أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - ما هو الحرام النوعي؟















المزيد.....


ما هو الحرام النوعي؟


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 5079 - 2016 / 2 / 19 - 19:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هي فرضية نفسية واجتماعية استنبطتها من نظرية التحليل النفسي الفرويدي، ومحورها تحريف التصنيف الانساني للنقيض النوعي تقوم به الأنا بتحريف التصنيف النوعي الفردي أو الجمعي للنقيض السلبي الحيوان والشيطان أو النقيض الايجابي الله والملائكة، وهذا التحريف يطال الأنا والآخر أو احدهما، وغالبا ما يكون الحرام النوعي للأنا ايجابيا والحرام النوعي الآخر سلبيا، الغرض منه إشباع رغبات مكبوتة أو إباحة سلوكيات وأخلاقيات وأفعال محظورة وشرعنتها، فيبدأ الإنسان بانتهاك المحرمات الأخلاقية والإنسانية نتيجة التحريف النوعي الذي تمارسه الأنا على نفسها والآخر دون الشعور بالذنب وتأنيب الضمير بل على العكس تشعر بالرضا في تأديتها وتعتبرها واجب أخلاقي أو ديني أو وطني! وهي آلية نفسية لاواعية، تجري داخل النفس، مع شرط انسجامها مع المثال الجمعي، والتسمية جائت من حرف الشيء عن مساره أو عن حقيقته، فنقوم بحرف تصنيف الآخر من الإنسان إلى الحيوان ولهذا سميتها التحريف النوعي.
قبل الدخول إلى شرح الفرضية لابد من عرض الخلفية الاناسية النظرية لها والتي بموجبها بُنيت الفرضية عليها أجزائها، والتي ستمهد لفهم جوهرها وتعطيها تماسكها العقلي والعلمي، سأفترض أن أول تمييز نوعي اتخذه الإنسان في مرحلة تاريخية ما، هو ما بينه وبين الحيوان بدواعي التطور أو بدواعي واعية أخرى فرضتها الضرورة الاجتماعية والتاريخية، ومن هذا التصنيف الأول ميز الإنسان بينه وبين الجماعات الأخرى وراح يعاملها كما يعامل الحيوان، وكما يقول (اريك فروم) إن الإنسان البدائي ينظر إلى كل غريب عن جماعته على انه "شيء" وليس إنسان(1)، وكانت الجماعة تحظر إزالة هذا التمييز الذي اعتبرت انتهاكه مقدس (التابو) ولكنها كانت ترفعه عن من يكسر هذا التصنيف حين يقوم بانتهاك المحرم والممنوع فتنال منه الجماعة بالجزاء الاجتماعي، والجماعة هي وحدها المخولة برفع هذا التصنيف في الاحتفالات الدينية كالوليمة الطوطمية مثلا، وهذا التمييز ناشئ من الأصل الوراثي السلالي الحيواني للإنسان والذي بقي كامنا في شعوره الجمعي رغم التطور الذي فصل الإنسان نوعيا عن الحيوان، وبقي قابل للظهور في شكله البدائي الحيواني متى ما أزيلت النواهي والمحظورات الاجتماعية، فيصبح الإنسان كالحيوان يشبع رغباته وشهواته بوحشية وعنف، وهذا ما يهدد تماسك الجماعة ونظامها الجديد، لكن السؤال كيف وضع الإنسان هذا التصنيف بينه وبين الحيوان والطوطمية هي أقدم الديانات التي تتخذ من الرمز الحيواني موضوعا للعبادة؟ وهذا السؤال لا يتناقض مع فرضية التصنيف الأولي بين الإنسان والحيوان فعلى أساس هذا التصنيف اتخذ من الحيوان رمزا للعبادة لأنه مباح قتله واكله على عكس الإنسان للتواصل مع روح السلف الحالة به أو الاتصال بالمانا الموجودة به، وهذا التصنيف هو السبب في ظهور الديانة الطوطمية فلم يكن من وسيلة للتواصل مع أرواح الأسلاف سوى الحيوان كسلف مشترك مفصول نوعيا عن الخلف، وذلك بقتله واكله بطقس جماعي، وهذا التمييز ظل على مر التاريخ من الماضي إلى الحاضر في الفلسفات ومعظم الأديان يعلن تفوق الإنسان وتدني الحيوان حتى مع ظهور العلم واكتشاف دارون لتطور الإنسان عن أسلاف الحيوانات جوبه برفض واستنكار تام من معظم الأديان والعلماء وعامة الناس بسبب هذا التمييز التاريخي الأول والذي يتفاوت بالتأثيرات الثقافية والحضارية من لمجتمع لمجتمع. والطفل حين يولد يجهل هذا التمييز النوعي لذلك تتولى الجماعة تدريبه على هذا التصنيف وفي الوقت المعاصر فان أفلام الرسوم المتحركة التي تؤنسن الحيوان بجعله يفعل الخير ويرتدي ملابس البشر ويؤدي وظائفهم تمهيدا لتأهيل الطفل كانسان كامل. وهذا ما دعى الشاعر ممدوح عدوان الى القول (وإذا نظرنا إلى الجانب الأفضل من الإنسان وتاريخه نستطيع أن نستنتج أن تاريخ "تطور" البشرية هو تاريخ محاولات الإنسان للابتعاد عن هذا الوحش الكامن في أعماقه، أو عدم السماح له بالنمو على أمل التوصل غلى التخلص منه نهائياً)(2).
هناك جانب آخر لفهم فرضية الحرام النوعي وهو جوهر الحلال والحرام في منظور الفرضية الذي بدونه تبقى ناقصة الفهم، لان الجماعة طاهرة وترفض الفرد النجس الذي انتهك محرما ولا تقبله إلا إذا تطهر وهذا مبدأ أساسي في الفرضية لذلك سأشرح هذه الثنائية، إن الحرام ممنوع تضعه الجماعة وتعاقب من ينتهكه حفاظا على نظامها وتماسكها، وهي تستفز كل طاقتها لمجرد انتهاك هذا الحرام من فرد واحد، لان للحرام جاذبية تدفع الأفراد للتقليد وكما يصفه علم النفس سيغموند فرويد (وبالمعنى الحرفي للكلمة، صفة كل ما هو مقدس لطبيعة الأشياء العادية وكل ما هو خطر، مدنس، غامض.)(3) والملفت ان كلمة (الحرام) ذاتها تدل على معنى مزدوج فهي تعني النجس والطاهر أيضا، فالأشياء النجسة والمقدسة حرام ملامستها، وهناك أشياء مقدسة تسمى باسم الحرام مثل (بيت الله الحرام، الشهر الحرام، الحرم الجامعي، حرمة المصحف، حرمة البيت). (ان الحرام يتوجه الى رغبات ايجابية، لها يدين بنشأته. فلسنا نرى ما الضرورة التي توجب تحظير ما لارغبة فيه لأحد؛ وفي جميع الحالات لا مناص من أن يكون المحظور حظراً باتاً قاطعاً موضوعاً لرغبة.)(4) (فالحرام تحظير سحيق القدم، مفروض من الخارج (من قبل سلطة ما) وموجه ضد أقوى رغبات الانسان. والميل الى انتهاكه يظل قائما في لاشعوره؛ والاشخاص الذين ينصاعون للحرام يقفون موقفاً ازدواجياً حيال ما هو حرام. والقوة السحرية، المعزوة الى الحرام، لاتجاوز كونها المقدرة المتاحة له على إيقاع الانسان في الاغراء؛ وهي تسلك مسلك العدوى، لان المثال معدٍ على الدوام ولأن الرغبة المحظورة تنتقل في اللاشعور الى موضوع آخر. والتكفير عن انتهاك الحرام بعزوف ما يثبت أن الأساس في الحرام هو عزوف ما.)(5) (والحال أن الغرض من المحظور هو على وجه التعيين مقاومة هذا الاغراء.)(6) (ونعلم أيضا أن من أنتهك حراما بعينه بلمسه موضوعا حرميا يغدوا هو نفسه حرميا، فلا يعود يجوز لأحد أن يدخل معه في أتصال)(7) (إنه إذن معد فعليا)(ولهذا فإن تحاشيه واجب)(8) (ونفهم، ناهيك عن ذلك، جيد الفهم لماذا يمثل خرق بعض التحظيرات الحرمية خطراً اجتماعياً وجريمة ينبغي أن تعاقب أو أن يكفر عنها من قبل جميع أعضاء المجتمع، اذا كانوا يريدون ألا تقع على كواهلهم عواقبها الوخيمة.)