أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)الفصل الرابع من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان .















المزيد.....



تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)الفصل الرابع من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان .


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 00:36
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)

الفلسفة

الفصل الرابع من كتاب " مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة " لبوب أفاكيان .

نشرت الفصول بداية كمقالات فى مجلة " الثورة " بين أفريل 1978 و جانفي 1979 .
...



التناقض الرئيسي :

النقطة الأساسيّة التالية التى تناولها ماو فى " فى التناقض" كما شرح هو ذاته هي التناقض الرئيسي :

" توجد فى كلّ عمليّة تطوّر معقّدة لشئ ما تناقضات عديدة ، و لا بدّ أن يكون أحدها هو التناقض الرئيسي الذى يقرّر وجوده و تطوّره وجود و تطوّر التناقضات الأخرى أو يؤثر فى وجودها و تطوّرها ... ثمّة تناقض رئيسي واحد فقط يلعب الدور القيادي فى كلّ مرحلة من مراحل عمليّة التطوّر... و لذلك ينبغى لنا فى دراسة أيّ عمليّة معقّدة يوجد فيها تناقضان أو أكثر أن نبذل قصارى جهودنا كي نكتشف التناقض الرئيسي فيها . فإذا أمسكنا بزمام هذا التناقض الرئيسي ، إستطعنا حل سائر التناقضات بسرعة ." (89)

ما هي العلاقة بين التناقض الرئيسي و التناقض الجوهري الذى يحدّد محتوى السيرورة ككلّ ؟ التناقض الرئيسي فى أيّ وقت هو التناقض الأهمّ فى المرحلة الخاصة من تطوّر السيرورة المحدّدة من قبل التناقض الجوهري لا يمكن أن يمثّل تحوّل سيرورة شاملة أو جوهرية إلى أخرى لأنّ فقط معالجة التناقض الجوهري يمكن أن يؤدّي إلى ذلك . و التناقض الرئيسي يمكن أن يكون بالضبط هو التناقض الجوهري و لكن ليس بالضرورة كذلك إذ يمكن أن يمثّل التناقض الجوهري فى مرحلة معيّنة من تطوّره دون أن يمثّل التناقض الجوهري فى كلّيته كمحدّد لمحتوى السيرورة ككلّ . لكن فقط حين يمثّل التناقض الرئيسي التناقض الجوهري ككلّ يمكن أن تؤدى معالجة التناقض الرئيسي إلى تحويل السيرورة القديمة إلى سيرورة جديدة محلّ التناقض الجوهري القديم و ظهور تناقض من نوع جديد .

من البديهي أنّ هذه مسألة معقّدة . و كما طُبقت فى ثورة الديمقراطية الجديدة فى الصين كانت ذات تعقيد خاص . فالتناقض الرئيسي خلال الحرب المعادية لليابان كان بين الأمّة الصينيّة ككلّ و الإمبريالية اليابانية ( إلى جانب عناصر المجتمع الصيني التى تموقعت فى صفّ اليابان ) . و مثّل ذلك مرحلة خاصة من الثورة الديمقراطية الجديدة التى حدّد سيرورتها التناقض الجوهري بين أوسع الجماهير من جهة و الإمبريالية و الإقطاعيّة و الرأسماليّة البيروقراطيّة / الكمبرادوريّة من جهة أخرى .

طوال مرحلة حرب المقاومة ضد اليابان كانت بعض التناقضات قد تمّت معالجتها أو تراجعت مؤقتا أو جزئيا بما فى ذلك التناقض بين أوسع الجماهير و النظام الإقطاعي لكن هذا لم يعن أنّ سيرورة الثورة الديمقراطية الجديدة و تناقضها الجوهري قد عولجت و تحوّلت إلى سيرورة جديدة . بهزيمة الإمبرياليّين اليابانيّين تطوّر التناقض الرئيسي إلى مرحلة جديدة و إحتدّ . مثل التناقض الرئيسي مرّة أخرى كلّيا التناقض الجوهريّ . فقط الآن على أساس أعلى وعلى أساس معالجة التناقض بين أوسع الجماهير و الإمبرياليّة و الإقطاعيّة و الرأسماليّة البيروقراطيّة / الكمبرادوريّة عنى تحويل السيرورة القديمة ( الثورة الديمقراطية الجديدة ) إلى سيرورة جديدة ، الثورة الإشتراكية .

من كلّ هذا نرى لماذا كان على ماو تسى تونغ أن يكتب " فى التناقض" و لماذا أمكن له الشروع فى فهم أفضل لجذور المسألة و أهمّيتها . و بعد تحليل مسألة التناقض الرئيسي ، واصل ماو تحليل مسألة المظهر الرئيسي للتناقض . ما هو لبّ هذه المسألة ؟ كتب ماو :

" تطوّر كلّ طرف من الطرفين المتناقضين ، فى أيّ تناقض كان ، متفاوت عن تطوّر الطرف الآخر . و يتراءى أحيانا أنّ ثمّة توازنا فى القوى بين طرفي التناقض ، لكن تلك ليست سوى حالة مؤقّتة و نسبيّة ، فالتفاوت هي الحالة الأساسيّة . فلا بدّ أن يكون أحد الطرفين المتناقضين رئيسيّا و الآخر ثانويّا . فالطرف الرئيسي هو الذى يلعب الدور القياديّ فى التناقض . و إن طبيعة الشئ يقرّرها فى الدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة ." (90)

و أضاف ماو بعد ذلك بالضبط :

" لكن هذا الوضع ليس ثابتا ، إذ أن الطرف الرئيسي و غير الرئيسي لتناقض ما يتحوّل أحدهما إلى الآخر ، فتتبدّل طبيعة الشئ تبعا لذلك . "(91)

هذا هو أهمّ جزء من تماثل الأضداد الذى يعزى للصراع بينها .

لقد أولى ماو أهمّية عظيمة لهذه النقطة مشيرا إلى التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية و كذلك إلى التناقض بين الصين و الجماهير الصينيّة من جانب و الإمبريالية و الإقطاعية و الكمبرادور من الجانب اللآخر . و يتّجه موقع مظهرا التناقض فى كلا هذين التناقضين إلى التغيّر حيث أكّد أنّ البروليتاريا تتّجه إلى تحويل ذاتها إلى موقع مهيمن على البرجوازية و تتّجه الصين القديمة التى تهيمن عليها الإمبريالية و الإقطاعية إلى التحوّل إلى صين جديدة تحكمها جماهير الشعب بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي .

أكّد ماو هذا ليناضل ضد الإحباط فى ما يتّصل بالثورة الصينيّة و الإستسلام الطبقي فى ما يتعلّق بالعلاقة بين البروليتاريا و البرجوازية فى صفوف الجبهة المتّحدة . و تتّجه البروليتاريا نحو كسب الهيمنة و الموقع القيادي فى هذه الجبهة المتّحدة عبر الصراع و بإرتباط جدلي بذلك تتّجه الثورة الصينية نحو التقدّم عبر حرب المقاومة ضد اليابان و أبعد من ذلك نحو إلحاق الهزيمة النهائيّة و الإطاحة بالإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية / الكمبرادورية . لكن لن يحصل هذا إلاّ من خلال النضال .

فى المقتطف التالي ، عبّر عن المبدأ بقوّة :

" و كثيرا ما نتحدّث عن " حلول الجديد محلّ القديم " . إنّ حلول الجديد محلّ القديم هو قانون عام للكون لا يمكن مقاومته أبدا . إن تحول شئ إلى شئ آخر تبعا لطبيعته و للظروف المحيطة به و بواسطة أشكال مختلفة من القفزات ، تلك هي عمليّة حلول الجديد محلّ القديم . إن كل شئ يحوى تناقضا بين طرفه الجديد و طرفه القديم ، تناقضا يشكّل سلسلة من الصراعات الملتوية . و نتيجة لهذه الصراعات يتعاظم الطرف الجديد و يرتفع فيحتلّ مركز السيطرة ، بينما الطرف القديم يتضاءل بصورة تدريجيّة حتّى يضمحل . و حالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم ، فإنّ الشئ القديم يتحوّل إلى شئ جديد من حيث الطبيعة . و من هذا نرى أن طبيعة الشئ يقرّرها بالدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة . و عندما يطرأ تبدّل على الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة فإنّ طبيعة الشئ تتبدّل تبعا لذلك. "(92)

هكذا كانت العلاقة بين جماهير الشعب و القوى الرجعيّة و بين البروليتاريا و البرجوازية و بين المجتمع الجديد و القديم .

المرحلة الإشتراكية :

كان " فى التناقض" و " فى الممارسة العملية " سلاحا حادا فى الثورة الصينيّة حينذاك و نهضا بدور كبير فى دفع سيرورة الثورة الصينية عبر الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية . و فوق ذلك مثّلا كنزا من النظريّة الماركسيّة فى جانبها الفلسفي على وجه الخصوص قيمته كبرى فى النضال و مواصلة الصراع لا فقط فى الصين بل فى العالم أيضا. لكن أعظم تطوير و تطبيق للماركسية - اللينينية جاء بعد إفتكاك السلطة السياسية على مستوى البلاد كلّها ، فى فترة الثورة الإشتراكية و جزء حيوي من هذا كان تطويره للفلسفة الماركسيّة - اللينينيّة ، المادية الجدليّة و تطبيقه لها .

كنّا تعرضنا فى مقال سابق إلى العلاقة بين الصراع على الجبهة الفلسفيّة و الصراع على الجبهة الإقتصاديّة و السياسيّة . ركّزنا إنتباها خاصا على الصراع ضد النظريّة الرجعيّة حول " الأساس الإقتصادي المختزل " التى طبخها التحريفيّون فى الحزب الشيوعي الصيني و بخاصة قائد فلسفي فى هذا الميدان يانغ هسيان تشان .

تدافع نظريّة يانغ الرجعيّة عن أنّه على البنية الفوقيّة أن تخدم العلاقات الرأسماليّة كما تخدم العلاقات الإشتراكيّة فى القاعدة الإقتصاديّة و يجب حتى أن تخدم البرجوازيّة فكانت جزءا من و بقية من " نظرية قوى الإنتاج " و مفادها أنّ قوى الإنتاج فى الصين كانت متأخّرة للغاية و لا تسمح بالتقدّم نحو الإشتراكية و القضاء على العلاقات الرأسماليّة و أنّه يجب أن يسمح للرأسماليّة بالتطوّر دون تحديد و لمدّة طويلة قبل التوجّه صوب الإنتقال إلى الإشتراكية و بالتالي حسب هذه النظرة ، المهمّة كانت " تعزيز الديمقراطية الجديدة " و قيل حتّى فى هذه الظروف " الإستغلال حسن" .

صاغ ماو تسى تونغ الخطّ العام للتحوّل من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية فى تعارض مع البرنامج التحريفي ل " تعزيز الديمقراطية الجديدة " و كان عليه أن يناضل على الجبهة الفلسفيّة ليحطم الأساس الإيديولوجي للخطّ المعادى للثورة.

و بالفعل قد توقّع ماو ذلك منذ " فى التناقض" ففى الحديث عن تحوّل مظهري التناقض الواحد إلى الآخر ، شدّد ماو على أنّ هذا ينطبق على أشياء أخرى كالتناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج و البنية التحتيّة و البنية الفوقيّة و وجه بالتالي ضربة قويّة للمادية الميكانيكيّة. مذّاك كان لهذا أهمّية كبرى فى تبيان كيف و لماذا لم يكن على الصين أن تمرّ عبر المرحلة الرأسماليّة بل يمكنها أن تتقدّم عبر الثورة الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية بالرغم من أنّ قوى الإنتاج لم تكن متطوّرة جدا . حينها كتب :

" و يظنّ بعض الناس أنّ الأمر على خلاف ذلك فى بعض التناقضات . مثال ذلك أن القوى المنتجة هي الطرف الرئيسي فى التناقض بينها و بين علاقات الإنتاج ، و أنّ الممارسة العمليّة هي الطرف الرئيسي فى التناقض بين النظريّة و بينها ، و أن القاعدة الإقتصاديّة هي الطرف الرئيسي فى التناقض بينها و بين البناء الفوقي ، و لا يحدث تحوّل متبادل فى مركز أيّ طرف منها . هذه هي نظرية المادية الميكانيكية ، لا نظرية المادية الديالكتيكية . صحيح أن القوى المنتجة ، و الممارسة العملية ، و القاعدة الإقتصادية ، تلعب عادة الدور الرئيسي الحاسم ، و من ينكر هذه الحقيقة لا يكون ماديّا . لكن يجب أن نعترف كذلك بأنّ علاقات الإنتاج و النظرية و البناء الفوقي تلعب بدورها ، فى ظلّ ظروف معيّنة ، الدور الرئيسي الحاسم ... و عندما يعوق البناء الفوقي ، كالسياسة و الثقافة ، تطوّر القاعدة الإقتصاديّة ، فإنّ التجديدات السياسيّة و الثقافيّة تصبح العامل الرئيسي و الحاسم . أترانا نخالف الماديّة بقولنا هذا ؟ كلاّ ... ليس هذا مخالفا للماديّة ، بل يعنى بالضبط تفادى الماديّة الميكانيكية و التمسّك الحازم بالماديّة الديالكتيكية ."( 93)

مطبّقا هذا المبدأ على وضع الصين بالضبط بعد إفتكاك السلطة السياسية على نطاق البلاد ، بيّن ماو تسى تونغ أنّه دون إرساء علاقات الإنتاج الإشتراكية لن تستطيع الصين مواصلة التطوّر . " تعزيز الديمقراطية الجديدة " يعنى الرأسمالية و سيعرقل و لن يساعد هذا التطوّر " فقط الإشتراكية يمكنها أن تنقذ الصين " و دون إرساء بنية فوقيّة و تقويتها ، دون أن تمسك البروليتاريا و حلفاؤها بالسلطة و دون أن تمارس الدكتاتورية على الطبقات الرجعيّة و دون إيديولوجيا و سياسة و ثقافة إلخ و البروليتاريا فى القيادة لن يستطيع البناء الإقتصادي الإشتراكي التطوّر و " إلتهام" ما تبقى من العلاقات الرأسماليّة المتبقّية خلال المرحلة الإنتقاليّة . و لن يمكن للبنية الفوقيّة أن تخدم كلاّ من الرأسمالية و الإشتراكية و لا ينبغى بالتأكيد أن تخدم البرجوازية .

