أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - -المغفلة- ل -تشيخوف- ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء!!














المزيد.....

-المغفلة- ل -تشيخوف- ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء!!


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 22:59
المحور: الادب والفن
    


"المغفلة" لـ "تشيخوف"
ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء
منذ ايام دعوت الى غرفة مكتبي مربية اولادي يوليا فاسيليفنا لكي ادفع لها حسابها، قلت لها : اجلسي يا يوليا، هيا نتحاسب. أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة أنك لن تطلبيها بنفسك
حسنا! لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلًا) في الشهر
قالت: اربعين
قلت: كلا.. ثلاثين! هذا مسجل عندي، كنت دائما ادفع للمربيات ثلاثين روبلا..
حسنا!
لقد عملت لدينا شهرين
قالت: شهرين وخمسة ايام
قلت: شهرين بالضبط، هذا مسجل عندي، اا تستحقين ستين روبلا.. نخصم منها تسعة ايام احاد، فانت لم تعلمي الصغار في ايام الاحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط.. ثم ثلاثة ايام اعياد
تضرج وجه يوليا فاسيليفنا وعبثت اصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة..
واصلت..
نخصم ثلاثة اعياد إذن فيصبح المجموع (اثنا عشر روبلًا)، وكان (كوليا) مريضا أربعة أيام ولم يكن يدرس، كنت تدرسين ل (فاريا) فقط، وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحت لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء، إذن اثنا عشر زائد سبعة…تسعة عشر، نخصم، الباقي إذن (واحدا وأربعون روبلا)…مضبوط؟
احمرت عين يوليا فاسيليفنا اليسرى وامتلأت بالدمع ارتعش ذقنها وسعلت بعصبية وتمخطت، ولكنها لم تنبس بكلمة!!!
قلت: قبيل رأس السنة كسرتِ فنجانا وطبقا، نخصم روبلين
الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث، ولكن فليسامحك الله!! علينا العوض!! وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته، نخصم عشرة، وبسبب تقصيرك أيضا سرقت الخادمة من (فاريا) حذاء، ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنت تتقاضين مرتبا! وهكذا نخصم أيضا خمسة، وفي 10 يناير أخذتِ مني عشرة روبلات
همست (يوليا فاسيليفنا): لم آخذ!!
قلت: ولكن ذلك مسجل عندي!!
قالت: حسنا، ليكن
واصلت: من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين، الباقي: أربعة عشر روبلا
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل، يا للفتاة المسكينة!!
قالت بصوت متهدج: أخذت مرة واحدة، أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات)…لم آخذ غيرها!
قلت: حقا؟؟..انظري وانا لم أسجل ذلك!! نخصم من الأربعة عشر ثلاثة، الباقي أحد عشر ، ها هي نقودك يا عزيزتي!! ثلاثة…ثلاثة…ثلاثة…واحد…واحد، تفضلي
ومددت لها أحد عشر روبلا
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة، وهمست: شكرا!
انتفضت واقفا واخذت أروح وأجيء في الغرفة واستولى عليّ الغضب
سألتها : شكرا على ماذا؟
قالت : على النقود!
قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك…سلبتك!…لقد سرقت منك! فعلام تقولين شكرا؟
قالت: في أماكن أخرى لم يعطوني شيئا!
قلت : لم يعطوكِ؟! أليس هذا غريبا؟! لقد مزحت معكِ، لقنتكِ درسا قاسيا!
سأعطيك نقودك (الثمانين روبلا) كلها. ها هي في المظروف جهزتها لكِ!! ولكن.. هل يمكن أن تكوني عاجزة إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا تحتجين؟ لماذا تسكتين؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب؟
هل يمكن ان تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة؟
ابتسمت بعجز ٍ، فقرأت على وجهها: "يمكن"
سألتها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها - بدهشتها البالغة - (الثمانين روبلا) كلها، فشكرتني بخجل وخرجت.
تطلعت في إثرها وفكّرت: ما أبشع أن تكون ضعيفا في هذه الدنيا