(وكنه هذا الخطر احتمال الاقتداء والتقليد، مما يترتب عليه انحلال المجتمع. فاذا تُرك الانتهاك بلا عقاب فلن يتوانى الآخرون أن يدركوا أنه يطيب لهم أن يفعلوا بدورهم ما فعله الشقي الآثم.)(9) (فذلك لأن عصيان التحظير يكون انتشر انتشار الوباء الساري)(10) فالحرام له قدرة على الانتقال من إنسان إلى آخر كالعدوى، لذلك تعاقبه ألجماعه ليس بنبذه أو بمعاقبته فقط بل بإخراجه من التصنيف البشري إلى تصنيف الحيواني بدءأ من تنجيسه الذي يمنع التواصل والاتصال مع بقية الجماعة حتى لا يسلب طهارتهم بتنجيسهم وانتهاء بلعنه أي يصبح ملعون مباح اضطهاده وقتله كأي حيوان، ولا يسمح له بالعودة إلى تصنيفه البشري إلا بعد التطهير بالتكفير أو مواجهة العقوبة التي تعيده وتطهره لصنف البشر ليتواصل ويتصل بجماعته، فما السبب في جاذبية الحرام ولماذا الحرام ممنوع؟ وبحسب الفرضيات التي قدمتها عن التصنيف الأولي للجماعة بين الإنسان والحيوان، فالحرام نجس لأنه يرفع هذا التمييز فرديا ويصبح الإنسان حينها حيوان عندها تقوم الجماعة أيضا برفع هذا التصنيف عنه جماعيا، فتستبيح انتهاكه مثلما استباح انتهاك محظوراتها لان الحرام حين يجعل الأنا نجسه تصبح كالحيوان وتكون حرة في عدم التقيد بأوامر الجماعة مثله مثل أي حيوان آخر حقيقي، يتجرد من مسؤوليته الاجتماعية تماما ما لم تتحرك الجماعة لإيقافه، وهذا ما يخافه المجتمع من انفلات الشهوات والرغبات والغرائز وخوفه من نقل الحرام للبقية التي تتحيون اناها فتعم الفوضى وتتفكك الجماعة، فيقوم بتطبيق الجزاء الاجتماعي، بيد أن للطهارة والنجاسة استخدامان مزدوجان فانتهاك الممنوع والمحرم يسلب الإنسان طهارته وإنسانيته ويصبح نجسا وحيوان، لكن إذا حافظ الإنسان على طهارته بانتهاك المحرم سيكون الطهر مشرعا لارتكاب الحرام كما يحدث في السلوك الجمعي حين تقتل وتنهب وتحرق الجموع في فورة الاندفاع، كذلك فان النجاسة هي رادع يحيون الإنسان من ارتكاب الشر ويربط استعادة إنسانيته وطهارته بالتكفير والكف عن ارتكاب الجرم، لكنه في نفس الوقت مبرر لارتكاب المعاصي والمحرمات لأنه لم يعد إنسان فبمجرد قول الإنسان عن نفسه (أنا ابن كلب أو أنا ابن حرام) فانه يصبح منفلت أخلاقيا ولا عتب عليه، وعبارة (الخير يخص والشر يعم) هي عبارة ذات مصداقية نفسية عالية، ذلك إن الحرام له قابلية الانتقال السريع كالعدوى عن طريق الملامسة والأكل والكلام والمعاشرة، في حين أن الحلال يعود على صاحبه وحده بالطهارة والبركة كقولنا عن شخص انه (نظيف=طاهر) أي لم يقرب الحرام، وسر هذا الاختلاف بين الحلال والحرام هو أن الحلال يستوجب التضحية بالرغبات والشهوات أما الحرام فعلى العكس هو تلبية للرغبات والشهوات المكبوته يشكل خطراً على الجماعة، إن للحرام صفتان هي النجاسة واللعنة وللحلال صفتان هي الطهارة والبركة، إن كل حرام ممنوع فعلا ولفظا صريحا إلا بعد التعوذ بهن لذلك يجب استخدام التورية والاستعارة والرموز أو التسمية باسم النقيض كتسميتنا للنجاسة "طهارة" وكتسميتنا للأفلام الجنسية "أفلام ثقافية" حتى يباح لفظها، إن هذا التصنيف الأولي بين الإنسان والحيوان هو الذي على أساسه نشأ مفهوم الحلال والحرام و الخير والشر، الحق والباطل، الهدى والظلال.
وبعد أن عرفنا أن الجماعة هي مصدر الحلال والحرام والطهارة والنجاسة نستطيع الآن عرض نظرية الحرام النوعي فألانا حين يريد أن يفعل الشر ويحقق رغبات محظورة يجب أن يحرف تصنيف الآخر للنقيض النوعي أي الحيوان والشيطان فيتهمه بانتهاك محظورات أو نواهي الجماعة التي وحدها لها الحق بالجزاء وانتهاك المحظور من اجل نفسها، فيستخدم حق الجماعة الجزائي في انتهاك المحظور الذي أصبح مباحا بعد حيونة الشخص وتنجيسه، عندها يحلل انتهاكه لكونه أصبح خارج التصنيف البشري وأصبح مجرد حيوان أو شيطان نجس، ويتجسد هذا التحريف بداية بالشتائم ضد الآخر كفرد (سافل، ساقط، منحط، واطئ، دنيء) وهذا التحريف التمهيدي ليتم الانتقال إلى تحريف أصله الوراثي من الأبوين (ابن الساقط، ابن السافل، أو أبن الساقطة أو ابن السافلة)، ثم الانتقال إلى تحريف انتماء جماعته (ساقطين، سفلة، منحطين) ثم الانتقال إلى تحريف أصل الجماعة (أبناء الساقطين، أبناء السفلة، أولاد المنحطين)، وهذا التحريف السلالي وهي مفردات ذات مغزى نفسي تدل على التسفيل والتسقيط والحط أي النزول بانتماء الآخر لنقيضه الأدنى وهو الحيوان، وهي عملية تمهيدية للتحريف النوعي ليعتبر الآخر من غير البشر بعدها، لهذا دائما يقال عن الأعداء والعبيد (هؤلاء ليسو من البشر، بل حيوانات) أو (ليسوا بشر بل حشرات) أو يقال (إنهم ليسو من بني آدم) أي لا ينحدرون من سلالة آدم جد البشرية في الأساطير الدينية، فيسمونَ بغير أسمائهم البشرية (حيوانات، كلاب، خنازير، حشرات، حمير، طليان) وبما أن الحيوان لا يولد إلا من حيوان يتم حيونة أصلهم كذلك (أبناء الكلاب، أبناء الخنازير، أبناء الحمير) أي أن التحريف ينتقل كالآلية السابقة التحريف السلالي من الفرد إلى الأصل الوراثي الأسري له ثم إلى جماعته واصلها، مع الانتباه إلى أن الحيوانات المختارة للتشبيه هي الحيوانات ذاتها المستأنسة للبشر؟ وهذا التشبيه له دلالة نفسية مهمة، ثم يتم تنجيسهم كالحيوانات فيوصفون ويشتمون (الأنجاس أو القذرين أو الحثالة أو العفنين أو الزبالة أو الخيسة) ثم يحرّم الأكل معهم والتزوج منهم واستقذارهم كالحيوانات حتى برائحتهم فيقال عنهم (رائحتهم نتنة، أو عفنة)، وهذا الانتهاك يتعدى انتماء الإنسان وأصله إلى اغتصاب ممتلكاته ونسائه وأطفاله ومصادرتها! فيصبح الإنسان اقل كرامة حتى من الحيوان، وهنا تكتمل سلسلة تحريف نوع الآخر وحيونته من تصنيف ووصف واسم وأصل وراثي من الأبوين الحيوانين! فكما قتل أو استئناس أو سجن الحيوان مباح كذلك يصبح البشر المُحرف نوعهم الإنساني للحيوان، حيوانات مباح سجنها أو قتلها أو استعبادها أو استغلالها أو اضطهادها، وإذا أراد أن يعطف عليها فيعاملها معاملة الرفق بالحيوان! وهذه ليست مجرد شتائم مجازية بل تعكس واقع نفسي ضروري لشرعنة العنف، ثم تتغير حتى لغة الأمر بينهما حيث تصبح جبرية تحقيرية تبدأ ب(عليك، يجب، هششش، هيييي) مع تغير نبرة الصوت للصراخ والاستهزاء والاستخفاف وانعدام مفردات الشكر والجزاء والاحترام، ويجب تبرير هذا التحريف للنوع بمثال الجماعة المقدس كإرادة الله أو الأمة أو الدين، لهذا نرى المستعمر والمحتل يرفع شعار التحرير أو الفتوحات أو التغيير أو الدفاع عن الأمة أو العقيدة أو نشر قيم الحرية والعدالة الخ كحيلة نفسية في اغتصاب هذه الدول! وأي شيء يفعله من قمع وظلم وعنف مبرر لأجل هذه الغايات السامية! لان هذه الشعوب أدنى من البشر وتحتاج إلى ارتقاء بمساعدة منه كما يرها الغازي (المتحضر) عليها، أو تبقى منحطة متخلفة همجية ليبرر استغلالها واستعبادها في خدمة هو أرقى منها! وهذا ما يفسر لنا قسوة الجنود المحتلين وبشاعتهم الصادمة في حين أنهم في بلدانهم مواطنين صالحين مسالمين يكنون مشاعر الحب والأخوة والعطف لأبناء جلدتهم الآخرين، لكن كيف يتسنى للإنسان تحريف نوع الآخر هل بمجرد إطلاق الشتائم؟ أن الإنسان لا يمكن له تحريف التصنيف النوعي للنقيض إلا بعد تحريف نوعي للأنا أي يمارس التحريف النوعي على نفسه أيضا وليس على الآخر فقط، فإذا كان تحريف تصنيف الآخر للنقيض النوعي السلبي، فإن تحريف تصنيف الأنا للنقيض النوعي الايجابي؟ وإذا كان الحيوان والشيطان النقيض السلبي للإنسان، فان الملاك هو النقيض الايجابي للإنسان؟ فيعتبر ألانا الممثل والملاك لإرادة الجماعة والمتماهي معها وله الحق مثلها في حيازة تطبيق الجزاء، ويشعر تجاه الأمم الأخرى انه من شعب الله المختار، أو من حزب الرب، أو من الفرقة الناجية، أو من الدين الحق، أو من الجنس المتفوق، أو من خير امة، وإنهم من أفضل وآخر الأنبياء عند الله، فيكونوا أعلى من بقية البشر، وان سلالتهم مقدسة أو ذات دم نبيل أو أصيل، فيسمون الأتباع المؤمنين أو الإخوة في الإيمان أو الدين، أو أبناء الله، أو أحباب الرب، أو عباد الله الصالحين، وكل ما عداهم ضالين، كفره، مشركين، جهلة، همج، متخلفين، لهذا يسهل تحريف تصنيف الآخر للنقيض النوعي السلبي حين نريد استغلالهم أو استخدام العنف ضدهم بعد إن نحرف تصنيفنا للنقيض النوعي الايجابي، فيصبح الأنا الممثل لهذا العرق النبيل والدين الحق والشعب المختار، يفعل العنف أو الاستغلال باسمه وتحت وحيه وبإرادته (التصنيف)، منتهكا كل المحظورات التي للجماعة وحدها حق انتهاكها.
وهناك حيلة أخرى غير الحيونة بعد تحريف نوع الآخر للنقيض، وهي سلاح نفسي في الحروب والاضطهاد العقائدي بين دينين مختلفين أو من نفس الدين، إنها شيطنة ألآخر والشيطان نقيض الإيمان والإنسان كما هو معروف في الأساطير الدينية وعدو الإنسان والله، وهو رمز للشر والظلال والمعصية والكفر والحيلة، ومحاربته تعني نصر للرب والتقرب إليه! وإن وصف الآخر بالشيطان يعني إسقاط جميع صفاته الشريرة عليه وتصبح محاربة الآخر واضطهاده واستغلاله وقتله سيكون في سبيل الله والعقيدة وليس في سبيل الرغبة والمصالح؟ ويصبح الشعار (القضاء على أعداء الله والدين) غاية العنف وشرعيته! ولان صورة الشيطان تقترن باللون الأسود بشعره الكثيف يوصف الآخرون ب(الوجوه السوداء، أو وجوه الشياطين، أو المسخمة، أو القردة، أو الغربان، أو ليس فيها رحمة) لان الشيطان مرفوعة عنه الرحمة كما تصفه الأساطير الدينية، إن هذه الحيل النفسية تستعمل للأمم المختلفة ثقافيا، لكن الإنسان قادر أيضا على تبرير وشرعنة العنف حتى على أخوته بالجماعة بذات القسوة التي يرتكبها تجاه الغرباء كما نجده في الحروب الأهلية! فهل هي الوسائل ذاتها في تحريف نوع الآخر للنقيض؟ أي تحريف سيمارس وهم من نفس العرق أو الدين أو الثقافة؟ هنا يجب أن يسبق التحريف النوعي التحريف التمهيدي، وهو أيضا تحريف لكنه ليس نوعي بل اجتماعي، أي نصنف الآخر للنقيض الوطني أي "التخوين" للآخر واتهامه بالخيانة، إذ لابد من إخراجه من الإخوة ليصبح كالغريب وكألاجنبي بعمالته للخارج، فيعامل عندها كما يعامل الآخر المختلف ثقافيا أي تحريف النوعي الآخر للحيوان، فيقال عنهم (هؤلاء ليسوا من وطننا) (أنهم خونة عملاء) فيتم إسقاط الجنسية عنهم بتخوينهم كنتيجة منطقية، وإذا كانت الحرب الأهلية دينية فحيلة تحريف النوع للنقيض تبقى ويسبقها التحريف التمهيدي أيضا، الذي يكون تحريف للنقيض الديني وذلك "بتكفير" الآخر فيطرد من الإخوة الدينية إلى الكفار والمرتدين وهو تحريف تمهيدي أيضا فيعامل بعدها معاملة الآخر المختلف دينيا أي تحريف الانتماء الديني لنقيضه النوعي الشيطان كما في الحروب العقائدية.
وهناك تحريف لم أذكره إلى الآن وهو تحريف تمارسه الأنا على نفسها للنقيض النوعي السلبي وليس على الآخر، وذلك ليبيح لنفسه انتهاك المحظورات الأخلاقية والاجتماعية سرا أو علنا على قدر الممكن والمستطاع، لأن الأنا بعد تحريف نفسه لم يعد إنسان بل حيوان أو شيطان خالي من المسؤولية البشرية، لهذا يقول الشخص عن نفسه حين ينتهك المحرمات الأخلاقية والاجتماعية إثباتا للغير ولنفسه (إني كلب ابن كلب، أنا ابن عاهرة، أنا ناقص ابن ناقص، لا استحي من احد، أنا ساقط) وهذا إعلان انه غير ملتزم بأي أخلاق وضوابط اجتماعية كونه بمرتبة حيوان، والناس من جانبها تصف هذا الشخص بحسب تحريف تصنيفه السلبي (شيطان، لعوب، ثعلب) وهذا تحريف نوعي ايجابي رغم انه للنقيض السلبي اي الحيواني؟ فكيف حدث ذلك؟ وهذه حيلة نفسية اخرى للذي ينتهك المحرم فالقتل بما انه فعل محرم يباح انتهاكه من الجماعة بالحرب او بالقانون او بالدفاع عن النفس الخ فنسمي المنتهك مثلا بالحرب (اسد، ذئب) وهي حيوانات لها مكانة اعتبارية بسبب شراستها فتكنى على من ينتهك الحرام لكونه حقق الرغبات الملجومة في إشباع الحرام والممنوع، أي أن للناس رغبة بالقتل لولا التحريم المفروض عليها وبعبارة أخرى أن للناس رغبة برفع الفاصل بين الإنسان والحيوان لتصبح حرة في إشباع رغباتها كالحيوانات، ونحن نطلق على الذي يعدم الناس (قلبه ميت أو ما يخاف او قابض الارواح) أي ننفي عنه الصفة الإنسانية فانتهاك الحرام حتى لو كان مباحا من الجماعة يصبح الإنسان حيوان لكونه ليس نجسا، وهي تكون شتيمة للذي لم يحرف تصنيفه. وكما عبر عنها فرويد بذكاء (وكثيرا ما يتفق أن يتيح العقاب لأولئك الذين يتولون تنفيذه الفرصة ليقترفوا بدورهم، تحت غطاء التكفير، الفعل المحرم نفسه. وذلك هو أحد المبادئ الأساسية لنظام العقوبات البشري، وهو ينبع بطبيعة الحال من تطابق الرغبات المكبوتة لدى المجرم ولدى أولئك الذين توكل إليهم مهمة الثأر للمجتمع الطعين)(11) وهكذا فإن الحرام النوعي لابد أن يسبقه تصنيف تمهيدي للإنسان، فيتغير تصنيفه كحيوان أو شيطان لشرعنة هذا العنف أو التمييز أو الاستغلال وتبريره، وهذا هو مختصر فرضية تحريف التصنيف للنقيض التي طرحتها.
