أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد فضل - 18ينائر ذكرى فجيعة الضمير














المزيد.....

18ينائر ذكرى فجيعة الضمير


خالد فضل

الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 13:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


18ينائر1985م, صبيحة الجمعة تلك روّع الضمير الانساني قاطبة بمرأى جسد الشيخ المفكّر الانساني الاسلامي الكبير محمود محمد طه متدليا من حبال المشنقة في السجن العمومي بضاحية كوبر على ضفة النيل الأزرق الشرقية وسط العاصمة السودانية الخرطوم , من لم يهتزّ لذلك المشهد الجلادون فقط ؛ من سدنة الحركة الاسلامية السودانية ونظرائها في العالم , وأكاد أجزم أنّه لم يرق لكثير من سدنة النظام المايوي المباد برئاسة جعفر النميري يومذاك تلك الصورة البشعة لإغتيال مفكّر كبير وشيخ وقور أسهم بقسط وافر في محاولات إحياء الفكر والشعور وسط المسلمين حتى يجدوا موطئ قدم في عالم متطور وانسانية _ رغم النكبات _ تتوق لحدود الكمال , فإذا بالحركة الاسلامية السودانية ترتد بالبشرية الى عهود التيه البشري ,بدوافع الغيرة السياسية , والقصور الفكري الذي لازم نشأتها ولم يبارحها حتى الآن , ذلك القصور الذي تبدّى فيما بعد في أوضح تجلياته عندما دانت لها السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في يونيو1989م, وما تزال تمارس عبثها وتيهها اللانهائي , فطريق التقدّم يمر عبر العقول , وعندما يغيّب العقل تسود الغوغائية , ويتهدّم معمار البشرية ,مما نعايشه الآن في ممارسات داعش والقاعدة وبوكو حرام وجماعات الجهادية السلفية الاسلامية السائدة في هذه الأوقات .كان فكر المفكّر محمود محمد طه ضد هذا كلّه , كان فكرا هادئا يبني في النفوس قيم الانسانية باعتبارها تمام الدين الاسلامي وجوهره , وليس كما تنشره فرق الهوس من عادات وتقاليد تبدو طقوسية أكثر منها روحانية , وهو ما أسماه علاء الدين الأسواني بالدين البديل , لذلك تكالبت قوى الشر لوأد ذلك الفكر المستنير , استغلوا في نظام جعفر نميري الديكتاتوري ضعفه وهوانه وعجزه عن ابتداع حلول موضوعية لسلاسل الأزمات الوجودية التي حشر فيها الشعب والبلاد , إذ كانت الأزمة الاقتصادية تمسك بتلابيب السلطة , والفساد يضرب أركانها , والحرب الأهلية في الجنوب_ سابقا_ تدور رحاها تقضم في البشر والموارد وممسكات الوحدة الوطنية الهشّة , والمجاعات تجتاح أنحاء واسعة من البلاد لدرجة الموت جوعا ومرضا , والعلاقات الاقليمية مأزومة , والمشاريع التنموية والانتاجية متراجعة , والخدمات تنحط لأسوأ معدلاتها , والكبت والقمع هو السياسة الوحيدة التي يمارسها النظام للاستمرار في الحكم , في هذه الأجواء الخانقة , زيّن الاسلاميون للنميري , والذي كانوا قد انخرطوا معه في السلطة حتى صاروا داعميه الوحيدين من كل القوى السياسية السودانية , زيّنوا له أنّ الحل في إعلان تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان , وقد كان ففي سبتمبر 1983م أعلن النميري أنّ السودان قد دخل في دين الاسلام , وأنّ الشعب صار رعية خليفة المسلمين , وبالطبع أصبح الاسلاميون بقيادة د. الترابي كبار صحابته , صارت حشودهم تزحم الطرقات مؤيدة للنميري , ووصفه د. الترابي بمجدد المائة الهجرية الجديدة , وتبارت محاكم العدالة الناجزة التي استولى عليها القضاة الاسلاميون في اصدار الأحكام التعسفية , وأجهزة الاعلام الآحادية تنقل في وقائع الجلد والبتر والصلب مقرونة بالتشنيع والتشهير , ولضمان السيطرة تمّ اعلان حالة الطوارئ وتعطيل الدستور , في هذه الأجواء الخانقة , كان الاسلاميون يتقافزون طربا ويتماوجون سعادة وفرحا , فغاية ما يرجون يتحقق أمامهم , الدولة وقد صارت اسلامية , فماذا يبغون ؟ وقوانين جهاز الأمن تسود حياة الناس , والنميري أو قل خليفة المسلمين يتوعد ( الشريعة ما فيه تجسس لكن قوانين جهاز الأمن البطالة دي حنكمكم بيه), وبالفعل كان التعدي على حرمات الناس في بيوتهم وسياراتهم ومواقعهم المختلفة هو الممارسة اليومية لأجهزة القمع السلطوية , وجماعة الترابي يهللون ويكبرون , وملايين المواطنين يلقون مصرعهم بسبب الجوع والحرب والمرض , وموجات الجفاف والتصحر العاتية تضرب أنحاء واسعة من البلاد , في هذه الأوقات المقيتة صدع المفكّر محمود محمد طه برأيه جهارا نهارا وعبر منشورات مكتوبة , رفض فيها إذلال الشعب باسم الاسلام , ونعى التجربة ووصفها بالمهينة للاسلام والشعب , وكانت السانحة التي يجب اقتناصها , قبض على المفكّر ومعه مجموعة من مؤيديه , وتحت ذريعة انتهاك قانون الأمن واثارة الكراهية وتقويض السلطة , أودع السجن رفقة تلاميذه , ولكن شهوة الانتقام لدى الاسلاميين لم تهدأ , هناك شيخ ,مفكّر , ينشر ويمارس عمليا فكرا اسلاميا مستقيما , يواكب روح العصر وتقدم العقل وتطوّر البشرية , لابد من اسكاته والى الأبد , وليس من فرصة أفضل مما هو متاح في تلك الأجواء الكريهة , وقد كان , تمّ تحويل التهم السياسية الجنائية الى تهمة دينية اسمها الردّة عن الاسلام , وبسرعة شديدة صدرت الأحكام الجاهزة , إعدام الشيخ ورفاقه , وجرت مهزلة اسمها الاستتابة , حيث أمر الأستاذ محمود رفاقه الأربعة بالتظاهر بقبول الاستتابة التي أملاها عليهم دهاقنة القضاة الاسلاميين , وأذيعت وقائعها المفجعة , وتقدّم المفكّر محمود محمد طه صوب منصة الشنق , مرفوع الرأس , مبتسما , هازئا بالجلادين , مشفقا على حال الشعب والاسلام من ممارسات أولئك الدجالين من تجار الدين , نعم طوّح الجسد النحيل في هواء الخرطوم الكليمة , وسط آهات الوخذ الحاد للضمير الانساني الحي في كل العالم , ليسجّل يوم 18ينائر في ذاكرة الانسانية بكل تلك الفظاظة , وليشهد العالم كل العالم كيف يقود التهور والتعصب والارهاب باسم الاسلام الى هذه المآسي . وما يعيشه العالم اليوم من خوف ووجل وتدمير مضطرد للحضارة البشرية والإرث البشري بوساطة الجماعات الارهابية الاسلامية ما هو الا نتاج طبيعي لوأد الفكر الاسلامي المستنير , والوعي الانساني الكبير , فقد كان الأستاذ محمود وسيظل , أحد المفكرين الذين حاولوا تخليص البشرية من سموم التخلف , ووهاد الأرهاب , واستغلال الاسلام للقضاء على الحياة البشرية مما يناقض في الواقع الدعوة الاسلامية , بل يخالف منشأ الحياة البشرية وجعل الإنسان في الأرض خليفة للخالق , إنْ كانوا حقّا مؤمنين !



