أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي - الفصل الثالث من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان















المزيد.....



تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي - الفصل الثالث من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 23:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي
الفصل الثالث من كتاب " مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة " لبوب أفاكيان
نشرت الفصول بداية كمقالات فى مجلة " الثورة " بين أفريل 1978 و جانفي 1979
(ملاحظة : الكتاب بأكمله نسخة بى دي أف متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )

مقدّمة :
مثلما جرت الإشارة إلى ذلك فى الفصلين السابقين ( المتصلين بخطّ ماو بشأن الثورة فى البلدان المستعمرة و أشباه المستعمرات و بالحرب الثورية و الخطّ العسكري تباعا ) ، فإنّ إحدى المظاهر الخاصّة – و المميّزات الخاصة – للثورة الصينية كان أنّه منذ البداية الأولى كانت القوى الثورية ، بقيادة الحزب الشيوعي قد ركّزت مناطقا محرّرة إستخدمت كقاعدة لخوض الحرب الثورية بغاية إطلاق نشاط الجماهير فى هذه المناطق – و فى النهاية فى كافة البلاد – فى النضال الثوري وكعامود فقري للنضال ، و بغاية توحيد جميع الأصدقاء الحقيقيين ضد العدوّ فى كلّ لحظة ، كان من الضروري ليس فحسب إمتلاك خطّ عسكري صحيح خاصة ؛ كان كذلك من الضروري صياغة خطّ صحيح حول مسائل الإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء ، و تطبيقها .
و مثلما أشرنا إلى ذلك فى الفصل الأوّل ، فى نقطة بداية مبكّرة للثورة الصينية ( 1926) أجرى ماو تحليلا أساسيّا لطبقات المجتمع الصيني ، بالضبط لأجل تحديد الأصدقاء و الأعداء فى الثورة فى تلك المرحلة . و مثّل هذا التحليل الطبقي جزءا هامّا من الماركسية و الإقتصاد السياسي الماركسي بوجه خاص و كذلك مهمّة ملحّة فى كلّ مرحلة حيويّة من مراحل تطوّر الثورة . و خلال مختلف مراحل ( والمراحل الفرعية ) للثورة الصينية ، أعار ماو إنتباها جدّيا لهذا المشكل .
و إضافة إلى ذلك ، منذ زمن تركيز أوّل منطقة إرتكاز ( 1927) فى قيادة النضال الثوري ، كان على ماو و فعلا أعار إنتباها خاصا للسياسة الإقتصادية و للخطوط العريضة المتعلّقة بالبناء الإقتصادي . و عبر سيرورة أكثر من 20 سنة ، إنطلاقا من زمن تركيز أوّل منطقة قواعد إلى الظفر بالسلطة السياسية عبر البلاد بأسرها سنة 1949 ، راكم ماو و الحزب الشيوعي الصيني تجربة غنية فى إنجاز الثورة على الجبهة الإقتصادية و على ذلك الأساس فى تطوير الإنتاج . و كان هذا جزءا هاما من تطوير ماو للخطّ الثوري بشأن هذه المسائل الحيوية خلال المرحلة الإشتراكية التى تلت إفتكاك السلطة . و علاوة على ذلك ، عديد المبادئ الجوهرية للخطّ العسكري و الإستراتيجيا التى طوّرها ماو فى قيادة الشعب الصيني أثناء السنوات الطويلة من الحرب الثورية ، وصولا إلى إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها قد طبّقها لمعالجة مشاكل السياسة الإقتصادية و البناء فى المناطق المحرّرة أثناء مرحلة الثورة الديمقراطية الجديد و فى البلاد ككلّ أثناء المرحلة الإشتراكية التالية .
وكلّ هذا مظهر آخر من ظاهرة أنّ الثورة الديمقراطية الجديدة مثّلت إعدادا ومقدّمة للإشتراكية فى الصين . لكن ، بالطبع، عند دخول المرحلة الإشتراكية الجديدة ، ظهرت مهام جديدة و مشاكل جديدة تعيّنت معالجتها لمواصلة التقدّم و كالعادة ، عند معالجته بنفسه و تقديمه حلولا لهذه المشاكل ، لم يطبّق ماو فقط الدروس الغنية للثورة الصينية بل إستوعب أيضا و طبّق دروس التجربة الإيجابية و السلبية للثورات الأخرى و خاصّة الثورة فى الإتحاد السوفياتي ، أوّل دولة إشتراكية فى العالم . و فى هذه السيرورة لم يقم بتطبيق المبادئ الجوهرية للماركسية – اللينينة و الدفاع عنها فحسب بل طوّرها و أثراها . و هذا بالتأكيد صحيح بالنظر إلى مسائل الإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي .
تمثّل هذه المسائل و المساهمات الكبرى لماو فى هذه المجالات موضوعا واسعا بطبيعة الحال . و التوغّل فيه خارج نطاق هذا الكتاب . و المسألة المتّصلة وثيق الإتصال بهذا أي نظرية ماو العظيمة ل " مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا " ستعالج فى الفصل التالي . و هنا سنركّز على تلخيص أهمّ النقاط المتعلّقة بخطّ ماو حول الإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي .

الإقتصاد السياسي الماركسي :
قال ماو ذاته : " يهدف الإقتصاد السياسي إلى دراسة علاقات الإنتاج " (1) . و قد طوّر أوّل من طوّر الإقتصاد السياسي الإشتراكي كارل ماركس بالتعاون مع فريديريك إنجلز فى تأسيس علم الثورة البروليتاريّة ، كمكوّن مفتاح فى هذا العلم . فقد تعمّق ماركس إلى ما تحت آلاف المظاهر السطحية للرأسمالية و حلّل العلاقات الأساسية التى تميّز هذا الصنف من المجتمع . و على حدّ إشارة ماو " إنطلق ماركس من السلعة ومضى ليكشف العلاقات بين الناس المخفية وراء السلعة ..." (2 )
إنطلاقا من هذا ، فى عمله الشهير رأس المال و فى أعمال أخرى ، كشف ماركس التناقض الأساسي للرأسمالية بين الإنتاج الممشرك و الملكية الخاصة و سرّ الإستغلال الرأسمالي – إستغلال العمّال المأجورين فى سيرورة الإنتاج من قبل الملاكين الرأسماليين لوسائل الإنتاج لإنتاج فائض قيمة يتملّكه بصورة فردية هؤلاء الرأسماليون .
لقد بيّن ماركس أنّ نمط الإنتاج الرأسمالي هذا لم يكن كما يدعي مدّاحوه ، الأرقى و الأفضل و المرحلة النهائية للمجتمع ، بل هو ببساطة يمثّل آخر مرحلة من المراحل التاريخية الخاصة فى تطوّر الإنتاج " ( 3) و هناك نزعة إلى تجاوزه من قبل نمط إنتاج جديد و أرقي – الشيوعية – الذى سيعدّ قفزة نوعية بالنسبة للإنسانية ، متميّزة بإلغاء كافة الإختلافات الطبقية و تقدّم هائل و مستمرّ لقوى الإنتاج الإجتماعية.
و تنزع الشيوعية إلى تعويض الرأسمالية . و قد بيّن ماركس أنّ ذلك لا يعزى إلى كون الشيوعية تمثّل شكلا إجتماعيّا " أعدل " أو " مثاليّا " ، وإنّما إلى أنّ تقدّم البشرية خلال كافة المراحل التاريخية السابقة فى تطوّر الإنتاج ، إلى الرأسمالية، قد أعدّ القاعدة للشيوعية ، و لأنّ التناقض الجوهري للرأسمالية سيدفع بإستمرار بالمجتمع إلى فوضى و أزمة أكبر دائما ، مع تطوّر قوى الإنتاج الإجتماعية الساعية بقوّة إلى كسر حدود علاقات الإنتاج – خاصة الملكية الرأسمالية الخاصة – إلى أن يتمّ حلّ هذا التناقض بالطريقة الوحيدة التى يمكن حلّه بها : عبر القضاء على النظام الرأسمالي من الملكية الخاصة و تحويل كافة وسائل الإنتاج إلى ملكية مشتركة للمجتمع .
و بيّن أكثر ماركس أنّ إنجاز ذلك يتطلّب ثورة سياسية فيها تطيح البروليتاريا المستغَلّة بالطبقة الرأسمالية و تسحق آلة الدولة الرأسمالية و تركّز دولتها الخاصة – دكتاتورية البروليتاريا الثورية – و التقدّم نحو " إلغاء كلّ الإختلافات الطبقية ، و إلغاء كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقية ، و إلغاء كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و تثوير كلّ الأفكار الناجمة عنهذه العلاقات الإجتماعية " ( 4) .
و للأسف ، مع ذلك ، لم يظلّ لا ماركس ولا إنجلز على قيد الحياة لمشاهدة الفترة التى إفتكّت فيها البروليتاريا السلطة و شرعت فى سيرورة إنجاز هذا التحويل غير المسبوق للمجتمع . بإستثناء كمونة باريس فى 1871 ، لم تتركّز أية دولة بروليتارية أثناء سنوات حياتهما و الكمونة عينها لم تدم سوى بضعة أشهر قبل أن تسحقها قوى الثورة المضادة .
مساهمة لينين فى الإقتصاد السياسي :
لكن فى ذات الوقت كانت الرأسمالية فى عدد من البلدان آخذة فى التطوّر نحو مرحلتها الأعلى و النهائية – الإمبريالية . و لينين هو الذى حلّل تحليلا شاملا هذا التطوّر و بيّن فى تعارض مع إنتهازيين متنوّعين – بمن فيهم كارل كاوتسكي ، الذى كان مساعدا قريبا من إنجلز لكنّه تحوّل إلى مناهض للثورة فى الشطر الأخير من حياته – أنّ الإمبريالية لم تلغ أو نوعا ما تخفّف من التناقض الجوهري للرأسمالية لكنّها رفعته إلى مستوى أعلى . و الإمبريالية ، مثلما دلّل لينين ، لم تكن أعلي مرحلة من مراحل الرأسمالية فحسب بل هي أيضا عشيّة الثورة البروليتارية . و قاد لينين البروليتاريا فى روسيا فى عملية إنجاز أوّل ثورة بروليتارية مظفّرة ، و فى تركيز أوّل دولة إشتراكية شرعت فى سيرورة الإنتقال إلى الشيوعية .
لقد طوّر لينين الماركسية – اللينينية – و كمكوّن مفتاح من مكوناتها الإقتصاد السياسي الماركسي – إلى مرحلة جديدة و أرقى . فصارت الماركسية ماركسية – لينينية .
و علاوة على ذلك ، لفترة قصيرة بين إفتكاك السلطة فى روسيا فى 1917 و وفاته فى 1924 ، طبّق لينين هذه المبادئ العلمية على المشاكل الملموسة التى واجهت الدولة الإشتراكية الجديدة ، بما فى ذلك فى المجال الحيوي للسياسة والبناء الإقتصاديين . فقد أرسى لينين التوجّه و المسار الأساسيين الذين سيقودان بروليتاريا الإتحاد السوفياتي فى إنجاز تحويل الملكية الرأسمالية إلى الإشتراكية فى المدن و الأرياف ما يقود إلى التطوّر العالي السرعة للإقتصاد الإشتراكي .
أثناء الحرب الأهلية والتدخّل الإمبريالي التى تلت ثورة أكتوبر ، طوّر لينين سياسة شيوعية الحرب . و مباشرة ركّز الملكية و شريان حياة الإقتصاد بأيدى الدولة البروليتارية و سمح للبروليتاريا المظفّرة بالحفاظ بقاعدة مادية كافية لإلحاق الهزيمة بالرجعيين المحلّيين و الأجانب الذين تجمّعوا ضدّها و بإرساء قاعدة تطوير الإقتصاد عقب الحرب . و فى نفس الوقت ، تطلّب الأمر تضحية هائلة من قبل العمّال و الفلاحين الروس و فى علاقة بالآخرين بوجه خاص ، وضعت ضغوطا شديدة عليهم فى شكل تملّك الدولة لفائض إنتاجهم من الحبوب .
و إثر الحرب الأهلية ، إعترف لينين بأنّ سياسة شيوعية الحرب بينما ساهمت فى الإنتصار فى الحرب ، فإنّها كذلك قد تجاوزت الظروف المادية و كذلك السياسية والإيديولوجية و التنظيمية . و نادى بتراجع لإعداد الظروف لتقدّم مستقبلي . و قد تجسّد هذا التراجع فى السياسة الإقتصادية الجديدة ( الناب ) التى تخلّت عن تملك فائض إنتاج الحبوب وعوّضته بأداءات ( أداءات عينية ) كوسيلة لتضمن الدولة الحبوب.
وجسّدت السياسة الإقتصادية الجديدة تنازلات معتبرة للرأسمالية – المحلّية منها و الأجنبية ، فى كلّ من المدن و الأرياف. و سمحت للرأسماليين الأجانب بالنشاط فى البلاد و حتى بجلبهم بأفق أرباح عالية . وسمحت للرأسماليين المحلّيين ببعض النشاط التجاري . و حتى ضمن المؤسسات التى كانت تمتلكها الدولة ،عنت السياسة الإقتصادية الجديدة ممارسات إدارة الرجل الواحد ، و التعويل على الأخصّائيين و المنفذين البرجوازيين ، والإستعمال الواسع لمثل هذه الأشياء كجزء من العمل بالتقطيع وعامة القواعد والضوابط المشابهة لتلك الموجودة فى المصانع الرأسمالية ( العديد من هذه السياسات الإدارية كانت عمليّا جزء من شيوعية الحرب أيضا ) .
وكان كلّ هذا ضروريّا لأجل بلوغ فى أقرب وقت ممكن إعادة تأهيل الإقتصاد الذى قد تفكّك و فى عديد الأماكن قرب من الركود خلال الحرب الأهلية ، مع نقل عديد العمّال من الإنتاج وتحويلهم إفتراضيّا إلى أناس غيّروا طبقتهم . و كان من الضروري تعزيز البروليتاريا ودولة البروليتاريا سياسيّا و كذلك إقتصاديّا . وفى نفس الوقت ، مع ذلك حافظت البروليتاريا من خلال سلطة دولتها ، على التحكّم فى التمويل و التجارة و وضعت حدودا لنشاط الرأسمال الخاص فى المدن و الأرياف . و شدّد لينين فى هذه الفترة على أهمّية تركيز و تطوير تعاونيّات المنتجين والمستهلكين لإرساء قاعدة المشركة فى الريف و التقدّم العام للعلاقات الإشتراكية فى المستقبل المنظور . و هكذا ، تقدّم الإتحاد السوفياتي إقتصاديّا عبر رأسمالية الدولة للسياسة الإقتصادية الجديدة نحو الإشتراكية .
لقد كان لينين منفتحا جدّا بشأن كون السياسة الإقتصادية الجديدة مثّلت تراجعا و تنازلا على المدى القصير أمام الرأسمالية و حاجج بأنّها كانت مبرّرة وضرورية بسبب الظروف الخاصة فى البلاد حينها . لم تكن مخطّطا كبيرا لتطوير البلاد إلى دولة إشتراكية عصرية القوّة و لم تكن سياساته الأساسية تعنى تطبيق البناء الإشتراكي ، مثلما صار يدّعى كما هو معلوم التحريفيون منذ زمن خروتشاف . كان المقصود من تلك السياسة إيجاد ظروف فترة وجيزة للتقدّم نحو الإقتصاد الإشتراكي ، نحو هجوم على المواقع الإقتصادية الإستراتيجية للرأسمالية .
البناء الإشتراكي فى ظلّ ستالين :
خلال الشطر الأخير من حياته ذاتها ، أضحى لينين مريضا بجدّية و لم يعد قادرا على توفير قيادة الشؤون اليومية للحزب و الدولة . ستالين هو الذى تولّى الدفّة و مضى قدما فى تطبيق السياسة الإقتصادية الجديدة و قاد التقدّم فى التصنيع الإشتراكي و تطوّر الفلاحة . و فى إنجاز هذا، قاد ستالين الصراع الشرس و المتواصل داخل الحزب ضد أمثال تروتسكي و كاميناف و زينوفياف وبوخارين من الإنتهازيين الذين عارضوا بين الفترة و الأخرى الطريق الصحيح إلى الأمام .
فقد روّج تروتسكي بالتنسيق مع كاميناف وزينوفياف ل" نظرية قوى الإنتاج " ، محاججا بـأنّه كان من غير الممكن بناء الإشتراكية فى الجمهورية السوفياتية لأنّها كانت إقتصاديّا و تقنيّا متخلّفة للغاية . فى جزء منه لهذا الخطّ غطاء " يساريّ " كثيف يشدّد على أنّ الثورة المباشرة فى أوروبا لازمة لتبقى الإشتراكية على قيد الحياة فى روسيا . و مع ذلك بالكاد كان الجوهر اليميني لهذا الخطّ تحت السطح . هذا من جهة و من جهة أخرى ، عارض تروتسكي السياسة الإقتصادية الجديدة و دعا إلى سياسات إستغلال الفلاحين لتحقيق التصنيع و ظروف التنظيم المشابه للتنظيم العسكري فى المصانع لإجبار العمّال على الرفع فى الإنتاج و قد نادا حتى بتوسيع التنازلات المقدّمة للمصانع الأجنبية و الفروع الإستراتيجية للصناعة ؛ و هكذا مثلما وضع ذلك ستالين ، حاول تروتسكي " تركنا بقبضة الرأسماليين الأجانب " ( 5)
و فى ما بعد ، عندما صاغ الحزب سياسة التصنيع الإشتراكي للبلاد و إنطلق فى تطبيقها على قاعدة فلاحة يعاد بعث الحياة فيها ، قام تروتسكي بالتنسيق مع زينوفياف وآخرين ، بحملة قائلا إنّ التصنيع لا ينجز بالسرعة الكافية . لكن فى الواقع كانوا معارضين تماما للتصنيع الإشتراكي و حاولوا تقويضه بدفع جماهير الفلاحين ضد الطبقة العاملة ، منادين بالفعل بالتعويل على الفلاحين الأغنياء والقوى الرأسمالية فى الريف .
من كلّ هذا يمكن رؤية أنّ المظهر المميّز لتروتسكي و ما يخوّل للمرء التعرّف على أتباع تروتسكي الحقيقيين هو الغياب المتّسق للمبادئ عدا البروز و غياب الثقة فى الجماهير و الوحدة الجوهرية مع اليمين .
و قد تبيّن هذا فى كون خطّ تروتسكي فى التعويل على القوى الرأسمالية فى ما يتصل بالصناعة والفلاحة كان مماثلا للغاية لخطّ بوخارين الذى دافع خلال السياسة الإقتصادية الجديدة و بعدها عن خطّ بناء البرجوازية وفق مفهوم "النموّ السلمي للبرجوازية صلب الإشتراكية " ، موسّعا إيّاه بشعار" جديد " – " أثروا ! " " (6 ) و كان بوخارين بطل هذه الإنتهازية اليمينية فى ما يتعلّق بالريف ، محاججا مباشرة من أجل سياسة كانت تعنى ، مثل جوهر الخطّ التروتسكي ، تشجيع العناصر الرأسمالية ، الكولاك ، و التعويل عليهم .
و قاد ستالين الحزب السوفياتي فى إلحاق الهزيمة بمختلف هذه الأنواع من الخطوط البرجوازية و فى إنجاز التصنيع الإشتراكي و خطوة خطوة فى مشركة الفلاحة . و بالطبع ، لا شيء من هذا قد تحقّق قبلا فى التاريخ ؛ و بصورة خاصة المشركة الناجحة للفلاحة ، بما فى ذلك أنّ الصراع الطبقي فى منتهى الحدّة داخل الحزب و خارجه كان مهمّة جبّارة و ذات أهميّة حيويّة لبناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي . ذلك أنّ روسيا زمن ثورة أكتوبر كانت إلى حدّ كبير بلدا فلاحيّا له ريف متخلّف ، و منه بقايا علاقات إقطاعية على نطاق واسع ، حتى وإن كان بلدا إمبرياليّا .
تحقيق المشركة الإشتراكية إلى جانب التصنيع الإشتراكي و تحويل الإتحاد السوفياتي من بلد متخلّف نسبيّا إلى بلد متقدّم إقتصاديّا – و كلّ هذا تحقّق فى عقدين بين نهاية الحرب الأهلية فى روسيا والحرب العالمية الثانية – مثّلا مكسبا عظيما للطبقة العاملة و الشعب السوفياتيين فى ظلّ قيادة ستالين ؛ و لهذا علاقة وطيدة بقدرة الإتحاد السوفياتي على إلحاق الهزيمة بالغزاة النازيين فى الحرب العالمية الثانية ، و هذا أيضا مكسب عظيم للشعب السوفياتي فى ظلّ قيادة ستالين .
و فى نفس الوقت ، وهو يقدّم القيادة لمهمّة غير مسبوقة بمثل هذه الأبعاد الهائلة – المشركة و التغيير و التطوير الإقتصاديين السريعين لمثل هذا البلد الشاسع و المعقّد ، الإتحاد السوفياتي ، فى ظروف كانت فيها الدولة الإشتراكية الوحيدة موجودة فى عالم لا تزال تسيطر عليه الإمبريالية – قام ستالين ببعض الأخطاء . و إلى درجة معبّرة يمكن تفسير ذلك بواقع أنّه لم يكن يوجد مثال سابق تاريخي لهذه المهمّة ، لا تجربة سابقة ( و أخطاء سابقة ) للتعلّم منها . هذا من جهة و من جهة أخرى ، كما لخّص ماو ، بعض أخطاء ستالين و منها أخطاء فى مجال الإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية والبناء الإشتراكي ، كانت إفرازا وتعود بدرجة كبيرة إلى إخفاق ستالين فى التطبيق الشامل للمادية الجدلية لمعالجة المشاكل ومنها عديد المشاكل الجديدة حقّا .
إلى درجة كبيرة جراء هذا ، لا سيما فى فترة ثلاثينات القرن العشرين – إثر إتمام التجميع فى الفلاحة والتغيير الإشتراكي للملكية فى الصناعة فى الأساس - تبنّى ستالين ذاته مظاهرا من " نظرية قوى الإنتاج " و طوّر أوّلا شعار " التقنية تحدّد كلّ شيء " ثم المفهوم المرتبط بذلك بأنّه ضمن التقنة المعاصرة ، الكوادر القادرة على التحكّم فى هذه التقنية هي التى تحدّد كلّ شيء .
و هذا يستهين جدّيا بمسألة السياسة و بالفعل يذهب ضد خطّ وضع السياسة فى مصاف القيادة و كذلك يستهين بدور الجماهير و بصورة خاصة بالحاجة إلى التعويل على النشاط الواعي للجماهير فى الإنتاج الإشتراكي كما فى كلّ شيء آخر . و إلى جانب هذا ، بينما قاد إنجاز المشركة فى الريف فى أواخر عشرينات القرن العشرين ، نحا ستالين إلى تطوير الصناعة على حساب الفلاحة ، تاركا للفلاحين مواردا ضئيلة للمراكمة بجهودهم الخاصّة .
وكذلك واصل ستالين عديد السياسات التى أدخلتها السياسة الإقتصادية الجديدة ( أو سياسات ما قبل أو أثناء شيوعية الحرب ) ، على غرار الإستعمال الكثيف للعمل بالتقطيع و المكافآت و إدارة الرجل الواحد و وضع الأخصّائيين فى القيادة و هلمّ جرّا . جوهريّا وضع ستالين تشديدا وحيد الجانب على مسألة الملكية وهو الأكثر حيوية لكنه ليس المظهر الوحيد لعلاقات الإنتاج . لقد أخفق فى إعارة الإنتباه المستمرّ لتثوير المظاهر الأخرى لعلاقات الإنتاج ( العلاقات بين الناس فى الإنتاج و التوزيع ) و البناء الفوقي .
إلى درجة كبيرة ، إنطلق ستالين من إعتبار أنّه عندما يقع التركيز الواسع للملكية – أي عندما تكون الملكية العامة قدعوّضت فى الأساس الملكية الخاصة – عندئذ كلّ ما هو ضروري هو الحصول على التقنية المتقدّمة والإدارة الفعّالة و التحكّم فيهما و بهذه الطريقة ستواصل الإشتراكية تحقيق قاعدة مادية و إجتماعية أقوى للتقدّم صوب الشيوعية . و ذهبت هذه النظرة الخاطئة اليد فى اليد مع تحليل ستالين الخاطئ بأنّه مع أواسط ثلاثينات القرن العشرين وقع إلغاء العداء الطبقي فى الإتحاد السوفياتي . و أخفق فى الإقرار بأنّ البرجوازية تولد بإستمرار بفعل تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاته – من مثل تلك بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، و بين المدينة و الريف ، و بين العمّال و الفلاحين ، و كذلك الإختلافات فى الدخل الناجمة عن تطبيق مبدأ " لكلّ حسب عمله " – و أنّه طالما أنّ هذه اللامساواة الموروثة عن الرأسمالية تتواصل فإنّه ستظلّ هناك طبقات و يظلّ هناك صراع طبقي ، بما فى ذلك الصراع العدائي بين البروليتاريا والبرجوازية الذى يمثّل التناقض الرئيسي فى ظلّ الإشتراكية .
و ناضل ستالين ذاته بصفة متكرّرة و بصرامة ضد محاولات إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي . غير أنّ الأخطاء مثل تلك التى لخّصت بإقتضاب أعلاه قد أوقعت خسائرا فادحة . وتضخّمت تبعات هذه الأخطاء بصورة كبيرة خلال الحرب الوطنية الكبرى ضد ألمانيا ، حينما كان قدر من المساومة ضروريّا مع القوى البرجوازية داخل الإتحاد السوفياتي و خارجه التى كانت معارضة للمحور الفاشي . و سمح كلّ هذا بتوفير مزيد من الأرضية للقوى البرجوازية لا سيما البرجوازية صلب الحزب والدولة السوفياتيين( وأشباههما فى الصين سمّاهم لاحقا ماو " أتباع الطريق الرأسمالي ") لإعداد الأرضية لإعادة تركيز الرأسمالية بينما كان ستالين لا يزال على قيد الحياة و ثمّ لإحداث هذا التراجع ليس بعد فترة طويلة من وفاته .
فى هذه السنوات القليلة الأخيرة قام ستالين بالفعل بالتطرّق لبعض المسائل الجوهرية الناشئة عن بقايا الرأسمالية و التى لا تزال على قيد الحياة فى ظلّ الإشتراكية . بصورة خاصّة ، فى " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي "، أشار ستالين إلى أن قانون القيمة و إن لم يكن يلعب دورا تعديليّا فى الإقتصاد ، فقد واصل العمل ضمن مجال محدّد . و قال ستالين إنّ هذا مردّه إلى كون شكل الملكية الإشتراكية فى الريف لم يكن ملكية دولة بل جماعية ، وهو مظهر هام من إستمرار الفروقات بين المدينة و الريف ، و إلى التبادل السلعي لم يقع تعويضه تعويضا تاما بشكل أرقى من التبادل .
وعلاوة على ذلك ، بحث ستالين بعض التناقضات الكبرى التى تجب معالجتها من أجل التقدّم نحو الشيوعية . و إضافة إلى الفروقات بين المدينة و الريف ، أعار إنتباها خاصا إلى تناقض العمل الفكري / العمل اليدوي . و شدّد ستالين على أنّه من أجل التقدّم نحو الشيوعية ، سيكون من الضروري معالجتها و التناقضات الأخرى الموروثة عن الرأسمالية – لإلغاء الفرق الجوهري بين المدينة و الريف و العمل الفكري و العمل اليدوي و ما إلى ذلك .
لكن فى نفس الوقت ، نزع ستالين نحو التعاطي مع مسألة إلغاء هذه الفروقات تقريبا تماما من وجهة نظر تطوير الإنتاج و رفع مستوى الجماهير المادي و التقني و ليس كثيرا من وجهة نظر السياسة والإيديولوجيا . بكلمات أخرى ، لم يضع ستالين تشديدا كبيرا على تحديد هذه الإختلافات إلى الدرجة الممكنة فى كلّ لحظة و كيف أنّ هذا متّصل جدليّا بمهام تطوير الإنتاج و رفع مستوى الجماهير المادي و التقني إلخ و لا على مسألة خوض الصراع فى المجال الإيديولوجي للنضال ضد الإيديولوجيا البرجوازية التى تشجّع عليها هذه الإختلافات .
و من أقوى نقاط مؤلّف ستالين ذاك هو دحضه للإنحرافات التحريفية لل. د . ياروشنكو إذ كتب ستالين : " إنّ خطأ الرفيق ياروشنكو الرئيسي هو أنّه يبتعد عن الماركسية فيما يتعلّق بدور القوى المنتجة و علاقات الإنتاج فى تطوّر المجتمع ، إنّه يبالغ إلى أقصى حدّ ، فى تقدير دور القوى المنتجة و يقلّل إلى أقصى حدّ ، من تقدير دور علاقات الإنتاج ، حتى ينتهي إلى القول بأنّ علاقات الإنتاج فى ظلّ الإشتراكية هي جزء من القوى المنتجة " .( 7)
و مضى ستالين ليشير إلى أنّ التناقض بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة يوجد فى ظلّ الإشتراكية لأنّ " تطوّر علاقات الإنتاج يتأخّر و سيتأخّر عن تطوّر القوى المنتجة " (8 )
بخطّ صحيح فى القيادة ، شدّد ستالين ، لن يصبح هذا التناقض تناقضا عدائيّا لكن العكس سيحصل لو أنّه تمّ تطبيق خطّ خاطئ .
لكن نقيصة تحليل ستالين لهذه المسألة هي أنّه لم يعترف بعدُ بوجود التناقض الطبقي العدائي بين البروليتاريا والبرجوازية و أن المعالجة الصحيحة للتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج مرتبطة رئيسيا بالمعالجة الصحيحة للتناقض بين البروليتاريا و البرجوازية ، و بخوض الصراع الطبقي ضدالبرجوازية . و علاوة على ذلك ، مثلما شدّد على ذلك ماو ، بينما أكّد ستالين على تواصل وجود التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج ، لم يقم بالشيء نفسه فى ما يتصل بالتناقض بين القاعدة الإقتصادية والبنية الفوقية : " يتحدّث ستالين عن علاقات الإنتاج فقط و لا يتحدّث عن البنية الفوقية ، ولا عن العلاقة بين البنية الفوقية و القاعدة الإقتصادية...يذكر ستالين الإقتصاد فقط و لا يذكر السياسة ". و " كتاب ستالين من بدايته إلى نهايته لا يتكلّم عن البنية الفوقية . إنّه لا يعتنى بالناس ؛ يعتنى بالأشياء و لا يعتنى بالناس ". (9)
فى هذا النقد المكتوب فى أواخر خمسينات القرن العشرين ، لم يكن ماو يعكس بعض الإختلافات الهامة مع الخطّ السوفياتي فى ظلّ ستالين ، التى طوّرها وحسب لكنّه كان أيضا قد بدأ فى صياغة مزيد التقدّم فى النظرية و الممارسة الماركسية – اللينينية فى مسألة الإقتصاد الساسي ، و على وجه الخصوص بين الثورة و الإنتاج . و مع ذلك ، لم يصغ هذا إلاّ عبر صراع خطين حاد صلب الحزب الشيوعي الصيني حول هذه المسائل عينها وهو صراع سيتواصل و يتعمّق طوال بقية سنوات حياة ماو .
و بالفعل ، منذ زمن كسب السلطة السياسية تطوّر صراع صلب الحزب الشيوعي الصيني حول الطريق الذى يجب سلوكه – الطريق الإشتراكي أم الطريق الرأسمالي . و جاءت معارضة الطريق الإشتراكي من إتجاهين . أوّلا ، هناك أولئك الذين حاججوا من أجل ضرورة الحصول على " المساعدة " من الولايات المتحدة ، حتى و لو أنّ الإمبريالية الأمريكية كانت أعتى قوّة داعمة لتشان كاي تشاك و لا تزال طبعا تحاول إخضاع الصين . مثل هذا الخطّ الذى ينظر إلى الولايات المتحدة من أجل " المساعدة " يعنى فعلا التشجيع على التبعية و الإستسلام للإمبريالية الأمريكية و كان سيعنى ليس فقط عدم إمكانية بناء الإشتراكية فى الصين لكن أيضا أنّ إنتصارات الثورة الديمقراطية الجديدة ستمسح مسحا .
و فى ذات الوقت ، هناك أولئك الذين أرادوا أن يطبّقوا بصرامة المقاربة السوفياتية فى الصين فى ما يتصل بالبناء الإقتصادي ، و كذلك وجد أولئك الذين قد أرادوا أن يتبعوا عن عمى النموذج السوفياتي فى الصراع الذى أدّى إلى إفتكاك السلطة السياسية عبر البلاد بأسرها . و إحتدّ النضال ضد هذا الإنحراف و صار عدائيّا إثر الإنقلاب التحريفي لخروتشاف وزمرته أواسط خمسينات القرن العشرين ، عندما أضحى النموذج السوفياتي نموذجا لإعادة تركيز الرأسمالية.
السياسة الإقتصادية فى المناطق المحرّرة :
فى تعارض مع كلا الخطّين الإنتهازيين ، طوّر ماو بصفة متصاعدة خطّا ثوريّا لبناء الإشتراكية كان متجذّرا فى كلّ من التجربة المديدة و دروس الثورة الصينية أثناء النضال ضد السلطة و تعميق تلخيص التجربة السوفياتية و دروسها الإيجابية و السلبية ، فى ظلّ قيادة ستالين ثمّ مع إنتصار التحريفية . بعض الذين إلتحقوا بماو خلال فترة الثورة الديمقراطية الجديدة ، أمسوا ينظرون إلى خطّه و مبادئه الجوهرية القائدة على أنّه " عفا عليهما الزمن " إثر إفتكاك السلطة السياسية و بات هذا ظاهرة أبرز مع تقدّم الصين فى المرحلة الإشتراكية . بيد أنّ ماو واصل النضال من أجل فهم أنّ المبادئ الجوهرية التى قادت النضال المظفّر و إن كان طويل الأمد و معقّدا من أجل السلطة يجب كذلك أن يرشد الثورة و البناء فى المرحلة الإشتراكية . وضع السياسة فى المصاف الأوّل و التعويل على الجماهير و الإقرار بالدور الحيوي للفلاحين و أهمّية الريف ، و قتال الفئوية و النزعات البيروقراطية – هذه النقاط و غيرها التى تعكس و تنبع من الخطّ الإيديولوجي و السياسي الممثّل لنظرة البروليتاريا و مصالحها ، ظلّ يشكّل أساس خطّ ماو .
منذ المراحل الأولى للثورة الصينية ، شدّد ماو على أنّه بالنظر إلى السياسة الإقتصادية و كذلك إلى حقول أخرى ، بينما يتمّ إنجاز الثورة الديمقراطية البرجوازية كمرحلة أولى و تتم مقاومة الخطوط " اليسارية المتطرّفة " التى ستصادر القوى الوسطية ذات الأملاك الصغيرة و تدفع بها نحو معسكر العدوّ، كان من الضروري أثناء تلك المرحلة إرساء أسس المستقبل الإشتراكي إقتصاديا و ذلك بطرق أخرى . وفى مقال كُتب فى جانفي 1934 ، متطرّقا لمسألة السياسة الإقتصادية فى المناطق المحرّر ، صاغ ماو الموقف التالي :
" إنّ المبادئ التى توجه سياستنا الإقتصادية هي القيام بكلّ ما هو ممكن و ضروري فى مجال البناء الإقتصادي ، و تركيز قوانا الإقتصادية على تموين الجبهة ، و بذل قصاري جهودنا فى الوقت نفسه فى سبيل تحسين معيشة الشعب ، و تقوية الإتحاد الإقتصادي بين العمّال و الفلاحين ، و تأمين قيادة البروليتاريا للفلاحين ، و العمل على تحقيق الدور القيادي لقطاع الدولة بالنسبة إلى القطاع الخاص ، حتى نستطيع خلق شروط لازمة للإنتقال إلى الإشتراكية فى المستقبل . " (10 )
و لاحقا فى مؤلّفه العظيم " حول الديمقراطية الجديدة " المكتوب فى جانفي 1940 فى خضمّ الحرب المناهضة لليابان ، أكّد ماو على أنّه لا يجب أبدا إرساء مجتمع رأسمالي من النمط الأوروبي– الأمريكي أو السماح ببقاء المجتمع القديم شبه الإقطاعي على قيد الحياة وأشار إلى أنّه طالما أنّ إقتصاد مرحلة الديمقراطية الجديدة معنيّ ، " فى هذه المرحلة لن نسعى على العموم إلى إقامة الزراعة الإشتراكية ، بيد أنّ أنواعا مختلفة من الإقتصاديات التعاونية التى تكون قد تطوّرت على أساس " الأرض لمن يفلحها " سوف تحتوى على عناصر إشتراكية . " (11)
ومثلما شرحنا فى الفصل الأوّل من هذا الكتاب ، بغية توحيد كلّ القوى الممكن توحيدها ضد الغزاة اليابانيين ، طوال الحرب المناهضة لليابان ، عدّل الحزب الشيوعي الصيني سياسته بشأن العلاقات الإقتصادية الفلاحية ، متراجعا عن سياسة مصادرة أملاك الملاكين العقاريين الكبار فى غالب الأحيان و معوّضا إيّاها بحملة التخفيض فى الإيجار و الأداءات إلخ . لكن هذا لم يعن أنّ مثل هذا التخفيض يمكن بلوغه ولا بالتأكيد الحفاظ عليه دون صراع .
و شدّد ماو على أنّ :
" تخفيض إيجارات الأراضي لهو صراع جماهيري يخوض غماره الفلاحون " و بالتالي : " توجيهات الحزب و مراسيم الحكومة تهدف إلى قيادة و مساعدة هذا الصراع الجماهيري لا إلى إسداء الإحسان للجماهير . إنّ أي شكل من أشكال تخفيض إيجارات الأراضي كإحسان دون إثارة مبادرة الجماهير ليس صحيحا ، و نتائج ذلك لن تكون وطيدة ." (12)
و كان حشد الجماهير المفتاح فى تكريس التخفيض فى الإيجار ( و الأداءات ) ما خدم بدوره كأساس لتنظيم جماهير الفلاحين للإنتاج قصد مساندة الحكومة الثورية و القوات المسلحة . و كان كذلك حشد الجماهير فى الإنتاج حيويّا . و بينما كان يشدّد على أنّ " أي مسئول لا يعير الإهتمام لدراسة الإنتاج لا يمكن إعتباره مسئولا صالحا " ، نقد ماو بشدّة تلك الكوادر التى تحمل وجهات نظر خاطئة " إنّها لخاطئة وجهة النظر المالية المحافظة و المحضة التى تركز فقط و بصورة وحيدة الجانب على مسألة المصروفات دون الإهتمام بتنمية الإقتصاد . و إنّها لخاطئة وجهة النظر التى تعتنى فقط و بصورة وحيدة الجانب بإشغال الموظفين الحكوميين القلائل فى جمع الحبوب والضرائب و تدبير الأموال والمؤن الغذائية دون الإهتمام بتنظيم الأيدى العاملة الواسعة وسط جمهور العاملين فى الحزب والحكومة و الجيش و جماهير الشعب من أجل شنّ حملة إنتاج جماهيرية . " ( 13).
هنا كانت معيّنة مسألة حيوية : كيف نخفّف الوزر الذى إضطرّ الفلاحون إلى تحمله فى ظلّ الحكم القديم فى حين فى نفس الوقت يتم توفير القاعدة المادية اللازمة لصيانة النظام الجديد ودعم القوى المسلّحة الثورية فى حرب المقاومة ضد اليابان. و شدّد ماو على أنّ الحلّ يكمن فى تعبئة صفوف الحزب و موظّفي الحزب و الدولة ( الكوادر ) و كذلك عناصر الجيش إلى أقصى حدّ ممكن ، إلى جانب الجماهير الشعبية فى حملات إنتاج جماهيرية . و بالتوازي مع ذلك ، كان من الحيوي تعبئة الجماهير فى سبيل تغيير علاقات الإنتاج إلى أبعد درجة ممكنة – تركيز فرق تبادل العمل و أشكال أولية أخرى من التعاون – و أيضا تحقيق إختراقات فى تطوير تقنيات جديدة فى الإنتاج ، حتى مع بقاء وسائل الإنتاج المملوكة بدائية . دون هذا كان سيكون من غير الممكن إطلاق العنان لنشاط الجماهير و إبداعها كعامود فقري لحرب المقاومة ضد اليابان .
و كانت مشاركة الفرق العسكرية فى الإنتاج رابطا مهمّا فى كلّ هذا : ساعدت على التمكين من تخفيف وزر أداءات الحكومة الثورية على الفلاحين . و كما أشار ماو ، لو أمضى الجنود ثلاثة أشهر سنويّا فى الإنتاج و خصّصوا تسعة أشهر للقتال و التدريب ، عندئذ يمكن الحفاظ على وضع أين " جيشنا لا يعتمد فى الحصول على أجوره على حكومة الكومنتنغ و لا على حكومة منطقة الحدود و لا على الشعب ، بل يحصل عليها بالإعتماد الكلّي على النفس " (14).
و ظلّ هذا جزءا هاما من خطّ ماو حول السياسة الإقتصادية . و بصورة خاصة العلاقة بين البناء الإقتصادي و الحرب و مقاومة العدوان فى المرحلة الإشتراكية أيضا .
فى خطابه المعروف جدّا أمام أبطال الشغل فى المناطق المحرّرة ( " تنظّموا ! " ) ، شدّد ماو مجددا على أنّه هناك منهجان متعارضان فى التعاطي مع مشاكل الإنتاج :
" إن تنظيم قوى الجماهير لهو سياسة محدّدة . هل هناك سياسة مناقضة لها ؟ أجل ، هناك سياسة تفتقر إلى وجهة النظر الجماهيرية ، لا تعتمد على الجماهير ولا تنظمها و لا تعير إهتماما لأمر تنظيم الجماهير الغفيرة فى الريف و الوحدات العسكرية و الدوائر و المدارس و المصانع ، و إنما تحصر الإهتمام فى تنظيم عدد ضئيل من الناس ممن يعملون فى الدوائر المالية و التموينية و التجارية ؛ ولا تنظر إلى العمل الإقتصادي بوصفه حركة عريضة أو بوصفه جبهة واسعة ، بل تنظر إليه بوصفه مجرد وسيلة مؤقتة من أجل سدّ العجز المالي . هذه سياسة أخرى ، وهي سياسة خاطئة ." ( 15 )
و مضى ليثبت من جديد العلاقات بين السياسة الإقتصادية الحالية و التقدّم المستقبلي نحو الإشتراكية . فألمح إلى أنّ " التعاونيّات " هي الآن أهمّ شكل للتنظيم الجماهيري فى المجال الإقتصادي " وقد مثلت حجر زاوية الجسر القائم بين الإقتصاد الفردي للفلاحين الذى وجد لآلاف السنوات فى ظلّ الإقطاعية من جهة والإقتصاد الجماعي للإشتراكية من جهة أخرى . و لاحظ ماو :
" إنّ هذا الإنتاج الفردي المبعثر هو الأساس الإقتصادي للحكم الإقطاعي وهو الذى يبقى الفلاحين على فقر دائم . إنّ الطريقة الوحيدة لتغيير هذه الحالة هي تحقيق الجماعية تدريجيّا ؛ والسبيل الوحيد المؤدّى إلى الجماعية – حسب رأي لينين – هو عبر الجمعيّات التعاونية . لقد نظّمنا حتى الآن عددا كبيرا من الجمعيات التعاونية للفلاحين فى منطقة الحدود ، و لكنها ، فى الوقت الحاضر ، ليست إلا جمعيات تعاونية من نمط بدئي ، و لا بد لها أن تجتاز فى تطورها مراحل عدة قبل أن تصبح فى المستقبل جمعيات تعاونية من ذلك النمط السوفياتي المعروف بالمزارع الجماعية . إن إقتصادنا هو إقتصاد الديمقراطية الجديدة ، وجمعياتنا التعاونية لا تزال فى الوقت الراهن، منظمات العمل الجماعي القائمة على أساس الإقتصاد الفردي (على أساس الممتلكات الخاصة)." ( 16)
هنا خطّ ماو المسار الأساسي لكون التعاونيّات فى الريف الصيني ستشهد تقدّما فى الإقتصاد الفلاحي إلى العلاقات الإشتراكية ، بخطوة أولى مناسبة للمرحلة الديمقراطية الجديدة ألا وهي فرق تبادل العمل . و على غرار ما فعل مع كلّ شيء آخر ، وضع ماو تشديدا على أنّ نجاح هذه الفرق يرتهن بتعبئة الجماهير ونشاطها الواعي . و بالفعل لاحظ أنّ :" أساليب التعاون المتبادل الجماعي هذه قد إبتكرتها الجماهير نفسها ..." و مهمّة الحزب كانت تلخيصها و نشرها جماهيريا. (17 )
و عقب ذلك بسنوات ، مع إقتراب الإنتصار فى الحرب المناهضة لليابان ، أكّد ماو مجدّدا على أهمية المعالجة الصحيحة للسياسة الإقتصادية . و على وجه الخصوص ، نقد أولئك الرفاق الذين لم يركّزوا السياسة الإقتصادية على الظروف الملموسة للنضال الثوري فى الصين ، و خاصة على كون هذا النضال كان حينها مرتكزا فى الريف و يجب القيام بذلك بالتقدّم من الريف إلى المدن :
" إنّنا نريد أن نوجه الضربات إلى الغزاة اليابانيين و أن نستعد للإستيلاء على المدن و إسترداد الأراضي المفقودة . لكن كيف يمكننا تحقيق ذلك و نحن نعيش فى المحيط الريفي القائم على الإقتصاد الفردي ، المعزول من قبل العدو ، والذى تدور فيه رحى حرب العصابات ؟ إنه لا يجوز لنا أن نقتدي بالكومنتنغ الذى لا يعمل بسواعده ، بل يعتمد كليا على الأجانب حتى فى الضرورات اليومية مثل الأقمشة القطنية . إننا ندعو إلى الإعتماد على النفس . ونأمل فى العون الخارجي ، و لكن لا يجوز لنا أن نعتمد عليه ،و إنّما نعتمد على جهودنا الخاصة ، على القوة الخلاقة فى الجيش كلّه و الشعب قاطبة . إذن ما هي الطريقة فى سبيل ذلك؟ إنّنا نتّخذ طريقة حملة الإنتاج الواسعة النطاق التى يشنّها الجيش و الشعب فى وقت واحد . " (18 )
و كان هذا مرتبطا بمبدأ طبّقه ماو فى الحرب - تركيز القوى من أجل معركة سحق - مبدأ واصل تطبيقه لبناء الإقتصاد ، لا سيما بالنظر إلى العلاقات المفاتيح و المشاريع المفاتيح فى الإقتصاد ، فى كلّ من المرحلتين الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية .
وهو يتعاطى بشكل خاص مع الوضع الذى كان حينها يواجه الثورة ، ما أكّد عليه ماو فى المقتطف أعلاه – حول أهمّية الريف و تعبئة الجماهير و مشاركة الجيش فى الإنتاج إلى جانب القتال و التدريب و التعويل على الذات عموما – و كلّ هذا لم يكن ذا أهمية حيوية فقط فى تلك الظروف بل ظلّ مبادئا أساسية حتى بعد كسب السلطة السياسية عبر البلاد بأسرها و دخول المرحلة الإشتراكية .
و الشيء نفسه ، فى ذات المقال ، قال ماو :
" و بما أنّنا نعيش فى الريف ، حيث القوة البشرية و الموارد المادية مبعثرة ، فقد تبنينا سياسة " القيادة الموحدة و الإدارة اللامركزية " فى الإنتاج و التموين ." (19) و كان هذا وثيق الإرتباط بالمبدأ العسكري الذى طوّره ماو للمزج بين الإستراتيجيا المتحدة و القيادة الإستراتيجية مع قيادة غير مركزية و مرونة و مبادرة فى حملات و معارك خاصة . ( أنظروا الفصل السابق ) . و هذا المبدأ أيضا رفعه و طبّقه ماو فى المرحلة الإشتراكية - و إن كان مجدّدا ليس دون صراع حاد صلب الحزب الشيوعي ذاته .
مباشرة بعد هزيمة الإمبرياليين اليابانيين ذكّر ماو مجدّدا الحزب و الجماهير بأنّ الإنتصارات المكتسبة بفضل جهودهم الخاصة لا يمكن الدفاع عنها و لا يمكن بلوغ إنتصارات جديدة إلاّ بمواصلة تكريس التعويل على الذات .
معدّا لمواجهة محاولة تشان كاي تشاك المضادة للثورة لإفتكاك ثمار هذا الإنتصار و إعادة تركيز الحكم الرجعي عبر الصين ، أكّد ماو أنّه " يتوقف علينا تنظيم الشعب للإطاحة بالرجعيين فى الصين " (20 )
و مستعملا مثالا من فترة سابقة فى الثورة الصينية لمّا رفض ملاك عقّاري كبير الإستسلام و ظلّ متمترسا فى قريته إلى أن دخلها الجيش الثوري و مسحه مسحا ، لفت ماو النظر إلى واقع وجود عديد مثل هذه " القرى المتمترسة " الرجعية فى الصين و إستخلص درس أنّ :
" كلّ ما هو رجعي لا يسقط إذا لم تضربه . و هذا يشابه عملية الكنس ، فالغبار لا يزول عن مكانه من تلقاء نفسه إذا لم تزله المكنسة. " (21)
و إذن ما الذى يمكن ويجب التعويل عليه لكنس الصين من الحكم الرجعي ؟ صرّح ماو بأنّ التعويل يجب أن يكون على جماهير الشعب بقيادة الحزب الشيوعي و تساءل " على أي أساس ينبغى أن ترتكز سياستنا ؟ " و أجاب " على قوتنا الخاصة ، هذا ما يسمى الإعتماد على النفس " (22) . ومرّة أخرى ، كان كذلك مبدأ جوهريّا ناضل ماو من أجله و طبقه ليس فقط فى قيادة الثورة الديمقراطية الجديدة الصينية نحو الإنتصار التام عبر الحرب الثورية الناجحة ضد تشان كاي تشاك ، لكن كذلك فى التقدّم فى الثورة الإشتركية و البناء الإشتراكي إثر الإنتصار. و مجدّدا ، لم يقم ماو بهذا إلاّ عبر خوض الصراع الحاد صلب الحزب الشيوعي ذاته ضد الذين عارضوا سياسة التعويل على الذات و الإعتماد على النفس.
ماو يحلّل المهام الجديدة :
و من ناحية أخرى ، لم يكن من الممكن للسياسات المتبنّاة فى الريف أثناء السنوات الطويلة للنضال الثوري الذى تركّز هناك تطبيقها آليّا فى المدن . و حتى فى الريف ، كان يتعيّن رسم تمايز بين الفلاحة و الصناعة ، بين السياسات التى قادت الثورة الفلاحية المناهضة للإقطاع و تلك التى يجب إستعمالها بشأن الإنتاج الرأسمالي و التجارة . و تطلّبت معالجة هذا معالجة صحيحة مزيد تعميق تسليح الحزب و الجماهير بنظرة بروليتارية بعيدة النظر و تربيتها على إدراك مصالحها العامة و البعيدة المدى .
عالج ماو هذه المسائل فى مقال كتب فى بدايات 1948 عندما كان بعدُ يمكن رؤية النهاية المظفّرة فى الحرب ضد تشان كاي تشاك فى الأفق و مسالة إفتكاك المدن الكبرى وإدارتها كانت بعدُ مسألة راهنة . و حذّر ماو أنّه : " ينبغى الإحتراس مسبّقا من خطإ ان تطبّق فى المدن التدابير المستخدمة فى الريف فى النضال ضد ملاك الأراضي و الفلاحين الأغنياء " .
و أضاف تشديدا على أنّه : " يجب التمييز بدقّة بين القضاء على الإستغلال الإقطاعي الذى يمارسه ملاك الأراضي و الفلاحون الأغنياء و حماية مؤسساتهم الصناعية و التجارية ، كما يجب التمييز بدقة بين السياسة الصحيحة ، سياسة زيادة الإنتاج و تنمية الإزدهار الإقتصادي و مراعاة المصالح العامة و الخاصة معا و منفعة العمل و الرأسمال فى وقت واحد و السياسة الوحيدة الجانب القصيرة النظر ، المسماة بسياسة الإغاثة التى ترمي إلى رفاهية العمال و لكنها فى الواقع تلحق الضرر بالصناعة و التجارة و بقضية الثورة الشعبية . و ينبغى القيام بعمل تثقيفي بين الرفاق النقابيين و جماهير العمال لجعلهم يدركون أن عليهم ألا يروا فقط المصالح المباشرة و الجزئية ناسين مصالح الطبقة العاملة العامة و البعيدة المدي . " (23)
ما كان ماو يرفع رايته هنا هو كلّ من السياسة الصحيحة للمرحلة الديمقراطية الجديدة الراهنة من الثورة و الأساس الصحيح لإنجاز التقدّم المستقبلي من ثمّة إلى المرحلة الإشتراكية . و كان هذا متضاربا مباشرة مع خطّ كان سيجعل من الثورة الديمقراطية نهاية فى حدّ ذاتها و كان سيشجّع على الفكر العسكري و الإقتصادوية ضمن العمّال ، دافع نحو التحسين الفوري على المدى القصير فى ظروفها – " إعانة " – ضد مصالحها الجوهرية فى إيجاد الظروف الماديّة و كذلك السياسية و الإيديولوجية للتقدّم صوب الإشتراكية – بما فى ذلك تحقيق الإنتصار النهائي فى الحرب ضد تشان كاي تشاك .
و كان النضال ضد هذا النوع من الخطّ الخاطئ يتحوّل بإطراد إلى عامل حاسم بالضبط لأنّ إفتكاك السلطة السياسية عبر البلاد بأسرها كان فى الأفق . و مع بلوغ السلطة السياسية ، برزت إلى السطح مسألة ما إذا سيُسلك الطريق الرأسمالي أم الطريق الإشتراكي . و فى مارس 1949 ، فى أهمّ خطاب له أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصين ، حلّل ماو الوضع و المهام المباشرة التى تواجه الحزب مع إفتكاك المدن الكبرى و النهاية المظفّرة لحرب التحرير ضد تشان كاي تشاك و داعميه الإمبرياليين الأمريكان .