تشيخوف بارع في ايصال افضل الافكار الجمل
القصة تقول إننا مساكين لأننا نجعل من انفسنا كذلك .. وان الآخرون لا يعطونا حقنا لأننا نقبل بذلك
وتقول كذلك شيئا مهما ان لا ننتظر من الاخرين ان بعدل وانصاف بل يجب أن نفرض عليهم أن يعاملونا كذلك .. بتخلينا عن ضعفنا وعدم والمطالبة المشروعة بالحق .. فمن يتخلى عن حقه مرة سيتخلى عنه للمرة الثانية والثالثة ..
ما لفتني في هذه القصة بالإضافة إلى التجسيد الرائع لهزيمة الذات والمذلة هو الربط الرائع بين مفردتين مهمتين هما: الضعف، الغباء (المغفلة) .. فإن الانسان حين يسمح لنفسه أن يكون ضعيفا لا رأي له ولا موقف محدد ولا يستطيع ان يحسم امرا من امور الحياة الانسانية المتشابكة حوله .. الانسان الباهت الساذج هو إنسان مغفل بكل ما تحويه الكلمة من معنى... اذ كيف يمكن ان نسمي ذلك الانسان الذي لا لون ولا طعم ولا رائحة عندما يتهمه الاخرون اتهامات باطلة كاذبة ولا يعرف حتى كيف يدافع عن مصلحته الشخصية البحته في هذا المجتمع الذي يأكل فيه القوي الضعيف بلا شفقة ولا ضمير...
واتساءل..
لماذا لا تطحن الحياة بسنابكها إلا أرقاء القلوب؟
لماذا لا يقع الغبن والظلم فى الدنيا الا على ذوى الحياء؟
ولماذا قدر دائما على البسطاء أن يكون حظهم على موائد اللئام؟
… وإلى متى سيبقى أهل الصفاقة، الطغاة، البغاة، سارقوا الأقدارِ والأقوات والأعمار، على صفاقتهم مقيمون عاكفون مرابطون؟!
كتب المفكر الفرنسي لابواسييه في القرن السادس عشر رسالة بعنوان "العبودية المختارة"، تصدى فيها لآليات الاستبداد وظاهرة استسلام الجماهير لطغيان أفراد "لا هم بهرقل ولا شمشون". وتساءل بمرارة، مستنكفا الخنوع والذل، قائلا "أي تعس هذا؟ أي رذيلة؟ أو بالأحرى أي رذيلة تعسة؟ أن ترى عددا لا حصر له من الناس، لا أقول يطيعون بل يخدمون، ولا أقول يحكمون بل أقول يستبد بهم، لا ملك لهم ولا أهل ولا نساء ولا أطفال، بل حياتهم نفسها ليست لهم، يحتملون السلب والنهب وضروب القسوة ..".
إحسـاس مخيف أن تكتشف موت لسانك عند حاجتك للكلام وموت قلبك عند حاجتك للحب والحياة
وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء وأنك وحدك كأغصان الخريف عند حاجتك للآخرين؟!
الارض ليست ساحة للعدل ولن تكون...



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحارس في حقل الشوفان
- الشيوعيون العرب.. وفلسطين
- نجيب محفوظ.. الوجه الآخر
- دعوة على العشاء/ قصص قصيرة
- بجعات برية رواية اجتماعية بنكهة سياسية
- الموشحات ... شعر يحلق باجنحة الغناء
- ضغط الكتابة وسكرها لامين تاج السر
- قصص قصيرة بعنوان مبتدأ وخبر
- النبش في الماضي..المورسكيون فجيعة حضارة اسلامية منسية؟؟!
- -حي ابن يقظان- لابن طفيل .. الفلسفة في رداء الادب
- الاميرة العاشقة.. ولادة بنت المستكفي
- قراءة في رواية -دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب- صرخة تاريخ مؤلم
- التشيع العلوي والتشيع الصفوي عند علي شريعتي
- داغستان بلدي كتاب لا يتحدث عن جغرافيا او تاريخ بلد... انه كت ...
- عن العشق والعشاق... ثرثرة من الداخل


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - -المغفلة- ل -تشيخوف- ما اقبح الفقر .. وما اجمل الفقراء!!