أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الماركيز دى ساد بين المسرح والواقع















المزيد.....

الماركيز دى ساد بين المسرح والواقع


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5141 - 2016 / 4 / 23 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الماركيز دى ساد بين المسرح والواقع
طلعت رضوان
شخصية الماركيز دى ساد من الشخصيات المُـحيـّـرة تاريخيـًـا ، خاصة وقد كان له دور فى أحداث الثورة الفرنسية. وظهرتْ عنه مؤلفات عديدة أرّختْ لشخصه. بجانب الأعمال السينمائية والمسرحية. ووصل الاهتمام بحياة الماركيز دى ساد إلى الإبداع اليابانى ، حيث كتب (يوكيو ميشيما) مسرحية (السيدة دى ساد) ومن العنوان يتبيـّـن أنه ركــّـز على شخصية السيدة زوجة الماركيز. لماذا ؟ لأنّ تلك السيدة ظلــّـتْ على الوفاء لزوجها ، رغم شذوذه وسجنه الطويل ، ورغم الرشاوى التى دفعتها ليخرج من السجن ، فإنها عندما خرج وذهب إليها رفضته ، وقرّرتْ أن تعيش باقى أيامها راهبة.
تبدو براعة المؤلف اليابانى فى أنه لم يُـجسـّـد شخصية الماركيز على المسرح ، بيينما ركــّـز على شخصية زوجته ، لأنه اعتبر رفضها له - بعد سنوات الوفاء – هو المحور الأساسى لتلك العلاقة بين الزوجيْن.
كانت الزوجة تستمع إلى الأخبار المُـتداولة عن شذوذ زوجها ، مثل ولعه برؤية النساء العاريات ثم تعذيبهن ورؤية الدم النازف من أجسادهن ، لدرجة أنّ البارونة دى سيميان (التى ترمز إلى الدين) قالت لأم الماركيزة ((إنّ اسمك لم تلــُـوثه أية فضيحة من قبل. وبمقدورى أنْ أتصور العذاب الذى سبـّـبه مثل هذا الصهر المُـتحلــّـل)) فإنّ الأم هوّنتْ من الأمر فى البداية. فقالت لها السيدة دى فون (رمز الشهوات) بسخرية : إنّ مصاصى الدماء فى غاية الرقة. وأنّ الماركيز يصطاد العاهرات لإشباع شذوذه ، فقالت الأم : أى جرأة منك أنْ تستخدمى هذه الكلمة؟
قبل القبض على الماركيز تمكــّـن من الهرب ، فصدر حكم المحكمة بإعدامه. وقام بعض الغوغاء بحرق صورته فى ميدان عام . فكان تعليق البارونة دى سيميان (المُـتعصبة دينيًـا) تلك كانت نيران التطهر عن كل خطايا الماركيز بمجرد حرق صورته. وهكذا لضم المبدع الواقع بالخرافة.
من المحاور المُـهمة فى المسرحية أنّ أم زوجة الماركيز استعانتْ بسيدتيْن من أجل العفو عن زوج ابنتها. مع مراعاة التناقض بين هاتيْن السيدتيْن : فإحداهما سيميان (رمز الدين) قالت إنها ستلجأ للفاتيكان لطلب العفو. بينما الثانية سان فون (رمز الشهوات) فقالت للأم ((سأبذل كل ما فى وسعى لا من أجلك ، وإنما من أجل الماركيز. سأمضى من رفيق فراش إلى آخر. مُـتنقلة من حلقة اتصال إلى أخرى ((حتى أصل إلى كبير المستشارين ، المثال الأعلى للفضيلة ، والذى سأغويه بفنونى ليُـبطل حكم المحكمة. أمن أجل هذا دعوتنى ؟ لتطلبى منى أنْ أستخدم جسدى)) وعندما استنكرتْ الأم كلامها أضافتْ سان فون ((طلبك جدير بالاعجاب. تتوسلين بالشر لانجاز عمل فاضل)) وعندما انصرفتْ تلك السيدة قالت الأم عنها : يا للأفعى الخبيثة !! من كان يظن أننى سأضطر لطلب جميل من امرأة على هذه الشاكلة ؟
وفى نفس الوقت توسّـلتْ الأم لابنتها لتطلب الطلاق من الماركيز. وأضافتْ ((ولستُ أبالى بتأثير هذا على صلاتنا بالعائلة المالكة)) فكان رد ابنتها ((ليس الطلاق مما أباحه الله)) وهنا فإنّ المؤلف بأسلوب أدبى رفيع مزج بين الواقع وسيطرة اللغة الدينية وطغيانها على تفكير الزوجة. فكان رد الأم أنّ ولع الماركيز بضرب النساء بالسياط وهنّ يمضغنَ قطع الحلوى ، خزى وعار. وحاولتْ اقناع ابنتها بأنّ زوجها رجل شاذ. دافعتْ الزوجة عن موقفها فقالت ((يقول الناس إنّ زوجى مجرم . لكنه توحـّـد مع جرائمه فى أعماقى . ابتسامته وغضبه. رقته وقسوته. لمسات أصابعه حينما يضرب العاهرات بسوطه. وتوحـّـدتْ إليتاه اللتان استحالتا قرمزيتيْن نتيجة للجلد الذى تلقاه من عاهرة)) فقالت الأم ((إنك تحطين من قدرك بهذه المزاوجة بين ما هو دنس وما هو مقدس . وقد يكون توق الماركيز للدماء له علاقة بأمجاد أجداده الذين شاركوا فى الحملات الصليبية)) وهكذا ببراعة فائقة فإنّ المبدع اليابانى سخر من حملات الغزو تحت رايات الصليب، ومن الماركيز فى وقت واحد.
ومع التوتر الدرامى تدخل (آن) أخت زوجة الماركيز، ومن الحوار مع أمها نعلم أنها أقامت علاقة مع زوج أختها فقالت الأم ((إنّ الماركيز شيطان . لا يكتفى بواحدة ، وإنما بابنتىّ معًـا)) ثم طلبتْ من ابنتها أنْ يظل هذا الأمر سرًا فلا تــُـخبرأختها ، ونزلتْ الصاعقة على الأم عندما قالت الابنة إنّ أختى (زوجة الماركيز) على علم بعلاقتنا . وينتهى الفصل الأول بأنْ تراجعتْ الأم عن طلب العفو عن الماركيز.
فى الفصل الثانى تـمّ القبض على الماركيز، وصدر الحكم بسجنه ويُـحظر عليه الإقامة فى مرسيليا لمدة ثلاث سنوات لارتكابه جرائم اللواط وإفساد الأخلاق . ومع قرب الافراج عنه فإنّ زوجته قالت ((فى تلك اللحظة بدتْ خطاياه كما لو كانت قد انصهرتْ مع شقائى . كنتُ أستشعر وحدته فى السجن . وكنتُ أعلم مدى الفسوق الذى انغمس فيه. وعدد الرجال والنساء الذين شاركوه لذاته)) وبرّرتْ موقفها المُـتناقض بأنْ قالت ((لم يكن لى خيار فى سلوكى. كان أقرب لسلوك الأم)) ثم تكون المفاجأة عندما تقول لأختها (عشيقة زوجها) أنا التى اخترتك له.
وشخصية أم الزوجة قـدّمها المُـبدع بشكل درامى مؤثر، حينما علــّـلتْ نجاحها فى عدم الافراج عن المركيز، وفى نفس الوقت حبها لابنتها فقالت ((لقد سئمتُ من موقف الخصم من ابنتى . وما كان دافعى للتصرف على نحو ما فعلتُ إلاّ التفكير فى سعادتك)) وطلبتْ منها أنْ تهجر الماركيز نهائيًـا . فكرّرتْ ابنتها رفض طلبها وتمسّـكتْ بزوجها. وقالت : إنّ قلب زوجى هو قلبى رغم أسوار السجن. وبينى وبينه روابط أقوى مما يستطيع أى إنسان فصم عراها. فقالت لها أمها : إنّ إطلاق سراحه يعنى العودة إلى السياط فهل معاناتك معه تــُـشعرك بالسعادة؟ فقالت الابنة : أى سعادة أعظم بالنسبة لزوجة مخلصة من أنْ يُـطلق سراح زوجها؟
فى الفصل الثالث عاتبتْ الأم ابنتها لإصرارها على زيارة زوجها فى السجن طوال12سنة. ثم ينقلب موقف الأم عندما تتوهـّـج نيران الثورة ، وتسمع شعارات المتظاهرين ((اشنقوا النبلاء على أعمدة المصابيح)) وعندما علمتْ أنّ الماركيز (دى ساد زوج ابنتها) انضم لصفوف الثوار، قالت لابنتها ((هاهو على وشك استعادة حريته. وليغفر لى ما جنته يداى . لقد أصبح له اصدقاء فى صفوف الثوار. ووعد بمساعدتى إذا واجهتنى الصعوبات)) ولما علمتْ أنّ ابنتها ستدخل الدير انزعجتْ ، فكان رد الابنة المفاجىء أنها كانت تزور زوجها طوال تلك السنوات ، مع الإصرار على الترهبن ((وفى كل مرة أذهب لرؤيته كنتُ أعقد العزم على أنها ستكون الأخيرة. وفى المرة التالية ينهار عزمى)) ولكن الأم الحريصة على مصالحها ، وأنّ الماركيز سيقف معها قالت ((أعترف بأنّ الماركيز هو السفالة بعينها . لكن المجرمين والمعتوهين هم من يحكمون الآن)) فقالت ابنتها ((أرى أنك قرّرتِ استغلاله)) فقالت الأم ((بالطبع قرّرتُ. ولهذا أحتاج لمساعدتك)) ولكن ابنتها أصرّتْ على الرهبنة وقالت ((لقد اكتشفتُ أنّ كفاحى لمساعدته فى الهرب ، وجهودى للعفو عنه ، كل هذا كان مضيعة للوقت . كان الماركيز يُـحاول تقنين الشر. إنّ هذه الدنيا التى نحيا فيها من خلق الماركيز دى ساد. هو أغرب رجل عرفته. خيط نور من الشر)) ويكون ختام المسرحية عندما تدخل الخادمة لتــُـعلن أنّ المركيز على الباب ، وتسأل: هل أدخله ؟ فقالت زوجته (اطلبى منه أنْ يرحل . وقولى له : لن تراه الماركيزة أبدًا))
وهكذا استطاع يوكيو ميشيما تجسيد شخصية الماركيز دى ساد (الذى لم يظهر فى المسرحية) من خلال شخصية زوجته التى جمعتْ بين الوفاء لزوجها حتى يخرج من السجن، ولفظها له نهائيًا.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغزى أنْ يستعين النظام بترزية القوانين
- لماذا لم يتعلم العرب درس التقدم ؟
- عبد الوهاب المسيرى وتفسيره الإسلامى للحضارة
- هل مصر دولة دينية أم مدنية ؟
- ليه النظام خايف يعرض الاتفاقيه على البرلمان ؟
- هل الأنظمة الوطنية تفرط فى أراضيها ؟
- لماذا لا يتم تدريس التاريخ الحقيقى للإخوان المسلمين ؟
- لماذا يدافع الأزهر عن الدواعش ؟
- المفكر الرافض نموذج النسخة الكربونية : د. على مبروك نموذجًا
- تاريخ العلاقة بين فكرة الآلهة والبشر
- مفتى مصر ومفهوم المواطنة
- لماذا لا تتعلم أوروبا الدرس ؟
- نداء إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية
- لماذا الرعب من الاتهام بالسامية ؟
- أوروبا وكيف انتصرت العقلانية
- تاريخ علم المصريات
- ما سر عودة الحمساويين للتمحك فى مصر؟
- ما سر المتاجرة بمصطلح (الوسطية) ؟
- توابع موت عمران الأعسر - قصة قصيرة
- تعصب المسيحيين والمسلمين من خميرة واحدة


المزيد.....




- “ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا ...
- الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل ...
- “طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها ...
- غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة ...
- مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس ...
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا ...
- قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الماركيز دى ساد بين المسرح والواقع