أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - الصدفة والضرورة/ قصص قصيرة















المزيد.....

الصدفة والضرورة/ قصص قصيرة


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5043 - 2016 / 1 / 13 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


الصدفة والضرورة
الساعة تجاوزت منتصف الليل وثلاثون دقيقة، كانت الهواجس السوداء تملأ رأسه، حاول إقناع النوم باللجوء إلى عينيه المرهقتين.. تسلل اليأس إلى نفسه..
خمسة عشر دقيقة كانت كفيلة ليجول فيها بين خمسة عشر سنة من عمره، تذكر كل الوجوه التي عرفها في حياته، كل النساء اللاتي عشقهن، ونساء لا يعرف أسماءهن، وأخريات لم يمتلك الجرأة لإخبارهن بعشقه، واخريات لم يكن واثقا من حبه لهن من البداية..
لم يعرف كم مرة تقلب على السرير، ولا كم ملأ رئتيه من الهواء الممتلىء برائحة السجائر، مد يده إلى المصباح المحاذي للسرير ، اشعل الضوء.. المنبعث منه قليلا من الحيوية إلى رتابة الغرفة، تحامل على نفسه ليصل الى الخزانة واستل قميصا لم يعر أي اهتمام للونه ولا شكله، أدخل رأسه فيه بعنف سقطت السيجارة من فمه وكادت تحرق البساط على الارض..
كان المصعد يهوي من الطابق الرابع بسرعة، في عد عكسي للطوابق، توقف لثوان، عند الطابق الاول، وكانت تلك الثواني كافية ليأخذ نفسا من سيجارته، ويدوسها بحنق، وينفث دخانه على اللوحة التي كتب عليها "ممنوع التدخين" ، تجاوز الدرجات القصيرة لمدخل البناية وترك باب المصعد ينغلق خلفه، كانت الشوارع هادئة إلا من سيارات قليلة وبعض سيارات الإسعاف التي لولا أضواؤها المتلألئة لم تكن لتميزها عن غيرها
سار في الشارع تحت مطر جاء في غير وقته، متجها نحو المجهول. الشارع الذي يمشي فيه يؤدي إلى البحر، وفي الاتجاه المعاكس يؤدي إلى محطة القطار، توقفت في المنتصف متسائلا: أي الاتجاهين أسلك؟
كان الليل يبسط سدوله، والمطر يواصل هطوله، والشارع يحفل بالصور التي تحرك الذاكرة، كانت السيارات تمر في الاتجاهين، وتكسر بأضوائها خيوط المطر، والسائرون بعضهم يواصل السير على الأرصفة، وبعضهم يحتمي بواجهات المقاهي خوفا من البلل... تبللت أطرافي، وأحسست ببرودة تتسلل إلى عظامي، نظرت يمنة ويسرة، ثم قررت الاتجاه نحو محطة القطارات، انطلقت على الرصيف، وسرت بين السائرين، وأنا أتساءل عن سر هذا المطر الذي فاجأ الجميع، وأربك الكثيرين، تجاورت المقاهي والمطاعم التي تزدحم بالزبائن، ومحلات لبيع الملابس والأحذية والعطور..، وحديقة طرد المطر كل مرتاديها، ولجت المحطة وأنا أمسح حبات المطر، التي بللت رأسي. توجهت إلى شباك التذاكر، طلبت تذكرة ودفعت ثمنها، ودسست التذكرة في جيبي، ثم دخلت مقهى المحطة لتناول فنجان من الشاي قبل مجيء القطار، وضعت الحقيبة على كرسي فارغ
رفعت عيني إلى التلفاز، وأخذت أقرأ الأخبار التي تمر على الشريط أسفل الصورة. وضع النادل الشاي، ارتشفت بعضه، ونهضت لأن صوتا أنثويا أعلن أن القطار على وشك الوصول.
وأنا ادفع الباب المؤدي إلى سكة القطار، وجدتها أمامي، وقفت مصعوقا غير مصدق ، وأشرقت هي بابتسامة طال غروبها، تبادلنا السلام، لحظة انشداه وذهول ونحن نصارع أمواج الدهشة، بسرعة عرفنا أن لنا نفس القطار، وسننزل في نفس المحطة. هبت ريح عاتية، وقصفت رعود، واشتعلت بروق، وتلاعبت بنا عاصفة الحيرة..، صعدنا، وجلسنا متقابلين في نفس المقصور
انطلق القطار، استرجعنا أنفاسنا، سكننا صمت غريب، تبادلنا النظرات،لم يكن هناك كلام في قاموس اللغة يصلح للتعبير عن فيض المشاعر وفورانها‏، خرجنا من منطقة الصمت بصعوبة، ومضينا في السؤال عن الأحوال..
وصل القطار إلى المحطة الأولى، نزل مسافرون، وصعد آخرون، كف المطر عن الهطول، بقينا في المقصورة وحيدين، نتأرجح بين الصمت والكلام، علمت عني أخبارا، وعلمت عنها أخبارا، مياه كثيرة جرت طيلة هذه السنوات الطويلة ، رياح مختلفة هبت من مختلف الجهات، وتحطمت جدران، وشيدت أخرى، مات من مات، وعاش من عاش
توقف القطار في المحطة الثانية، وصعد مسافرون جدد، اثنان منهم جلسا برفقتنا في نفس المقصورة، رفعت عينيها وسألت:
ما الذي جاء بك الى هنا؟
وماذا تفعلين أنت؟
كنت في زيارة قصيرة للأهل..
اما انا فدائما ما آتي الى هنا لاتذكر الماضي وابحث عن الاثار ثم الوذ بالفرار..
ظل القطار يقلب ساعات الليل، ويطوي المسافات، وهو يخترق الجبال والسهول والهضاب، والمسافرون على متنه بعضهم استسلم للنوم، وبعضهم انخرط في الكلام، وآخرون ولجوا غرف الصمت، وأخذوا يحملقون في ظلمة الليل..
وصل القطار محطة أخرى، ركوب ونزول، انضم إلى مقصورتنا مسافران جديدان، خيم صمت، وانطلق القطار يواصل طي المسافات. التقت عينانا المتعبتان، ارتميت أسبح في عباب وجهها، قرأت سحبا كثيفة، وشاهدت جراحا حفرتها السنين، جفت مياه كانت تجري عذبة، فساد الذبول، بعدما أسقطت الرياح الجافة جل الفواكه. هي أيضا ظلت تقلب صفحات وجهي، وتوقفت عند النظارات الطبية، وعند الشيب، وتاهت طويلا في دروب كئيبة شقها الزمن في وجهي، تلاعبت بنا رياح الدهشة، وجرفتنا
قالت : لقد هرمنا ..
قلت: العمر فصول، ولكل فصل ألوانه
تأوهت، وسكتت، ثم فتحت محفظتها اليدوية، وأخرجت صورة، وقالت: هؤلاء أبنائي. أمسكت الصورة لاشاهدها، وقلت: إنهم يشبهونك، والبنت كأنها أنت تماما. ابتسمت ابتسامة أعرفها، وقالت: هل ما زلت تذكر؟
البنت كأنها أنت أيام الزهور
نمضي، لكننا نعود عبر آخرين يأتون بعدنا
ربما
ظل القطار يتجاوز المحطات، والمسافرون في صعود ونزول، وأصحاب الأسفار الطويلة استسلموا للنوم، وبقينا، نحن الإثنين، نقلب الصفحات، ونغرق في أمواج السؤال. حلقنا في متاهات الأيام، وأخذنا نتعجب من قطار آخر يمر أسرع من الذي نركبه ، قطار يحرق مراحل العمر، ويمضي بنا نحو النهايات
بدأ الليل يقترب من نهايته، والقطار اقترب من محطته الأخيرة، والتعب ينال منا. وساد الفتور، وبدأ كلامنا يتقطع، ظللت أتصفح وجهها، فبدت لي ألوان الخريف ساطعة، غاب ربيع الوجنتين، وانطفأت شمس العينين، وجفت الوديان، واستوطن الذبول، بدورها ظلت تركز نظراتها المتعبة على علامات الوهن في وجهي، وتقرأ أحزانا عصية، وأحلامنا محروقة
وصل القطار إلى محطته الأخيرة، فقمنا نجمع أغراضنا، ونزلنا، سرنا على الرصيف صامتين... وليرجع كل منا عائدا للدخول في انبوب حياته يواصل الدوران فيه بعد دفقة النور التي أولدتها الصدفة عبر كوة في نفق العمر انفتحت للحظة قصيرة ثم عادت للانغلاق‏.‏


انترنت
بعد ولادته بقليل غادر المولود مستشفى الولادة ليبحث عن اقرب مقهى للانترنت، اذ عرف وهو في بطن أمه انه ولد في عصر التكنولوجيا وأن الحياة لاتستقيم في هذا العصر دون أن يكون للانسان صفحة على الفيس بوك يسجل عليها يومياته، وحيث ان يوم ولادته هو من اهم ايام حياته فلم يشأ ان يضيع الكثير من الوقت قبل ان يبدأ بتسجيل انطباعاته في مدونته على الانترنت يسجل فيها يومياته، والتواصل مع اصدقائه ومعارفه على شبكات التواصل الاجتماعي‏.‏
كتب : اكثر من خمسة عشر عاما في عالم العدم قضيتها مرتحلا في ظهور اسلافي ومنتظرا الى ان وصلت الى هذا العالم الجديد الذي اتمنى ان اجده في المستوى الذي كنت آمله خلال سنوات الانتظار الطويلة... وبدافع من حب الفضول أتساءل ماذا لو لم أولد، وكيف ستكون الحياة من دوني، هل كان سيحدث تغيير ما؟ وما الذي يحمله مجيئي للوجود؟ هل كانت صدفة الميلاد هذه التي أنا عليها الآن ضرورة؟ وكيف يمكنني التفكير في مصادفات الحياة؟؟ اشعر ان لدي رغبة في الكتابة، غير أنني حينما دخلت أعماقي وحاولت كتابة شيء ما لم أعثر على أي أفكار تستحق. بدا لي أنني لا أقول إلا الشيء نفسه، نفس الكلام يتكرر إلى ما لا نهاية. سواء عشت اليوم أو بعد ألف سنة أخرى، أو حتى إلى نهاية الزمان فإن نفس المقيل سيقال بما فيه هذا الكلام ذاته الذي أكتبه الآن. كبحار جعل الغمام دليله فوق البحار، رغم أن الفكرة جلية وواضحة، بدت لي في غاية الغموض والغرابة؟
هذه الشمس التي ستشرق غدا، لقد أشرقت على ذلك الجد الذي لا أعرفه، الذي تاه في غابر الزمان، أو على تلك الجدة في سهول الدنيا الواسعة. كما ستمطر أيضا على ذلك الحفيد البعيد الذي لا يعرفني في المستقبل البعيد
فما أنا الا نسخة جديدة لعبارة قديمة، أفكاري ليست لي، لغتي تتحدثني، حياتي تمتد في المساحة الفاصلة بين الصمت واللانهاية. أنا مثل رياح الأشواق فوق بحر الأحزان.



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاي بالنعناع/ قصص قصيرة
- حياة اخرى وقصص اخرى قصيرة
- محطات في فكر مالك بن نبي
- الكواكبي.. ومئة عام من الديكتاتورية
- شوق الدراويش ل -حمور زيادة- رواية تتكىء على التاريخ
- الحمار/ قصة قصيرة
- واسيني الاعرج في رواية -البيت الاندلسي- نكتب لأننا نحب الكتا ...
- عقلية الوفرة وعقلية الندرة..!؟
- الغريبة التي لا اعرفها/ قصص قصيرة
- فنجان قهوة
- عناقيد الكرز... وما تيسر من وجع!!
- سفر..
- -المغفلة- ل -تشيخوف- ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء!!
- الحارس في حقل الشوفان
- الشيوعيون العرب.. وفلسطين
- نجيب محفوظ.. الوجه الآخر
- دعوة على العشاء/ قصص قصيرة
- بجعات برية رواية اجتماعية بنكهة سياسية
- الموشحات ... شعر يحلق باجنحة الغناء
- ضغط الكتابة وسكرها لامين تاج السر


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - الصدفة والضرورة/ قصص قصيرة