#خالد_فضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس من جنوب السودان رغم المحنة
- اللاجئون السودانيون مآسي مضطردة
- ثمار الاستبداد
- الإرهاب الإسلامي
- د. الترابي : الدعاء في مواجهة الفشل
- بين تونس والسودان حواران مختلفان
- خيبة أمل كروية سودانية
- الحج الدامي ومأساة المشاعر المقدّسة
- كفاح الشعوب بين عصر المقاومة وفقه المساومة
- قاتل مجهول في شوارع الخرطوم !!
- تأملات في غوغائية المتأسلمين وعبثية (الاّ اسلامنا ده)
- الديكتاتورية تضييق الأرض وتعتيم الفضاء
- السودانيون وذاكرة سبتمبر المشؤومة
- الدولة الاسلامية في السودان والسياسة ذات الوجهين
- قضايا السودان بين جذب العرب وشدّ الأفارقة
- الشيوعي السوداني حزب عصي التجاوز
- السودانيون :وعثاء هوية العرق والدين
- من أجل مستقبل قمين بشعب كريم : لابد من اصلاح تربوي شامل في ا ...
- المجتمع الدولي والتعامل الحذر مع الحكومة السودانية
- نحتفي بالمحبة ويحتفون بالذبح


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد فضل - 18ينائر ذكرى فجيعة الضمير