أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد فضل - السودانيون وذاكرة سبتمبر المشؤومة




السودانيون وذاكرة سبتمبر المشؤومة


خالد فضل

الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 00:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كلمّا أطلّ شهر سبتمبر من كل عام ,أعاد للسودانيين ذكراه الأليمة , إذ منذ العام 1983م ظلّ هذا الشهر مرتبطا في الذاكرة الوطنية بما عُرف بقوانين سبتمبر القمعية , وهي القوانين التي استنها نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري (توفي في2009م) بعد أنّ حكم السودان منذ العام 1969م , وأطاحت به انتفاضة شعبية في أبريل 1985م. تلك القوانين القمعية لعبت دورا خطيرا في تغيير مسار الحياة في السودان , وما تزال عقابيلها ماثلة فيما حاق ويحيق بالسودان والسودانيين من مآسي متراكمة , ففي ذلك الشهر تحديدا أكمل الرئيس النميري دورة الهوس الديني التي كانت ارهاصاتها قد انتابته منذ أواخر عقد السبعينات من القرن نفسه بإعلانه ما سُمي بتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان , وما تبع ذلك من تغيير في طبيعة الدولة السودانية الموروثة من العهد الاستعماري . لقد تجلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حفنة تشريعات جنائية تمثّلت في تطبيق الحدود مثل جلد شارب الخمر وبائعه وحامله ,وجلد الزاني والزانية أو رجمهما, وقطع الأيادي للسارقين الصغار , والقطع من خلاف والصلب لمن وصفوا بقاطعي الطرق , فيما شاع استخدام الجلد والحبس كعقوبات تعزيرية ملحقة بالقوانين الشرعية , تبع ذلك حملات اعلامية مكثفة , ونشر وإذاعة أحكام المحاكم الشرعية التي صدرت والتي نُفذّتْ , ومن خلال نشرات الأخبار الرئيسة في الإذاعة والتلفزيون الحكوميين كان المواطنون السودانيون يتابعون أخبار تلك المحاكم وعلى وجوههم حُلل المذلة بادية , فقد كانت الأخبار لا تُذاع بمهنية وإالتزام بالقاعدة الذهبية عن (قدسية الخبر) من حيث ماذا ومتي وأين وكيف ولماذا , بل كانت تنشر الأخبار موشّحة برغائب السلطان , مكتسية بهالة ما يريد نشره من ذعر وتشهير وإزراء بالمواطنين , فكان من الطبعي إذاعة خبر حكم بالجلد مثلا صدر ضد أحد المواطنين ثمّ يذيل الخبر بإضافة سيرة ذاتية للمدان تربطه بعائلة أو قرابة رحم بأحد المعارضين المشهورين لنظام مايو ضمن حملات التشهير والحط من شأن من يعارض الديكتاتورية والاستبداد , ثمّ بلغت مأساة تطبيق الشريعة في السودان قمّتها عندما تمّ اعدام المفكر الاسلامي الكبير ,مؤسس الحزب الجمهوري ومفترع الفكرة الاسلامية الجمهورية الشيخ محمود محمد طه في ينائر 1985م بتهمة الردّة وكان عمره وقتها 76عاما . في تلك الأعوام التي طبقت فيها أحكام الشريعة الاسلامية في السودان كانت الأوضاع العامة في البلاد تنؤ بأثقال من معاناة متزايدة , فقد اندلعت الحرب الأهلية في جنوب البلاد بصورة أشدّ ضراوة منذ مايو1983م , بعد هدنة واستقرارنسبي أعقب توقيع اتفاقية السلام في مطلع العام 1972م فيما عرف بإتفاقية أديس أبابا بين النميري وزعيم المتمردين الجنوبيين آنذاك جوزيف لاقو , الدورة الجديدة من الحرب الأهلية اندلعت إثر التمرد الذي قاده الراحل د.جون قرنق ديمبيور قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان (توفي في حادثة تحطم طائرة رئاسية يوغندية , يوليو2005م) بعد مضي ثلاثة أسابيع فقط على توليه منصب النائب الأول للرئيس عمر البشير كاستحقاق بموجب اتفاقية السلام الشامل (ينائر2005), تلك الاتفاقية التي أقرّت حق تقرير المصير للجنوبيين بعد ست سنوات انتقالية وكللت أخيرا باستفتاء جاءت نتائجه لصالح الانفصال بنسبة مذهلة قاربت 100%, وهنا نلمح اهمّ وأخطر نتائج تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان , ذلك البلد الافريقي ذي الطبيعة التعددية دينيا وثقافيا وعرقيا ولغويا ,وهي الطبيعة التي لم يلق لها دعاة تطبيق الشريعة بالا , وواصلوا نهجهم الغوغائي , لتبلغ الأحداث ذروتها بقيام انقلاب الانقاذ في العام 1989م , وهو الانقلاب الذي خطط له ونفّذه تنظيم الجبهة الاسلامية القومية (أحد مسميات جماعة الأخوان المسلمين) في السودان , بقيادة د. حسن عبدالله الترابي , أستاذ القانون السابق في جامعة الخرطوم , والحائز على شهاداته الأكاديمية العليا في جامعة السوربون العريقة . لاقت تلك القوانين وما صحبها من انتهاكات واسعة لحقوق الانسان في السودان معارضة واسعة, وقد تزامن اطلاقها مع تدهور اقتصادي مريع , ومجاعات ضربت انحاء متفرقة من البلاد , مع شح في معدلات هطول الأمطار , وتزايد وتائر الهجرة والإغتراب , وحدوث موجات عاتية من النزوح الداخلي من مناطق المجاعات صوب المدن وخاصة العاصمة الخرطوم التي أحيطت بسوار من معسكرات النازحين والفارين بسبب الجوع , ونشوب الصراعات المسلحة على خلفية التنافس حول الموارد المتناقصة خاصة في اقاليم دارفور وكردفان وشرق البلاد الذي شهد مجاعة فظيعة ضمن حزام الجفاف في منطقة القرن الافريقي , ومع تدهور قيمة العملة الوطنية وانهيارها في مقابل العملات العالمية , في تلك الأجواء الخانقة استن نظام النميري قوانين الشريعة للجم حركة المقاومة الشعبية المتصاعدة ضد سلطته ,وأردف ذلك باعلان حالة الطوارئ وتليق العمل بالدستور , ووجد السند في جماعة الإخوان المسلمين وزعيمها الترابي , فيما وقفت جميع القوى السياسية الأخرى تقريبا ضد سلطة مايو وأعلنت رفضها لتلك القوانين المشؤومة , وشملت قائمة المعارضين السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإمام طائفة الأنصار الاسلامية المعروفة , وقد نسب له تصريح مشهور واصفا قوانين الشريعة بأنّها لاتساوي قيمة الحبر الذي كتبت به, وبالطبع عارض تلك القوانين كل قوى الديمقراطية والاستنارة بما في ذلك الحزب الشيوعي السوداني وقوى اليسار من بعثيين وناصريين وغيرهم اضافة الى المجموعات غير المسلمة في السودان وبخاصة في جنوب البلاد, وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق.
بنهاية عهد مايو , وإنهيار سلطة الرئيس نميري (الذي أطلق عليه الاسلاميون السودانيون لقب إمام المسلمين ومجدد المائة الهجرية الجديدة )نتيجة انتفاضة أبريل 1985م المار ذكرها , عملت قوى الانتفاضة على إلغاء تلك القوانين , بينما سعت حماعة الإخوان المسلمين عبر المجلس العسكري الانتقالي , والذي رأسه أحد منسوبي الحركة الاسلامية (المشير سوار الدهب) للمزايدة باسم الشريعة والاسلام , خاصة بعد تكوين حزب بلافتة الجبهة الاسلامية القومية , وواصلت حملاتها الاعلامية المكثفة عبر آلة ضخمة قوامها مجموعة من الصحف , وفي استغلال تام للمناخ الديمقراطي وما يتيحه من حريات عامة وحرية الحركة والتعبير والتنظيم , ليتم ارجاء البت في أمر إلغائها لما بعد انتخاب الحكومة الجديدة , وهنا تنصّل السيد الصادق المهدي عن رؤيته الأولى وبدأت سلسلة من المماحكات , والمماطلات تحت ذرائع القوانين البديلة , والرغبة الشعبية والوزن الانتخابي وغيرها من أساليب قادت في خاتمة المطاف لتقوية تيار حركات الاسلام السياسي وبسط سيطرتها في مناخ من التخويف والوعيد والابتزاز , حتى تم تتويج ذلك بالقفز على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في يونيو 1989م ليبدأ فصل جديد من مأساة السودانيين مع ما يسمى الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة . وبعد ثلاثين عاما على بدء تطبيق حكم الشريعة في السودان أي في سبتمبر 2013م , بدا كل شئ في السودان أسوأ مما كان عليه أيام تطبيق النميري للشريعة الاسلامية , وبعد أنْ دانت البلاد لسطوة الجماعة الاسلامية التي ساندت النميري حينها لشئ في نفسها , فبترت أراضي السودان لتقوم عليها دولتان , وزادت موجات النزوح الداخلي واللجؤ والهجرة بصورة غير مسبوقة و وبلغ الاقتصاد شفا الانهيار , وانهارت بالفعل العملة المحلية وكل المشروعات الزراعية والصناعية والخدمية , وانتشر الفساد والمحسوبية وضاعت الأخلاق والقيم التي كانت من سمات السودانيين , عندها هبّت مجموعات شبابية من سكان الخرطوم وبعض المدن في مظاهرات سلمية تندد بزيادة أسعار المحروقات وما ترتّب عليها من زيادة معانلة الناس , تصدّت فرق الموت والقنّاصة لتلك الهبّة الجماهيرية السلمية وفي غضون 48ساعة تقريبا , كان حوالي مائتي شهيد /ة قد أزهقت أرواحهم في الخرطوم وحدها , ومئات الجرحى ومثلهم من المعتقلين الذين تعرضوا لأسوأ أنواع التعذيب البدني والنفسي , وما يزال ملف هولاء الضحايا حاضرا في الذاكرة الشعبية السودانية مقترنا كذلك بشهر سبتمبر , والآن بعد مرور عامين ما تزال لجنة التضامن التي تم تكوينها على خلفية تلك الأحداث الدامية تواصل مجهوداتها حتى يتم فتح تحقيق شامل , ينال بموجبه المذنبون جزاءهم , ويشعر ذو الضحايا بسريان العدالة فتطمئن هواجسهم ويهدأ قلقهم , وحتى ينفتح باب أمل للشعب السوداني في تغيير شامل يعيد اليه دولته المختطفة باسم الله وشريعة الاسلام منذ نيّف وثلاثين عاما .يظل سبتمبر شهر للذكرى الأليمة كلّما حلّ والحال على ذات المنوال .



#خالد_فضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة الاسلامية في السودان والسياسة ذات الوجهين
- قضايا السودان بين جذب العرب وشدّ الأفارقة
- الشيوعي السوداني حزب عصي التجاوز
- السودانيون :وعثاء هوية العرق والدين
- من أجل مستقبل قمين بشعب كريم : لابد من اصلاح تربوي شامل في ا ...
- المجتمع الدولي والتعامل الحذر مع الحكومة السودانية
- نحتفي بالمحبة ويحتفون بالذبح
- الميدان استعادة أحد منابر الوعي


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد فضل - السودانيون وذاكرة سبتمبر المشؤومة