الحارس في حقل الشوفان

منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5010 - 2015 / 12 / 11 - 19:50
المحور: الادب والفن
    

الحارس في حقل الشوفان
جيروم ديفيد سالنجر
اكاد اجزم انك ستعيد قراءتها لاكثر من مرة.. فهي رواية تخاطبك رواية تصاحبك.. تصاحب تفكيرك ومخيلتك وستشعر ان هذه الرواية كتبت لك وحدك، انها ملكك الخاص، ستجد فيها مخرجا من صخب الحياة لتضعها الى جانب سريرك لتعود اليها مرة بعد اخرى... أنني لا أهذي ولا تكلم عن كتاب لا وجود له. لكنني اقول لك الحقيقة!
أمر آخر عن هذه الرواية ان الرجل الذي اغتال الرئيس الأمريكي جون كينيدي كان يحمل الرواية معه. وكذلك الذي إغتال مغني فرقة البيتلز جون لينون والرجل الذي أطلق النار على الرئيس الأمريكي رونالد ريغين كانا يحملان الرواية!
حين قرأتها شعرت وكأنني وجدت الكتاب الذي أبحث عنه - هو شعور يعرفه تماما من يحبون القراءة ويعشقونها.
“الحارس في حقل الشوفان“ رواية صنفت ضمن قائمة أفضل 100 رواية في الأدب الأنجليزي الحديث وأهم الأعمال في القرن العشرين ومن أكثر الروايات تأثيرا في المجتمع الأمريكي. قرأتها في يوم واحد، ثم قرأتها مرة ثانية بعد شهر وأنا في شوق لصفحاتها الساخرة وإسلوبها التهكمي.
كان يباغتني شوق لها كبير عالجته بقرائتي “هيرمان هسه” وعدت إليها راكضا من فلسفته وكلامه العميق إلى مغامرات “هولدن” الجريئة في نيويورك. ثم رجعت إلى صفحات الحارس هربا من الواقع المر والزيف المستشري في المجتمع. سالينجر يعتبر أهم الكتاب الأمريكيين بعد إرنست همنغواي وأكثرهم تأثيرا في النثر والكتابة الإبداعية رغم أنه لا يوجد لديه إلا ثلاثة مجموعات قصصية صغيرة ورواية واحدة. وهذا يدل على قدرته الكتابية.
“الحارس في حقل الشوفان” رواية قصيرة، في الأدب الغربي تسمى” Novella“ وهي تصغير لكلمة رواية - كتبها اكثر الروائييين عزلة في العالم سالينجر والذي قضى أغلب حياته في مزرعته معتزلا الحياة الأجتماعية.
هذا الكاتب البديع الذي أسس نهجا في الكتابة أطلق عليه الكتابة الغاضبة لم يترك وراءه إلا رواية واحدة وثلاث مجموعات قصصية. وما لا يمكن أن تتخيله أن روايته الوحيدة “الحارس في حقل الشوفان” هي مقرر دراسي في أغلب الجامعات والمدارس الثانوية الأمريكية بالرغم من كونها ضمن عشرة كتب خاضعة للمراقبة في المكتبات والتعليم في العقدين الفائتين. كتب عنها الكثير من الأغاني وحاول الكثير محاكاتها وطريقتها الساخرة.
الرواية صدرت في عام 1951 ورافقها الكثير من اللغظ. قسمت المجتمع الأدبي إلى معسكرين بين رافض ومؤيد بعنف كونها تحمل الكثير من الألفاظ السوقية كان السبب الرئيسي لكل هذا. ففي طيات الرواية تجد كلمات مثل عاهرة وكلب ولغة عامية لم يعهدها المجتمع الأدبي الذي يبجل اللغة الفصحى الانجليزية في تلك الأيام.
والأمر الثاني الذي وضعها على طاولة النقاش تركيزها على الشخصية الرئيسية وتفاعلاتها دون الإتكاء على الحدث الرئيسي في الرواية وأداوتها التقليدية. في حين أن الجميع يتفق على أن الرواية هي مثال يحتذى به في خلق شخصية مضطربة وقدرة سالينجر على رسمها بكل انفعالاتها وتطوراتها. كونها الرواية الأقدر في الحوار والسرد.
كما ان العنوان ” الحارس في حقل الشوفان” من أجمل وأكثر العناونين كونه يختزل قصة الرواية ومشاعر بطلها في جملة واحدة. عنوان يحمل من البلاغة والإختصار الكثير لصفحات الرواية وأحداثها وشخصياتها. بطل الرواية “هولدن كولفيلد” همه الوحيد بأن يكون الحائط الصامد بين براءة الأطفال وزيف البالغين ونفاقهم. الحاجب الذي يعزلهم ببرائتهم وجمالهم عن قبح الحياة والتعامل مع الكبار المخدوعين بالمظاهر والمال والمغررين بخداع هوليوود أفلامها البعيدة عن الواقع.
هي حكاية الأيام الثلاثة التي قضاها “هولدن” في هربه من مدرسته في سفره إلى مدينة نيويورك في سن السابعة عشر إلى مدينة نيويورك قبيل عيد الميلاد. الأحداث التي دفعته إلى الأنهيار النفسي والعيش في مصحة نفسية. المصحة النفسية التي يخبرنا منها الأحداث الجنونية كما يصفها. هولدن مثل أي مراهق تعرفه، متمرد، مشاكس، ينظر للعالم بمثالية كبيرة، ويتطلع إلى صحبة الجنس الآخر. هولدن يتكلم بلغة المراهقين الخاصة، قاموس صغير من الكلمات التي تتكرر طوال الرواية ولا يعرف غيرها للتعبير عن أرائها. وهو يعترف لك في مقدمة الرواية أنه لا يملك الكثير من المصطلحات. انه المراهق الذي يريد أن يخرج بأراءه ونظرته الخاصة للعالم لكن لا تخدمه محصلته اللغوية. لكنه يصرخ و يخبرنا بما يريد قوله بما يعرف من اللغة ويجرد المجتمع المزيف أمامنا ويحلم أن يكون حارسا في حقل كبير من الشوفان في آخره منحدر حاد.
حقل من الشوفان يلعب فيه الأطفال وهو يقف بينهم وبين المنحدر، هذا الذي يحلم به.. أن يحمي براءة الأطفال من عالم الكبار والمجتمع المنافق الذي يدنس برائتهم. المجتمع الذي يجده مخدوع بالأفلام والمظاهر والنفاق والزيف والمبتعد كل البعد عن المثالية والحقيقة. أن كل مايريد ان يخبرك به هو الهرب من هذه الحياة والعيش في كوخه الخاص وهو ما فعله فعلا حيث أمضى بقية عمره في مزرعته معتزلا العالم المنافق والمزيف.

#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات