أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك بارودي - على هامش الزوبعة الإعلاميّة حول المصاحف المحرّفة في تونس















المزيد.....

على هامش الزوبعة الإعلاميّة حول المصاحف المحرّفة في تونس


مالك بارودي

الحوار المتمدن-العدد: 5135 - 2016 / 4 / 17 - 21:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


على هامش الزوبعة الإعلاميّة حول المصاحف المحرّفة في تونس

ثارت زوبعة كبيرة في الأيام الأخيرة الماضية عن وجود مصاحف للقرآن متداولة في الجمهورية التونسية وتحتوي على أخطاء. وقد كانت وزارة الشؤون الدّينيّة هي التي أثارت هذه الزّوبعة، لأسباب سنتعرّض لبعضها لاحقا. وقد ورد في جريدة "الصّريح" التّونسيّة (العدد 5077، الخميس 14 أفريل 2016، ص 3) مقال رصد حيثيّات الموضوع عنوانه "الكشف في تونس عن مصحف للقرآن الكريم يتضمّن أخطاء فادحة. لا تتداولوا هذا المصحف!" وكان نصّه كالآتي:
.
"دعت وزارة الشؤون الدّينيّة الكتبيّين إلى «الإمتناع» عن بيع مصحف للقرآن الكريم «معروض للبيع ويتمّ تداوله بين المواطنين وذلك لتضمّنه أخطاء فادحة ولنقصِ عدد سوره».
"وأوضحت الوزارة أمس أنّ «المصحف الذي يتمّ تداوله بين المواطنين برواية قالون عن نافع المدني، مطبوع بتونس، من طرف دار العلماء، عدة طبعات ومتحصّل على ترخيص سنة 2005، يتضمّن أخطاء فادحة تتمثّل أساسا في سوء ترتيب صفحاته في مواضع عدّة ونقص 15 سورة (من سورة الحشر إلى سورة الإنسان)». وطالبت وزارة الشّؤون الدّينيّة الدّار النّاشرة بالمبادرة بجمع النّسخ المتوفّرة بالمكتبات وإعادة مراجعتها. كما أهابت الوزارة بالذين وقعت الطّبعة المذكورة بين أيديهم «تسليمها إلى أقرب إدارة جهويّة للشّؤون الدّينيّة أو إلى مقرّ الوزارة». وحثّت أيضا في بلاغها الوعّاظ المحلّيّين والأئمّة على تفقّد المصاحف الموجودة بمكتبات الجوامع والمساجد والكتاتيب ومقرّات الجمعيّات القرآنيّة وتسليم نسخ المصحف المشار إليه، إن وُجدت، إلى الإدارة الجهويّة للشؤون الدّينيّة.
"وكان وزير الشّؤون الدّينيّة محمّد خليل كشف في وقت سابق عن طبعة من مصحف للقرآن الكريم يتمّ ترويجها في تونس وتحتوي على بعض الأخطاء وتنقصها 25 سورة من القرآن الكريم. وليست هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها ترويج مصحف قرآني في تونس يحتوي على أخطاء مطبعيّة أو نقص في عدد السّور أو الآيات. وقد سبق التّفطّن إلى ذلك وإصلاح الأمر. كما أنّ المصاحف المحرّفة في الغالب الأعمّ ليست تونسيّة الطّبع وإنّما هي مستوردة من الخارج ولكن سرعان ما يتمّ الكشف عنها ومنعها من التّرويج حتّى قبل تسويقها.
"وموضوع المصاحف المحرّفة لا يخصّ تونس وحدها فقد تمّ إكتشاف أخطاء في طبعة للقرآن الكريم في عدد من المصاحف بأحد المساجد في السّعوديّة، حيث وُجدت أخطاء في سورة البقرة في الآية رقم 21 بكتابة كلمة «خلفكم» خطأً بدلا من الصّحيحة «خلقكم». وقد إكتشفها إمام جامع التّقوى بمنطقة الخرمة في السّعوديّة. وكانت الطّبعات ويصل عددها إلى 200 طبعة قد وزّعها فاعل خير مجهول منذ حوالي شهر ولم يتمّ إكتشافها إلّا مؤخّرا.
"ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها التي تكرّرت في طبعات القرآن الكريم، إذ تمّ إكتشاف أخطاء فادحة في بعض المصاحف في لبنان منذ عامين.
"وتتوالى سلسلة الأخطاء في بعض نسخ القرآن الكريم حيث إكتشف شابّ سعودي أخطاء فادحة في نسخة مصحف صادر عن دار الفرقان سوريا منذ عامين، لكن النّسخ هذه المرّة لم تكن مجهولة المصدر بل إنّ المصحف تمّت مراجعته من عدد من العلماء الأفاضل، وصدرت موافقة مدير دار الإفتاء العام والتّدريس الدّيني في سوريا ومنحت الإذن بطباعته وموافقة من مديريّة الرّقابة بوزارة الإعلام في سوريا وإدارة البحوث الإسلاميّة والنّشر في الأزهر ورئاسة إدارة البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة والإرشاد بالمملكة العربيّة السّعوديّة. وقد إكتشف الشّابّ أنّ هناك سورًا غير موجودة في المصحف فضلا عن تكرار وتداخل في السّور أكثر من مرّة وعدم وجود آيات بأكملها في المصحف.
"وما حدث في المملكة العربيّة السّعوديّة حدث عدّة مرّات في مصر... وقد تمّ مصادرة مصحف «دار التّوفيقيّة» بالقاهرة الصّادر عام 2003، حيث وُجدت به أخطاء فيما يخصّ ترتيب الملازم. وفي عام 2006، أبلغ مجمع البحوث الإسلاميّة الجهات الرّسميّة بمصادرة ما يقرب من عشرين ألف نسخة من المصحف مليئة بالأخطاء التي كانت في ترتيب الآيات والكلمات وأرقام الصّفحات. وفي عام 2001 وجدت نسخ من القرآن الكريم مهرّبة من إسرائيل، تمّ ضبطها في مصر ومصادرتها. وجرت حينها حملة واسعة النّطاق من قبل الحكومة المصريّة على المكتبات ومحلّات بيع الكتب لمصادرة هذه المصاحف المحرّفة والمهرّبة من إسرائيل والتي قدّرت بحوالي ألفي نسخة، وحذّر مجمع البحوث وقتها من أعداء الإسلام المتربّصين بالمسلمين في كلّ البلاد الإسلاميّة، وقامت السّلطات المصريّة بإحراق النّسخ المحرّفة.
"وفي نوفمبر 2005، قرّر مجمع البحوث الإسلاميّة مصادرة جميع نسخ ما يسمّى «المصحف اللّبناني» الذي إنتشر بين أوساط الشّباب في الجامعات، خاصّة في القاهرة، وتحتوي على أغلفة متعدّدة الألوان، وتمّ سحبُ هذا المصحف من الأسواق والتّنبيه على المطابع بعدم طبعه مرّة أخرى والإلتزام بما وضعه مجمع البحوث من أشكالٍ للمصحف، تعظيما وإجلالا لكلام الله عزّ وجلّ، مضيفا أنّ «مثل هذه المصاحف تمثّل إستهانة بكتاب الله، وأنّ المصحف ليس صحيفة أو مجلّة»."
.
كانت هذه زوبعة مفتعلة، والأدلّة على ذلك تكمن في نصّ المقال نفسه، فهي ليست المرّة الأولى التي يحدث فيها أن توزّع مصاحف بها أخطاء أو منقوصة من بعض السّور، وبالتّأكيد لن تكون المرّة الأخيرة. ولكن، لتعزيز رأيي في هذا الموضوع، من الضّروري التّوقّف عند بعض الملاحظات.
.
بداية، لنركّز الضّوء على مصدر هذه الزّوبعة الإعلاميّة التي شغلت النّاس هذه الأيّام، أي على وزير الشؤون الدّينيّة. يترأّس وزارة الشّؤون الدّينيّة اليوم "محمّد خليل"، وزيرٌ قيل أنّه شيخٌ زيتوني ودكتور متخصّص في الدّراسات الإسلاميّة. وفي حقيقة الأمر، كلّ هذا لا يهمّني في شيء، فلا معنى أصلًا للفظ "الدّراسات الإسلاميّة" حتّى يكون هذا الشّخصُ متخصّصا فيها ومتحصّلا على شهادة الدّكتوراه. فعبارة "دكتور في الدّراسات الإسلاميّة" تتساوى عندي مع عبارة "دكتور في الوهم والخرافة" أو "دكتور في الضّراط". لكن ما أردت الوقوف عنده يتمثّل في ما رأيته من هذا الرّجل من كذب وخداعٍ ونفاقٍ سافر في معظم إطلالاته التّلفزيونيّة والإذاعيّة. وقد كان الرّجل قد صرّح يوم 16 فيفري 2016 في برنامج حواري على قناة "نسمة" (1) أنّ هناك «500 شيعي تونسي، على عكس ما يتمّ ّترويجه حول وجود 20 ألف شيعي في البلاد». ولا أعرف من أين إستقى الوزير معلومته تلك، في غياب إحصائيّات وبيانات يمكن الإستناد إليها وتحليلها بطريقة علميّة... (وإن كان صادقًا في كلامه، فنحن في إنتظار أن يمدّنا بتلك الإحصائيّات). غير أنّي تعوّدت على كذب هؤلاء الشّيوخ ولم يعد هناك شيء يمكن أن يثير دهشتي أو إستغرابي. فالكذب والنّفاق ملازمان لهم في كلّ لحظة لا ينطقون بغيرهما في سبيل إعلاء راية الإسلام، كما علّمهم القرآن. فمبدأ التّقيّة مبدأ قرآني، وليس حكرًا على الشّيعة ولا هم الذين إخترعوه.
.
وفي تصريح لراديو "كلمة" يوم 17 مارس 2016، "عبّر وزير الشّؤون الدّينية محمد خليل عن إستغرابه من تجاهل الطّبقة المثقّفة والنّخبة للقرآن الكريم." وأضاف محمد خليل قائلا: «للأسف المثقفون والمبدعون الأغلبية لا يحفظون ولو حزبا واحدا من القرآن الكريم رغم أنّهم من أصحاب شهائد عليا في اختصاصهم وبل ونجدهم علماء في ميدانهم». وطالب الوزير النّخبة بالإهتمام أكثر بالقرآن الكريم وبالقيم الإسلامية. (2) وهذا تهجّمٌ فجٌّ ومجّاني لا معنى له، إلّا أن يكون الوزير قد ظنّ نفسهُ وصيّا على النّاس يُصنّفهم كما يشاء ويُملي عليهم ما يجبُ أن يفعلوه أو يقولوه. القرآن كتابٌ مثلُ كلّ الكتب، لا يضرّ عدمُ حفظه أحدًا، بل كلّ الضّرر متأتٍّ ممّن حفظوه وبحثوا في تفاسيره وفي كمّ الهلوسات التي في كتب التّراث من أحاديث وتأويلات وفقهٍ وغير ذلك، والكثير من هؤلاء موجودون اليوم في أحضان "الدّولة الإسلاميّة" و"أنصار الشّريعة" و"القاعدة" وغيرها من الجماعات الإسلاميّة الإرهابيّة (مع وضْعِ ما تريدون من الأسطر تحت كلمتي "الإسلامية الإرهابيّة"). ثمّ، هل من المفروض أن يكون الحاملُ لشهادة عُليا في الفيزياء النّوويّة أو في الطّب أو في الكيمياء مثلاً حافظًا للقرآن؟ على أيّ أساس؟ لا شيء. وبماذا سينفعه ذلك؟ لن ينفعه بشيء. وقد أثار هذا التّصريح ردود أفعال كثيرة مستنكرة لكلمات الوزير البلهاء ولمنطقه الأخرق، فخرج بعد يومين وعلّق على كلامه السّابق قائلا: "أنّه لم يقصد إهانة وتجريح النّخبة المثقّفة عندما قال بأنّ المثقّفين لا يحفظون ولو جزءا من القرآن الكريم." وتابع الوزير قائلا "ما قصدته هو ضرورة أن تهتمّ النّخبة المثقّفة بالقرآن وبدراسته في إطار التّثقيف الدّيني". (3) وهذه هي سياسة البُلهاء والمنافقين التي ينامُ التّونسيّون عليها ويصحون منذ خمس سنوات، سياسة التّصريحات وتصحيح التّصريحات والزّعم بأنّ تصريح يوم كذا لم يتمّ فهمه بالطريقة الصّحيحة أو تمّ تأويله تأويلا مجانبًا لما قصده قائله، إلخ.
.
وفي يوم 12 أفريل 2016، خلال ندوة علميّة عُقدت تحت عنوان "الإرهاب في ميزان الأديان السّماويّة" (4) قال محمّد خليل "أن مقاومة ظاهرة الإرهاب تتطلّب تعليم النّاشئة القيم الإسلامية السّمحة والأصول الدّينية السّنّيّة الوسطيّة وتوعيتهم بخطورة هذه الظاهرة" متناسيا ما ينهق به المسلمون منذ 1400 سنة من أنّ الإسلام واحدٌ فإمّا أن تقبله ككلّ وإمّا فأنت كافرٌ، فمن أين أتى إسلامكم الوسطيّ هذا؟ ألا ترى أنّ الحديث عن القيم الإسلاميّة السّمحة يُصبحُ مضحكا حين تقارنه بما ورد في القرآن من آيات إرهابيّة ومن عنف وما ورد في كتب الأحاديث والسّيرة من مجازر ومن إعلاء للوحشيّة والحيوانيّة بإسم "الجهاد" و"الله أكبر"؟ مقاومة الإرهاب لا تتطلّب إلّا مقاومة الإسلام في حدّ ذاته، لأنّ الإرهاب أمرٌ قرآنيّ ثابتٌ ولن يسعفك كلّ نفاقك في التّملّص من هذه الحقيقة.
.
وأشار محمد خليل في نفس تلك النّدوة إلى "أهمية أن تشترك الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية فى بلورة مقاربات مشتركة تتركز على إقحام هذه المفاهيم والظواهر التى تمثّل خطرًا على إستقرار وأمن المجتمعات ضمن البرامج التعليمية فى مختلف مراحلها. كما لاحظ الوزير فى مداخلته أن الدّين الإسلامى يقبل التّنوع والتّعدد ويدعو إلى احترام أكبر للدّيانات الأخرى وفق التعاليم الإسلامية السّمحة." ألا يقول القرآن "إنّ الدّين عند الله الإسلام" أي أنّه هو الدّين الوحيد المقبول والواجب إتّباعه؟ لماذا لم تقل هذا يا وزير الشؤون الدّينيّة؟ أم أنّ الآية منسوخة أو خاطئة؟ ثمّ ألستم تعلّمون هذه "النّاشئة" التي تتحدّثون عنها أنّ كلّ الأديان محرّفة وأنّ كتبهم محرّفة وأنّ أتباعها هم "المغضوب عليهم والضّالّون" الذين تتحدّث عنهم سورة "الفاتحة"؟ بداية قرآنك تكفير وسبّ وتشهير، فلماذا تسلك طريقًا آخر غير الذي سطّره لك قرآنك؟ أم أنّك تخجل منه وممّا فيه أو تخجلُ من أن تصرّح به للآخرين؟ كيف ستعلّم النّاشئة كراهية الإرهاب وتُبعدهم عنه وأوّلُ سورة في القرآن دعوة لكراهية كلّ من هو ليس مسلمًا؟ كيف ستُفبركُ هذه الخلطة العجيبة بين قرآن آياته إرهابيّة وحملة لمقاومة الإرهاب إذا لم يكن كلّ هذا مسرحيّة بائسة؟
.
كلّ ما ذكرناه أعلاه يدلّ دلالة واضحة على أنّ هذه الزّوبعة الإعلاميّة الجديدة التي أثيرت حول مصاحف للقرآن تحتوي على أخطاء ليست إلّا عمليّة مفتعلة من طرف الوزير المذكور للضّحك على ذقون النّاس وللتّغطية على أمور أخرى أو لإستعمالها لتمرير مخطّطات بائسة...
.
والحقيقة أنّ ما تمّ تداوله من تصريحات حول "أخطاء" في المصحف لا يمتّ للواقع بصلة، فكلّ ما في الأمر هو خطأ في ترتيب الأوراق التي تتمّ بطريقة آليّة مثلما هو الحال بالنّسبة لكلّ ما يخرج من المطابع من كتب سواء كانت أدبيّة أو علميّة، فالخطأ واردٌ والآلة لها طريقة عملٍ تتبعها لا يهمّها ما هو مكتوب في الأوراق التي يمدّها بها العامل عليها فتقوم بتجميعها مثلما هي. فنجد في بعض الحيان أوراقا بيضاء متتابعة في الكتاب وفي أحيان أخرى تختلط الأوراق فتجدُ أوراقا في غير مواضعها الطّبيعيّة. فما قيل أنّه خطأ في المصحف ليس إلّا خطأ في الطّباعة ولا يستحقّ كلّ هذه الجلبة التي قامت بها الوزارة وحالة الإستنفار التي جعلت النّاس يعيشون على وقعها.
.
ثمّ أنّ المصاحف في تونس تخضع إلى مراقبة مسبقة من طرف لجنة المصاحف التّابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، وبالتّالي فإنّ الوزير بإحداثه كلّ هذا الهرج قد تعدّى على مهام هذا المجلس والتي يضبطها القانون (رغم إقتناعي بأنّ المجلس الإسلامي الأعلى نفسه مؤسّسة تافهة لا معنى لها ولا تنفع بشيء)، بل وإستحوذ عليها دون وجه حقّ. فمن يمنع اليوم مواطنًا من الإعتداء والإستحواذ على مهام أيّ وزير ووزيرُ الشّؤون الدّينيّة نفسه قدوته في ذلك؟ أم أنّ الوزير يحقّ له ذلك ولا يحقّ لغيره؟
.
غير أنّ السّبب الرّئيسي الذي يقف وراء هذه الزّوبعة هو في نظري مرتبط بشيء آخر. فهذه الضجّة ستكون تعلّة للوزير لتنفيذ مخطّطه الذي تحدّث عنه في شهر مارس 2016 والمتمثّل في "تحفيظ القرآن لمائة ألف شخص" (5)، مع ما يصاحب ذلك من تكوين لجان وتعيينات وأموال ورسكلة لحفظة القرآن في داخل الجمهوريّة وخارجها. وهذه صفقة مربحة لكلّ من يريد نهب أموال الدّولة (أو ما تبقّى منها)، خاصّة أنّها ستأتي تحت شعار الحرص على الشّأن الدّيني والدّفاع عن كتاب الله ودينه ورعاية القرآن وأهله وكلّ الشّعارات الجوفاء التي تعوّدنا على سماعها والتي يعرفُ الوزير وغيره من الضّاحكين على ذقون النّاس أنّها ذات وقعٍ كبير في نفوس المسلمين. وهي ضجّة ستساهمُ في جعل النّاس ينسون فشل وزارة الشّؤون الدّينيّة الموقّرة في إسترجاع المساجد المنفلتة والغير خاضعة لها والتي تفوق الثمانين مسجدًا.
.
فإلى الأمام، يا وزير الدّين الوصيّ على المواطن وما يجب أن يقرأه ويحفظه والحارس للقرآن مثلما كان عثمان بن عفّان حين أحرق مع سبق الإضمار كلّ المصاحف التي لم توافق هواه ولم تُعجبه ولم يترك إلّا النّسخة التي رضي عنها وإرتضاها للآخرين ثمّ فرضها عليهم دون دليل. فهل القرآن محفوظ بقدرة الله؟ أعتقد أنّك مثلي، يا وزير الدّين، مقتنعٌ تمام الإقتناع بأنّه لولا همجيّة المسلمين الأوائل وإرهابهم ولولا الحدود التي طبّقوها على النّاس ولولا أمثالك من المدافعين عن الإسلام لكان دينُ محمّد إنقرض منذ زمن بعيد جدّا، بقرآنه وكلّ مشتقّاته وتوابعه... فلا وجود لهذا الله الذي تنعقون بإسمه إلّا في مخيّلاتكم المريضة وفي حساب الأسباب المؤدّية لتحقيق مصالحكم، ولا أنتم تحزنون. وبناء على ذلك فالأولى أن تعلّموا النّاس أنّ المقصود بالآية "إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون" ليس هذا الإله الوهمي الذي لا حول له ولا قوّة بل المسلمون.

---------------------------------
الهوامش:
1.. مقال "محمد خليل: عنّدنا 500 شيعي تونسي والحديث عن وجود 20 ألف شيعي غير صحيح"
http://www.babnet.net/rttdetail-120530.asp
2.. مقال "وزير الشؤون الدينية : النخبة المثقفة في تونس لا تحفظ و لو حزبا واحدا من القرآن"
http://goo.gl/JfS0NB
3.. مقال "النخبة المثقفة لا تحفظ القرآن".. وزير الشؤون الدينية يوضّح"
http://goo.gl/UL7Arx
4.. مقال "محمد خليل: مقاومة الإرهاب تتطلب تعليم الناشئة الأصول الدينية السنية الوسطية"
http://www.babnet.net/cadredetail-123430.asp
5.. مقال "وزير الشؤون الدينية الوزارة تعمل على تحفيظ 100 ألف شخص للقرآن الكريم"
http://goo.gl/kgZLY6
6.. مقال "خرافة الإسلام التّونسي الزّيتوني الوسطي: الطّاهر بن عاشور أنموذجا":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=402761
7.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
8.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths








#مالك_بارودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرافة وأكذوبة الطّريق لتحرير فلسطين
- خواطر لمن يعقلون – ج86
- الردّ على ثرثرة وأكاذيب عبد الله أغونان بخصوص مقالي: إثبات ت ...
- إثبات تحريف القرآن في موطأ مالك بن أنس
- إلى عدنان غازي الرّفاعي: مريم أختٌ لهارون وهتلر أخٌ لمحمّد ب ...
- خواطر لمن يعقلون – ج85
- الإسلامُ هو الإرهاب - حُكم تارك الصّلاة على المذهب المالكي
- خواطر لمن يعقلون – ج84
- أسئلة أولى في مأزق الفهم السّلفيّ ونفاق المسلمين أو جهلهم
- الإسلام والمسلمون والقضيّة الزّائفة المسمّاة إسلاموفوبيا
- خواطر لمن يعقلون – ج83
- عيدا سعيدا، حبيبتي
- الحياة، الآن وهنا
- تدبّروا القرآن - مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا (الب ...
- عبد الفتّاح السّيسي وخرافة تجديد الخطاب الدّيني والحرب على ا ...
- خواطر لمن يعقلون – ج82
- خواطر لمن يعقلون – ج81
- خواطر لمن يعقلون – ج80
- خواطر لمن يعقلون – ج79
- حوار مع أحد المسلمين حول محمّد بن آمنة


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك بارودي - على هامش الزوبعة الإعلاميّة حول المصاحف المحرّفة في تونس