وصرّح ماو بأنّ المهمّة المركزية مباشرة بعد إفتكاك السلطة ، يجب أن تكون الإنتاج والبناء . لماذا ؟ لأنّه فى حال وقوع العكس لن يمكن تعزيز السلطة السياسية و التقدّم صوب الإشتراكية سيكون بالطبع مستحيلا أيضا . و بصراحة تامة قال :
" إذا بقينا على جهل بشؤون الإنتاج و لم نتعلمها بسرعة ، و إذا لم نستطع إنعاش و تطوير الإنتاج بأقصى سرعة ممكنة وتحقيق نجاحات حقيقية بحيث نحسّن أوّلا معيشة العمّال و كذلك معيشة الشعب عامة ، فإنّنا لن نتمكن من المحافظة على سلطتنا السياسية و لا من تثبيت أقدامنا ، بل سوف نمنى بالفشل ." ( 24)
هنا كان ماو يتبع سياسة مشابهة لتلك التى تبنّاها لينين خلال السنوات القليلة الأولى من الجمهورية السوفياتية – فترة شيوعية الحرب ثمّ السياسة الإقتصادية الجديدة – عندما كان من الحاسم إعادة تأهيل الإقتصاد الوطني فى ظلّ حكم البروليتاريا لتحديد ما إذا كانت سلطة الدولة البروليتارية الجديدة ستبقى على قيد الحياة أم لا و تستطيع أم لا التقدّم لإنجاز التحويل الإشتراكي و تطوّر الإقتصاد . غير أنّه حتى فى ظلّ هذه الظروف ، مثلما شدّد على ذلك لينين فى معركة شرسة ضد تروتسكي و بوخارين و إنتهازيين آخرين ، فإنّ سلطة الدولة ستضيع لا محالة من أيدي البروليتاريا و ثمّ بالطبع لن تقدر على معالجة مشاكل الإنتاج كذلك.
لذا أيضا ، ناضل ماو ضد الخطوط الخاطئة التى كانت إمّا ستطلق العنان للرأسمالية الخاصة وترفع من موقعها فوق مؤسسات الدولة فى السياسة الإقتصادية وإمّا ستحدّد بصورة مبالغ فيها أو تحاول حتى إلغاء الرأسمالية الخاصة تماما ، غير مستعملة لها فى إعادة تأهيل الإقتصاد و الإنطلاق فى تطويره . و فى تعارض مع كلا الخطئين ، شدّد ماو على أنّه :
" يجب السماح لجميع العناصر الرأسمالية فى المدن و الأرياف و التى ليست ضارة بل نافعة للإقتصاد الوطني ، أن تبقى و تتطوّر . وهذا ليس أمرا حتميا فحسب ، بل هو ضروري إقتصاديّا. و لكن لا يمكن أن نترك الرأسمالية تبقى و تتطوّر فى الصين كما هي الحال فى البلدان الرأسمالية حيث تطغى بدون قيود . فإنّ الرأسمالية فى الصين سوف تقيد من عدّة نواح – من نواحى نطاق نشاطها و السياسة الضريبية و أسعار السوق و ظروف العمل ." (25)
و هذه السياسة ، سياسة السماح بالرأسمالية و تقييدها و تدريجيّا تحويل الملكية الخاصة فى الصناعة إلى ملكية دولة إشتراكية من خلال سلسلة من الخطوات التى كانت أساسية لإنجاز الإنتقال من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية . وأثناء هذه السيرورة من الإنتقال و التحويل ، أشار ماو إلى أنّ : " التقييد و مقاومة التقييد سيكونان الشكل الرئيسي للصراع الطبقي فى داخل دولة الديمقراطية الجديدة " (26).
مثل هذه السياسة على صحّتها بالنظر إلى الرأسماليين الوطنيين – البرجوازية الوسطى – لا يمكن مطلقا تطبيقها على الإمبرياليين و لا على البرجوازية الكبرى فى الصين ، الرأسماليين البيروقراطيين الذين يملكون تقريبا 80 بالمائة من الرأسمالية الصينية . هؤلاء يجب على الفور مصادرة أملاكهم بهدف مزدوج هو كسر القاعدة الإقتصادية و السياسية لقوّتهم و لتحرير القوى المنتجة و جعل من الممكن إعادة تأهيل الإقتصاد و تطويره بسرعة . و على حدّ ما قاله ماو :
" إنّ مصادرة هذا القسط [ الأكبر و الأهمّ من الرأسمال الممركز فى أيدى الإمبرياليين و كلابهم البرجوازيين البيروقراطيين الصينيين ] و تحويله إلى ملكية الجمهورية الشعبية التى تقودها البروليتاريا سوف يمكنان هذه الجمهورية من السيطرة على عصب الإقتصاد فى البلاد ، و يجعلان من إقتصاد الدولة القطاع القيادي فى الإقتصاد الوطني كلّه . إنّ هذا القطاع من الإقتصاد ذو طابع إشتراكي لا رأسمالي ." ( 27 )
من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية :
و مجدّدا كان هذا حيويّا فى إجراء الإنتقال من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية . و كما لخّص ماو تاليا : " للنضال ضد الرأسمالية البيروقراطية طابع مزدوج ؛ له طابع ديمقراطي ثوري طالما أنه يعارض الرأسمال البيروقراطي ، لكن له طابع إشتراكي طالما أنه يعارض البرجوازية الكبيرة "(28 ).
و أدّى تركيز أولوية قطاع الدولة و التحكّم فى الإقتصاد عامة من قبل الدولة التى تقودها البروليتاريا و حزبها – كان هذا هو الشرط الجوهري لبلوغ الإنتقال إلى الإشتراكية . كان مفتاح معالجة التناقضات الأساسية كما ظهرت أثناء الفترة بالضبط إثر إفتكاك السلطة السياسية عبر البلاد بأسرها .
عند هذه النقطة ، أجرى ماو تحليلا غاية فى الأهمّية فحواه أنّه مع الإنتصار فى الثورة الديمقراطية الجديدة و عبر البلاد بأسرها ، " سيبقى فى الصين تناقضان أساسيّان . الأوّل داخلي وهو التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية . والثاني خارجي وهو التناقض بين الصين و الدول الإمبريالية . " (29 )
و كان هذا التحليل ليبقى مسألة خطّ حيوية و محور صراع خطين حاد صلب الحزب الشيوعي الصيني طوال بقية حياة ماو . و مطبّقا إيّاه حينها على الوضع الراهن والمهمّة الملحّة ، تحقيق إنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة والإنتقال إلى الإشتراكية ، عبّر ماو عن : " سوف يكون تحديد الرأسمال فى الداخل و السيطرة على التجارة الخارجية هما السياستين الأساسيتين لهذه الدولة فى نضالها الإقتصادي . و من يهمل هذه النقطة أو يقلّل من شأنها ، فإنّه سيقترف أخطاء جسيمة للغاية ." (30 )
وفى نفس الوقت ، نبّه ماو إلى الأهمية الهائلة لمسألة الفلاحين و لمواصلة الثورة الفلاحية إلى ما بعد الخطوة الديمقراطية البرجوازية للإصلاح الزراعي – وهو ما أنجز على نطاق واسع مع نهاية حرب التحرير . لقد ألغي إعطاء " الأرض لمن يفلحها " قاعدة الإقطاع لكن ليس قاعدة العلاقات الرأسمالية فى الريف . و إثر ملاحظة أنّ " المشكلة الخطيرة هي مشكلة تثقيف الفلاحين " قال ماو :
" و لمّا كان إقتصاد الفلاحين إقتصادا مجزأ ، فإن جعل الزراعة إشتراكية سيستغرق وقتا طويلا و يتطلّب عملا دقيقا على ضوء تجربة الإتحاد السوفياتي . و بدون جعل الزراعة إشتراكية ، لا يمكن تحقيق إشتراكية كاملة موطّدة . و جعل الزراعة إشتراكية يجب أن يتوافق فى عملية ذلك تطوير صناعة قوية يتألّف قطاعها الرئيسي من مؤسسات الدولة . " (31)
و محلّلا تبعات ذلك على مجال السياسة بما هي التعبير المركّز عن الإقتصاد ، أشار ماو إلى أنّ الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية شكل من أشكال دكتاتورية البروليتاريا مناسب لظروف الصين مع إنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة : " يقوم على تحالف الطبقة العاملة و طبقة الفلاحين و طبقة البرجوازية الصغيرة فى المدن ، و بصورة رئيسية يقوم على تحالف العمّال و الفلاحين ، لأن هاتين الطبقتين تؤلفان 80 إلى 90 بالمائة من مجموع سكّان الصين . إنّهما القوّة الرئيسية فى الإطاحة بالإمبريالية و زمرة الكومنتنغ الرجعية ، كما أنّ الإنتقال من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية يتوقف أساسا على تحالفهما . " ( 32)
و فى غضون سنوات سبع من تأسيس الجمهورية الشعبية فى أكتوبر 1949 ، تمّ فى الأساس التحويل الإشتراكي للملكية فى كلّ من الصناعة و الفلاحة . بيد أنّ هذا لم ينجز بطبيعة الحال دون صراع طبقي شرس فى كلّ من المجتمع ككلّ و صلب الحزب الشيوعي ذاته . ففى هذه الفترة ، تمحور الصراع الطبقي – الصراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي – أساسا حول مسألة الملكية و كذلك وجدت صراعات حادة حول مسائل الإدارة و أولوية الإستثمار و قضايا جوهرية أخرى متصلة بالسياسة الإقتصادية .
و تبعا للخطوط العريضة التى أرساها ماو ، حسب ما عرضنا قبلا ، طبّق الحزب الشيوعي فى الصناعة خطّ المصادرة المباشرة لممتلكات الإمبريالية و الرأسمالية البيروقراطية بينما كان يكرّس التحويل خطوة خطوة للرأسمالية الوطنية . و هذا لم يسمح بإستعمال الدور الإيجابي للرأسمال الوطني فى إعادة تأهيل الإقتصاد و تطويره فحسب بل كذلك بإستعمال الرأسماليين الوطنيين فى الإدارة فى المؤسسات المشتركة بين الدولة و الخواص التى أنشأت كحلقة هامة فى هذا التحويل. و تلقّت مؤسسات الدولة ذاتها معظم الإستثمارات وأقيمت بإعتبارها القطاع الأهمّ . و كان هذا حاسما فى تركيز هيمنة قطاع الدولة من الإقتصاد و الحفاظ عليه و فى إجراء التحويل الإشتراكي للصناعة .
طريقان بعد التحرير :
لكن كلّ هذا بطبيعة الحال قد ولّد تناقضات جديدة وصراعات جديدة . فإضافة إلى المشاكل التى ظهرت فى إستعمال الرأسماليين الوطنيين فى الإدارة و حتى فى مواقع تخطيط ، فإنّ الرأسماليين الكبار السابقين وعناصر رجعية أخرى لم تقم بالتخريب و المقاومة المباشرة للتحويل الإشتراكي وحسب ، بل إنّ عددا منهم نجح عمليّا فى التسرّب إلى مواقع مفاتيح فى الإقتصاد ومنها مواقع فى قطاع الدولة . و كما حذّر ماو فى الإجتماع العام الثاني للجنة المركزية السابعة فى مارس 1949 ، يجد عدد من أعضاء الحزب الذين وقفوا ببطولة أمام الرصاص الفعلي للعدوّ طوال سنوات الحرب الثورية ، يجد من العسير مقاومة رصاصات البرجوازية المغلّفة بالسكّر فى الوضع الجديد أين يكون كوادرالحزب هؤلاء فى مواقع سلطة.
و لمواجهة ذلك و كجزء أساسي من المضي قدما فى تطبيق ليس فقط إعادة تأهيل الإقتصاد بل كذلك سياسة التحويل الإشتراكي ، شنّ الحزب نضالا ضد " الشرور الثلاثة " ، الفساد و التبذير والبيروقراطية فى التسيير و الإدارة و " الشرور الخمسة " ، الفساد والتهرّب من الضرائب وسرقة ملكية الدولة و الغشّ فى عقود الحكومة و سرقة المعلومات الإقتصادية للإستعمال الشخصي . و الجدّية التى بها ينبغى خوض هذه الصراعات يعبّر عنها هذا الموقف لماو فى أواخر سنة 1951 : " يجب التشديد على النضال ضد الفساد والتبذير والبيروقراطية بذات قدرالنضال لسحق المعادين للثورة " ( 33) و دعا ماو إلى ربط النضال ضد هذه الشرور الثلاثة بالنضال ضد " الشرور الخمسة " – مأكّدا أنّ " هذا فى آن معا إجباري و راهن" (34).
ولم يعن هذا على كلّ حال أنّ مثل هذا الصراع يجب أن يجري كصراع بين الشعب و العدوّ و إن كان ذلك فى بعض الحالات ضروريّا . يجب رسم خطوط تمايز فى ما يتصل بجدّية الحالات لكن مع ذلك ينبغى خوض الصراع بحدّة - " هكذا فقط يمكننا التأكّد من مدى خطورة عديد أعضاء الحزب الذين أفسدتهم البرجوازية " ، و نحول دون تفكّك تطوّر الإقتصاد و التحويل بإتجاه الإشتراكية " (35).
ومع ذلك ، ما نجح خوض الصراعات بطريقة " من أعلى " وحسب بل تطلّب تعبئة الجماهير . ومثلما أشار ماو ، جزء هام من النضال ضد " الشرور الخمسة " بصورة خاصة كان " التركيز التدريجي لنظام فى ظلّه يراقب العمّال و المساعدون الإنتاج و الإدارة " .( 36)
لكن صراعا أكثر حيوية خلال هذه الفترة حصل صلب الحزب ذاته ضد الذين شجّعوا و قاتلوا من أجل خطّ يعارض تطبيق التحويل الإشتراكي . مثل هؤلاء التحريفيين ، بمن فيهم ليوتشاوتشي وأصناف مشابهة فى أعلى قيادة الحزب ، حاججوا بأنّه عوض الإنتقال من المرحلة الديمقراطية إلى المرحلة الإشتراكية عقب إفتكاك السلطة السياسية ، المهمّة هي " تعزيز الديمقراطية الجديدة " .
فى المجال الإقتصادي ، ضد سياسة إستعمال مع تقييد وتحويل تلك القطاعات من الرأسمال التى يمكن أن تساهم فى إعادة تأهيل الإقتصاد و تطويره ، ألحّت هذه العناصر الديمقراطية البرجوازية التى تحوّلت إلى أتباع الطريق الرأسمالي ، على أنّه يجب تشجيع الرأسمالية و بلا حدود محاججة حتى بأنّ " الإستغلال ميزة إيجابية " . و عارضت بصفاقة ماو الذى بعدعدّة سنوات من إعادة التأهيل الناجحة للإقتصاد ، فى توافق مع التوجّه الأساسي الذى رسمه قبل ما يناهز الأربع سنوات ، قد صاغ فى نهاية 1952 الخطّ العام للإنتقال إلى الإشتراكية مناديا بالتطوير خطوة خطوة للتصنيع الإشتراكي و التحويل الإشتراكي للفلاحة والصناعات التقليدية و كذلك الصناعة و التجارة الرأسماليين .
لعقلنة معارضتهم ، طبخ هؤلاء التحريفيين الممثَّلين فى مجال النظرية و الفلسفة ببعض الجامعيين الرجعيين و أبرزهم يانغ هسيان – تشان ، " ما يسمى بنظرية " القاعدة الإقتصادية المزدوجة " و بالتالي كانوا وراء أوّل صراع كبير على الجبهة الفلسفية " فى الصين الجديدة (37) .
و تحاجج هذه الخدعة ، هذه النظرية البرجوازية ، بأنّه أثناء المرحلة الإنتقالية ، يجب على القاعدة الإقتصادية أن تتكوّن من القطاعين الرأسمالي والإشتراكي المتعايشين بتناغم و بوجوب أن تخدم البنية الفوقية كلا القطاعين وأن تخدم حتى البرجوازية . و جاء هذا صدى لبوخارين الذى كما مرّ بنا ذلك ، حاجج فى الإتحاد السوفياتي فى عشرينات القرن العشرين بأنّ الرأسمالية ستنمو بسلام ضمن الإشتراكية و بالتالي يجب تشجيعها بلا حدود.
و طبعا ، وكما ألمحنا إلى ذلك ، خلال مرحلة الإنتقال إلى الملكية الإشتراكية فى الصين ، سُمح للرأسمال الخاص بلعب دور معيّن ، لكن بهدف التقدّم على الطريق الإشتراكي كان من الضروري تركيز أولوية القطاع الإشتراكي عبر الدولة البروليتارية وخوض الصراع الطبقي لبلوغ إنتصار العلاقات الإشتراكية على العلاقات الرأسمالية و إحداث التحويل الإشتراكي . و المرافعة من أجل نوع من " الإنسجام " بين الرأسمالية والإشتراكية و حتى المحاججة بأنّ البنية الفوقية ، بما فى ذلك سلطة الدولة ، يجب أن تخدم القطاعين و تخدم حتى البرجوازية كان يعنى فعليّا الدفاع عن إنتصار الرأسمالية على الإشتراكية وإرساء سلطة الدولة البرجوازية معزّزة إستغلال البروليتاريا وجماهير الشعب الواسعة.
و بشأن الفلاحة على وجه الخصوص ، عارض ليوتشاوتشى و تحريفيون آخرون و حاولوا بنشاط خنق تحويل التعاونيات و تخريبها . و قد شدّدوا على أنّ أيّ مسعى لإنجاز التعاونيات يرتهن بالتطوّر المسبّق للصناعة الثقيلة ، وهو بدوره لا يمكن أن يتطوّر سوى بالتعويل على التقنية الأجنبية وفق هذه النظرة و أنّه فى إنتظار ذلك ينبغى على الفلاحين أن يمضوا وحدهم فى الفلاحة الخاصة . و كان بإمكان هذا بالطبع أن يؤدّي إلى إستقطاب واسع النطاق وتعزيز القوى الرأسمالية فى الريف .
و قد نقد ماو بحدّة هذا الخطّ وناضل ضدّه بشدّة . و بيّن أنّ حركة التعاونيات فى الصين يجب أن تسبق مكننة الفلاحة وأنّه إذا لم يتمّ إنجاز التحويل التعاوني فإنّ تحالف العمّال و الفلاحين الذى بُني خلال مرحلة الديمقراطية الجديدة على قاعدة برنامج ديمقراطي برجوازي ، لن تمكن صيانته و تطويره إلاّ على قاعدة جديدة ، قاعدة إشتراكية .
و مع 1955 ، بلغ هذا الصراع مفترق طرق . عندها أعرب ماو عن أنّه رغم التقدّم خطوة خطوة من فرق التعاون المتبادل إلى التعاونيات الصغيرة للمنتجين الفلاحين :
" ما يوجد فى الريف اليوم هي الملكية الرأسمالية للفلاحين الأغنياء و بحر واسع من ملكية الفلاحين الفرديين . و مثلما هو واضح للجميع ، فإن القوى العفوية للرأسمالية كانت تنمو بإستمرار فى الريف فى السنوات الأخيرة ، مع الفلاحين الأغنياء منتشرين فى كلّ مكان و العديد من الفلاحين المتوسطين المترفهين يصارعون ليصبحوا فلاحين أغنياء . من جهة ، عديد الفلاحين الفقراء لا زالوا يعيشون الفقر لنقص وسائل الإنتاج ، و البعض منهم يقعون فى الديون و آخرون يبيعون أو يأجّرون أرضهم . و إذا تواصلت هذه النزعة دون مراقبة ، من الحتمي أنّ الإستقطاب فى الريف سيسوء يوما فيوما . " (38)
و أجاب ماو الذين كانوا يصرخون بالخطّ التحريفي فى هذه المسألة بقلب جحجهم ضدّهم . فردّا على هجوم أنّه كان من دعاة التقدّم المتسرّع فى الريف وخاصّة ردّا على موقف " إن لم تنزل عن الحصان بسرعة سيوجد خطر كسر التحالف بين العمّال و الفلاحين " ، أجاب ماو : " هذه على الأرجح " حجة " صاغها قسم العمل الريفي التابع للجنة المركزية . و هذا القسم لا يصنع الإشاعات لكن كذلك يصنع الكثير من " الحجج " . أعتقد أنّ هذا الموقف فى الأساس " صحيح " – و فقط كلمة واحدة تحتاج أن نغيّرها أي أن نعوّض كلمة نزول إلى صعود . أنتم يا رفاق قسم العمل الريفي لا يجب أن تشعروا باليأس، لأنّنى قبلت كل كلماتكم و غيّرت كلمة فقط . و الإختلاف يكمن فى كلمة واحدة ، جدالنا يتعلّق بكلمة واحدة – أنتم تريدون النزول عن ظهر الحصان بينما أريد الصعود على ظهره ". إذا لم تصعدوا على ظهر الحصان بسرعة ، سيوجد خطر كسر تحالف العمّال و الفلاحين " والخطر بالتأكيد سيوجد. " ( 39)
و أوضح ماو أنّ الطريق الوحيد إلى الأمام كان تعبئة الفلاحين " ليشيدوا المزيد على أساس هذه التعاونيات الصغيرة شبه الإشتراكية وتنظيم تعاونيات كبيرة إشتراكية تماما من المنتجين الفلاحين " لمزيد التوحيد على أساس هذه التعاونيات الصغيرة شبه الإشتراكية و تنظيم " تعاونيات " منتجين فلاحيين واسعة و إشتراكية تماما " . و قال " إنّ قاعدة ذلك متوفّرة و بالفعل الخطّ الخاطئ لبعض السلط الحزبية هو الذى كان يشدّ الأمور إلى الخلف . و صرّح أنّه " يجب علينا الآن أن ندرك أنّه ستوجد قريبا موجة عالية على نطاق البلاد بأسرها من التحويل الإشتراكي فى الريف " (40).
و كان ماو على صواب . و إنتصر خطّه على الخطّ التحريفي ؛ و فى نهوض هائل ، إنتصرت حركة التحويل التعاوني الإشتراكية على الملكية الخاصة فى الريف .
و كان من خلال هذا النوع من الصراع فى المجتمع ككل و بطريقة مركّزة ضمن الحزب الشيوعي ذاته أن تركّزت الملكية الإشتراكية فى الأساس فى المدن و الريف ، فى الصناعة و الفلاحة – و كذلك بالطريقة نفسها فى الصناعات التقليدية و التجارة – سنة 1956 . لكن هذا لم يعن نهاية الصراع الطبقي فى المجتمع أو فى الحزب الشيوعي ؛ ببساطة تقدّم بالثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي و الصراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي إلى مرحلة جديدة .
التعلّم من الجانب السلبي للتجربة السوفياتية :
حينذاك كانت جمهورية الصين الشعبية تطبّق مخطّطها الخماسي الأوّل الذى تم الشروع فيه فى 1953 . و كان هذا المخطّط يتّبع بصورة واسعة الإتحاد السوفياتي و يتضمّن مساعدة كبرى منه . و قد عوّل أكثر من اللازم على تطوير الصناعة الثقيلة على حساب الفلاحة والصناعة الخفيفة ، و على التخطيط العالي المركزة على حساب المبادرة المحلّية . لقد نادا بأشياء مثل إدارة الفرد الواحد و التعويل على الأخصّائيين وإجراءات أخرى مثل القوانين والضوابط التى كانت تقمع أكثر منها تطلق العنان لنشاط العمّال – الذين كان من المفترض أن يتذكّروا و بصرامة يتحملوا دائما مثل هذه القوانين و الضوابط .
كان هذا ما ترغب فيه القوى المحافظة و قد غلّفه بصفة متصاعدة عدّة بيروقراطيين خاصة بالنسبة لأولئك التحريفيين فى الحزب الشيوعي الصيني الذين رفضوا إستخلاص دروس صحيحة منها و أكّدوا عوض ذلك على تكرار التجارب السلبية للإتحاد السوفياتي . و لكنّه لم يكن بصورة متصاعدة يعجب ماو الذى أكّد على تلخيص هذه الأخطاء مع التعلّم من التجربة الإيجابية لأوّل دولة إشتراكية .
وفى تعارض مع النموذج السوفياتي، قد شرع ماو بعدُ فى رسم طريق مغاير للتطوّر الإشتراكي للصين، تطوّر مناسب لظروفها الخاصة و أكثر من ذلك تطوّر سيتجنّب أخطاء ونواقص الإتحاد السوفياتي حتى فى ظلّ قيادة ستالين . وتجدر أنّه فى رسم هذا المسار لم يكن ماو أبدا يلتحق أو يتبع خطى أولئك أشباه التحريفيين اليوغسلافيين الذين سلكوا ما يسمى بالطريق " المستقلّ " فى الإقتصاد والسياسة – أي الذين سلكوا الطريق الرأسمالي تحت يافطة معارضة ستالين و الإتحاد السوفياتي فى ظلّ قيادته . ما عارضه هؤلاء المرتدّون لدى ستالين لم يكن أخطاءه – مثلا نزعته نحو تبنّى مظاهر من " نظرية قوى الإنتاج " واضعا الأخصّائيين فى موقع القيادة إلخ . ما عارضوه لدي ستالين و الإتحاد السوفياتي فى ظلّ قيادته كان بالضبط ما كان صائبا و عموما الشيء الجوهري لديه – رفعه جوهريّا لراية الماركسية – اللينينية وبناء إشتراكية حقيقية على هذا الأساس .
كانت مقاربة ماو كما رأينا هي تلخيص نواقص الإتحاد السوفياتي فى ظلّ ستالين و الأخطاء فى خطّ ستالين – من وجهة نظر الماركسية - اللينينية ، و ليس التحريفية - وكذلك التعلّم من المكاسب والتقدّم الحقيقيين اللذين مثّلا المظهر الجوهري . و تجسّدت خطوات هامة فى تطبيق هذه المقاربة ، و على هذا الأساس رسم طريقا لتطوّر الإقتصاد الإشتراكي الصيني ، فى خطاب لماو أمام إجتماع موسّع للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى أفريل 1956 : " العشر علاقات الكبرى " .
فى خطابه نقد ماو التشديد الوحيد الجانب على الصناعة الثقيلة الذى كان لا يزال يميّز التخطيط و الإستثمار فى الصين . و أكّد على أنّه فى حين أنّ تطوّر الصناعة الثقيلة يجب عموما أن يحظى بالأولوية ، " فإنّ حصّة الفلاحة و الصناعة الخفيفة يجب أن ترتفع نوعا ما " . (41)
و أشار إلى أنّ الصناعة الخفيفة و الفلاحة توفّران تراكما أسرع من الصناعة الثقيلة ، و بالتالي فإن نموّا فى الإستثمار فى هذه المجالات ، على قاعدة أولوية عامة وعلى مدى طويل للصناعة الثقيلة ، فعلا " سيؤدّى إلى تطوّر أكبر وأسرع للصناعة الثقيلة و بما أنه يضمن معيشة الشعب ، سيرسي قاعدة أصلب لتطوّر الصناعة " .(42)
هنا كان ماو يطبّق على طريقته المادية الجدلية بشكل صريح ودقيق ، إن حظيت الصناعة الثقيلة بالكثير من الأولوية على حساب الفلاحة و الصناعة الخفيفة فبالتالي سيقع تقويض كلّ من المواد الأولية وسوق الصناعة ، و كلفة قوّة العمل فى الصناعة – لا سيما كلفة الغذاء – سترتفع و إطلاق قوّة العمل للصناعة سيعرقله تخلّف الفلاحة . هذا من جهة و من جهة أخرى ، بالطبع ، إذا لم تعطى فى التحليل النهائي الأولوية لتطوير الصناعة الثقيلة و لإنتاج وسائل الإنتاج ، عندئذ سيلحق الأذى بكلّ من الفلاحة و الصناعة الخفيفة و ستركدان و هذا بدوره سيُعرقل تطوّر الصناعة الثقيلة وسينهار الإقتصاد برمّته .
وقد عبّر ماو عن العلاقة الجدلية على النحو الآتي ذكره :
" هنا يطرح سؤال : هل أنّ رغربتنا فى تطوير صناعة ثقيلة رغبة حقيقية أو مموّهة ، قويّة أم ضعيفة ؟ إن كانت رغبتنا مموّهة أو ضعيفة ، عندئذ سنضرب الفلاحة و الصناعة الخفيفة و نقلّل الإستثمار فيها . و إن كانت رغبتنا حقيقية و قويّة ، عندئذ سنولي أهمّية للفلاحة و الصناعة الخفيفة حتى توجد المزيد من الحبوب و المواد الأولية للصناعة الخفيفة و مراكمة أكبر للرأسمال . و ستوجد المزيد من التمويلات فى المستقبل للصناعة الثقيلة ". (43)
كان هذا أساس السياسة التى وقع التعبير عنها فى صيغة أنّ الفلاحة هي قاعدة الإقتصاد الصيني و أنّ الصناعة هي العامل القيادي .
و سيطبّق ماو نفس المقاربة الجدلية فى ما بعد فى تحديد الأولويات بين الصناعة والفلاحة . و طوّر سياسة إتخاذ الفولاذ رابطا مفتاحا فى الصناعة والحبوب رابطا مفتاحا فى الفلاحة ، فى حين يتمّ على هذه القاعدة ضمان تطوّر شامل لكلّ من الصناعة والفلاحة . و كان هذا أيضا مثال عن وضع السياسة فى مصاف القيادة ،عن الإبتعاد عن العفوية والبحث عن الربح فى كلّ من الفولاذ و الحبوب و من ثمّة سيشكو فى النهاية الإقتصاد برمّته جراء البحث عن " المكافآت " الأكثر مباشرة .
و فى " العشر علاقات الكبرى " ذاته نقد ماو بوجه خاص السياسة السوفياتية التى إقتطعت أكثر من اللازم من إنتاج الفلاحين و لم تبق لهم سوى موارد قليلة لمزيد المراكمة عبر جهودهم الخاصّة . قال ماو إنّ " هذه الطريقة فى مراكمة رأس المال قد بعثت الفتور جدّيا فى حماس الفلاحين للإنتاج . تريدون أن تعطيكم الدجاجة مزيدا من البيض و مع ذلك لا تطعمونها . تريدون من الحصان أن يعدو أسرع و مع ذلك لا ترعونه . ما هذا النوع من المنطق ! " (44)
و رغم أنّه وجدت أخطاء فى الصين فى توّجه تطوير الصناعة الكبرى على حساب الفلاحة ( و الصناعة الخفيفة ) ، قال ماو إنّ المقاربة الصينية العامة للفلاحة كانت أصحّ من مقاربة الإتحادالسوفياتي : " سياستنا تجاه الفلاحين تختلف عن سياسات الإتحاد السوفياتي وتأخذ بعين الإعتبار مصالح كلّ من الدولة و الفلاحين " (45) و أشار إلى أنّ الأداء الفلاحي فى الصين كان نسبيّا منخفظا و أنّ بشأن التبادل بين الفلاحة و الصناعة ( عبر الدولة ) يجب إعارة الإنتباه الواعي لخفض ثمن الآلات المباعة للفلاحين ورفع ثمن منتوجاتهم لأجل الشروع فى قلب هيمنة المدينة على الريف و الصناعة على الفلاحة كإرث من المجتمع القديم . بيد أنّه وهو يقاتل بشدّة النزعات داخل الحزب و الدولة التى مضت ضد هذه السياسة الصحيحة ، حذّر ماو من أنّه " نظرا للأخطاء الخطيرة المقترفة فى الإتحاد السوفياتي بهذا الصدد ، ينبغى أن نولي عناية أكبر للعلاقة بين الدولة و الفلاحين كذلك ونعالجها " (46) .
و بطريقة مماثلة ، نقد ماو سياسة وضع ضغط مبالغ فيه على البناء العسكري و بالتالي تقويض أساس البناء الإقتصادي . و مجدّدا مطبّقا المادية الجدلية فى هذه المسألة ، لاحظ أنّه كان من الضروري إقتطاع قسط من المصاريف من البناء العسكري و التشديد أكثر على البناء الإقتصادي الأساسي وإلاّ لن يشكو الإقتصاد ككل فحسب نتيجة ذلك بل إنّ البناء العسكري كذلك سيعاني فعلا على المدى البعيد أيضا .
و فى ذات الخطاب ، نقد ماو المبالغة فى التشديد على التحكّم المركزي فى الإقتصاد على حساب المبادرة المحلّية . إنّ ما كان يتطوّر فى الصين حينها هو نزعة لدى الوزارات المركزية نحو ممارسة تحكّم صارم فى المستوى المحلّى . و لم يفعل ذلك سوى كبح المبادرة المحلّية وفعلا تقويض القيادة الموحّدة للإقتصاد ككلّ .
وفى تعارض مع هذا ، حاجج ماو :
" أرضنا شاسعة للغاية ، و سكّانها عددهم كبير جدّا و الظروف جدّ مختلفة بحيث أنّه من الأفضل أن تأتي المبادرة من كلّ من المركز و من السلط المحلّية أكثرمن مصدر واحد فحسب . لا يجب أن نتّبع مثال الإتحاد السوفياتي فى تركيز كلّ شيء بأيدي السلط المركزية ، مقيّدين السلط المحلّية و منكرين عليها حقّ العمل المستقلّ . " ( 47)
و بالطبع ، أنجز كلّ هذا على قاعدة – و فى وحدة جدلية مع و ليس فى تعادي مع – " قيادة مركزية قويّة و موحّدة و تخطيط و إنضباط موحّدين عبر البلاد بأسرها ..." ( 48 ). و بالفعل إن جرت معالجتها معالجة صحيحة كان هذا النوع من المبادرة المحلّية التى ينادي بها ماو ستقوّى و ليس تضعف ما يجب أن يكون عامة الشيء الأساسي – القيادة المركزية والتخطيط الموحّد و الحزب كقوّة قيادية .
بدأ " العشر علاقات الكبرى " فى رسم مسار مختلف بوضوح عن مسار الإتحاد السوفياتي – و عن الكثير من السياسة الإقتصادية فى السنوات القليلة الأولى لجمهورية الصين الشعبية التى كانت متأثّرة كبير التأثّر بالطرق السوفياتية . لكن فيما تطرّق هذا الخطاب لمشاكل جديدة برزت فى البناء الإشتراكي والعلاقات الإقتصادية الظاهرة فى التغيير الأساسي للملكية ، لم يعالج بصورة خاصة المسألة الجوهرية للعلاقات الطبقية إثر الإنتقال إلى الملكية الإشتراكية . و هو مشكل سيتولى ماو الكتابة عنه فى السنوات التالية .
فى الأثناء ، فى المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني فى 1956 ، شجّع ليو تشاوتشى و تحريفيون آخرون ضمن القيادات العليا للحزب وعمليّا توصّلوا إلى فرض تبنّى نظرية أنّ التناقض الرئيسي فى الصين صار " بين النظام الإشتراكي المتقدّم و قوى الإنتاج الإجتماعية المتخلّفة " . و كان هذا تطبيقا لخطّهم التحريفي على الوضع الجديد حيث كانت الملكية الإشتراكية قد تركّزت فى الأساس ولم يكن بعدُ ممكنا معارضة الثورة الإشتراكية على قاعدة الترويج لنظرية " القاعدة الإقتصادية المزدوجة ". و مثلت النظرية الجديدة للتناقض الرئيسي " فقط تعبيرا آخر عن " نظرية قوى الإنتاج " الرجعية فى الظروف الجديدة " ( 49 ).
ما تقوله هذه النظرية هو أنّ الصراع الطبقي إنتهي و العلاقات الإشتراكية قد تركّزت و عليه المسألة الآن هي التركيز على رفع مستوى التقنية والتطوّر الإقتصادي للبلاد . كان دور الجماهير ببساطة العمل بكدّ . و قد إمتزج بتناغم مع خطّ السياسة الإقتصادية التى طالما دافع عنه التحريفيون – مشجعين التعويل على طرق الإدارة البيروقراطية و الأخصّائيين فى مصاف القيادة والتعاطي مع العمال كمجرّد قوّة عمل .
و قد ردّ ماو و ثوريون آخرون فى الحزب الشيوعي الصيني و الجماهير الصينية على هذا الخطّ المعادي للثورة فى كلّ من النظرية و الممارسة . وفى أوائل 1957 ، ألقى ماو خطابين جدّ هامين فيهما لأوّل مرّة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية أوضح بصراحة أنّه حتى إثر بلوغ الملكية الإشتراكية فى الأساس ، يتواصل تواجد البرجوازية فى المجتمع الإشتراكي و :
" إنّ الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية نو الصراع الطبقي بين مختلف القوى السياسية ، و الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية فى الحقل الإيديولوجي ، كلّ هذا الصراع سوف يستمرّ لفترة طويلة و يجرى فى شكل متعرّج ويصبح فى بعض الأحيان صراعا عنيفا جدّا . إنّ البروليتاريا تسعى لتحويل العالم وفقا لنظرتها إلى العالم و هكذا تسعى البرجوازية أيضا . فمسألة أي من الإشتراكية والرأسمالية ستنتصر على الأخرى فى هذا الميدان ، لم تجد حلّها الحقيقي بعدُ . " ( 50)
و من جديد ما كان يأكّد عليه ماو هو أنّه :
" قد تمّ تأسيس النظام الإشتراكي بصورة أساسية فى بلادنا . و قد كسبنا النصر الأساسي فى تحويل ملكية وسائل الإنتاج و لكننا لم نحرز بعد نصرا كاملا فى الجبهتين السياسية والإيديولوجية . و من سينتصر فى النضال بين البروليتاريا و البرجوازية فى الميدان الإيديولوجي لم تحل بعدُ فى الحقيقة ." (51)
هنا أكّد ماو بشدّة على دور البنية الفوقية و الصراع فى هذا الحقل وعلى السياسة والإيديولوجيا بخاصة . و فى نفس الوقت ، لم يشر إلى تواصل وجود التناقض بين القاعدة الإقتصادية و البنية الفوقية فقط بل أيضا بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج . لكنه لم يقم بذات التشديد على مواصلة الثورة على الجبهة الإقتصادية – لمزيد تحويل علاقات الإنتاج – مثلما سيفعل فى السنوات القليلة التالية ، فى كلّ من النظرية و الممارسة .
كان ماو بوضوح يطوّر تفكيره حول التناقض و الصراع فى المرحلة الإشتراكية فى تعارض مع التحريفيين فى الحزب الصيني و أمثالهم فى الإتحاد السوفياتي الذين قد إستولوا بعدُ على أعلى السلط هناك . و شهدت السنة التالية ، 1958 ، دخول هذين الخطين المتعارضين الجوهريين و الطريقين المتعارضين فى نزاع أحدّ حتى .
الكمونات الشعبية والقفزة الكبرى إلى الأمام :
كانت تلك سنة ظهور حركة تركيزالكمونات الشعبية عبر الريف الصيني . و قد قدّم ماو ، على خلاف التحريفيين فى الحزب الدعم الشامل لهذا الحدث المزعزع للأرض و الذى كان جزءا حيويّا منه إنتصار القفزة الكبرى إلى الأمام . لم يكن نطاق ملكية الأرض قد إرتفع وحسب إلى مستوى أرقي بل فى الكمونات الشعبية شاركت جماهير الفلاحين على نطاق ضيق فى الإنتاج الصناعي ، بما فى ذلك إنتاج الحاجيات الأساسية من الفولاذ و كذلك أُقيمت عديد مشاريع البناء المتنوّعة .
و مثّل هذا هدفا غير مسبوق فى ريف الصين – و بالمناسبة ريف أي بلد آخر . و كان ذو أهمّية كبرى ليس فى تضييق نطاق الإختلافات بين المدن و الأرياف و العمال و الفلاحين فحسب بل أيضا فى علاقة بمسألة خوض حرب الشعب فى مقاومة العدوان وفق الخطّ الثوري لماو الذى تطلّب أعلى درجة ممكنة من التعويل المحلّي على الذات ، خاصّة فى وجه إجتياح قوى العدوّ التى يمكن فى البداية أن تحتلّ أجزاء مهمّة من التراب الصيني و تعزل جهات مختلفة عن بعضها البعض .
فى هذه الفترة بالذات ، صاغ ماو الخطّ العام للبناء الإشتراكي – الذى إلى جانب القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات الشعبية أمسى معروفا ب " الرايات الحمراء الثلاث ". و هذا الخطّ العام هو" إستعمال كافة الإمكانيات و رفع الأهداف و بلوغ نتائج أعظم و أسرع و أجود و أكثر توفيرا فى ميادين العمل كافة فى بناء الإشتراكية ".
لم يكن هذا مجرّد تحريض على أنّه يجب على كلّ إمرء أن يحاول جاهدا الحصول على أفضل النتائج . لقد قدّم تعبيرا و دعما ملموسين لنهوض الجماهير ذاتها مثلما جسّدت ذلك القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات الشعبية و رفع عاليا رايتها فى تعارض مع خطّ أنّ الوسيلة الوحيدة لتطوير الإقتصاد كانت عبر الكبير و الأجنبي و المتقدّم و الممركز، و أنّه بالنسبة للصين و الشعب الصينين ليس بوسعهم إلاّ " الزحف فى الخلف بسرعة الحلزون ".
و زيادة على ذلك ، كان هذا الخطّ العام تعبيرا عن وضع السياسة و الإيديولوجيا فى مصاف القيادة و مثلما أشار ماو القسمين الأولين من الخطّ العام – إستعمال كافة الإمكانيات و رفع الأهداف – يحيلان على المسائل الإيديولوجية ، على العوامل الذاتية ، على المبادرة الواعية . و الجزء الأخير – تحقيق نتائج أكثر إقتصادية و أكبر و أسرع و أفضل فى بناء الإشتراكية - يحيل على نتائج المبادرة الواعية للجماهير . و كان هذا من جديد تطبيقا لامعا للمادية الجدلية فى تعارض مع المادية الميكانيكية .
لذا كذلك ، مثلما قال ماو ، الجزء الثاني من الخطّ العام يجب أيضا النظر إليه جدليّا . و يعنى " أكبر" و " أسرع " الذى يحيل على الكمّية و السرعة – يجب النظر إليه كوحدة أضداد مع " أجود " و " أكثر توفيرا " – اللذان يحيلان على النوع و الثمن . إذا وقع التشديد على النوعية والثمن المنخفض بصورة إحادية الجانب ، و تناسي الكمّية و السرعة ، عندئذ ستتمّ التضحية بحاجيات الإقتصاد عامة و بإمكانية تطوّره السريع . هذا من جهة و من جهة أخرى ، إذا جرى التشديد الإحادي الجانب على حساب النوعية عندئذ سيتمّ تقويض الكمّية ذاتها ( المنتوجات ذات النوعية الهشّة لا تدوم طويلا و بالتالي تمثّل فعلا كمّية أقلّ على المدى البعيد ). و إضافة إلى ذلك ، إذا ما جرى التركيز على الكمّية و السرعة دون إعتبار الكلفة حينئذ كذلك سيتمّ تقويض أساس توسيع الإنتاج و مزيد المنتوجات على المدى البعيد و من جديد ، مفتاح معالجة هذه التناقضات هو النهوض و التعويل على النشاط الواعي للجماهير عينها لتمزج مزجا صحيحا الكمية و السرعة و النوعية و الكلفة و على هذا النحو تدفع كافة الإقتصاد إلى الأمام .
و جعل كلّ هذا التحريفيين فى الحزب يعارضونه معارضة مسعورة إذ أنّه ذهب فى مواجهة كلّ فكرة مسبّقة و تقليد برجوازي فهاجموا ماو بإعتباره مثاليّا – وهو هجوم عادة ما شنّه التحريفيون ضد ماو – متّهمينه بأنّه " يبالغ فى الدورالديناميكي الواعي للإنسان " . (52)
و بلغت الأمور ذروتها فى إجتماع اللجنة المركزية سنة 1959 إذ إستغلّ التحريفيون و على رأسهم آنذاك بنغ تاه هواي ، وزير الدفاع فى ذلك الوقت ، صعوبات القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات الشعبية - مثل مشاكل النقل ونقص فى بعض المؤن و بعض المبالغات " اليسارية " التى صاحبت هذه التمرّدات الثورية – ليشنّ هجوما شاملا عليها و على كافة الطريق الثوري الذى تمثّله .
وكان بنغ تاه هواي ناطقا قياديّا بإسم طلب تغيير الجيش الصيني إلى جيش " معاصر " مثل جيش الإتحاد السوفياتي ( و البلدان الرأسمالية الغربية ) ، الذى ذهب اليد فى اليد مع مطلب أن يعود مورد التطوّر الإقتصادي للصين إلى سياسة التشديد الإحادي الجانب على الصناعة الثقيلة و البناء الإقتصادي الشامل .
لقد كان ماو على رأس الثوريين فى قيادة الحزب فى الردّ على هذا الهجوم اليميني فى هذا الإجتماع الشهير للجنة المركزية فى لوشان سنة 1959 . و صرّح بأنّ النهوض الجماهيري للقفزة الكبرى إلى الأمام كان جيّدا و ليس رهيبا ، رغم الإختلالات و الإنقطاعات ، حتى و إن كانت العائدات الإقتصادية ليست عالية بشكل متناسق على المدى القصير.
قال : " وجدت فوضى على نطاق واسع و أنا أتحمّل المسؤولية " منازلا اليمينيين . و ذكّرهم بما كانت عليه نظرة ماركس لكمونة باريس . فماركس لم يتخذ موقف أنّ النتائج الضيقة و المباشرة تحدّد كلّ شيء بل نظر إليها من زاوية المصالح العامة و البعيدة المدى للبروليتاريا . لقد أدرك ماركس أنّ كمونة باريس " كانت أوّل دكتاتورية بروليتاريا وإعتقد أنّه سيكون من الجيّد حتى إن دامت ثلاثة أشهر فحسب. إذا قيمناها من وجهة نظر إقتصادية ، لم تكن تستحقّ العناء " .(53)
و أضاف ماو أنّ الجوهري بشأن القفزة الكبرى إلى الأمام هو كون الجماهير قد مسكت الأمور بأيديها هي و طفقت تنجز إختراقات – و هكذا كان من الخطإ تقييمها من زاوية النتائج الإقتصادية المباشرة – و من الصحيح أيضا أنّه على خلاف كمونة باريس ، القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات الشعبية ، رغم بعض الصعوبات ، لم تكن لتفشل . إزاء هذا كان التحريفيون مجبرون على التراجع .
وفى نفس الوقت ، متصرّفا بتنسيق مع هؤلاء التحريفيين صلب الحزب الشيوعي الصيني ذاته ، سحب الإتحاد السوفياتي فجأة التقنيين و الأخصّائيين مبقيا عددا من مشاريع البناء الحيوية غير تامة الإنجاز و مخرّبا بشدّة تطوّر الإقتصاد الصيني . و بعد ذلك ، فى السنوات العديدة التالية تعرّضت الصين إلى سلسلة من الكوارث الطبيعية .
إستغلّ التحريفيون فى قيادة الحزب الشيوعي الصيني كلّ هذا و شنّوا هجوما جديدا و بالفعل إستطاعوا كسب المبادرة فى مجالات كثر بما فيها فى جوانب مهمّة من السياسة الإقتصادية . و فى هذه الفترة نشر ليوتشاوتشي و آخرون " 70 مقالا " لتعديل الصناعة كانت صدى للخطوط التحريفية السابقة حول الإقتصاد و ستلقى صدى مرّة أخرى لاحقا فى الصراع حول السياسة الإقتصادية و علاقتها بالصراع الطبقي .
و نادت هذه " 70 مقالا " بإعادة التأكيد على التحكّم الحصري للوزارات المركزية و بإلغاء الكثير من مشاريع البناء و تركيز " أولوية السوق " فى الإنتاج ، و نادت حتى بإغلاق المصانع التى لا يكون ربحها واضحا . و أعادت إحياء القوانين و الضوابط الصارمة التى تمّ إصلاحها ، و نادت بمأسسة العمل بالقطعة حيث أمكن ذلك – و الكثير من هذا قد وقع نقده و القضاء عليه – و التقليص من الوقت الذى يمضيه العمّال فى الدراسة السياسية و طالبوا بوضع نهاية للصراع السياسي فى المصانع . وفى نفس الوقت ، تضمّنت هذه التعديلات بعض الشروط التى يفترض أن تعالج " رفاه " الجماهير ، بكلمات أخرى شجّعت الإقتصادوية و صلاح المعيشة. وقال التحريفيون إنّ كلّ هذا ضروري لإنهاء الفوضي . و أخفق هؤلاء المرتدّون فى تسجيل التقدّم فى الإقتصاد الذى أرساه تمرّد الجماهير و كسر سلاسل التقاليد أثناء القفزة الكبرى إلى الأمام – " الفوضى " عينها التى كانوا يدينون .
و فى مجال البنية الفوقية ، شنّ التحريفيون ايضا عددا من الهجمات . و من خلال أعمال الأدب و الفن دعوا لإعادة بنغ تاه هواي إلى وظيفته – وهو قد أُقيل عقب هزيمته فى 1959 – و بالطبع بعودة الخطّ المعادي للثورة الذى جرى القتال من أجله فى تعارض مع الخطّ الثوري لماو .
إحتدام صراع الخطّين :
و قام ماو بهجوم مضاد . و فى 1962 ، فى إجتماع الأجهزة القيادية للحزب ، أصدر نداء " لا تنسوا أبدا الصراع الطبقي " و صاغ ما صار الخطّ الأساسي للحزب الشيوعي الصيني طوال مرحلة الإشتراكية :
" يمتدّ المجتمع الإشتراكي على فترة تاريخية طويلة ، تستمر خلالها الطبقات و التناقضات الطبقية و الصراع الطبقي ، و أيضا الصراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي في الوجود . و يستمر أيضا وجود خطر إعادة تركيز الراسمالية . يجب أن نفهم أن هذا الصراع سيكون طويلا و معقّدا ، و أن نضاعف حرصنا و أن نواصل التربية الإشتراكية . يجب أن نستوعب المسائل المتعلقة بالتناقضات الطبقية و بالصراع الطبقي و أن نحلها حلا صحيحا و أن نميز، من جهة ، التناقضات بين العدو و بيننا، و من جهة أخرى ، التناقضات فى صفوف الشعب ، ثم نعالجها معالجة صحيحة . و إذا لم يكن الأمر كذلك ، فإن بلدا اشتراكيا كبلدنا سيتحول إلى ضده : ستتغير طبيعته ، و سيرى إعادة تركيز الرأسمالية . من الآن ، علينا أن نتحدث عن هذه المسألة ، يوما بعد يوم ، شهرا بعد شهر، سنة بعد سنة ، (54) ". ليتكون لدينا فهم كاف و واضح ، و لكي نتبع خطا ماركسيا لينينيا
و مثّل هذا صفعة مباشرة للتحريفيين الذين كانوا يدافعون عن " إنهاء الصراع الطبقي " و حاججوا بأنّه بإعتبار وجود الملكية الإشتراكية لم يكن يوجد خطر إعادة تركيز الرأسمالية بل فقط ضرورة دفع الإنتاج بغضّ النظر عن الطرق المستعملة لتحقيق ذلك . و دافع ماو عن حركة التربية الإشتراكية فى تعارض مع ذلك ، من أجل التقدّم بالصراع الطبقي و قتال المحاولات التحريفية لإعادة تركيز الرأسمالية .
و خلال المرحلة العامة ذاتها – بداية ستينات القرن العشرين – أعار ماو إنتباها جدّيا لمسائل الإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية . و كان هذا جزءا حاسما من كلّ من الدفاع عن خطّه الثوري و تطويره فى علاقة بهجمات التحريفيين .
و الكثير من هذا عبّر عنه ماو فى " ملاحظات نقدية حول " كتاب الإقتصاد السياسي" السوفياتي " . و ما كان ماو ينقد فقط الإنحرافات التحريفية فى الإتحاد السوفياتي بل كان أيضا يلخّص أهمّية السياسات و المناهج التى تطوّرت فى الصين فى تعارض مع التحريفية .
و قد شمل هذا الخطّ بصدد العلاقة بين الفلاحة و الصناعة و مسائل أخرى عرج عليها فى " العشر علاقات الكبرى " و الخطّ العام لبناء الإشتراكية و أهمّية التعويل على الذات و إعادة الإنبعاث عبر القوى الذاتية و جملة كاملة من السياسات الموصوفة فى صيغة " المشي على قدمين " . و قد عنت هذه الأخيرة بالتوازي تطوير المؤسسات الصغرى و الوسطى و كذلك المؤسسات الكبرى ؛ بإستعمال الآلات و التقنية المحلّية و كذلك الأجنبية و تلك المتخلّفة و كذلك المتقدّمة ، وبإبراز دور الجماهير و كذلك الأخصّائيين فى التجديد التقني و وحدات مشابهة أخرى .
و علاوة على ذلك ، قارن ماو فى هذه " الملاحظات النقدية " بين المقاربة الصحيحة و المقاربة البرجوازية – البيروقراطية للتخطيط . و أشار إلى أنّ " المخطّط إيديولوجيا . و الإيديولوجيا إنعكاس للواقع و هي تؤثّر فى الواقع... و هذا يبيّن بوضوح أنّ الأشياء مثل المخطّطات التى هي جزء من الإيديولوجيا ، لها تأثير كبير على التقدّم أو غياب تقدّم الإقتصاد و كذلك على نسق تطوّر الإقتصاد ." (55)
التخطيط ليس مجرّد مسألة تقنية و لا يعنى أيضا ببساطة التناقض بين الجهل و المعرفة . إنّه يعنى كذلك الصراع الطبقي فى مجال الإيديولوجيا ، بين نظرة البروليتاريا للعالم و منهجها و نظرة البرجوازية للعالم و منهجها - التعويل على حفنة من " الأخصّائيين " و على المناهج البيروقراطية أو على الجماهير و التلخيص العلمي لتجاربها و أفكارها إلخ . وخطّ التمايز الجوهري هذا بين النظرة البروليتارية و النظرة البرجوازية يجد التعبيرعنه فى التخطيط كما فى مجالات أخرى . و مثلما وضع ذلك ماو بحدّة، النظر إلى " نضال الجماهير على أنّه " أحد العوامل الهامة " يذهب ضد مبدأ أنّ الجماهير هي صانعة التاريخ. أيّا كانت الظروف لا يمكن النظر إلى التاريخ كشيء يصنعه المخطّطون أكثر ممّا تصنعه الجماهير". (56)
و أكّد ماو على أنّ التخطيط يجب أن يأخذ بعين الإعتبار أنّ التطوّر فى كلّ شيء ، بما فى ذلك الإقتصاد ليس يحصل وفق خطّ مستقيم بل يتبع شكلا لولبيّا أو شكل موجات . و قال :
" دون عدم توازن لا يوجد توازن . إنّ تطوّر الشيء يجرى دوما بعدم توازن... إن كنّا عادة فى حاجة إلى إعادة مراجعة المخطّطات فلأنّ ظروفا جديدة من عدم التوازن تطرأ ". ( 57)
و هنا يدحض ماو بوضوح و يصفع صفعة مباشرة المقاربة التحريفية للتخطيط التى تتنكّر جوهريّا للحركة الجدلية للأشياء و تحاول أن تفرض النظام و التوازن من فوق ، عبر الوسائل و المناشير البيروقراطية المنفصلة عن الجماهير و المتعارضة معها و المبادرة الجماهيرية كقوانين فعلية لتطوّر الإقتصاد . و مثّلت كافة مقاربة ماو للتخطيط مظهرا آخر فيه شدّد على الأهمّية الهائلة للبنية الفوقية و الصراع الطبقي فى هذا المجال ، فى تعارض مع التحريفيين الذين يعتبرون كلّ هذا " مثالية " .
و إلى ذلك ، لم يلاحط ماو مثل ستالين أن قانون القيمة يواصل فعله و حسب بل لاحظ أنّه يترتّب أخذه بعين الإعتبار فى التخطيط دون السماح له بلعب دور تعديلي . و ألمح أيضا فى خلاف مع ستالين ، إلى أنّ وسائل الإنتاج – و ليس ببساطة وسائل الإستهلاك – تواصل التمتّع ببعض ميزات السلع .
كانت علاقات التبادل السلعي تنحو نحو الإنعكاس فى تبادل السلع حتى ضمن قطاع الدولة عينه . و بما أنّ مؤسسات الدولة لا تزال تتطلّب الحفاظ على إستقلال نسبي فى الحسابات ، فإنّ تبادلها يظلّ بعدُ متأثّرا بدرجة هامة بعمل قانون القيمة ، القانون الأساسي للإنتاج السلعي و التبادل . كلّ هذا لم يكن من الممكن تفاديه و سيوجد بدرجات متباينة لبعض الوقت . لكن كذلك يمكن أن تستعمله البرجوازية ، لا سيما أتباع الطريق الرأسمالي فى مواقع السلطة ، ليوسّعوا بصورة مبالغ فيها مدى قانون القيمة فى العلاقات داخل و بين شتّى الوحدات الإقتصادية ، كجزء حيوي من محاولاتهم التغيير الفعلي للعلاقات الإشتراكية إلى علاقات رأسمالية و إعادة تركيز الرأسمالية فى البلاد ككلّ .
و فى هذه " الملاحظات النقدية " ، عبّر ماو عن مزيد تطوير فكره بشأن تثوير علاقات الإنتاج عقب بلوغ الملكية الإشتراكية فى الأساس . و أولى إنتباها خاصا للعلاقات صلب الناس فى الإنتاج .
فى قسم من أهمّ أقسام هذا المقال كتب التالي :
" عقب معالجة مسألة نظام الملكية ، المسألة الأهمّ هي الإدارة – كيف تتمّ إدارة المؤسسات المملوكة سواء من قبل كافة الشعب [ الدولة ] أو الجمعيات التعاونية . و هذه المسألة تشبه مسألة العلاقات فى صفوف الناس فى ظلّ نظام ملكية معطى ، وهو موضوع قد يستغرق العديد من المقالات . و للتغيّرات فى نظام الملكية فى فترة معيّنة من الزمن على الدوام حدودها ، لكن العلاقات بين الناس فى العمل المنتج من الممكن جدّا ، على العكس ، أن تكون فى تغيّر بلا هوادة . و بالنسبة لإدارة المؤسسات التى يملكها الشعب بأسره ، تبنينا جملة من المقاربات : مزج للقيادة المركّزة و الحركة الجماهيرية ؛ مزج قادة الحزب و الجماهير الكادحة و التقنيين ، ومشاركة الكوادر فى الإنتاج ؛ و مشاركة العمّال فى الإدارة ؛ و بإستمرار تغيير الضوابط و الممارسات المؤسساتية غير المعقولة " . (58 )
ولم تكن هذه الأنواع من الخطوات مجرّد " أفكار جيدة " بل كانت ذات أهمّية كبرى فى الصراع الطبقي، فى تحديد ما إذا كانت الصين ستواصل السير على الطريق الإشتراكي أم تنحطّ إلى الطريق الرأسمالي. لو لم يقع تطبيق هذه الإجراءات الثورية وفوق ذلك لو لم يكن الخطّ الثوري فى القيادة عامة ، حذّر ماو سنة 1963 :
" عندئذ لن يمرّ زمن طويل ، ربّما بضعة سنوات فقط ، أو عقد أو عدّة عقود كأقصى حدّ قبل الحصول الحتمي لإعادة تركيز مضادة للثورة على النطاق الوطني . و سيصبح الحزب الماركسي - اللينيني دون شكّ حزبا تحريفيّا ، حزبا فاشيّا ، و ستغيّر الصين برمّتها لونها . أيّها الرفاق ، الرجاء التفكير فى هذا. إلى أي مدى سيكون هذا الوضع خطيرا ! " (59)
بداهة مثّل كلّ هذا أيضا خطّا فى تعارض مباشر مع كامل الخطّ البرجوازي و كذلك مع جملة السياسات الإقتصادية التى مثّلها " ال70 مقالا " والتى روّج لها التحريفيون و عانقها عموما عدد كبير من الكوادر ذوى الذهنية البيروقراطية . الطبقتان و الخطّان و الطريقان كانا مجدّدا بوضوح فى مسار تصادمي . و الإنفجار الذى نبع من هذا هو الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى تطوّرت إلى صراع سياسي جماهيري ضد أتباع الطريق الرأسمالي فى 1966 .
فى السنوات الأولى من التمرّد الثوري الذى حثّ عليه ماو و كذلك وفّر له القيادة الخاصة ، سحقت الجماهير مراكزا قيادة ليوتشاوتشي فى الحزب ، و إستعادت السلطة فى عديد المجالات المختلفة من المجتمع حيث تمّ الإستيلاء عليها من قبل أتباع الطريق الرأسمالي ، و رفعت خطّ ماو الثوري و طبّقته فى تعارض مع الخطّ التحريفي و قلبت التراجعات عن المكاسب و الأحكام الصحيحة للقفزة الكبرى إلى الأمام . و أثناء السيرورة جرى تطبيق المزيد من التحويلات الثورية فى البنية الفوقية و فى القاعدة الإقتصادية .
و أنجزت الثورة فى التعليم والثقافة بالإطاحة بالسلطة البرجوازية فى هذين الميدانين . و تمّ التشجيع على دراسة النظرية الماركسية على نطاق واسع و على الصراع الإيديولوجي النشيط على كافة المستويات . و أنشأت اللجان الثورية و أجهزة السلطة و الإدارة الجديدة فى الوحدات القاعدية و أيضا على المستويات الأعلى ، بمزج الجماهير و الكوادر و التقنيّين و أيضا المسنّين و الكهول و الشباب . و تطوّرت حركات الجماهيرية فى العلم و التقنية موحّدة العمّال و الفلاحين مع الأخصّائيين فى هذه الحقول . و جدّت تغييرات مشابهة فى مجال الصحّة حيث جرى التشديد على المناطق الريفية أين يعيش غالبية السكّان و أين كانت الظروف بما فى ذلك الرعاية الصحّية أكثر تخلّفا .
فى الإدارة أنواع التقدّم الثوري فى العلاقات بين الناس فى الإنتاج التى نادا ماو بالإنتباه إليها من مثل مساهمة الكوادر فى العمل الجماعي و مشاركة العمال فى الإدارة و إصلاح القوانين و الضوابط غير المعقولة و المقيّدة – كلّها تعزّزت وتطوّرت أكثر . و كذلك جرى رفع وتعزيز راية مبدأ السياسة تقود المهني و المختصين المسلحين بخطّ صحيح يقودون المختصّين عامة . و قد وقع التعبير عن هذا فى شعار " أحمر و أخصّائي " – مع مظهر " أحمر " فى القيادة . و فى غالبية الحالات تمّ التخلّص من العمل بالقطعة و المنح و قُلّصت الفوارق فى الدخل إلى الدرجة الممكنة فى توافق مع تشجيع العلاقات الرفاقية ضمن مختلف الدرجات و أصناف العمال و بتشجيع التعاون الإشتراكي و النشيط فى الإنتاج و كذلك تطوّر التعاون الإشتراكي بين شتّى المؤسسات و الوحدات الإنتاجية إلى درجة أعلى .
و خلال الثورة الثقافية ، لخّص ماو تجربة الجماهير الصينية فى الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي معبّرا عن العلاقة الجدلية بين الإثنين فى شعار " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " . و يشرح هذا الشعار بصورة صحيحة العلاقة بين الثورة و الإنتاج ، بين السياسة و الإقتصاد ، بين الوعي و المادة ، بين البنية الفوقية و القاعدة الإقتصادية ، وبين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة .
فى جميع هذه العلاقات ، كان المظهر الأخير عموما المظهر الرئيسي وهو فى آن معا أساس و نقطة نهاية تحديد الآخر . هذا من جهة لكن من جهة أخرى ، فى كلّ الأحوال المظهر الأوّل هو الذى ينهض بالدور المبادر فى تغيير المظهر الآخر. و فوق ذلك ، فى كلّ الأحوال ينزع المظهر الرئيسي إلى التقدّم على المظهر الثانوي و النشاط الواعي هو اللازم لجعل المظهر الثانوي يتناسب مع المظهر الرئيسي . و هكذا يمكن رؤية أنّ للمظهر الثانوي برمّته تأثير هائل على المظهر الرئيسي عامة و أحيانا يمكن أن يتحوّل هو ذاته إلى رئيسي .
فقط بالتطوير المستمرّ للثورة فى البنية الفوقية و بإستعمال الدور المبادر – لا سيما سلطة الدولة وإيديولوجيا البروليتاريا – من الممكن للبروليتاريا أن تعزّز القاعدة الإقتصادية الإشتراكية و تطوّرها . و كذلك ، دون مواصلة تطوير علاقات الإنتاج ، حتى بعد تحقيق الملكية الإشتراكية فى الأساس ، من غير الممكن مواصلة تحرير و بالتالي تطوير قوى الإنتاج الإشتراكية . ومثلما أشار ماو إلى ذلك قبلا ، فى هذه الأوقات حيث تمثّل علاقات الإنتاج و البنية الفوقية بالأساس عراقيلا أمام مزيد تطوّر قوى الإنتاج و القاعدة الإقتصادية ، تصبح علاقات الإنتاج و البنية الفوقية هي الرئيسية . ( 60 )
و فى جميع الأوقات ، بقيادة السياسة للإقتصاد فقط تتمكّن البروليتاريا من أن تطوّر الإنتاج على الطريق الإشتراكي ؛ فقط بإستنهاض النشاط الواعي للجماهير الكادحة يمكن تغيير العالم المادي بإنسجام مع القوانين الموضوعية و المصالح الثورية للبروليتاريا . خلاصة القول ، يعبّر مبدأ " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " عن العلاقة الجدلية الصحيحة بين الإثنين و يحثّ على دور الثورة فى قيادة الإنتاج .
و بطبيعة الحال ، بينما إستوعبت جماهير الشعب الصيني هذا المبدأ و طبّقته لتغيير العالم ، كان التحريفيون و على الدوام يعارضونه و يهاجمونه وكان هذا بالتأكيد صحيحا حتى فى أوج الثورة الثقافية. و بالفعل ، فى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني سنة 1969 ، فى خضمّ الثورة الثقافية ، تعاون لين بياو الذى لبس قناع الرفيق المقرّب من ماو تسى تونغ و قائد جماهيري خلال الثورة الثقافية ، تعاون مع التحريفيين ليعارض خطّ ماو فى ما يتصل بالعلاقة بين الثورة والإنتاج و يعوّضه ب " نظرية قوى الإنتاج ".
و تمّ هذا فى شكل المحاججة بأنّه عوض الصراع الطبقي المهمّة الأساسية هي حينها تطوير الإنتاج . و قد نبذ ماو و قادة ثوريون آخرون هذا الخطّ و هزموه مشدّدين على أنّ خوض الصراع الطبقي ضد البرجوازية يظلّ العلاقة المفتاح فى كافة النضال .
وفى أوّل إجتماع عام للجنة المركزية للحزب الشيوعي إثر المؤتمر التاسع ، تحدّث ماو مجدّدا عن العلاقة بين الثورة و الإنتاج فقال :
" على ما يبدو لم يكن الأمر سينجح دون الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لأنّ قاعدتنا لم تكن صلبة . من ملاحظاتنا ، أخشى أنّه فى تقريبا غلبية واسعة من المصانع – لا أقصد الغالبية العظمى – لم تكن القيادة بأيدى ماركسيين حقيقيين و جماهير العمّال . ليس لأنّه لا يوجد أناس جيّدون فى قيادة المصانع . وجدوا . وجد أناس جيّدون ضمن الكتاب العامين و المفوضين و أعضاء لجان الحزب و ضمن الأمناء العامين لفروع الحزب . لكنّهم كانوا يتبعون خطّ ليوتشاوتشي ، معوّلين على الخوافز المادية ، واضعين الربح فى مصاف القيادة و عوض تشجيع السياسة البروليتارية ، يوزّعون المنح و هكذا . بالفعل هناك أناس سيّئون فى المصانع ... [ و كلّ هذا ] يبيّن أنّ الثورة لم تنته بعدُ ". (61)
هنا يقدّم ماو تحليلا أعمق لمسألة علاقات الإنتاج و الطبقات و الصراع الطبقي إثر إتمام التحويل الإشتراكي للملكية فى الأساس . لقد ركّز على أنّه فى ما يتّصل بمسألة الملكية ليس كافيا أن نحدّد ما إذا كانت أم لم تكن عامة فى مقابل خاصة فى الشكل لكن ما هو جوهر الملكية التى ليست فى آخر المطاف شيئا بل علاقة إجتماعية . إن كانت القوى البرجوازية و كان الخطّ البرجوازي فى القيادة حالئذ ستكون الملكية العامة مجرّد غطاء لعلاقات الإنتاج البرجوازية . هذا ما حدث فى الإتحاد السوفياتي ككلّ مع إفتكاك التحريفيين للسلطة العليا فى تلك البلاد . و هذا ما حدث إلى درجات متباينة فى مؤسسات معيّنة و وحدات إنتاج أخرى يتحكّم فيها أتباع الطريق الرأسمالي فى الصين – هذا يمكن أن يحدث و يحدث فعلا فى ظروف تمسك فيها البروليتاريا بالسلطة السياسية فى البلاد بأسرها . هذا ما كان ماو يشير إليه عند كلامه عن المصانع – حتى فى غالبيتها – التى لم تكن قبل إنطلاق الثورة الثقافية تحت قيادة خطّ صحيح و ليس تحت قيادة ماركسيين حقيقيين و جماهير العمّال .
كلّ هذا مرتبط جدليّا بواقع أنّه فى المجتمع ككلّ بينما الملكية الإشتراكية تمّ تركيزها فى الأساس ، فهي لم تتركّز تركيزا كاملا . بكلمات أخرى ، فى الفلاحة و حتى فى الصناعة ، لم تكن وسائل الإنتاج بعدُ قد تحوّلت إلى ملكية عامة لكلّ المجتمع و بالتالي ظلّ الإنتاج السلعي و قانون القيمة ساريي المفعول و إن على نطاق ضيّق . و إلى أن يتمّ القضاء على هذه و تلك من بقايا الرأسمالية فى كلّ من علاقات الإنتاج و البنية الفوقية ، لا يمكن إستبعاد إمكانية تحويل العلاقات و المؤسسات الإشتراكية – و المجتمع الإشتراكي كلّه – إلى علاقات و مؤسسا ت ومجتمعات رأسمالية . و قد مثّل هذا الفهم مساهمة حقيقيّة لماوتسى تونغ فى النظرية اللينينية بشأن مجمل هذه المسائل الهامة .
و بمعنى مباشر ، تحليل ماو لهذا فى 1969 لم يكن تلخيصا للوضع قبل بداية الثورة الثقافية و حسب ، بل كان ردّا صحيحا حينها على لين بياو و آخرين ممّن كانوا يحاولون إعلان أنّ الثورة إنتهت – أو يجب أن تنهي – و ما يجب القيام به هو وضع الإنتاج فى المصاف الأوّل . لكن هؤلاء التحريفيين رفضوا الإلتحاق بخطّ ماو الثوري و واصلوا نهج خطّهم الخاص المعادي للثورة . و نتيجة ذلك ، وقع فضح لين بياو و بعض الآخرين وعزلهم و إلحاق الهزيمة بهم . و بعد فترة قصيرة من المؤتمر التاسع ، مات لين بياو ذاته ميتة خائن ، وهو هارب بالطائرة نحو الإتحاد السوفياتي ، فى سبتمبر 1971 .
لكن بالنسبة لخطّ ماو الثوري بالطبع لم تمت محاولة فرض نظرية " نهاية الصراع الطبقي " و " نظرية قوى الإنتاج " بموت لين بياو . و فى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني فى 1973 ، وقعت الإشارة إلى أنّ برنامج جعل الإنتاج هو المهمّة الأساسية الذى تقدّم به لين بياو و إنتهازي آخر فى قيادة الحزب ، تشان بوتا ، زمن المؤتمر التاسع ، لم يمثّل أكثر من " نسخة محسّنة فى ظلّ الظروف الجديدة لذات النفاية التحريفية التى سرّبها ليوتشاوتشي و تشان بوتا فى قرار المؤتمر الثامن ، و التى تدّعي أنّ التناقض الأهمّ فى البلاد لم يكن بين البروليتاريا و البرجوازية بل " بين النظام الإشتراكي المتقدّم و قوى الإنتاج المتخلّفة فى المجتمع " (62). ( هذا التقرير ألقاه شو آن لاي الذى ، مثله مثل لين بياو قبل أربع سنوات ، وجد نفسه مضطرّا لإلقاء تقرير أمام المؤتمر هو غير موافق جوهريّا على خطّه . و بالفعل ، بإعتباره أقوى قائد لليمين فى الصين حينذاك ، كان شو بحماس يشجّع تحديدا خطّ أنّ الإنتاج – أو " التعصير " – هو المهمّة الأساسية .)
