أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تطوير ماوتسى تونغ للإشتراكية : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا -الفصل السادس من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان .















المزيد.....



تطوير ماوتسى تونغ للإشتراكية : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا -الفصل السادس من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان .


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5038 - 2016 / 1 / 8 - 00:23
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا

الفصل السادس من كتاب " مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة " لبوب أفاكيان .
نشرت الفصول بداية كمقالات فى مجلة " الثورة " بين أفريل 1978 و جانفي 1979 .
مقدّمة :

فى مقتطف شهير للينين حول دكتاتورية البروليتاريا ، شّدد على أنّ " الأمر الرئيسي فى تعاليم ماركس هو النضال الطبقي. هذا ما يقال و ما يكتب بكثرة كثيرة . بيد أن هذا غير صحيح . و عن عدم الصحة هذا تنتج ، الواحد بعد الآخر ، التشويهات الإنتهازية للماركسية و ينتج تزويرها بحيث تصبح مقبولة للبرجوازية ... و من لا يعترف بغير نضال الطبقات ليس بماركسي بعد ، و قد يظهر أنه لم يخرج بعد عن نطاق التفكير البرجوازي و السياسة البرجوازية ... ليس بماركسي غير الذى يعمّم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا . و هذا ما يميّز بصورة جوهرية الماركسي عن البرجوازي الصغير ( وحتى الكبير) العادي ." (1)

و اليوم لا أقل من زمن لينين ، يمثّل الموقف الصحيح تجاه دكتاتورية البروليتاريا أعمق إختلاف بين الفهم الماركسي و الفهم غير الماركسي و مرشد للعمل فى علاقة بالمجتمع و التاريخ . بخاصة ، يحدّد الإختلاف السياسي الأعمق بين الماركسية و التحريفية . و بالضبط فى هذا المجال العام جدا قام ماو تسى تونغ بأكثر مساهماته الخالدة و الأكثر أهمية فى الماركسية – اللينينية و القضية الثورية للبروليتاريا العالمية .

لقد عمّق ماو التحليل الماركسي – اللينيني لما هي دكتاتورية البروليتاريا ، عمّقها بطريقة مطلقة الضرورة بتبيان كيف يتواصل صراع الطبقات فى ظل الإشتراكية و كيف يجب على الطبقة العاملة أن تخوض الصراع فى ظل هذه الظروف الجديدة ، كيف تواصل الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا .

و مثلما زمن كتابة مقتطف لينين أعلاه ، المهمّة المفتاح بالنسبة للماركسيين كانت الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا ، اليوم المهمّة الحيوية بالنسبة للماركسيين – اللينينيين هي إستيعاب الفهم المعمّق لمواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا و الدفاع عنه لأنّه أعظم مساهمة من مساهمات ماو تسى تونغ .

نظرية دكتاتورية البروليتاريا :

طبعا ، المفهوم الأساسي لدكتاتورية البروليتاريا لم يأت لا مع ماو و لا مع لينين بل كان جزءا من الماركسية منذ البداية . ماركس ذاته هو الذى طرح بعمق هذه المسألة فى رسالة ، بالأحرى منذ بداية تطوّره كماركسي :

" وفيما يخصنى ليس لى لا فضل إكتشاف وجود الطبقات فى المجتمع المعاصر و لا فضل إكتشاف صراعها . فقد سبقنى بوقت طويل مؤرخون برجوازيون بسطوا التطور التاريخي لصراع الطبقات هذا ، و إقتصاديون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات الإقتصادي . و ما أعطيته من جديد يتلخص فى إقامة البرهان على ما يأتى :
1- إن وجود الطبقات لا يقترن إلا بمراحل تاريخية معينة من تطوّر الإنتاج ،
2- إن النضال الطبقي يفضى بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا ،
3- إن هذه الديكتاتورية نفسها ليست غير الإنتقال إلى القضاء على كل الطبقات و إلى المجتمع الخالي من الطبقات ..."
( 2 ).

تجدر الإشارة إلى أن هذا قد كتب قبل أن يقوم ماركس بعمله العظيم و الممنهج فى الإقتصاد السياسي ، و أن ما يتحدث عنه هنا هو مساهمته فى إكتشاف القوانين العامة للتطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني و ليس مساهماته فى حقل الإقتصاد السياسي . و فى خصوص هذا الحقل من قوانين التطوّر التاريخي للمجتمعات يؤكد عليه ماركس فى المقتطف أعلاه هو مبدأ أساسي صيغ أولا وركّزعليه بإستمرار ماركس و إنجلز و من ذلك ما نجده فى ختام الفصل الثاني من " بيان الحزب الشيوعي " :

"... السلطة السياسية بالمعنى الصحيح هي السلطة المنظمة لطبقة من أجل إضطهاد طبقة أخرى . فإذا كانت البروليتاريا، فى نضالها ضد البرجوازية ، تبنى نفسها حتما فى طبقة ، و إذا كانت تجعل نفسها بواسطة الثورة طبقة حاكمة ، ثم بصفتها طبقة حاكمة ، تهدم بالعنف و الشدّة علاقات الإنتاج القديمة ، تهدم فى الوقت نفسه ظروف وجود التناقض و التناحر بين الطبقات و تهدم الطبقات بصورة عامة ، و بذلك تهدم أيضا سيادتها ذاتها من حيث هي طبقة ." ( 3)

ما يؤكد عليه ماركس و إنجلز هو أن دكتاتورية البروليتاريا هي وسيلة و ليست غاية فى حدّ ذاتها ، وسيلة الإنتقال إلى الشيوعية ، المجتمع الخالي من الطبقات . و هذا لا يقّلل فى شئ من ضرورة سلطة البروليتاريا . و مع ذلك يشدّدان على أنّها ضروريّة تماما لتحقيق الهدف الرئيسي للثورة البروليتارية أي القضاء على كلّ الإختلافات الطبقية . و أكّد على ذلك ماركس فى مقتطف شهير :

" هذه الإشتراكية هي إعلان تواصل الثورة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة إنتقال ضرورية نحو القضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، نحو القضاء على كل علاقات الإنتاج التى تقوم عليها ، نحو القضاء على كل العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، نحو تثوير كل الأفكار التى تفرزها هذه العلاقات الإجتماعية " (4 )

و الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا مسألة حيوية و حجر الزاوية فى الماركسية ذلك أنه دون تركيز هذه الدكتاتورية و ممارستها ، من المستحيل بالنسبة للبروليتاريا أن تحقق مهمّتها التاريخية ، الشيوعية ." نريد تحطيم الطبقات " قال إنجلز " ما هي وسيلة تحقيق ذلك ؟ الوسيلة الوحيدة هي الهيمنة السياسية للبروليتاريا " ( 5 ) .

كمونة باريس :

لكن رغم أن الإعتراف بدكتاتورية البروليتاريا جزءا لا يتجزأ من الماركسية من البداية فهذا لا يعنى أن هذا المبدأ أكثر من أي جزء آخر من الماركسية ، يمكن أن يتطوّر كلّيا مرّة واحدة و بصرف النظر عن الصراع الطبقي الضاري بين البروليتاريا و البرجوازية . بداية ، فى 1850 ، كان ماركس يقرّ فقط بضرورة السلطة الطبقية ( دكتاتورية ) البروليتاريا ، دون محاولة التنبئ بأي شكل بالضبط ستتّخذه . و حتى هذا الإقرار الأولي كان نتيجة تلخيص الصراع الطبقي . كما أشار لينين :

" لقد إستخلص ماركس من كامل تاريخ الإشتراكية و النضال السياسي أنّه لا بد للدولة أن تزول و أن الشكل الإنتقالي لزوالها ( الإنتقال من الدولة إلى اللادولة ) سيكون " البروليتاريا المنظمة فى طبقة سائدة " . و لكن ماركس لم يأخذ على عاتقه إكتشاف الأشكال السياسية لهذا المستقبل . لقد إقتصر على تتبع التاريخ الفرنسي بصورة دقيقة ، على تحليله و على إستخلاص الإستنتاج الذى قادت إليه سنة 1851 : تقترب الأمور من تحطيم آلة الدولة البرجوازية . " ( 6)

و مع تقدّم الممارسة الثورية الحالية للطبقة العاملة ، كان ممكنا و ضروريا بالنسبة للفهم النظري الماركسي أن يتقدّم أيضا . و تقدّم الصراع الثوري للبروليتاريا محدثا قفزة نوعية فى 1871 مع أول إفتكاك للسلطة من قبل الطبقة العاملة ، كمونة باريس .

ولدت كمونة باريس فى أواخر الحرب الفرنسية البروسية ، حين إستسلمت البرجوازية الفرنسية لبروسيا .غير أن عمال باريس المسلّحين بعدُ لخوض الحرب إنتفضوا و إفتكّوا السلطة فى باريس مكرّسين الدفاع عن المدينة ضد كلّ من الغزاة البروسيين و البرجوازية الفرنسية التى فرّت إلى فرساي و أقامت حكومة رجعيّة و عملت على التعاون مع الجيش البروسي فى مهاجمة باريس . و مثلما أعلنت اللجنة المركزية للحرس الوطني للعمّال ، فى بيانها فى 18 مارس 1871:

" إن بروليتاريى باريس أدركوا ، إذ رأوا تهافت الطبقات السائدة و خيانتها ، أنه قد أزفت الساعة التى يترتب عليهم فيها أن ينقذوا الوضع بأن يأخذوا بأيديهم إدارة الشؤون العامة ... لقد أدركوا أن هذا الواجب الآمر ملقى على عاتقهم و أن من حقهم الأكيد أن يجعلوا أنفسهم سادة لمصائرهم الخاصة و يأخذوا السلطة الحكومية فى أيديهم " .(7)

و إعتقد ماركس أن الكمونة لن تنجح فى إفتكاك السلطة . قبل سنة ، أشار إلى أن الظروف لم تكن مناسبة لإنتفاضة العمال الفرنسيين ، و قد فكر بعد إفتكاك السلطة ان البروليتاريا ستهزم بعد فترة . لكن حين وقف العمّال و" هبّوا لمهاجمة السماء!" ( حسب تعبيرماركس ) ، قدّم لهم المساندة الكلية و المطلقة ، محرّكا الجمعية العالمية للعمال ، و صرّح قائلا عن الحكومة : " أية مرونة ، أية مبادرة تاريخية ، أية مقدرة على التضحية ،عند هؤلاء الباريسيين ! ...إن التاريخ لم يعرف حتى الآن مثالا على بطولة كهذه ". ( 8)

و فى الوقت الذى كان يساندها فيه كأمجد نقطة بلغتها الطبقة العاملة فى صراعها الثوري ، قام ماركس أيضا و بصرامة بدراسة الكمونة لغاية إستيعاب دروسها التاريخية الكبرى ، لا سيما في ما يتّصل بالشكل الذى ستتّخذه سلطة البروليتاريا . و مثلما عبّر عن ذلك لينين :

" و عندما إندلعت حركة البروليتاريا الثورية الجماهيرية أخذ ماركس ، رغم إخفاق هذه الحركة ، رغم قصرها ، رغم ضعفها البيّن ، فى دراسة ما إكتشفته من أشكال " . ( 9)

و كانت تلك الأشكال عديدة ، غنية و حيويّة . تشكّلت الكمونة ذاتها ، حسب إشارة ماركس ، بالخصوص من العمال أو ممثلين للطبقة العاملة معترف بهم ". ثم إنه " كان يراد بالكمونة أن تكون لا هيئة برلمانية ، بل هيئة عاملة تتمتع بالسلطتين التشريعية و التنفيذية فى الوقت عينه..." .(10)

كانت كافة عناصر الكمونة و الضباط يتلقون أجرا و تمّ حلّ قوى الجيش و البوليس و عوّضت بالحرس الوطني الذى تشكّل من جميع المواطنين القادرين جسديّا . وأوقفت منح الدولة للكنيسة . و أغلقت حوانيت البيادق . و جُوبهت الجريمة بالقوة الحديدية لعمل المساجين ذاتهم و باتت الشوارع آمنة بالنسبة للمواطنين العاديين . و أُلغي الكراء . و أُسقط أساطين فندوم وهو معلم للعدوانية و الشوفينية الفرنسية . و غدا التعليم مجانيا و مفتوحا أمام الجميع . و صُودرت المصانع التى هرب أصحابها الرأسماليون و سيّرها العمّال على نحو تعاوني . وأُلغي العمل بالليل .

و طوّرت البروليتاريا أشكالا جديدة من خلال دكتاتوريّتها القصيرة و المجيدة فى باريس ، قبل أن يقع تحطيمها بأكثر الوسائل وحشيّة و فظاعة إنتقاميّة على أيدى البرجوازية الفرنسية .

و بالطبع لا تكتسى جميع هذه الأشكال قيمة متساوية حيث منها ما هو " بداية مخطئة " و منها الصحيح تمام الصحّة فى ظروف آنذاك لكن ليس نموذجا ضروريا لمجتمع إشتراكي على المدى البعيد ، فى حين أن البعض الآخر سيكون بالفعل مميّزا لأيّ مجتمع يطلق عليه فعلا نعت إشتراكي . غير انه بغض النظر عن كل الجزئيات الخاصة بسمات الكمونة ، برز أمر لخّصه ماركس على النحو التالي :

" كانت ، من حيث الجوهر ، حكومة الطبقة العاملة ، كانت نتاج كفاح طبقة المنتجين ضد طبقة المستملكين ، كانت الشكل السياسي الذى إكتشف أخيرا و الذى كان يمكن فى ظلّه إنجاز التحرير الإقتصادي للعمل ... إن حكم المنتجين السياسي لا يمكن أن يقوم جنبا إلى جنب مع تخليد عبوديّتهم الإجتماعية . و لذلك كان لا بدّ أن تقوم الكمونة بدور أداة لتحطيم الدعائم الإقتصادية التى يعتمد عليها وجود الطبقات ذاته و بالتالى السيطرة الطبقيّة . و مع تحرير العمل سيغدو الجميع عمّالا و سيكف العمل المنتج عن أن يكون خاصة طبقة معيّنة ." (11)

و مجددا ، بعبارات أخرى ، الشئ الهام بشأن دكتاتورية البروليتاريا هو طابعها كشكل إنتقالي نحو الشيوعية . و لغاية تعزيز سلطتها فى البداية و لغاية التقدّم نحو الشيوعية ، على الطبقة العاملة أن تُحطُّم جهاز الدولة البرجوازية القديمة و بيروقراطيتها الحاكمة و شرطتها و جيشها و نظامها القضائي و السجن إلخ . كما أشار ماركس و إنجلز فى مقدّمتهما للطبعة الألمانية الجديدة ل" بيان الحزب الشيوعي" فى 1872:

" ...و بوجه خاص برهنت الكومونة أن " الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتفي بالإستيلاء على آلة الدولة جاهزة و أن تحركها لأهدافها الخاصة "..." ( 12)

نقد برنامج غوتا :

المواضيع ذاتها تأتى إلى المقدّمة بأكثر صراحة فى عمل آخر لماركس فى هذا المجال ، " نقد برنامج غوتا " ، وهو نقده ( نشر فقط بعد وفاة ماركس ) لمشروع برنامج حزب العماّل الإشتراكي الألماني ( الذى سيتحوّل فى ما بعد إلى الحزب الإشتراكي الديمقراطي ) الذى كان نتاج وحدة حزبي الطبقة العاملة فى ألمانيا ، واحد لأنصار فرديناند لاسال و الآخر لأنصار ( تقريبا ) ماركس .

فى هذا العمل ، سجّل ماركس بصفة واضحة ما سماّه " مرحلتي المجتمع الشيوعي " التى صارت مذّاك تسمى الإشتراكية من جهة و الشيوعية من الجهة الأخرى . لقد أكّد :

" بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسمالي تحولا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي. و تناسبها مرحلة إنتقال سياسيّة أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا ..." (13)

و علاوة على التشديد من جديد على الطابع الإنتقالي للإشتراكية و على أن هذا الإنتقال سياسيّا يجب أن يتميّز بدكتاتورية الطبقة العاملة ، بيّن ماركس أيضا أن الإختلاف الحاسم بين الإشتراكية و الشيوعية هو درجة التنظيم الإقتصادي . و يمكن أن يُعبّر عن هذا الإختلاف فى شكل مقولتين أو شعارين . مقولة المجتمع الإشتراكي " من كل حسب قدرته إلى كل حسب عمله " و هذا يتطابق مع المستوى العام لتطوّر علاقات الإنتاج التى تميّز المجتمع الإشتراكي ( الذى هو بدوره محدّد فى الأخير بمستوى تطوّر قوى الإنتاج ) . و هذا يعنى أنّه مع إعطاء المؤونة لأولئك الذين لا يستطيعون بالفعل العمل إلخ و بعد وضع جزء معيّن من الإنتاج جانبا للمراكمة من أجل الخدمات العامة و هكذا دواليك ، عموما يأخذ كلّ شخص بحساب السلع الإستهلاكية ما يعادل ما ساهم به من عمل . فى كافة المجتمعات الإشتراكية التى وجدت ، جرى تبادل العمل بالسلع الإستهلاكية إلى حدّ الآن عبر النقد / المال بمعنى أن يحصل العمّال على أجور نقدا بها يقتنون هذه السلع الإستهلاكية . و هذا فى حدّ ذاته علاقة سلعيّة وهو مظهر للوضع الذى لم تمحى فيه بعدُ العلاقات السلعية فى المجتمع ككلّ ، بالدرجة التى لا يزال فيها قانون القيمة ساري المفعول ( قانون أن قيمة السلع يحدّدها وقت العمل الضروري إجتماعيا لإنتاجها ) و يمارس تأثيرا على توزيع وسائل الإنتاج و كذا على توزيع وسائل الإستهلاك ( السلع الإستهلاكية ) .

فى ظل الإشتراكية ، بسبب تحويل الملكية من النظام الرأسمالي إلى النظام الإشتراكي ، يجرى تحديد عمل قانون القيمة و لن تظل بعدُ قوّة العمل ذاتها سلعة . لن يظلّ فى مستطاع بعض الناس ملكية ثروة عمل الآخرين على أساس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و عوض ذلك يكون دخل كلّ شخص فقط حسب العمل الذى يساهم به طالما أن علاقات الإنتاج الإشتراكية القائمة سارية المفعول . لكن حتى حينها ، يمثّل تواصل العلاقات السلعيّة إلى جانب بقيّة من العلاقات الإقتصادية الرأسمالية تناقضا يمكن أن تمسك به العناصر البرجوازية فى محاولة لإعادة تركيز الرأسمالية .

و حتى لو لم يعد توزيع السلع الإستهلاكية فى ظلّ الإشتراكية ، بشكل سلعي تام ، طالما أنّه مرتكز على تبادل قيم متساوية ، كما فسّر ماركس ، " نواجه هنا نفس المبدأ الذى ينظّم تبادل البضائع طالما أنّه تبادل قيم متساوية ..."(14).
و هذا المبدأ هو الذى يشير إلى أن المجتمع لم يتجاوز بعدُ كليا بقايا العلاقات الرأسمالية ، رغم أنّه أنجز قفزة نوعية نسبة إلى الرأسمالية بتحقيق الملكية الإشتراكية . قال ماركس : " و هكذا فإن الحق المتساوى يظلّ هنا ، من حيث المبدأ ، الحقّ البرجوازي ".( 15)

و هذه المساواة هي أيضا برجوازية بما أنّها لا تزال مساواة شكلية .
و مثلما كتب ماركس : " إن هذا الحق المتساوى هو حق غير متساو لقاء عمل غير متساو ... فهو إذن ، من حيث الجوهر ، حق قائم على عدم المساواة ، ككلّ حقّ . " (16)

سيختلف أناس متباينون فى قدراتهم و فى إستعداداتهم الطبيعية و فى قدرة تحمّل العديد منهم و ما إلى ذلك . لذلك فى الواقع الفعلي رغم المساواة الشكلية ، سينال شخص أكثر من الآخر ، سيكون أغنى من الآخر .

إنه الحق البرجوازي ، هذه المساواة التى لا تزال شكلية ، برجوازية و بالتالى ، فعلا لا يزال غير متساو وسيقع تجاوزه بالتقدّم نحو المجتمع الشيوعي ، مجتمع فيه كما وضع ماركس ، يسود مبدأ "من كل حسب كفاءته ، و لكل حسب حاجياته ".

بيد أن هذا الإنتقال إلى الشيوعية لا يمكن أن يتحقق فى الحال أو كليا مرّة واحدة مثلما أشار ماركس بحسم :
" إن ما نواجهه هنا ، إنما هو مجتمع شيوعي لا كما تطور على أسسه الخاصة بل بالعكس ، كما يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي ، أي مجتمع لا يزال ، من جميع النواحى ، الإقتصادية و الأخلاقية و الفكرية ، يحمل سمات المجتمع القديم الذى خرج من أحشائه " . (17)

بإختصار يقدّم ماركس هنا الإختلاف الأساسي بين الإشتراكية و الشيوعية و بالتالى ما يجب أن تكون الإشتراكية فى حركتها إلى الأمام . و يتأتى من تحليل ماركس أن الغاية العامة لدكتاتورية البروليتاريا يمكن أن تتلخص فى جملة واحدة : القضاء على الحق البرجوازي . قدّمها ماركس كمسألة فى آن تجاوزللإختلافات الإجتماعية و التأثيرات الإيديولوجية الباقية من الرأسمالية و تحقيق الوفرة المادية الضرورية للشيوعية ، مع أن هذين الشيئين بديهيا وثيقا الإرتباط . و صاغ ذلك كما يلى :

" و فى الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي ، بعد أن يزول خضوع الأفراد المذل لتقسيم العمل و يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسدي ، و حين يصبح العمل ، لا وسيلة للعيش و حسب ، بل الحاجة الأولى للحياة أيضا ، و حين تتنامى القوى المنتجة مع تطوّر الأفراد فى جميع النواحي ، و حين تتدفّق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض وغزارة ، - حينذاك فقط ، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيّق للحق البرجوازي تجاوزا تاما ، و يصبح بإمكان المجتمع أن يسجّل على رايته : من كل حسب كفاءاته ، و لكل حسب حاجياته ! " (18)

لكن " سمات المجتمع القديم " لا تواصل تواجدها فحسب و إنما تفرز بإستمرار برجوازية جديدة و الإنتقال إلى الشيوعية مرحلة طويلة عبرها ستوجد الطبقات و الصراع الطبقي والقوّة القيادية المحرّكة للمجتمع نحو الشيوعية هي الصراع الطبقي للبروليتاريا ضد البرجوازية . و التناقض الرئيسي طوال المرحلة الإشتراكية هو التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية و الصراع بين هتين الطبقتين هو المفتاح ،هذا ما كان على ماو شرحه وهو ما لم يفهمه ماركس بحكم تجربته الحياتية القصيرة مع كمونة باريس كمثال ملموس لسلطة الطبقة العاملة منه طوّر إستنتاجاته النظرية ( إضافة للدروس العامة التى إستخلصها من الرأسمالية و المجتمعات الطبقية السابقة ) في ما يتصل بطبيعة الدولة عموما و بدكتاتورية البروليتاريا بخاصة . هذا الفهم تطوّر فقط فى ما بعد ، لا سيما من قبل لينين و ماو – الأوّل كشكل جنيني و الثاني كخطّ ممنهج – على أساس التجربة الأعمق فى الممارسة الحالية لدكتاتورية البروليتاريا و إنطلاقا من إستخلاصات ماركس .

إنجلز كمواصل للماركسية :

طبعا كان إنجلز أقرب معاون لماركس حين كان هذا الأخير على قيد الحياة ، و مواصلا للماركسية و مدافعا عنها إثر وفاته. و ينسحب هذا على موضوع الحال ، دكتاتورية البروليتاريا .

زمن كان كلاهما على قيد الحياة ، مثلا، نقد إنجلز أيضا بعنف برنامج غوتا لإنحرافه عن بعض المبادئ الماركسية الحيوية. و بعيد وفاة ماركس بقليل لم يدافع إنجلز عن المبدأ الماركسي لإضمحلال الدولة فقط ، بل أشار كذلك إلى أن :

" فى الوقت نفسه ، إعتبرنا على الدوام أنه لأجل بلوغ هذا الهدف وغيره من أهداف الثورة الإشتراكية العتيدة أهم بكثير، يتعيّن على طبقة البروليتاريا أن تستولي قبل كل شئ على سلطة الدولة السياسيّة المنظمة و أن تقمع بواسطتها مقاومة طبقة الرأسماليين و تنظّم المجتمع تنظيما جديدا . " (19 )

و من جديد فى 1890، رأى إنجلز أنّه من الضروري التأكيد بشدّة ، فى علاقة بالشعب الألماني ، على طابع الإشتراكية كمجتمع إنتقالي و مجتمع فى سيرورة تحوّل و تغيّر . لقد كتب ضد الذين يرون :
"المجتمع الإشتراكي كشئ قار مستقرّ كلّيا " و ركّز على :

" إن ما يسمى " المجتمع الإشتراكي " ليس ، حسبما أعتقد ، شيئا ما أعطي مرّة واحدة و إلى الأبد ، بل ينبغى إعتباره ، مثله مثل كل نظام إجتماعي آخر ، قابلا لتغيّرات و تحوّلات دائمة . " (20)

و أخيرا هنالك مثال إعادة تأكيد إنجلز على هذا الفهم المركزي فى مقدّمته للطبعة الألمانية الثالثة ل " الحرب الأهلية فى فرنسا " المنشور فى 1891 لإحياء الذكرى العشرين لكمونة باريس :

" فى الآونة الأخيرة شرع رعب ناجم عن كلمتي " دكتاتورية البروليتاريا " يستبدّ من جديد بالتافهين الضيّقى الأفق من الإشتراكيين- الديمقراطيين . هل تريدون أن تعرفوا ، أيها السادة المحترمون ، كيف تبدو هذه الدكتاتورية ؟ إنظروا إلى كومونة باريس . فقد كانت ديكتاتورية البروليتاريا . " ( 21)

من البديهي أن إنجلز يوجّه هنا صفعة حادّة لبعض التوجّهات فى الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني ، توجّهات كانت ستفرز ، بعد خمس سنوات بالضبط ، تحريفية " إدوارد برنشتاين" التامة الشكل . إنّه ذو دلالة أن يوجه إنجلز صفعة إلى مراكز هذه التيّارات بصدد مسألة الإعتراف بدكتاتورية البروليتاريا .

غير أنّه مثلما تم تناول ذلك سابقا ، و مثلما سنعمّق تاليا ، بينما كان إنجلز يعترف بضرورة دكتاتورية البروليتاريا و يشدد بقوّة على هذه النقطة فى صراع ضار ضد التحريفيين آنذاك ، لم يقرّ شأنه فى ذلك شأن ماركس بتواصل الصراع الطبقي و دوره المركزي ، لفترة طويلة فى ظل الإشتراكية ، و لم يقرّ بأن المسألة ليست فحسب مسألة ممارسة دكتاتورية على الطبقات المستغِلة المطاح بها ، و لكن أيضا مسألة مواصلة الصراع الطبقي بالخصوص ضد البرجوازية الجديدة الإفراز . لقد إعتنيا بمهمّة " قمع مقاومة طبقة الرأسماليين و إعادة تنظيم المجتمع تنظيما جديدا " ( حسب كلمات إنجلز ) كمهمّة يمكن أن تتحقّق بأسرع و ( أسهل) ممّا تكشّف عليه الحال . بإختصار ، مرّة أخرى ، بينما مثّلت مساهمات ماركس و إنجلز النظرية عموما كما بصدد دكتاتورية البروليتاريا بالخصوص أساسا ، ظلّت مهمة تشييد صرحها و تطويرها مهمّة قائمة الذات .

لينين :

كان لينين قادرا على قيادة الثورة الروسية المظفّرة لأنّه بقي ملتصقا بصلابة بالماركسية . و بعد ذلك ، طوّرها فى وجه السرطان التحريفي الذى نخر الحركة الثورية للعمّال فى بداية عشريات القرن العشرين . و لهذا مظهران فمن ناحية كان يعنى تطبيق الماركسية على الواقع الملموس المتحرّك أبدا و مظهره الرئيسي كان حركة الرأسمالية فى مرحلة جديدة هي الإمبريالية . و من ناحية ثانية ، كان يعنى الدفاع الصارم – حتى البعث – عن بعض المبادئ الماركسية الجوهرية التى كان التحريفيون يحاولون قبرها أو " نسيانها ".

عمل لينين الأول في ما يتعلق بدكتاتورية البروليتاريا كان يرتكز على ما قام به أولا فى " الدولة و الثورة " أين أشار إلى أنّه نظرا لنموّ التحريفيّة و تأثيرها : " يتلخّص واجبنا قبل كلّ شئ فى بعث تعاليم ماركس القيمة بشأن الدولة " ( 22)
و قام بحث لينين فى هذا الكتاب على تقديم تاريخ ( أعمق ممّا أسلفنا الذكر ) لتطوّر نظرة ماركس و إنجلز للدولة . و فى سيرورة سرد هذا التطوّر هنالك عديد النقاط التى أبرزها لينين كنقاط أساسية بالنسبة لتعاليم ماركس و إنجلز حول الدولة . أوّلا ، كما رأينا فى مقتطف بداية هذا المقال ، أشار لينين بقوّة إلى أنّ الإعتراف بدكتاتورية البروليتاريا كان محلّ خلاف هام بين الماركسية و شتى ألوان الإيديولوجيا البرجوازية بما فى ذلك التحريفية .

ثانيا ، شدّد على أن هذا الإعتراف يعنى لا أقلّ من الدفاع عن الثورة العنيفة من جانب الطبقة العاملة و تحطيم جهاز الدولة البرجوازية .
ثالثا ، شدّد أيضا على الطابع الإنتقالي للإشتراكية .

و أخيرا ، شدّد لينين على ما قاله ماركس عن إستمرار الحق البرجوازي :

" و عليه ، إن " الحق البرجوازي " فى الطور الأول من المجتمع الشيوعي ( الذى يسمى عادة بالإشتراكية ) لا يلغى بصورة تامة ، بل يلغى بصورة جزئية ، فقط بالمقدار الذى بلغه الإنقلاب الإقتصادي ، أي فقط حيال وسائل الإنتاج . ف "الحق البرجوازي " يعترف بها ملكا خاصا لأشخاص منفردين . أما الإشتراكية فتجعلها ملكا عاما . بهذا المقدار ليس غير ، يسقط "الحق البرجوازي" .
و لكنّه يبقى مع ذلك فى جزئه الآخر ، يبقى بصفة ضابط ( محدّد ) لتوزيع المنتوجات و توزيع العمل بين أعضاء المجتمع ." ( 23)

و بُعيد ذلك ، يشير لينين إلى الأساس الإٌقتصادي لإضمحلال الدولة إضمحلالا تاما و الذى يتطلّب :

" ... تطوّر الشيوعية إلى حدّ عال يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسدي ، و يزول بالتالى ينبوع من أهمّ ينابيع اللامساواة الإجتماعية الراهنة ، مع العلم أنّه ينبوع تستحيل إزالته فورا إستحالة تامة بمجرد تحويل وسائل الإنتاج ملكا إجتماعيا ، بمجرد مصادرة أملاك الرأسماليين " . ( 24)

هذا تحليل عميق لبعض العوامل الأساسية للإنتقال من الإشتراكية إلى الشيوعية . و أحد نتائجه ستبرز أن هذه الفترة الإنتقالية ، الإشتراكية ستمتدّ على فترة طويلة نسبيا ، مثلما لاحظ ذلك لينين هنا ، و أن القاعدة الإقتصادية الشيوعية لن تتحقق بأي حال من الأحوال بمصادرة الرأسماليين و إنما فقط بحلّ التناقض بين العمل اليدوي و العمل الفكري ( بقول هذا كان لينين يقتفى خطى ماركس و إنجلز اللذان أشارا إلى أن تقسيم العمل إلى عمل فكري و عمل يدوي هو أساس الطبقات ) و من الواضح أن تجاوز هذا التناقض ( بين العمل الفكري و العمل اليدوي ) سيمتد على فترة تاريخية طويلة نسبيا .

مع ذلك ، فى أجزاء أخرى من " الدولة و الثورة " ، يبدو أن لينين فكّر أن فترة دكتاتورية البروليتاريا ستكون نسبيا قصيرة . و هذه النظرة إلى أن الإنتقال إلى الشيوعية سيكون نسبيا سريعا ، توجد بوضوح كبير لدى ماركس و إنجلز . و مثال ذلك الجمل التالية فى " ضد دوهرينغ " ، التى يستشهد بها لينين أيضا :

" فالبروليتاريا تستولى على سلطة الدولة و تحوّل وسائل الإنتاج قبل كل شئ إلى ملكية الدولة . و لكنها بذلك تقضى على نفسها كبروليتاريا ، و بذلك تقضى على كل الإختلافات الطبقية و التناقضات الطبقية و معها تقضى على الدولة كدولة ." ( 25)

و ورد هذا كذلك فى موقف شهير لماركس حيث قال :

" فبعدما كانت هذه العلاقات أشكالا لتطوّر القوى المنتجة ، تصبح قيودا لهذه القوى ، و عندئذ يفتح عهد ثورات إجتماعية . فإن تغيّر الأساس الإقتصادي يزعزع كل البناء الفوقي الهائل على صورة مختلفة من السرعة أو البطء ". (26)

هذا صحيح كوصف عام للإنتقال من نظام إستغلال إلى آخر ( مع أنه حتى فى هذه الحالات هنالك عامة فترة طويلة من التغيّرات الكمّية قبل القفزة النوعيّة النهائية نحو التركيز الصارم للنظام الجديد ) . لكن فى ما يتعلق بالإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية ، يخطأ هذا الموقف خطأ مزدوجا :

أوّلا ، لا يعترف بما فيه الكفاية بصعوبة و تشعّب مخطّط طبيعة الصراع من أجل تحويل البناء الفوقي ، ذاهبا إلى رؤية هذه السيرورة بإنتظارية نسبيّة رابطا سلسلة التغيّرات بالقاعدة الإقتصادية .

ثانيا ، يقلص من سيرورة تحوّل القاعدة الإقتصادية ذاتها بما يعنى ليس فقط التغيّر فى نظام الملكية لكن أيضا إلغاء تقسيم العمل المميّز للمجتمع الطبقي و بقايا الرأسمالية فى نظام التوزيع .

و خلاصة القول ، فى حين يتحدث ماركس و إنجلز عن ضرورة تجاوز " التبعيّة العبوديّة للفرد حيال تقسيم العمل " و التجاوز الكلّي لا فقط لأفق الحق البرجوازي ، و فى حين أكّدا بصيغة أعمّ على أن الثورة الشيوعية كانت نوعيا مغايرة لكل الثورات السابقة لها ، و يجب أن نتحدّث عن قطيعة راديكالية مع كلّ علاقات الملكية التقليدية و كل الأفكار التقليدية ، مع ذلك قد قلّصا من أهمية الزمن – و الصراع – الذى تستغرقه عملية القطيعة الراديكالية .

ومثلما سبقت الإشارة يعزى هذا إلى أن ماركس و إنجلز و لينين أيضا عندما ألّف " الدولة و الثورة " ( أوت – سبتمبر 1917 بالضبط قبل ثورة أكتوبر ) كانوا يحلّلون المسألة قبل أية تجربة واسعة ملموسة لحكم البروليتاريا . نتيجة لذلك أمكنهم بصحّة إدراك المظاهر الأساسية و إتجاه المجتمع الإشتراكي لكنّهم لم يستطيعوا أن يتنبّؤوا ببعض أهم المظاهر و التناقضات .

يقول لينين متحدثا عن تحليل ماركس للدولة سنة 1852 :

" إن ماركس الأمين لفلسفته المادية الديالكتيكية يأخذ كأساس الخبرة التاريخية التى أعطتها السنوات العظمى ، سنوات ثورة 1848-1851 و تعاليم ماركس هنا ، كشأنها أبدا ، هي تلخيص للخبرة على ضوء نظرة فلسفيّة عميقة و معرفة واسعة للتاريخ " .( 27)

بكلمات أخرى ، من مبادئ المادية الجدلية أن النظرية عموما و بصفة شمولية تلخّص الممارسة . هذا مظهر من أن الممارسة هي أوّليّة نسبة للنظرية . هذا مبدأ أساسي للمادية . يمكن للإنسان ان يستوعب الواقع المادي فى الفكر و أن يلخّصه نظريّا لكن الفكر الإنساني ، مع أنه يستطيع أن يستوعب قوانين الحركة – الديالكتيك – و على هذا الأساس أن يتنبأ بالمستقبل ، لا يمكنه أن يقارب بكل معنى الكلمة الأشياء التى ستظهر فقط فى المستقبل . بصيغة أخرى ، متسلّحا بعلم صحيح ( هو ذاته إفراز الخلاصة النظرية للممارسة ) يمكن للإنسان أن يستوعب جوهر الشئ و من هنالك سيرورة تطوّره العام ، لكن هذا لا يعنى أن خصوصيات التطوّر المستقبلى يمكن أن يقع التنبؤ بها بأي شكل من الأشكال . هذه نقطة شدّد عليها لينين بإستمرار فى " الدولة و الثورة " (28) التى عادة ما عبّر عنها أن الماركسيين ليسوا مثاليين ، يحاولون إختراع مجتمع جديد ، لكنّهم عوض ذلك يلخّصون نظريّات تطوّر المجتمع الجديد من القديم (29 ) و كانت هذه النقطة الجوهرية محلّ التشديد الذى صرح بأن الماركسيين ليسوا منجّمين .

و بالطبع لم يعش لينين تجربة عدّة سنوات من دكتاتورية البروليتاريا . و فى ملحقه الشهير ل " الدولة و الثورة " لفت لينين النظر إلى أن الكتاب يحتاج أن يتضّمن أيضا فصلا حول " تجربة الثورة الروسية لسنة 1905 و [ فيفري ] 1917 " لكن قبل أن يتمكن من كتابته قاطعته ثورة أكتوبر 1917 .

و إنطلاقا من الممارسة الثورية للبروليتاريا الروسية بقيادة لينين و الحزب البلشفي ، ممارسة دكتاتوريتها طوال السبع سنوات الباقية فى حياته ، شرع لينين فى إنجاز بعض التطويرات فى الفهم النظري الماركسي للدولة و لممارسة بناء الإشتراكية و تركيز دكتاتورية البروليتاريا .

لقد واجهت الطبقة العاملة السوفياتية أعداءا داخليين و آخرين خارجيين ممّا فرض عليها خوض صراع شرس ضد البرجوازية و المستغِلين الآخرين داخل الجمهورية السوفياتية و كذلك ضد الإمبرياليين و الرجعيين الأجانب الآخرين الذين تجمّعوا سعيا للإطاحة بالدولة البروليتارية الجديدة . و من هذه التجربة إستخلص لينين إستنتاجات هامة للغاية بشأن الطابع المستمر للصراع من أجل التقدّم نحو المجتمع الشيوعي و تواصل وجود البرجوازية و التأثيرات البرجوازية و العلاقات البرجوازية و إعادة إنتاج العناصر البرجوازية فى ظل الإشتراكية – من منابع وسط المجتمع الإشتراكي و منابع عالمية على حد السواء .

و صاغ لينين هذه الإستخلاصات فى عدد من الكتابات فى السنوات الأولى من الجمهورية السوفياتية . إثر سنتين فقط من ثورة أكتوبر ، بدأ لينين يلخّص تجربة حكم الطبقة العاملة فى مقال هام فى جريدة البرافدا " الإقتصاد و السياسة فى عهد دكتاتورية البروليتاريا " فالطبقات ما تزال باقية و ستبقى طوال عهد ديكتاتورية البروليتاريا و عندما تزول الطبقات ، تصبح الديكتاتورية عديمة الجدوى و لكن الطبقات لن تزول بدون ديكتاتورية البروليتاريا ".( 30)

و الطبقات التى يعنيها لينين هنا هي أوّلا ، البرجوازية الصغيرة و بالأخص الفلاّحين الذين أعارهم لينين إهتماما كبيرا فى هذا المقال و كذلك فى مقالات أخرى ، مناقشا كيف يجب على دكتاتورية البروليتاريا أن تتقدّم بإتجاه القضاء على الإختلافات الطبقية بين الفلاحين و العمّال بالتحويل الممكن للفلاّحين إلى عمّال . ثانيا ، كان لينين يعنى الطبقة الحاكمة السابقة لروسيا و التى قال عنها :

" إن طبقة المستثمِرين ، الملاكين العقاريين و الرأسماليين ، لم تزل و لا يمكن أن تزول دفعة واحدة فى ظلّ ديكتاتورية البروليتاريا . لقد تمّ هزم المستثمِرين و لكنّه لم يتم القضاء عليهم بعد . فلا تزال لهم قاعدة عالمية ، هي الرأسمال العالمي ، هم لها بمثابة فرع تابع . ولا يزال لهم بعض من وسائل الإنتاج ، و لا يزال لهم المال ، و لا تزال لهم علاقات إجتماعية واسعة جدّا . و لقد إزدادت مقاومتهم شدّة مائة مرّة بل ألف مرّة ، و ذلك بسبب من هزيمتهم بالضبط . إن " تفنّنهم " فى تصريف شؤون الدولة و الشؤون العسكرية و الإقتصادية يؤمن لهم تفوّقا هائلا بحيث يصبح وزنهم أكبر بما لا حدّ له من النسبة التى يمثلونها فى مجمل السكان ." ( 31)

و بعد مرور بضعة أشهر ، يعود لينين لهذه المواضيع فى كتابه المعروف " مرض "اليساريّة" الطفولي فى الشيوعية " حيث كان هدف من أهدافه هو تلخيص السنتين و نصف السنة من دكتاتورية البروليتاريا التى مُورست ، و بدأت الإشتراكية فى بناء الجمهورية السوفياتية . فى عمله هذا ، أكّد لينين بوجه خاص على تأثير إنتاج البرجوازية الصغيرة و القوّة العظيمة للعادة و التقاليد فصرّح :

" لقد بقيت الطبقات وهي ستبقى فى كلّ مكان طوال سنوات بعد ظفر البروليتاريا بالسلطة ... إن القضاء على الطبقات لا يعنى فقط طرد الملاكين العقاريين و الرأسماليين ، فهذا ما قمنا به نحن بسهولة نسبيا ، إنّه يعنى كذلك القضاء على منتجى البضائع الصغار ، و هؤلاء لا يمكن طردهم ، و لا يمكن قمعهم ، إنّما يلزم أن نتعايش معهم فمن الممكن ( و الواجب ) إصلاحهم و تربيتهم على نمط جديد ، و ذلك فقط بواسطة عمل تنظيمي مديد يحقق ببطء و إحتراس ." ( 32)

هنا يشير بالخصوص إلى الفلاحين فى الريف و كذلك إلى التجاّر الصغار و عناصر أخرى من البرجوازية الصغيرة فى المدن . و إعتبر لينين أن الإنتاج الصغير هو المنبع الأولي لإمكانية إعادة تركيز الرأسمالية وفى مقتطف شهير آخر قال :
" إن الإنتاج الصغير يلد الرأسمالية و البرجوازية بإستمرار ، فى كل يوم و كل ساعة ، و بصورة عفوية و على نطاق واسع . " (33)

بإختصار ، عبّر لينين عن أن أهمّ مخاطر إعادة تركيز الرأسمالية متأتّية من الطبقات الحاكمة المطاح بها و بقاء الإنتاج
( على النطاق الصغير ) للبرجوازية الصغيرة . و بالتالى كان ينجرّ عن ذلك أن أهمّ مهام دكتاتورية البروليتاريا فى دفع المجتمع الإشتراكي نحو الشيوعية و منع تراجعه نحو الرأسمالية ، كانت تحطيم مقاومة الملاكين العقاريين القدامى و الرأسماليين و القضاء التدريجي على الإنتاج الصغير . و منبع التناقضات الطبقيّة التى ينبغى أن تعالجها البروليتاريا قبل بلوغ المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات مردّها بقايا الطبقات المستغِلة ، من جهة ، و الفلاحين و العناصر البرجوازية الصغيرة ، من جهة أخرى . و أقرّ بأنه يجب أن تُستعمل طريقتين مختلفتين لمعالجة التناقضين من نوع مختلف – الأول تناحري و الثانى غير تناحري .

هذا هو قوام نظرة لينين لكنّه لا يمثّل كل تحليله للمجتمع الإشتراكي إذ شرع ايضا فى معالجة أعمق لتطوّر برجوازية جديدة داخل المجتمع الإشتراكي . وهكذا فى 1918 قال :

" نعم بالإطاحة بالملاكين العقاريين و البرجوازية نظّفنا الطريق لكنّنا لم نشيّد صرح الإشتراكية . على الأرضيّة النظيفة من جيل من البرجوازية ، ستظهر أجيال جديدة بإستمرار فى التاريخ طالما أن الأرضيّة تسمح لهم بالظهور و طالما تسمح بظهور عدد من البرجوازيين . بالنسبة لأولئك الذين ينظّرون إلى الإنتصار على الرأسماليّين بالطريقة التى تنظر إليه البرجوازية الصغيرة ، فإنّ كلّ واحد منهم ، فى الواقع ، منبع جيل جديد من البرجوازية ." ( 34)

مع ذلك ، مثلما يمكن أن يلاحظ ، يحدّد لينين الخطر هنا تقريبا كلّيا بتأثير الإنتاج البرجوازي الصغير . و بالفعل فى الخطاب ذاته صاغ موقف أن " العدوّ الرئيسي خلال الإنتقال من الرأسماليّة إلى الإشتراكيّة هو البرجوازية الصغيرة و تقاليدها و موقعها الإقتصادي ." (35)

و يجب الإشارة إلى أن لينين ، كما قال بوضوح هنا ، يتحدّث عن الإنتقال من الرأسماليّة إلى الإشتراكيّة ، يعنى من الملكية الرأسمالية إلى الملكية الإشتراكية الذى كانت الجمهورية السوفياتي بصدده . بصيغة أخرى ، لا يعالج لينين هنا مسألة الإنتقال إلى الشيوعية ، ( و تترتّب علينا كذلك ملاحظة أن لينين وهو يقول إنّ " العدوّ الرئيسي " هو البرجوازية الصغيرة لا يعنى حرفيّا أنّه يجب التعامل معها بصفة عدائيّة بل أنّ الإنتاج الصغير و التجارة و عقليّة المنتج الصغير التى هي أساسا برجوازيّة ، ستشكّل العراقيل الأصعب تجاوزا .

وسنة بعد ذلك ، ألمح بصورة خاصة إلى أنّ " البرجوازية الصغيرة التى ظهرت فى بلادنا " . تحدث عن أن البرجوازية " تظهر ... ضمن موظّفى الحكومة السوفياتية " و العديد منهم كانوا فعلا مثقّفين برجوازيّين تمرّسوا فى المجتمع القديم . و يسترسل ليقول " فقط قلّة قليلة يمكن أن تظهر من صفوفها " و أن البرجوازية الجديدة تظهر بالأساس " من صفوف الفلاحين و الحرفيين " (36 )

حينها أخذ لينين يطوّر معاني أن الصراع الذى يؤدى إلى الشيوعية و تحطيم الطبقات سيكون طويلا و معقّدا . و مثال ذلك ما ورد فى " المبادرة الكبرى " :

" و واضح أنّه من أجل محو الطبقات تماما ، لا يكفى إسقاط المستثمِرين ، الملاّكين العقّاريين و الرأسماليّين ، لا يكفى إلغاء ملكيّتهم ، إنّما ينبغى أيضا إلغاء كل ملكيّة خاصة لوسائل الإنتاج ، ينبغى إزالة الفرق بين المدينة و الريف كما ينبغى إزالة الفرق بين العمل اليدوي و العمل الفكري ، و إنّها لمهمة طويلة النفس ."( 37 )

وهنا بجلاء يفصح لينين عن أن فترة الإشتراكية إنتقالية و أنّه يجب بإستمرار التحرّك بإتّجاه الشيوعيّة و أن دكتاتورية البروليتاريا لا يترتّب عليها فقط أن تحطّم مقاومة المستغِلين السابقين و إلغاء الإختلاف بين العامل و الفلاّح بل يجب كذلك أن تعالج جميع التناقضات المفرزة للطبقات ، و بالنتيجة ستستغرق دكتاتورية البروليتاريا فترة تاريخية مديدة .

و فى نفس المقال ، تفحّص لينين أيضا مظهرا آخر من الطبيعة الإنتقاليّة للإشتراكيّة بما هي مجال حرب بين الشيوعية التى تكافح من أجل التطوّر و الرأسمالية التى تقاوم القضاء عليها . و بصورة خاصة ، يلفت لينين الإنتباه إلى بعض " غايات " المجتمع الشيوعي المستقبلي و التى راحت تتطوّر فى المراحل الأولى من الإشتراكية فى الجمهورية السوفياتية . و كان ذلك على وجه الخصوص زمن الأسابيع الشيوعية ( السبوت الشيوعية ) و التى ساهم أثناءها العمّال بعمل تطوّعيّ للتقدّم فى البناء الإشتراكي للمجتمع بأسره ، ليس على أساس أنّهم سيجازون بعلاوات وأنّهم مضطرّون بالسلاح ، و ليس لأنّهم أرادوا رؤية وحدتهم تترعرع أو تستفيد ، لكن على أساس أن العمّال كانوا فعلا فى السلطة و كانوا يعيدون صنع المجتمع لصالحهم هم ، و عمّال "السبوت الشيوعية " هؤلاء كانوا بوجه خاص تقودهم النظرية الشيوعية و رؤية المهمة التاريخية فى تحقيق الشيوعية .

و إنطلاقا من موقفهم الواعى فى الحفاظ على سلطة الطبقة العاملة و تغيير المجتمع ككلّ ، طفق العمّال الأوعى طبقيّا يقومون بهكذا أيّام عمل دون أي مقابل و مثلما قال لينين لا لأجل مصالحهم القريبة المدى بل لأجل مصالهم البعيدة المدى ، لأجل المجتمع برمته . ( 38 )

و لخّص لينين أنّ هذا كان هشّا لكنّه هدف فى غاية الأهمّية بالنسبة لمستقبل المجتمع الشيوعي و باكورة علاقات إنتاج مستقبليّة ( شأنها شأن البناء الفوقي ، لا سيما الإيديولوجي ) الذى سيرسى عبر المجتمع .

و شرع لينين لاحقا ، على أساس من الممارسة المحدودة لدكتاتورية البروليتاريا إلى حينذاك ، شرع فى فحص عدّة مظاهر من هذه الدكتاتورية التى ستُطوّر فى المستقبل بصورة أعمق و أشمل من قبل ماو تسى تونغ إستنادا إلى تجربة تاريخية أغنى و أعمق لدكتاتورية البروليتاريا . و لاحظ لينين أن مهمّة هذه الدكتاتورية هي تحطيم الطبقات و التوصّل إلى الشيوعية و أنّها ستقتضى صراعا طويلا و معقّدا ( يتطلّب إستخدام وسائل شتّى و سيتّخذ أشكالا شتّى أيضا بغية معالجة التناقضات الكامنة التى تولّد الطبقات ( لا سيما التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ).

و فى نفس الوقت ، نجد أكثر من جزء من النظرة التى سيطوّرها فيما بعد ماو تسى تونغ و فحواها أن خلال الفترة الإنتقالية الإشتراكية تظل هنالك طبقات متناحرة و صراع تناحري بين البروليتاريا و البرجوازية .

ستالين :

كاف هو الفهم الذى صاغه ماو تسى تونغ على أساس تلخيص التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي و الصين و فى عدّة بلدان أخرى . بيد أنّه قبل المضيّ مباشرة إلى التطوير الذى قام به ماو لنظرية و ممارسة الثورة فى هذا المجال بأكثر أهمّية ، من المهمّ شرح دور ستالين بخاصة فى مسألة الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا و تطبيقها .

ستالين هو الذى قاد الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و عبره جماهير الشعب فى الإتحاد السوفياتي فى المحافظة على حكم الطبقة العاملة و بناء الإشتراكية لمدّة ثلاثين سنة . و مع تقديمه القيادة لمثل هذه المهمّة الظرفية فى ظلّ ظروف صعبة للغاية و دون أيّة تجربة تاريخيّة سابقة ، ساهم ستالين مساهمة حقيقية عظيمة و حقيقة أيضا بيد أنّ فى سيرورته إقترف أخطاء بعضها جدّي للغاية . من هنا من الأهمية بمكان تلخيص صحيح لا فقط لمساهمات ستالين بل أيضا لأخطائه بالخصوص بشأن المسألة التى تعدّ حجر الزاوية فى الماركسية و نعنى دكتاتورية البروليتاريا .

فى " أسس اللينينية " ، المكتوب بالضبط إثر وفاة لينين فى 1924 ، لخّص ستالين المبادئ الأساسية لمساهمات لينين فى الماركسية بما فى ذلك و كأحد أهم النقاط ، نظرية دكتاتورية البروليتاريا . و عرض ستالين بصيغة سليمة مسألة الإنتقال إلى المجتمع الشيوعي كمسألة صراع ، صراع محتدم ضد جميع بقايا الطبقات الحاكمة للمجتمع القديم و تأثيرات المنتجين الصغار و نظرتهم للعالم ، و صراع يتطلّب تحويل تفكير لا فقط الفلاّحين و كافة العناصر البرجوازية الصغيرة ، بل كذلك تفكير جماهير العمّال بمن فيهم عمّال المصانع . و بيّن ستالين أن هذا الصراع جزء من المهمّة الأساسيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا .

و واصل ستالين دفاعه عن مبادئ قيادة الطبقة العاملة فى خوض الصراع الحاد للغاية و المعقّد جدّا ضد الأعداء الطبقيّين داخل الحزب و خارجه على حد السواء . و قاد على وجه الخصوص الصراعات التى ألحقت الهزيمة بتروتسكي و بوخارين و غيرهما ، و بالتحديد قيادتين فى الحزب كان خطّاهما بشكل أو آخر سيقضيان على الإشتراكية و سيعيدان تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي .

و من الدلالة بمكان قيادة ستالين لخوض نضال تحويل الملكية فى الظروف المعقّدة للإتحاد السوفياتي حيث كان تحويل الملكيّة لا يشمل تعويض العلاقات الرأسمالية بالعلاقات الإشتراكية فحسب بل كذلك يشمل التقدّم عبر عديد أطوار الحركة التعاونيّة ، من بقايا الإقطاعيّة إلى نطاق واسع من الملكية الإشتراكية فى الريف . لكن بعد أن تمّ التحويل الإشتراكي للملكية بالأساس فى نصف الثلاثينات ب و أواخرها خاصة ، إنتهى ستالين إلى إستخلاصات خاطئة جدّيا فيما يخّص طبيعة المجتمع السوفياتي و التناقضات التى ميّزته .

و تجسّدت هذه الأخطاء على سبيل المثال فى المقتطف التالي من تقرير ستالين " حول مشروع دستور الإتحاد السوفياتي " المقدّم سنة 1936 :

" هكذا الإنتصار للنظام الإشتراكي فى كلّ مجالات الإقتصاد صار الآن أمرا واقعا . و ما معنى هذا ؟ معناه أن إستغلال الإنسان للإنسان ألغي ، قضي عليه ... هكذا وقع الآن إلغاء كافة الطبقات الإستغلالية النهائي ".( 39)

و إستطرد ستالين ليقول إن :

" الطبقة العاملة لا تزال موجودة و كذلك طبقة الفلاّحين و المثقّفين لكن الخطوط المميّزة بين الطبقة العاملة و الفلاّحين و بين هذه الطبقات و المثقّفين بصدد الإمحاء ".(40)

و قاد هذا التحليل ستالين إلى أن يقول فى تقريره إلى المؤتمر 18 فى 1939 إن :

" ما يميّز المجتمع السوفياتي فى يومنا هذا عن أيّ مجتمع رأسمالي هو أنه لم يعد يحتوى طبقات متناحرة ، متصارعة ، إن الطبقات الإستغلالية أُلغيت فى حين يعيش العمّال ، و الفلاّحون و المثقّفون الذين يكوّنون المجتمع السوفياتي و يعملون بتعاون رفاقي ". ( 41)

يجب ان ندرك بوضوح بعد تجربة الثورة الصينية و الخلاصات النظرية لماو تسى تونغ أن هذا خاطئ . ذلك أن الطبقات المتناحرة تواصل الوجود فى ظلّ الإشتراكية و ما يميّز الإشتراكية عن الرأسمالية ليس إضمحلال الطبقات المتناحرة و إنّما هو كون الطبقة العاملة هي الطبقة الحاكمة عوض أن تكون طبقة مضطهدة .

لكن إنطلاقا من تحليله الخاطئ فى أواسط الثلاثينات و أواخرها إتّخذ ستالين موقفا كان يذهب إلى إعتبار أن السبب الوحيد لمواصلة دكتاتورية البروليتاريا هو محاصرة الإتّحاد السوفياتي من قبل الأعداء و الإمبراليين ، و وجد آخرون فى الحزب السوفياتي قالوا بما أنّه ( فرضيا ) لم تعد توجد طبقات متناحرة فى الإتحاد السوفياتي بالتالى يتعيّن القضاء على الدولة . غير أنّه عند الردّ عليهم أعرب ستالين ، وهو يشاطرهم رأيهم الخاطئ حول عدم وجود طبقات متناحرة فى الإتحاد السوفياتي ، بأن نظرتهم بيّنت " إستهانة بقوّة و مغزى آليّة الدول البرجوازية المحيطة بنا و أجهزة تجسّسهم ..." ( 42).

و خلُص ستالين حتى إلى أنّه يمكن للإتحاد السوفياتي أن يتوصّل ، بالأحرى قريبا ، إلى الشيوعية ذاتها ، لكن حتى حينها ستبقى الدولة السوفياتية قائمة الذات " إذا لم يتم القضاء على المحاصرة الرأسمالية .. ". ( 43)

طبعا ، كان ستالين على حق مطلقا فى دفاعه عن دكتاتورية البروليتاريا ضد الذين أرادوا القضاء عليها و كان أيضا على حق فى إشارته إلى أن الدولة السوفياتية كانت ضروريّة للحفاظ على مكاسب الإشتراكيّة ضد الإمبرياليّين الأجانب . بيد أنّذه كان ذى نظرة إحادية الجانب و جوهريا غير سليمة فى الإشارة إلى هذه العوامل و بالتالى فى رؤية الصراع الداخلي و التناقضات داخل المجتمع السوفياتي كإفراز لنشاطات العناصر الأجنبية و ليس كإفراز للحركية الداخلية للمجتمع الإشتراكي ذاته .

هكذا يمكن رؤية أن ستالين من ناحية ، دافع بصرامة عن ضرورة دكتاتورية البروليتاريا إلّا أنّه من ناحية ثانية ، خلال هذه الفترة بالذات ، لم يكن الأساس النظري أصلا صحيحا ممّا جعله يرتكب أخطاءا جدّية فى التفكير . بهذا المعنى بمستطاعنا أن نقول إنّ أخطاء ستالين لا تعزى إلى إنحراف جدّي عن إستنتاجات لينين الخاصة بدكتاتورية البروليتاريا بقدر ما تعزى إلى أنّه لم يطبق بطريقة سديدة الماركسية - اللينينية لتحليل الظروف الجديدة التى برزت فى الإتحاد السوفياتي مع المشركة ( الجوهرية ) للملكية وهي ظروف لم يكن لينين ذاته ( كما الماركسيين السابقين ) أساس لتحليلها بالملموس ، بما أنّها لم تنشأ حينها . و عندما عالج ستالين هذه الظروف التاريخية الجديدة ، خرج بإستخلاصات غير صحيحة ، جزئيا ، بفعل أنّها كانت فعلا جديدة لكن أيضا بفعل قسط من الميتافيزيقا و المادية الميكانيكية فى رؤيته . جوهريا ، ركّز ستالين بصفة إحادية الجانب على نظام الملكيّة و أخفق فى معالجة المظاهر الأخرى لعلاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة و إنعكاساتها على نظام الملكيّة بصفة كافية و سليمة . و نجم عن هذا إستنتاج خاطئ ( عبّر عنه بأكثر وضوح فى المؤتمر 18 للحزب فى 1939 ) أن مشركة الملكية تقضى على الطبقات المتناحرة و على الأساس الداخلي لإعادة تركيز الرأسمالي فى الإتحاد السوفياتي .

فى إرتباط بهذه الأخطاء ، لم يستند ستالين بما فيه الكفاية على الجماهير و عوّل كثيرا على الطرق البيروقراطية . و نتيجة كلّ هذا إقترف ستالين أخطاء كذلك فى ما يتصل بالإطاحة بالمعادين للثورة . نظرا لتحليله للمجتمع الإشتراكي ، كان ستالين يفكّر فى أن كافة المعادين للثورة ينبغى أن يتأتوا بالأساس من منابع رأسماليّة أجنبيّة أكثر منها من التناقضات الداخلية للإشتراكية . لهذا أخفق ستالين جزئيا ، فى التعويل على الشعب بما فيه الكفاية لكشف و إظهار المعادين للثورة إلى النور و عوّل تقريبا كلّيا على جهاز المخابرات السوفياتية . و لكونه لم يفهم بصفة صحيحة منبع النشاط المعادي للثورة
( لرؤيته أن مصدره خارجي فقط ) ، قام بعدد من الأخطاء فى معالجة المسألة و عادة ما وسّع هذه المهمّة على نحو خاطئ و خلط بين التناقضات فى صلب الشعب و التناقضات بين الشعب و العدوّ .

و خلال الجزء الأخير من حياته ، بدأ ستالين يسعى إلى تحليل بعض التناقضات الخاصة التى لم تزل موجودة فى ظلّ الإشتراكية و فى الإتحاد السوفياتي بشكل خاص . و جرى ذلك بصورة خاصة فى إحدى أعماله الأخيرة " القضايا الإقتصادية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي " . لقد سبق و أن عرضنا مظاهر قوّة هذا المؤلف و مظاهر ضعفه ... و ما تجدر ملاحظته هو أن ستالين يركّز هنا على أن التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج يظلّ قائما فى ظلّ الإشتراكية و أنّه إذا لم يعالج بطريقة صحيحة فإنّه يمكن أن يصبح تناقضا عدائيّا و حتّى أن يوفّر قاعدة لظهور العناصر الرأسمالية التى تعود بالمجتمع إلى الوراء . بيد أن ستالين لم يتطرّق إلى التناقض المستمر بين البنية التحتيّة و البنية الفوقيّة و أكثر من ذلك لم يلخّص أن التناقض بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج و البنية التحتيّة و البنية الفوقيّة لا يمثّل فقط التناقض الأساسي فى المجتمع الإشتراكي بل إنّه يجد تعبيره أيضا خلال الإشتراكية ، رئيسيّا فى وجود البرجوازية و البروليتاريا و الصراع بيهما كتناقض طبقي عدائي .

التحليل الصيني لستالين :

بقيادة ماو تسى تونغ ، قام الحزب الشيوعي الصيني و بصفة جدّية و شاملة بتقييم لمسألة دور ستالين فى الحركة الشيوعية العالميّة متبيّنا كلاّ من إصاباته و أخطائه ؟ و هكذا بعد " التقرير السرّي " السيّئ الصيت الذى قدّمه خروتشاف للمؤتمر 20 للحزب سنة 1956 و الحملة المعادية لستالين التى تلته و التى نظّمها مغتصب الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي التحريفي ، لخّص تحليل الحزب الشيوعي الصيني الدروس الحيويّة فى تلك الساعة الحاسمة فيما يخص تجربة دكتاتورية البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي و قيادة ستالين لها .

و إتّخذ هذا التلخيص شكل مقالين فى " يومية الشعب " ( 5 أفريل و 29 ديسمبر 1956) . و رغم أن التحريفيّين فى الصين قد نجحوا فى تمرير بعض من خطّهم فى هذين المقالين ( بالخصوص الأول) اللّذان يحتويان بعض المواقف التى يمكن أن توضع موضع تساؤل وهي خاطئة تماما ( مثل الموقف بصدد يوغسلافيا )، عموما يدافع هذان المقالان عن ستالين و بوضوح يذودان عن دكتاتورية البروليتاريا . يركّزالمقال " حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " على أن التناقضات تظلّ موجودة فى ظلّ الإشتراكيّة ، و أن الخط الجماهيري هو مفتاح الطرق الصحيحة الشيوعية فى القيادة . و يعالج المقال الثاني " مزيدا حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " وهو أطول ، عديد المواضيع ، لكن غايته الأساسيّة هي التأكيد بأنّه رغم أن ستالين إقترف أخطاء ، فإنّه كان ثوريّا كبيرا ، إصاباته أكثر من أخطائه وهي المظهر الرئيسي فى تقييمه ، و الهجوم على الذين كانوا يستعملون نقد ستالين لمحاولة القضاء على دكتاتورية البروليتاريا ، من الواضح أن هذا الهجوم يتوجّه لا فقط ضد خروتشاف لكن أيضا ضد معاضديه من التحريفيين فى الصين ، و الذين كانوا يتّجهون إلى القيام بالضبط بذلك (44) .

و هذا جلي أيضا من خلال إحدى كتابات ماو تسى تونغ الأخرى فى السنة ذاتها ، " العشر العلاقات الكبرى " حيث صرّح :

" فى الإتحاد السوفياتي ، أولئك الذين كانوا يوما يرفعون ستالين إلى السماء ، رموا به الآن دفعة واحدة إلى المزبلة . هنا فى الصين يتّبعهم بعض الناس . و رأي اللجنة المركزية أن أخطاء ستالين تقدّر فقط بنسبة 30 بالمائة من مجمل أعماله و إصاباته تقدر بنسبة 70 بالمائة و أن كلّ الأشياء مأخوذة بعين الإعتبار ، كان ستالين مع ذلك ماركسيا عظيما . على أساس هذا التقييم كتبنا " حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " .(45)

ثم فى نفس السنة ، فى نوفمبر 1956 ، يفصح ماو عن الأمور بطريقة أجلى :

" أريد أن أقول بضعة كلمات بشأن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي . أعتقد أن هنالك "سيفان" ، واحد هو لينين و الآخر هو ستالين . تخلى الروس عن السيف ستالين . و كوملغا و بعض الناس فى المجر أمسكوا بذلك الموقف ليتبعوا الإتحاد السوفياتي و ليعارضوا ما سمّي الستالينية . و الأحزاب الشيوعية لعديد البلدان الأوروبية بصدد نقد الإتحاد السوفياتي و قائدهم فى ذلك هو توغليياتي . و الإمبرياليون بدورهم يستخدمون هذا السيف لضرب الشعب . و دولاس، مثلا، رفعه لبعض الوقت . هذا السيف لم تقع إعارته ، لقد تخلّوا عنه . و نحن الصينيون لم نتخلّى عنه . أوّلا ، نحن ، ندافع عن ستالين ، و ثانيا نحن ننقد فى نفس الوقت أخطاءه و قد كتبنا مقال " حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " ، على عكس بعض الذين حاولوا تشويه ستالين و تحطيمه ، نحن نعمل تبعا للواقع الموضوعي .

أّما بالنسبة للسيف لينين ألم يتخلى السوفيات عنه إلى حدّ معيّن ؟ وجهة نظري هي أنّه وقع التخلّى عنه إلى حدّ له دلالته . هل ما زالت ثورة أكتوبر صالحة ؟ هل يمكن أن تستعمل بعدُ كمثال لكل البلدان ؟ ورد فى تقرير خروتشاف للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي إنّه من الممكن إفتكاك سلطة الدولة عن طريق البرلمانية بما يعنى أنّه لم يعد من الضروري لكلّ البلدان التعلّم من ثورة أكتوبر . إذا فُتح هذا الباب فإنّه سيقع التخلّى بصورة كبيرة عن اللينينية " . (46)

و أولى ماو تسى تونغ بالطبع كبير الإهتمام لإنجاز تقييم مفصّل و موضوعي لستالين و مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك ، و على قاعدة التقييم الذى توصّل إليه لإصابات ستالين و أخطائه ، حقّق ماو تسى تونغ أعظم مساهماته فى نظرية و ممارسة دكتاتورية البروليتاريا .

لقد قاد ماو تسى تونغ جماهير الشعب الصيني فى تحرير بلادهم من براثن الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية و أحرز إنتصارا تاريخيا بالأساس فى 1949 . وشكل الدولة الخاص التى تركّزت فى الصين على أنقاذ الدولة القديمة سمّي دكتاتورية ديمقراطية شعبية . كان هذا بالفعل ( إذا لم تكن بالتسمية ) الشكل الخاص الذى إتخذته دكتاتورية البروليتاريا فى الصين مع تأسيس الجمهورية الشعبية بما أن الثورة الصينية كانت فى البداية ثورة ديمقراطية جديدة . و بحكم هذا الطابع الخاص للثورة الصينية إكتسى تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الذى مثّل مسألة هامة للغاية بالنسبة للبروليتاريا فى المحافظة على سلطتها و على بناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي ، إكتسى حتى أهمّية أكبر فى الصين حيث الغالبية الساحقة للشعب كانت فلاحين تربطهم علاقات شبه إقطاعية فى المجتمع القديم و حيث كان الريف لفترة طويلة من الزمن المجال المحوري للثورة .

لكن أبعد من هذا ، كان شطرا من الطابع الديمقراطي الجديد للثورة أن بعض القطاعات من الرأسماليين الصينيين – البرجوازية الوطنية – الذين كانوا هم كذلك مضطهَدين من قبل التحالف الإقطاعي الرأسمالي الأجنبي ، يمكن و يجب أن يتّحد معه خلال المرحلة الأولى من الثورة الصينية و حتّى ( طالما كان ذلك ممكنا ) خلال المرحلة الإشتراكية ، بخاصة طوال سنواتها الأولى . ففى ظلّ هذا الشكل المتميّز من حكم الطبقة العاملة ( الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية ) ، كان لزاما تحديد تطوّر ، و فى ذات الوقت نفسه ، إستعمال البرجوازية الوطنية . و قد أكّد ماو تسى تونغ فى 1957 أن إلى الحدّ الممكن كان ضروريا معالجة التناقض مع البرجوازية الوطنية بصفة غير عدائية بمعنى أنّه ينبغى خوض صراع ضدّها كطبقة ملاك خواص و فى الآن ذاته محاولة كسب أكبر عدد ممكن من عناصرها .

و لكون كل هذا و تناقضات أخرى عُولجت بطريقة صحيحة حينذاك ، لم يستطع الرجعيون فى الصين أن ينجحوا بنفس المنهج و المستوى الذى نجحوا به فى بعض البلدان الإشتراكية الأخرى حينها . لنكن أوضح ، فى المجر فى 1956، تمكنت إنتفاضة رجعية من جلب قطاع هام من الجماهير . و إستغل الرجعيّون بعض تجاوزات الجماهير و عملوا على تحويل تحركها إلى إنتفاضة معادية للإشتراكية . و بالفعل ، لمّا برزت عناصر يمينيّة فى الصين فى 1957 و ذهبت مباشرة ضد تقدّم النظام الإشتراكي ، هبّت الغالبية الساحقة من الجماهير سياسيا للدفاع عن الإشتراكية و قد عزل هؤلاء المعادين للثورة و تراجعوا بسرعة نسبيا .

و فى هذه الغضون ، فى 1957-1958 ، جدّ تطوّران غاية فى الأهمية داخل الحركة الشيوعية العالمية و داخل البلدان الإشتراكية . أحدهما كان فى الصين عينها سنة 1956 ، إذ تحقق بالأساس التحويل الإشتراكي لنظام الملكية فعني أن ملكية الدولة تركزت أساسا فى الصناعة ، بينما فى الفلاحة كان يهيمن شكل أدنى من الملكية الإشتراكية فى الريف ، ملكية جماعية للأرض و أعمال إنتاجية كبرى تنجزها مجموعات الفلاحين . و مثّل هذا طبعا تقدّما و إنتصارا كبيرين بالنسبة للثورة الصينية و البروليتاريا فى العالم برمّته .

و فى الفترة ذاتها ، كان يحدث تراجعا كبيرا فى البلد الإشتراكي الأوّل فى العالم ألا وهو صعود التحريفيين بقيادة خروتشاف إلى السلطة و بداية سيرورة القلب الكلّي للثورة فى الإتّحاد السوفياتي و إتّباع الطريق الرأسمالي . و كجزء ضروري و هام للغاية فى دفع سيرورة إعادة تركيز الرأسمالية ، نظّم خروتشاف هجوما على دكتاتورية البروليتاريا . و مثلما رأينا سابقا ، شكّل جزء جوهري من هذا هجوما شرسا و فظّا على ستالين الذى قاد الطبقة العاملة السوفياتية فى تعزيز دكتاتوريّتها و ممارستها . و إلى جانب ذلك ، نظّم خروتشاف هجوما نظريّا أشمل على دكتاتورية البروليتاريا ، مدّعيا أنّه قبلا ( فى ظل قيادة لينين و فى السنوات الأولى من قيادة ستالين ) كان ذلك ضروريا غير أنّه الآن لا حاجة لذلك و بالتالى يمكن للدولة السوفياتية أن تصبح ما أسماه " دولة الشعب بأسره " ! ، لم تعد جهاز طبقة بل دولة الجميع ، دولة جميع الطبقات فى المجتمع السوفياتي . ما سماّه خروتشاف " تطويرا خلاقا للماركسية " كان فعلا و طبعا لا أكثر من الشكل المباشر لإيديولوجيا البرجوازية التى تسعى دائما إلى أن تدعى أن الدولة فوق الطبقات ، بالضبط لغاية ممارسة دكتاتوريتها على البروليتاريا و لغاية نزع سلاحها سياسيا .

ومثلما أنفت الإشارة ، نظم الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو هجوما معاكسا ضد الهجوم على الماركسية – اللينينية ، بالدفاع عن ما حقّقته ، لا سيما عن دور ستالين و كذلك بالدفاع عن النظرية الجوهرية لدكتاتورية البروليتاريا لكن فى نفس الوقت ، كإنعكاس للصراع الدائر رحاه داخل الحركة الشيوعية العالمية و كذلك الصراع الطبقي فى الصين ككلّ . وجد صراع خطّين حاد و محتدم داخل الحزب الشيوعي ذاته فأولئك الذين يوجدون داخل الحزب و بالخصوص فى مستوياته العليا ، الذين يتّبعون الطريق الرأسمالي لقوا بالطبع مساندة لموقفهم فى تحريفية خروتشاف و زمرته و قاوموا بشراسة جهود ماو و قيادات ثورية أخرى فى الحزب الشيوعي الصيني لفضح التحريفية و الصراع ضدها . لذلك ، حينها ، كان ماو تسى تونغ يخوض صراعا محتدما ضد القياديّين التحريفيّين من أمثال ليو تشاوتشى و دنك سياو بينغ ، الذين كانوا يروّجون إلى أن الطبقات و الصراع الطبقي بصدد الإضمحلال فى الصين و بالأساس إلى أنّه لم تعد هنالك حاجة لدكتاتورية البروليتاريا فى الصين أيضا .

و فى إطار هذا الصراع ، صاغ ماو تسى تونغ موقفين من الأهمّية بمكان بشأن الصراع الطبقي فى الصين ذاتها حينها ، كانت لهما أيضا إنعكاسات أكبر على ما تمّ التوصل إليه بصدد المرحلة الإشتراكية ككلّ . أجرى ماو تحليلا هاما :
" و بغية توطيده [ النظام الإشتراكي الجديد ] بشكل نهائي ، يجب تحقيق التصنيع الإشتراكي للبلاد و المثابرة على الثورة الإشتراكية فى الجبهة الإقتصادية ، و يجب فى الوقت ذاته القيام ، بشكل متواصل ، بالنضال الثوري الإشتراكي المرير و التثقيف الإشتراكي الشاق فى الجبهتين السياسية و الإيديولوجية ... إن النضال لتدعيم النظام الإشتراكي ، و النضال الذى يتقرّر فيه أيّ من الإشتراكية و الرأسمالية ستنتصر على الأخرى ، سوف يستمرّ فى بلادنا لفترة تاريخية طويلة جدّا. " ( 47)

و قبل ذلك بشهر ، فى " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صلب الشعب " ركّز ماو بوضوح على أن :

" فى الصين ، رغم أن التحويل الإشتراكي قد تمّ فى الأساس فيما يتعلق بنظام الملكية و رغم أن الصراعات الطبقية الواسعة النطاق و العاصفة للجماهير و المميّزة لزمن الثورة إنتهت بالأساس ، لا تزال هنالك بقايا الطبقات الإقطاعية و الكمبرادورية المطاح بها ، و لا تزال هنالك برجوازية و التحويل بالتأكيد بدأ ! الصراع الطبقي لم ينته بأي شكل من الأشكال ، الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية ، الصراع الطبقي بين القوى السياسية المختلفة ، و الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية فى الحقل الإيديولوجي سيبقى لفترة طويلة و سيكون متعرجا و أحيانا حتى حادا جدّا . ذلك أن البروليتاريا تبحث عن تحويل العالم حسب نظرتها هي للعالم و كذلك تفعل البرجوازية . فى هذا المضمار مسألة من سينتصر الإشتراكية أم الرأسمالية لم تحسم بعدُ ".( 48 )

يكتسى هذان المقتطفان أهمّية كبرى لأنّهما يحملان لأوّل مرّة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، بجلاء أنّ الطبقات و الصراع الطبقي يتواصلان فى ظل الإشتراكية و أن الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية بوجه خاص يستمر حتى بعد أن يكون التحويل الإشتراكي لنظام الملكية قد أنجز ( فى الأساس ) ، و سيكون هذا صحيحا لمدّة طويلة ، مع أن الصراع أحيانا يمسى حادا جدا .

ولكن بديهي أنّه بما أن ممارسة البروليتاريا الثورية تظلّ فى جوانب منها فى مراحلها الأوّلية فى هذه الجبهة ، و بما أن ماو تسى تونغ كان فى بداية تلخيص ذلك نظريا ، كان فهمه لهذا كذلك فى المراحل الأولى من تطوّره . و هذا صحيح خصوصا فيما يتصل بفهمه لطبيعة الطبقات و بالخصوص البرجوازية فى ظلّ الإشتراكية ، إلاّ أنّه بإحتداد الصراع الطبقي فى الصين ، كان فهم ماو لهذا الصراع يتعمّق .

و إحتدّ الصراع الطبقي فى الصين حينذاك بالخصوص حول القفزة الكبرى إلى الأمام فهذه الحركة الهامة طبعا أسفرت عن الكمونات الشعبيّة و نهضت خلالها الجماهير الشعبيّة ، لا سيما الفلاحون ، و أحدثوا أشياء جديدة غير مسبوقة فى القيام بالثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي و كانت موضع إتّهام القوى الرجعية المحافظة داخل الحزب و خارجه على حدّ السواء .

لقد ناقشنا القفزة الكبرى سابقا و لن نعيد ما قلناه هنا لكن تجدر الملاحظة إلى مظهر من مظاهر هذه الفترة و توضيحه توضيحا كلّيا هنا و هو ما يستحق عناية خاصة . ففى حين كان ماو يقرّ بأن سلّم الأجور الشامل لأناس ذوى كفاءات مختلفة و إنتاجية مختلفة يحصلون على أجور مختلفة ، يقرّ بأن هذا مظهر من الحق البرجوازي و من ثمة مظهر لا يمكن تفاديه خلال المرحلة الإشتراكية ، كان أيضا يقرّ بأن مهمّة دكتاتورية البروليتاريا هي تحديد الحق البرجوازي و جزء من هذه المهمّة هو مواصلة تحديد هذه الإختلافات فى مداخيل الناس . لكن فى الخمسينات و رغم أنف ماو ، وقع فعلا تعميق هذه الإختلافات ، لا سيما فى ما يتّصل بقيادات الحزب و موظّفي الحزب لوقت كامل ، مع إيجاد بون شاسع فى مداخيل شتى درجات الموظّفين و بين الموظّفين و الجماهير .

و ضمن النضال ضد جميع مظاهر هذا الخط التحريفي و السياسات التحريفية عموما ، خلال هذه الفترة عاضد ماو تسى تونغ و ناضل فى سبيل نشر مقال تشانغ تشن تشياو ، وهو واحد من " مجموعة الأربعة " المتعرضة حاليا لأشرس الهجمات فى الصين ، و التى هاجمت إيديولوجيا الحق البرجوازي . يشير المقال إلى أن العديد ممّن يسمّون أنفسهم شيوعيين يعملون مثل البخلاء رافعين من أرقام حساباتهم المالية . إذ كانوا يعاملون أنفسهم كالسلع و لئن قاموا بساعة عمل إضافية من أجل الثورة كانوا يطالبون بأجر إضافي . و قد نجح ماو ، إبان القفزة الكبرى إلى الأمام ، فى قيادة نضال تمكن من القطع و لو جزئيا مع هذا التوجّه .

و طفق ماو تسى تونغ فى خضم تجربة الإنتفاضة الجماهيرية الثوريّة للقفزة الكبرى إلى الأمام ينظر بوضوح أكبر إلى الطبيعة الطبقيّة للصراع و التناقضات فى المجتمع الإشتراكي ذاته و راح يطوّر خطّه الأساسي و نظريّته بشأن مواصلة الثورة فى ظلّ ظروف تركّزت فيها الإشتراكية بالأساس بمعنى أنّه تمّ تركيز النظام السياسي الإشتراكي و دكتاتورية البروليتاريا و تمّ تحقيق التحويل الإشتراكي للملكية بصورة أساسية .

و إنجرت عن هذا قفزة نوعية فى تفكير ماو تسى تونغ سنة 1962 . ففى أوت و سبتمبر من تلك السنة ، فى الجلسة العامة للجنة المركزية الثامنة للحزب الشيوعي الصيني ، وضع ماو تسى تونغ ما صار يعرف بالخطّ الأساسي للحزب الشيوعي الصيني طوال المرحلة الإشتراكية :

" تمتدّ الإشتراكية على فترة تاريخية طويلة نسبيّا . طوال المرحلة التاريخية للإشتراكية ، تظلّ موجودة الطبقات و التناقضات الطبقية و الصراع الطبقي و كذلك يظلّ موجودا صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي و خطر إعادة تركيز الرأسمالية . و يجب أن نعترف بالطابع المعقّد و المتشعّب لهذا الصراع . و يجب أن نرفع يقضتنا و أن نقيم تربية إشتراكية . و يتعيّن أن نفهم و نعالج بطريقة صحيحة التناقضات الطبقية و الصراع الطبقي و أن نفرّق بين التناقضات بيننا و بين العدو و التناقضات فى صلب الشعب ، و أن نعالجها بصيغة سليمة . و إلاّ سيتحول بلد إشتراكي كبلدنا إلى نقيضه و يتفسّخ و عندها ستحصل إعادة تركيز الرأسمالية . و من الآن فصاعدا يجب أن نتذكر هذا كلّ سنة ، كلّ شهر ، كلّ يوم لكي يمكن أن يكون لنا فهما بالأحرى صحيح لهذا المشكل و لكي يكون لنا خطّ ماركسي-لينيني"( 49).

هذا التحليل المعبّر عنه هنا هو تطوير جديد فى النظرية الماركسية - اللينينية فهو تحليل يمثّل تقدّما نوعيا عن أي شئ تحقّق سابقا فى الحركة الشيوعية العالمية .

فى هذا المقتطف يشير ماو تسى تونغ إلى أنّه : " يجب أن نقوم بتربية إشتراكية " و فى سنة 1963 ، مواصلا ذلك ، بدأ الحزب ، بمبادرة من ماو ، بحركة التربية الإشتراكية التى كانت الغاية منها محاربة التحريفية و الممارسات البرجوازية و تفكيرها كذلك ، بطرق شتى ، كانت إعدادا للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . فمن جهة ، أعدّت أرضية للثورة الثقافية و من جهة أخرى كانت محاولة أولى من قبل ماو لتطوير أشكال و طرق جديدة لمواصلة الثورة الثقافية فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا . و خلال هذه السنوات الأولى من الستّينات ، نظّمت البروليتاريا ،لا سيما بقيادة تشيانغ تشنغ هجوما حادا ضد التحريفيين فى ميدان محدّد هو ميدان الفنّ والثقافة و خلال هذه الفترة ، بدأت القوى البرجوازية الجديدة الأكثر إنغماسا و إختفاءا فى المجتمع الصيني الإشتراكي ، تشعر بأنّ وضعها فى غاية الخطر و بالتالى شرعت فى الظهور فى بداياتها ، فى صراعها مع البروليتاريا من أجل حكم المجتمع .

و كذلك ينبغى عدم نسيان أنّ فى الوقت ذاته ، كان الحزب الشيوعي الصيني يخوض صراعا مريرا أمميّا ضد التحريفية السوفياتية . و حينها إندلعت الجدالات المفتوحة بين الحزب الشيوعي الصيني و الحزب الشيوعي السوفياتي ، مع نشر الحزب الشيوعي الصيني ، ضمن أشياء أخرى ، للوثائق الهامة " إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية "
( جوان 1963) و " تعليق حول الرسالة المفتوحة المركزية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الشيوعي السوفياتي "
( سبتمبر 1963 – جوان 1964) ذى التسعة أجزاء . ذو دلالة خاصة الجزء الأخير من " تعليق حول الرسالة ... " ، خاصة لأن فيه يمكن أن نجد بشكل مقتضب الفهم الأساسي الذى كان ماو توصل إليه . حينذاك فيما يتعلّق بالصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية . ضد الخط التحريفي الصريح الخارج من الإتحاد السوفياتي وقتها ، يركّز " حول شيوعية خروتشاف الزائفة ..." على أن الطبقات المتناقضة و الصراع الطبقي يبقيان موجودين فى ظلّ الإشتراكية عموما و أن قلب الحكم الطبقة العاملة ، دكتاتورية البروليتاريا و إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي ممكن لا فقط عبر التدخل المسلّح للبرجوازية الأجنبية ( مثلما حصل مع كمونة باريس و الجمهورية السوفياتية المجرية فى 1919 ، و ما وقعت محاولته فى جمهورية روسيا السوفياتية بالضبط بعد تأسيسها ) ، لكن كذلك حين تسلك دولة دكتاتورية البروليتاريا طريق التحريفية ، و طريق " التحول السلمي " [ إلى الرأسمالية ] كنتيجة لتفسخ قيادة الحزب و الدولة ( 50 ). وينتهى هذا المقال بمجموعة إجراءات يمكن لدولة إشتراكية ، و يجب عليها أن تتّخذها لتجنّب إعادة تركيز الرأسمالية .

لم يستعمل " حول شيوعية خروتشاف الزائفة..." كسلاح فى الصراع العالمي بين الماركسية و التحريفية الذى كان يخاض آنذاك فحسب بل أيضا فى ذات نوع الصراع الذى كان يخاض بحدّة داخل الحزب الصيني ذاته كإنعكاس مركّز للصراع الطبقي فى المجتمع ككلّ . هام كذلك لأنه يبيّن من جهة مستوى الفهم الماركسي – اللينيني لدينامية الإشتراكية و الصراع الطبقي فى ظل دكتاتورية البروليتاريا الذى لم يسبق له مثيل ، و الذى كان يصوغه ماو تسى تونغ و لأنّه من جهة أخرى يبيّن أن تحليل ماو لم يفتأ يتطوّر و أنّه لم يتوصل إلى مستويات جديدة سيبلغها بإرتباط بالثورة الثقافية .

يصرّح المقال :

" فى الإتحاد السوفياتي حاليا ، لم ينمو فقط عددُ عناصر البرجوازية الجديدة كما لم ينم أبدا ، و إنّما تغيّر بالأساس مستواها الإجتماعي . قبل صعود خروتشاف إلى السلطة ، لم تكن تحتل المواقع القيادية فى المجتمع السوفياتي . كانت نشاطاتها محدّدة بطرق شتى ، و كانت محلّ هجوم . غير أنّه منذ أن إنتصر خروتشاف مغتصبا قيادة الحزب و الدولة خطوة خطوة ، صعدت عناصر البرجوازية الجديدة تدريجيا إلى موقع السلطة و الحكومة ، و فى الإقتصاد و الثقافة و مجالات أخرى و مثّلت شريحة متميّزة فى المجتمع السوفياتي ". ( 51)

و مع ذلك ، رغم عديد الإيضاحات ، بعد ذلك فى تحليله للطبقات و بوجه خاص البرجوازية ، فى ظلّ الإشتراكية ، لم يكن هذا العمل تام الوضوح ، لا سيما فيما يتّصل بدور العناصر البرجوازية داخل الحزب و طبيعتها . و ما كان كذلك واضحا تمام الوضوح فيما يتّصل بمنبع البرجوازية و أساسها المادي فى ظلّ الإشتراكية ، خاصة إثر تركيز الملكية الإشتراكية ( فى الأساس ).

فى توثيق وجود العناصر البرجوازية فى الإتحاد االسوفياتي ، ركّز على النشاطات غير القانونية مثل المحسوبية و السوق السوداء و التملّك غير القانوني للملكية الجماعية إلخ . و عند تعداد منابع عناصر البرجوازية الجديدة التى تقوم بذلك و بنشاطات أخرى ، يلمح إلى ( إضافة إلى الإستغلاليين المطاح بهم و الرأسمالية العالمية ) التفسخ السياسي الذى يظهر ضمن الطبقة العاملة و موظفى الحكومة و " المفكرين البرجوازيين الجدد فى المؤسسات الثقافية و التربوية و حلقات المثقفين " و أيضا "عناصر رأسمالية جديدة " " تنتج بإستمرار و بعفوية فى أوساط البرجوازية الصغيرة " ( لافتا النظر إلى بقايا الإنتاج على النطاق الصغير و التجارة " (52). غير أنه يحدّد التحريفيين ( أتباع الطريق الرأسمالي ) فى أعلى مستويات قيادة الحزب و الدولة ، بما فيها الوزارات و المؤسسات الإقتصادية ، كفئة إجتماعية مكوّنة لطبقة برجوازية داخل المجتمع الإشتراكي ذاته و مركز قيادتها بالضبط داخل الحزب الشيوعي . و لا يشدد بما فيه الكفاية على المسألة المحورية و مفادها أنّه يمكن لهؤلاء التحريفيين ، فى الأوساط و القطاعات التى يسيطرون عليها ، حتى فى ظلّ الإشتراكية ، أن يمسكوا بأيديهم و يوسّعوا المظاهر الرأسمالية داخل علاقات الإنتاج الإشتراكية ذاتها – بقايا اللامساواة ، وجود الحق البرجوازي إلخ داخل و بين الوحدات الإقتصادية – لتُحوّل الملكية الإشتراكية إلى مظهر خارجي فقط ، و بهذه الطريقة يتمّ تحويل الملكية الجماعية إلى ملكية خاصة ( رأسمال ) و بناء قوّتهم فى الإعداد لمحاولة شاملة للإستيلاء على السلطة ، و بعدها إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع برمّته .

لكلّ هذا و غيره لم يمثّل " حول شيوعية خروتشاف الزائفة ..." التطوير التام لتحليل ماو للبرجوازية و خطر إعادة تركيز الرأسمالية فى الريف الإشتراكي و لم يمثّل تطوير وسيلة للصراع ضدّها . بيد أنّه فى هذه الفترة عينها ، أعرب ماو تسى تونغ عن عدد من التعليقات الجادة للغاية و الصائبة ، لا سيما فيما يتعلق بأولئك الموجودين فى مواقع السلطة فى المجتمع الإشتراكي الصيني ، التى تبيّن التوجه الأعمق الذى كان ينزع إليه فكره . فمثلا ، أبدى حينها الملاحظة التالية :
" تحوّلت الكوادر القيادية التى تتبع الطريق الرأسمالي أو هي بصدد التحوّل إلى عناصر برجوازية تمتصّ دم العمال ".
( 53). و مسلّطا مزيدا من الضوء على هذا قال بكلمات طبقية فى 1964 :

" الطبقة البيروقراطية من جهة و الطبقة العاملة إلى جانب الفلاحين الفقراء و المتوسطين الأدنى من جهة أخرى هما الطبقتان المتناقضتان تناحريا " ( 54)

ما يتفوّه به ماو لا يفيد أن جميع من يعمل فى وظيفة أو أي موظف أو كادر هو بيروقراطي يمتصّ دم العمّال و عنصر برجوازي جديد . بالفعل فى الحالات الأهمّ و الأغلب ، كانت علاقاتهم مع العمّال و الفلاّحين علاقات تعاون رفاقي لكن من ناحية أخرى ، وُجدت بعض اللامساواة الفعليّة بينهما . لقد إحتلّوا موضوعيا مواقعا متنوّعة فى النظام الإشتراكي . و أنجز الكوادر ، لا سيما الموظفون القياديّون المتفرّغون ، عملا من طراز مختلف عن عمل جماهير الشعب الكادح ، فنسبيا إحتلوا مواقعا ذات إمتيازات أكبر و كانوا يتقاضون أجورا أرفع و لديهم نزعة نحو نظرة مختلفة – متجانسة مع نظرة البرجوازية الجديدة – و نحت الظروف المادية لحياتهم نحو تشجيع هذه النظرة المغايرة و تعزيزها. و كان من الضروري خوض صراع لمنع هؤلاء من المضي فى الطريق الرأسمالي فى إنجاز الأشياء و إتباع القادة التحريفيين فى القمّة فى تطبيق الطرق الرأسمالية و سلوك الطريق الرأسمالي .

حينذاك ، فى صيف 1964 ، كانت لماو جملة من النقاشات مع حفيده ماو يوان هسين ( الذى كان من أنصار ماو تسى تونغ الأقرب ، و يصفونه الآن ب" نصير وفي " و " مشارك وفي " لما يسمّيه التحريفيون الصينيون " مجموعة الأربعة "- و قد وقع إيقافه و / أو ظاهريا قُتل حين وقع الإنقلاب بعد موت ماو ) فى هذه السلسلة من النقاشات يطرح ماو مسألة فى منتهى الأهمية :

" الرئيس : هل ستدرس الماركسية - اللينينية أم التحريفية ؟
يوان هسين : بالطبع أدرس الماركسية - اللينينية .
الرئيس : لا تكن بهذه الثقة ، من يدرى ما الذى تدرسه فى الواقع ؟ هل تعلم ما هي الماركسية - اللينينية ؟
يوان هسين : الماركسية – اللينينية هي أنّه علينا أن نواصل الصراع الطبقي ، أنّه علينا أن نخوض الثورة إلى النهاية .
الرئيس : الفكرة الجوهرية للماركسية - اللينينية هي أنّه علينا أن نخوض الثورة إلى النهاية . لكن ما هي الثورة ؟ الثورة هي أن تطيح البروليتاريا بالرأسماليين و أن يطيح الفلاّحون بالملاك العقاريين و ان تركز تاليا نظاما سياسيا للعمال و الفلاحين و يستمرّ توطيده . الآن ، مهمّة الثورة لم تنته بعدُ ، لم يتحدّد بعدُ من فى النهاية سيلحق الهزيمة بمن . فى الإتحاد السوفياتي، ألا يوجد خروتشاف فى السلطة ، أليست البرجوازية فى السلطة ؟ عندنا كذلك ، فى بعض الأماكن ، تمسك البرجوازية بالسلطة فهنالك فرق إنتاج و مصانع و لجان على مستوى ( هسيان- كلمة صينية ) و كذلك لجان منطقة و مقاطعة حيث تجد أتباعهم . و هنالك أيضا نواب قادة أقسام الأمن العام من أتباعهم . " ( 55)

هنا ما يعرب عنه ماو هو أنّه رغم أن لدينا شكل إشتراكي و أن كلّ واحد يدعى كونه ماركسي – لينيني ، المسألة المحدّدة هي المحتوى ، المضمون ، هل أن الماركسيين و الجماهير الشعبية فى القيادة و يقودون المجتمع فى إتجاه الشيوعية أم هل أن التحريفيين و حفنة من العناصر البرجوازية فى القيادة و يقودون الأشياء فى إتجاه مغاير تماما، نكوصا نحو الرأسمالية ؟

و بالطبع ، يتطلّب التراجع من الإشتراكية إلى الرأسمالية تغيّرا نوعيّا ، يتطلّب السيطرة لا فقط على هذا المجال أو ذاك من الإقتصاد ، هذا أو ذاك الجزء من البنية الفوقيّة ، هذه أو تلك المؤسسة أو قسم الأمن لكن هذا يعنى بالأحرى المسك بالسيطرة على المجتمع ككلّ و تحويله كليّا . لكن ماو يلفت النظر إلى أنّه حتى داخل النظام اشتراكي هنالك جيوب – و ليست جيوب غير ذات أهمية – تسقط تكرارا تحت سيطرة العمل بالنظرة البرجوازية و العمل بأسلوب حياة البرجوازية و طريقة قيام البرجوازية بالأشياء و التى هي وسيلة بالتالى لسياسات و ممارسات البرجوازية و الشروع بالأساس فى تركيز علاقات رأسمالية تحت قناع الماركسية - اللينينية .

و هكذا يثير هذا المسألة الجوهرية التى لم تحل بعد ، مسألة من سيلحق الهزيمة النهائية بمن ؟ فحتىّ فى ظلّ الإشتراكية ، كان ماو تسى تونغ يقول إنّه من الضروري بالنسبة للبروليتاريا أن تواصل الإطاحة بالبرجوازية ليس طبعا بمعنى أن للبرجوازية سلطة عليا و أنّها تسيّر المجتمع بأسره لكن بمعنى أنّ على الطبقة العاملة أن تنتفض بإستمرار و تكرارا و أن تتحرك لتقضي على المواقع البرجوازية فى السلطة و هكذا تعيد السيطرة على هذه الأجزاء من سلطة المجتمع التى وقع إخراجها عن سيطرة البروليتاريا . وبطبيعة الحال ستظل توجد أجزاء من المجتمع لم تقدر بعد الطبقة العاملة ، فى وقت معيّن ، على كسب السيطرة الفعليّة عليها ، لذلك فى هذه الأوساط ، يمكن أن تكون المسألة مسألة تركيز سلطة البروليتاريا لأوّل مرّة . و هذا هو الوضع فى الصين بشأن الفن و الثقافة الثوريين .

و صيغت هذه المسألة الجوهرية مباشرة فى جزء مركزيّ من القانون الأساسي للحزب الشيوعي الصيني فى مؤتمريه ، التاسع و العاشر ( فى 1969 و 1973) :

" البرنامج الأساسي للحزب الشيوعي الصيني هو الإطاحة الكلّية بالبرجوازية و كافة الطبقات المستغِلة الأخرى و تركيز دكتاتورية البروليتاريا عوض دكتاتورية البرجوازية و ضمان إنتصار الإشتراكية على الرأسمالية . والغاية الأسمى للحزب هي تحقيق الشيوعية "[ خط التشديد مضاف]. (56)

و ممّا يشير إلى الدلالة الكبرى لهذه النقطة أن التحريفيّين حين إستولوا على السلطة العليا بعد وفاة ماو تسى تونغ ، قاموا بإعادة صياغة القانون الأساسي للحزب و فيما يخصّ هذه النقطة الجوهرية – البرنامج الأساسي للحزب – نزعوا كلّ ما يتعلّق بالإطاحة من القانون الأساسي و صارت الصياغة الآن تعبّر عن أنّهم س" يلغون البرجوازية و كل الطبقات المستغِلة خطوة خطوة " .( 57)

و اليوم قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا التغيير ليس بتلك الدلالة أو حتى أن الصيغة الجديدة للبرنامج الأساسي أصحّ . و يمكن أن تكون قد تمّت مهمّة الإطاحة بالبرجوازية و الطبقات المستغِلة الأخرى و أن المهمّة الآن هي القضاء عليها . لكن هذا يحجب أو ينفى فى الواقع شيئا هاما جدّا ألا وهو أنّه طالما أن البرجوازية موجودة لن تسعى فقط للإطاحة بالبروليتاريا و تركيز الرأسمالية و إنّما كذلك ستسعى إلى أن تنجح كجزء من ذلك فى الإستيلاء على أقساط من السلطة حتى فى ظروف تُمسك فيها البروليتاريا بالسلطة فى كلّ المجتمع . و تضحى المسألة أكثر إلحاحا عندما يفهم أنّ مركز قيادة البرجوازية و قادة القوى الرجعية فى المجتمع هم بالضبط التحريفيون داخل الحزب الشيوعي ذاته ، لا سيما فى مستوياته العليا .

لأجل معالجة هذا المشكل و مواصلة توطيد دكتاتوريّتها و التقدّم صوب الشيوعية ، ليس على البروليتاريا مجرّد القضاء على البرجوازية ( و عناصر الطبقات الإستغلالية الأخرى ) و إنّما عليها بإستمرار أن تسترجع أقساط السلطة التى إستولت عليها البرجوازية . و هذا يعنى الإطاحة بهؤلاء التحريفيين الذين لا يهزمون بسهولة و الذين يحتلّون هذه المواقع من السلطة و الذين يعملون من أجل تركيز الطريق الرأسمالي . بعبارات أخرى ، يعنى القضاء على البرجوازية الإطاحة بها تكرارا بتعبئة الجماهير للمسك من الأسفل بهذه الأقساط من السلطة التى تستولى عليها البرجوازية بإستمرار فى المجتمع الإشتراكي . هذه هي النقطة التى يشدّد عليها ماو حين يركّز( فى هذه الأحاديث مع حفيده ماو يوان هسين) فى 1964 على أن مسألة من سيطيح بمن لم تحدّد بعد ُ .

حينها أوضح ماو ما يمثّل الخطر الأساسي أمام التقدّم المتّصل للإشتراكية نحو الشيوعية و هكذا إلى ما يمثّل الهدف الأساسي للثورة فى مرحلتها الراهنة . متحدّثا بمضمار حركة التربية الإشتراكية التى كانت تتطوّر حينذاك :

" الهدف الأساسي للحركة الراهنة هم مسؤولو الحزب فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي " (58)

بكلمات أخرى ، الهدف الأساسي لم يعد البرجوازية فى المجتمع ككلّ أو خارج الحزب بوجه خاص ، بل أصبح الهدف عناصر الحزب فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي أو " أتباع الطريق الرأسمالي " كما أمسوا يسمّون .

و بمستطاعنا أن نرى أن هذا تقدّم آخر له دلالة فى فهم الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية ، هذا الفهم الذى تعمّق فى سيرورة السنوات القليلة الموالية ، مع إحتداد الصراع الطبقي فى الصين . و طبعا لما نظّم ماو هجوما على التحريفيين فى الحزب جاعلا إيّاهم الهدف الأساسي قام هؤلاء بهجوم مضاد و سعوا بجميع الطرق الممكنة إلى أن يصدّوا الدعاية لسياسات ماو هذه و تبنّيها من قبل الحزب و حيث لم يستطيعوا ذلك سعوا بشتى الطرق أن يصدّوا تجذيرها و بوجه خاص حينها فعلوا ما يقدرون عليه لتغيير وجهة حركة التربية الإشتراكية و تحويلها إلى قتال داخل الجماهير .

الثورة الثقافية :

و راحت الأشياء تبلغ قمّتها و إنفجرت سنتين بعد ذلك مع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . هنا لا يسمح المجال بإعادة رواية التاريخ من جديد ، تاريخ هذه الثورة غير المسبوقة و التى هزّت الأرض هزّا ، و مختلف الأحداث و الإلتواءات و المنعرجات التى شهدتها . ما يهمّنا هنا هو أساس الثورة الثقافية و كيف أن النظريّة التى قادتها مثّلت أهم مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة فى علم الماركسية – اللينينية .

فى 1967 ، شرح ماو ضرورة هذه الثورة الثقافية بهذه الكلمات :

" فى الماضى خضنا صراعات فى الريف و فى المصانع و فى المجال الثقافي و نظّمنا حركة التربية الإشتراكية . لكن كلّ هذا أخفق فى معالجة المشكلة لأنّنا لم نجد طريقة و وسيلة لإستنهاض أوسع الجماهير فى كافة المجالات لعرض جانبنا الأسود بوضوح و بشمولية و من الأسفل " . ( 59 )

يوفّر هذا الموقف عدّة معطيات منها أن الثورة الثقافية لم يسبق لها مثيل لا بشكل عام أو فى الصين و إنّما فى تاريخ الإشتراكية . و يتضارب هذا الموقف مع جميع " قواعد " ما كان مفترضا أن تكونه الإشتراكية ، ما كان مفترضا أن يكونه الحزب الشيوعي إلخ . و بالطبع هذا صحيح فقط بمعنى سطحي لأن الهدف الوحيد للحزب الشيوعي فى الواقع هو قيادة البروليتاريا فى إنجاز الثورة لتحقيق الشيوعية و هذا ما كان ماو يقود الحزب الشيوعي الصيني لإنجازه . غير أنه كان شيئا يتضارب مع كافة التقاليد و قوّة العادة التى ترسّخت وغدت فعلا حواجزا فى ظلّ الإشتراكية . ترسّخت العادات و التقاليد الإجتماعية بفعل مئات و آلاف السنوات من المجتمع الطبقي و إتباع هذه التقاليد لن يقود إلى مجتمع خال من الطبقات .

و طبعا لم يسبق أن دعى رئيس حزب شيوعي الجماهير للإنتفاض و الإطاحة بأشخاص أقوياء فى الحزب . لكن الثورة لا تسير حسب نموذج سابق و بالفعل داخل الحزب كان هنالك مركز قيادة أتباع الطريق الرأسمالي و لهم آليّتهم الخاصة و مركز قيادتهم فكانت الثورة ضرورية لإزاحتهم من مواقعهم لأجل تجنيب الصين العودة إلى الطريق الرأسمالي .

هكذا ، لخّص ماو أنّه غير كاف الحديث عن المسك بالدور القيادي للحزب إلخ . فالمسألة مسألة تثوير مستمرّ للحزب كجزء من تثوير المجتمع كافة . و طبعا بصورة عامّة ، على الحزب أن ينهض بدوره القيادي . لما كان الحزب يُرجّ إلى عروقه فى الصين و لما كفّ عن الوجود فى عديد المجالات ، لم يتخلّ أبدا عن الوجود قوميا و كانت لماو النيّة المتواصلة لإعادة بنائه . و كانت الثورة الثقافية أيضا طريقة لإعادة بناء الحزب و تعزيزه و القيام بذلك وحدة وحدة ، منطقة منطقة و من الأسفل إلى الأعلى ، بالإستناد إلى حركة الجماهير الشعبية . و لئن لم يتم تثوير الحزب و لم يتم إستنهاض الجماهير لمعرفة أعلى القادة الحزبيين الذين يسعون إلى تحويله إلى حزب برجوازي قصد فضحهم فى وضح النهار و الإطاحة بهم و تمكين الجماهير من النقد و مراقبة الكوادر القيادية عامة ، لئن لم يتمّ ذلك سيستحيل الحزب بفعل قوّة العادة و حركة الموظّفين السامين التحريفيين الواعية إلى وسيلة بأيدى البرجوازية و ينتهج "سلميّا " الطريق الرأسمالي بقيادتها .

لخّص ماو هذه النقطة المهمّة للغاية من التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا سواء فى الصين و عالميّا لا سيما الثورة المضادة فى الإتّحاد السوفياتي و طفق يطوّر طرق و وسائل إعادة بناء الحزب و تثويره ، مطهّرا من صفوفه أولئك فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي . و مرّة أخرى ، الطريقة ، الوسيلة التى وجدت كانت بالأساس التعويل على الجماهير . و وقعت إعادة بناء الحزب فعليّا بوضع قادة الحزب و عناصره أمام الجماهير ليتلقوا نقدها و يخضعوا لمراقبتها . بهذه الطريقة ، فضلا عن قيادة مركز القيادة البروليتارية فى الحزب و على رأسه ماو ، جرى إصلاح وحدات الحزب فى مستويات عديدة و جرى ربطها تبعا للمبادئ التنظيمية للمركزية الديمقراطية . و مثلما مرّ بنا ، مثّل هذا التصحيح للحزب شأنه شأن الثورة الثقافية ككلّ ، حدثا لم يسبق له مثيل . ذلك أنّه بالنسبة للحزب و كذلك بالنسبة للمجتمع برمّته ، تحدّد ان ما يسمى ب" الطرق العادية " للقيام بالأشياء غير كافية لإقتلاع التحريفيين و رجّ المستويات العليا من الحزب ، بالخصوص إقتلاعهم من الإطار البيروقراطي الذين يتشكّلون ضمنه بصورة تصاعديّة . و لخّص ماو أنّه على الحزب أن يواصل دوره كجهاز قيادة للبروليتاريا ، دوره فى مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية لكن يمكن كذلك أن يغدو وسيلة لشريحة بيروقراطية تعمل لأجل مصالح برجوازية . فقط تعبئة الجماهير و التعويل عليها ، بقيادة خط ماركسي – لينيني هي الكفيلة بمعالجة هذا المشكل . ( و هذا وثيق الإرتباط بتحليل ماو تسى تونغ للبرجوازية فى صفوف الحزب ذاته وهو ما سنتطرق له بالتفصيل لاحقا ) .

بفضل هذه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، حصلت تغييرات أخرى لا فحسب فى الحزب بل كذلك فى المجتمع برمّته . هنا مرّة أخرى ، أنجزت الطبقة العاملة و الجماهير الشعبية بقيادة ماركسيين شيوعيين ثوريين آخرين تغييرات غير مسبوقة حيث وقع تقليص تقسيمات و إختلافات بين شرائح و قطاعات إجتماعية متغايرة ، بما فى ذلك الإختلافات بين المدينة و الريف . نهض الشعب بمئات ملايينه مطوّرا و معزّزا علاقات إقتصاديّة و إجتماعيّة جديدة و كذلك مثوّرا الثقافة و تفكير الناس إلخ و أيضا أشكالا متنوّعة من الصراع الخاص بالثورة الثقافية – الدازيباو [ نصوص على أوراق بحروف كبيرة تعلق على الجدران ] و النقد الجماهيري و العلني للأشخاص فى السلطة و تنظيم ألوية من الشباب غدت تعرف ب" الحرس الأحمر " و ما إلى ذلك .

لقد ساند ماو بحماس صراعات الجماهير و مبادراتها و حثّها دوما على المثابرة على نهوضها الثوري و مثال ذلك كتابته لرسالة إلى الحرس الأحمر يقول فيها إن أعمالهم :

"... تعبّر عن كرهكم لطبقة الإقطاعيين و البرجوازية و الإمبرياليين و التحريفيين و عملاءهم ، كلّ الذين يستغلّون و يضطهدون العمّال و الفلاحين و المثقّفين الثوريّين و الأحزاب و المجموعات الثوريّة و تشهيركم بهم . إنّها تبيّن أنه من حقنا أن نثور ضد الرجعيّين . أنا أساندكم بحماس " ( 60)

لتقديم القيادة و التوجيه للجماهير فى هذه الصراعات الجماهيرية القائمة ، فى أوت 1966 ، صيغ " قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني حول الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" ( جميع الإستشهادات التالية مقتطفة من هذه الوثيقة الحاملة للعنوان ذاته ) ( 61 ). وقد صيغت هذه الوثيقة المشهورة ب " قرار ال16 نقطة " تحت الإشراف الشخصي لماو تسى تونغ و مثّلت بديهيا إنتصارا لخطّه على المعارضة الشرسة فى الأجهزة القيادية للجنة المركزية للحزب . فى هذا القرار ثمّة عدّة نقاط هامة تستدعى الدراسة الممحّصة من كافة الشيوعيين . و من النقاط التى نبرز هنا النقاط التالية الذكر :
يوضح " قرار ال16 نقطة " : " تتوقف نتيجة هذه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى على ما إذا كانت قيادة الحزب تقدم على تعبئة الجماهير دون تحفظ أم لا ." و عنوان هذه الفقرة يمكن أن يعتبر شعار الثورة الثقافية : " أعطوا الأولويّة للإندفاع و عبؤوا الجماهير دون تحفظ " . و فى المضمار ذاته تشير الوثيقة ، فى القسم الموالى إلى أن :" الطريقة الوحيدة فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هي أن تحرّر الجماهير نفسها بنفسها ، و لا يجوز إستعمال أية طريقة تقوم على الإضطلاع بالعمل بدلا عن الجماهير " . و يعيد " القرار" التأكيد على أن " الهدف الرئيسي من الحركة الراهنة هو أولئك الذين فى داخل الحزب و يتبوّأون السلطة و يسيرون فى الطريق الرأسمالي " و يقدّم توجيها أساسيّا حول الحلّ الصحيح لكل ّمن التناقضات فى صلب الشعب و مسألة الكوادر و كذا السياسة حيال العلماء و التقنيّين و " العناصر العادية من مجموعات العمل " ( مثلا أولئك الذين ليسوا فى السلطة ) و يتحدّث عن الخط حول التربية و القوّات المسلّحة . و يركز على الترابط الفعلي بين الثورة و الإنتاج : " الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هي قوّة محرّكة جبّارة لتطوير القوى المنتجة الإجتماعية فى بلدنا . و كل تفكير فى معارضة الثورة الثقافية الكبرى بتطوير الإنتاج سيكون خاطئا ."

و ربّما الأهمّ بالنسبة للموضوع الذى نحن بصدده أن " قرار ال16 نقطة " يتطرّق كذلك للمنظمات التى أوجدتها الجماهير : " بدأت أشياء جديدة كثيرة تظهر فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . فالجماعات و اللجان و الأشكال التنظيمية الأخرى للثورة الثقافية التى خلقتها الجماهير فى كثير من المدارس و الهيئات ، هي شئ جديد و ذو أهمية تاريخية كبرى.
هذه الجماعات و اللجان و المؤتمرات الثوريّة الثقافيّة هي أشكال تنظيميّة جديدة ممتازة تربّى الجماهيرنفسها فيها بقيادة الحزب الشيوعي . إنّها جسر ممتاز لإبقاء حزبنا على صلة وثيقة بالجماهير . إنّها أجهزة سلطة للثورة الثقافية البروليتارية ."

و من خلال سيرورة تطوّر الثورة الثقافية ، أضحت هذه المجموعات اللجان الثورية التى تركّزت فى شتّى مستويات المجتمع . ولاقت إبداعات الجماهير إيّاها بالطبع مساندة ماو . و بالضبط كما كان متوقّعا سعى أتباع الطريق الرأسمالي
الذين إستولوا على جزء من السلطة فى الصين آنذاك إلى القضاء عليها فى مستوياتها القاعدية فى المجتمع و إلى تحويلها إلى أدوات برجوازية – بيروقراطية و الإبقاء عليها شكليا .

فى خضم سيرورة الثورة الثقافية لم يقف ماو مكتوف الأيدي بل واصل تلخيص ممارسة الثورة إلى حينها و رسم إستراتيجيا و تكتيك مضيّها قدما . وعرفت الثورة الثقافية ذاتها عدّة منعرجات و إلتواءات خلالها جميعا قدم ماو القيادة للنضال لكن ما سنركز عليه هنا هو السيرورة الشاملة للثورة الثقافية و الدروس النظرية العامة التى إستخلصها ماو .

أحد أعمق و أهمّ هذه الدروس هو أنّه ليس كافيا خوض صراع ضد التحريفيين " فى القمّة " فحسب – يعنى فى الأجهزة القياديّة للحزب و الدولة فحسب ، أو " من الأعلى إلى الأسفل " فحسب – يعنى التعامل مع التحريفيين و المضادين للثورة الآخرين بقرار الأجهزة القيادية أوّلا ثمّ القيام بتربية صفوف جماهير الحزب و الجماهير بشأن طرد شخص ما مهما كانت السياسات و المسائل إلخ المتعلقة بالخط ّ . عوض ذلك من الضروري مثلما قال ماو إستنهاض أوسع الجماهير و قيادتها فى خوضها الصراع و إلحاقها الهزيمة بالأعداء الطبقيين من الأسفل .إنتفاضة جماهير الثورة الثقافية لم يسبق لها مثيل و مثّلت على نطاق واسع و عميق وسيلة و طريقا جديدين فى الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي المتمترسين و فى مزيد تثوير المجتمع بما فى ذلك الحزب .

صرّح ماو تسى تونغ مرارا أن الثورة الثقافية كانت " مطلقة الضرورة " . و فى خطابه فى الإجتماع الموسّع للجنة المركزية التاسعة للحزب الشيوعي الصيني فى أفريل 1969 ، أبدى ملاحظة هامة بصدد لماذا كان ذلك كذلك :

" يبدو من الجوهري أن نواصل جهودنا للمضي بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إلى النهاية . فقاعدتنا لم تتعزّز . من ملاحظاتى الخاصة ، أقول إنّ فى الغالبية الكبرى من المصانع و لا أعنى الغالبية الغالبة أو الساحقة ، ليست القيادة بأيدى الماركسيين الحقيقيين و جماهير العمال . و لا يعزى هذا إلى أنه لم يوجد أناس جيدون فى قيادة المصانع . وجدوا . وجد أناس جيدون ضمن الكتاب العامين والكتاب العامين المساعدين و عناصر لجان الحزب و ضمن لجان و فروع الحزب . غير أنهم إتبعوا خط ليوتشاوتشى الداعي بالضبط إلى الدوافع المادية ، واضعا الربح فى مصاف القيادة و لم يكونوا ينشرون السياسات البروليتارية ، و عوض ذلك كانوا يطبقون نظام العلاوات إلخ ... لكن وجد فعلا أناس سيّئون فى المصانع ... و هذا يثبت أن الثورة لم تنته بعدُ " ( 62) .

و ينجم عن الجمل الأخيرة أن الثورة الثقافية بينما كانت تحاول أن تمنع مسك التحريفيين بالسلطة و منع إعادة تركيز الرأسمالية آنذاك ، لم تحل و لم تستطع أن تحلّ هذا المشكل مرّة واحدة . لذا يجب مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا لمدّة طويلة . و بالفعل عبر فترة إنتقاليّة طويلة نحو الشيوعيّة – فعلا طوال السيرورة الكلّية لدكتاتورية البروليتاريا إلى أن تضمحلّ كلّيا البرجوازية و كلّ الطبقات الإستغلالية و إلى أن تمحى الطبقات ككلّ هي و الأساس الذى أفرزها . و مثلما أكّد ماو عدّة إنتفاضات جماهيرية أخرى مثل إنتفاضة الثورة الثقافية فى سنواتها الأولى ستكون ضرورية مستقبلا لأجل تحقيق هذه المهمّة التاريخية ، إلى جانب شعوب العالم قاطبة .

و لهذا وشائج مع الهدف الأعمق للثورة الثقافية . فى سنة 1967 و فى أتون النهوض الثوري ، صرح ماو :

" الآن أودّ أن أطرح سؤالا : ما هو حسب رأيكم هدف الثورة الثقافية الكبرى ؟ ( أحدهم أجاب فورا : إنه النضال ضد الماسكين بالسلطة داخل الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي .) النضال ضد الماسكين بالسلطة داخل الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي هو المهمة الأساسية و ليس البتة الهدف . فالهدف هو معالجة مشكلة النظرة إلى العالم ، إنه مسألة إجتثاث التحريفية من جذورها .

لقد شدّد المركز مرارا على أهمّية التربية الذاتيّة لأن النظرة للعالم لا يمكن فرضها على أي كان ، و تمثّل إعادة التشكيل الإيديولوجي مظهرا خارجيا يؤثر على المظاهر الداخلية ، مع أن المظاهر الداخلية هي التى تلعب الدور الأساسى ، إذا لم يتمّ إصلاح النظرة إلى العالم فإنه رغم إزاحة ألفي تابع للطريق الرأسمالي فى خضم هذه الثورة الثقافية الكبرى الراهنة ، يمكن لأربعة آلاف آخرين أن يظهروا فى المرّة القادمة . إنّنا بصدد دفع ثمن باهض للغاية فى هذه الثورة الثقافية الكبرى. فالصراع بين الطبقتين و الخطّين لا يمكن حسمه بثورة ثقافيّة أو ثورتين أو ثلاث أو أربع ، لكن نتائج الثورة الثقافيّة الراهنة تحتاج منّا أن نعزّزها لمدّة على الأقل خمسة عشرة سنة . كل مائة سنة ينبغى القيام بثورتين ثقافيتين أو ثلاث . لذلك علينا أن نبقي نصب أعيننا إقتلاع التحريفية و تعزيز قدرتنا على التصدى لها فى أي وقت . " ( 63)

خلال النهوض الجماهيري للسنوات الأولى أقامت سيرورة الثورة الثقافية الدليل و بقوّة على صحّة ما عبّر عنه لينين من أن الجماهير الشعبية تتعلّم فى بضعة أسابيع من النضال فى الفترة الثورية ما لم تستطع أن تتعلّمه فى سنين من " الأوقات العادية " و بيّنت أن ذلك يكتسى أهمّية حيويّة ليس بالنسبة للصراع فى المجتمع الرأسمالي فحسب بل كذلك فى المجتمع الإشتراكي . لقد شدّد ماو مرّة فمرّة على أنّه لا يمكن التعويل إلاّ على الجماهير الواسعة . لا يمكن لدكتاتورية البروليتاريا أن تكون فعليّة إلاّ إذا مارستها أوسع الجماهير ذاتها بما يعنى إستنهاضها و تسليحها بالخط الماركسي – اللينيني للنضال ضد العدوّ الطبقي و تمكينها من التمييز بين الخطّ الصحيح و الخطّ الخاطئ و المصالح الفعلية للبروليتاريا و مصالح البرجوازية أثناء سيرورة نضالها هي بالذات و دراسة الماركسية – اللينينية للتمكّن من إستيعاب مواقفها الأساسية و وجهة نظرها و طريقتها .

و لخّص ماو أنّه إذا إستعملت أيّة طريقة أخرى فإنّ التحريفيّين سيستولون على المواقع القياديّة و سيتمكّنون من وضع
" طابع الموافقة " الرسمي على خطّ الثورة المضادة - تحت قناع ماركسي - و ستجد الجماهير نفسها فى موقف إنتظاري سياسيا و ستقاد بإسم الإنخراط فى خطّ الحزب و الولاء للقيادة إلى جحيم الرأسماليّة . بإختصار ، يترتّب على دكتاتورية البروليتاريا ألاّ تعالج ميتافيزقا – بطريقة ستاتيكية و مطلقة – و إلاّ ضاعت . بيّن ماو أن ممارسة الدكتاتورية على البرجوازية تعنى و تعنى فقط مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، مواصلة خوض الصراع الطبقي ضد البرجوازيّة و كافة الطبقات المستغِلة عبر الإعتماد على الجماهير الواسعة . و هذا لا يعنى أن نوع النهوض الجماهيري المميّز للسنوات القليلة الأولى من الثورة الثقافية ضروري و ممكن دائما بل ما يعنيه هو أن الجماهير ، عبر أشكال مختلفة ، ينبغى أن تتحرك سياسيّا و أن تقاد فى خوض الصراع الطبقي و أن هذا النهوض سيكون ، طوال المرحلة الإشتراكية ، أمرا " مطلق الضرورة غالبا " .

و مثلما أنفت الإشارة إلى ذلك ، ركّز ماو عدّة مرّات على أنّ الثورة الثقافية التى بدأت فى 1966 لا يمكنها أن تكون الوحيدة إذا كانت الصين تودّ البقاء بلدا إشتراكيا . فى مناسبات مختلفة صرّح ماو نوعا ما من التقديرات التى ستحدّدها الإلتواءات و المنعرجات فى الصراع الطبقي الدائر فى البلاد وعالميّا لكن أن تكون مثل هذه الثورة ضرورية تكرارا ، مرّة تلو المرّة ، طوال المرحلة التاريخية للإشتراكية . و أعلاه يشير ماو أيضا إلى مرد ذلك . بطبيعة الحال يمكن الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي كهدف فى وقت معيّن ، و تنحيتهم جانبا ، و يمكن حتى كسب بعضهم بيد أنّه على إمتداد المرحلة الإشتراكية سيبرز أشخاص جدد ( أو أحيانا الأشخاص ذاتهم مرّة أخرى ) كقادة تحريفيين ممثّلين لبّ برجوازية جديدة و تتعيّن الإطاحة بهم بإستمرار لذلك ليست الغاية الفعليّة للثورة الثقافية ، حسب تصريح ماو ، فقط الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي الذين ، حينها ، تمترسوا داخل حزب البروليتاريا ، لكن بالأحرى يجب أن تكون الغاية إعادة صياغة نظرة الجماهير الشعبية للعالم لكي تمسك بالموقف و النظرة و الطريقة البروليتاريين الماركسيين – اللينينيين و هكذا تتسلّح تدريجيا للتعرّف على التحريفيين و عزلهم و الإطاحة بهم متى بانت رؤوسهم و فى نفس الوقت يجب تعزيز سيطرتها على المجتمع ( و الطبيعة ) و قدرتها على كسب و إعادة صياغة تفكير الغالبية من المثقّفين و الكوادر إلخ.

و النقطة عينها وقع التشديد عليها كرّة أخرى حين تحدّث ماو بعد سنة ، فى 1968 عن الإنتصارات التى تحققت بفضل الثورة الثقافية :

" لقد أحرزنا الى حدّ الآن انتصارات كبرى لكن الطبقة المهزومة ستواصل التخبّط و لذلك لا يمكن لنا الحديث عن انتصار نهائي حتى بالنسبة للعشرينات القريبة القادمة فلا يجب أن نتخلّى عن يقظتنا . ان الانتصار النهائي لبلد اشتراكي ما لا يستدعي حسب وجهة النظر اللينينية جهود البروليتاريا و الجماهير الشعيبة الواسعة لهذا البلد فحسب و لكنه يتوقف أيضا على انتصار الثورة العالمية و على الغاء نظام استغلال الانسان للانسان من الكرة الأرضية ممّا يمكّن الانسانية قاطبة من التحرّر و تبعا لذلك فإن الحديث بلا ترو عن انتصار نهائي لثورتنا خاطئ و مضاد لللينينية و هو بالاضافة الى ذلك لا يتطابق مع الواقع ".( 64)

هنا يوضّح ماو أن الإنتصار النهائي لا يمكن تحقيقه لمدّة طويلة لأنّ الطبقات المستغِلة لا تزال موجودة فى العالم ككلّ و لأن البرجوازية لا تزال موجودة فى الصين ذاتها . و فيما يتعلّق بالنقطة الثانية بالتحديد ليس ماو فقط بصدد تصوير ظاهرة ( أن البرجوازية لا تزال موجودة فى الصين ) و إنّما هو بصدد التشديد كرّة أخرى على القانون الموضوعي الجوهري للمجتمع الإشتراكي . و لخّص قبل سنوات خلت أن الإشتراكيّة ليست هدفا فى حدّ ذاته أو شيئا يمكن تعزيزه هكذا تماما ، بل هي بالتحديد مرحلة طويلة إنتقالية ، على مداها ستواصل البرجوازية وجودها و معها خطر إعادة تركيز الرأسمالية و أن العلاقة المفتاح فى المثابرة على التقدّم نحو الشيوعية هي الصراع الطبقي ، فى وحدة مع صراع البروليتاريا و شعوب العالم قاطبة المضطهَدة .

عند هذه النقطة من تطوّر الثورة الثقافية - 1968 /1969 - لخّص ماو الحاجة إلى تغيير شكل الصراع و توفير قيادة لهذه السيرورة ، تأسيسا على المكاسب المحقّقة و التغييرات التى حصلت لدى كسبها . و مزيد تطويرها و توطيدها . و إتّبع ماو هنا قانون أن الصراع الطبقي لا يسير على نحو مستقيم و على الدوام على ذات المستوى من الحدّة بل بطريقة متموّجة أو لولبيّة . و مثّل المؤتمر التاسع للحزب فى 1969 تعزيزا للصراع و ما حقّقته الثورة الثقافية إلى حينها ، فى مرحلة معيّنة و ركّز قاعدة مواصلة الصراع و البناء إنطلاقا من هذه المكاسب فى الفترة اللاحقة . لكن فى الوقت ذاته ، حذّر ماو من أنّه حتّى و إن تغيّر شكل الصراع فإن هذا لا يعنى أن الصراع إنتهى و أنّه لن يكون هنالك بعد حاجة إلى الإطاحة بالقيادات البرجوازية فى الحزب . بالفعل بالضبط بعد المؤتمر التاسع ، صرّح ماو أن مثل هذه المعركة الشاملة من الوارد جدّا خوضها بعد بضعة سنوات .

و فعلا ظهر إلى السطح قادة برجوازيون جدد داخل الحزب فى السنوات القليلة الموالية و هذه المرّة منهم من إرتبطوا كثيرا بالثورة الثقافية . و المقصود هنا هو لين بياو الذى سعى إلى تنظيم إنقلاب فى 1971 بما فى ذلك مؤامرة لإغتيال ماو ، و قد مات فى حادث طائرة وهو يحاول الهروب من البلاد إثر فشل مخطّطه . لقد عرف ماو منذ البداية أن للين بياو مظاهرا خيانية رغم أنه قد لعب عموما دورا إيجابيا فى مرحلة سابقة من الثورة الصينية و رغم أن ماو أحسّ بضرورة التوحّد مع لين بياو خلال المرحلة الأولى من الثورة الثقافية للقضاء على اليمينيين المتمترسين بشدة و الموالين لليو تشاو تشى .

و مع أن هزيمة مؤامرات لين بياو و تفجير قيادته العامة تعد إنتصارا عظيما للبروليتاريا فإنّهما أنشآ كذلك ظروفا جديدة ، تناقضات و مشاكلا جديدة . أخذت عديد عناصر الحزب القديمة التى وقع كسبها إلى درجة أو أخرى - أو إجبارها - للمواصلة ، أثناء النهوض الجماهيري للثورة الثقافية و المساندة الحماسية التى لقيتها من ماو و قادة ثوريون آخرون ، أخذت تتراجع و تعارض مستغلّة خيانة لين بياو كعذر أو ذريعة لمعارضة الثورة الثقافية .

و بالفعل تعلل معارضو ماو بأنه بإعتبار أن لا أحد كان مثّل الثورة الثقافية مثل لين بياو و الآن كشفت حقيقته ، فإنه يجب الشكّ فى كل شئ دافع عنه و تدخّل فيه . لقد غضّوا النظر عن النواقص فى الطريقة التى دفع بها لين بياو الثورة الثقافية و أنّه زمن المؤتمر التاسع ، طفق يهاجم عدّة مكاسب و نجاحات حقّقتها الثورة الثقافية و أنّه قال إنّ الثورة إضطراب كان جيّدا لفترة ( تحديدا طالما رفعته إلى الأعلى ) لكنّه حان الأوان للجماهير أن تظلّ هادئة ، أن تضع أنوفها فى الأرض و أن تعتني بالإنتاج لا غير . سعى أولئك الذين إستغلوا الفرصة لمهاجمة الثورة الثقافية طبعا لتجاهل هذا أي الحقيقة اليمينية لخط لين بياو و كذلك فحواه اليميني و بدلا من ذلك أرادوا تصويره على أنّه " يساري متطرف " مسعور و من ثمة نعتوا الثورة الثقافية ككل بالنعت عينه .

إبّان هذا الصراع ، صاغ ماو بعض الملاحظات الهامة للغاية زادت من تعميق الفهم الماركسي - اللينيني لمواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا . و هكذا فى أواخر 1974 ، لفت ماو النظر علنيّا إلى مسألة حيويّة ألا وهي :

" لماذا تحدّث لينين عن ممارسة الدكتاتورية على البرجوازية ؟ من الضروري أن تكون هذه المسألة واضحة . فغياب الوضوح بهذا الصدد يؤدى إلى التحريفية . يجب أن تعلم بهذا الأمّة جمعاء ". ( 65)

مع نشر توجيه ماو هذا فى فيفري 1975 ، بالضبط عقب نهاية المؤتمر الشعبي الوطني الرابع ، نظّم ماو حملة دراسة نظرية دكتاتورية البروليتاريا و التصدّى للتحريفية و ما أبرزه ماو فى الإستشهاد أعلاه هو أنّه من الضروي إدراك لماذا،لأيّ هدف تمارس دكتاتورية البروليتاريا . فلا يكفى فهم أنّه يتعيّن أن توجد دكتاتورية البروليتاريا حيث من اللازم فهم ما على البروليتاريا تحقيقه و فى أي إتّجاه عليها أن تتحرّك خلال دكتاتوريتها .

و الإتّجاه يوضّحه ماو فى موقع آخر فى الفترة ذاتها :

" حاليّا تمارس بلادنا الإنتاج السلعي و نظام أجور غير عادل كذلك ، على غرار ما فى سلّم الأجور ذو الثماني درجات ، و ما إلى ذلك . فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا لا يمكننا إلا أن نحدّد مثل هذه الأشياء . لذلك إذا توصّل أناس من أمثال لين بياو إلى السلطة سيكون سهلا جدا بالنسبة لهم أن يركّزوا النظام الرأسمالي . لذا علينا أن نقوم بقراءات أوفر للأعمال الماركسية – اللينينية . "( 66 )

ما يخوض فيه ماو هنا هو بقايا - ما أسماه ماركس"علامات ولادة "- المجتمع القديم الذى يلمس داخل القاعدة الإقتصادية الإشتراكية ، داخل علاقات الإنتاج الإشتراكية ذاتها . مثل هذه الأشياء كالإنتاج السلعى و الخلافات فى التوزيع إلخ يمكن وصفها عامة بالحقّ البرجوازي بما أنّها تنتمى إلى صنف من العلاقات الإقتصاديّة المميّزة للحقبة البرجوازية و تحيل على أن آفاق هذه العلاقات لم ترسم كليّا ( حتى نستعمل كلمات ماركس ) رغم أنّ هذه الأشياء تسير ضمن ظرف مختلف فى ظل الإشتراكية إذ أنّ إستغلال العمل المـأجور قد ألغته علاقات الإنتاج الإشتراكية . و تتّصل "علامات الولادة " إتّصالا وثيقا بإستمرار وجود ما أسماه دائما الصينيون " الثلاث إختلافات الكبرى " بين العمال و الفلاحين و بين المدينة و الريف و بين العمل الفكري و العمل اليدوي .

و يلفت ماو الإنتباه إلى أن الحق البرجوازي كما حدّدناه أعلاه يتواصل وجوده خلال مرحلة الإشتراكية و أنّ دكتاتورية البروليتاريا لا يمكنها إلاّ أن تحدّده و من هنا يتأتّى خطر إمكانيّة إعادة تركيز الرأسمالية . هذا من جهة و من جهة أخرى ، يركّز على أنّ على البروليتاريا بالذات أن تحدّد الحق البرجوازي و أنّه يتعيّن أن يكون التحديد التصاعدي للحق البرجوازي تبعا للظروف الماديّة و الإيديولوجيّة فى كلّ درجة من درجات التطوّر أثناء المرحلة الإشتراكية . و إن لم يحدث ذلك ستزداد قوّة البرجوازية و تترعرع و ستتصاعد محاولاتها الإستيلاء على السلطة و تفرض دكتاتورية البرجوازية على الجماهير و إعادة تركيز الرأسمالية و الحقّ البرجوازي الأسمى ، عنينا حقّ إستغلال البروليتاريا .

الإختلاف بين الإشتراكية من جهة و الصين القديمة من جهة ثانية و تماثلهما هو ما بيّنه ماو فى مناسبة أخرى حينما قال :

" فى كلمة ، الصين بلد إشتراكي . قبل التحرير كانت تشبه أكثر البلدان الرأسمالية . و حتى الآن ، يمارس نظام سلّم الأجور ذى الثماني درجات و التوزيع حسب العمل و التبادل النقدي و فى كلّ هذا تختلف قليلا جدّا عن المجتمع القديم . نقطة الإختلاف هي أن نظام الملكية قد تغيّر ."(67)

و هذا يرسم خط تمايز إقتصادي دقيق و علمي بين الرأسمالية و الإشتراكية . تغيّر نظام الملكية فبات إشتراكيا بالأساس . بيد أنّ هذا لا يعنى أن علاقات الإنتاج قد تغيّرت كلّيا بأيّة صفة من الصفات و التقدّم المحرز لا يعدو كونه الخطوة الأولى.
فضلا عن ذلك ، ثمّة مسألة هل أنّ نظام الملكية صار إشتراكيا كلّيا . فحين تشهد الفلاحة حركة تعاونيّة ، على غرار ما حصل فى الصين أواخر الخمسينات ، مع الملكية الجماعيّة للأرض وملكيّة مجموعات من الناس الذين يعملون أيضا فى الفلاحة أغلب وسائل الإنتاج ، تعدّ هذه مشركة لكنها ليست مشركة تامّة ، تصبح كذلك فقط حين تمسى الأرض و وسائل الإنتاج ملكيّة جماعيّة للمجتمع ككلّ ، عبر الدولة و بتحوّل الفلاحين إلى عمّال . إن هذه الخطوة فى المشركة لم تتمّ فى أيّ مجتمع إشتراكي . علاوة على ذلك ، ، كما بيّن تشانغ تشن تشياو فى مقال هام نشر بعد مدّة قصيرة من تصريحات ماو ، أن ملكية الدولة ليست تامّة حتى فى التجارة و الصناعة . كتب :

" مع ذلك ، يجب أن نلاحظ أنّه فى ما يتصل بنظام الملكية فإنّه لم يتركز تماما . غالبا ما نقول " إن نظام " الملكيّة قد تركز بالأساس " و هذا يعنى أنّه لم يتركز بصفة كلّية و يعنى كذلك أن الحق البرجوازي لم يلغ كلّيا فى هذا الخضم . تبيّن الإحصائيات المذكورة أعلاه أن الملكية الفردية لا تزال موجودة جزئيا فى الصناعة و الفلاحة و التجارة و أن الملكيّة الإشتراكيّة العامة لا تتمثّل كليا فى ملكية الشعب بأسره بل تشمل نوعين من الملكية و أن ملكية الشعب بأسره لا تزال ضعيفة فى الفلاحة ، التى هي قاعدة الإقتصاد الوطني . تتطلب نهاية الحق البرجوازي فى خضم نظام ملكية مجتمع إشتراكي ، مثلما يراه ماركس و لينين ، تتطلب تحويل كلّ وسائل الإنتاج إلى ملكيّة عامّة للمجتمع ككلّ . بوضوح لم نتوصّل إلى هذه المرحلة . لا نظريا و لا عمليا يجب علينا أن نستخفّ بالمهام الصعبة جدّا التى توكل لدكتاتورية البروليتاريا فى هذا المضمار .

و أكثر من ذلك ، يجب علينا رؤية أنّ كلاّ من ملكية الشعب بأسره و الملكية الجماعية تقتضى مسألة القيادة ، يعنى مسألة أيّة طبقة تمسك بالملكية فعلا و ليس فقط قولا . " ( 68 )

ثم هنالك قضيّة أن الملكية ، بينما هي المظهر الأساسي و الأهمّ فى علاقات الإنتاج ، ليست المظهر الوحيد . إذ هنالك مظهران آخران : 1- العلاقات بين الناس فى سيرورة الإنتاج و 2- علاقات التوزيع . كلاهما ، فى ظلّ الإشتراكية يظلّ ملوّثا ، إلى درجات متفاوتة ، بالحق البرجوازي . و قد رأينا ماركس فى " نقد برنامج غوتا " ، يصبّ الإهتمام على الحقّ البرجوازي الملازم للنظام الإشتراكي للتوزيع حسب العمل و ماو يعود إلى ذلك فى الإستشهاد أعلاه . لا نستطيع إلغاء الحقّ البرجوازي إلغاءا تاما فى هذا الجانب من علاقات الإنتاج فى ظلّ الإشتراكية وإنّما بمستطاعنا و ينبغى أن نحدّده بإستمرار. لهذا يعزى ترحيب لينين ب " السبوت الشيوعية " لكونها كانت تمثّل تجاوزا للحقّ البرجوازي فى علاقات التوزيع فى جانب معيّن . و مثّل حتى سلّم الأجور ذى الثمانى درجات تحديدا – ذلك أنّه قبل 1950 ، كانت الدرجات أكثر من ثمانية – لكن لا يمكن رؤية ذلك كشئ قار وخطّ نهاية هذا التحديد .

لو لم يحدّد الحقّ البرجوازي فى هذه الجوانب من علاقات الإنتاج – فى التوزيع و العلاقات بين الناس فى الإنتاج و تقسيم العمل - فإنّه سينمو و هذه الجوانب هي و تأثيرالخطّ التحريفي ستؤثر بصفة عكسيّة ، فى إتّجاه برجوازي ، على نظام
الملكيّة . لخّص تشيانغ تشن تشياو هذه النقاط الهامّة كما يلى :

" من الصحيح تماما أن يعطي الناس وزنا كاملا للدور الحيوي لنظام الملكيّة فى علاقات الإنتاج لكن من غير الصحيح ألآ يعطوا وزنا لهل أن مسألة الملكية قد وقعت معالجتها فقط شكليّا أم فعليّا ، و تأثير نظام الملكية الذى يمارسه المظهران الآخران من علاقات الإنتاج - العلاقات بين الناس و شكل التوزيع - و إلى تأثير البنية الفوقيّة على القاعدة الإقتصادية فهذان المظهران و البنية الفوقية يمكنهم أن يلعبوا دورا حيويا فى ظلّ ظروف معيّنة . السياسة هي التعبير المركز عن الإقتصاد . ما إذا كان الخط الإيديولوجي و السياسي صحيحا أو غير صحيح و أيّة طبقة تمسك بالقيادة يحدّد أيّة طبقة تملك هذه المصانع بالفعل . " (69)

نتيجة لهذه التناقضات الحتميّة فى ظلّ الإشتراكية فى كلّ من القاعدة الإقتصادية ( علاقات الإنتاج ) و بين البنية التحتيّة و البنية الفوقيّة ، تولد البرجوازية الجديدة بإستمرار و كذلك حتميّا داخل المجتمع الإشتراكي . و عن هذا تكلّم ماو فى التصريح التالي :

" قال لينين : " إن الإنتاج الصغير يلد الرأسمالية و البرجوازية بإستمرار ، فى كلّ يوم و كل ساعة ، و بصورة عفويّة و على نطاق واسع . " و أيضا تولد البرجوازية ضمن جزء من الطبقة العاملة و عناصر الحزب . فى كلّ من صفوف البروليتاريا و ضمن موظّفى الدولة و أجهزة أخرى ، هنالك أناس يتعوّدون على نمط الحياة البرجوازية " .(70)

فى جميع هذه الميادين ، كحصيلة لتناقضات الإشتراكية و الوجود المستمر للحقّ البرجوازي ، هنالك أناس :" يتعوّدون على طريقة الحياة البرجوازية " و بالتالى يصبحون قاعدة لإستيلاء البرجوازية الجديدة على السلطة لكن القوة القياديّة ، مركز القيادة البرجوازي الأصلي ، لا يكمن هنا فى ظلّ الإشتراكية – على الأقل إثرإتمام التغيير الإشتراكي للملكية بالأساس . هي بالأحرى فعليا فى الحزب الشيوعي لبلد إشتراكي حسب إشارة ماو لاحقا :

" مع الثورة الإشتراكية يجدون أنفسهم هم تحت النار . زمن التحوّل إلى التعاونيّات الفلاحيّة وُجد أناس فى الحزب عارضوه و حين شرعنا فى نقد الحقّ البرجوازي تصدّوا للدفاع عنه . إنّكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنها بالضبط داخل الحزب الشيوعي –أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي " .( 71)

حين يذكّر ماو هنا بالذين عارضوا التحويل إلى التعاونيّات الفلاحيّة أو بكلمات أخرى مشركة الفلاحة فإنّه يشير إلى عناصر الحزب الشيوعي الذين كانوا ثوريين فى المرحلة الديمقراطية الجديدة من الثورة الصينية لكن الذين أرادوا أن يوقفوا الثورة لمّا بدأت تتحوّل إلى المرحلة الإشتراكية و الذين تحوّلوا بإطراد إلى معارضة الثورة طالما كانت تتقدّم نحو المرحلة الإشتراكية . بعبارات أخرى ، لم يذهبوا فى الواقع ، أبدا و فعلا أبعد من كونهم ديمقراطيون برجوازيون و لم يقطعوا أبدا راديكاليا مع الإيديولوجيا البرجوازية . هذه الظاهرة " من ديمقراطيين برجوازيين إلى أتباع الطريق الرأسمالي" كانت خاصة ببلد مثل الصين حيث تطلّبت الثورة صراعا ديمقراطيا طويلا كمرحلة سابقة للمرحلة الإشتراكية .

لكن ملاحظات ماو أشمل بكثير و تنسحب على أي مجتمع إشتراكي . فعلى الثورة الإشتراكية ، مثلما سبق و أن رأينا ، أن تواصل المضي قدما و طالما أنّها تقوم بذلك سيوجد أناس يرون أنّها ذهبت كثيرا إلى الأمام و لا يودّون التقدّم معها . و قد عالج ماو هذه الظاهرة بالذات فى تصريح هام آخر خلال معركته الكبرى الأخيرة :

" إثر الثورة الديمقراطية لم يقف العمّال و الفلاّحون الفقراء و المتوسّطون مكتوفي الأيدى ، أرادوا الثورة . و من جهة أخرى ، لم يرد عدد من عناصر الحزب المضيّ قدما ، فبعضهم تراجع و عارض الثورة . لماذا ؟ لأنّهم أصبحوا موظّفين سامين و أرادوا الحفاظ على مصالحهم كموظّفين سامين ." ( 72)

فى كل الثورات ثمّة أناس يحقّقون بعض المصالح و يتّجهون إلى رفض المضيّ بالثورة قُدما لأن مصالحهم تصبح فى خطر و وضّح ذلك تشيانغ تشن تشياو قائلا :

" إنّهم يقبلون بدكتاتورية البروليتاريا إلى درجة معيّنة و ضمن إطار معيّن و هم يبتهجون لبعض إنتصارات البروليتاريا لأنّها ستجلب إليهم بعض المنافع و حين يضمنون منافعهم ، يشعرون أنّه حان وقت حطّ الرحال و رمي شباكهم الحذرة . و فى ما يتعلق بممارسة الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية ، فى ما يتعلق بتجاوز الخطوة الأولى من الألف ميل [ أي مواصلة الثورة بعد إفتكاك السلطة ] فنعتذر ، دعوا غيرنا يقوم بالعمل ، هذه محطّّتى و علي أن أنزل من الحافلة !" (73)

و هذا لا يعنى أن جميع أمثال هؤلاء رجعيّون لا يرجى منهم خيرا . إذ من الممكن كسب بعضهم عبر الصراع غير أنّه يجب خوض صراع . و بالضبط بعد المقتطف أعلاه ، يتابع تشيانغ تشن تشياو قائلا :

" نودّ أن نتقّدم بنصيحة لهؤلاء الرفاق : من الخطر الوقوف فى منتصف الطريق ! البرجوازية تترقّب مجيئكم إليها . تمسّكوا بالصفوف و واصلوا التقدّم ! " ( 74)

لكن من الحيويّ إدراك أنّ الذين لا يمكن كسبهم يمثّلون جزءا هاما من القاعدة الإجتماعية للتحريفية فى أعلى مستويات الحزب فى محاولتهم إيجاد سند للإستيلاء على السلطة البروليتارية و إعادة تركيز الرأسمالية . و مثلما تمّ التأكيد على ذلك عدّة مرّات ، هم بالضبط أعلى قيادات الحزب الذين يتبعون الطريق الرأسمالي و الذين يمثّلون الخطر الأكبر على الإشتراكية و ينبغى أن يكونوا الهدف الأساسي للصراع الثوري . هم الذين يستطيعون أن يسندوا شريحة أكثر إمتيازات فى المجتمع فى مقاومة أكبر للتحوّلات التى تعصف بهذه الإمتيازات و الذين يمكنهم أن يتلاعبوا بالمظاهر السلبية – التفكير و نمط العيش البرجوازيين – التى تنزع نحو الظهور فى صفوف هذه الشريحة على أساس الموقع ذى الإمتياز .

و أبعد من ذلك ، إنّهم هم الذين ينسقون معارضة التقدّم الإشتراكي فى كلّ المجتمع ، هم الذين يمكنهم توحيد قوى مثل هذه المعارضة حول خط و برنامج إشتراكيّين : توفير القيادة و التوجيه و حتى تحريكها لمحاولة الإستيلاء على السلطة
و بالطبع هم الذين لا يعملون فقط كقادة لهذه القوى بل كذلك يوفّرون لها أفضل غطاء للثورة المضادة بما أنّهم يقودون عناصر من الحزب و بإمكانهم إستغلال ما للجماهير من إحترام للحزب و لقيادته . لهذا نبّه ماو إلى مسألة :

" إنها بالضبط داخل الحزب الشيوعي –أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي " .

توفّر تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاته – تقسيم العمل الموروث و الإختلافات فى الدخل و بقايا العلاقات السلعية إلخ و كذا تواصل تأثير الإيديولوجيا البرجوازية – توفّر لا فقط الأرضيّة لعناصر البرجوازية لكي تأثّر بإستمرار فى المجتمع عامة و لكن و بخاصة لكي تظهر بإستمرار فى الصفوف العليا للحزب و لكي يحرّكوا قاعدة إجتماعيّة للثورة المضادة . و هذا لا يعنى أن القياديين كافة لمجرّد وجودهم فى تلك المواقع ، يتّجهون إلى التحوّل إلى برجوازيين ويغدون خونة للثورة. لكن هذا يعنى أن بعضهم ، لا سيما الذين يتعوّدون على نمط العيش البرجوازي و يتبنّون إيديولوجيا وخط سياسي تحريفيين، سيفعلون كذلك و أنّه بالتالي ستكون لهم حاجة و فرصة التحالف و كسب الأنصار لمحاولة الإستيلاء على السلطة و إعادة تركيز الرأسمالية . ومثلما لخّص ماو ، سيبقى هذا الحال على طول المرحلة الإشتراكية إلى أن تُحل تناقضات الإشتراكية عبر التقدّم الثوري صوب الشوعية .

لا ينتهى الصراع الطبقي و لا يمكنه أن ينتهي فى ظلّ الإشتراكية بل يظلّ القوّة المحرّكة للمجتمع الإشتراكي و نتيجة هذا الصراع – لا سيما الصراع بين البروليتاريا و البرجوازية – يحدّد ما إذا يواصل المجتمع التقدّم صوب الشيوعية أو
( على مدى قصير ) يتراجع نحو الرأسمالية . و مثلما لخّص ذلك ماو قبيل وفاته :

" فى 1949 وقع تحديد التناقض الرئيسي داخل البلاد على أنّه بين البروليتاريا و البرجوازية . و بعد ثلاثين سنة ، أثيرت مجدّدا مسألة الصراع الطبقي و أيضا وقع تحديد أنّ الوضع بدأ يتحسّن . ما هي غاية الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى؟ إنها خوض الصراع الطبقي . كان ليوتشاوتشى يرفع نظرية إنتهاء الصراع الطبقي لكنّه هو ذاته لم يكفّ أبدا عن خوض الصراع الطبقي . أراد أن يحمي مجموعة خونته و أتباعه المخلصين . أما لين بياو فأراد الإطاحة بالبروليتاريا و حاول القيام بإنقلاب . هل إنتهى الصراع الطبقي ؟ " ( 75)

و فى ختام هذا المقال من الضروري العودة بشكل مختصر إلى عديد النقاط التى جرى لمسها قبلا و التى هي مرتبطة ببعض القضايا الكبرى التى برزت سواء فى شكل غير يقيني أو خلافي أو فى شكل هجومات مباشرة على الخط الأساسي لماو تسى تونغ بصدد الطبقات و الصراع الطبقي فى المجتمع الإشتراكي و نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا .

البرجوازية داخل الحزب :

هل يصحّ القول مثلما قال ماو بجلاء ، إن البرجوازية كطبقة يتواصل وجودها فى المجتمع الإشتراكي حتى بعد مشركة الملكية ؟ ثم هل يصحّ القول مثل ماو إن البرجوازية هي بالضبط داخل الحزب الشيوعي و كيف ينبغى فهم ذلك؟
أوّلا ، يجب القول إن البرجوازية لا توجد ، طبعا ، فى ظلّ الإشتراكية ( عقب مشركة الملكية ) كطبقة تتصرّف فى ملكيّة خاصة لوسائل الإنتاج على غرار ما تفعل فى ظلّ الرأسمالية . لو سحبنا هذا المفهوم على المجتمع الإشتراكي ، يتعيّن أن نخلص إلى أن البرجوازية فعلا غير موجودة و لا يمكنها ذلك عقب تحويل نظام الملكيّة . لكن بإستعمال ذات الطريقة
– التى يجب و الحقّ يقال توصيفها بأنها إسكولاستيكية و إستاتيكية – سيتوجّب علينا أيضا أن نخلص إلى أن البروليتاريا لم تعد توجد عقب مشركة الملكيّة لأن المفهوم المحدّد للبروليتاريا هو أنّها طبقة لا تملك وسائل إنتاج . و إذا كانت الحال هذه بالتالى من الطبيعي أنّه سيكون من البلاهة الحديث عن دكتاتورية البروليتاريا ( غير الموجودة ) و عن برجوازية ( غير موجودة ) . و هكذا بإمكاننا رؤية أي خلط ستسقطنا فيه هذه الطريقة و كيف ستسقطنا فعلا فى الإلتقاء مع أرهاط خروتشاف من التحريفيين و نظريتهم حول " دولة الشعب بأسره " .

تعلّمنا الجدليّة أن صراع الأضداد عندما يمرّ بتحوّل نوعي يشهد كلا الضدّان تحوّلا أيضا . و ينسحب هذا على الصراع بين البروليتاريا و البرجوازية فلما تفتكّ البروليتاريا السلطة من أيدى البرجوازية تركّز دكتاتوريّتها هي على البرجوازية و تمشرك الملكيّة فتتحوّل من طبقة محكومة إلى طبقة حاكمة و من طبقة لا تملك وسائل إنتاج إلى المالكة جماعيّا لوسائل الإنتاج . غير أنّ هذا لا يُلغى بعدُ البروليتاريا ذلك انّها تواصل الوجود إلى حدّ تحقيق الشيوعية بإلغاء كافة الإختلافات الطبقية و أساسها . و إلى ذلك ، بالتالى يوجد نقيضها – البرجوازية – لأنّه لا يمكن أن توجد بروليتاريا دون برجوازية و العكس بالعكس . فى الواقع ، مرّت البرجوازية بتحوّل فى الإتّجاه المضاد فغدت من طبقة حاكمة إلى طبقة محكومة و من طبقة ذات ملكية خاصة لوسائل الإنتاج إلى طبقة تفتقد إلى ملكية وسائل الإنتاج .

لنعالج مسألة البرجوازية فى المجتمع الإشتراكي عن كثب . هنا المقصود بالبرجوازية هو الطبقة الإجتماعية و ليس الأفراد بالذات المكوّنين لها فى وقت معيّن و خاصة ليس فقط أو حتّى بالأساس الرأسماليين المطاح بهم عند التركيز الأول لدكتاتورية البروليتاريا ( التى ، للوضوح يمكن نعتها بالبرجوازية القديمة ) . فى ظلّ الإشتراكية ثمّة مواقع توجد بها ملكية فردية و إستغلال العمل المأجور فعلا و حرفيّا و بالشكل الجوهري ذاته فى ظلّ الرأسمالية . فمن غير الممكن عامة للبروليتاريا ، عقب إفتكاك السلطة أن تصادر جميع المؤسسات البرجوازية مرّة واحدة . و فضلا عن ذلك ، حتى بعد أن يُفتكّ كليا من البرجوازية القديمة رأسمالها السابق ، ثمّة حالات من العمليّات غير القانونيّة و حوانيت ملكية خاصة للتجارة فى السوق السوداء إلخ . ذات دلالة أكبر مع ذلك هي العلاقة بين القيادة و الجماهير فى الإقتصاد الإشتراكي . إن كان خط ماركسي – لينيني فى القيادة ، فإن هذه العلاقات فى نفس الوقت الذى تعنى فيه لامساواة ستكون علاقات تعاون رفاقي – و مثل اللامساواة هذه سيُضيّق عليها شيئا فشيئا . لكن إذا كان خط تحريفي فى القيادة ، فإن هذا بالتالى سيحوّل العلاقات بين القادة و المقودين إلى علاقات قمع و علاقات تعنى الإستغلال .

لئن لم تشارك الكوادر القيادية فى عمل منتج إلى جانب الجماهير ، لئن رفعت فى نفس الوقت مداخيلها نسبة لمداخيل الجماهير بتعميق الإختلافات فى الأجور و العلاوات إلخ ، لئن وضعت الربح موضع القيادة و لئن ركّزت الإدارة و التخطيط بينما تبعد جماهير العمّال اليدويّين فعلا عن هذه الأشياء و عوض تعبئتها سياسيّا للمساهمة فيها و تقييم الكوادر القياديّة ، فجوهريّا إلى أي حدّ تختلف العلاقة بين الكوادر و الجماهير العاملة عن العلاقة بين العمّال و الرأسماليين فى المجتمع الرأسمالي ؟ و فى ما يتصل بالموظفين السامين الذين يمارسون القيادة فى الوزارات ، المالية و التجارة إلخ ، إذا ما إتّبعوا الخطّ التحريفي ذاته ، يعزلون أنفسهم عن الجماهير و العمل المنتج و يمركزوا فعليّا السيطرة على هذه المجالات ، فإلى أي حدّ يختلفون عن منفّذى المؤسسات و البنوك الكبرى فى البلدان الرأسمالية ؟

جوهري طبعا هو الإختلاف بين الإشتراكية و الرأسمالية . و هذا يعنى أنّه و إن سيطر هؤلاء التحريفيين على ميادين هامة من الإقتصاد و أجزاء هامة من السلطة السياسية إلخ فى ظلّ الإشتراكية فإنّهم يعملون بعدُ فى ظروف تمسك فيها الطبقة العاملة فى كلّ المجتمع بالسلطة و الإقتصاد الإشتراكي . هذا هو السبب الأهمّ الذى يدفعهم لأن يقوموا بمحاولة شاملة لإفتكاك السلطة لكي يستطيعوا متابعة مصالهم البرجوازية بأوفر عناية عبر إعادة تركيز الرأسمالية . و هذه هي بالضبط السيرورة التى شهدها الإتحاد السوفياتي .

مع ذلك لا يغيّر هذا من أنّه فى ظلّ الإشتراكية ، لن يظهر مثل أتباع الطريق الرأسمالي إلى السطح فحيث و على درجة قدرتهم على غرس خط تحريفي سيتمكّنون من تحويل العلاقات فيما بينهم و العلاقات الواقعة تحت قيادتهم لا سيما مع الجماهير العاملة الأساسيّة ، إلى علاقات قمع و جوهريا إلى علاقات إستغلال . سيبحث هؤلاء التحريفيّين عن بعضهم البعض و سيكوّنون كتلا و تجمّعات و جهازهم الخاص داخل الحزب و الدولة ( و كذلك خارجهما ) فى معارضة لمبادئ الحزب و خطّه الأساسيّ و القيادة و القوى الثوريّة داخله و جماهير الشعب . هكذا يمكن لمس أنّهم بالفعل يمثّلون برجوازية - أو قلب البرجوازية - داخل المجتمع الإشتراكي و يتميّزون بميزات تلك الطبقة فى ظروف الإشتراكية .

مجمل القول : فى المجتمع الإشتراكي ، تتركّز السلطة على وسائل الإنتاج و على التوزيع كسلطة قيادة سياسيّة . فحيث و إلى درجة أن تلك السلطة ليست بأيدى الماركسيّين و الجماهير بل عوض ذلك بأيدى التحريفيّين ، فإنّ علاقات الإنتاج البرجوازية يمكن أن تنتج حتى داخل الشكل الجماعي لكن التطوّر الشامل لعلاقات الإنتاج الرأسماليّة يتطلّب المسك بالسلطة من قبل البرجوازية - بقيادة أتباع الطريق الرأسمالي فى أعلى قمّة قيادة الحزب - و إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع بأسره .

من هنا يمكن رؤية لماذا ليس فقط صحيحا بل كذلك ضروريّا الحديث عن البرجوازية داخل الحزب – أتباع الطريق الرأسمالي فى مواقع السلطة . بالنسبة للغالبية الغالبة من الشعب التى تمسك بمراكز القيادة فى الإقتصاد فى مستويات مختلفة - بالتحديد عناصر الحزب - فهم عموما الذين ( لا سيما إثر السنوات الأولى من الإشتراكية ) يديرون و يخطّطون ، على رؤوس الوزارات إلخ و الذين من بينهم من يتّبع الطريق الرأسمالي و يزرع خطا تحريفيّا يصبحون بالفعل برجوازية داخل الحزب - مع سلطتها المتأتية من مواقعها القيادية . و يترتّب هذا عن تناقضات النظام الإشتراكي ، مثلما لخّصنا سابقا ، و عن كون الإقتصاد الإشتراكي هو إقتصاد جماعي و الدولة الوحدة الإقتصادية الحيويّة و الحزب فى موقع القيادة .

و بطبيعة الحال ، لا يعنى هذا أنّ كلّ البرجوازية توجد فى الحزب الشيوعي . فثمّة عدّة عناصر برجوازية أفرزها المجتمع خارج الحزب ( أو سابقين من المجتمع القديم ) . بيد أنّ جوهر البرجوازية فى ظلّ الإشتراكية ، أولئك فى مواقع ممارسة أكبر سلطة فيما يتعلّق بالإقتصاد و كذلك فيما يتعلّق بالبنية الفوقيّة السياسيّة و الثقافيّة إلخ. هم بديهيّا البرجوازية فى الحزب ذاته ، لاسيما فى المستويات العليا . تحليل هذا و تطوير طرق النضال ضد هذه القوى مهمّة أساسيّة فى الصراع الطبقي ضد البرجوازية وهي حقا مساهمة من أعظم مساهمات ماوتسى تونغ .

كيفية تعامل ماو تسى تونغ مع البرجوازية الوطنية :

لهذا صلة وثيقة بمسألة أخرى تثار : لماذا قال ماو أواخر 1957 ، إنّ فى الصين ، التناقض مع البرجوازية الوطنية ينبغى معالجته بعدُ كتناقض غير تناحري ؟ هل كان هذا صحيحا ؟ و إذا كان ذلك كذلك ، لماذا لا يعتبر إستسلاما أمام البرجوازية؟

خلال المرحلة الأولى من الثورة الصينية ، المرحلة الديمقراطية الجديدة ، طبّق الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو بالفعل و بطريقة سليمة سياسة الوحدة مع البرجوازية الوطنية - كنقيض للبرجوازية الكبيرة ، البرجوازية الكمبرادورية ، طالما كان ذلك ممكنا .

ثمّ حين دخلت الثورة المرحلة الإشتراكية مع تأسيس الجمهورية الشعبيّة ، إعترف ماو بأنّه من الصحيح السعي إلى كسب أو على الأقلّ تحييد ما أمكن من البرجوازية الوطنية على أساس وطنيّتها و إرادتها رؤية الصين تتجاوز التبعيّة للإمبريالية و الإقطاعيّة ، الشئ الذى لم يكن موضوعيّا ليتحقّق إلا بإتّباع الطريق الإشتراكي . فى نفس الوقت ، أقرّ ماو أيضا و أشار إلى أنّ هذه السياسة تجاه البرجوازية الوطنية يمكنها التحقّق فقط عبر الصراع و أنّه من الممكن المحافظة على عدم تناحرية التناقض إذ من الوارد جدّا أن تقاوم البرجوازية الوطنية أو قطاعات منها هذا و تضع نفسها مباشرة فى معارضة التقدّم نحو الإشتراكية .(76)

و بالفعل ظهرت نزعات فى صفوف البرجوازية الوطنية : فبعض قطاعات منها إلتحقت بالكتلة المعادية للثورة مهاجمة الإشتراكية بينما ذهبت قطاعات أخرى مع – أو على الأقلّ لم تعارض بصفة مفتوحة – النظام الإشتراكي . سياسة ماو فى هذا المضمار كانت صائبة للغاية ذلك أنّها عزلت الأعداء بما فى ذلك ضمن البرجوازية الوطنية الذين قاوموا سياسات الحزب و هاجموا الإشتراكية و سمحت للجماهير العريضة بالوحدة بأوفر صرامة لإلحاق الهزيمة بالأعداء .

و فى الواقع ، لا سيما إثر التحويل الإشتراكي للملكيّة ( المحقّق بالأساس حوالي 1956) أثارت البرجوازية الوطنية فى الصين - و الحال أنّه كان ينتزع منها أي قسط من بقايا الملكيّة الخاصة – أقلّ مشاكل من العناصرالبرجوازية الجديدة الظهور و بخاصة التحريفيّين فى الحزب ذاته وتحديدا فى أعلى مستوياته و ذلك لأنّه مع هذا التحويل ، ظهرت ظروف فيها لبّ عناصر البرجوازية و أكثرها أهمّية موجودون داخل الحزب أكثر منه خارجه كما سلف الشرح .

فى ظلّ هذه الظروف ، و بينما لا يزال للبرجوازية الوطنية - أو بقاياها - طابع مزدوج و يمكن جدّا أن يتّحد معها ، لم يكن هذا حال المتمترسين جيّدا أتباع الطريق الرأسمالي فى السلطة ، فى الحزب و الدولة الذين مثّلوا الخطر الأعظم على البروليتاريا و ينبغى أن يكونوا هدف ممارستها لدكتاتوريّتها و مواصلة خوض الصراع الطبقي . و مرّة أخرى ، تحليل هذه التغيّرات فى علاقات الإنتاج و تطوير طرق و وسائل مواصلة الثورة فى هذه الظروف مثّل حقيقة مساهمة عظيمة لماو تسى تونغ فى الماركسية - اللينينية .

دكتاتورية البروليتاريا الشاملة :

فى الختام ، عند تلخيص مساهمات ماو فى ما يتّصل بالمسألة موضوع البحث ، مسألة دكتاتورية البروليتاريا ولا سيما نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ هذه الدكتاتوريّة ، من المناسب و بشكل ساخر أن ندع أعداءه ، و منهم خاصة أولئك فى الصين الذين قاموا بالإنقلاب ( المؤقت ) هناك ، يشيرون إلى هذه المساهمات . ففى محاولة لتشويه ما يسمّون " مجموعة الأربعة " ( و قبل كل شيئ ماو ) يستشهد التحريفيّون فى السلطة فى الصين الآن ،عند مهاجمتهم لمقال تشيانغ تشن تشياو
" بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " ، يستشهدون بمقتطف لأخلص أتباع " مجوعة الأربعة " :
" قال لينين فقط الذين يعترفون بدكتاتورية البروليتاريا هم الماركسيون . حين كان تشيانغ تشن تشياو يكتب هذا المقال ، وجد أن كلمات لينين لم تكن مناسبة لطرح نقطته . مثلما يرى هو ، فقط الذين يعترفون بالدكتاتورية الشاملة للبروليتاريا على البرجوازية هم الماركسيّون الحقيقيّون . لكن عدم وضعها بين معقّفين يملى على القارئ أن يفكر فى أن لينين لم يكن ماركسيّا " . (77)

إزاء هذا على الشيوعيّين فى الصين أن يعلنوا " يهاجم أبرياء " . لأن ما يقع التشديد عليه فى هذا المقتطف أعلاه بالضبط – و الذى يعبّر عن خط ماو و ليس فحسب خط تشيانغ تشن تشياو و الذى هو منسجم مع تطوير خط لينين – هو أن دكتاتورية البروليتاريا هي ، من جهة ، نتاج ضروري لتطوّر المجتمع عبر الصراع الطبقي فى مرحلة معيّنة و هي من جهة أخرى ، ليست غاية فى حدّ ذاتها ، إنّها مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة . فجوهر خطّ ماو بشأن هذه المسألة أنّه إذا تمّ التعاطي مع دكتاتوريّة البروليتاريا كغاية فى حدّ ذاتها فستتحوّل بالتالى إلى نقيضها أي إلى دكتاتوريّة البرجوازية الجديدة التحريفيّة على البروليتاريا و الجماهير الشعبيّة .

و على نحو ما شرح تشيانغ تشن تشياو فى مقاله ، تعنى ممارسة الدكتاتورية الشاملة ضد البرجوازية ممارسة هذه الدكتاتورية فى كافة الميادين الإجتماعية و على كامل إمتداد المرحلة الإشتراكية الإنتقالية . و حصر هذه الدكتاتورية فى ميادين معيّنة دون غيرها لا يمكن أن يعني إلّا تعزيز البرجوازية و محاولاتها إغتصاب السلطة و الوقوف الحيادي لا يمكن أن يعني إلاّ أن تتمكّن البرجوازية من الإطاحة بالبروليتاريا و من إعادة تركيز الرأسمالية . عرقلة هذه الدكتاتورية و إيقافها عند نقطة معيّنة ، كما سبقت الإشارة ، هو بالتحديد برنامج التحريفيّين و بخاصة منهم الموجودين فى وظائف عليا الذين ضمّنوا بعض المكاسب من إنتصارات الثورة و ممارسة دكتاتورية البروليتاريا فى مجالات معيّنة و لفترة معيّنة من الزمن . إنّهم لا يرغبون فى أن تتقدّم الثورة أبعد و أن تمارس دكتاتورية البروليتاريا بصفة شاملة و على إمتداد المرحلة لأنّ المكاسب التى حقّقوها و الموقع المتميّز و الهيمنة على أجزاء من الإقتصاد و البنية الفوقيّة التى بأيديهم و كذلك أساس هذه الإمتيازات سيتفجّر و سيلغى فى النهاية .

و يوضّح مقال تشيانغ تشن تشياو هذه النقطة بالعودة إلى مقتطف شهير لماركس ( تمّ الإستشهاد به سابقا ) حيث يقول إن على دكتاتورية البروليتاريا أن تكون " نقطة إنتقال ضرورية نحو القضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، نحو القضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها ، نحو القضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، نحو تثوير كلّ الأفكار التى تفرزها هذه العلاقات الإجتماعية " . [ خط التشديد فى النص الأصلي ] ( 78 )

و يسترسل تشيانغ تشن تشياو ليتقدّم بالتفسير التالي الذى لشدّ ما كرهه التحريفيّون فى الصين :

" فى جميع الحالات الأربع ، يعنى ماركس الكلّ . لا يعنى جزءا أو جزءا كبيرا أو حتى الجزء الأكبر بل الكلّ ! و هذا ليس بالشئ الغريب لأنّه بتحرير البشريّة كافة يمكن للبروليتاريا أن تحقّق غايتها النهائية ألا وهي تحرير ذاتها . و الطريقة الوحيدة للتوصّل إلى الهدف هي ممارسة الدكتاتورية الشاملة ضد البرجوازية و مواصلة خوض الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا إلى النهاية ، إلى أن تنتفى الكل الأربعة المشار إليها أعلاه من على وجه الأرض لكي يغدو مستحيلا للبرجوازية و كلّ الطبقات المستغَلة أن توجد أو طبقات جديدة أن تُولد ، لا يجب علينا نهائيا أن نتوقّف فى طريق الإنتقال ... وجهة نظرنا هي أنّ الذين يدركون المسألة على هذا النحو يمكن إعتبار أنّهم إستوعبوا جوهر تعاليم ماركس بشأن الدولة ".( 79 )

و مجدّدا ، " وجهة نظرنا " تحيل لا فقط على وجهة نظر تشيانغ و إنّما كذلك على وجهة نظر ماو و ثوريين كثيرين آخرين . إنّها نقطة جوهرية فى تطوير ماو تسى تونغ للنظرية الماركسية - اللينينية حول الدولة و دكتاتورية البروليتاريا بشكل خاص أن ممارسة هذه الدكتاتورية و مواصلة ممارستها طوال المرحلة الإنتقالية نحو الشيوعية يمكن أن تعني لا أقل من مواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا . و هذه النظرة ناجمة عن تطبيق ماو المادية الجدلية على المجتمع الإشتراكي وهي تمثّل أعظم مساهماته الخالدة فى الماركسية - اللينينية و الصراع الثوري للبروليتاريا العالمية . و بالرغم من ما يمكن أن يقوله أو يفعله التحريفيّون فى الصين ، و بغضّ النظر عن إفتراءات الرجعيين و الإنتهازيين عامة و تشويهاتهم ، فإن هذه النظريّة ستظلّ سلاحا فعّالا بأيدى البروليتاريا و طال الزمن أو قصر ستستعمله فى كلّ بلد أثناء المرحلة الإنتقالية صوب الهدف التاريخي ، الشيوعية .

الهوامش :

1/ لينين: " الدولة و الثورة " ، صفحة 36 ، دار التقدم ، موسكو، الطبعة العربية .
2/ المصدر السابق ، صفحة 35 .
3/ ماركس و إنجلز "مختارات فى أربعة أجزاء " ، الجزء الأول ، صفحة 72 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
4/ ( ماركس : " الصراع الطبقي فى فرنسا 1848-1850"، " المؤلفات المختارة " ، المجلد 1 ، صفحة 282 ، الطبعة الإنجليزية + ذكره مقال تشيانغ تشن تشياو: " حول ممارسة الدكتاتورية الشاملة ضد البرجوازية " .
5/ إنجلز: " حول العمل السياسي للطبقة العاملة " ، " الأعمال المختارة " مجلد 2 ، صفحة 245 .
6/ لينين: " الدولة و الثورة " صفحة 58-59 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
7/ ماركس " الحرب الأهلية فى فرنسا " ، صفحة 55 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
8/ رسالة " ماركس إلى لودفيك كوغلمان " + ذكره لينين فى " حول كمونة باريس " صفحة 17 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
9/ لينين: " الدولة و الثورة " ، صفحة 59) .
10/ المصدر السابق صفحة 47.
11/ ماركس: " الحرب الأهلية فى فرنسا " ، صفحة 63 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
12/ ذكره لينين فى " الدولة و الثورة " ، صفحة 39.
13/ ذكره لينين فى " الدولة و الثورة " ، صفحة 92 .
14/ ماركس " نقد برنامج غوتا " صفحة 14 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
15/ نفس المصر السابق ، و نفس الصفحة .
16/ المصدر السابق ، صفحة 14-15.
17/ المصدر السابق ، صفحة 13.
18/ نفس المصدر السابق ، صفحة 15.
19/ ماركس و إنجلس و لينين "حول المجتمع الشيوعي "، صفحة 68 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
20/ نفس المصدر السابق، صفحة 69 .
21/ ماركس " الحرب الأهلية فى فرنسا " ، صفحة 18.
22/ " الدولة و الثورة " صفحة 6.
23/ المصدر السابق ، صفحة 100 .
24/ المصدر السابق ، صفحة 102.
25/ ماركس و إنجلس و لينين :" حول المجتمع الشيوعي " ، صفحة 43 .
26/ " مساهمة فى نقد الإقتصاد السياسي " ذكره ستالين فى المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية ، صفحة 69 ، دار دمشق للطباعة و النشر .
27/ " الدولة و الثورة " ، صفحة 30 .
28/ المصدر السابق.
29/ المصدر السابق ، صفحة 51
30/ لينين "المختارت فى 10 مجلدات " ، المجلد 9 ، صفحة 217 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
31/ المصدر السابق ، صفحة 218 .
32/ المصدر السابق ، صفحة 460 .
33/ المصدر السابق ، صفحة 434 .
34/ لينين " المهام الراهنة للحكومة السوفياتية " الأعمال الكاملة ، المجلد 30 ، صفحة 300 ، الطبعة الأنجليزية .
35/ المصدر السابق ، صفحة 294.
36/ لينين " المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي ( البلشفي ) فى روسيا " ، الأعمال الكاملة ، مجلد 25 ، صفحة 189 ، الطبعة الأنجليزية .
37/ لينين " المختارات فى 10 مجلدات"، المجلد 9، صفحة 40 ، دار التقدم ، موسكو ، الطبعة العربية .
38/ المصدر السابق ، المقال نفسه .
39/ ستالين " حول مشروع الدستور " ، مسائل اللينينية ، صفحة 799-800 ، الطبعة الإنجليزية .
40/ المصدر السابق.
41/ مصدر السابق ، صفحة 874.
42/ المصدر السابق
43/ المصدر السابق .
44/ هذا ما تكشف مثلا فى الخط الذى تم التعبير عنه فى تقارير ليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ فى المؤتمر الثامن فى 1956 .
45/ ماو تسى تونغ ، "المؤلفات المختارة "، المجلد الخامس ، دار النشر باللغات الأجنبية ، بيكين ، الطبعة الفرنسية .
46/ المصدر السابق ،" خطاب فى الإجتماع الثانى للجنة المركزية الثامنة للحزب الشيوعي الصيني ".
47/ المصدر السابق ، " خطاب فى المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " + صفحة 29 من
" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ "، الطبعة العربية .
48/ المجلد الخامس من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة "، الطبعة الفرنسية .
49/ مقتطف من" المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي الصيني " – وثائق تقرير المؤتمر التاسع .
50/ " حول شيوعية خروتشاف الزائفة و الدروس التاريخية التى تقدّمها للعالم ".
51/ المصدر السابق نفسه .
52/ المصدر السابق.
53/ إستشهاد بماو ورد فى مقال " ما هو فحوى ال20 نقطة " ؟ كتبه يان فانغ ضمن مجلة " دراسة و نقد " ، شنغاي ، عدد 7 ، 14 جويلية ،1976 ، الطبعة الأنجليزية.
54/ المصدر السابق .
55/ ستوارد شرام " ماو يتحدث إلى الشعب " -1956 -1971 ، نشر الصحافة الجامعية الفرنسية ، 1977 ، الطبعة الفرنسية .
56/ " وثائق المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني " منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ، الطبعة الفرنسية ، صفحة 67 + جلبار مورى ،" من الثورة الثقافية إلى المؤتمر العاشر " الجزء 2 ، صفحة 250 ، نشر 10/18 باريس 1973 ، الطبعة الفرنسية .
57/ " وثائق المؤتمر الحادى عشر للحزب الشيوعي الصيني " منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ، الطبعة الفرنسية .
58/ تقرير المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني ضمن " حتى تكون شيوعيا جيّدا " نشر 10/18 ، باريس 1970 ، الطبعة الفرنسية ، صفحة 200 .
59/ المصدر السابق، صفحة 201 .
60/ المصدر السابق + " حتى تكون شيوعيا جيدا " صفحة 206-207 ، نشر 10/18 ، باريس 1970 ، الطبعة الفرنسية .
61/ الوثيقة الثالثة من ملاحق كتاب جان دوبيه " تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية فى الصين -1965/ 1969- " دار الطليعة ، بيروت 1971 .
62/ ستوارد شرام ، " ماو يتحدث إلى الشعب " ، صفحة 271-272 ، نشر الصحافة الجامعية الفرنسية 1977 .
63/ مقتطف فى كتاب " شعوب الصين " نشر ميلتون و شرورمان ، صفحة 263-264 ، الطبعة الإنجليزية +" ماو تسى تونغ ، خطاب أمام البعثة العسكرية الألبانية ، 1 ماي 1967 .
64/ من تقرير لين بياو الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني ، مقتطفات وثائق المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني بيكين 1969 صفحة 68-69 + تقرير المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني ، ضمن " حتى تكون شيوعيا جيّدا " .
65/ " ماركس و إنجلز و لينين ، " حول دكتاتورية البروليتاريا " ، بيكين ، الطبعة الأنجليزية .
66/ المصدر السابق .
67/ المصدر السابق .
68/ " بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " .
69/ نفس المصدر السابق .
70/ ماركس و إنجلز و لينين ، " حول دكتاتورية البروليتاريا " بيكين ، الطبعة الأنجليزية .
71/ " مجلة بيكين " عدد 11 ، 12 مارس 1976، الطبعة الأنجليزية .
72/ " دراسة و نقد " عدد 6 ، الطبعة الإنجليزية .
73/ " بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " ، ص 18 .
74/ المصدر السابق ، صفحة 18-19 .
75/ " مجلة بيكين " عدد15 ،9 أفريل 1976 ، الطبعة الإنجليزية .
76/ أنظروا ماو تسى تونغ ، " حول المعالجة الصحيحة للتنقض بين صفوف الشعب " .
77/ " مجلة بيكين " عدد 3 ، جانفى 1978، الطبعة الأنجليزية .
78/ ماركس ، " الصراع الطبقي فى فرنسا 1848-1850 " المؤلفات المختارة " ، المجلد 1 ، صفحة 282 ، الطبعة الإنجليزية + ذكره مقال تشيانغ تشن تشياو " بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " .
79/ " بصدد الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " ، صفحة 16-17 ، الطبعة الإنجليزية .



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(1)الفصل الرابع من كتاب ...
- تطوير ماو تسى تونغ للفلسفة الماركسية(2)الفصل الرابع من كتاب ...
- تطوير ماو تسى تونغ للإقتصاد السياسي و السياسة الإقتصادية و ا ...
- مقدّمة - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - - كتاب لبوب أفاكي ...
- هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر
- إلى الشيوعيّين الثوريّين فى العالم و أفغانستان : قطيعتنا مع ...
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولاي ...
- قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعدا ...
- مقدّمة كتاب - مقدّمات عشرين كتابا عن - الماويّة : نظريّة و م ...
- إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية
- أزمة المهاجرين العالمية : ليس مرتكبو جرائم الحرق العمد للأمل ...
- المجرمون و النظام الإجرامي وراء موت اللاجئين فى النمسا
- حقيقة تحالف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مع الهند ضد الصين / ...
- أحاديث هامة للرئيس ماو تسى تونغ مع شخصيّات آسيوية و أفريقية ...
- تونس السنة الخامسة : عالقة بين فكّي كمّاشة تشتدّ قبضتها
- سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما - صحيفة - جينمي ...
- اليونان : - الخلاصة الجديدة ترتئى إمكانيّة : القطيعةُ مع الق ...
- الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة و إيران : - الولايات الم ...
- الإتفاق النووي بين الولايات المتّحدة و إيران : حركة كبرى لقو ...
- مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد - صحيفة - جينمينجباو - و ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تطوير ماوتسى تونغ للإشتراكية : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا -الفصل السادس من كتاب - مساهمات ماوتسى تونغ الخالدة - لبوب أفاكيان .