أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت العبيدي البيبة - فراشة .. قصة قصيرة














المزيد.....

فراشة .. قصة قصيرة


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 24 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


في حديقة غناء ينظر فراشة محلقة تهبط على زهرة متنقلة من زهرة إلى أخرى، تداعبه تلامس بجناحيها مقدمة أنفه، يظل ساكنا، يتمنى أن تسكن قليلا على وجهه، تتركه وتطير بعيدا، تغيب عن عينيه، يشعر بالوحدة، يجول بعينيه في المكان، تصل إلى أنفه رائحة زكية، يستنشقها مغمض العينين،  لا يدري كم من الزمن قد مر، يفتح عينيه يفتش عن الفراشة التي غادرته طائرة بعيدا، يلتفت يسرة ويمنة، يظهر على بعد حصان مرقط بألوان ثلاثة: الأبيض والأسود والأصفر الداكن، بشعر طويل يتدلى على الناحية اليسرى من عنقه الطويل، يقترب منه يسمع صهيله، يدنو أكثر مهرولا، يقف أمامه رافعا رأسه كما لو يود محادثته، يشعر بألفة غريبة تجاهه، يضع يده اليسرى على عنقه يمسح بها على شعره الناعم، يتحسس جسده، يمشي بيده على بطنه، ينهض من مكانه يبحث عن قطعة من السكر يريد أن يطعمه، يضع يده في جيبه، ليخرج منها كيسا حريريا، يفتحه، فتتحول قطع السكر بعد أن يلمسها إلى قطع من الماس يقدمها الحصان المرقط يعرض عنها، ويذهب بعيدا مسرعا، عكس ما جاء، فيختفي عن ناظريه بعدما دخل في شق صغير، انتابته الدهشة، كيف يدخل حصان بهذا الحجم في هذا الشق الصغير، يفرك عينيه ويفتحهما ثانية ليجد الشق وقد ضاق أكثر، يغمض عينيه ثانية، ويظل برهة ويفتحهما، وينظر صوب الشق الذي دخل إليه الحصان ذات الثلاثة ألوان، فلا يجد له أثرا.
يتذكر الفراشة ويبحث عنها فتفتح عينه على غراب يدور فوق شجرة كبيرة مورفة، ويرسل نعيقا، لم يستوحش صوته، بل يبعث فيه في نفسه حنينا لشيء لم يستطع تحديد كنهه، يهبط الغراب قليلا متجها ناحيته، يقترب منه مرسلا نعيقه، يحرك مكنونات نفسه، يجهد ذاكرته محاولا الوصول لكنه ذلك الحنين الذي يستشعره في نعيق الغراب الأبيض، الذي يدنو منه أكثر، يهبط بجواره، ينظر إلى منقاره، الذي يلمع بلون ذهبي مرسلا أشعة لم يستطع أن يتحمل قوتها، فيغمض عينيه قليلا، ثم يفتحها، ليجد الغراب الأبيض وقد التصق بقدمه، باعثا منقاره الذهبي يعبث بقدمه، فإذا برعشة تهز كل جسمه، رعشة تثمله لم يشعر بمثل تأثيرها في حياته، رعشة أبهجت كل ذرة في كيانه، تمنى لو استمرت طويلا، لكن سرعان ما غادره تأثيرها لتحل في نفسه حيرة، حينما بحث على الغراب الأبيض فلم يجد له أثرا.
يستنشق الهواء المعبق بروائح الزهور بعمق، ويخرج زفيرا هادئا مرسلا ناظريه صوب الشجرة الكبيرة التي كان يدور فوقها الغراب الأبيض ويتذكر الفراشة التي غادرته، فيعمل حدقتيه في كل اتجاه مفتشا عنها، تستعصي عليه رؤيتها، يدور برأسه في كل اتجاه، تخرج حمامة سوداء من بين قدميه، ينظر إليها فيجد منقارها معكوفا شديد السواد، ويلحظ عرجا في مشيتها البطيئة في محاولتها الابتعاد عنه، تجر ساقها الشمالية، ترفرف بجناحيها، فيبدو الأيسر بطيئا، تستمر في الابتعاد يرقبها بتأمل، يسكن في نفسه حزن مبهم، يعيده لماض في حياته، يستنهض ذاكرته ليتعرف على زمن هذا الحزن، يزداد غموضا، يلح على ذاكرته، متى كانت أول مرة يعتيرني ذلك الشعور، يعيد النظر للحمامة مهيضة الجناح، مكسورة الساق، فإذا بها تقترب من الشجرة الكبيرة، ترفع جناحيها، يخذلها الجناح الأيسر، يزداد حزنه، يكاد يتعرف على أول خيط لمعرفة أول مرة هاجمه هذا الحزن، يشعر بنور يملأ كيانه، يعاود النظر للحمامة التي تستنهض ريشها لتطير، تستمر في المحاولة، تقترب من مغادرة الأرض، تنجح في الارتفاع قليلا، يسعفها جناحها الأيسر، يرفرف في الهواء، تعلو قليلا فتتحول إلى فراشة، هي نفسها التي كان يبحث عنها، ينهض من مكانه مسرعا نحو الشجرة الكبيرة، ليجد في يده نايا، لم يكن قد عزف على هذه الآلة من قبل، فيضعها في فمه ليرسل أنينا تهتدي إليه الفراشة، التي تقترب منه، لتقف على مقدمة أنفه، فيحبس أنفاسه، حتى لا يتحرك شيء في جسده كي لا تهرب الفراشة ثانية بعيدا، يفتح عينيه، وينفض عنهما ستائر النوم، وينظر من النافذة، ليجد الشمس متوجهة في كبد السماء، ويجد فراشة لفظت أنفاسها بجانبه على السرير، فيذكر متى سكنه حزنه الدفين.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخطط صهيوني بالنمسا يستدهف وزير الأوقاف المصري
- حق الأكراد أصيل
- أحداث بن قردان التونسية ما بين الرئيس المصري السيسي والقادة ...
- احفظوا ماء وجوهكم ..حل الأزمة السورية يلوح في الأفق
- مع العربية السورية ضد النزق التركي
- في ضرب عكاشة - بالجزمة - رسالة محددة
- ادعاء خرق وقف إطلاق النار في سوريا
- نظرة على خطاب السيسي
- مساحيق تجميل الوجه الأمريكي القبيح
- الرؤية المصرية للأزمة السورية والفصل الأخير
- البلطجة التركية ..آخر أوراق التوت تسقط عن الأرعن أردوجان
- نظرة على التخوف أوربي من المهاجرين واللاجئين
- في ذكرى تنحيه: الجانب العسكري في شخصية مبارك!!
- أردوجان المريض .. هل يعود إلى رشده!!؟
- الخرافة ... والشرف المزعوم
- تأجيل جنيف 3 : الشعب السوري ليس في الحسبان! !!
- إسلام البحيري وإسلام جاويش
- أمل... قصة قصيرة
- على هامش المصالحة مع مصر...لا أمان للنظام أردوغان! !
- هجران


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت العبيدي البيبة - فراشة .. قصة قصيرة