و واصل ماو قيادة الحزب الشيوعي الصيني و الجماهير فى الصراع الثوري إلى آخر نفس فى حياته . و فى سياق هذا الصراع ، قبيل وفاته ، أصدر ماو موقفا فى جزء منه يقول :
" إنكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي ." ( 63)
و كان هذا مساهمة هامة أخرى من ماو فى النظرية الماركسية وفى الإقتصاد السياسي الماركسي بوجه خاص . هنا ماو لم يكن يلفت النظر فقط إلى واقع أنّه حتى بعد تركيز الملكية الإشتراكية فى الأساس ، ستتوالد عناصر البرجوازية الجديدة و البرجوازية كطبقة ستواصل الوجود طوال المرحلة الإشتراكية و لكن أيضا وبخاصة إلى واقع أنّ فى هذه الظروف ستنبع البرجوازية – ليس كلّها و إنّما لبّها – من صفوف الحزب الشيوعي ذاته ، خصوصا من صفوف أعلى مراتبه القيادية .
و مردّ هذا موقع الحزب ذاته فى المجتمع الإشتراكي و التغييرات فى العلاقات الطبقية التى تظهر مع تطوّر الإشتراكية ، لا سيما إثر تركيز الملكية الإشتراكية فى الأساس . فى هذا الوضع ، أولئك الناس الذين يمارسون القيادة فى منح وسائل الإنتاج و وسائل الإستهلاك هم فى آخر التحليل بصورة غامرة أعضاء فى الحزب ، خاصة أعضاء من القيادات العليا . و لو أنّهم نظريّا يمارسون هذه القيادة بإسم الجماهير ، فإنّ هناك تناقض هنا هو إنعكاس لواقع أنّ وسائل الإنتاج لم تصبح بعدُ تماما الملكية المشتركة لكافة المجتمع و الجماهير الشعبية لم تصبح تماما سيّدة الإنتاج و كافة المجتمع – الإنقسامات و اللامساواة و بقايا مادية و إيديولوجية أخرى من المجتمع البرجوازي لم يقع تجاوزها كلّيا .
حيث يكرّس أولئك فى القيادة خطّا صحيحا سيتحرّك التناقض بإتجاه تمكين الجماهير من تنمية تحكّمها فى الإنتاج و المجتمع . وحيث يوجد خطّ تحريفي فى القيادة ، ستتغيّر القيادة إلى موقع هيمنة و سيطرة برجوازيين على الجماهير .
إذا لم يقع مثلا تقليص تقسيم العمل فى مؤسسة - و بالتالي لم يشارك القياديون فى العمل المنتج و لم يشارك العمّال فى الإدارة – و فى نفس الوقت تتسع حصّة الدخل التى يحصل عليها الكادر القيادي نسبة لجماهير العمّال المنتجين عوض أن تتقلّص و خاصة إلى جانب هذا، إذا وُضع الربح ، و ليس السياسة ، فى مصاف القيادة ، عندئذ بالفعل ستنم ّعلاقة القياديين بالعمال عن علاقة إستغلال . و فعلا ، يبدأون بتملّك بعض الفائض الذى ينتجه العمّال بينما يتحكّمون هم أنفسهم فى العمّال و فى الإنتاج دون المشاركة فى الإنتاج . و من هنا تأتي أهمّية تحديد الحقّ البرجوازي فى تعارض مع توسيعه فى العلاقات فى صفوف الناس العاملين و فى التوزيع . إذا لم يقع تطبيق هذا و جرى تعويضه بخطّ و سياسات غير صحيحين ، فإنّ هذين المظهرين من علاقات الإنتاج ، إلى جانب البنية الفوقية يمكن أن يمارسا تأثيرا رجعيّا على ما هو عامة المظهر الرئيسي لعلاقات الإنتاج – الملكية – و يمكن حتى أن يغيّرا علاقات الإنتاج من علاقات إشتراكية إلى علاقات رأسمالية جوهريّا .
وهذا لا يعنى أنّ البلد قد بات رأسماليا إن ساد مثل هذا الوضع فى عدد كبير أو حتى فى غالبية المؤسسات فى زمن معطى؛ هذا سيحصل فقط عبر تغيير فى البنية الفوقية – حصريّا إن إفتكّ التحريفيون السلطة العليا – و أمسى عامة الخطّ التحريفي فى قيادة المجتمع . هذا من جهة لكن من جهة أخرى ، ليس هذا بالشيء المستقرّ و إن سُمح لعلاقات الإنتاج البرجوازية بالظهور و التطوّر دون معارضة ، حالئذ سيجري بدرجة كبيرة تعزيز أساس قيام التحريفيين فى مواقع السلطة بإنقلاب رجعي و بإعادة تركيز الرأسمالية.
لقد تعرّض ماو لهذا المشكل فى " ملاحظات نقدية حول كتاب الإقتصاد السياسي السوفياتي " فقال : " فى تجربتنا ، إذا لم يضع الكوادر جانبا غرورهم و يتّحدوا مع العمّال ، فإنّ العمّال لن ينظروا أبدا إلى المصنع على أنّه مصنعهم بل على أنّه مصنع تابع للكوادر " (64) و إذا كان خطّ برجوازي فى مصاف القيادة و تشجّعه و تكرّسه الكوادر القيادية للحزب و الدولة ، ستنظر الجماهير إلى المصانع و أيضا إلى وسائل الإنتاج ككلّ و المجتمع بأسره على أنّهما ليسا ملكهما بل ملك الفئة ذات الإمتيازات – و سيكون للجماهير الحقّ فى ذلك . وهذا كذلك ينبع من الطبيعة الإنتقالية و المتناقضة للمجتمع الإشتراكي ، و عليه إمّا سيعالج بإتجاه ثوري ، بإتجاه التقدّم نحو الشيوعية ، أم على المدى القصير بإتجاه مناهض للثورة، نزولا إلى الطريق الرأسمالي لإعادة تركيز النظام القديم .
هنا تحليل ماو يعدّ تطبيقا لموقف لينين بأنّ السياسة تعبير مركّز عن الإقتصاد . و مثلما أشرنا سابقا ، فى المجتمع الإشتراكي التحكّم فى الإقتصاد يتركّز كسلطة القيادة السياسية . و حيث تكون هذه القيادة بأيدى التحريفيين فهي عمليّا بيد البرجوازية و عمليّا سيُشرع فى تعزيز علاقات الإنتاج البرجوازية . إنّها سلطة القيادة القائمة على هذا الأساس المادي الموجودة بأيدى أتباع الطريق الرأسمالي و التى ستسمح لهم ببناء قوّة و لئن نجحوا فى إفتكاك السلطة السياسية العليا ، بإنجاز إعادة تركيز الرأسمالية ، متحرّكين كلبّ و قادة للقوى الإجتماعية داخل الحزب وخارجه ، يمكن تعبئتهم لمساندة مثل إعادة تركيز الرأسمالية هذه. لهذا السبب أكّد ماو كذلك قبل وفاته بقليل على أنّه " إذا توصّل أناس من أمثال لين بياو إلى السلطة سيكون سهلا جدّا بالنسبة لهم أن يركزوا النظام الرأسمالي " .(65)
و من ثمّة وضع ماو الكثير من الأكيد على البنية الفوقية و أكّد على أنّ المسألة الحاسمة هي صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي . ذلك أنّ هذا هو ما يحدّد إن كانت أم لم تكن القيادة السياسية فى السلطة تمثّل المصالح الثورية للبروليتاريا فى التقدّم نحو الشيوعية أم تمثّل برجوازية جديدة و تقمع الجماهير خدمة لإعادة تركيز الرأسمالية . و لهذا أيضا شدّد ماو كبير التشديد على تسليح الجماهير بالخطّ الماركسي – اللينيني و تعبئتها على هذا الأساس لتناضل ضد أتباع الطريق الرأسمالي . فهذا حيوي فى الحيلولة دون إفتكاك تحريفي للسلطة و إعادة تركيز الرأسمالية و مواصلة عوض ذلك التقدّم صوب الشيوعية .
و من هنا يمكن رؤية الدلالة العظيمة لآخر موقف عظيم لماو حول هذه المسألة و نقصد موقف أنّ البرجوازية " توجد بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي " . أهمّية هذا التحليل توازي أهمية مسألة حياة أو موت بالنسبة للبروليتاريا و الثوريين الماركسيين فى خوض الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية من أجل الهدف النهائي ، الشيوعية . إنّه سلاح قوي جديد لدى البروليتاريا فى هذا الصراع .
و هذا سبب مهمّ آخر لإعتبار أنّ مساهمات ماو تسى تونغ فى حقل الإقتصاد السياسي خاصة و كذلك فى السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي - و فى مجالات أخرى – تمثّل مزيدا من التقدّم بالنسبة للبروليتاريا و علمها الثوري . و هذه المساهمات حقّا خالدة و لا يمكن أبدا محوها و إنكارها أو الإستهانة بها أيّا كانت الأحداث التى يشهدها العالم .
=========================================
الهوامش :
1- ماو تسى تونغ ، " ملاحظات نقدية عن كتاب الإقتصاد السياسي السوفياتي " ، " نقد الإقتصاد السوفياتي " ، ص 110 بالأنجليزية .
2- المصدر السابق .
3- ماركس ، " رسالة إلى يوسف. فيديماير " ، الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلد 1 ، دار التقدّم موسكو ، 1973 ، ص 528 بالأنجليزية .
4- ماركس " صراع الطبقات فى فرنسا 1848-1850 " الأعمال المختارة ، المجلّد 1 ، ص 283 بالأنجليزية .
5- " تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي..." ، ناشرون عالميون ، نيويورك 1939 ، ص 262 بالأنجليزية .
6- المصدر السابق ، ص 275 .
7- ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1972 ، ص 60 بالأنجليزية – بالعربية منشورات دار الفرابي ، بيروت 1954، ص 73.
8- المصدر السابق ، ص 69 بالأنجليزية – بالعربية ص 83.
9- ماو تسى تونغ ، " بصدد القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي" و " نقد كتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحادالسوفياتي " ، ضمن " نقد الإقتصاد السوفياتي " ص 130 ، 135 بالأنجليزية .
10- ماو تسى تونغ ، " سياساتنا الإقتصادية " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلد 1، ص 141 بالأنجليزية – بالعربية ص 108.
11- ماو تسى تونغ ، " حول الديمقراطية الجديدة " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الثاني ، ص 353 بالأنجليزية – بالعربية ص 493.
12- ماو تسى تونغ ، " شنّ حملات لتخفيض إيجارات الأراضي و للإنتاج و لتأييد الحكومة و العناية بالشعب فى مناطق القواعد " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ،المجلّد 3 ، ص 131 بالأنجليزية- بالعربية ص 177.
13- المصدر السابق ، ص 133 بالأنجليزية – بالعربية 180.
14- ماو تسى تونغ ، " تنظّموا ! " م.م ،المجلد 3 ، ص 154 بالأنجليزية – بالعربية ص 208-209.
15- المصدر السابق ، ص 155 بالأنجليزية – بالعربية ص 210.
16- المصدر السابق ، ص 156 بالأنجليزية – بالعربية ص 211.
17- المصدر السابق بالأنجليزية – بالعربية ص 212.
18- ماو تسى تونغ " يجب أن نتعلّم القيام بالعمل الإقتصادي" ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 3 ، ص 191 بالأنجليزية - و بالعربية ص 258 .
19- المصدرالسابق بالأنجليزية – بالعربية ص 258.
20- ماو تسى تونغ " الوضع و سياستنا بعد النصر فى حرب المقاومة ضد اليابان" ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4 ، ص 19 بالأنجليزية – بالعربية ص 25.
21- المصدر السابق بالأنجليزية – بالعربية ص 25.
22- المصدر السابق ، ص 20 بالأنجليزية – بالعربية ص 26 .
23- ماو تسى تونغ ، " حول السياسة الصناعية و التجارية " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4 ، ص 203 بالأنجليزية - بالعربية ص 261 .
24- ماو تسى تونغ ، " تقرير إلى الدورة العامة الثانية للجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابع للحزب الشيوعي الصيني " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4 ، ص 365 بالأنجليزية- بالعربية 463 .
25- المصدر السابق ، ص 368 بالأنجليزية – بالعربية ص 466.
26- المصدر السابق بالأنجليزية – بالعربية ص 467.
27- المصدر السابق ، ص 367 بالأنجليزية – بالعربية 465.
28- ماو تسى تونغ ، " ملاحظات نقدية " ، " نقد الإقتصاد السوفياتي " ، ص 40 بالأنجليزية .
29- ماو تسى تونغ ، " تقرير إلى الدورة العامة الثانية للجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابع للحزب الشيوعي الصيني " ، المجلد 4 ، ص 369 بالأنجليزية – بالعربية 468 .
30- المصدر السابق بالأنجليزية – بالعربية ص 468.
31- ماو تسى تونغ ،" حول الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4 ، ص 419 بالأنجليزية – بالعربية ص 530-531 .
32- المصدر السابق ، ص 421 بالأنجليزية – بالعربية ص 532 .
33- ماو تسى تونغ ، " حول الصراع ضد " الشرور الثلاثة " و " الشرور الخمسة "" ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 5 ، ص 65 بالأنجليزية .
34- المصدر السابق .
35- المصدر السابق ، ص 64.
36- المصدر السابق ، ص 69.
37- " ثلاثة صراعات كبرى على الجبهة الفلسفية الصينية " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ، 1976 ، ص 3 بالأنجليزية .
38- ماو تسى تونغ ، " حول التحويل التعاوني للفلاحة "، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلد 5، ص 201- 202 بالأنجليزية.
39- ماو تسى تونغ ، " النقاش حول التحويل التعاوني للفلاحة والصراع الطبقي الراهن " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الخامس ، ص 217 بالأنجليزية .
40- ماو تسى تونغ ،" حول التحويل التعاوني للفلاحة " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 5، ص 199-202 بالأنجليزية.
41- ماو تسى تونغ ، " العشر علاقات الكبرى " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 5 ، ص 286 بالأنجليزية .
42- المصدر السابق .
43- المصدر السابق .
44- المصدر السابق ، ص 291.
45- المصدر السابق.
46- المصدر السابق.
47- المصدر السابق ، ص292.
48- المصدر السابق ، ص 294.
49- " نظرية القاعدة الإقتصادية المزدوجة " يجب نقدها نقدا شاملا " ، " ثلاثة صراعات كبرى على الجبهة الفلسفية الصينية " ، ص 27 بالأنجليزية .
50- ماو تسى تونغ ، " المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب" ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلد 5 ، ص 409 بالأنجليزية – بالعربية ص 18-19 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ ".
51- ماو تسى تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 5 ، ص 434 بالأنجليزية - بالعربية ص 20 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ ".
52- " ثلاثة صراعات كبرى على الجبهة الفلسفية الصينية " ، ص 5 بالأنجليزية .
53- ماو تسى تونغ ، " خطاب فى ندوة لوشان " ، شرام ، ص 146 بالأنجليزية .
54- ماو تسى تونغ ، ذكره " تقرير إلى المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي الصيني " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1969 ، ص 22- 23 وهو خطاب ألقاه لين بياو لكنّه يقدّم خطّ ماو فى تعارض مع خطّ لين بياو و مع التقرير الذى حاول تمريره .
55- ماو تسى تونغ ، " ملاحظات نقدية " ، " نقد الإقتصاد السوفياتي " ، ص 76 بالأنجليزية .
56- المصدر السابق ، ص 79 .
57- المصدر السابق ، ص 80-81.
58- المصدر السابق ، ص 11-112.
59- ماوتسى تونغ ، ذكره " نظرية " مزج الإثنين فى واحد" نظرية رجعية لإعادة تركيز الرأسمالية"، " ثلاثة صراعات كبرى على الجبهة الفلسفية الصينية " ، ص 60 .
60- أنظروا " فى التناقض " ، مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 1 ، ص 335 بالأنجليزية – بالعربية ص 487 .
61- ماوتسى تونغ ذكره " ممارسة الدكتاتورية الشاملة ضد البرجوازية " لتشانغ تشن – تشياو ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1975 ، أعيد نشره ضمن كتاب" وخامسهم ماو " لريموند لوتا ، بانار براس ، شيكاغو 1978 ، ص 213 بالأنجليزية .
62- " تقرير المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1973 ، أعيد نشره ضمن " وخامسهم ماو " ، ص 80 بالأنجليزية .
63- ماو تسى تونغ ، ذكره " أتباع الطريق الرأسمالي هم البرجوازية داخل الحزب " لفانغ كان ،" مجلّة بيكين " عدد 25 ، 18 جوان 1976 ، ص 7 ، أعيد نشره ضمن " وخامسهم ماو " ، ص 358 بالأنجليزية .
64- ماو تسى تونغ ، " ملاحظات نقدية " ، " نقد الإقتصاد السوفياتي " ، ص 86 بالأنجليزية .
65- ماو تسى تونغ ، ذكره " حول القاعدة الإجتماعية لزمرة لين بياو المعادية للحزب " ، ياو وان –يوان ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1975 . أعيد نشره ضمن " وخامسهم ماو " ، ص 176 بالأنجليزية .



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدّمة - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - - كتاب لبوب أفاكي ...
- هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر
- إلى الشيوعيّين الثوريّين فى العالم و أفغانستان : قطيعتنا مع ...
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولاي ...
- قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعدا ...
- مقدّمة كتاب - مقدّمات عشرين كتابا عن - الماويّة : نظريّة و م ...
- إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية
- أزمة المهاجرين العالمية : ليس مرتكبو جرائم الحرق العمد للأمل ...
- المجرمون و النظام الإجرامي وراء موت اللاجئين فى النمسا
- حقيقة تحالف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مع الهند ضد الصين / ...
- أحاديث هامة للرئيس ماو تسى تونغ مع شخصيّات آسيوية و أفريقية ...
- تونس السنة الخامسة : عالقة بين فكّي كمّاشة تشتدّ قبضتها
- سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما - صحيفة - جينمي ...
- اليونان : - الخلاصة الجديدة ترتئى إمكانيّة : القطيعةُ مع الق ...
- الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة و إيران : - الولايات الم ...
- الإتفاق النووي بين الولايات المتّحدة و إيران : حركة كبرى لقو ...
- مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد - صحيفة - جينمينجباو - و ...
- تقرير الأمم المتّحدة يكشف جرائم حرب الهجوم الإسرائيلي على غز ...
- الحرب الأهليّة فى اليمن و مستقبل الخليج
- إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية - الحزب الشي ...


المزيد.....




- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي - الفصل الثالث من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان