أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى الآن من الفصل الرابع من كتاب -... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا - لريموند لوتا















المزيد.....



الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى الآن من الفصل الرابع من كتاب -... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا - لريموند لوتا


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5135 - 2016 / 4 / 17 - 00:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى الآن

من الفصل الرابع من كتاب "... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا " لريموند لوتا

( ملاحظة : صار الكتاب بأكمله ، نسخة بى دى أف ، متوفّرا للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )

الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى الآن

سؤال :لنتوغّل فى الثورة الثقافيّة التى وقعت بين 1966 و 1976 . إنّها المرحلة العظيمة التالية من الثورة الصينية .
لوتا : مثّلت الثورة الثقافيّة قمّة المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية . إنّها " مَعلم " المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ... و أتحدّث هنا عن كمونة باريس والثورة البلشفيّة كأوّل مَعلم .
لقد هُزمت الثورة الثقافيّة فى نهاية المطاف فى 1976 و اليوم ليست الصين بلدا إشتراكيّا . بيد أنّ الثورة الثقافيّة لا تزال ملهمة وهي غنيّة بالدروس على نحو لا يصدّق . و كلّ من يتطلّع إلى مجتمع و عالم عادلين و تحرّريين يحتاج أن يدرسها ... و أن يتعلّم من الثورة الثقافية .
سؤال : لكن ريموند ، هناك كلّ الشيطنة التى تحيط بالثورة الثقافيّة . كيف ستقدّمون هذا و تساعدون الناس على رؤية الأشياء بنظرة علمية ؟
لوتا : أجل ، البرجوازية لم توقف أبدا هجماتها ضد الثورة الثقافية . و علينا ان نخوض معركة حقيقيّة من اجل الحقيقة لأنّ لهذا صلة وثيقة بالإمكانيّات الإنسانية . ما مدار الثورة الثقافية ؟ ما هي المشاكل التى كانت تواجهها فى المجتمع و العالم ؟ ما كانت أهدافها العملية ؟ ما كانت الأشكال السائدة للنشاط و الصراع ؟ ما الذى حقذقته عمليّا ؟ و كيف غيّرت الناس ؟
حتى إثارة هذه الأسئلة للبحث و الإستقصاء الجدّيين يمضى بنا إلى مستوى مختلف من النقاش . و بمتابعة هذه الأسئلة و الإجابة عليها على هذا الأساس العلمي ، نبلغ الحقيقة الفعليّة للثورة الثقافيّة .
الآن فى تقسيم أية فترة أو ظاهرة تاريخيين سيوجد على الدوام عكسها أو تيّارات ثانوية و هنات أو سواهما ...لكن السؤال الأوّل و الأساسي هو : ما الرئيسي ، ما هو جوهر المجتمع أو الحركة الإجتماعيّة أو الظاهرة التاريخيين موضع السؤال ... ما الذى يميّز الأشياء أساسا ؟
لقد كانت الثورة الثقافيّة المحاولة الأبعد مدى فى التاريخ المعاصر ،و فى تاريخ الإنسانيّة لتثوير المجتمع و إعادة تشكيله بعيدا عن الإستغلال و الإضطهاد ... على أساس المشاركة الواعية و النشاط الواعي لعشرات و مئات ملايين الناس . و فى هذه السيرورة ، ثوّر الملايين و الملايين من الناس نظرتهم للعالم – أي قيمهم الأساسيّة ، و مقاربتهم للواقع . و ميزة أو روح المجتمع بأكمله تغيّرت .

خطر الإنقلاب على الثورة :

سؤال : إذن ما كان جوهر الثورة الثقافيّة ؟ نسمع الكثير عن الكتل و الصراعات والنقد و التنديد بالناس .
لوتا : لنبلغ جوهر هذا علينا أن نخطو خطوة إلى الوراء . قبل ذلك ، كان ماو يبحث عن علاج لمشكلة الإنقلاب على الثورة ليس بفعل غزو أو هجوم على أنّ هذه المخاطر كانت حقيقيّة ، و إنّما الإنقلاب من الداخل ..ز من داخل المجتمع الإشتراكي ذاته . كان هذا هو خطر إمكانيّة أن يتحوّل الحزب الشيوعي إلى أداة بيد طبقة مستغِلّة جديدة تمارس التحكّم و الهيمنة البرجوازيّة .
يمكن لنخبة جديدة أن تنجح فى السيطرة على أجهزة سلطة الدولة ثمّ تأقلم هذه الأجهزة لتعيد تركيز علاقات إستغلال و إضطهاد ... بينما يمكن أن تظلّ الدولة إشتراكيّة فى الإسم و يمكن الإبقاء على بعض المظاهر الخارجيّة للإشتراكية .
و لم تكن هذه مسألة مطلقة فى الصين فى 1964- 1966.
كنّا نتحدّث عن القفزة الكبرى إلى الأمام . كانت قفزة راديكاليّة متباينة مع نماذج التطوّر الغربيّة و السوفياتية . و مثّل ذلك صفعة للقوى البرجوازية – التكنوقراطيّة فى الحزب . لكن بسبب أزمة الغذاء فى 1960 – 1961 و بسبب الإضطرابات فى الصناعة الناجمة عن السحب الفجئي للمساعدة التقنية السوفياتية ، كان من الضروري القيام ببعض التعديلات الإقتصاديّة و التنظيميّة لكن هذا منح إنفتاحات للقوى المحافظة داخل الحزب الشيوعي التى أعلنت عن نفسها أنّها تمثّل " الواقعيّة الإقتصادية " التى تستطيع أن تمضي بالإقتصاد إلى حيث يحتاج أن يمضي و تحرّكت بإنتقام لمحاولة تقويض سياسات القفزة الكبرى إلى الأمام و روحها .
كانت هذه القوى تملك قوّة تنظيميّة واسعة فى صفوف الحزب الشيوعي . و مع 1964-1965 ، كانت توسّع صفوفها . وكانت تملك برنامجا منسجما . كانت تريد أن تستخدم إجراءات الربح لتحديد أولويّات الإستثمار . و كانت تريد نظاما تعليميّا على شاكلة النظام السوفياتي ، لتخريج الفئات المحترفة و " النخب الشيوعية " . و كانت متخندقة جيّدا فى مجال الثقافة – الأوبيرا كشكل فنّي غاية فى الشعبيّة كان لا يزال تهيمن عليه المواضيع و الشخصيّات الإقطاعيّة القديمة . و كانت تدعو العمّال و الفلاحين إلى نسيان السياسة – ترك ذلك للحزب و الإنكباب على حجر الرحي ، و سيتمّ الإعتناء لرفاههم الإجتماعي .
و مثلما شرحت سابقا ، بالنسبة لهذه القوى المحافظة فى المستويات العليا من الحزب و الدولة ، الشيء الشيء الأساسي هو بناء الصين كبلد عصري قوي و مصنّع . هذا ما كانت تعتبره إشتراكيّة ... و دفعت بإتجاه و إستطاعت أن تفرض تبنّى سياسات كانت تخدم هذا الهدف و هذا البرنامج .
وعالميّا ، كان الصراع مع التحريفيين السوفيات يحتدم . و كان ماو يقود النضال العالمي للتمييز بين الثورة الحقيقيّة و تحريفيّة الإتحاد السوفياتي . و كان التحريفيّون السوفيات يسعون إلى عزل الصين . و فى نفس الوقت ، كان الإمبرياليون الأمريكان يصعّدون بسرعة الحرب فى الفتنام وعلى الحدود بين شمالي الفتنام و الصين . و حاججت بعض هذه القوى التحريفية – المحافظة من أجل الخفض فى الصراع الإيديولوجي مع السوفيات و كانت تستعدّ لتبنّى النموذج السوفياتي ( الذى أصبح نظاما رأسماليّا فى إطار مؤسساتى لملكية الدولة و تخطيط الدولة الإشتراكين فى الإسم فحسب) (74) كما وُجد حينها و تطبيقه فى الصين .
تذكّروا ، تحدّثنا عن كيف أنّ ماو قد درس التجربة السوفياتية بعمق كبير . و قد حلّل أنّ تطهيرات ستالين فى ثلاثينات القرن العشرين لم تعالج مشكل منع الثورة المضادة فى الإتحاد السوفياتي لسبب هو أنّ جماهير العمّال و الفلاحين تركوا جانبا على نطاق واسع . لم يطوّروا الفهم الواعي لتمكين هذه الجماهير من التمييز بين البرامج و وجهات النظر التى تدفع المجتمع إلى الأمام نحو الشيوعية ... و البرامج و السياسات التى ستدفع إلى الخلف نحو الرأسماليّة . والحزب الشيوعي و مؤسسات الدولة لمتثوّرها التطهيرات .
كان ماو يتعاطى مع مشكل عالمي – تاريخي للثورة الشيوعية . كيف يمكن الحيلولة دون الثورة المضادة ، الحيلولة بطريقة منسجمة مع غاية بلوغ العالم الشيوعي ؟
كيف يتمّ منع الثورة المضادة على نحو يمكّن الجماهير من لعب الدور الحيوي و الواعي فى تغيير المجتمع وتغيير ذاتها ؟ كيف يبقى الحزب على الطريق الثوري و يقاتل الإندفاع صوب " الركون " و التحوّل إلى طبقة مستغِلّة جديدة ؟
كان هذا تحدّيا . و قد طرح نفسه بحدّة بمعنى ما كان يجرى فى المجتمع الصيني فى بدايات ستينات القرن العشرين ...لأنّ أتباع الطريق الرأسمالي هؤلاء كانوا يستعدّون لإفتكاك السلطة . وكان الوضع الإجتماعي الأشمل فى صالحهم إن شئتم قول ذلك .

إطلاق العنان للشباب للشروع فى الثورة الثقافيّة :

سؤال : ماذا تعنى بذلك ؟ ألم يكن ماو بعدُ يمسك بقيادة الأمور ؟
لوتا : أنظروا ، لقد أضحى الحزب متكلّسا جدّا وكانت هذه القوى تملك قدرا كبيرا من النفوذ و التأثير ... كان ذلك مشكلا كبيرا إليه ينضاف مشكل كبير آخر . كان الناس يقبلون بذلك بفعل العادة . طوال السبعة عشرة سنة السابقة ، وجدت تحسينات هامة فى رفاه الشعب ماديّا و إجتماعيّا . و خلق هذا نوعا من الدفع لا سيما فى صفوف الذين عانوا كثيرا فى المجتمع القديم ، نحو عدم التساؤل حول الأشياء . وكذلك بسبب ما تحقّق فى ظلّ قيادة الحزب ، كان عديد الفلاحين و العمّال يفترضون أنّ قادتهم إن أطلقوا على أنفسهم إسم " شيوعيين " يجب أن يكونوا جيّدين – يجب أن يكونوا شيوعيين . و فى الكثير من المصانع و المناطق الريفيّة ، كان الناس ببساطة خائفين جدّا من نقد القيادة . كيف يتمّ تخطّى هذه الإرادة المضي مع ما هو سائد ؟
هكذا كان الوضع ، هذه هي الضرورة التى كان ماو يواجهها وهو يبحث عن حلّ . و سجّلت الثورة الثقافيّة إختراقا . لن يتمثّل الأمر فى إبعاد من الأعلى إلى الأسفل للسلطة التحريفية . كان الأمر يتعلّق بثورة ستشمل و تتطلّب تعبئة الجماهير بالملايين ن الأسفل عبر الصراع السياسي و الإيديولوجي الجماهيري بقيادة النواة الثوريّة للحزب ؛ و كانت الجماهير تتوصّل إلى فهم مسائل الصحّة أو الخطأ ، مسائل الثورة و التحريفيّة ... و على هذا الأساس تلعب الدور الحيوي للإطاحة السياسيّة بمراكز السلطة البرجوازيّة وسط الحزب الشيوعي. كانت الثورة الثقافيّة تستهدف تثوير كلّ من المجتمع و تفكير الناس .
عند إطلاق الثورة الثقافيّة ، كان ماو يقوم بمجازفة لا تصدّق . لقد تحدّثت عن الوضع العالمي ، و الإمبرياليين الأمريكان فى الفتنام و الإمبرياليين السوفيات ينسجون المؤامرات . لذا كيف نحرّك الأشياء و نشرع فى هذا النوع من الصراع الهام جدّا ؟ كان ماو يبحث عن مصدر الديناميكيّة و التمرّد . أين هو فى المجتمع ؟ فنظر إلى الشباب الذى لم يكن مثلما كان عديد الناس الأكبر منه سنّا ؛ كان يعقد المقارنات بين الكثير من الأشياء و ما كانت عليه فى السابق ... و كذلك لكيف يمكن أن تكون .
نظر ماو للشباب على أنّه قادح و أراد أن يطلق العنان لروح التساؤل و التمرّد لدى الشباب.
و وجد الحرس الأحمر وهو منظّمات طلبة ثوريين فى المعاهد العليا و المدارس و شباب أخرون ؟ و نظّمت إحتجاجات و مسيرات و ندّدوا بمديري الجامعات لأنّهم كانوا يتصرّفون كأسياد للعبيد . و وجهوا نقدا لقادة حزبيين متنوّعين . فكانت تلك بداية الثورة الثقافيّة . و ساعد الحرس الأحمر فى نشر رسالة " من حقّنا أن نثور ضد الرجعيين " كما وضع ذلك ماو . (75)
و أغلقت المعاهد لمدّة سنة و سمحت الحكومة للشباب بالسفر بالقطار مجانا . فقصدوا مختلف الجهات بالغين حتّى المناطق النائية ، ملتقين بالناس كالفلاحين الذين درّبوهم على أن ينظروا إليهم بإزدراء. و شجّعوا الناس على رفع رؤوسهم و طرح سؤال : أيّة سياسات تخدم أيّة أهداف هي القائدة الآن ؟ أين الثورة هنا ؟ " .(76)

الطبيعة المتناقضة للإشتراكية :

سؤال : لقد إستعملت مصطلحات مثل أتباع الطريق الرأسمالي ربّما عليك أن تشرح فحواها .
لوتا : لقد إكتشف ماو أنّ جذور مشكل الإنقلاب على الثورة كامنة فى ذات طبيعة المجتمع الإشتراكي ، طبيعته المتناقضة . فمن جهة الإشتراكية قفزة كبرى ، قفزة على إستغلال البرجوازية و حكمها الطبقي . فالإشتراكية تجعل من الممكن إنجاز التعيير الإقتصادي و الإجتماعي الجوهري فى مصلحة الجماهير وتخوّل للجماهير تغيير المجتمع . هذا من جهة ومن جهة أخرى ، الإشتراكية مجتمع إنتقالي . إنّه إنتقال من الرأسمالية –بكلّ إنقساماتها الطبقيّة و إستغلالها و اللامساواة – إلى الشيوعية ، عالم بلا طبقات . و الإشتراكية تحمل الندوب الإقتصادية و الإجتماعية و الإيديولوجية للمجتمع القديم . لا تزال هناك إختلافات فى التطوّر بين الصناعة و الفلاحة ، و بين المدينة و الريف و بين الجهات . و هناك الإنقسام القديم العهد بين العمل الفكري و العمل اليدوي . و لا تزال هناك إختلافات فى الأجر و يظلّ مستمرّا إستعمال المال و الأسعار.
و تنطوي هذه " البقايا " من المجتمع الرأسمالي على بذور الرأسماليّة . ولنأخذ المال و الأسعار المستعملة فى ظلّ الإشتراكية فى تبادل السلع و السهر على التخطيط الإقتصادي و فى المساعدة على تقييم الفعاليّة . لكن المال و الأسعار يمكن أن يؤثّرا فى إتخاذ القرار بإتجاه رأسمالي ... نحو الإنتاج حسب ما يكسب أكثر مالا .
و ثمّة أيضا المؤسسات و الأفكار الإضطهاديّة التى عزّزت المجتمع القديم و أعنى النظام البطرياركي / الأبوي و العنصريّة و الشوفينيّة القومية . و هذه الأشياء لا تضمحلّ ببساطة " آليّا " عندما يقع القضاء على قاعدتها الماديّة بالإطاحة بالرأسماليّة . عمليّا تظلّ قائمة . و تنضاف إلى ذلك قوّة العادة و آلاف السنين من أفكار و طرق تفكير الطبقات المستغِلّة .
يتطلّب بلوغ الشيوعيّة تجاوز هذه اللامساواة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة ،و هذه العلاقات السلعيّة و هذه المؤسسات و الأفكار الإضطهاديّة . و لنيحدث هذا بين ليلة و ضحاها . بالفعل إعتقد ماركس أنّ هذه المرحلة الإنتقاليّة ستكون قصيرة نسبيّا ، إلاّ أنّ هذا ثبت خطله. ستقتضى سيرورة مديدة و معقّدة من النضال و التعيير الثوريين – على نطاق عالمي .
لهذا سيوجد صراع فى أيّة لحظة حول كيف – أو حتى حول ما إذا – يتمّ التغيير و تتمّ محاصرة ندوب المجتمع الرأسمالي التى وصفت . و لخّص ماو ذلك على أنّه صراع عمليّا بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي ... بين السياسات و الخطوط التى ستواصل التقدّم نحو الشيوعيّة و تلك التى ستأخذ المجتمع فى إتجاه مختلف ، إلى الخلف بإتجاه الرأسمالية .
و حلّل ماو أنّ اللامساواة و الإختلافات الإجتماعيّة التى تستمرّ فى الوجود فى المجتمع الإشتراكي ن إلى جانب كون المال و الأسعار و العقود تواصل النهوض بدور ذى دلالة فى الإقتصاد الإشتراكي ، كلّها جزء من الأرضيّة التى منها تنبع قوى جديدة ذات إمتيازات تولّد برجوازية جديدة فى المجتمع الإشتراكي .
و مضى بعيدا بهذا التحليل . وز بيّن أنّ نواة الطبقة البرجوازيّة الجديدة فى ظلّ الإشتراكية توجد فى صفوف المستويات العليا من الحزب الشيوعي و الدولة الإشتراكية . هؤلاء هم أتباع الطريق الرأسمالي. و هم يقاتلون من أجل سياسات توسّع هذه الإختلافات و تعتمد على مناهج و وسائل موروثة من المجتمع الطبقي الإستغلالي و لأنّه لديهم سلطة التأثير فى كيفيّة إنجاز عمليّة الإنتاج ، يصبحون عمليّا النقطة المحوريّة للبرجوازيّة الجديدة ، بالضبط صلب المجتمع الإشتراكي و بالضبط صلب الحزب ذاته . كانوا يسعون إلى إفتكاك السلطة ... و لهذا أطلق ماو تسى تونغ الثورة الثقافيّة فى 1966.(77)
يجب أن تدركوا الإختراق النظري الذى كان ماو بصدد إنجازه . كان ماو يطبّق الأصناف الماركسية على الإقتصاد السياسي للإشتراكية و كان فى سيرورة يوسّع تلك الأصناف و يثريها . لقد بيّن أنّ علاقات الإنتاج الإشتراكيّة متناقضة للغاية . كما بيّن أنّ الرأسمالية يمكن أن تظهر من جديد فى إطار شكل ملكيّة الدولة الإشتراكية . و إتّخ الفكرة اللامعة للينين بأنّ " السياسة تعبير مركّز عن الإقتصاد " ليوضّح كيف انّ بعض القيادات العليا للحزب يمكن أن تصبح عمليّا تجسيدا لعلاقات الإنتاج الرأسماليّة . و كانماو و القيادات الثوريّة يضعون هذه المواضيع أمام الجماهير أثناء مسار الثورة الثقافيّة . كان مركز القيادة الثوريّة كما كان يقال يقود الناس فى دراسة وفهم " الهيكلة العميقة " لمجتمع و لمساءلة مصنع المجتمع .(78)
تقول الرواية المناهضة للشيوعية إنّ ماو كان طاغية مهووس بالشكّ فكان ببساطة يخلق الأعداء كما يحلو له . لا . كانت الثورة الثقافيّة متصلة بمصير الثورة التى شملت ربع الإنسانيّة . كانت صراعا عظيما لمواصلة النضال فى سبيل عالم جديد ، تحريري ... ضد أولئك أتباع الطريق الرأسمالي الذين أرادوا إعادة الصين إلى الرأسمالية .

" كانت ثورة حقيقيّة " :

سؤال : هل يمكن أن تحدّثنا أكثر عن حيثيّات الثورة الثقافيّة ؟
لوتا : كانت ثورة حقيقيّة و كانت تزخر بالإبداع و التجديد و ألهمت عشرات الملايين لكنّها أيضا أزعجت عشرات الملايين فى مسارها . و صارت جامحة جدّا : مسيرات فى الشوارع و إحتجاجات و إضرابات و مظاهرات . و وجد ما سمّي ب " المعلّقات ذات الأحرف الكبيرة " [ الدازيباو ] فى كافة الأماكن و كان الناس يلصقون تعليقات على و نقد للسياسات و للقادة . كان بعضها مبدع للغاية و كان البعض الآخر بسيطا . و توفّرت الخدمات العامة للتجمعات و النقاشات . و إزدهرت الجرائد الصغيرة الحجم . وفى بيكين وحدها ، وجدت أكثر من 900 جريدة . و وُفّرت المواد و الخدمات مجانا لهذه النشاطات ،بما فيها الورق و الحبر و الفرشاة و الملصقات و المطابع و أماكن التجمّعات و تسهيلات إلقاء الخطب و تجهيزات الصوت .
ثمّ عندما تعمّقت الثورة الثقافيّة فى صفوف العمّال ، شهدت منعرجا جديدا . فإنخرط أربعون مليون عامل عبر البلاد فى صراعات جماهيريّة و تمرّدات شديدة و معقّدة لإفتكاك السلطة من المتخندقين فى لجان البلديّات و الإدارات المدينيّة التى كانت معاقلا للمحافظين . و تارة حدثت إيقافات فى العمل و طورا صراعت لأجل عدم إيقاف العمل ... و أحيانا نُظّمت مسيرات جماهيريّة و أحيانا نقاشات جماهيرية طوال الليل ، عادة بمشاركة الحرس الأحمر . و علّقت الملصقات فى كلّ مكان و كانت الحشود تتجمّع حولها محاولة قراءتها و نقاشها ... ومثلما قلت ، كانت جامحة جدّا ، ثوريّة جدّا .
و غدت فى غاية الشدّة . و فى شنغاي فى خريف 1966 ، تشكّلت حوالي 700 منظّمة فى المصانع . (79) و طفقت القوى الثوريّة تتحرّك . و ردّ أتباع الطريق الرأسمالي الفعل فكوّنوا منظماتهم الجماهيريّة الخاصّة و سعوا إلى تشويه الثوريين و حاولوا شراء ذمم الناس بالترفيع فى الأجور.
و أخيرا ، إستطاع العمّال الثوريّون بقيادة ماويّة أن يوحّدوا قطاعات كبرى من سكّان المدن . و فى جانفي 1967 ، كسروا قبضة أتباع الطريق الرأسمالي الذين كانوا يسيّرون المدينة . و إفتكّوا المقرّ البلدي الأساسي و وضعوا أيديهم على وسائط الإتصال و شرعوا فى تنظيم السلع الأساسية فى المدينة . كانت تلك " عاصفة جانفي " بشنغاي .
و ما تبع ذلك كان خارقا للعادة : أخذ الناس فى تنظيم نقاشات جماهيريّة حول كيفيّة تسيير المدينة و حول أي نوع من الهياكل السياسيّة ستخدم على أفضل وجه أهداف الثورة . و طفقوا يجرّبون مؤسّسات جديدة للحكم السياسي لكافة المدينة .

جرت نقاشات ... و طرحت أسئلة بشأن أنواع أجهزة السلطة السياسيّة و أنواع المؤسّسات التى تتناسب و حاجيات التقدّم بالثورة .
و أثيرت أسئلة كبرىو كانت تلخّص على أعلى مستويات قيادة الثورة الثقافيّة . مثلا ، كيف يُسمح للجماهير على نطاق أوسع و أكثر دلالة بأن تكون صانعة القرار ؟ لكن فى نفس الوقت ، كيف يتمّ تطوير مؤسّسات و هياكل تكون قويّة بحيث تمنع الثورة المضادة ؟ كيف الحصول على إنخراط و نقاش واسعين...و فى نفس الوقت يتمّ الحفاظ على القيادة الثوريّة و تقدّم التوجّهات الثوريّة لمؤسّسات السلطة ؟
لست تتعاطى فحسب مع مدينة مثل شنغاي كمدينة فى حدّ ذاتها ، بل تسعى إلى تطوير نظام حكم و ممارسة سلطة تأخذ بعين الإعتبار الحاجيات الأوسع للثورة . و ولنضرب مثالا على ذلك ، إرسال الأطبّاء و التقنيين المتمتّعين بالمهارة لنواحى أخرى من البلاد أين قد تكون هناك حاجة إليهم ... أو حتّى إلى نواحي أخرى من العالم لدعم الثورة .
هذا هو نوع السيرورة و التجريب و النقاش و التلخيص القائمين فى السنة الأولى و الثانية من الثورة الثقافيّة . و فى نهاية المطاف ، جرى تركيز مؤسّسة جديدة من السلطة السياسيّة ، سُمّيت " اللجان الثورية " – و قد عرفت إنخراطا جماهيريّا كبيرا و موقعا قياديّا خاصا لعبه الحزب . و هذه الدروس كانت تُطبّق و هذه التغييرات كانت تحدث فى المستويات القاعديّة للمجتمع ... فى المصانع و المستشفيات و المعاهد و ما إلى ذلك .(80)
و قال ماو لن توجد أيّة ثورة إن لم يقع تغيير العادات و التقاليد و طُرق التفكير . حينما تحدّثت عن الإتحاد السوفياتي ، أشرت إلى موقف ماو :" ما هي فائدة ملكيّة الدولة إن لم تكونوا تشجّعون على روح العمل من أجل المصلحة العامة و روح التعاون ؟ " وهو موضوع لم أنفكّ أتطرّق إليه ... أقصد ما كان ماو يشدّد عليه و ما تعنيه الشيوعيّة ... ينبغى أن تغيّروا الظروف و تغيّروا التفكير و القيم ... من أجل من و من أجل ماذا ... من أجل المصلحة الخاصّة الضيّقة أو من أجل الأفضل للإنسانيّة ؟ كان الناس يغيّرون المجتمع و العالم ، العلاقات بين الناس و نظرتهم و فهمهم الخاصين ، فى سيرورة متداخلة جدّا.

فى بداية الثورة الثقافيّة ، قدّم ماو هذه الملاحظة الحيويّة . قال إنّه بينما المستهدفون مباشرة من الثورة الثقافيّة هم أتباع الطريق الرأسمالي فإنّ الغاية هي تغيير النظرة إلى العالم – تميكين الجماهير من أن تفهم المجتمع و العالم بعمق و علميّة أكبر ، إضافة إلى دورها التغييري الخاص و مسائل الإيديولوجيا و الأخلاق .(81)



النقاش الجماهيري و التعبئة الجماهيرية و النقد الجماهيري :

سؤال : ماذا عن مستوى العنف أثناء الثورة الثقافيّة ؟
لوتا : أحيانا إنفجر العنف لكن لم يكن ذلك شيء دعا إليه ماو و كذلك لم يكن المظهر الأساسي للثورة الثقافيّة . أشكال صراعها الأساسيّة كانت النقاش الجماهيري ، و التعبئة السياسيّة الجماهيريّة و النقد الجماهيري .
كان توجّه ماو يترجم بوضوح فى وثائق رسميّة و واسعة الإنتشار .. فى قرار النقاط 16 الذى قاد الثورة الثقافيّة ، أوضح : " الطريقة التى ينبغى إتباعها فى المناظرات هي عرض الوقائع و محاكمة الأمور بالمنطق و الإقناع من خلال المحاكمة العقليّة " (82) و لم تكن هذه الوثيقة وثيقة مقتصرة على فئة معيّنة بل نُشرت على نطاق واسع عبر المجتمع بأكمله .
وُجد صراع إيديولوجي و سياسي حاد ضد السلطة التحريفية و أتباع الطريق الرأسمالي ، على نطاق المجتمع و مثلما قلت ، قاوم أتباع الطريق الرأسمالي و نظّموا الشباب و العمّال و المثقذفين . خاض الجانبان المعركة .
و فى ما يتعلّق بالعنف الذى حصل ... أوّلا ، من المهمّ فهم أنّ بعض العنف الذى حدث خلال الثورة الثقافيّة – و كما أعربت عن ذلك لم يكن الطريقة الوحيدة للمواجهة – كان يشجّع عليه عمليّا أتباع الطريق الرأسمالي من المستويات العليا باحثين عن الدفاع عن مواقعهم المتخندقة و عن تشويه الثورة الثقافيّة .
و فى هذا الوضع أيضا إقترف الحرس الأحمر الذى كان مندفعا بحماس نحو التخلّص من تأثيرات المجتمع البرجوازي ، بعض التجاوزات معاملا بقسوة عدد من الناس . و إستغلّ بعض الناس الثورة الثقافية لتصفية حسابات و مظالم قديمة .
و من الأشياء الأخرى التى جعلت الثورة الثقافية معقّدة هو وجود زمر أو مجموعات منظّمة داخل الحزب كانت تبدو مناصرة و حتى " من أشدّ المناصرين " للثورة الثقافيّة ..ز غير أنّها عمليّا كانت تتبع " أجندا " مغايرة و فى النهاية معارضة لها معارضة قويّة .
فكان على ماو و القادة الثوريّون أن يقودوا الجماهير فى معالجة هذه الأمور و فى تلخيص دروس الصراع و مناهجه و تعزيز مكاسب الفهم . و نقدت القيادة الثوريّة الماوية عمليّات العنف و أدانتها و ناضلت ضدّها عبر المواقف و التوجيهات و إفتتاحيّات الجرائد و بالتدخّل الميداني .
عندما تدرسون عمليّا ما كان الناس العاملون مع ماو يقولون و يفعلون ، يتّضح لكم أنّهم قاتلوا من أجل توحيد الناس حول مصالهم الأكثر جوهريّة وحول أعلى طموحاتهم ، و لخوض الصراع حول المبادئ بدقّة و علميّة و لمساعدة الناس على مقاومة السقوط فى مستنقع الفئويّة . و على سبيل المثال ، وُجد حدث شهير فى جامعة فى بيكين . و وقع النشطاء من الطلبة فى أحابيل القتال الكتلوي و إتّخذ الأمر منعرجا عنيفا . وأرسلت القيادة الماويّة فرقا عمّاليّة غير مسلّحة للمساعدة على إيقاف اقتال و معالجة الخلافات . (83)
الأشياء الإشتراكيّة الجديدة :

سؤال : لذا هل كان صراعا بلا نهاية ؟ أعنى إلى أين كان يمضى ؟
لوتا : حسنا ، عرفت الثورة الثقافيّة مراحلا . هناك فترة ما بين 1966 و 1968 خلالها نهض الناس و كان عليهم أن يطيحوا بالعديد من أتباع الطريق الرأسمالي ، مع كلّ أصناف الصراعات و النقاشات التى عرضت . ثمّ إتخذت الثورة الثقافيّة منعرجا آخر . فصار من الممكن تعزيز المكاسب و إنجاز تغييرات إجتماعيّة و مؤسّساتيّة ، و هذا عمليّا أسفرت عنه الصراعات و التجارب الجارية .
و شاهدنا هذه التغيّرات الكبرى التى حدثت فى المؤسسات الأساسية و تسيير المجتمع . (84)
سؤال : لعلّك تقدّم لنا أمثلة .
لوتا : خلال الثورة الثقافيّة وقع التشديد على مسألة كيفيّة تخطّى الإنقسام التاريخي بين الناس الذين يشتغلون بالأفكار و الذين يشتغلون بأيديهم . و أودّ أن أتوغّل أكثر فى كامل الموضوع لاحقا بيد أنّ المهمّ الآن هو أنّ فى غالبيّة المجتمعات لم تطرح هذه المسألة – يعدّونه أمرا عاديّا أن يشتغل بعض الناس بالأفكار و يحصلون على تدريب لتطوير قدراتهم و لا يفعل الآخرون ذلك ؛ وهو ما يؤدّى إلى علاقات لامساواة . إنّه تقسيم إضطهادي ، و النظام التعليمي فى ظلّ الرأسماليّة موجّه لإعادة إنتاج ذلك و هكذا يستنسخ ببساطة النظام التربوي القديم فى ظلّ الرأسمالية و تتمّ محاولة نشره و يظلّ بعد ينتج هذه العلاقة الإضطهاديّة التى تتجذّر و تستشري .
و من هنا لنأخذ بعين الإعتبار أنّ النظام التعليمي تغيّر تماما . جرى بقوّة تحدّى طرق التدريس القديمة حيث الطلبة مجرّد متلقّين سلبيين للمعرفة و دافعهم هو البحث عن الدرجات و للأساتذة سلطة مطلقة . وعوض ذلك ، تمّ تشجيع الروح النقديّة . و قد وقع مزج ذلك مع النشاط الإنتاجي و سياسات القبول الفئويّة لدخول الجامعات التى كانت تعطى أبناء و بنات أعضاء الحزب و المحترفين نوعا من المسار ... وقع إصلاحها . و حصل دفع كبير فى إلحاق شباب خلفيّاتهم فلاحيّة و عمّالية بهذه الجامعات . و إثر إنهاء الدراسة الثانويّة ، كان الطلبة من شتّى الخلفيّات الإجتماعية يقضون سنتين فى المصانع أو فى الكمونات ، ثمّ يتقدّمون للمعاهد العليا ... و جزء من سيرورة القبول كانت وصايا و تقييمات العاملين فى الكمونات و فى المصانع .(85)
و كانت المقاربة حقّا مختلفة تماما ... تمّ خوض صراع ضد الفكرة النخبويّة – البرجوازيّة لكون المعرفة أداة للحصول على ميزة تنافسيّة نسبة للآخرين و سُلّم للنجاح الفردي و مصدر للكسب الخاص و للمكانة الإجتماعيّة . صارت المعرفة فى خدمة المجتمع و العالم ، فى خدمة مجتمع يطيح باللامساواة و يغيّر العالم لصالح الإنسانيّة و يهاجم مرّة أخرى ، ذات ذلك الإنقسام الإضطهادي و المتجذّر عميقا فى صفوف الناس الذين يتدرّبون على الإشتغال بالأفكار و الذين يمنعون من ذلك .
و أسفرت الثورة الثقافيّة عن ما صار يسمّى ب " الأشياء الإشتراكيّة الجديدة " التى عكست العلاقات الإجتماعية و القيم الجديدة .
و من أكثر الإختراقات إثارة ما يسمّى بالبحوث ط المفتوحة الأبواب " حيث يذهب العاملون بالحقل العلمي إلى الريف ليجروا تجارب فى صفوف الفلاحين . و تمّ إرساء مراكز بحث علمي قريبة من الحقول . كانت التجارب يجريها الأخصّائيّون من المدن صحبة الفلاّحين ... على حبوب هجينة و دورات حياة الحشرات و مظاهر أخرى من العلم . و كان العاملون بالحقل العلمي يتعلّمون الكثير عن حياة الفلاحين و من الأسئلة و نفاذ رؤية الفلاحين و كان الفلاّحون يتعلّمون المنهج العلمي .
و فى المدن ، طوّرت مؤسّسات قياديّة تربويّة ومعاهد بحث علاقات تعاون مع المصانع و مع لجان الأحياء و منظّمات أخرى . و كان الناس يقصدون المخابر و كانت المخابر تتوجّه إلى الناس . و حصلت ترتيبات تجديديّة مع نساء منمصنع مجاور كان ينتج قطع حاسوب متطوّر – لم تكن تعمل كمصدر عمل مستغلّ أقصى الإستغلال مثلما هو الحال فى النظام الرأٍمالي العالمي اليوم و إنّما كجزء من إقتصاد فى خدمة الشعب ... على أي حال ، كانت هذه النساء تقصد معاهد البحوث و تتعرّف على كيفيّة عمل الحواسيب و كان الناس يتوجّهون إلى المصانع المحلّية . (86)
و كلّ هذا كان يطيح بالجدران و الإختلافات الإجتماعيّة .
سؤال : إنّك تصف صنفا مختلفا من المصنع الإجتماعي .
لوتا : تماما . إنّنا نتحدّث عن عالمين متباينين .
وُجدت " حركة الأطبّاء ذوى الأقدام الحافية " شبّان من المدن و من الفلاّحين المتعلّمين كانوا يتلقّون تدريبا على تقديم الوقاية الطبّية الأساسيّة و تلبية الحاجيات الصحّية الدنيا للشعب . و قد توجّهوا إلى شتّى أنحاء البلاد . و أطلق عليهم نعت " ذوى الأقدام الحافية " لأنّهم كانوا يعملون فى الريف و فى حقول الأرزّ حافى القدمين ... و كان يقومون بعملهم بأدوات بسيطة ...إلاّ أنهم كانوا يساهمون فى تلبية الحاجيات الصحّية للشعب . و كان يعدّون حوالي 1,3 مليون طبيب حافي القدمين . (87)
و مثّل هذا إختراقا من إختراقات الثورة الثقافيّة فى مجال الرعاية الصحّية . و قد وُجد دفع كبير للمزج بين الطبّ القديم مثل الوخز بالإبر و الطب الحديث . و شهدت العلاقة بين الطبيب و المريض مزيد التثوير متحدّية مفهوم المريض كمجرّد متلقّى سلبي للعلاج . و حدث تقدّم كبير فى البحوث و الإكتشافات. و تمّ إيجاد الأنسولين. (88)
و من الأحداث التى لا تروى عن الثورة الثقافية تلك المتّصلة بمعالجة الملاريا . كان المقاتلون الفتناميّون المقاتلون للإمبريالية الأمريكيّة يتعرّضون إلى موجات جديدة من الملاريا – فى أواخر الستّينات لبت القيادات الفتنامية من الصين تقديم العون . و كان ماو تسى تونغ المبادر ببرنامج حملة جماعية . و قامت مجموعة من الأطبّاء بتفحّص 40 ألف مادة كيميائيّة فى حين كانت مجموعة خرى تجرّب موادا تقليدية. و تمّ تطوير لا يصدّق بعلاج فعّال للملاريا و لم يحصل على الإعتراف الطبّي العالمي كإختراق كبير إلاّ فى ثمانينات القرن العشرين . (89)
و لا يعلم الناس أنّ الصين الثوريّة ركّزت أعدل نظام رعاية صحّية فى العالم قائم على مبدأ خدمة الشعب ، و أنّ الرعياة الصحّية الأساسيّة كانت تصل تقريبا جميع السكّان . و تضاعف امل الحياة من 32 سنة سنة 1949 إلى 65 سنة سنة 1976. ( 90) وفى بداية سبعينات القرن العشرين ، كانت نسبة وفايات الأطفال فى شنغاي أقلّ من تلك فى نيويورك . (91)
و فى ما يتّصل بالتجديدات و التغييرات فى المجالات الأخرى نقول إنّه فُسح المجال للنقد و مراقبة الجماهير لأعضاء الحزب حيث كان الناس القاعديّون ينقدون أعضاء الحزب . و أتت هذه الأشياء عبر التمرّدات و التحدّيات الكبرى للثورة الثقافيّة .
و جدّت تغيّرات كبرى فى إدارة المصانع و أطلق على الممارسة الجديدة إسم " المشاركتان " – يشارك العمّال فى الإدارة و يشارك الإداريّون فى العمل المنتج . و تمّ تحدى النظام القديم للمراقبة الشديدة من خلال القواعد و الضوابط التى غالبا ما تحوّل العمّال إلى لا أكثر من إمتدادات للآلات.
و خلقت الثورة الثقافيّة ثقافة أوسع حيث كان الناس يعتنون بالمسائل الكبرى للمجتمع . و لم تعد المصانع مجرّد وحدات إنتاج إذ أضحت أماكنا للصراع السياسي و الدراسة السياسيّة و تشكّلت فيها الفرق الثقافيّة. (92)
سؤال : بالعودة إلى حجّتك السابقة بشأن كيفيّة رؤيتك أنّ الطريقة المعقولة لتنظيم المجتمع ترتهن بنوع العالم الذى تحاولون بلوغه ، أتصوّر رأسماليين و أناس يفكّرون مثلهم ، يصرخون " هذه ليست طريقة لإدارة مصنع ! إنّها أمر جنوني ! " ، و ماذا عن الفنون ؟
لوتا : إنفجر النشاط الثقافي فى صفوف العمّال و الفلاّحين – شعر و رسم و موسيقى و قصص قصيرة و حتى أفلام . إنتشرت مشاريع الفنّ الجماهيري كما إنتشرت ألوان جديدة من الإنجازات الفنّية الشعبيّة و التعاونيّة بما فى ذلك فى الريف و المناطق النائية . و من أشهر هذه الأعمال كان مجموعة إيجار لوجوه الفناء وهي مجموعة من الشخوص المنحوتة المعبّرة عن العذاب فى المجتمع القديم ...نرى فيها الفلاّحون و هم يمسكون بمحاصيلهم القليلة ككراء و أداءات . و كان هذا عمل نحت جماعي للطلبة و الأساتذة و عرضت فى موقع بمنزل إقطاعي سابق . و بلغت أعمال نحت جماعي كثيرة ، على غرار مستوى عاليا جدّا من التعبير الفنّي والمضمون الثوري . (94)
و أثمرت الثورة الثقافيّة أيضا ما سمّي ب " الأعمال النموذجيّة " وهي نماذج كان بوسع الناس عبر الصين إستخدامها فى تطويرهم للأعمال الفنّية المتعدّدة . و وُضعت الأوبيرا الثورية النموذجيّة و الباليه النموذجي الجماهير على الركح و فى موقع المركز منه . كانت تبلّغ حياتها و دورها فى المجتمع و التاريخ . و كانت هذه الأعمال النموذجيّة من مستوى عالي خارق للعادة ، مازجة الأشكال الصينيّة التقليديّة و الأدوات و التقنيات الغربيّة .
و قدّمت نساء قويّات بشكل بارز فى الأوبيرا الثوريّة . و حيث فى السابق كان الباليه لا يزال منطويا على نوع من الجمال والتأثير الناعم – بات الآن يزخر بالألعاب الرياضيّة . لذا لم يكن العاملون بالحقل يتعاطون مع مواضيع تحرير المرأة بل كانوا عمليّا يبرزون النساء ترقص بالطرق الأكثر تجديدا و رياضيّة . كان المرء يشاهد خلاصات جديدة و أشكال جديدة وليدة من خلال صياغة هذه الوبيرا النموذجيّة . هذا ما كان يجرى . كانت فرق أوبيرا بيكين المختلفة تقوم بجولات فى الريف مساعدة الفرق الثقافيّة المحلّية على تطوير نفسها و متعلّمة من العروض المحلّية . (95)
و كجزء من الثورة الثقافيّة التى أطلقت فى 1966 ، وضعت الأوبيرا النموذجيّة الثوريّة و الباليه النموذجي الجماهير على الركح وفى موقع المركز منه ، و قدّمت النساء بشخصيّات محوريّة قويّة . وقد عرضت شعبيّا عبر البلاد ، كانت الأعمال تبلّغ حياة الناس و دورهم فى المجتمع و التاريخ .
و ساهمت الشابات من النساء بالملايين فى المنظّمات الثوريّة الشبابيّة ، الحرس الأحمر ، كشرارة عبر المجتمع تحدّت المعادين للثورة . و تمّت تعبئة النساء و الرجال لقتال إضطهاد النساء كجزء من بناء مجتمع جديد . و فى بناء الإشتراكيّة ، أطلق العنان للنساء على أنّهنّ " نصف السماء " ليس فقط فى الكفاح ضد إضطهادهنّ الخاص بل أيضا فى النضال من أجل تغيير كامل المجتمع و تحريره .
و كان للثورة الثقافيّة فعلا تأثير إجتماعي و ثقافي كبير فى الريف الصيني أين حدثت تغييرات كبرى فى ال17 سنة السابقة للثورة الثقافيّة . و قد مرّ بنا ما جدّ خلال القفزة الكبرى إلى الأمام و كيف تحسّنت ظروف الحياة . لكن تأثير الطريق القديمة لتنظيم حياة القرية ودور العائلة والعائلة الموسّعة ... ومجرّد كون تلك الحياة كانت منحصرة أكثر فى الريف ، لا تشهد نفس النشاط الصاخب و الشدّة و التنوّع الذين تعرفهم المدن ، كان لهذا تأثير محافظ . و أيضا أخذت الثورة الثقافيّة ترجّ كلّ هذا رجّا . (96)

" طبيعة الإنسان " و التغيير الإجتماعي :

أذكر انّي قرأت قصّة أحد نشأ فى قرية خلال الثورة الثقافيّة تحدّث فيها عن كيف أن القرويين تعلّموا القراءة و الكتابة بدراسة نصوص المسرحيّات و الوبيرا ثم إدماج اللهجة المحليّة والموسيقى . و تحدّث عن كيف أنّ الحياة فى القرى قد تغيّرت بما فى ذلك الرياضة و التعليم ،و كيف وفّر ذلك فرصة للناس للإلتقاء و التواصل...و الحبّ . كان مجال عام يحلّ محلّ العادات الأكثر ضيقا و القبليّة فى القرية .(97)
تعلمون أنّه عادة ما يقال للناس إنّ الشيوعية لن تعمل لأنّها " تمضى ضد طبيعة الإنسان " ... و إنّ الناس " بطبيعتهم " أنانيّين . لكن هذا ليس موقفا من بيعة الإنسان ، إنّه موقف " حول طبيعةالإنسان فى ظلّ الرأسمالية "...شيء يقع التشجيع عليه و تعزيزه من قبل نظام يقوم على المنافسة و الملكيّة الخاصة، حيث على الناس أن يتنافسوا من أجل الشغل و التعليم وكلّ شيء ، حتّى العلاقات الخاصة ... و حيث لدينا نظام يقوم على الربح الذى يشجّع على " أنا أوّلا " و " النتصر يحصل على كلّ شيء ..."
لكن الإشتراكية تفتج مجالا كاملا من الحرّية ليغيّر الناس ظروفهم و يغيّروا تفكيرهم . هذا ما حصل أثناء الثورة الثقافيّة . كان هناك نظام إقتصادي يعتمد على إستعمال الموارد لتحسين المجتمع و الإنسانيّة. كانت هناك علاقات و مؤسسات إجتماعية سمحت للناس بالتعاون مع بعضهم البعض و الرفع إلى أقصى حدّ من مساهماتهم فى تحرير المجتمع و العالم . عبر الثورة الثقافيّة ، تغيّر شعور الناس بالمسؤوليّة الإجتماعية ... خُلق جوّ إجتماعي جديد كان يثمّن التعاون و التضامن .
كان هذا حقيقيّا و قد أثّر على ما شعر الناس أنّه شيء ذو مغزى و أهمّية فى حياتهم ... و كيف كانوا يتصرّفون . لم يكن ذلك فكرة مثاليّة ما ...و إنّما أناس حقيقيّون كانوا يغيّرون المجتمع و طرق تفكيرهم . وقد وقع نشر شعار " خدمة الشعب " فى صفوف الشعب خلال الثورة الثقافيّة و كان الناس عمليّا يقيسون حياتهم و حياة الآخرين بذلك فى أذهانهم .( 98)
و عندما تمّت إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين فى 1976 ، و أعيدت العلاقات الإقتصادية لقانون الغاب ...تغيّر الناس مجدّدا – عادوا إلى نظرة " أنا أوّلا " القديمة . و قد تغيّروا ليس بسبب أنّ الطبيعة الإنسانيّة الأوليّة قد أعادت نوعا ما تأكيد نفسها ، بل لأنّ المجتمع قد تغيّر و عاد إلى الرأسمالية !

إرسال المثقّفين إلى الريف :

سؤال : لقد تعرّضت فى حديثك شيئا ما إلى العلاقة بين الريف و المدينة . ماذا عن سياسة إرسال المثقّفين و المحترفين إلى الريف ؟ إنّها مسألة خلافيّة جدّا .
لوتا : سياسات إرسال المثقّفين والفنّانين إلى الريف لمتكنسياسة عقابيّة . فأثناء الثورة الثقافيّة تمّت دعوة الفنّانين والأطبّاء و العاملين فى مجالي التقنية و العلم و كافة أنواع الناس ، تمّت دعوتهم إلى الذهاب إلى صفوف العمّال و الفلاّحين لتطبيق مهاراتهم على حاجيات المجتمع و لتقاسم حياتهم مع الناس الكادحين ، و لتبادل المعرفة و التعلّم من الناس القاعديين .
يقال لنا إنّ الذهاب إلى الريف كان شكلا من الإضطهاد . لكن أمر وجود العمّال و الفلاحين فى الجامعات و ذهاب المحترفين إلى الريف لم يكن متعلّقا بالجوائز و العقاب . فمن أهداف الثورة الثقافية كان تحطيم اللاتكافئ الثقافي الذى وُجد فى الصين . كان وضع إجتماعي تمركز فيه الفنّانون و المثقّفون و المحترفون فى المدن و كان عملهم عادة ما ينجز فى أبراج عاجيّة منفصلين عن بقيّة المجتمع لا سيما عن 80 بالمائة من الذين عاشوا فى الريف .
سياسة إرسال المحترفين إلى الريف يجب النظر إليها فى سياق إطار إقتصادي – إجتماعي أوسع لبحث الصين عن التوصّل إلى تطوّر متوازن و متساوي . فى ما يسمّى بالعالم الثالث ، هناك أزمة فوضى تمدين و تطوّر مشوّه : مدن مبالغ فى ضخامتها وبيئيّا لا يمكن تحمّلها و أجنحتها أحياء قصديريّة بائسة ؛ و نزوح كثيف من الريف من طرف الذين لا يجدون شغلا ؛ و بالمقبل سياسات إقتصاديّة و أنظمة تعليميّة و بنية تحتيّة و رعاية صحّية واضحة للمترفّهين فى المدن على حساب فقرائها و على حساب الجماهير فى الريف .
و دفعت الثورة الثقافيّة نقاشا عبر المجتمع حول الحاجّة إلى تضييق اللامساواة بين العمل الفكري واليدوي ، و بين المدينة و الريف و بين الصناعة و الفلاحة و بين الرجال و النساء . و كان العمل على تحطيم هذه اللامساواة و الفروقات جزء من سيرورة تجاوز الإنقسام الإجتماعي والتقدّم بمعرفة المجتمع وفهمه و قدراته – لمصلحة المجتمع ككلّ .
سؤال : فهمت نقطتك حول اللامساواة بين المدن و الريف لكن لماذا وُجد مثل هذا التشديد على إرسال المثقّفين إلى الريف ؟ يزعم البعض أنّ المثقّفين كانوا يؤمرون بالمشاركة فى العمل الجسدي و الفلاحة والعمل فى المصانع ، و هكذا . كيف تجيبون على هذا ؟
لوتا : ما يجب إدراكه حقّا هنا هو أنّ الثورة الثقافيّة كانت تعالج هذه المسألة العالميّة – التاريخيّة ... للبون الشاسع بين العمل الفكري و العمل اليدوي الذى تحدّثت عنه آنفا و الذى أودّ التعمّق فيه أكثر الآن .
الآن غالبيّة الناس يعتبرون أمرا عاديذا أنّه سيوجد على الدوام بعض الناس الذين يقومون أساسا بالعمل اليدوي و الذين يعملون بالفكر . و من الأكيد أنّه صحيح أنّ هذا الإنقسام قد وُجد لزمن طويل و طويل جدّا . إنّه يعود إلى آلاف و آلاف السنين و ظهر مع إنقسام المجتمع الإنساني لأوّل مرّة إلى طبقات .
لذا هناك ظروف المجتمع الإنساني التى كانت فيها الحياة و كان فيها النشاط الفكريين و مسؤوليّات الإدارة و تسيير شؤون المجتمع و العمل الفنّي و الثقافي ... كانت هذه الأشياء مجالا لفئة صغيرة جدّا من المجتمع . غير أنّ هذا إفراز لطريقة تطوّر المجتمع و تحوّله ، خاصة منذ ظهور الطبقات و الأنظمة الإقتصاديّة للإستغلال التى فيها قسم صغير من المجتمع يتحكّم فى عمل الآخرين و إنتاج عملهم ... وهو شيئ ليس " بالفطرة " لدى البشر .
و لهذا التقسيم بين العمل الفكري و العمل اليدوي تأثيرين كبيرين :
واحد هو أنّه للناس المنخرطين فى هذه الأشكال من " العمل الفكري " بعض الإمتيازات ... حتى مجرّد القدرة على الإنخراط فى هذا النشاط ... و هناك مكانة إجتماعيّة أرقى تتماشى مع ذلك. بداهة ، ثمّة حكّام المجتمع الذين يتحكّمون فى وسائل فرض حكم إضطهادي ... للحفاظ على أنظمة الإستغلال و حصاد ثمرة عمل الآخرين . إنّهم يحنكرون صنع القرار فى المجتمع و مكانتهم هي مكانة الحكّام . و التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي تناقض عدائي . لكن حتى الناس الذين ليسوا بصدد الحكم و هم منخرطون بالأساس فى العمل الفكري ... تظّل لديهم إمتيازات و مكانة إجتماعية .
أمّا بالنسبة للمنخرطين فى العمل اليدوي ، فيوضعون فى موقع تابع " جيّدين لعلهم الشاق " ثمّ يطردون . و تاريخيّا ، تمّت الإستهانة بالعمل اليدوي و تمّ النظر إليه نظرة دونيّة .
لكن هناك تأثير سلبي آخر لهذا التقسيم فى العمل . إنّه إعاقة التطوّر الشامل للأشخاص . فجماهير الكادحين تمضى معظم ساعات حياتها تعمل و تعمل فى ظروف كدح و تكرار وعادة تحت سوط أو إمرة الآخرين . ليست لديها فرصة الإنخراط فى مجال الإشتغال بالأفكار ، لكسب فهم للمجتمع و لتحمّل مسؤوليّة تسيير شؤون المجتمع . و فى نفس الوقت ، غالبا ما كان المنخرطون فى العمل الفكري منفصلين عن النشاط الإنتاجي ... و هو شيئ من شأنه أن يعرقل تطوّرهم و فهمهم الشامل للعالم . الناس فى المدن منفصلون عن العالم الطبيعي بينما الناس فى الريف يمكن أن يعيشوا حياة منعزلة جدّا و يصبحون منغمسين كلّيا فى الصراع ضد الطبيعة .
إنّ مؤسّسى علم الشيوعية ، ماركس بمعيّة إنجلز ، رأيا تقسيم العمل والتناقضات الطبقيّة العدائيّة التى يعكسها و يعزّزها مشكلا مفتاحا يجب على الثورة الشيوعية تخطّيه . لقد إرتأيا مجتمعا شيوعيّا مستقبليّا فيه تتحقّق وحدة جديدة و أرقى للعمل الفكري و اليدوي – حيث يكون الناس فى آن معا منتجين و مبدعين . بيد أنّ التوصّل إلى ذلك يستدعى سيرورة معقّدة... و مثلما هو الأمر بالنسبة لعديد المواضيع الأخرى التى ناقشنا ، نتعلّم من منحنى المعرفة من خلال المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية .
لقد حاول الإتحاد السوفياتي فى ظلّ ستالين أن يعالج هذا التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي بطرق معيّنة . و واحدة من المبادرات الأكبر كانت تشجيع الناس المنحدرين من الطبقة العاملة على إحتلال مواقع الإدارة و النفوذ . و منحت موارد لتدريب العمّال و تعليمهم . و مثّل هذا تقدّما كبيرا نسبة للمجتمع القديم . إلاّ أنّ مجرّد وضع العمّال فى المواقع الإداريّة بذاته و فى حدّ ذاته لا يحلّ المشكل ... لأنّه مثلما أشار ماو ، إن كانت لهؤلاء العمّال نظرة برجوازيّة للعالم ، عندئذ من مواقعهم الجديدة سيكون بمقدورهم العمل ضد المصالح العليا للجماهير ، ليصبحوا هم ذاتهم " عيارات كبرى" ذات " أصول متواضعة " .
و تعاطت الثورة الثقافية مع التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي بشكل مغاير . فعلى سبيل المثال، كما أشرت إلى ذلك ، لم تكن فقط تضع العمّال فى مواقع الإدارة بل كانت أيضا تثوّر كامل مفهوم الإدارة . و فى علاقة بالإضطلاع بمهام وتولّى مسؤوليّات مختلفة ، كانت الجماهير تقاد لتمسك بالمسائل الإجتماعيّة والسياسيّة و الإيديولوجيّة للمجتمع و العالم . لذلك كان التعامل مع التناقض الفكري – اليدوي بطريقة أشمل فى الثورة الثقافيّة منه فى الإتحاد السوفياتي . لم يكن مجرّد " تشجيع العمّال " . (99)
وكانت سياسة إرسال الشباب المتعلّم و المثقّفين إلى الريف جزء هام آخر من هذا . كانت تهدف إلى تمكين المثقّفين من التعلّم من تجربة حياة الناس العاملين القاعديين و من تقاسم المعرفة و الحصول على معنى حيّ لكيف أنّ عملهم الفكري جزء من مشروع أشمل لتغيير المجتمع و تثويره .
و كان هذا فى منتهى الإثارة و له دلالة كبرى بالنسبة للكثير من الناس . هناك أستاذة أدب أعرفها نشأت خلال الثورة الثقافيّة و كإمرأة شابة ذهبت مع من ذهبوا إلى الريف ... و كتبت عن تجربتها . هي تنحدر من خلفيّة مثقّفة فى المدن و إشتغلت إلى جانب الفلاّحين و درست اللغات المحلّية و ناقشت أمورا نظريّة مع الفلاّحين ... و بالنسبة لها كانت تلك تجربة لا تصدّق و منعرجا فى الحياة ... حياة لها هدف و معنى لم يعد يملكه الشباب فى مجتمع الولايات المتّحدة . (100)
سؤال : لكن هناك من يقول لك فى بلد مثل الولايات المتحدة يمكنك أن ترسم هدف حياتك الخاصّة .
لوتا : فى 1968 – 1969 ، فى الولايات المتحدة ، إن كنت شابا دون تعليم عالي أو إختصاص ، على الأرجح سيبعث بك إلى الجيش لتقترف مجازرا جماعيّة فى حقّ الشعب الفتنامي . هذه حياة لها هدف ؟ فى الصين ، كان الشباب و المحترفون يذهبون إلى الريف كجزء من إنشاء عالم جديد .
و أذكر أنّه بعد أن ضرب إعصار كاترينا نيوأوريونس فى 2005 ، وُجد أنواع مختلفين منالناس – الممرّضون و المهندسون و السائقون ، كافة أنواع الناس الذين كانوا يرغبون فى التوجّه إلى هناك لتقديم المساعدة . غير أنّ ذلك ما كان ممكنا ،على الأقلّ على نطاق واسع ... مجتمع الولايات المتحدة لا يقوم على هذا . بمعنى أنّه ليس مجتمعا حيث الأولويّات الإجتماعيّة الحقيقيّة تبلغّ عن ما يحدث فى المجتمع . و أذكر كذلك كيف أنّه أثناء عطلة الفصح عقب كاترينا ، ذهب طلبة المعاهد من شتّى أنحاء البلاد إلى نيوأورليونس ليلتحقوا بالجماهير فى إعادة بناء حياتها . إلاّ أنّ ذلك كان على نطاق ضيّق و مؤقّت جدّا .
تصوّروا مجتمعا أين هذه السلوكات هي القاعدة و ليست الإستثناء ، أين للناس القدرة على العمل من أجل المصلحة العامة ، و تكريس قدراتهم و طاقاتهم من أجل ذلك و أين تتخذ القرارات الإجتماعيّة لتعميق ذلك . تصوّروا مجتمعا أين هذا الصنف من الإندفاع الذى رأيناه مع إعصار كاترينا تسنده سلطة الدولة ... و حتى أنّ تلك السلطة تحرص على أن لا " تخنقه بمساعدتها " ... و بكلمات أخرى ، يجب أن يوجد مجال للناس ليجرّبوا أشياء جديدة و ليمضوا فى إتجاهات جديدة .
فى الصين الثوريّة ، دُعي الفنّانون و الأطبّاء و التقنيّون و العاملون فى الحقل العلمي و كافة الناس المتعلّمين للتوجّه إلى العمّال و الفلاحين لتكريس قدراتهم خدمة لحاجيات المجتمع و لتقاسم حياتهم مع الكادحين و للتعلّم من الناس القاعديين . و إستجاب عدد كبير من الشباب و المحترفين لنداء الثورة الثقافيّة ل " خدمة الشعب " و للذهاب إلى الريف و تقديم أمثلة للآخرين . وُجد نداء لأعلى المصالح و الطموحات الشعبيّة لخدمة الشعب .
و بات هذا مسألة جماهيريّة : ما الأهمّ ، أن يكون للأطبّاء ذوى الخبرات " الحقّ " فى حياة ذات إمتيازات فى المدينة ، أو توفير الرعاية الصحّية على نطاق واسع لكي يتمتّع الناس فى الريف بحق الرعاية الصحّية اللائقة ؟ كانت تلك مسألة جوهريّة لأنّه غداة الثورة الثقافيّة ، 70 إلى 75 بالمائة من مصاريف الحكومة على الصحّة كانت تركّز فى المدن أين كان يعيش فقط 20 بالمائة من السكّان . و مع بداية سبعينات القرن العشرين ، فى كلّ وقت معطى ، كان حوالي ثلث العاملين فى الحقل الطبّي موجودين فى الريف ، فى شكل فرق جوّالة . (101 ) و كان هذا شيئا عظيما .
لكن مهما كانت عظمة هذه الإختراقات ... بعدُ كانت هناك مشاكل فى كيفيّة مقاربة هذا التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ... و كيفيّة مقاربة ماو و القيادات الثوريّة لتجاوز الإختلافات بين المثقّفين و قطاعات أخرى من المجتمع ، لا سيما قطاعات المضطهَدين و المستغَلّين سابقا .
سؤال : أي نوع من المشاكل ؟
لوتا : هذا موضوع سأتناوله بالبحث لاحقا حينما تاحدّث على الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان .
لكن بمعنى سياسة إرسال المثقّفين إلى الريف...فإنّها كانت تسترشد بقوّة بفكرة " إعادة تشكيل المثقّفين ". و كان ذلك إشكاليّا . فذلك المصطلح الذى إستعمل فى الصين زمنها لا يعنى أي شيء كالمقولة المناهضة للشيوعيّة :" أن يفرض على المثقّفين إيقاف التفكير " . لقد عنيت النضال ضد السلوكات النخبويّة . و مع ذلك كانت المقاربة وحيدة الجانب ، كما لأو أنّ المثقّفين ببساطة لأنّهم منخرطون فى العمل الفكري و لهم إمتيازات مرتبطة بذلك ... هم مصدر مشاكل فى المجتمع . و قيمهمو تفكيرهم ، قيم و تفكير هؤلاء المثقّفين كانت مميّزة .
حدث تشديد إحادي الجانب على تجاوز التقسيم بين العمل الفكري و العمل اليدوي من ناحية تخطّى الإمتيازات و الأفكار المسبّقة للمثقّفين . هناك سلوكات نخبويّة و قيم مثقّفين نابعة من المكانةالخاصّة التى يحتلّونها فى المجتمع لكن العمّال و الفلاحين هم كذلك متأثّرون بالإيديولوجيا البرجوازيّة بما فى ذلك نفورهم من المثقّفين أو الركوع إليهم . يجب تغيير تفكير الجميع ... كجزء من التحوّل إلى محرّري الإنسانيّة .
ما أقوله هو إنّ الثورة الثقافيّة عامة مثّلت تقدّما حقيقيّا فى الإشتغال على التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي . فكان ذلك مَعلم فى الطريق غير أنّه لم يمثّل الخلاصة التامّة الضروريّة و سنتعمّق أكثر فى هذا بعد قليل .

أين الخطأ فى " التاريخ من خلال المذكّرات " ؟

سؤال : هناك هذه المذكّرات/ السير الذاتيّة عن كيف أنّه كان من السيّئ الذهاب إلى الريف و كيف كان الناس يعانون جراء ذلك . كيف علينا أن نتفاعل مع هذه المذكّرات ؟
لوتا : دعونى أشدّد على التالي بصدد المذكّرات ... و أي مؤرّخ يستحقّ إسمه سيقول الشيء عينه . فى حين أنّ بعض المذكّرات قد تقبض على و تحلّل الخطوط و النزعات الأساسيّة لفترة تاريخيّة كاملة عاشها الكاتب ، فإنّ غالبيّتها تنزع إلى أن تكون مقتصرة على ما عاشه كاتبها مباشرة . و عامة المذكّرات ليست – و مرّة أخرى هناك و يمكن أن توجد إستثناءات – أعمال بحث و تلخيص علميين . لا تقبض بالضرورة على السياق الإجتماعي الواسع و المتنوّع و المعقّد للتاريخ ... و لا تتوغّل فى جوهر القوى الإجتماعيّة و القوى الطبقيذة المختلفة المتنازعة ،و فى جوهر البرانج و وجهات النظر التى يتمّ الصراع حولها فى المجتمع و فى العالم . و هذا لا يجعلها غير ذات أهمّية – يمكن أن تسلّط الضوء على أشيءا معيّنة إلاّ أنّه علينا ببساطة أن نعي ما هي ... و ما هي حدودها . هناك ديناميكيّات إجتماعيّة أكبر و هناك إطار للتجربة الشخصيّة لكلّ فرد .
و الآن حينما يتعلّق الأمر بوضع مثل وضع الثورة الثقافيّة ، أين حدث تمرّد إجتماعي هائل و قد شمل هذا فقدان بعض الناس لإمتيازاتهم و وقوع آخرين ضحايا لمبالغات فى ما هو عامة قضيّة سليمة ، فإنّه يصبح معقّدا جدّا .
كنت أقرأ نقاشا لسيرة ذاتيّة أدبيّة كتبها مؤرّخ من الثورة السوفياتيّة . و قد أشار إلى أنّه لا ينبغى أن تسعى لفهم حدث ضخم مثل الثورة الفرنسيّة من خلال قصص شخصيّة ... رواية " هذا ما عشته " أو " هذا ما سمعته " إلخ بيد أنّه بشكل ما مضى عكس رأيه هذا ليشير إلى أنّه عندما يتّصل الأمر بالثورة السوفياتيّة أثناء حقبة ستالين ، من المسموح به تماما القيام بتحالي كبيرة تعميميّة على أساس التاريخ من خلال روايات القصص الشخصيّة . (102 ) و الشيء نفسه ينطبق على الثورة الثقافيّة . ليس بوسعنا فهم كلّ ما شرحنا فى هذا الحوار الصحفي بمعنى التيّارات الكبرى و الطابع الأساسي للثورة الثقافيّة ... من خلال أدب المذكّرات .
من المهمّ الإحتفاظ بهذه النقطة المنهجيّة فى أذهاننا .
ثمّ هناك نقطة أعمق هي أنّه فى مجتمع الولايات المتحدة ، وفى المعاهد و ما إلى ذلك يقع الترويج فقط لنوع معيّن من المذكّرات ،تلك التى تمثّل شكوى الذين رأوا إمتيازاتهم عرضة لهجوم الثورة الثقافيّة ، كجزء من الهجوم الإيديولوجي البرجوازي المعادي للشيوعية . كما لو أنّ أحدا من بلاد أخرى كان يحاول فهم أحداث ستّينات و سبعينات القرن العشرين فى الولايات المتحدة الأمريكيّة دون معرفة أي شيء عن تاريخ العبوديّة و جيم كرو و مزيد الإضطهاد و التمييز العنصري فى شمال الولايات المتحدة ، و ذلك فحسب بقراءة مذكّرات شخص من البيض مُنع من الإلتحاق بمعهد برنامجه خاص بالأقلّيات . ( أنظروا : " ردّ قارئ لجريدة " الثورة " على " أين الخطأ فى " التاريخ من خلال المذكّرات " ؟ ).

المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ :

سؤال : ريموند ، لنمضي إلى مسار الثورة الثقافيّة . فقد حدّثتنا عن مرحلتي الثورة الثقافيّة – التمرّدات الكبرى للسنوات الأولى ثمّ بعض التعزيز و التغيير. ماذا حدث فى السنوات الأخيرة من الثورة الثقافيّة ؟
لوتا : إنطلقت الثورة الثقافيّة فى 1966 مثلما قلت قبلا – ثمّ مرّت بالمراحل التى ذكرت . و مع بدايات سبعينات القرن العشرين ، كان الصراع الطبقي يحتدّ و كان الوضع معقّدا . وُجدت مقاومة و معارضة للثورة الثقافيّة من طرف القوى الرجعيّة . و ضمن الجماهير كان هناك حقّا أناس ذوو أفكار راديكاليّة كانوا يقاتلون للدفاع عن الثورة الثقافيّة و التقدّم بها ... و هناك من كانوا معها لبعض الوقت و لم يعودوا متحمّسين لها فى أوقات أخرى ... و ثمّة أناس ببساطة متخلّفون عارضوها .
والأهمّ هو أنّ أتباع الطريق الرأسمالي كانوا بإستمرار يقومون بالتعبئة حول برنامجهم ... حتى و قد عانوا من تراجعات و هزائم كبرى خلال السنوات الأولى من الثورة الثقافيّة .
لقد حلّل ماو أنّ الطريقين الذين ينفتحان عقب إفتكاك السلطة هما الطريق الرأسمالي و الطريق الإِشتراكي ... و لم يدم ذلك بضعة سنوات وحسب بل كان مظهرا محدّدا لفترة إنتقاليّة إشتراكية طويلة نسبيّا . و كما شدّد ماو كذلك : من سيكسب ... لم تحسم المسألة بعدُ ، إلى ان نبلغ الشيوعية و نتجاوز تقسيم المجتمع العالمي إلى طبقات .
و ظلّ ماو يحذّر من خطر إعادة تركيز الرأسماليّة . كانت الجماهير تمسك بسلطة الدولة فى ظلّ الإشتراكيّة إلاّ أنّه على الثورة أن تستمرّ. و مثلما كنّا نتحدّث عن ذلك قبلا ، إنّكم تتعاطون مع ندوب المجتمع الطبقي – بإختلافات مستمرّة بين المدينة و الريف و بتراتبيّة و تخصّص مستمرين و المال لا يزان يلعب دورا فى تسيير الإقتصاد ، إضافة إلى واقع البون بين العمل الفكري و العمل اليدوي .
و ثمّة تأثير الأفكار و القيم القديمة ، تأثير قوّة العادة ... قوّة السير مع التيّار و الخضوع إلى المتعارف عليه ، و التمسّك بالطرق " المجرّبة و الصحيحة " و ما إلى ذلك . و موقع النساء فى المجتمع و بلوغ التحرير التام للنساء و خوض صراع ضد جذور و إستمرار النظام الأبوي فى أشكاله المتعدّد ... هذه مسألة حيويّة فى الإنتقال الإشتراكي .
هذا ما يواجه الثورة فى السلطة .
سؤال : تتحدّث عن الطابع العام و التحدّيات العامة أمام المجتمع الإشتراكي لكن ماذا كان ذلك يعنى حينها ، فى إطار مراحل تلك الثورة الثقافيّة ؟
لوتا : الوضع الخاص و الظرف الملموس الذى كان يواجهه الثوريّون كان صعبا للغاية من 1973 إلى 1976 . و لم يكن الأمر يتعلّق بما كان يجرى فى الصين و حسب . فهناك الوضع العالمي برمّته ، و كيف أنّه كان يتداخل مع و يأثّر فى الصراع الطبقيّ فى الصين . لا أستطيع هنا سوى ملامسة بعض المظاهر المفاتيح لما كان يجرى .
و لنبدأ بالوضع العالمي فى بدايت سبعينات القرن العشرين إذ تنامى خطر الحرب بما فى ذلك إمكانيّة هجوم الإتحاد السوفياتي على الصين . قد لا يعلم الناس بذلك ...لكن فى بدايات سبعينات القرن العشرين، كان التمركز الأكبر للفيالق الأرضيّة فى العالم على الحدود بين الصين و الإتحاد السوفياتي ، وكان الجيشان متواجهان . و فى نفس الوقت ، جدّت تطوّرات فى الصين منها خيانة صريحة لبعض الأشخاص [ لين بياو و زمرته – المرتجم ] الذين لعبوا فى السابق دورا قياديّا فى الثورة الثقافيّة . و أسفر ذلك عن قدر كبير من الإضطراب فى صفوف الناس ، و كان ينبغى تفكيكه و فهمه .
و من التحدّيات الحاسمة التى واجهت ماو و الثوريين فى هذه الفترة كيفيّة مواجهة خطر الحرب و فى نفس الوقت ، الحفاظ على إستمرار الثورة الثقافيّة . كانت مجموعة من أتباع الطريق الرأسمالي المرتبطة بقادة حزبيين مرموقين كدنك سياو بينغ و شوآن لاي تحاول إستغلال هذا الوضع العالمي العصيب و المشحون لتضع حدّا للثورة الثقافيّة و لتنقلب عليها . و كانت تحاجج : " كفانا ثورة ثقافيّة ، نحتاج أن نوجّه القوى إلى مسألة إيجاد جيش عصريّ و إقتصاد فعّال " و بهذا كانت تقصد إقتصادا و جيشا رأسماليين . كانت هذه المجموعة تقاتل من أجل برنامجها فى أعلى مستويات الحزب ... و تستنهض قوى إجتماعيّة فى المجتمع .
كانت بعدُ تتمتّع بقوّة كبيرة فى صفوف الحزب و الحكومة و الجيش . و إستخدمت الجماهير بطرق معيّنة . كانت تقول إنّه إن إندمجت الصين فى الإقتصاد العالمي ، سيكون حال المجتمع أفضل ... و إنّ مستويات الشغّالين القاعديين سترتفع و إنّ إقتصاد الصين سيتعزّز و يكون فى موقع أفضل لمواجهة خطر الحرب . و إستخدمت الشباب ذى الخلفيّة الأكثر إمتيازات الذى كانت الثورة الثقافيّة " تسرق منه " آماله .
كان ماو و مراكز القيادة الثوريّة فى الحزب يستنهضون الجماهير لمواجهة هذا الوضع و يقودون الجماهير للدفاع عن التغييرات الجديدة فى التعليم و منها إلتحاق الشباب ذى الخلفيّة العمّالية و الفلاحيّة بالجامعات ... و الأعمال الثقافيّة الثوريّة مثل الأوبيرا ...و الأوان الجديدة من الإدارة فى المصانع ... كلّ ما تحدّثنا عنه بمعنى توجّه الشباب إلى الريف .
كان معقّدا ذلك الصراع الذى كان الثوريّون يخوضونه . كانوا ينادون الناس للدفاع عن هذه " الأشياء الإشتراكية الجديدة " كما وقعت تسميتها ، فى وجه جهود أتباع الطريق الرأسمالي الرامية لتشويهها و تقويضها ... مرّة أخرى بإسم الإستقرار . و لم يكن الثوريّون يحاججون فقط من أجل الدفاع عن ما وقع كسبه من خلال الثورة الثقافيّة ... بل للمضي قدما فى الصراع فى سبيل تثوير المجتمع و تفكير الناس .
كانوا يشجّعون على دراسة النظريّة الماركسيّة. و كانوا ينقدون برنامج و خطّ أتباع الطريق الرأسمالي . و كانوا يواجهون الرهانات الكبرى للمجتمع ... خدمة للجماهير فى الصين و خدمة لقضيّة الشيوعية ... الرهانات الكبرى لهذا الصراع قصد الردّ على محاولات أتباع الطريق الرأسمالي أن ينقلبوا على مكاسب الثورة الثقافيّة .
و إنفجرت الإحتجاجات – بعضها نظّمه أتباع الطريق الرأسمالي ... و بعضها الآخر نظّمته الجماهير الثوريّة ضدّهم . وعلى الدوام بحث الثوريّون عن تعبئة النشاط الواعي للجماهير فى هذا الصراع المعقّد.
و مرّ الصراع عبر منعرجات و إلتواءات حادة . و مع إشتداده و إحتداده ، أثّر فى الروح المهنويّة لقطاعات من الجماهير . فبعض الذين كانوا واقفين مع الثورة الثقافيّة فى مراحلها الأولى أخذوا الآن فى التراجع . هذا واقع الصراع الطبقي . لكن فى وجه كلّ هذا ، قاتل الثوريّون قتالا شديدا فى هذا الصراع ... لمعالجة المسائل و لإعادة المسك بالمبادرة .
كانت تلك هي المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ . كانت معركة بطوليّة ... معركة العصر .
و كذلك فى هذه الفترة من 1973 إلى 1976 ، قام ماو و الثوريون الذين كان يقودهم بمساهمات نظريّة هامة فى فهمنا لطبيعة المجتمع الإشتراكي و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة ، وهدف الشيوعية . و أيضا إقترف الثوريّون بعض الأخطاء الثانويّة ... و هذه بدورها تحمل دروسا هامة . (103)
ليس هذا سوى لمسات عامة و إن أراد القرّاء أن يعمّقوا تحليل " المعركة الكبرى الأخيرة " لماو تسى تونغ و دروسها ، عليهم بالإلطلاع على أعمال بوب أفاكيان مثل " خسارة الصين و الإرث الثوري لماو تسى تونغ " و " مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة " (104) و " كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالمية و رغبتها " .
و لمّا توفّي ماو فى سبتمبر 1976 ... كان ذلك بمثابة الإشارة للرجعيين وسط الحزب و فى أكتبر نظّموا إنقلابا عسكريّا . و تحرّكوا فورا ضد النواة الثوريّة من أعلى القيادات الحزبيذة و نشروا فيالقا فى الأماكن المفاتيح من البلاد . واجهوا مقاومة لكن القمع كان سريعا و ساحقا مع أعداد كبيرة من الإيقافات و الإعدامات .
هُزمت الإشتراكيّة فى الصين و إنتهت المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية .
--------------------------------------------------------------------------------------------



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتخابات الأمريكية : مزيد الإضطهاد والجرائم ضد الإنسانيّة ...
- الثورة الصينية بقيادة ماو تسى تونغ : ربع الإنسانيّة يتسلّق م ...
- ثورة أكتوبر 1917 : المكاسب و الأخطاء - الفصل الثالث من كتاب ...
- بناء النضال من أجل تحريرالنساء - بيان لمجموعة الشيوعيين الثو ...
- 8 مارس اليوم العالمي للمرأة : تنظيم النساء ضد الإضطهاد و الإ ...
- 8 مارس 2016 : - هل يمكن لهذا النظام أن يتخلّص من أو يسير دون ...
- لا غرابة فى كونهم يشوّهون الشيوعية + تلخيص مكاسب كمونة باريس ...
- مقدّمة الكتاب 23 : لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم - تعرفون - ... ...
- الثورة فى البلدان الإمبريالية تتطلّب فكر ماو تسى تونغ [ الما ...
- تطوير ماوتسى تونغ للإشتراكية : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوري ...
- تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(1)الفصل الرابع من كتاب ...
- تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)الفصل الرابع من كتاب ...
- تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و ا ...
- مقدّمة - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - - كتاب لبوب أفاكي ...
- هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر
- إلى الشيوعيّين الثوريّين فى العالم و أفغانستان : قطيعتنا مع ...
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولاي ...
- قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعدا ...
- مقدّمة كتاب - مقدّمات عشرين كتابا عن - الماويّة : نظريّة و م ...
- إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الثورة الثقافيّة : أعمق تقدّم فى السير نحو تحرير الإنسان إلى الآن من الفصل الرابع من كتاب -... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها ومستقبلنا - لريموند لوتا