واختصارا قلنا أن الإنسان يستخدم حق الجماعة الجزائي في استخدام العنف أو التمييز أو الاضطهاد عندما يضع نفسه ممثلا عنها بالتماهي مع مثالها (الله، الأمة، ملاكها) لهذا نصف الآخرين حين نريد انتهاك إنسانيتهم أو نستغلهم فنقول عنهم (ليسو من البشر) أو (ليسو من بني آدم) (بل حيوانات) بدءا من الفرد ثم أبويه وهذا التحريف النوعي ثم أصله الوراثي الأسري والجمعي وهذا التحريف السلالي، فيتغير الخطاب الاتصالي بهم فنسميهم (حيوانات، كلاب، حمير، خرفان، حشرات، خنازير) بصيغة الفرد و الأصل الأسري والجماعة ثم نتنجس من ملامستهم والأكل معهم والزواج منهم ثم تستقذر حتى رائحتهم وبهذا يصبح فرق طبقي وعنصري بينهم يقف حائلا دون زوال هذه الفروق مرسخا دوامه واستمراره اجتماعيا ونفسيا، وهناك التحريف مع ابن البلد والدين، الأول يسبق تحريفه (التخوين) والثاني يسبق تحريفه (التكفير) ليعامل كغريب وأجنبي مباح تحريفه للحيوان والشيطان.
إن أول ظهور للفرضية كان في مقال (التحريف النفسي للعنف البشري) على موقع الحوار المتمدن قبل أن أغير اسمها من التحريف النفسي إلى التحريف النوعي ثم الحرام النوعي، وقد علق احد القراء أن هذه الفكرة مسبوقة من عالم النفس (اريك فروم) في كتابه (تشريح التدميرية البشرية) وبناء على هذا التعليق اشتريت الكتاب وقرأته في جزأين فلم أجد أن فروم قد أهتم بالفكرة في أكثر من ثلاث صفحات! وكان عرض لملاحظات وان كانت مهمة فقد كانت بحاجة إلى تفسير وهذا ملخص ما قاله إذ يرى أن روادع القتل توجد مع الإحساس بالوحدة والتماهي العاطفي، ويرى فروم أن هذه الحالة لازالت مستمرة في مجتمعاتنا الحديثة (اذ تحاول كل الحكومات، في حالة الحرب، أن توقظ في شعبها الشعور بأن العدو ليس بشراً. فلا يدعوه المرء باسمه الصحيح، بل باسم مختلف) وفي حرب فيتنام كان بعض الجنود الأمريكيين يطلقون على أعدائهم أسم (الأشياء القذرة اللزجة) gooks، (وحتى كلمة "القتل" قد أزيلت باستخدام كلمة "الإتلاف")(12) وكان هتلر يدعو خصومه السياسيين "دون البشر"untermenschen، (ويكاد يبدوا قاعدة أن ألمرء عندما يريد أن يسهل على الجنود الذين هم في جانبه أن يقضوا على البشر في الجانب الآخر، أن يلقن جنوده الشعور بأن الذين يجب قتلهم ليسوا من البشر) والطريقة الأخرى لجعل الآخر "ليس شخصا" هي قطع كل الصلات العاطفية به)(13) (وفي هذه الظروف لاتوجد روادع تردع الإنسان حتى عن أقسى أشكال التدميرية)(14)، وهكذا ترك فروم الملاحظات بلا تفسير ولا إجابات على أسئلة كثيرة وهذه مهمة قمت بها أنا قبل أن اطلع على ملاحظات فروم مع كامل احترامي لهذه القامة الفكرية المهمة. أما الكاتب الآخر الذي سلط عليها ضوءا أكثر فهو الشاعر السوري (ممدوح عدوان) في كتابه المهم (حيونة الإنسان) الذي قال في مقدمته إن العصر الذي يعيشه الإنسان يعمل على حيونته(15) ويقتطف قول (سارتر) إن المستعمِر ينظر إلى المستعمَر ليس كانسان أنما كحيوان فيستخدم ألفاظ يطلقها على الحيوانات (أنهم يستخدمون تعابير: زحف العرق الأصفر، أرواث المدينة الأصلية، قطعان الأهالي، تفريخ السكان...إلخ) والجلاد الذي يمارس التعذيب لا يرى الضحية وحدها حيوناً بل يرى الطرف الآخر كله "القبيلة الأخرى كلها، الحزب الآخر، الشعب الآخر، القومية الأخرى" حيوانات، ومن هذه النظرة تتولد نظرية الامتياز العرقي "الامتياز القومي، شعب الله المختار"(16) (إن القناع الذي يحاول المضطهِد إخفاء توحشه وراءه هو أن الطرف الآخر "الضحية" ليس إنساناً، أو ليس إنساناً سوياً.) و(ظلت "حيونة" الضحايا سبباً كافياً لكل أنواع التعذيب والتنكيل والتشريد والقتل والإبادة.)(17) (ولكن بالمقابل حين يقوم هذا الإنسان، ذاته، بفرض حياة أقرب إلى حياة الحيوان على بشر آخرين، وبمعاملتهم معاملة الحيوان فإنه يعمل على الإبقاء على الحيوان في أعماقهم "وبالتدقيق في أعماقه هو أيضاً" بل وتغذية وتنمية وخلق الشروط الملائمة له كي يستفحل، وحين تبدر منهم بوادر احتجاج "حيوانية" لابد من استنفار حيوانه هو لقمع الحيوان الآخر.)(18). وهكذا أيضا ترك ممدوح ملاحظات مهمة بدون محاولة تفسيرها ربما كونه شاعر وليس باحث. واترك للقارئ الحكم في محاولتي تفسير ظاهرة الحيونة التي اسميها (الحرام النوعي).
ــــــــــــــــ
1_اريك فروم، تشريح التدميرية البشرية، الجزء الاول، ترجمة: محمود منقذ الهاشمي، دمشق_وزارة الثقافة 2006، ص201.
2_ممدوح عدوان، حيونة الانسان، دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية،ص53.
3_سيغموند فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ص36.
4_نفس المصدر، ص94.
5_نفس المصدر، ص51.
6_نفس المصدر، ص84.
7_نفس المصدر، ص43.
8_نفس المصدر، ص48.
9_نفس المصدر، ص49.
10_نفس المصدر، ص50.
11_نفس المصدر، ص97.
12_اريك فروم، تشريح التدميرية البشرية، الجزء الاول، ص201.
13_نفس المصدر، ص202.
14_نفس المصدر، ص203.
15_ممدوح عدوان، حيونة الانسان، ص10.
16_نفس المصدر، ص28.
17_نفس المصدر، ص47.
18_نفس المصدر، ص58.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراقي والنظافة
- القاموس العامي للمجتمع العراقي 1
- رؤية إناسية لرأس السنة
- من تعليقات الفيس بوك
- النظرية الشجرية للبشر في المجتمع العراقي
- المفهوم الاجتماعي للمدنية
- العرقي والخمر
- نقد نقد المجتمع العراقي
- مراجعة في فكر هادي العلوي
- الحرام النوعي للأكل
- العراقي والعيد
- انطباعات عن ثورة التحرير العراقية
- العراقي والحيوانات
- العراقي والشارب
- الحرام النوعي للجنس
- التفسير الاجتماعي للتحية العراقية
- الحرام النوعي للشتائم العراقية
- التفسير الاجتماعي للكذب في المجتمع العراقي
- الحرام النوعي لسلوك المرحاض في المجتمع العراقي
- قيمة السلاح في المجتمع العراقي


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - ما هو الحرام النوعي؟