أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منير ابراهيم تايه - محطات في فكر مالك بن نبي















المزيد.....

محطات في فكر مالك بن نبي


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 09:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعد مالك بن نبي من أبرز المفكرين الذين عنوا بالبحث العميق في جذور البناء الحضاري، ويكفي أن نقرأ له كتاباته الفكرية الكثيرة مثل "مشكلة الثقافة"، او "وجهة العالم الإسلامي"، "شروط النهضة" "بين الرشاد و التيه"… لنعرف قوة التحليل وعمق الطرح فيما يخص عملية التغيير الثقافي في المجتمع، أو طرق السيطرة الفكرية..
والمتأمل في فكر "مالك بن نبي" يلاحظ جليا أن الهاجس الأكثر حضورا في وعيه هو موضوع"الحضارة" بكل قضاياه و حيثياته. وقدم تعريفان متسقان للحضارة اولهما له بعد وظيفي والاخر تركيبي.
في التعريف الوظيفي للحضارة يذكر المفكر مالك بن نبي الحضارة أنها "جملة الشروط المعنوية و المادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل فرد من أفراده جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتقدمه".
غير أنه لا يقتنع في تعريف مصطلح "المجتمع" بالمدلول البسيط الذي يقدمه القاموس لهذه الكلمة و المتمثل في أن المجتمع "تجمع أفراد ذوي عادات متّحدة، و يعيشون في ظل قوانين واحدة و لهم فيها بينهم مصالح مشتركة"؛ ذلك أن هذا التعريف يقدم وصفا جامدا لا يرقى إلى مستوى النظر إليه كبنية اجتماعية قصدية قوامها الحركة" تقدما أو تأخرا في إطار الفضاء الزماني التاريخي الذي يحتل فيه المجتمع موقعا ما.
وانطلاقا من هذه الرؤية، يقدم لنا تعريفا للمجتمع ينسجم مع مجمل أفكاره التي أوردها حول مشكلات الحضارة و يأخذ بعين الاعتبار موقع المجتمع في عملية البناء الحضاري؛ و يتلخص هذا التعريف في أن المجتمع « هو الجماعة الإنسانية التي تتطور ابتداء من نقطة يمكن أن نطلق عليها مصطلح "ميلاد" حيث تغير و في نطاق الزمن التاريخي خصائصها الاجتماعية بإنتاج وسائل التغيير، مع علمها بالهدف الذي تسعى إليه من وراء هذا التغيير".
وإذا أمعنا التفكير في هذا التعريف يمكن أن نستنتج أن المجتمع، في نظر مالك بن نبي، نظام إنساني يقوم على ثلاثة عناصر:
ـ حركة يتسم بها المجموع الإنساني
ـ إنتاج لأسباب هذه الحركة
ـ تحديد لإتجاهاتها؛
و أن المجتمعات نوعان، إما مجتمعات "ساكنة" وهي بالتالي خارجة عن صيرورة التاريخ و حركته و هي التي لا يشعر الفرد فيها بأي قلق أو توتر يجعله يبذل أية محاولة لتغيير الوضع من حوله؛ وإما مجتمعات "متحركة" ، أو كما يسميها "مجتمعات تاريخية" تخضع لـ"قانون التغيير" و هذا انطلاقا من الفرد الذي إذا تحرك، تحرك المجتمع والتاريخ؛ و إذا سكن، سكن المجتمع والتاريخ.
ولتفسير هذه الحركة التاريخية للمجتمع وظف مالك بن نبي أحد مبادئ الميكانيك الكلاسيكية فيقول: "كل وسط إنساني مندمج في حركته، منتج لأسباب هذه الحركة ينطوي على عامل أساسي يقهر الجمود الفطري ـ طبقا لمبادىء الميكانيك الكلاسيكية ـ حين يحيل عناصر الخمول في وسط معيّن إلى قيم حركيّة".
و الجمود الفطري الذي ذكره مالك بن نبي يمكن أن يعبر عنه، على المستوى الفردي، بعبارات أخرى مثل: الكسل، نقص الطاقة، ضعف الإرادة، و على مستوى الجماعة بـ: الركود، التخلّف.
ويخلص مالك بن نبي من خلال هذا الطرح إلى تحديد العلاقة في تفاعل الطبيعة والتاريخ داخل الحضارة الإنسانية فيقول: "إن الطبيعة توجد النوع ولكن التاريخ يصنع المجتمع وهدف الطبيعة هو مجرد المحافظة على البقاء، بينما غاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من أشكال الحياة الراقية وهو ما نطلق عليه اسم "الحضارة". أما الثورة وكيف ينظر لها مالك بن نبي؟ وما الأسس التي تنطلق منها؟ وما نتائجها على مستوى المجتمع؟
بخلاف المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد، الذي كانت مقارباته في مجملها احتجاجية على ممارسات الاستعمار وخطابه الاستشراقي ومواقفه الاستعلائية تجاه شعوب الشرق، كان لمالك بن نبي رؤية اعمق عندما قال ان لقيام الاستعمار ظروفا ذاتية وموضوعية، فعلى مستوى الظروف الموضوعية تحدث عن الاستعمار الذي "يخدع الضعفاء، ويخلق في نفوسهم رهبة ووهما، ويشلهم عن مواجهته بكل قوة". أما على مستوى الظروف الذاتية للشعوب المستعمرة فتحدث عما سماه بالقابلية للاستعمار، وهو " ينبعث من داخل الفرد الذي يقبل على نفسه… السير في تلك الحدود الضيقة التي رسمها الاستعمار، وحدد له فيها حركته وافكاره وحياته ".
لذلك يرى مالك بن نبي أن الاستعداد النفسي من لدن الشعوب المستعمرة للخضوع للاستعمار عامل قوي لاستدامة الاستعمار وبقائه، مستشهدا بقول مأثورة لأحد المصلحين الذي قال: "أخرجوا الاستعمار من نفوسكم يخرج من أرضكم".
بيد أن هذه المقاربة التي قدمها مالك بن نبي لظاهرة الاستعمار صالحة أيضا لتحليل ظاهرة الاستبداد، لاعتبارين؛ أولهما أن الاستبداد والاستعمار كلاهما يهدف إلى نفس الغاية، وهي إخضاع الشعوب للقهر والإذلال؛ ثانيهما أن الاستعمار يحتاج إلى قابلية الشعوب للاستعمار. وبنفس المنطق، فالاستبداد أيضا يحتاج إلى قابلية الشعوب للاستحمار لكي تقوم له قائمة.
لذلك يتحدث مالك بن نبي على أن اية ثورة حين تقوم يجب ان تقوم على اسس صلبة، وعلى مبادئ متينة، فيقول: "الثورة ليست كإحدى الحروب تدور ريحها مع العدد والعتاد، بل إنها تعتمد على الروح والعقيدة" فالأساس في البناء الحضاري لا يقوم على الوسائل المادية فقط، ولكنه يقوم قبل ذلك على الأفكار والرؤى التي تنظر لهذا البناء، وتعطيه إطاره الفلسفي، لذلك كانت غاية أية ثورة هي تغيير الإنسان اولا، والانتقال به من الحالة السلبية الى حالة شعورية دافعة وفكر تحرري ويقول: "الثورة لا تستطيع الوصول إلى أهدافها، إذا لم تغير في سلوك الانسان وافكاره".
ولكن ماذا يجب أن يتوفر لهذه الثورة كي تضمن نتائجها ونحفظها من التراجع و الموت البطيء؟
الأكيد أنه على الثورة عدم التنازل عن المبادئ التي قامت عليها لأجل تحقيق طموح مادي، و أهداف آنية، ف يقو في ذلك: "إن لكل ثورة ما بعدها، فإما أن يكون مواصلة للثورة، وإما أن يكون في اتجاه معاكس يتنكر لها ويمسخها، وإن صراع أصحاب المصالح بعد كل ثورة ما هو إلا دليل على ضعف في النيات، و هشاشة المبادئ.. إضافة إلى تجاهل للتضحيات، وتنكر للزملاء الذين سقطوا في ميدان الشرف، دفاعا عن أخلاقيات هذه الثورة، وهذا يؤدي إلى فقدان الروح الثورية، الذي هو نتيجة حتمية لعدم حفظ الذهنية الثائرة لمقدمات ومسلمات الثورة".
وحتى لو تمكنت الثورة من تحقيق الاستقلال السياسي فان هذا الاستقلال يبقى ناقصا، إذا لم يتحقق الهدف الجوهري للثورة وهو "تغيير الإنسان"، يقول مالك بن نبي في ذلك: "وقد يسند إلى أبناء الوطن وظائف كان المستعمرون يشغلونها، وقد تستبدل في البلاد العربية مثلا بالحروف اللاتينية حروف عربية على واجهات ولافتات الحوانيت، إلا أن التغيرات هذه جميعها تصبح مجرد سحر للأبصار، ولا يستقر أمرها إذا لم يتغير الإنسان".
لذلك فان تصفية الاستعمار من العقول تتطلب أشياء كثيرة يتضمنها مفهوم الثقافة ومفهوم الحضارة، فهي لا تتحقق بمجرد انسحاب جيوش الاستعمار، ومجرد إعلان الاستقلال، وتحرير الدستور.
ويقول عن القابلية للاستعمار، التي تسيطر على شخصية الإنسان في البلاد المستعمرة وهي نتيجة طبيعية لهشاشة البناء الثقافي لهذا الإنسان، "أينما يحل الاستعمار يلوث الإنسان، حتى أصبحت تصفيته من رواسب الاستعمار، أهم عمل ثوري في الثورة، فلا يمكن بناء وطن مستقل، من غير بناء إنسان مستقل، ولا يتم بناء الوطن و الإنسان ، إلا بفكر تحرري، وبثقافة أساسها الأنا الثقافي "الهوية" وغايتها التفتح على الآخر " العصرنة"، لذلك فقد كانت تحرير الانسان مقدمة على تصفيته في الأرض.
ذلك ان القبول بالحقائق المصطنعة دون طرح أسئلة من الخبائث.وإن التساؤل عن كل ما يجري أمامنا والتفكر في مغزاه وأبعاده واهدافه هو أول عاصم من القابلية للاستحمار بعد ان صار الاستحمار صناعة قائمة بذاتها، وتجارة مربحة للنخاسين في سوق الرقيق العصري، ولا سبيل أمام كساد هذه التجارة إلا بالتربية على التفكر، رافعين في ذلك قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لست بالخبِ ولا الخب يخدعني"



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكواكبي.. ومئة عام من الديكتاتورية
- شوق الدراويش ل -حمور زيادة- رواية تتكىء على التاريخ
- الحمار/ قصة قصيرة
- واسيني الاعرج في رواية -البيت الاندلسي- نكتب لأننا نحب الكتا ...
- عقلية الوفرة وعقلية الندرة..!؟
- الغريبة التي لا اعرفها/ قصص قصيرة
- فنجان قهوة
- عناقيد الكرز... وما تيسر من وجع!!
- سفر..
- -المغفلة- ل -تشيخوف- ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء!!
- الحارس في حقل الشوفان
- الشيوعيون العرب.. وفلسطين
- نجيب محفوظ.. الوجه الآخر
- دعوة على العشاء/ قصص قصيرة
- بجعات برية رواية اجتماعية بنكهة سياسية
- الموشحات ... شعر يحلق باجنحة الغناء
- ضغط الكتابة وسكرها لامين تاج السر
- قصص قصيرة بعنوان مبتدأ وخبر
- النبش في الماضي..المورسكيون فجيعة حضارة اسلامية منسية؟؟!
- -حي ابن يقظان- لابن طفيل .. الفلسفة في رداء الادب


المزيد.....




- -مجموعة جبناء-.. شاهد انفعال ترامب تعليقًا على تقرير CNN بشأ ...
- ترامب يشعل تفاعلا بكشف ما قاله لبوتين عندما عرض الأخير المسا ...
- إيرانيون بمظاهرة تؤيد الحكومة لـCNN: وقف إطلاق النار ليس كاف ...
- ماذا لو فقدت وظيفتك؟ توصيات خبراء للحفاظ على صحتك العقلية وإ ...
- أبرز النقاط حول وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
- ما بعد الهدنة: خطوات تصعيدية إيرانية تجاه الوكالة الذرية وجد ...
- تقرير استخباراتي أمريكي يُشكك في التدمير الكامل للبرنامج الن ...
- حذر وترقب بشأن صمود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل سبعة من جنوده في جنوب قطاع غزة
- -إف بي آي- كثف التركيز على مكافحة الإرهاب بعد ضربة إيران


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منير ابراهيم تايه - محطات في فكر مالك بن نبي