فكان صراعا حادا و حيويا إلى أقصى الحدود و بخوضه على الجبهة الفلسفيّة و السياسيّة و الإقتصاديّة كان ممكنا للبروليتاريا أن تهيمن و تواصل التقدّم على الطريق الإشتراكي .

و لكن بعد أن مرّت بالأساس المرحلة الإنتقاليّة ، بعد التوصّل إلى مشركة الملكيّة فى الأساس ، فى 1956 لم ينته الصراع الطبقي و من خلال قيادة البروليتاريا و الجماهير الواسعة فى خوض الصراع الطبقي فى تلك الظروف قام ماوتسى تونغ بأعظم إضافاته للماركسية - اللينينية و قضيّة الشيوعيّة .

تعميق الجدلية :

كما أنف الذكر ، كان تطوير ماو ستى تونغ للفلسفة الماركسية - اللينينية و تطبيقه لها أمرا حيويّا . وكان جوهر إضافات ماو للفلسفة الماركسية - اللينينية تلخيصه و تطويره لفهم قانون التناقض و تطبيقه . وقد أكّد ماو دوما و شدّد التأكيد فى الفترة الإشتراكية على الجدليّة و الحركة و التغيّر و القفزات و تحوّل الأشياء إلى نقيضها و تعويض الجديد للقديم ، كل ذلك فى تعارض مع توجّهات الإستقرار " الإطلاقية " و تركيز " نظام أعظم " مستمرّ إلخ ، بإختصار فى تعارض مع الميتافيزيقا.

فى 1966 ، شدّد ماو بأسلوبه الخاص المتميّز على الدعوة إلى" دراسة الجدليّة بإجتهاد و فعاليّة كبيرة جدّا " . (94)

فى 1958 ، حين شرع ماو تسى تونغ فى تطوير أساس نظريته العظيمة حول مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، علّق :

" الحديث على الدوام عن الوحدة الصمّاء و عدم الحديث عن الصراع ليس ماركسية - لينينيّة فالوحدة تتطوّر عبر الصراع و هكذا فقط يمكن التوصّل إلى الوحدة . و الأمر ذاته يشمل الحزب و الطبقات و صفوف الشعب . الوحدة تتحوّل إلى صراع و الصراع إلى وحدة أخرى . لا يمكن أن نكتفي بالحديث عن الوحدة الصماء ولا نتحدّث عن الصراع و عن التناقضات . لا يتحدّث الإتّحاد السوفياتي عن التناقض بين القيادة و المقودين . لو لم توجد تناقضات و صراعات لما وجد العالم ، لما وجد تقدّم و لا حياة و لما وجد أي شئ بالمرّة . الحديث على الدوام عن الوحدة يمثّل " مسبحا من الماء الراكد " يمكن أن يؤدي إلى البرودة . ينبغى أن نحطّم أساس الوحدة القديمة و أن نمرّ بمرحلة من الصراع من أجل وحدة على أساس جديد . ما الأفضل سبخة راكدة المياه أم يانغتسي [ نهر صيني ] لا ينضب مياهه جارية ، هادرة . " (95)

فى عدّة نقاط سابقة ، وقعت الإشارة إلى أنّ ماو لخّص أنّ ستالين إنحرف عن الجدليّة إنحرافات ذات بال . ففى 1957 ، سنة قبل التعليقات المقدّمة ، قام ماو بتحليل تقريبا ضافى لهذه المسألة و من المفيد الإستشهاد مطوّلا بما قاله بوضوح :

" كان لدى ستالين قسط كبير من الميتافيزيقا و قد علّم عديد الناس أن يتّبعوا الميتافيزيقا ". و أشار إلى أنّ فى تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي ( البلشفي ) :

" يقول ستالين إنّ للجدليّة الماركسيّة مبادئ أربعة رئيسيّة و المبدأ الأساسي ترابط الأشياء و كأنّ الأشياء مترابطة دون سبب بالمرّة . ما هي إذا الأشياء المترابطة ؟ هي مظهرا التناقض فى الشئ . فلكل شئ مظهرا تناقض . و المبدأ الرابع لدى ستالين يتحدّث عن التناقض الداخلي فى الأشياء و يتحدّث فقط عن صراع الأضداد دون الإشارة إلى وحدتها . و بالنسبة للقانون الجوهري للجدليّة ، وحدة الأضداد ، هنالك فى آن معا صراع و وحدة بين الأضداد التى هي معا متنافرة
و مترابطة و التى يتحوّل الواحد منها إلى الآخر فى ظروف معيّنة .

نظرة ستالين تنعكس فى مدخل " حول التماثل " ، فى المنجد الفلسفي الأصغر ، الطبعة الرابعة ، المنشور فى الإتحاد السوفياتي و فيه يقال :" لا يمكن أن يوجد تماثل بين الحرب و السلم ، بين البرجوازية و البروليتاريا ، بين الحياة و الموت و مظاهر مماثلة لأنّها متعارضة جوهريّا الواحدة مع الأخرى و كلاهما متنافرين ... هذا التأويل خطأ على طول الخطّ تماما ... الحرب و السلم كانتا كلاهما متنافرتين و مترابطتين و يمكن أن تتحوّلا الواحدة إلى الأخرى فى ظروف معيّنة . إذا لم يبدأ الإعداد للحرب فى زمن السلم كيف يمكن أن تندلع فجأة ؟ إذا لم يعد للسلم زمن الحرب ، كيف يمكن لها أن تأتي فجأة ؟

إذا لم تتحوّل الحياة و الموت كلّ منهما إلى الأخرى بالتالي من فضلك قل لى من أين تأتى الأشياء الحيّة ... كلّ المادة الحيّة تمرّ بسيرورة تغيّر ، تنشأ و تتوالد و تندثر . بينما الحياة سيرورة ، الحياة و الموت تخوضان صراعا مستمرّا و تتحوّلان الواحدة إلى الأخرى فى كلّ وقت . إذا لم تستطع البرجوازية و البروليتاريا أن تتحوّلا الواحدة إلى الأخرى ، كيف يمكن عبر الثورة أن تصبح البروليتاريا المهيمنة و البرجوازية المهيمن عليها ؟...

أخفق ستالين فى رؤية العلاقة بين نضال الأضداد و وحدة الأضداد ".(96)

كانت لهذا أهمّية خاصة حينذاك لأنّها كانت فترة إضطرابات فى الصين كما فى عدد من البلدان الإشتراكية ناجمة عن مقاومة الرجعيّين للإشتراكية و عن التوجّهات البيروقراطية و نواقص أخرى فى سياسات الحزب و الدولة فى هذه البلدان . من هنا من الأهمّية بمكان التمييز و التعامل الصحيحين مع نوعي التناقضات المختلفة - التناقضات فى صلب الشعب و التناقضات بين الشعب و الرجعيّين - المتداخلة . التناقضات العدائيّة و غير العدائيّة هي أضداد لكنّها كذلك تماثل و يمكن أن تتحوّل الواحدة إلى الأخرى .

حينها ، ركز ماو بوجه خاص على أنّ التناقضات غير العدائية / التناحرية يمكن أن تتحوّل إلى تناقضات تناحريّة إذا لم تعالج بطريقة صحيحة . و فى نفس الخطاب المستشهد به مطوّلا أعلاه ، ركّز ماو على نقطة أنّ فى تلك الظروف وجد الصراع الطبقي فى الصين تعبيرا على مستوى كبير ، فى التناقض فى صلب الشعب . (97) ما كان يشدّد عليه هو أنّ الرجعيّين الأعداء كانوا سيستفيدون من نواقص معيّنة و ظروف صعبة لإيجاد عدم إستقرار واسع و حتى إنتفاضة فى جزء من قطاعات الشعب ضد الحزب و الدولة .

هنا لم يكن يحاول أن يذكر أنّ التناقض الرئيسي لم يزل بين البروليتاريا و البرجوازية الذى هو عموما تناقض تناحري ( و لو أنّ فى ظروف الصين كان صحيحا أن يعالج التناقض مع البرجوازية الوطنية بصفة غير عدائية طالما كان ذلك ممكنا ) . بالفعل ، فى أواخر سنة 1957 ، نقد ماو تسى تونغ بصراحة الصياغة التى وقعت الموافقة عليها فى المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني (1956 ) القائلة بأنّ التناقض الرئيسي كان بين النظام الإشتراكي المتقدّم و قوى الإنتاج المتأخّرة وهي صياغة تحريفيّة مناهضة للخطّ الصحيح حول أن التناقض الرئيسي كان بين البروليتاريا و البرجوازية و أنّ حربة الثورة موجّهة ضد الأخيرة .(98) . و ما يودّ ماو التوصّل إليه بالتركيز على أنّ الصراع الطبقي وجد التعبير عنه بصفة واسعة فى تناقضات فى صفوف الشعب هو التقدّم بالثورة و هزيمة مقاومة العدوّ ، هو ضرورة التمييز و المعالجة الصحيحة لكلا النوعين من التناقضات فى المجتمع . كما قيل فى خطاب جانفي 1957 الذى مرّ بنا أعلاه " كيفية معالجة التناقض بين الشعب و العدوّ و معالجة التناقض فى صفوف الشعب داخل المجتمع الإشتراكي هو فرع من العلم حريّ بالدراسة عن كثب " . (99)

و ألقى ماو خطابا عظيما حول المسألة فى الشهر اللاحق ( فيفري 1957) ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " . فى ذلك الخطاب أعاد ماو قول :

" تعتبر الفلسفة الماركسيّة أنّ قانون وحدة الأضداد هو القانون الجوهري للعالم . و لهذا القانون بعد عالمي إذ ينسحب على الطبيعة و المجتمع الإنساني و الفكر ". (100)

وأسترسل ليلحّ على أنّ :

" بين مظهري التناقض يوجد فى آن معا ، الوحدة و الصراع ممّا يدفع الأشياء و الظواهر إلى الحركة و التغيّر"(101) و نقد " يرفض العديد من الناس الإعتراف بتواصل التناقضات فى المجتمع الإشتراكي و بالنتيجة حين يواجهون التناقضات الإجتماعيّة لا يكونون صارمين و لا يقومون بأيّة مبادرة ، إنّهم لا يفهمون أن المجتمع الإشتراكي يصبح أكثر وحدة و يتعزّز عبر السيرورة اللامتناهية من المعالجة و الحلّ الصحيحين للتناقضات " .(102)

و طبّق ماو تسى تونغ قانون أنّ مظهرا التناقض يمكن أن يتحوّلا كلّ منهما إلى نقيضه ، فى ظروف معيّنة. و عنى ذلك حينها أنّ الإضطرابات الحاصلة ينبغى أن تعالج جدليّا . إنّها أمور سيّئة و هذا مظهرها الرئيسي الذى حدّد طبيعتها لكن يمكن أن تتحوّل إلى شئ جيد لأنّها تضمّنت مظهرا إيجابيّا فقد كشفت نواقص الحزب و الدولة و أخطائهما جاعلة من الممكن إصلاحها . عبر هذه السيرورة ، إذا ما عولجت بطريقة صحيحة ، ستتعزّز الوحدة صلب الشعب ، بما فى ذلك العلاقات بين القيادة و المقودين و ستتوطّد أكثر الدولة الإشتراكية بينما يكون المعادون للثورة قد صاروا أكثر عزلة و أكثر إنحصارا بالفعل . و لكن إذا عولجت بطريقة غير صحيحة ، يتعمّق الإنفصال بين الجماهير و سيسمح للعدوّ أن يزداد قوّة بينما تضعف الدولة الإشتراكية و ربما وقعت الإطاحة بها .

قانون تحوّل الضدين الواحد إلى الآخر يعنى كذلك و ليس فقط أنّه بإمكان البروليتاريا أن تصبح القوّة المهيمنة فى المجتمع فى حين تصبح البرجوازية مهيمَن عليها و العكس يمكن أن يحصل أيضا . بعبارات أخرى ، يمكن كذلك أن تخسر البروليتاريا السلطة و يمكن للبرجوازية أن تعوّضها كطبقة مهيمنة .

يشير " حول المعالجة الصحيحة... " إلى هذا الخطر . و فعلا فى هذا الخطاب و لأوّل مرّة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالميّة تقع الإشارة تصريحا أنّه حتى بعد تركيز الملكيّة الإشتراكية تواصل البرجوازية التواجد و يتواصل الصراع الطبقي و" مسألة من سينتصر الإشتراكية أم الرأسمالية لم تحدد بعدُ " .(103)

و بالطبع مثّل هذا تطويرا آخر أعمق لفهم ماو تسى تونغ ذاته للفلسفة . و كرّس نظرة مختلفة - و متطوّرة و أصحّ - نسبة لتلك التى قدّمها فى " فى التناقض" فى ما يتعلّق بالتناقض ، و التناقض التناحري فى المجتمع الإشتراكي . فى ذلك العمل السابق إستشهد ماو ب( و بداهة عبّر عن إتّفاقه مع ) مقولة لينين :" إن التعادي و التناقض شيئان مختلفان كلّ الإختلاف . ففى ظلّ الإشتراكية سيتلاشى التعادى ، أمّا التناقض فيظلّ قائما " . (104)

كان هذا الخطّ السائد فى الإتّحاد السوفياتي و الحركة الشيوعيّة العالميّة عند كتابة " فى التناقض" غير أنّ ذلك جانب الصواب إذ هو تحليل سديد للشيوعيّة و ليس كذلك بالنسبة للإشتراكيّة . حدّد ماو تسى تونغ هذا الخطأ بفضل مواصلة تطبيق المادية الجدليّة على التناقضات فى المجتمع الإشتراكي و على قاعدة تلخيص تجربة الصين ذاتها إلى جانب التجربة ( الإيجابية و السلبية ) للإتّحاد السوفياتي . إنطوى " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " أوّل إقرار صريح ، لا لبس فيه ، في تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة ، بشأن تواصل وجود الطبقات و الصراع الطبقي بما فى ذلك و بصورة خاصة وجود التناقض التناحري بين البروليتاريا و البرجوازية فى المجتمع الإشتراكي ، إثر تحويل الملكيّة . و هذا برمّته دليل أعمق على حقيقة الماديّة الجدليّة و أنّ فهم ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسيّة و تطويرها كان معتمدا على وحدة جدلية و جاء مع تطوّرات المجتمع لا سيما تطوّر الصراع الطبقي الذى يستمرّ فعلا فى ظلّ الإشتراكية .

وعي الإنسان ، الدور النشيط :

فى الواقع ، كان الصراع الطبقي فى الصين حادّا للغاية حينها ، و قد إشتدّت حدّته فى السنة الموالية أي سنة 1958 . فكانت تلك سنة حركة تركيز الكمونات الشعبيّة التى ظهرت فى الريف الصيني كجزء حيوي من القفزة الكبرى إلى الأمام . و فى تناقض مع التحريفيّين فى صفوف الحزب الشيوعي ، قاد ماو حركة الجماهير و صاغ الخطّ العام لبناء الإشتراكية الذى لخّص التجربة السابقة لتلك الحركات و وفّر أوسع قيادة و دفعا للصراع داخل الحزب الشيوعي الذى تركّز على هذه المسائل و كان محتدما أيّما إحتدام . و كان صحيحا على الجبهة الفلسفيّة حيث وجّه التحريفيّون من جديد تهمة المثاليّة لماو تسى تونغ و ركّزوا هجومهم على مبدأ التماثل بين الفكر و الوجود .

صرّح يانغ هسين شان ، " السلطة " الفلسفيّة للقيادة التحريفيّة ، بوضوح أنّه " لا وجود للتماثل بين الفكر و الوجود " (105) . و إتّهم ماو و ثوريين آخرين بالدفاع عن أنّ " الفكر و الوجود شئ واحد " (106) . وعلاوة على ذلك :" أنكر يانغ هسين شان كلّيا السيرورة الضروريّة لحصول الإنسان على المعرفة الموضوعية للظواهر . فبالنسبة له من المثاليّة القول " لا يتطابق الذاتى مع الموضوعي " . و إنطلاقا من هذا الخطإ ، إستعمل تكتيكات الهجوم على نقطة مع إهمال كامل للبقيّة و غالي بفضاضة فى التراجعات المؤقّتة و المنعزلة التى من الصعب تفاديها فى عملنا اليومي ، ناعتا إيّاها جميعها ب " المثاليّة " . وقد هاجم بشراسة ما سمي ب" الأخطاء" أثناء القفزة الكبرى إلى الأمام و أرجع السبب إلى تماثل الفكر و الوجود و إلى الدور النشيط للوعي الإنساني الذى ينشأ أشياء عديدة إلخ . وقد قدّم عرضا كبيرا لدفاعه عن الماديّة فى حين كان واقعيّا يستعمل الميتفيزيقا و المثاليّة لمعارضة حركة الإنعكاس النشيطة و الثوريّة ". (107)

لقد رأينا أنّ تماثل مظهري التناقض هو أحد مظهري التناقض و الآخر هو صراع الأضداد . و رأينا أيضا أن تماثل مظهري التناقض لا يعنى البتّة أنّهما الشئ ذاته بل يعنى بالأحرى أنّهما مرتبطان، مشروطان و متداخلان الواحد مع الآخر. و فوق ذلك ، يعنى أنّ فى ظروف معيّنة يمكن أن يتحوّلا الواحد إلى الآخر . فى العلاقة بين الفكر و الوجود يعنى هذا أنّ الوجود يمكن أن يتحوّل إلى فكر و العكس صحيح . و إنكار هذا يعدّ بجلاء ميتافيزيقيّا بما أنّه يجعل من المظهرين مطلقين و مفترقين مطلقا الواحد عن الآخر. وهو فضلا عن ذلك مثاليّة لأنّ الوجود إذا لم يستطع أن يتحوّل إلى فكر ، إذا لم تستطع المادة أن تتحوّل إلى وعي فبالتالى من أين ياتى الفكر و ما هو منبعه ؟

عرض ماو مباشرة هذه المسألة فى هجوم مباشر على الجبهة الفلسفية ، فى نصّ مختزل ، قصير بعنوان " من أين تأتى الأفكار الصحيحة ؟ " المكتوب فى 1963 . فيه كرّر ماو و شرح مراحل سيرورة المعرفة و حدّد بصورة مركّزة أنّ :

" هنالك ضمن رفاقنا العديدين الذين لم يفهموا بعدُ نظريّة المعرفة هذه . حين يسألون عن منبع أفكارهم و موقفهم و سياساتهم و طرقهم و مخطّطاتهم و إستخلاصاتهم و الخطابات الفصيحة و المقالات الطويلة ، يعتبرون السؤال غريبا و لا يمكن الإجابة عليه . و لا يفهمون أيضا أن المادة يمكن أن تتحوّل إلى وعي و يمكن للوعي أن يتحوّل إلى مادة رغم أنّ مثل هذه القفزات من ظواهر الحياة اليوميّة ". (108)

متحدّثا عن قضيّة تناسب الذاتي و الموضوعي ، قضيّة الوعي الذى يعكس تماما العالم المادي و يقدّر بالتالي على توجيه ممارسة تغيير العالم ، أشار ماو تسى تونغ ليس إلى أنّه يجب أن يوجد تراكم للمعرفة الحسّية قبل أن يمكن تحليلها و تلخيصها إلى عقليّة فحسب و إنّما أيضا إلى أنّ تحويل هذا إلى حركة ، عند القيام بقفزة من الوعي إلى المادة ، هنالك مقاومة قوى رجعيّة لا سيما فى تغيير المجتمع . كتب :

" خلال الصراع الإجتماعي ، تمرّ القوى التى تمثّل الطبقة المتقدّمة أحيانا بهزائم لا لأنّ أفكارها غير صحيحة بل لأنّها لا تملك فى ميزان القوى فى الصراع المخاض القوّة التى تملكها الرجعيّة فهي بالتالي تمنى بالهزيمة المؤقتة لكنّها تتّجه نحو الإنتصار طال الأمد أم قصُر". (109)

عندما وُجدت تراجعات و أخطاء فى أثناء القفزة الكبرى إلى الأمام ، كان سببها الأساسي فى تلك الفترة مقاومة القوى الرجعية فى الصين و فى الحزب الشيوعي الصيني على وجه الخصوص و كذلك الإتحاد السوفياتي ( حاول التحريفيّون السوفيات بنشاط تخريب القفزة الكبرى إلى الأمام بسحب الإعانة و العمّال المختصّين ، مبقين على عديد المشاريع غير تامّة ...إلخ ) . و إرجاع هذه الصعوبات إلى " الدور النشيط للوعي الإنساني " و " المثالية الذاتية " للثوريّين ، بمن فيهم ماو ، قلب للأشياء رأسا على عقب و هجوم على النشاط الواعي للجماهير . وكان هدف التحريفيّين أيضا إنكار الدور الحيوي للخطّ الثوري لقيادة الجماهير فى تغيير المجتمع و أيضا إنكار الإنتصارات الحقيقيّة التى تحقّقت واقعيّا بفضل نهوض القفزة الكبرى إلى الأمام .

لقد شرح ماو تسى تونغ المبدأ الفلسفي الرئيسي المعنيّ هنا فى " فى التناقض" حيث كان فى الوقت نفسه يقاتل الماديّة الميكانيكية و يبرز أنّ قانون تحوّل الأضداد الواحد إلى الآخر ينطبق لا فقط على قوى وعلاقات الإنتاج بل كذلك على الممارسة و النظرية . و لفت النظر بخاصة إلى أنّه مع أنّ الممارسة هي الرئيسيّة نسبة للنظرية عموما ، فإنّ هناك حالات تعكس فيها العلاقة و " عندما ينبغى القيام بعمل ما ( و هذا ينطبق على أيّ عمل كان ) لكنّه لم ترسم بعد سياسة عامة أو طريقة أو خطّة أو سياسة محدّدة ، فإنّ رسم كلّ هذه يصبح العامل الرئيسي الحاسم . "(110)

هنا أبرز ماو الأهمّية العظمى للخطّ و السياسة إلخ التى هي من صنف الوعي و التى يمكن أن تتحوّل إلى مادّة ، إلى ممارسة ثورية . و بصفة عامة ، هذه هي العلاقة الجدليّة بين الوعي و المادة ، التماثل بينهما و من هنالك إمكانيّة تحوّل الواحد إلى الآخر . هذا مبدأ ماركسي- لينيني عظيم الدلالة و كان محور صراع محتدم فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني منذ القفزة الكبرى إلى الأمام .

فى 1959 ، فى خضم النضال ضد بنغ تاه هواي بشأن القفزة الكبرى إلى الأمام ، صرّح ماو أنّ التجريبية غدت الخطر الأساسيّ . و فعلا ، طوال عدّة سنوات قبل ذلك كان قد شدّد على أنّ التحريفية ، الإنتهازية اليمينية ، كانت تمثّل خطرا أكبر من الدغمائية . و إنعكست هذه التحريفية فى الهجمات على " الدور النشيط للوعي الإنساني " وعلى " تماثل الفكر و الوجود " و بشكل عام على أهمّية النظريّة و الخطّ و الوعي . فكان كلّ هذا محاولة لخنق حركات الجماهير التى مثّلت حقيقة تحويل خطّ ماو الثوري المرسوم إنطلاقا من الصراع الطبقيّ صينيّا و عالميّا ، إلى قوّة مادية جبّارة غيّرت وجه الصين و خاصة ريفها الشاسع .

الصراع و الخلاصة :

على إمتداد سنوات من الصراع المحتدم حول " القفزة الكبرى إلى الأمام "، قام ماو تسى تونغ فى 1962 بتحليل تاريخي مفاده أنّ المجتمع الإشتراكي مرحلة إنتقاليّة تدوم طوال السيرورة التى تتضمّن الطبقات و الصراع الطبقي و خطر إعادة تركيز الرأسمالية ( و كذلك تهديد الهجوم الخارجي للطبقات المعادية ) . و صار ذلك هو الخط الأساسي للحزب الشيوعي الصيني على طول المرحلة الإشتراكية . فمثّل تقدّما تاريخيّا فى الماركسية - اللينينية أتى ثمرة التطبيق اللامع لقانون الجوهري للجدلية ، التناقض ،على المجتمع الإشتراكي . طبّق ماو هذا القانون على الظروف المادية و الإيديولوجية فى ظلّ الإشتراكية فبيّن كيف تفرز هذه الظروف و التناقضات التى تميّز الحركة فى المجتمع الإشتراكي منذ بدايته إلى نهايته البرجوازية و بإستمرار.

و إذا ما وجدت البرجوازية و البروليتاريا و شكّلا تناقضا - فى الواقع التناقض الرئيسي - طوال المرحلة الإشتراكية بالتالى لا يجب فقط أن يوجد صراع بينهما ، بل يجب كذلك أن توجد إمكانيّة تحوّلهما الواحد إلى نقيضه ، بكلمات أخرى ، إمكانيّة أنّ تغتصب البرجوازية السلطة من البروليتاريا و تعيد تركيز الرأسمالية .

مرّة أخرى ، هاجم التحريفيّون بشراسة هذه النظريّة الرياديّة لماو تسى تونغ و خطّه . و فى 1958 ، هاجم يانغ هسيان شان متّبعا تكتيكا جديدا ، ماو و القيادة البروليتاريّة فى الحزب على أنّها تتحدّث فقط عن الصراع بين الأضداد و لا تنبس بكلمة عن وحدتها و صار يانغ بطل وحدة الأضداد و دعا إلى " إستعمال وحدة الأضداد " . ( 111)

و أمسى هجوم يانغ هجوما مكثّفا بصورة خاصة فى بداية ستينات القرن العشرين أي سنة 1961-1962 عندما إلتقى الهجوم السوفياتي و الكوارث الطبيعيّة و الخيانة التحريفيّة من داخل الحزب الشيوعي الصيني و تداخلت لتشكّل عراقيلا أمام مضيّ الصين قدما نحو الشيوعية متجاوزة الطريق الإشتراكي بثبات . عندئذ شدّد يانغ على أنّ وحدة الأضداد كانت تعنى " النقاط المشتركة " و أنّ للشعب الصيني و الثورة الصينيّة " نقاطا مشتركة " مع الإمبريالية الأمريكيّة و " نقاطا مشتركة مع بعض الإختلافات " مع التحريفية السوفياتية " .

هذه هي " نظرية مزج الإثنين فى واحد " ( أو الإثنان فى واحد ) وهي تتعارض كلّيا مع المفهوم الذى إستعمله ماو لتلخيص الجدليّة ، إزدواج الواحد ، الذى صاغه قبل ذلك بقليل .

فى 1964 ، أعلن يانغ و ليوتشاوتشى و أرهاط أخرى من التحريفيّين فى قيادة الحزب الشيوعي الصيني صراحة عن نظريّتهم الرجعيّة ، مزج الإثنين فى واحد ، و كانت الغاية منها توفير قاعدة فكريّة فلسفيّة لخطّهم التحريفي : " نهاية الصراع الطبقي ". لمعارضة خطّ ماو و فى محاولة منه مغالطة الشعب ، مزج يانغ إثنان فى واحد ، وعوض إزدواج الواحد عكس الأمر و قدّم مزج الإثنين فى واحد . و أعلن أنّ ل" مزج الإثنين فى واحد " وإزدواج الواحد " " المعنى ذاته."(112)

و هنا بالضبط تتنزّل أهمّية مسألة الخلاصة و دورها فى التناقض إذ عبّر يانغ عن أنّ التحليل يعنى " إزدواج الواحد " فى حين أنّ الخلاصة تعنى " مزج الإثنين فى واحد " .(113) و مؤدّى هذا فى تحليل التناقض من الصحيح النظر إلى مظهريه المتناقضين لكن عند التفتيش عن معالجة ( أو واقعيّا حسب رأيه الوفاق بين ) التناقض يجب مزج المظهرين فى واحد فيوحد فى " نقطة مشتركة ". و هذا متناقض مع الفهم الصحيح ، الجدلي الذى يرى أنّ :

" الفلسفة الماركسية تعلّمنا أنّ التحليل والخلاصة قانون موضوعي للأشياء و فى الآن ذاته طريقة للشعب لكي يفهم الأشياء . يبيّن التحليل كيف أنّ الوحدة تنقسم إلى جزئين مختلفين و كيف أنّها متشابكة فى صراع ، و تبيّن الخلاصة كيف يهيمن عبر الصراع بين المظهرين المتناقضين ، واحد على الآخر أو يهزمه و يلغيه و كيف أنّ تناقضا قديما يحلّ و ينشأ تناقض جديد و كيف أنّ شيئا قديما يُلغى و شيئا جديدا ينتصر . فى بضع كلمات، الخلاصة تعنى الواحد يبتلع الآخر ." (114)

ليس الإختلاف هنا ، جوهر هذا الصراع المخاض فى مجال الفلسفة ، نقاشا أكاديميا مثلما قد يبدو و إنّما هو صراع خطّين متعارضين جوهريّا هما الخطّ الثوري لمعالجة التناقض عبر الصراع ، و الخطّ الرجعي الساعي للتوفيق بين الضدّين عبر ربط التقدّمي بالرجعيّ والمتقدّم بالمتخلّف و الجديد بالقديم و الصحيح بالخاطئ إلخ . و فى ظل الإشتراكية على نحو خاص، يتّخذ هذا الصراع تعبيره السياسي المكثّف بما هو صراع الخطّ الماركسي - اللينيني المتبنّى للصراع الطبقي بإعتباره مفتاح العلاقة و الخطّ التحريفي و شعاره " إنتهاء الصراع الطبقي" .

و ينطبق خطّ الخلاصة على جميع التناقضات ، العدائية منها و غير العدائية . فى كلتا الحالتين ، المظهر الجديد ، الصاعد ، فى النهاية " يبتلع " المظهر القديم المتداعي . ما يختلف هو فقط وسيلة الإبتلاع . فالبروليتاريا تبتلع البرجوازية بخوض صراع طبقي ضدّها و إفتكاك السلطة السياسيّة منها و ممارسة دكتاتوريّتها عليها و مواصلة الصراع الطبقي ضدّها فى ظروف دكتاتوريّة البروليتاريا . إنّه تناقض عدائي و يعالج بوسائل عدائيّة . و من جهة أخرى ، فى ما يتعلّق بالتناقض بين الصحيح و الخاطئ فى صفوف الشعب ، فيعالج بطرق غير عدائيّة ، عبر الصراع الإيديولوجي . لكن فى هذه السيرورة لا يزال الصحيح يبتلع الخاطئ . و ينسحب الأمر ذاته على التناقضات غير العدائيّة الأخرى . الخلاصة عبر الصراع هو القانون الكوني المتأتّى عن قانون وحدة الأضداد .

دون هذه الرؤية الصحيحة تتحوّل الخلاصة - " إزدواج الواحد "- إلى إنتقائية ، إلى إعتراف بمظهري التناقض مع محاولة التوفيق بينهما ، توفيق بين شيأين متنافرين ، بكلمات أخرى ، تتحوّل إلى " إثنين فى واحد" و بكلمات شعبية فى هذا البلد يعبّر عن ذلك ب " هنالك جانبان لكلّ قصة " يعنى لا يمكنك فصل الصحيح عن الخاطئ و الجيّد عن السيئ إلخ .

تطرّق ماو تسى تونغ إلى ذلك فى " ملاحظات نقديّة " حول كتاب الإقتصاد السياسي السوفياتي فقال إنّ الحديث عن التناقضات على أنّها " ضدّية " حتّى فى ظلّ الإشتراكية " لا يتّفق مع قوانين الجدليّة التى ترى أنّ كلّ التناقضات "ضدّية " . أين هي التناقضات الممكن التوفيق بينها ؟ بعض التناقضات تناحريّة وبعضها غير تناحري لكن لا ينبغى أن نقول إنّه توجد تناقضات " ضدّية " و أخرى غير ضدّية ." (115)

و تطرّق ماو لمسألة الخلاصة و إنعكاساتها السياسيّة فى خطاب عظيم عن الفلسفة سنة 1964 . ما هي الخلاصة ؟ سأل و أجاب :

" لقد شاهدتم جميعا كيف أنّ الضدّين ، الكومنتنغ و الحزب الشيوعي الصيني وقعت بينهما خلاصة على أرض الواقع . حدثت هذه الخلاصة على النحو التالي : تقدّمت جيوشه فإلتهمناها ، أكلناها قطعة بعد الأخرى . لم يكن الأمر مزج الإثنين فى واحد كما يقول يانغ ، لم تكن الخلاصة ضدّين يتعايشان سلميّا . لم يكونوا يريدون التعايش السلمى بل كانوا يريدون إلتهامنا... بعد التحليل كيف نلخّص ؟ إذا أردتم الذهاب إلى مكان ما تذهبون مباشرة ، نحن نبتلع جيشكم لقمة فلقمة ... هذه هي الخلاصة ... شئ يلتهم آخر ، السمك الكبير يلتهم الصغير، هذه هي الخلاصة . لم يوضع هذا أبدا فى الكتب . لم أضع ذلك أبدا هكذا فى كتب أنا أيضا . من جهته يانغ هسيان تشو يعتقد أنّ الإثنين يمزجان فى واحد و أنّ الخلاصة هي العلاقة العضويّة بين الضدّين . أين هي العلاقات العضويّة فى هذا العالم ؟ يمكن أن توجد علاقات بين الأشياء غير أنّ فى الأخير يتعيّن أن تنفصل لا وجود لشئ لا ينفصل . "(116)

لو سحبنا ذلك على الصراع الطبقي لألفينا أنّ هذا هو حال البروليتاريا و البرجوازية و إذا لم تلخّص البروليتاريا البرجوازية عبر الصراع ، إذا لم تنفصل عبر معالجة التناقض بينهما مفرزة إنتصار البروليتاريا و إلغاء كافة الطبقات و ظهور المجتمع الخالي من الطبقات فبالتالي كيف يمكن أن توجد أيّة شيوعية ؟

قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للجدلية :

فى ذات الخطاب حول الفلسفة ، عبّر ماوتسى تونغ عن تطوير أعمق للجدليّة الماركسيّة إذ قال إن " إنجلز تحدّث عن ثلاث قوانين لكن بالنسبة إّلي لا أعتقد فى إثنين منهما " و هنا يلمح ماو إلى تحوّل الكمّية إلى النوعيّة و كلّ إلى نقيضه و نفي النفي اللذان تحدّث عنهما إنجلز ، إلى جانب وحدة الأضداد ، كقوانين ثلاثة أساسيّة فى الجدليّة ( أنظروا مثلا " ضد دوهرينغ " جزء 1 ، الفلسفة ) .

عن الكمّية و النوعيّة ، قال ماو إنّ " تحوّل النوعي و الكمّى كلّ إلى نقيضه هو وحدة أضداد نوعيّ كمّي" (117) و أضاف " نفي النفي لا وجود له بالمرّة ، خلاصة القول هو أن وضع التحوّل النوعي و الكمّي كلّ إلى نقيضه و نفي النفي فى نفس مستوى قانون وحدة الأضداد هو " تثليث " و ليس توحيدا . القانون الأكثر أساسيّة هو وحدة الأضداد " . (118)

بكلمات أخرى ، أن يقال إنّ هذه القوانين الثلاثة كلّها متساوية فى كونها قوانين أساسيّة للجدليّة قول فى جوهره تجاوز لقانون أنّه يجب أن يوجد تناقض رئيسي واحد من بينها يكون أساسيّا وهو وحدة الأضداد . و مثلما فسّر ماو ، تحوّل الكمّية إلى النوعيّة و العكس هو ذاته تناقض بين الكمّية و النوعيّة و لا يمكن أن يوضع فى نفس مستوى قانون التناقض . و لكن لماذا يؤكد ماو أنّ " لا وجود لنفي النفي " ؟ تفسيره هو التالي :

" تأكيد ، نفي ، تأكيد ، نفي ... فى تطوّر الأشياء ، كل حلقة فى سلسلة الأحداث هي فى آن تأكيد و نفي . المجتمع العبوديّ نفي المجتمع المشاعي البدائي و لكنّه بالنسبة للمجتمع الإقطاعي مثّل بالعكس تأكيدا . مثل المجتمع الإقطاعي نفي المجتمع العبودي لكنّه كان فى المقابل تأكيدا بالنسبة للمجتمع الرأسمالي . و المجتمع الرأسمالي كان نفي المجتمع الإقطاعي لكنّه فى المقابل تأكيدا نسبة للمجتمع الرأسمالي . و المجتمع الرأسمالي كان نفيا للمجتمع الإقطاعي بيد أنّه فى المقابل تأكيد نسبة للمجتمع الإشتراكي ".( 119)

هنا يمكن أن يبدو أنّ ماو ليس بصدد نكران نفي النفي بقدر ما هو يقوم بتطبيقه إلاّ أن ما هو بصدد تطبيقه هو قانون إزدواج الواحد. و ما يريد التوصّل إليه هو أنّ فى السيرورة التى هو بصدد عرضها ، تطوّر المجتمع الإنساني إلى حدّ الآن - عبر مراحل من مجتمع المشاعيّة البدائيّة إلى الإشتراكية - كيف مثّل الإقطاع مثلا نفي النفي بالنسبة للمجتمع البدائي؟ أو الرأسماليّة نفي النفي بالنسبة للعبوديّة ؟ و الإشتراكية نفي النفي بالنسبة للإقطاعيّة ؟

صحيح أنّ الأشياء فى تطوّر المجتمع يمكن أن توجد و توصف على شكل نفي النفي . مثال ما إستعمله ماركس فى " رأس المال "(م 1 ) و دافع إنجلز ( فى " ضد دوهرينغ " ) عن أنّ الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج تنفيها الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج التى هي بدورها تنفى من قبل الملكية الإشتراكية و هذه الأخيرة تعطى الملكية الخاصة للفرد لكن فى ما يتعلّق بوسائل الإستهلاك فقط ، و على أساس الملكية الإشتراكية للإنتاج تماشيا مع الإنتاج الإشتراكي . و يمكن لمثال آخر أشار إليه إنجلز أن يعتبر نفي النفي : نفي الملكية العامة فى المجتمع البدائي من قبل ظهور المجتمع الطبقي و بدوره ينفى المجتمع الخالى من الطبقات المجتمع الطبقي ، منتهيا مرّة أخرى إلى الملكية العامة لكن على أساس تراكم هائل لقوى الإنتاج خلال فترة المجتمعات الطبقيّة بين المجتمع المشاعي البدائي و المجتمع الشيوعي . أمثلة أخرى يمكن أن نعثر عليها فى الطبيعة و المجتمع و الفكر.

لكن مجدّدا هل يمكن أن يقال إنّ هذا يدلّل على أنّ نفي النفي هو أحد قوانين الجدليّة التى تنطبق على كافة السيرورات فى الطبيعة و المجتمع و الفكر ؟ كلاّ . فى بعض السيرورات أو بعض مراحل سيرورة ، حلّ التناقض يمكن أن يوصف كنفي النفي غير أنّه ليس ثمّة قانون يؤسس السيرورة و يحدّدها و يفعل فيها سوى وحدة الأضداد ، دافعا بإستمرار إلى ظهور التناقضات الجديدة و حلّها. هذا ما يعنيه ماو تسى تونغ حين قال إنّه لا وجود لنفي النفي .

لنأخذ مثال الحياة و الموت . كافة الأشياء الخاصة تأتى إلى الوجود و تضمحلّ ، كلّ الأشياء الحيّة تصبح حيّة ثم تتوقّف عن الحياة . لكن كيف يكون إضمحلالها أو توقّفها عن الحياة نفيا للنفي الأصلي الذى أوجدها أو الحياة ؟ نفي النفي يمكن أن يصف ما يحدث لبعض الأشياء عبر حلقة حياتها مثل الحبّة التى يستشهد بها إنجلز فى " ضد دوهرينغ" ( التى تصبح نبتة تولد بدورها عديد الحبوب) غير أنّ إنجلز يعترف حتى فى هذه الحال بأنّ الحبّة تتحوّل إلى نبتة فقط فى ظروف معيّنة و أنّ نفي النفي الأوّلي ليس بيانا لنفي النفي كقانون جدليّ بل بالفعل وحدة الأضداد هو القانون الأساسيّ للمادية الجدليّة .

حبّة - نبتة - حبّة (حبّات ) هو وحدة أضداد الحبّة و النبتة . يقول إنجلز إنّه بالطبع إذا ما حطّمت الحبّة لن تصبح نبتة . لكن حبّة محطّمة تبيّن أيضا قانون التناقض : هنالك وحدة و صراع الأضداد . الحبّة و القوّة المحطّمة و هنالك الحلّ الحبّة المحطّمة . هنا لا وجود لنفي النفي بل هنالك قانون التناقض .

بعد ما قاله ماو فى الإستشهاد السابق ، نلاحظ أنّه يعارض إعتبار نفي النفي قانونا جدليّا لأنّ ذلك يجرّ إلى أو هو جزء من نظرة غير صحيحة للخلاصة فبالنسبة لهذه النظرة ، الخلاصة ليست إلتهام مظهر لمظهر آخر عبر الصراع مفرزا تناقضا جديدا يكون فيه المظهر الرئيسي للقديم قد تغيّر ، بل شئ يعيد عناصر الشئ الذى وقع نفيه ( لكن على مستوى مختلف و أرقى نوعيّا ) و يذهب إلى إعتبارها النتاج النهائي للتطوّر - أو على الأكثر نقطة بداية السيرورة ، مرّة أخرى ( و إن كان ذلك على مستوى أرقى) . و إذا ما غدا نفي النفي قانون تطوّر المجتمع من المجتمع المشاعي البدائي إلى الشيوعية ، إذا ما تمّ التركيز عليه كقوّة محرّكة فى التقدّم نحو الشيوعية ، لن يكون للتناقض الداخلي الأساسي للرأسمالية ( و الإشتراكية ) بين البروليتاريا و البرجوازية ( و لا التناقضات الداخلية الأساسيّة للأنظمة السابقة ) هو القوّة المحرّكة و إنّما السيرورة :

أطروحة المشاعية البدائية ، نقض الأطروحة ، المجتمع الطبقي ، الخلاصة ، الشيوعية . نكرّرها هذه نظرة ليست صحيحة لسيرورة القوى المحرّكة لتطوّر المجتمع نحو الشيوعية و ليست عمليّة خلاصة .

بالضبط إثر الإستشهاد بتطوّر المجتمع لشرح سبب عدم إعتبار نفي النفي قانونا جدليّا ، يعود ماو إلى مسألة : " ما هي الخلاصة ؟ "(120) و يجيب :

" فى كلمة ، الواحد يلتهم الآخر ، الواحد يطيح بالآخر ، طبقة تضمحلّ و تظهر طبقة أخرى ، مجتمع يضمحلّ و يظهر مجتمع آخر "(121) هذا هو القاون الأساسي فى الجدلية ، قانون التناقض و هذه هي الطبيعة الحقيقيّة للخلاصة و دوره فى حركة الأشياء بإستمرار من سيرورة إلى أخرى و من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى فى تصاعد لولبيّ لا متناهي .

و ختاما بشأن موضوع نفي النفي ، نقول إنّه إذا ما جعل منه قانونا جدليّا سينحو نحو الدفاع عن الميتافيزيقا . و بالطبع ينبغى أن نؤكد بجلاء أنّ إنجلز دافع عن الجدليّة كنقيض للميتافيزيقا و من الأكيد جدّا أنّه دافع عن نظرة جدليّة للتطوّر التاريخي ، بعيدة كلّ البعد عن الميتافيزيقا غير أنّ الجدليّة الماركسيّة تطوّرت بتطوّر المجتمع و سيتّجه نفي النفي إلى تمثيل " نظام مغلق " للتطوّر المنتهى إلى الشيوعية و إلى الدفاع عن نظرة ستاتيكية / سكونية إطلاقية للشيوعية ذاتها كنهاية نفي النفي و " مملكة التناسق الكبير ". فى تعارض مع ذلك ، صرّح ماو فى خطابه حول الفلسفة ، سنة 1964:

" ستبقى الشيوعية لمئات السنين . لا أعتقد أنّه لن توجد تحوّلات نوعيّة فى ظلّ الشيوعية و أنّها لن تنقسم إلى مراحل بفعل التغيّرات النوعيّة ! لا أعتقد ذلك ! ...هذا غير معقول على ضوء الجدلية ". (122)

و أهمّية ذلك لا سيما فى الصين آنذاك كانت بأكثر مباشرة مرتبطة بالإشتراكية منها بالشيوعية لأنّ بعض الشيوعيّين كانوا يقدّمون الإشتراكية كشئ مطلق ، ستاتيكي / سكوني ، ناظرين إليه بالفعل كإفراز نهائي لتطوّر المجتمع ، النفي النهائي للمجتمع السابق . فعلّق ماو قائلا :

" الإشتراكية بدورها ستضمحلّ و لن يكون صحيحا أن لا تضمحلّ لأنّه حينئذ لن توجد شيوعية " .(123)

الثورة الثقافية و مواصلة الصراع :

أراد التحريفيّون هم أيضا أن يقضوا على الإشتراكية لكن ليس بالتقدّم صوب الشيوعية إذ كانوا يدعون إلى و يعملون بنشاط من أجل إعادة تركيز الرأسمالية . و كانت المجموعة التحريفيّة بخاصة المجتمعة حول ليوتشاوشى و قادة كبار آخرين متّفقين معه ، كانت تملك قيادة عامة داخل الحزب الشيوعي و جهاز الدولة . كانوا يسيطرون على أجزاء هامة من البنية الفوقيّة و كانوا يهيمنون أو لهم كبير التأثير على جزء مهمّ من الإقتصاد . لو كان الوضع ليدوم أطول ، لنجح هؤلاء التحريفيّون فى إغتصاب السلطة فى البلاد بأسرها و دفع ثورة مضادة و إعادة تركيز الرأسمالية لذا كان لزاما القيام بشئ و جرى القيام باللازم .

إنّها الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى تحوّلت فى 1966 إلى نهوض ضخم للجماهير الصينيّة تحت قيادة ماو تسى تونغ و القيادة البروليتارية فى الحزب ضد أتباع الطريق الرأسمالي آنذاك بقيادة ليوتشاوتشى و آخرين متحالفين معه . وكشف هذا النهوض الجماهيري للثورة الثقافية و ضرورته بصورة هائلة عن المبدأ المادي الجدلي الذى عرضه ماو فى " فى التناقض " فى صراعه ضد المادية الميكانيكيّة . "عندما يعوق البناء الفوقي ، كالسياسة و الثقافة ، تطوّر القاعدة الإقتصاديّة ، فإنّ التجديدات السياسية و الثقافيّة تصبح العامل الرئيسي الحاسم ."

إذا لم تحطّم هيمنة البرجوازية ( أتباع الطريق الرأسمالية ) على أجزاء كبيرة من البنية الفوقية - بما فى ذلك الثقافة والتربية و جزء كبير من الحزب و جهاز الدولة - لم يكن من الممكن الدفاع عن الأساس الإقتصادي الإشتراكي و تطويره . إذا لم يقع ذلك لتمكّن أتباع الطريق الرأسمالي من القيام بتغيير كلّي فى البنية الفوقية و تعويض دكتاتورية البروليتاريا بدكتاتورية البرجوازية و من ثمّة تحويل القاعدة الإقتصاديّة إلى قاعدة رأسماليّة و تعويض علاقات الإنتاج الإشتراكيّة بعلاقات رأسماليّة فى المجتمع ككلّ و تركيز الرأسماليّة على الأصعدة كافة . وهذه هي السيرورة التى حصلت فى الإتّحاد السوفياتي بصعود خروتشوف و زمرته إلى السلطة و بتركيز خطّهم التحريفي فى المجتمع بأسره ، كما لخّص ذلك ماو .

و مثّلت الثورة الثقافية كذلك خطاّ ثوريّا فى تطبيق مبدأ الخلاصة كنقيض للفلسفة الرجعيّة لمزج الإثنين فى واحد . مثّل
" إعتبار الصراع الطبقي العلاقة المفتاح " نقيضا ل" إضمحلال الصراع الطبقي " و خلاصة الجماهير بقيادة الزعماء البروليتاريين فى الحزب و إلتهامها للقيادة البرجوازية داخل الحزب .

و لم يكن هذا سوى مرحلة فى السيرورة الطويلة الممتدّة بين الرأسمالية و الشيوعية و لم يكن ليحلّ التناقض الجوهري بين البروليتاريا و البرجوازية . تمّ تحطيم قيادة برجوازية و جرت الخلاصة بيد أنّ قيادات أخرى ستبرز كلبّ و كمركز قيادة برجوازية فى المجتمع طالما أنّ البرجوازية موجودة على طول المرحلة الإنتقالية . لذلك لم يقل ماو إن الصراع الطبقي سيستمرّ فحسب بل أيضا إنّ كلّ بضعة سنوات سيوجد صراع كبير ، و نزاع لتحديد من سيمسك السلطة . إضافة إلى هذا قال ماو إنّ ثورة ثقافية واحدة لن تحلّ مشكل منع إعادة تركيز الرأسمالية .

كان هذا مرّة أخرى تطبيقا خلاقا للمادية الجدليّة . و قد جرى التحقّق منه فى الممارسة العمليّة حيث ظهر أوّلا لين بياو و آخرون لتهديد البروليتاريا فى صراع من أجل السلطة ، باحثين عن قلب الثورة الإشتراكية عموما لغاية إعادة تركيز الرأسمالية . و هنا تكمن الأهمّية العميقة لنظريّة ماو العظيمة و الخطّ الأساسي لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، هذه النظريةّ المشعّة بنورها .

سيحتج البعض قائلين إذا أعيد تركيز الرأسمالية فى الصين فذلك يبيّن أنّ نظريّة ماو حول مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و الثورة الثقافية التى حوّلت هذه النظريّة إلى قوّة مادية ضخمة على مستوى الجماهير كانت بالأساس خاطئة . ينمّ هذا النوع من التفكير عن التجريبيّة و النسبيّة فصحّة هذه النظريّة لا ترتهن بالنتائج المباشرة فى وضع معيّن . لقد تعمّقت و تحقّقت فى الممارسة و فى صراع مئات الملايين جماهير الشعب الصيني و سيزداد تحقّقها مستقبلا عبر النضال الثوري فى الصين و غيرها من البلدان . و من المفيد هنا التذكير بمقولة ماو :

" فى الصراع الإجتماعي تتعرّض القوى الممثّلة للطبقة المتقدّمة أحيانا إلى هزائم لا لأنّ أفكارها غير صحيحة بل لأنّها فى ميزان القوى فى الصراع لا تملك القوّة التى لدى القوى الرجعيّة ، تتعرّض إلى هزيمة مؤقّتة و لكنّها ستنتصر طال الزمن أم قصر". (124)

و يظلّ هذا حقيقة مطلقة .

حقيقة مطلقة أخرى هي أنّ ماوتسى تونغ قاد الجماهير الصينيّة فى مواصلة النضال الثوري فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و مواصلة الثورة الثقافية من خلال عدّة أشكال من النضال ، إلى آخر رمق فى حياته . و جزء حيويّ من هذا الصراع كان مجدّدا النضال على الجبهة الفلسفيّة ، بالخصوص بين المادية الجدلية من جهة و الميتافيزيقا و المادية الميكانيكية من جهة أخرى .

و على سبيل المثال ، واحدة من النقاط التى وقع التركيز عليها ضمن حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس خلال السنوات الأخيرة لحياة ماو كانت خوض النضال ضد " عقيدة الوسيلة " التى رفعها كنفيشيوس و أتباعه فى الصين عبر العصور . و مضمون هذه العقيدة جوهريا نفس مضمون النظريّة الرجعيّة ل" مزج الإثنين فى واحد " . وقد عارضت " المضي إلى الأطراف " و نادت بالوفاق بين الضدّين أكثر من حلّ التناقض بينهما عبر الصراع . حيويّة مطلقا كانت الهزيمة الإيديولوجية التى مُنيت بها هذه العقيدة عبر خوض الصراع الطبقي كعلاقة مفتاح ومعارضة "إضمحلال الصراع الطبقي" فى البلاد و الوفاق و الإستسلام إلى الأعداء الطبقيّين عالميّا .



الصراع غير المنتهي:

عموما خلال الفترة الأخيرة من حياته ، أعاد ماو التشديد بإستمرار على ضرورة الصراع . و جلب الإنتباه إلى أنّه " دون صراع لا وجود للتقدّم " و وضع بعمق سؤالا كانت الإجابة عنه بديهيّة " هل يمكن لشعب يعدّ 800 مليون نسمة أن يدبّر أموره دون صراع ؟ " . و صرح متوجّها لأولئك الذين أنكروا أهمّية الثورة الثقافية وضرورتها و عارضوا الأهداف الحقيقية لأولئك الذين يدافعون عن " إضمحلال الصراع الطبقي " ضد مواصلة الثورة ، صرّح :

" ما هو هدف الثورة الثقافية ؟ خوض الصراع الطبقي . قدّم ليوتشاوتشى نظريّة إضمحلال الصراع الطبقي لكنّه هو ذاته لم يكف عن خوض الصراع الطبقي . و كان يريد حماية زمرة خونته و أتباعه المحلّفين . . و أراد لين بياو الإطاحة بالبروليتاريا و حاول القيام بإنقلاب . هل إضمحلّ الصراع الطبقي ؟ "(125)

وهو يسجّل هذه الحقيقة العميقة -الحاجة إلى مواصلة الثورة - مبرزا أهمّيتها الكبرى والبعيدة المدى ، قال ماو تسى تونغ :

" هل سنحتاج إلى ثورة بعد مائة سنة من الآن ؟ هل سيحتاج بعدُ إلى ثورة بعد ألف سنة من الآن ؟ ثمّة على الدوام حاجة إلى ثورة . فثمّة دائما قطاعات من الناس يشعرون أنّهم مضطهَدون ، الضبّاط الصغار و الطلبة و العمّال و الفلاحون و الجنود و لا يريدون أن يضطهِدهم البيروقراطيّون لهذا يريدون الثورة . ألن توجد بعد تناقضات بعد 10آلاف سنة من الآن ؟ ستوجد بعد . "( 126)

هنا من جديد ، يلفت ماو الإنتباه إلى أنّه حتى فى ظلّ الشيوعية ستوجد بعدُ تناقضات و صراعات لحلّ التناقضات و تحوّلات نوعيّة ( قفزات و بهذا المعنى ثورة . و مثلما أعرب عن ذلك فى 1971 :

" إنّنا نغنّى النشيد الأممى منذ خمسين عاما و قد وجد فى حزبنا أناس حاولوا عشر مرّات زرع الانشقاق ، فى رأيى هذا يمكن أن يتكرّر عشر مرّات ، عشرين ، ثلاثين مرّة أخرى . ألا تعتقدون ذلك ؟ أنا أعتقد ذلك على كل حالّ . ألن توجد صراعات حين ندرك الشيوعية ؟ أنا ببساطة لا أعتقد ذلك . إنّ الصراعات ستستمرّ حتى حينها ، لكن فقط بين الجديد و القديم و بين الصحيح و الخاطئ ." (127)

لماذا ركّز ماو كلّ ذلك التركيز على هذا الموضوع وإعتبر أنّه حتّى بعد آلاف السنين سيظلّ التناقض والصراع موجودين؟ الهدف كان توجيه ضربة للخطّ القائل إنّ الصراع الطبقي ، الثورة يمكن و يجب أن تصل إلى نهاية . فبالنسبة للتحريفيّين فى قمّة الحزب و الدولة ، أتباع الطريق الرأسمالي بصورة خاصّة ، مضت الثورة بعيدا بما فيه الكفاية و جعلت منهم "أساقفا " و لا شئ يمكن أن يكون أهمّ من ذلك و التطوّر ليس فى حاجة و لا ينبغى أن يذهب أبعد من ذلك . و يرتبط هذا وثيق الإرتباط بالمسألة التى سلّط عليها ماو الضوء سنتين قبل وفاته :

" لماذا تحدّث لينين عن ممارسة الدكتاتوريّة على البرجوازية ؟ من الجوهري توضيح هذه المسألة . فنقص فى الوضوح حول هذه المسألة سيقود إلى التحريفية . يجب أن تعرف هذا الأمّة بأسرها ." (128) جوهريّا ما يرمى إليه ماو تسى تونغ هنا هو أنّ هدف دكتاتوريّة البروليتاريا هو بلوغ الإنتقال إلى الشيوعية و عبر دكتاتورية البروليتاريا ، يمكن للبروليتاريا أن تحكم و أن تخوض الصراع الطبقي ضد البرجوازية فى المرحلة الإشتراكية الإنتقالية لغاية التقّدم نحو الشيوعية . دون مواصلة الثورة و مواصلة خوض الصراع الطبقي ضد البرجوازية فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، لن تتمكّن البروليتاريا من الإستمرار فى الحكم و الإستمرار فى التقدّم صوب الشيوعية .

و على العكس ، إذا إعتبرت دكتاتورية البروليتاريا كافية فى حدّ ذاتها و إعتبر أنّ هدفها هو فقط ضمان النظام و تطوّر الإنتاج ، بالتالي ستتحوّل إلى نقيضها ، ستتحوّل إلى دكتاتورية البرجوازية ( الجديدة ). و يحدث هذا بفعل الطبيعة الإنتقالية و المتناقضة للإشتراكية و تواصل بقايا المجتمع الطبقي الإستغلالي عبر المرحلة الإنتقالية للإشتراكية ممّا يفرز بإستمرار برجوازية و قادة برجوازيين داخل الحزب كتعبير مركّز عن ذلك .

و يلتقى هذا مع الفهم الصحيح الذى صاغه ماركس فى رسالة منه لويدماير فى 1852 ، حيث لخّص ماركس بصورة مقتضبة مسألة دكتاتورية البروليتاريا :

" و فيما يخصّنى ليس لى لا فضل إكتشاف وجود الطبقات فى المجتمع المعاصر و لا فضل إكتشاف صراعها . فقد سبقنى بوقت طويل مؤرّخون برجوازيّون بسطوا التطوّر التاريخي لصراع الطبقات هذا ، و إقتصاديّون برجوازيّون بسطوا تركيب الطبقات الإقتصادي . و ما أعطيته من جديد يتلخّص فى إقامة البرهان على ما يأتى :

1- أنّ وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل تاريخية معيّنة من تطوّر الإنتاج ،
2- أنّ النضال الطبقي يفضى بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا ،
3- أن ّهذه الدكتاتورية نفسها ليست غير الإنتقال إلى القضاء على كلّ الطبقات و إلى المجتمع الخالي من الطبقات..." (129)

و تكتسي جميع تلك النقاط الثلاث التى عرضها ماركس أهمّية كبرى غير أنّه عقب إرساء دكتاتورية البروليتاريا و فى ظروف ضرورة المحافظة عليها و الإعتراف بها ( فى كلمات حتّى من قبل التحريفيين )، تكتسى النقطة الأخيرة أهمّية خاصة و تصبح مركز صراع حاد . سيعمل التحريفيّون من أجل إنكار هذه النقطة الأخيرة أو جوهرها و معناها لا سيما كما طوّرها ماو و تحديدا الحاجة إلى مواصلة الثورة لإنجاز الإنتقال إلى الشيوعية .

يتحدّث التحريفيّون طبعا عن الشيوعية و الحاجة إلى بلوغها و لكنّهم يعالجون المسألة ميتافيزيقيا و تبعا للمنهج المادي الميكانيكى أي يتناولوا مسألة تطوير قوى الإنتاج فحسب ولا يتناولون الإشتراكية فى حدّ ذاتها كتناقض يمكن أن يتحرّك فى إتّجاه أو آخر على المدى القصير رغم أنّ حلّه النهائي لا يكون إلاّ بالتقدّم صوب الشيوعية .

ولا يعترفون بأنّ الإشتراكية تمثّل صراعا بين الجديد أو المظاهر الصاعدة الشيوعية داخلها و القديم أو المظاهر المتداعية الرأسمالية الباقية فى المرحلة الإشتراكية . بإختصار يعزلون الإشتراكية عن الشيوعية : " الشيوعية مسألة مستقبليّة و طريقة الوصول إليها هي الإبقاء على النظام الصارم و القيام بأيّ شئ لدفع الإنتاج لكي يتطوّر الإقتصاد فى يوم ما إلى ما فيه الكفاية حينها يمكننا الحديث عن إدخال الشيوعية. " هذه هي النظرة التحريفية وبخاصة نظريتها " نظرية قوى الإنتاج " و" إضمحلال صراع الطبقات " ، هذه ميتافيزيقيّتها او ماديّتها الميكانيكيّة ، بالشكل الذى إتّخذته حيث تمّ تركيز الإشتراكية و حيث صارت ضرورة الإشتراكية جزءا من الوعي الشعبي .

الإشتراكية كشئ مطلق تعنى إعادة تركيز الرأسمالية :

فى الجزء الأوّل من هذا المقال بيّنّا كيف أنّ إنجلز حلّل الطريق التى تحوّلت بها الجدلية الهيجليّة إلى ميتافيزيقا . أعلن نظام هيجل الفلسفي ، فى تضارب مع طريقته الجدليّة ، نهاية الجدليّة فى تحقّق الفكرة المطلقة فى نظام هيجل الفلسفي فى حدّ ذاته. و سياسيّا عبّر عن ذلك فى فكرة أنّ الملكيّة الدستورية التى وعد بها " وليام غ. الثالث " لبروسيا كانت أعلى و آخر شكل من المجتمع . ملاحظا مثل هذه الظاهرة ، لخّص ماو تسى تونغ أنّ هنالك توجّه يتكرّر بالنسبة للشيوعيّين إلى تحويل الماركسيّة و النظام الإشتراكي إلى شيئين مطلقين ممّا يقود إلى التحريفيّة مثلما قال منذ بداية 1957:

" ... كيف يمكن ان نعتبر ماركسية إدّعاء أنّ النظام الإشتراكي و كذلك علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة الإشتراكيّين لن يضمحلّوا ؟ أليس هذا دوغما مثاليّة ، دين يدّعى خلود الإله . "(130)

سيتطرّق ماو إلى هذا الموضوع المرّة تلو المرّة طوال حياته الباقية ومن ذلك ما شدّد عليه فى " ملاحظاته النقدية " لكتاب الإقتصاد السياسي السوفياتي ، عند نقده لمفهوم " التعزيز النهائي" للإشتراكية :

" للإقتصاد الإشتراكي سيرورة ولادة أو تطوّر خاصين . هل يعقل أنّه لن توجد سيرورة تغيّر أخرى ، فى المستقبل ؟ كيف يمكن أن نقول إنّ هذين الشكلين من الملكية [ ملكية الدولة و الملكية الجماعية ] سيتعززان نهائيا و على الدوام ؟ هل يمكن لأصناف المجتمع الإشتراكي مثل التوزيع حسب العمل والإنتاج السلعي و قانون القيمة إلخ أن تظلّ خالدة ؟ هل يعقل أنّها تولد و تتطوّر فحسب و انّها لا تموت و لا تتغيّر؟ هل يعقل أن لا تكون كافة هذه الأصناف أصنافا تاريخيّة كغيرها من الصيغ ؟ إنّ المرور من الإشتراكية إلى الشيوعيّة حتميّ . و من الطبيعي أن تموت خلال هذه السيرورة بعض الأشياء التى وجدت أثناء المرحلة الإشتراكية . " (131)

التحريفيون بالضبط هم الذين جعلوا من هذه الأصناف الإشتراكية و من الإشتراكية ذاتها شيئا مطلقا . لقد عارضوا الفهم المادي الجدلي القائل بأنّه لكي تموت هذه الأشياء يجب أن يجري صراع و أنّه يجب تحديد العناصر الرأسماليّة فى هذه الأشياء فى كلّ لحظة إلى الحدّ الممكن تبعا للظروف المادية و الإيديولوجيّة . و لا يمكن أن توسّع و أن تبنى ثمّ فى يوم ما دون أيّ شئ تموت فجأة . التفكير بهذه الطريقة هو تفكير فلسفة "مدرسة ديبورين " الملخّصة أعلاه أنّ التناقض يظهر فقط فى مرحلة معيّنة و أنّ الصراع ليس ضروريّا لحلّ الخلافات .

باتت هذه القضايا محور صراع حاد فى أواخر سنوات حياة ماو ، لمّا دعى إلى تحديد أشياء مثل التوزيع حسب العمل و الإختلاف بين العمل الفكري و العمل اليدوي و نطاق عمل قانون القيمة إلى آخره وهي أشياء عادة ما توصف بعبارة " الحق البرجوازي " . رغب التحريفيّون بدل ذلك فى توسيع هذه الأشياء و قاموا بنشاط بمحاولات منع تحديدها . فقال ماو إنّ مثل هؤلاء الناس ليسوا شيوعيّين حقيقيّين بل أتباع الطريق الرأسمالي .

إنّ التوجّه إلى رؤية الإشتراكية كشئ مطلق ستاتيكي / سكوني يمكن أن يوجد لدى ستالين و يتوافق مع النزعة نحو الميتافيزيقا فى معالجة الفلسفة الماركسيّة . لكن هذا التوجّه صار ميزة رئيسية و جوهريّة للتحريفيّين فى الصين و فى الإتّحاد السوفياتي ذاته ( و بلدان أخرى ) . لا يمثّل مثل هؤلاء ، بصرف النظر عن نواياهم الحسنة أو الخبيثة و بصرف النظر عن إدّعاءاتهم الدفاع عن الإشتراكية و حتى إمكانيّة تحقيق الشيوعية ،لا يمثّلون البروليتاريا بل البرجوازية فى المجتمع الإشتراكي و لا يقفون إلى جانب التطوير الفعلي للإشتراكية كمرحلة إنتقالية ( إلى الشيوعيّة ) بل إلى جانب إعادة تركيز الرأسمالية . يجسّد مثل هؤلاء البرجوازية داخل الحزب ، لبّ قيادة القوى الرجعيّة فى المجتمع الإشتراكي .

و تخضع هذه السيرورة ذاتها بالطبع لقوانين الجدليّة فهناك تناقض داخل كلّ الشيوعيّين بين إيديولوجيا البروليتاريا من جهة و إيديولوجيا البرجوازية من جهة أخرى و فى ظروف معيّنة يمكن لهذين المظهرين أيضا أن يتحوّل كلّ إلى نقيضه . يمكن أن يتحوّل الشيوعيّون إلى نقيضهم . و الثوريّون فى مرحلة معيّنة و فى ظروف معيّنة يمكن أن يصبحوا معادين للثورة فى مرحلة أخرى و فى ظروف مغايرة .

فى تاريخ الثورة الصينية ، أمر ذو دلالة كبيرة هو كون بعض الثوريّين خلال مرحلة الديمقراطيّة الجديدة تحوّلوا إلى معادين للثورة فى المرحلة الإشتراكية خاصة مع تعمّق الثورة الإشتراكية . لمّا كان برنامج الثورة الديمقراطية الجديدة
( يعنى ثورة برجوازية ديمقراطية من نوع جديد ) ، كانت لدى هؤلاء نزعة نحو مماثلة نوع الثورة بإيديولوجيا الحزب الشيوعي رغم معارضة ماو و آخرين لكن بتقدّم الثورة و فى المرحلة الإشتراكية غدت الحاجة إلى القطع الراديكالي مع الإيديولوجيا البرجوازية ملحّا أكثر . و بطبيعة الحال ، قامت غالبيّة عناصر الحزب الشيوعي بعمليّة القطع هذه بيد ان البعض لم يقوموا بذلك . فإنتقلوا من مساهمين فى الثورة و حتى قادة لها إلى معارضين لها و تحوّلوا من برجوازيين ديمقراطيّين إلى أتباع للطريق الرأسمالي . و بوجه خاص بالنسبة للذين وجدوا فى مواقع قياديّة كان هذا التناقض الإيديولوجي مرتبطا بأنّهم كانوا يمسكون بمواقع سلطة كبيرة فى المجتمع بعد إفتكاك السلطة السياسية .

فى خضم مواصلة الصراع ، فى السنة الأخيرة من حياته ، نبّه ماو إلى هذه الظاهرة و لخّصها كالتالي :

" بعد الثورة الديمقراطية لم يقف العمّال و الفلاّحون الصغار و المتوسّطون مكتوفي الأيدى . كانوا يرغبون فى الثورة . و من جهة أخرى ، لم يرغب عدد من عناصر الحزب فى مواصلة الثورة ، بعضهم تراجع و عارض الثورة . لماذا ؟ لأنّهم صاروا موظّفين سامين و حاولوا المحافظة على مصالح الموظّفين السامين ". (132)

ما يرمى إليه ماو تسى تونغ ليس أنّ جميع الموظّفين السامين سيصبحون حتميّا تحريفيّين ، و لو أنّ البعض سيفعل ذلك فى كلّ مرحلة من مراحل الثورة ، لكن إلى أنّه إذا لم يواصلوا القيام بالثورة ضد البرجوازية ، إذا لم يواصلوا المساهمة فى الصراع للتقدّم نحو الشيوعيّة ، فإنّهم يتحوّلون إلى برجوازيين هم ذاتهم ، فى تفكيرهم و وجودهم و يحاولون إعادة تركيز الرأسمالية . و مثلما أنف شرحه ، ثمّة أساس مادي و إيديولوجي لهذا على طول المرحلة الإشتراكية .

و يعدّ تحوّل البرجوازيين الديمقراطيين إلى معادين للثورة ، إلى أتباع الطريق الرأسمالي و بصورة خاصة فى الثورة الصينية ، بديهيّا مظهرا من مظاهر الثوريّين الذين يتحوّلون إلى معادين للثورة ومن أعضاء الحزب الشيوعي و بخاصة القيادات العليا الذين يتحوّلون إلى أتباع الرأسمالية . و بشكل أعمّ لا ينبغى النظر إلى مبدأ إفتكاك السلطة السياسيّة و ممارستها كغاية فى حدّ ذاته وإنّما كضرورة لمواصلة القيام بالثورة . إنّ الذين يتبنّون نظرة أنّ الإشتراكية مطلقة و غاية فى حدّ ذاتها يدافعون عن أنّ هدف الإشتراكية هو السماح لهم ب " التمتّع بالحياة الهنيئة " أو على الأقلّ " الإستقرار" و المحافظة على الأكاليل [ أكاليل النصر ] و سيمسون محافظين و يخافون تقدّم الثورة و حتى سيعارضونها . و بالنسبة لقادة الحزب الشيوعي فسيتحوّلون إلى جزء من البرجوازية فى الحزب و يحاولون إستغلال موقعهم القيادي لا لقيادة الجماهير فى الصراع من أجل الشيوعية و إنّما لتعزيز إستغلال الجماهير و القيام بإعادة تركيز الرأسماليّة و يتحوّلون هم ذاتهم إلى البرجوازيين الحاكمين .

وإهتم ّماو تسى تونغ بهذه القضيّة و هذا الخطر بالخصوص فى السنوات القليلة الأخيرة من حياته وإستند تحليله لها على المنطق المادي الجدلي . لكن بعض الناس عارضوا أن تكون " البرجوازية موجودة بالضبط داخل الحزب الشيوعي " بتعلّة أنّ الجماهير لن تتّبع الحزب لأنّه سيكون كالقول بأنّ الحزب ليس طليعة البروليتاريا بل حزبا برجوازيّا . هذا من جديد ميتافيزيقا .

كما شرح ماو فى " فى التناقض " ، تتحدّد طبيعة الشئ ، طبيعة التناقض بالمظهر الرئيسي . وجود البرجوازية - لا كلّها بل مركزها - فى صفوف الحزب الشيوعي فى المجتمع الإشتراكي ، لا يغيّر فى حدّ ذاته من طبيعة الحزب من بروليتاري إلى برجوازي و لا من طبيعة المجتمع ، من مجتمع إشتراكي إلى مجتمع رأسمالي . فقط إذا أصبحت البرجوازية فى الحزب فى موقع مهيمِن و أصبح الخطّ التحريفي يتحكّم فى كلّ شئ ، حينها فقط يتحوّل الحزب من حزب بروليتاري إلى حزب برجوازي و إذا ما حدث هذا التحوّل فإنّ البرجوازية تحوّل المجتمع الإشتراكي إلى مجتمع رأسمالي .

و مجدّدا خطّ ماو هنا خطّا ماديّا جدليّا . لو لم توجد البرجوازية داخل الحزب حتّى حين يكون مظهره الرئيسي ، و من ثمّة طبيعته ، بروليتاري فإذن كيف يمكن أن يتحوّل الحزب من حزب بروليتاري إلى حزب برجوازي ؟ يعزى ذلك إلى تماثل الأضداد و صراعها ففى ظروف معيّنة يمكن أن يتحوّل المظهر إلى الآخر . التناقض بين ممثّلي البروليتاريا و ممثّلي البرجوازية قائم على إمتداد حياة الحزب حتّى عندما لا تكون البروليتاريا و حزبها فى السلطة . إلاّ أنّه مع إفتكاك السلطة و مشركة الملكية ، تتغيّر طبيعة التناقض تبعا لذلك إذ يتطوّر الأساس بالنسبة للقادة فى الحزب ليغدو التناقض بين القادة و المقودين تناقضا بين مستغِلّين و مستغَلّين وبمستطاع العناصر البرجوازية أن تصير مستغِلّة فعلا حتّى و إن لم تكن تتحكّم فى الحزب و السلطة فى المجتمع برمّته . ألا يُعدّ إنكار هذا الواقع برمّته و العمل كما لو أنّ البرجوازية تظهر فجأة داخل الحزب فتغتصب السلطة العليا تكريسا لمفاهيم مدرسة ديبورين ؟ أليس ميتافيزيقا و مثاليّة فى تناقض مع خطّ ماو المادي الجدلي ؟

لأنّ البرجوازية تفرز بإستمرار فى ظلّ الإشتراكيّة و لأنّ العناصر البرجوازية الإستغلاليّة تظهر بإستمرار فى صفوف الحزب كنواة البرجوازية و قادة القوى الإجتماعيّة الرجعيّة فى المجتمع الإشتراكي ، لخّص ماو الصراع الطبقيّ ضد البرجوازية بإعتباره العلاقة المفتاح و يجب خوضه تماما طوال المرحلة الإشتراكية و هدفه الجوهري هو أولئك فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي ، البرجوازية فى الحزب . و لأنّ بعد عدّة سنوات سيقوم القادة البرجوازيّون بمحاولة شاملة لإغتصاب السلطة ، ينبغى أن يجري صراع كبير كلّ بضعة سنوات . و مثلما أعرب عن ذلك ماو فى 1966 ، مع بداية الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :

" الفوضى الكبرى على الأرض تُفضى إلى نظام كبير . و هكذا مرّة أخرى كلّ سبع أو ثمان سنوات ، سيظهر وحوش و شياطين محدّدين بطبيعتهم ذاتها ، سيظهرون . " (133)


تناقض ، صراع ، ثورة

هذا ما يعكس مجدّدا ما هو ذو أهمّية أكبر و ليس فقط تعليل أنّ الصراعات الكبرى ستتكرّر كلّ بضعة سنوات بل الموقف المادي الجدلي ، النظرة و المنهج اللّذان خوّلا بناء هذا الموقف . النظام ، حتى " النظام الكبير " لا يمكن أن يكون مطلقا و إنّما يكون فحسب مؤقتا ، مشروطا ، نسبيّا . و التناقض و الصراع و الثورة شامل و غير مشروط و مطلق .

بعيدا عن أن تكون مثاليّة ، نظرة ماو الجدليّة ماديّة تماما. و كما قال هو نفسه " الماديّون الصرحاء لا يخافون ".
الشيوعيّة حتميّة ، أكّد ماو ، إلاّ أنّه للتقدّم نحوها ، و لمواصلة التقدّم حتّى بلوغها ، الصراع دائم الضرورة . الظهور المستمر للتناقضات و معالجتها عبر الصراع ، هذا هو النظام ، السيرورة و الحركة التصاعديّة أبدا لجميع الأشياء . فى أثناء أيّة سيرورة ، بما فى ذلك بالتأكيد زلزال من قبيل التقدّم نحو الشيوعيّة ، ستوجد عوائق و تراجعات لكنّها تكون مؤقتة حيث سيعوّض الجديد القديم و سيعوّض التقدّمي الرجعي وهذا قانون لا يقاوم .

و مثلما صرّح بذلك ماو وهو يطبّق القانون على الصراع الطبقي ، فى أوج الإنتصار الشامل للثورة الديمقراطية الجديدة و تحرير الصين :

" ما أشدّ إختلاف منطق الإمبرياليّين عن منطق الشعب . إثارة إضطرابات ففشل ، فإثارة جديدة ففشل جديد ، و هكذا حتى الهلاك ، ذلك هو المنطق الذى يتصرّف بموجبه الإمبرياليّون و جميع الرجعيّين فى العالم إزاء قضيّة الشعوب ، و هم لن يخالفوا هذا المنطق أبدا . إنّ هذا قانون ماركسيّ . و نحن حين نقول إنّ " الإمبرياليّة شرسة جدّا " ، إنّما نعنى أنّ طبيعتها لن تتغيّر أبدا، و أنّ الإمبرياليّين لن يُلقوا أبدا سكّين الجزّار التى يحملونها ، و لن يصيروا بوذا إلى يوم هلاكهم .
و نضال ففشل ، فنضال جديد ففشل جديد ، فنضال جديد أيضا ، وهكذا حتّى النصر ، ذلك هو منطق الشعب ، و هو أيضا لن يخالف هذا المنطق أبدا . و هذا قانون ماركسيّ آخر . لقد إتّبعت ثورة الشعب الروسي هذا القانون ، كما تتّبعه ثورة الشّعب الصينيّ أيضا ." (134)

هذه هي المساهمة الحقيقية الخالدة لماوتسى تونغ فى الفلسفة الماركسيّة و عامّة فى الصراع الثوريّ على هذه الجبهة و فى علم تحرير البروليتاريا و مهمّتها التاريخية . / .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------- الهوامش :

1/ الصراع الحالي حول مسألة تماثل الفكر و الوجود ، ضمن " ثلاثة صراعات كبرى على الجبهة الفلسفيّة الصينيّة ".
2/ ماو تسى تونغ " خطاب حول المسائل الفلسفيّة " فى " ماو يتحّدث إلى الشعب " ، ستوارد شرام ، ص202 ، الطبعة الفرنسية .
3/ المصدر نفسه ، ص204 .
4/ إنجلز " فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانيّة " ، فصل " من هيجل إلى فيورباخ ".
5/ م ن ( المصدر نفسه ).
6/ م ن.
7/ م ن.
8/ م ن.
9/ م ن ، فصل " فلسفة الدين و فلسفة الأخلاق عند فيورباخ ".
10/ م ن.
11/ م ن.
12/ م ن.
13/ توطئة " فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانيّة ".
14/ ماركس ، " أطروحات حول فيورباخ " .
15/ م ن.
16/ م ن.
17/ م ن.
18/ إنجلز ، " فيورباخ ..." ، فصل " المثالية و المادية " .
19/ ماركس ، " أطروحات حول فيورباخ " .
20/ م ن.
21/ ماركس و إنجلز ، " معارضة فيورباخ للنظرة المادية بالمثالية " ، الأعمال المختارة م 1 .
22/ ماركس ،" أطروحات حول فيورباخ " .
23/ م ن .
24/ ماركس ، " بؤس الفلسفة " بالأنجليزية .
25/ لينين ، " مذهب النقد التجريبي و المادية التاريخية " ، مختارات فى 10 أجزاء ، م 4 ، [ دار التقدّم بالعربيّة ، ص425 ].
26/ إنجلز ، " فيورباخ...".
27/ م ن .
28/ إنجلز ، " الإشتراكية الطوباويّة و الإشتراكيّة العلميّة " ، ص63 طبعة دارالتقدّم بالعربيّة ، مكتبة الإشتراكيّة العلميّة .
29/ أنظر، " ضد البراغماتية " ، مجلّة " الشيوعي " عدد 2 ، م 2 .[ مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ]
30/ لينين ، " المادية و مذهب النقد التجريبي " ، ص20 بالأنجليزية .
31/ م ن ، ص20 .
32/ م ن ، ص 29 .
33/ م ن ، ص30-41 .
34/ م ن ، ص 335 .
35/ م ن ، ص 260-261.
36/ م ن ، ص336-337 .
37/ م ن ، ص 336 .
38/ م ن ، ص335 .
39/ لينين ، " الماركسية و التحريفية " .
40/ لينين ، " حول مسألة الديالكتيك " .
41/ / م ن.
42/ م ن .
43/ م ن .
44/ م ن .
45/ ماو تسى تونغ ، " فى التناقض "، م 1 من المؤلفات المختارة باللغة العربية ، ص 479 ، دار النشر باللّغات الأجنبيّة ، بكين .
46/ " نقد الإقتصاد السياسي " ، ضمن " ماوتسى تونغ و بناء الإشتراكية "(ص 177) نشر سوى 1975 ، بالفرنسية .
47/ " تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي ( البلشفي ) " ، عن لينين فى " حول مسألة الديالكتيك " .
48/ لينين ، " حول مسألة الديالكتيك " .
49/ لينين ، " كتاب هيجل علم المنطق " بالأنجليزية ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 38 ، ص233.
50/ م ن . ص 359-360 .
51/ " تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي (البلشفي ) " بالأنجليزية ، ص 110 .
52/ م ن. ص 110.
53/ م ن .ص 111.
54 / ماو تسى تونغ ، م5، ص397 بالأنجليزية .
55/ ماو تسى تونغ " حول الممارسة العملية " ، م1، ص 431 – الطبعة العربية.
56/ م ن ، ص435 .
57/ م ن ، ص435 .
58/ م ن ، ص435 .
59/ م ن ، ص435 .
60/ م ن ، ص436 .
61/ لينين " كتاب هيجل علم المنطق " ( أيضا ذكره ماو فى " حول الممارسة العملية " م 1، ص437 - بالعربية ) .
62/ م ن ، ص 437 .
63/ م ن ، ص437 .
64/ م ن ، ص445 .
65/ م ن ، ص449 .
66/ م ن ، ص 451 .
67/ لينين " المادية و مذهب النقد التجريبي " أعمال مختارة ، م 4 ، ص165 ، دار التقدّم ،الطبعة العربية .
68/ م ن ، ص 168 .
69/ ماو تسى تونغ " حول الممارسة العملية " ، م 1 ، ص449 – الطبعة العربية .
70/ م ن ، ص449 .
71/ م ن .
72/ ماو تسى تونغ " فى التناقض " ، م1 ، ص 453 – الطبعة العربية .
73/ م ن ، ص500 .
74/ م ن ، ص459 .
75/ م ن ، ص460 .
76/ م ن ، ص461 .
77/ م ن ، ص463 .
78/ م ن ، ص491 .
79/ م ن ، ص496-497 .
80/ م ن ، ص465 .
81/ م ن ، ص466 .
82/ م ن ، ص497 .
83/ م ن ، ص498 .
84/ م ن ، ص468-469 .
85/ م ن ، ص466 .
86/ م ن ، ص466 .
87/ م ن ، ص466 .
88/ م ن ، ص 460 .
89/ م ن ، ص480-482-483 .
90/ م ن ، ص483 .
91/ م ن ، ص483 .
92/ م ن ، ص484 .
93/ م ن ، ص487-488 .
94/ " محادثات مع ماو يوان- هسين "، ستوارد سشرام " ماو يتحدث إلى الشعب " ، ص229 ، طبعة فرنسية / منشورات الصحافة الجامعية الفرنسية ،1977.
95/ ماو " خطاب فى ندوة تشاغتو "مارس 1958 ، شرام ، " ماو يتحدث إلى الشعب " ، ص 101.
96/ ماو تسى تونغ ، م 5 ، ص398-399 ، الطبعة الفرنسية .
97/ م ن ، ص409 .
98/ م ن ، ص544.
99/ م ن ، " خطابات فى ندوة الكتاب العامين " ، م 5 - بالفرنسية .
100/ م ن ، ص426 .
101/ م ن ، ص426 .
102/ م ن ، ص426 .
103/ م ن ، ص444.
104/ ماو ، م1 ، ص500.
105/ " ثلاثة صراعات كبرى على الجبهة الفلسفية فى الصين " بالأنجليزية .
106/ م ن ، ص 45 .
107/ م ن ، ص 39 .
108/ ماو ، " من أين تأتى الأفكار الصحيحة ؟ " بالأنجليزية.
109 م ن .
110/ ماو ، م1 ، ص 487 – الطبعة العربية .
111/ " ثلاثة صراعات على الجبهة الفلسفية فى الصين ".
112/ م ن .
113/ م ن .
114/ م ن .
115/ " نقد الإقتصاد السوفياتي " ضمن " ماوتسى تونغ و بناء الإشتراكية "، ص108، الطبعة الفرنسية . سوي باريس، 1975 .
116/ ماو " خطابات حول الفلسفة " شرام ،" ماو يتحدّث إلى الشعب " ، ص 212 .
117/ م ن ، ص214 .
118/ م ن ، ص214 .
119/ م ن ، ص214 .
120/ م ن ، ص214 .
121/ م ن ، ص214 .
122/ م ن ، ص215 .
123/ م ن ، ص215 .
124/ ماو ، " من أين تأتى الأفكار الصحيحة ؟ " بالأنجليزية .
125/ ماو ، " يومية الشعب " 6 أفريل 1976 ، نشر بيكين عدد 15 بداية 1975- بالأنجليزية .
126/ ماو ، " نشرة بيكين " عدد 21 ماي 1976 ، ص 9 – بالأنجليزية .
127/ ماو تسى تونغ ، إستشهاد من " حول القاعدة الإجتماعية للين بياو المعادية للحزب " ، بيكين 1975 .
128/ " و خامسهم ماو " ، ص 196 و 209 .[ لريموند لوتا ] .
129/ ماركس ، ذكره لينين فى " الدولة و الثورة "، ص 35 ، دار التقدم ، موسكو .
130/ ماو ، م5 ، ص 409 .
131/ ماو " نقد الإقتصاد السوفياتي " ضمن " ماو تسى تونغ و البناء الإشتراكي" ص 90- 91، سوي ، باريس 1975 .
132/ ماو من " وخامسهم ماو " ، ص 371 .
133/ م ن .
134/ ماو ، م4 ، ص 544 – الطبعة العربية.
===============================================================
=============================================================================================================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و ا ...
- مقدّمة - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - - كتاب لبوب أفاكي ...
- هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر
- إلى الشيوعيّين الثوريّين فى العالم و أفغانستان : قطيعتنا مع ...
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولاي ...
- قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعدا ...
- مقدّمة كتاب - مقدّمات عشرين كتابا عن - الماويّة : نظريّة و م ...
- إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية
- أزمة المهاجرين العالمية : ليس مرتكبو جرائم الحرق العمد للأمل ...
- المجرمون و النظام الإجرامي وراء موت اللاجئين فى النمسا
- حقيقة تحالف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مع الهند ضد الصين / ...
- أحاديث هامة للرئيس ماو تسى تونغ مع شخصيّات آسيوية و أفريقية ...
- تونس السنة الخامسة : عالقة بين فكّي كمّاشة تشتدّ قبضتها
- سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما - صحيفة - جينمي ...
- اليونان : - الخلاصة الجديدة ترتئى إمكانيّة : القطيعةُ مع الق ...
- الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة و إيران : - الولايات الم ...
- الإتفاق النووي بين الولايات المتّحدة و إيران : حركة كبرى لقو ...
- مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد - صحيفة - جينمينجباو - و ...
- تقرير الأمم المتّحدة يكشف جرائم حرب الهجوم الإسرائيلي على غز ...
- الحرب الأهليّة فى اليمن و مستقبل الخليج


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)الفصل الرابع من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان .