أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - مراجعة في فكر هادي العلوي















المزيد.....


مراجعة في فكر هادي العلوي


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 5017 - 2015 / 12 / 18 - 17:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مراجعة في فكر هادي العلوي
منذ قراءتي لكتب هادي العلوي احترت كثيراً في أهمية هذا الرجل وتصنيف مشروعه المختلف عن المطروح ما في الساحة الفكرية، فهو ربوبي معادي جدا للغرب! ومهتم بالتاريخ الإسلامي ومشّهر برجال الدين! وهو مثقف ناقد للمثقفين منحازا للأميين! وهو شيوعي رافض لمادية الاتحاد السوفيتي وللأحزاب والايدولوجيا الماركسية!. وكما يقول ميثم الجنابي (يحبه الشيوعيون و"الدنيويون" لاعتبارات أيديولوجية صرف لا علاقة لها بالعلم والمعرفة. ويكرهه "الاسلاميون" لنفس السبب. ولا يفقه الليبراليون فيه وعنه شيئا، ويبجله أنصاف المتعلمين لبساطته، ويتنطع بها أشباه المثقفين لرفعته.)(1).
لاحظ هادي إننا كشعوب لازالت تعيش ذاكرتها على الموروث الفاعل في حاضرها، ومن هذا المنطلق بدأ هادي بمراجعة موسوعية شاملة لتاريخ تراثنا المزدحم بالسلبي والايجابي مراجعة انتقائية لايجابياته لإعادة هذا الموروث لحاضرنا بعد التنقيح كي ننهض من جديد كأمة وحضارة. (وهو يؤكد بأنه لولا الذاكرة لانتفت القدرة على بناء الحضارة الانسانية، فالذاكرة هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن الانسان من خزن تجاربه وخبراته وخيراته المكتسبة في سباق نشاطه اليومي.)(2)
كان لهادي العلوي فهما خاصا للشيوعية هي كونها وجدان وليست عقيدة وكما يقول (الشيوعية أو المشاعية كما أحب أن اسميها موقف وجداني مؤنسن بحب الناس وكره الدولة والأغنياء وأهل الدين)(3) وحتى وصف الشيوعيين بالمثقفين يرفضه هادي العلوي (الحزب الشيوعي منظمة سياسية اجتماعية ولا علاقة له بالثقافة ولا بالعلوم بل هو أداة نضال وطني وطبقي وأفضل أعضائه ومناضليه هم الأميون وأسوأهم العلماء والمثقفون، وليس للشيوعية صلة بالثقافة ولا بالايديولوجيا بل هي موقف طبقي خالص وتتجوهر بهذا المعنى بقدر ما ترجع إلى المثل المشاعية التي أثرت في حياة الشرقيين وقيمهم إلى أبعد الحدود)(4)، وهذا الفهم نابع من كونها موروث من تاريخنا وليست غريبة عن ثقافتنا الإسلامية والعربية فسمى مشاعيته شيوعية القاعدة في مقابل شيوعية القمة(5) وتولى هادي مهمة البحث والتنقيب عن أصول الشيوعية في تراثنا الإسلامي فوجدها في تاريخ المعارضة وليس السلطة (ابا ذر، سليمان الفارسي، المتصوفة، القرامطة، الإسماعيلية، الزنادقة، الزنج) وفتش عن إلغاء الدولة الذي نادت به الماركسية في نزعة العرب اللقاحية ضد الملوك والاستبداد، أما الديالكتيك فقد عثر عليه في فلسفة الشيرازي، لأنه رأى نجاح الشيوعية الصينية كونها امتداد لتراثها المشاعي الأصيل، كل هذا الجهد لتطبيق الشيوعية وإنجاحها في البلاد العربية دون الحاجة إلى حكومة أو حزب أو أيديولوجيا، بعدما رأى فشلها في المعسكر الاشتراكي، ولمواجهة الغرب الاستعماري الذي كان يكن له عداء شديد كون الغرب هو من يدعم الأنظمة العربية المستبدة (والغربيون هم اليوم الحاكمون الفعليون للعالم العربي واليهم يرجع الخراب الذي يعم هذا العالم ويمنعه من النهوض)(6) ورأى أن ثقافته الأحادية المادوية هي امتداد لسياسته الاستعمارية فعمل على موجهتها وانتقد المثقفين المتأثرين بالغرب وسمى ثقافتهم بالغرباوية والمترجمة (والثقافة الغربية مترعرعة في الإرث الاقطاعي ثم الراسمالي وحصة الإرث المشاعي فيها صغيرة بالقياس الى الثقافة الشرقية برافديها العظيمين الصيني والإسلامي. سنحتاج إلى توسيع التثقيف بالإرث المعارض للثقافة الإسلامية ونظيرتها الصينية لإعادة بناء شخصية المثقف بمكونات جديدة تساعده على الصمود بوجه التخريب الغربي واستعادة دوره في ساحة النضال الاجتماعي)(7)(عندها سيكون معلمونا يسوع، لاوتسه، وتلامذته، المشاعيون المسلمون من أبي ذر الى القرامطة ومن إبراهيم بن ادهم الى عبد القادر الجيلاني. والأمميون الغربيون ومن كارل ماركس الى لوناتشارسكي ولينين: نضعهم على الشاطئ المضاد لمعلمي الهمجية الغربية: من صولون الى كلنتون)(8) فعمل على إظهار أهمية الثقافة الصينية والإسلامية فقام بترجمة وتأليف (كتاب التاو، المستطرف الصيني، المستطرف الجديد، من قاموس التراث، محطات في التاريخ والتراث، فصول من تاريخ الإسلام السياسي، مدارات صوفية، نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي، شخصيات غير قلقة في الإسلام، أبو العلاء المعري المنتخب من اللزوميات، فصول عن المرأة) كل هذا الجهد الفردي انفرد به هادي العلوي. استنهاض التاريخ الإنساني المعارض لمواجهة ظلم الدولة والاستعمار ولمناصرة وإنصاف الفقراء والمحرومين.
أحب هادي الإسلام كحضارة ولم يحبه كدين وهنا حل للغز كونه ربوبي ويحب الحضارة الإسلامية، لأنه وجد في تاريخ معارضته نزعات إنسانية كونية عرضها في كتاب (مدارات صوفية) يقول بهذا الصدد (ونحن عندنا إسلامان: إسلام ميت وإسلام حي. وأنا بصراحة أحب الإسلام الميت ولا أحب الإسلام الحي لأني أجد هناك قيم الحضارة الراقية، ولا أجد هنا شيئا)(9) لأنه يفرق بين الإسلام كحضارة والإسلام كدين ويوضح الفرق بينهما (الإسلام الحضارة يشتمل على العلوم والفلسفة والفقه بوصفه حقوقاً وعلم الكلام بوصفه فكراً فلسفياً وثورة اجتماعية، والتصوف بوصفه معارضة. أما إسلام الدين فيشمل على العقائد والعبادات والفقه بوصفه شرعا دينيا وعلم الكلام بوصفه لاهوتاً والتصوف بوصفه منحى غيبياً. ومع حلول القرن الثامن الهجري، توقفت بوجه عام الفعاليات الحضارية، فلم تبق الفلسفة ولا الفلاسفة ولا التصوف بمنحاه الأصلي ولا علم الكلام كفكر فلسفي. كما توقف مد الثورة الاجتماعية وحركة المعارضة. وانفرد الدين بالعالم الإسلامي. والقرآن الذي انتفى في داخل الفكر الإسلامي نفيا ديالكتيكيا، عاد ليصبح نصاً مهيمناً. وهكذا مات إسلام الحضارة وعاش إسلام الدين)(10) وهو يرى أن الدين لا علاقة له بالروحانية (الدين لاعلاقة له بالروح بل هو منحى حسي لذائذي تسلطي، والروحانية تجريد لاديني ينغمس فيه الملحد أو الربوبي فيتعالى على الصغائر ويرفع من شأن الروح على حساب النزعات الجسدية)(11) فهو ضد مادية الدين وضد مادية الغرب رغم انه شيوعي، لكنه يفرق في العلاقات بين الأشياء والناس، فالعلاقات الروحية بين الناس لا بين الأشياء فهي مفهوم اجتماعي لا مفهوم فيزيائي.(12) فاستنكر حسية رجال الدين في الدنيا والآخرة والزواج الضرائري والتسري (الجواري) والعبودية، لان الزهد بالمال والنساء والسلطة ورجال الدين هي من شروط المثقف وكان ابو العلاء المعري أنموذجا له. مع ذلك رفض الحرب التي يشنها المثقفين على الأصولية (الصحوة الإسلامية) لأنها مرتهنة للخارج وتشغلنا عن الحرب الحقيقية مع الاستعمار والامبريالية.(13) يقول هادي (ينبغي الكف عن هذا الدمج العشوائي بين الدين والروح فهو من أوهام مزوري التاريخ وأباطيلهم. أن الفكر الشرقي ليس هو اللاهوت فبينهما مسافة كالتي بين العقل الإيمان. وبقدر ما كان للدين من غلبة وهيمنة كان للفكر مجاله الرحيب في الحركة المضادة. وحياة الشرق ليست هي السلطة السائدة من زمنية ودينية بل هي أيضا المعارضة)(14) وانتقد معظم المستشرقين الذين تعسفوا في دراسة التاريخ الإسلامي والمتأثرين بهم من العرب، ولم ينج من تأثيرهم إلا القليل مثل (طه حسين) و(ادونيس).
لم تنفصل جهوده اللغوية عن نقده لرجال الدين فهي ضد الالكيروس اللغوي هذه المرة كما يلاحظ الجنابي(15) وهي ضمن مبدأ التقرب من الناس (الخلق) الذي اعتبره جوهر رسالة المثقف، فقد حاول ردم الهوة بين الفصحى والعامية بحيث يمكن تفصيح العامي وتبسيط الفصحى على حد تعبيره، واصدر ثلاث معاجم في ذلك وكان من المؤمل أن تتبعها سبعة(16) إلا أن وفاته حالت دون ذلك. وفي كتاباته استخدم التحديث اللغوي فيها.
كانت رؤية هادي للمثقف العربي المعاصر انطلاقا من رؤيته للتراث العربي في العصر الإسلامي لان الظروف التي أوجدت المعارضة في الماضي لازالت ماثلة إلى يومنا هذا(17) ومن هذا التراث راح ينتقد المثقف المعاصر الذي لم يحتذي بأسلافه المعارضين، فرأى فيهم العكس حيث يقيسون صلاح الدول بدعم الثقافة والمثقفين فقط(18) والمثقف يدافع عن امتيازاته ولا يعنيه الوطن والشعب(19) لأنه الحامل لميراث الشعراء الذين وقف معظمهم مع ظلم السلطة فبرروا ومدحوا جلاديها(20) وهذا الموقف يعود أيضا للميراث العثماني والثقافة الغربية الأحادية التي لا علاقة لها بالناس(21) بينما (الثقافة الإسلامية هي ثقافة معارضة لا ثقافة سلطة وكان الشرط الأكبر للمثقف أن يقاطع الدولة)(22) وكان المؤثر الأكبر في ثقافة المعارضة هو اللقاحية الجاهلية والمشاعية الآسيوية(23) وهذا ما جعل تلازم المعرفة بالمسؤولية (إن نسبة لا تزيد على اثني عشر بالمئة من مثقفي ذلك العصر كانوا مع الدولة والباقي توزع على المعارضة أو الحياد)(24) وكان الشعراء ومن بعدهم الفقهاء موالين اغلبهم للسلطة. بينما المثقف المعاصر يحابي السلطة إذا أعطته حقوقه الشخصية، والاندماج في الدولة يفقد المثقف مثقفيته ويجعله مجرد داعية أو يقيده بأيديولوجيتها(25)، (فالفكر والأدب ليسا غاية بل الغاية هي التحرر السياسي وإشاعة الأموال بين الناس وإنما يصبحان غاية عند النخبة التي تخلصت من مشاكلها فراحت تبحث عن التسلية)(26) وينتقد هادي بعض المثقفين الذين ينغمسون في الإباحية لمعارضة الدين من مواقع الإلحاد اعتقادا منهم بالعلاقة بين الدين والروحانية في حين أن زنادقة الإسلام طور منظومة فضائل راقية(27) أن سلوك المثقف لا يجب أن ينفصل عن نظريته كما يرى هادي، فعلى المثقف أن يكون زاهدا بالمال والعيش والجنس والوجاهة (والإخلال بواحدة من هذه دخول في جبهة الاغيار وانقطاع عن الناس.)(28) وعليه أن يتزوج بواحدة وان لا يخونها، وان تكون ملابسه وبيته وأثاثه بسيط وعادي مع شرط النظافة(29) لأنه يجب أن يكون للمثقف سلوك روحاني بخلاف الفكر الروحاني القائم على الغيبيات والخرافة، لتكوين شخصية حرة وقوية بأفق نضالي اقتحامي يملأ مياديين العمل الاجتماعي بالقيم النضالية والمثل العليا المضادة لأخلاقيات التملك الخاص والنفاق والديني والسياسي.(30) ثم ينتقد هادي ثقافة المثقفين الغربية (إن ثقافتنا الحالية، المترجمة عن الغربيين، هي ثقافة شعارات وهتافات يطلقها المثقف حين يكون قاعداً على أريكته وبجانبه علبة سجائر مستوردة وقنينة حمراء. وقد يكتبها أو يناقشها في قاعات النجوم الخمسة حيث تعقد المؤتمرات الثقافية في المعتاد. والمثقف يطالب بحقوقه باعتبارها حقوق الشعب ويقيس وطنية الدولة برعايتها الثقافة وهذه أفكار أوربية معروفة عند الأوربيين حيث الثقافة مرعية في المؤسسات والجامعات الرسمية وشبه الرسمية وللمثقفين مكانة تزيد على مكانة الشعب)(والثقافة في المفهوم الشرقي التزام نحو الخلق (الرن) وتقاس جدية المثقف وإخلاصه بدرجة ارتباطه بالفقراء مع تخليه عن حظوظ النفس كما يسميها المتصوفة وتقنين معيشته بمعيشة عامة الناس حسب المفهوم الشعبي للزهد. وسعادة المثقف الشخصية تأتي من خدمته للناس وكفاحه معهم من أجل حقوقهم ويأتيه السرور من هذا الانجاز)(31)، ثم ينصح المثقفين بالاقتراب من الناس وعدم احتقارهم والتمييز بين الجاهل والأمي (ولعل أهل العلم والعقل عندما تتسع عليهم المعرفة بالحقائق ينتابهم شعور بالاشمئزاز من جهل العامة فيتمايزوا عنها. وكثيرا ما تصبح كلمة عامي صفة مثيرة للاستهجان لما يقترن بها من الجهل. وهم لا يفرقون بين الجهل والأمية فالعوام أميون أي لا يحسنون القراءة والكتابة لكنهم قد لا يكونوا جهلة بالضرورة لأنهم يزاولون مهناً وصناعات تحتاج إلى الفكر والمهارة ومن يملك الفكر والمهارة لا يسمى جاهلاً وإنما يسمى أمياً إذا كان لا يقرأ ولا يكتب. والعوام أيضا يشتملون على وعي اجتماعي طبقي وسياسي، ووعيهم قديما محفور باللقاحية الرافضة للدولة)(32) وهي ليست مصدر إزعاج بل هم في الحقيقة من مصادر الوعي(33).
إيمان هادي بوحدة النظرية والتطبيق سعى لتحقيق حلمه في المشاعية بتأسيس (الهيئة المشاعية للشعب العراقي) في تسعينيات القرن الماضي لمساعدة العراقيين الفقراء في ظروف الحصار وكان مركز الجمعية في (هولندة) قرب تجمعات العراقيين في أوربا، تقوم بجمع التبرعات و(الفطرة) من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء(34) وقد أعلن عن برنامجها بأنها تنظيم اجتماعي وليس سياسي، لأنها لا تريد أن تكون حزباً سياسياً، وأعضائها مناضلون اجتماعيون وليسوا سياسيون ذو وجدان شيوعي لا يمتلكون شيئا ولا يملكهم شيء، وهم لقاحيين لا يخضعون للدولة، وكانت الدعوة مفتوحة لجميع المناضلين واستثنى التجار الكبار والملاكون العقاريون وأبناء الأسر الأرستقراطية إلا إذا تخلوا عن ممتلكاتهم وتساووا مع الشعب، ويفضل العمال والفلاحون وعامة الشغيلة والحرفيين منهم. إلا إن نفي الصفة السياسية عن الهيئة لا يعني ترك السياسة، وهي على عكس النظريات الاقتصادية التي رهنت حقوق الشعب المعيشية بتطور الإنتاج، فلم تحصل الشعوب على حقوقها بعد عشرات السنين لان الدولة استولت على فائض الإنتاج، والهيئة برنامجها مبني على استرجاع فائض القيمة من الدولة إلى الشعب(35) ثم دعا إلى تشكيل وزارة التنظيم المشاعي للمجتمع لها برنامج اجتماعي من لجان موزعة في البلديات والأحياء تتولى تنظيم الهيئة مثل إنشاء أسواق ومطاعم شعبية تبيع بأسعار الكلفة، وتنظيم المستشفيات من حيث العناية والعلاج والنظافة لتوازي المستشفيات الخاصة بالاتفاق مع وزارة الصحة، والقضاء على العنوسة ومكافحة الطلاق والزواج ألضرائري وحل المشكلات العائلية، وإلغاء مهنة الخدم وتنظيم الخدمة في المؤسسات العامة كالمطاعم والفنادق بما يضمن حقوق العمال، وبناء مساكن للفلاحين بالطابوق الآجر، ثم الدعوة إلى الاستيلاء على القصور الرسمية وغير الرسمية لإسكان المواطنين فيها. ويجب على لجان الهيئة أن تكون رواتبهم عادية وسياراتهم رخيصة(36). يقول (ميثم الجنابي) عن برنامج الهيئة (برنامج لم يتعد في حياته أكثر من كونه جمعية خيرية تعتاش على مساهمات من أدانهم مدى الحياة!)(37) والجمعية وقعت ضحية اتهامها بالانتماء للحزب الشيوعي العراقي فابتعد الكثير عنها، وتجاهلها الحزب الشيوعي وقام بنشاط مضاد لها، بسبب مواقف هادي الخاصة، علاوة على محدودية الدور الإنساني للهيئة في منافسة الجمعيات الأخرى المرتبطة بجهات سياسية، ويقول (وديع العبيدي) (لاشك أن الجمعية وضعت كثيرون على محك مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه الإنسان والوطن، كانت هي نفسها بنتيجة ذلك، ضحية منافسة غير عادلة.)(38).
ختاما استطيع أن أقول أن هادي وضع مبادئ عامة لثقافة جديدة مناهضة للغرب والتسلط السياسي والصراع الطبقي بتقديمه التراث الإسلامي المعارض في تطبيق المشاعية واللقاحية، من دون أن يخوض عملية تحليل دقيقة لهذا التراث بل اكتفى برفع المقدس عنه، ونقد بعض نصوصه ورواته وكل ما خالف العقل وحقوق الناس، وانتقاء الأحداث التي تتفق مع توجهاته الاجتماعية، إن هادي شارح ممتاز للتاريخ لكنه مفسر ومحلل ضعيف له، وهذا برأيي سبب قلة الدراسات التي كتبت عنه. وكما يقول (ميثم الجنابي) (فالصفة الجوهرية في فكر العلوي وشخصيته هي صفة النقد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي وليس الفكري)(39) (وذلك لان الماركسية بالنسبة للعلوي كانت أقرب ما تكون إلى شيوعية قيم وليس فلسفة واضحة المعالم.)(40)، وهادي رغم روح التمرد التي تطبع كتاباته كما لاحظها الجنابي إلا انه ظل محافظا في جوهره، فحتى خط المعارضة الذي تبناه كان مستلهما من التراث الصوفي والحركات السياسية الإسلامية، وما المشاعية إلا نكوص تاريخي لمرحلة بدئية، فهو في مواجهة الغرب لم يطرح مشروع جديد بديل بل مشروع قديم مطور، وهنا يكون حظه من الإبداع متوسط. إن هادي يعطيك المعلومة الدقيقة والأصيلة من مصادرها التاريخية الأم مع تسهيلها وتوضيحها ويترك مهمة استثمارها للجيل المقبل.
إن المعارضة التاريخية التي استقى منها هادي نماذجه للحاضر كانت مكفَرة دينيا من المؤسسة الرسمية ولازالت ظروف التكفير سارية عليها إلى اليوم من المؤسسات الرسمية التي ورثت من أسلافها ذات المنهج المهادن للسلطة، ولا زالت مستعدة لتكفير أي حركة مماثلة تخرج عن الإجماع، هذا عدا الطمس والتدليس ألتأريخي لها ما جعلها مشوهة في الذاكرة الشعبية إن لم تكن منسية، فلا زال اسم (الخوارج) و(الزندقة) تهمة تلصق بأي حركة جديدة تهدد المؤسسة الدينية الرسمية، وعليه فدعوة هادي لإحياء تراث المعارضة المكفَرة مرفوض رسميا وشعبيا. إن حصر هدف الثقافة بالنضال الاجتماعي لإشاعة المال بين الناس واللقاحية هو تحجيم للثقافة التي هي أوسع من هذا المدى، وهذه المهمة الاجتماعية هي وظيفة الاجتماع والاقتصاد السياسي. أما اللقاحية التي دعا لها، فهي متفشية شعبيا عندنا بالعراق، حيث المواطن لا يلتزم بإشارات المرور ولا الطوابير ويتهرب من دفع فواتير الكهرباء والماء والضرائب، ويخرق القوانين بالفساد ولا يلجأ للقضاء وإنما للحكم العشائري الخ وهي احد الأسباب في عدم قيام حكومة ناجحة بدون مواطنين صالحين لديهم الحس بالمسؤولية القانونية والاجتماعية؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_ميثم الجنابي، هادي العلوي المثقف المتمرد، دار ميزوبوتاميا، الطبعة الثالثة 2013، ص19.
2_مازن لطيف، محطات من حياة وفكر هادي العلوي، الطبعة الاولى2013، دار ميزوبوتاميا، ص114.
3_هادي العلوي، مدارات صوفية، تراث الثورة المشاعية في الشرق، الأعمال الكاملة 12، المدى، الطبعة الثالثة 2014، ص10.
4_هادي العلوي، المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، الأعمال الكاملة7، المدى، الطبعة الثالثة 2014، ص37.
5_نفس المصدر، ص33.
6_نفس المصدر، ص11.
7_هادي العلوي، مدارات صوفية، ص35.
8_هادي العلوي، المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، ص14.
9_هادي العلوي، محطات في التاريخ والتراث، الطبعة الثالثة2015، دار الطليعة الجديدة، ص35.
10_مازن لطيف، محطات من حياة وفكر هادي العلوي، ص 116.
11_هادي العلوي، مدارات صوفية، ص231.
12_هادي العلوي، المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، ص24،23.
13_نفس المصدر، ص48.
14_ميثم الجنابي، هادي العلوي المثقف المتمرد، ص84.
15_مازن لطيف، محطات من حياة وفكر هادي العلوي، ص68.
16_هادي العلوي، مدارات صوفية، ص378.
17_هادي العلوي، المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، ص24.
18_نفس المصدر، ص142.
19_نفس المصدر، ص145.
20_نفس المصدر، ص87.
21_نفس المصدر، ص95.
22_نفس المصدر، ص93.
23_نفس المصدر، ص20.
24_نفس المصدر، ص19.
25_نفس المصدر، ص25.
26_نفس المصدر، ص26.
27_نفس المصدر، ص21.
28_نفس المصدر، ص94.
29_نفس المصدر، ص93،94.
30_نفس المصدر، ص22.
31_هادي العلوي، مدارات صوفية، ص389،390.
32_نفس المصدر، ص45.
33_نفس المصدر، ص45.
34_مازن لطيف، محطات من حياة وفكر هادي العلوي، ص61،62.
35_هادي العلوي، المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، ص37،37.
36_نفس المصدر، ص39،40،41.
37_ميثم الجنابي، هادي العلوي المثقف المتمرد، ص113.
38_مازن لطيف، محطات من حياة وفكر هادي العلوي، ص62.
39_ميثم الجنابي، هادي العلوي المثقف المتمرد، ص41.
40_نفس المصدر، ص33.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرام النوعي للأكل
- العراقي والعيد
- انطباعات عن ثورة التحرير العراقية
- العراقي والحيوانات
- العراقي والشارب
- الحرام النوعي للجنس
- التفسير الاجتماعي للتحية العراقية
- الحرام النوعي للشتائم العراقية
- التفسير الاجتماعي للكذب في المجتمع العراقي
- الحرام النوعي لسلوك المرحاض في المجتمع العراقي
- قيمة السلاح في المجتمع العراقي
- التفسير الاجتماعي للفساد بالعراق
- مدخل لدراسة علمية لفرضية الله
- ملاحظات في علم الاجتماع الإسلام
- علم اجتماع انتفاضة التحرير العراقية
- التحريف النوعي للجماعة الداعشية
- رؤية اجتماعية لزنا المحارم
- مفهوم الروح في المجتمع العراقي
- موجز الدراسات الإنسانية للظاهرة الدينية
- التفسير الاجتماعي للإلحاد والإيمان


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - مراجعة في فكر هادي العلوي