ثقافة الغلط والخط الأحمر

محمود فنون

الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 09:14
المحور: القضية الفلسطينية
    

القدس والأقصى خط أزرق
قد يقول قائل أنه من أجل رفع المعنويات على الساسة والناطقين أن يصوروا الواقع على غير الحالة ، كأن يقولوا انتصرنا حينما لا يكون نصر ، أو اننا أفشلنا سياسة إسرائيل ولم يكن هناك فشل .
في إحدى المرات أرادت إسرائيل الإستيلاء على جبل للبناء عليه ، فتصدت لها المقاومة الشعبية بزخم معقول بالإضافة للتوجه للمحاكم وفي نهاية المطاف رفعت إسرائيل يدها عن الجبل .فهب الناس فرحين بنصرهم كما صوره لهم الناطقون .
ما الحقيقة ؟ نعم إسرائيل رفعت يدها عن الجبل ولكنها في ذات الوقت انتقلت إلى جبل آخر !!!!! فأين النصر ؟
وبعد عدة سنوات عادت وأخذت الجبل الأول !!
فهي من الأساس لم تتراجع عن مشروعها الإستيطاني وظل الإستيطان يتقدم سواء على هذا الجبل أوذاك ، فهذا الجبل لنا وذاك الجبل لنا .
يقول أحدهم :إن انتفاصة القدس أكدت على استعداد الفلسطينيين لمواجهة الإحتلال .
هكذا وكأن مجابهة الإحتلال بدأت اليوم
إن مواجهة الإحتلال لم تبدأ من انتفاضة القدس وهي مستمرة من بداية المشروع الصهيوني على فلسطين ومنذ القرن التاسع عشر حيث كان الفلسطينون يهاجمون المستوطنات ويحرقوها وكانوا يهاجموا المستوطنين وكانوا يستنجدوا بالسلطات العثمانية الحاكمة التي كانت دائما تخذلهم .وظلت مقاومة المشروع الصهيوني مستمرة حتى اليوم .هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فليس كل حالة نضالية هي انتفاضة ، علما أن تاريخ البشرية عرف أشكالا متعددة من الإنتفاضات ، غير أن النضال الجاري في فلسطين هو ليس انتفاضة .
والحقيقة أن كل محاولات زعزعة وتمويت الروح الكفاحية قد فشلت دوما وظلت جذوة النضال مستمرة وتشتعل أكثر أو أقل دون توقف .
لماذا يقول الخطاب الفلسطيني أن ما يجري هو انتفاضة ؟
إن المسؤولين يريدون تبرير مناصبهم بهذا التوصيف الخاطيء .
إن مفهزم انتفاضة يقتصر على أعمال جماهيرية واسعة بما فيها السلمي والعنيف أو باجتماع كل انواع النضال . ولكن الحشد الجماهيري وهو أهم مظاهر الإنتفاض يقتصر في حالنا الحاضر على الجنازات والمآتم .
ثم تسمع في الخطاب السياسي والثقافي الفلسطيني عبارة " إلا القدس !!!" "إلا الأقصى!!!" "القدس خط أحمر "
هذا الخطاب ينطوي على إسفاف ويبرره المريدون أنه تحريضي . إنه تعبير عن فشل القادة والسياسيين وابتذال الثقافة والتحريض.
إن تكريس هذه العبارات هو دليل خواء سياسي وخواء روحي . فالأقصى وخربة اللوز ونابلس والقدس وصفد ودير البلح كلها من الوطن الفلسطيني .
إن العبارة تأخذ منحى مفاده .. طفح الكيل ... وصلت إلى هنا ؟؟ هذا لا يمكن السكوت عليه .. وكأن العلاقة بين عشيرتين . وكأن إسرائيل ممثلة بشيخ عرب سيقول : " كفى يا شباب لا تثيروا العالم الإسلامي علينا !!! فالمسئول الفلسطيني يقول القدس والأقصى خط أحمر تراق من أجله الدماء .. إذهبوا إلى مدينة أخرى ولا تستفزوا هذا المسئول كي لا تحمر عيناه!!!
إن الإستيطان لا يكترث لغضب هذا المسئول ولا لما يسمى غضب العالم الإسلامي ولا يوجد مثل هذا الغضب .ما هو الغضب ؟ هو تكشيرة الملك سلمان وهو موالي لإسرائيل أكثر من ولائه للأقصى.

إن العالم الإسلامي لا يغضب من إسرائيل ما دام بهذه القيادات الرسمية وبهذه الأحزاب الصنيعة لحكام الدول ومصادر التمويل . مما يوجب قول الحقيقة والبعد عن صناعة الأوهام . إن الدول العربية وهي إسلامية هي مع الإستيطان ولن تغضب السعودية ولا قطر من أجل القدس والأقصى . فالقدس والأقصى ليست أمانة عند إسرائيل إنما تحت الإحتلال منذ حرب 1967م ويدار فيها الإستيطان منذ ذلك الوقت وكانت محاولة حرق الأقصى ولم تهتز لهم قناة . فلا هي خط أحمر ولا خط أزرق من وجهة نظر كل هؤلاء .
إن من يعترف بإسرائيل إنما يعترف لها بحقها في الإستيلاء على الأرض وإقامة المستوطنات وإزاحة الفلسطينيين وتدمير مظاهر وجودهم الوطني بل يعترف بضرورة التنسيق الأمني لهم ، وهذا يشمل تركيا والأردن والسعودية وقطر وكل الدول الإسلامية التي تعترف بإسرائيل ذلك أن هذا هو معنى الإعتراف بإسرائل أساسا .
وشدد أحدهم : " على أن مخطط الاحتلال «سيفشل أمام بطولات شبان الانتفاضة وشاباتها التي يشارك فيها كل شرائح المجتمع.. "
هكذا وصل إلى النتيجة المفرحة والمريحة والمطمئنة . هو يطمئن مريديه على وضعه ودوره بقوله أن النضال الجاري سيصل إلى إفشال مخططات الإحتلال .
طيب لنفرض أن المخطط رقم واحد فشل ولكن بقي كل شيء تحت الإحتلال فما معنى فشل في هذه الحالة ؟.هل سيجبرهم على الإنتقال إلى جبل آخر من أرض وطننا ؟
إن القاموس القيادي الفلسطيني مليء بالزيف والمنفخات والمبالغات والعبارات الجوفاء وهي ضارة بالنضال وبالحالة الجماهيرية وهي تعبير عن قزمية هؤلاء المسئولين .وإن أبرز الخسارات في القضية الفلسطينية حصلت وتحصل على أيدي هؤلاء القادة والناطقين فهم الذين يتنازلون وهم الذين يعهرون النضال وكثير منهم يستنكره .

#محمود_فنون (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل