمير في غزة في خطر بسبب (التك تك) المهربة عبر الأنفاق.يرسم احدهم كاريكاتيرا لرئيس جمهورية عربية كبيرة وهو يركب التك تك تيمنا بحل أزمة النقل في عصر السلام. لم يعد بحاجة إلى إنزال الجيش لتصعيد الموظفين في السيارات العسكرية كي يصلوا إلى دوائرهم مبكرين لكنه أنزل الجيش ليطعم الشعب خبزا.. لا بأس بالعسكر الفرانين!
مرحى لانتقام الأسلحة الفاسدة في حرب 1948!. سجن القلعة جاهز لليساريين. وكذلك سريان مفاهيم الجماعة التابعة له، القابلة والمطبلة بشدة (بالروح بالدم!) ربما يكون الأنموذج العراقي هو الأقرب إلى السطح الإعلامي والأشد وقعا بسبب الاحتلال ورغبته في تسخيف (الأحادية) السياسية والنماذج الأخر التي لا تقل بلادة عنه كموقف المشير عبد السلام عارف القائل: غبار الوطنية خير من تبليط الاستعمار!! قال العقيد عبد السلام عارف لعبد الناصر عشية زيارته للقاهرة بعد استقرار(الثورة) في العراق: أنا أستطيع ان أقتل قاسم بطلقة بعشرة فلوس! أيضا.
وكلّ ما في الوضع هو شدة تسليط الأضواء الخارجية فحسب. فإن أنموذج البدوي العارف بكل ّشيء الأمير على كلّ شيء لا يزال قائما على نحو أقل وطأة من العسكر. وهكذا تراجعت قيم النهضة الشاملة لتحلّ محلها (قيم) الثورة الشاملة كانت النهضة العربية قد دخلت في حقبة تاريخية مختلفة. وبغض النظر عن أولئك الذين لازالوا يدافعون - ربما بحماسة أقل- عن حقبة العسكرتاريا العربية، أصحاب الأحذية المثقوبة، إلا إن الأجيال العربية القادمة إذا ما تسنى لها الحرية وحسن التأمل والتدقيق في تلك الحقبة فإنها ستجد من (الأهوال) أكثر مما وجدته أجيال ما بعد هزيمتي 1967 و2003 (العربيتين)؛ وتعد الهزيمة العسكرية والسياسية والإستراتيجية في حرب 2003 على العراق بداية النهاية الرسمية والطبيعية للعسكرتاريا العربية عموما، وبداية عصر (الفوضى) في عموم الجسد العربي، فضلا عن ظهور قيم وأطروحات ومفاهيم حول نهاية القومية العربية وبداية حقبة المحليات اللاوطنية وباستشارات موسادية أيضا.
وهكذا بقيت ذكراه مسطرة في كتب تواريخنا المدرسية فقط، حتى بات من الممكن في هذا الوقت بالذات لجيل الاتصالات العالمية العربي أن يحقق مليا في تلك النهضة. لقد أردنا أن نقنع ذواتنا بوجود نهضة (ما) كما الأمم التي نهضت قبلنا كالشعوب الأوربية وكذلك الصين واليابان وماليزيا. هكذا كان الطلبة يرون صور جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده لكنهم بالطبع لا يرون صور سلامة موسى في مصر ولا عبد الفتاح إبراهيم في العراق ولا مالك بن نبي في المغرب: كلّ أولئك في كينونتهم الأولى لم يمارسوا النهضة! كانوا محض حكواتيين، أو ترجمانات سيئين عن الغرب، أو ترجمانات أكثر سوءا عن السيد الماضي العظيم.
وفي وقت يتم تخوين أولئك المعارضين القلة القابعين في الجحور من اليمين الديني المشحون برؤى الماضي الذهبي المائل للاحمرار، واليسار الكرتوني المتبقي الفاقد لرؤى المستقبل، الذي لم يلبث بعد ضربات إجهاضية متواصلة من العسكرتاريا على مستوى الأمة ان تحول إلى يسار (كلامي) مدبّج ومهاجر في أفضل أحواله؛ ثم تحول التيار الديني المعارض إلى ضفة الإرهاب ليكون له قاعدة نخبوية شرسة ومدججة بالموت وإعلامية مريعة مدججة بتكنولوجيا الاتصال الكيبوردي والبشري السهل لتكفل الانتشار السريع بين أولئك المتعاطفين والناقمين والمرضى ماضويا.
لم يعد ثمة أحد يتذكر الآن تقريبا الفوضويين الروس وليون تروتسكي وبادرماينهوف الألوية الحمراء وحتى منظمة (فارك) اليسارية المخدراتية التي يجري تفكيكها وسيء إلى سمعتها كثيرا كواحدة من آخر قلاع اليسار في أميركا اللاتينية: إنهم محض تجار مخدرات وخاطفي أجانب. أما السيد تشي غيفارا، زعيم الحرية في النصف الثاني من القرن العشرين، فإنه تحول إلى لصقة على "تشريتات" سود لشبان مهووسين صغار (هل يمكن لصق صورة خالد محي الدين مثلا!؟) لم يعد غيفارا ثائرا متصوفا بالثورة الدائمة بل مجرد ذكرى صورة تطل علينا كدعاية هائجة تقدمها معامل نسيج رأسمالية. حسنا جدا. لم يعد الإرهاب يساريا على أية حال. شكرا. وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي المروع وما تبعه من تشككات في قدرة الاشتراكية والاشتراكية العلمية على حلّ مشكلات الاستغلال الإنساني التاريخية. لتظهر بعد ذلك دعاوى (نهاية التاريخ) التي أعد لها على عجل لتكون الرأسمالية بأبشع صورها العسكرتارية الجديدة وأحذيتها الخفيفة، ودفاعها الزائف عن حقوق الإنسان بديلا إيديولوجيا مناسبا! ثم بدأت الولايات المتحدة بعد دعمها اللامحدود لقوى الإسلام السياسي وتزايد الدعم الأمريكي في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، لجماعات الإسلام المسلحة اليمينية لتكون الدعامة الأساسية على هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان: هذا البلد المنجم الجاهلي القديم للقنابل البشرية. كانت أفغانستان ولا زالت البلد الذي يحدث ما يكفي من الهزائم للغزاة بكل ألوانهم، ولسوف لن يكون مصير الاميركان بأفضل من سابقيهم. يقوم الإمام فيصل عبد الرؤوف بالقاء خطبة من المركز الثقافي(قرطبة) بالقرب من ground zero حول أشياء كثيرة عدة، خطيرة؛ يرقب طفل نوع حذاءه.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعترافات الشيخ احمد الكبيسي
- هل يُناط بطارق عزيز دورا (ما) جديدا؟
- راشيل كوري/ مركريت حسن
- حسن العلوي: قلق ولاء قديم/ قلق الحاضر
- لحظات فانية
- بقعة الأرجوان
- أرض الريشوله(*)
- جراد أصفر
- خيول بيض
- رائحة بول غريب
- من أين تبدأ الديمقراطية؟ قراءة في تجربة حزب الوفد المصري
- حسن العلوي : الحصان الشيخ الراكض
- الأرجواني المزرق
- درس علي شريعتي/ مفكر الثورة الإيرانية
- (الدريع)(*)
- (لم يعد الصمت ممكنا) إجابات سريعة في اليسار العراقي الجبان
- بخفة الورقة او أقل
- سعال ديكي
- سعادة الله
- الماركسية الجديدة في المواجهة


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رياض الأسدي - مصفوفة يسار قادم (1-1)