أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - النظرية الشجرية للبشر في المجتمع العراقي















المزيد.....

النظرية الشجرية للبشر في المجتمع العراقي


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 5026 - 2015 / 12 / 27 - 22:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


للمجتمع العراقي نظرية شجرية للإنسان على ضوئها يبني تصوراته ويتعامل معه، فالإنسان هو وريث أسلافه يرث عنهم صفاتهم وطباعهم ولا يغيره إلا طباع وصفات أبويه إذا كانا صالحين أو طالحين كان مثلهم أو إذا تلوث عرضه، لأن (العرق دساس) كما يقال بالعراقي، والفرد هو مجرد ورقة في شجرة العائلة التي يمثل أصلها الجد الأول الموّرث صفاته للأغصان والأوراق، وعليه فالجذور (الأصل) أهم من الأوراق التي تموت بدونها بينما الجذر باق وخالد، وحين ترسم القبائل لوحة لشجرة تحفظ تاريخ أنسابهم فإن هذا الرسم يعكس تصورهم الفعلي للبشر، وهذا التصور مسقط على السماء أيضا فالبشر هم أسماء مكتوبة على أوراق شجرة البشرية وحين تسقط الورقة من الغصن يموت الفرد المكتوب اسمه عليها. فالإنسان هو فرد وليس شخص على حد تعبير (يوسف شلحت)، فالفرد يمثل حالة بدائية أما الشخص فهو مرحلة الانتقال من التبعية للوعي الجمعي إلى الاستقلال الذي يسمح له بالتفكير الذاتي الذي ينقله من فرد إلى شخص(1). ونحن نستعمل كلمة (بشر) في تسميتنا للإنسان وهي كلمة تصلح للجمع والمفرد واختيارها له دلالة اجتماعية على عدم أهمية الفرد إلا بارتباطه بالجماعة، وكذلك تسميتنا (بني آدم) للإنسان لنفس السبب أي بانتساب الفرد لأصل، وهذه الشجرة تخلوا من الإناث كونها قرينة الأرض وليس الشجر! وتصوراتي عن هذه النظرية الاجتماعية مبنية على لغة تعاملنا اليومي في حياتنا الاجتماعية، فهي ليست نظرية إلا على سبيل المجاز لأنها تصور جمعي وصورة نمطية وليست من ابتكار عالم. وفي علاقاتنا فإن السؤال عن أصل الشخص مهم (من ياعمام، أو وين ساكن) بالنسب نحدد طباع العشيرة فهي قد تكون (كريمة، شجاعة، بخيلة، مشكلجية) وقرابتها بعشيرة المتكلم الذي يعتز بصداقة كل من كان من نسبه أو قريب منه، وبالمكان نحدد المذهب الذي يورث أيضا صفاته لمعتنقيه، والشخص الذي بلا أصل هو (ﻤ-;-ﮕ-;-طوع من شجرة، أو نغل، أو ﻤ-;-ﮕ-;-ّطم)، وهي شتائم تطلق على الشخص البلا أصل لأنه منبوذ محتقر. ولذلك يكون اختيار الشخص على أساس نسبه سواء كان صديق أو اختيار زوج. والذي يترك أصله يستطيع العودة إليه (رجع لأصله) وإذا أردت أن استعين بالقاموس العامي للمجتمع العراقي فسنجد إن كلمة (أصل) (أصبحت تقال للشكر والإطراء والجودة، فإذا قلت لشخص (أنت أصيل) فإننا نمدحه وإذا قلنا على بضاعة أنها (أصلية) فإنها تعني جيدة، لأنه (الأصل) أصبح استعارة للجيد والمتين)(2).
إن هذه النظرية لها استخدامات عملية في مجتمعنا العراقي في تقييم البشر فالشخص الحسن لا نشكره بل نشكر والديه (رحمة الله والديك) لأن (أصله طيب وأبن حلال) أو (أبن أصول) أو (شريف) والشخص السيء لا نشتمه بل نشتم والديه (نعلة على والديك، ابن كلب، أبن قندرة، أبن ساقط) فالأب هو المسؤول عن أخلاق أبنه بالوراثة وهذا الشيء يحدث من النطفة التي قد تكون (صالحة، أو خبيثة)، أما الأم فإن تأثيرها على أبنائها يكون عن طريق الحليب وليس النطفة فهي تورثه أخلاقها إذا كانت سلبية أو ايجابية لذلك نحن لا نشكر الشخص بل حليب أمه (ألف رحمة على عالديس الرضعته) أو نشتمه إذا كان سيئا (نعلة على مرضعك) أو (ابن قحبة، ابن ساقطة، ابن بلاعة العي..) لأن المثل يقول (المايسوﮔ-;-ﺔ-;- مرضعه، ضرب العصا ما ينفه) وكل شخص ينهاه حليب أمه إذا كان صالحا (كلمن يرده حليبه) وهو يعني أن التربية عاجزة عن التأثير في الموروثات! أما المؤثر الثالث بعد الأصل والأبوين هو (العرض=الشرف) فإذا تلوث العرض أثر على أخلاق الشخص وسلالته فيوصف الشخص السيء (عرضه ﺳ-;-ﮕ-;-ط=سقط) ويجب غسله حين يتلوث (غسل العار) وفي كلا الحالات الأصل السلالي ثم الأب وألام ثم العرض هم مصدر أخلاق وصفات البشر في المجتمع ولا دور له في تحقيق مصيره، وهذه النظرية تجري في سياق ثقافة شمولية تكتب مصير البشر من الولادة فيكتب موته ومرضه وزواجه وعمله وغناه وفقره ونجاحه وفشله من البدء على جبينه (المكتوب عالجبين لازم تشوفه العين)، والبشر في كل الأحوال مستلب، عاجز، مشلول، مضطر للافتخار بأصله وأبويه فيكتب اسمه مقرونا بنسبه (فلان النعيمي، العبيدي، الشمري الخ) لأنه بدون نسبه قليل القيمة، وهذا المجتمع يدرك إن نظريته لا تصلح دائما عندما يكون أبن سيء لأب صالح قالوا (النار تخلف عار) أو لأن أبوه كان سيئا مع والده حين كان شابا، والله يعاقب الأب بأبنه مثلما فعل الأب مع أبيه، وإذا حدث العكس ابن صالح لأب سيء قالوا (سبحان الله، مو كل اصابعك سوى). وفي أجواء هكذا ثقافة تشيع الأفكار السلفية وسلوكيات الخنوع، وترفض القيم الجديدة و يسود التمييز الاجتماعي من اختلاف الأصول المقدسة، وطبعا تجد هذه السلوكيات دعمها في حكومة ضعيفة هي نتاج لهذا الوضع أو تعتاش عليه في سبيل بقائها بالحكم.
هل هذا التصور الشجري للبشر يعني أن العرب كانت تعتقد قديما أن أصل الإنسان شجرة أو من الأرض؟ ونحن لازلنا نقول إن خلق الإنسان من طين أو قولنا (محد طالع من فطر اﻟ-;-ﮕ-;-اع) فهل هذا المثل نفي لمعتقد قديم؟ أم أن (فطر الأرض) رمز للعضو التناسلي للمرأة؟ خصوصاً إذا علمنا أن هذا التصور عقيدة منتشرة كليا عند الأقوام البدائية كما يقول (الياد)(3) وفي وادي الرافدين كانت شجرة الحياة معروفة مثل الآن، إن صورة الشجرة لا ترمز إلى (الكون) وحسب بل إنها تعرب أيضاً عن الحياة والشباب والعلم، وقد (استطاعت الشجرة أن تعرب عن كل يعتبره الإنسان الديني واقعاً ومقدساً بالدرجة الأولى)(4). والمشابهة بين الأرض والأم لازالت ماثلة في لغتنا ورموزنا فاللارض بطن ورحم كالمرأة (بطن/رحم الأرض) وكلاهما نسميها بالخصوبة أو البور ("بايرة" كما يقال بالعراقي)، إذا كانت صالحة للزراعة أو الحمل، وكلاهما يعتبران (عرض) (الأرض عرض، نسائك عرضك) ولهما حرمة حتى سميت المرأة (حرم فلان، أو حرمة) وكلاهما نقول على من يدخل بها (داسها، وطئها) الخ ونظرية المادية التاريخية تقول إن استعباد المرأة تزامن بملكية الأرض، هل لهذا السبب تم استبعاد المرأة من الشجرة بسبب التطور التاريخي من العهد الأمومي إلى العهد الأبوي؟.
هل يمكن القول إن أصل النظرية الشجرية للبشر هي ذكريات سحيقة للعهد الأمومي الذي انتقل مع العصر الزراعي من الأم إلى الأرض التي اسقط عليها رموز العهد البائد؟ فالأرض هي المرأة والشجرة هي بذرة الرجل؟ وبقي هذا التماثل إلى يومنا هذا خلف معتقدات التوحيد الذي ساد عليها؟ هي أسئلة لا املك الإجابة عليها. يقول الياد (لا ينجح (التاريخ) في تعديل بنية الرمزية الغابرة تعديلاً جذريا. إنه يضيف باستمرار دلالات جديدة، ولكن هذه الدلالات لا تهدم بنية الرمز)(وما تجليات القداسة الكونية إلا كشوف أولية باعتبار: إنها تجري في أعرق ماض تاريخي عاشته الإنسانية، ولم تستطيع التجددات التي جاء بها (التاريخ) بعدئذ حذفها ولا محوها.)(5).
أصبحت النظرية الشجرية موروث اجتماعي، تعامل الإنسان كفرد تابع لجماعة وليس لشخص مستقل بذاته، فهو جزء من كل أو رقم في مجموعة أو ورقة في شجرة العائلة، ولذلك أي عداء مع جماعة خارجية يكون الكل هدفا للثأر لأنهم أوراق في شجرة واحدة، ولا قيمة للشخص، أنهم كالقطيع الذي يعود لفصيلة واحدة، من هنا اكتسب الأصل هذه المكانة المقدسة الذي يجب الحفاظ على عروقه حتى لا تموت الشجرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_يوسف شلحت، مدخل إلى علم اجتماع الإسلام، من الارواحية إلى الشمولية، تعريب: خليل احمد خليل، الطبعة الأولى، 2003، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص44.
2_انظر مقالي، القاموس العامي للمجتمع العراقي.
3_مرسيا الياد، المقدس والعادي، ترجمة عادل العوا، التنوير، ص169.
4_نفس المصدر، ص177.
5_نفس المصدر، ص167.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفهوم الاجتماعي للمدنية
- العرقي والخمر
- نقد نقد المجتمع العراقي
- مراجعة في فكر هادي العلوي
- الحرام النوعي للأكل
- العراقي والعيد
- انطباعات عن ثورة التحرير العراقية
- العراقي والحيوانات
- العراقي والشارب
- الحرام النوعي للجنس
- التفسير الاجتماعي للتحية العراقية
- الحرام النوعي للشتائم العراقية
- التفسير الاجتماعي للكذب في المجتمع العراقي
- الحرام النوعي لسلوك المرحاض في المجتمع العراقي
- قيمة السلاح في المجتمع العراقي
- التفسير الاجتماعي للفساد بالعراق
- مدخل لدراسة علمية لفرضية الله
- ملاحظات في علم الاجتماع الإسلام
- علم اجتماع انتفاضة التحرير العراقية
- التحريف النوعي للجماعة الداعشية


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - النظرية الشجرية للبشر في المجتمع العراقي