أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الخروج من جزيرة العرب إلى العالم الخارجى















المزيد.....


الخروج من جزيرة العرب إلى العالم الخارجى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5037 - 2016 / 1 / 7 - 14:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الخروج من جزيرة العرب إلى العالم الخارجى
طلعت رضوان
طرح د. عبد الهادى عبد الرحمن فى كتابه (جذور القوة الإسلامية) سؤالا لم يطرحه إلاّ أصحاب العقول الحرة ، حيث كتب ((كيف استطاع العرب وهم أقل حضارة وتقدمًـا أنْ يغزوا ويحتلوا أجزاءً ضخمة من أكبر امبراطوريتيْن فى ذلك العصر؟ ولهما تاريخ حضارى كبير، وأكثر امكانيات من جميع النواحى العسكرية والاقتصادية والثقافية ؟
ثم نقل بعض التفسيرات (أحادية الجانب) من أصحاب العاطفة الدينية ، حيث أنّ التفسير الدينى يضع (العقيدة الإسلامية) القائمة على (الجهاد) والرغبة فى الموت ، وهذا التفسير يتجاهل أصحابه العوامل الأخرى ، والتى قد تكون أكثر أهمية.. ويستتبع تلك الاجابة سؤال عن الامبراطورية التى قادها التتار، وهم يجتاحون العالم شرقا وغربا : من الصين وحتى مصر، فدمّروا وحرقوا فى طريقهم تراث الشعوب الثقافى والحضارى ؟ فأى عقيدة تلك التى حرّكتْ الجحافل التترية لاجتياح العالم القديم ؟ كما أنّ العقيدة الإسلامية كانت حديثة النشأة ، وكانت تحتاج لوقت طويل لتتمكن من نفوس العرب ، أولئك الذين قال القرآن عنهم أنهم أسلموا ولم يؤمنوا ، بل إنّ (الأعراب) فى شبه الحزيرة اتخذوا موقفــًـا سلبيًـا من حركة (الفتوح/ الغزوات)
كذلك فإنّ اتساع حركة (الفتوح) قد تمّ على أيدى بنى أمية والذين اتخذوا من الإسلام مظاهره واسمه أكثر من تمكنه من قلوبهم وسلوك قادتهم قبل الإسلام وبعده ، ليدل على ذلك أصدق دليل ، وفى هذا الشأن كتب طه حسين ((هم لم يظهروا على العالم إلاّ بالإسلام ، فهم محتاجون إلى أنْ يعتزوا بهذا الإسلام ويرضوه ويجدوا فى اتصالهم به ما يضمن لهم هذا الظهور وهذا السلطان الذى يحرصون عليه ، وهم فى الوقت نفسه أهل عصبة وأصحاب مطامع ومنافع ، فهم مضطرون إلى أنْ يُـراعوا هذه العصبية ويلائموا بينها وبين منافعهم ومطامعهم ودينهم)) (الأدب الجاهلى – ص 118) وكان تعقيب د. عبد الهادى ((لعلّ هذا القول يؤكد ما ذهبنا إليه ، وهنا يـُـهمل أصحاب التفسير الدينى العناصر الأخرى والتى يمكن أنْ يكون لها دور حاسم فى ذلك الانسجام والتماسك الذى شمل الجيش الإسلامى .
ويرى آخرون أنّ العامل الاقتصادى كان المُحرك الأقوى لدوافع (الفتوحات) عند العرب (المسلمين) وقد بلغ الأمر ببعضهم إلى اعتبار هذه الأخيرة وكأنها إحدى الهجرات السامية المتأخرة التى اعتادتْ على قذفها شبه الجزيرة الجدباء ، فالخطبة المنسوبة إلى خالد بن الوليد أمام جنوده قبيل إحدى المعارك ضد الفرس فى العراق وقال فيها ((ولو لم يكن إلاّ المعاش لكان الرأى أنْ نــُـقارع هذا الريف حتى نكون أولى به.. ونولى الجوع والاقلال من تولاه ممن إثاقل عما أنتم فيه)) (ص192، 193) وأعتقد أنّ كلام خالد بن الوليد فيه المفتاح للتعرف على أسباب غزو الشعوب التى لديها الطعام (نتيجة الزراعة) وهذا الجوع هو ما جعل نبى الإسلام عندما سُـئل عن الفأرة التى سقطتْ فى الطعام أنْ يقول ((القوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم)) (صحيح البخارى رقم 235، 236) وهو ما جعل نبى الإسلام يُـبيح شرب بول الإبل (صحيح البخارى رقم 233) ويؤكد ذلك قول عائشة زوجة نبى الإسلام ((ما شبعنا من طعام قط إلاّ بعد فتح خيبر)) وهو ما جعل ابن خلدون يكتب أنّ العرب ((كانوا أبعد الأمم عن أحوال الدنيا وترفها.. وعاشوا فى الحجاز فى أرض غير ذات زرع ولا ضرع وكانوا ممنوعين من الأرياف وحبوبها لبعدها واختصاصها بمن وليها من ربيعة واليمن.. فلم يكونوا يتطاولون إلى خصبها.. ولقد كانوا كثيرًا ما يأكلون العقارب والخنافس ويفخرون بأكل العلهز، وهو وبر الإبل يمهونه بالحجارة فى الدم.. وقريبًا من هذا كانت حال قريش..ولكن بعد أنْ زحفوا إلى أمم فارس والروم.. واستباحوا دنياهم فعاشوا فى النعيم.. حتى كان الفارس (العربى) الواحد يـُـقسّم له فى بعض الغزوات ثلاثون ألفــًـا من الذهب أو نحوها.. فاستولوا من ذلك على ما لا يأخذه الحصر.. وقال المسعودى : أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال فكان له يوم قــُـتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه بوادى القرى وحنين وغيرهما مائتا ألف دينار. وخلــّـف إبلا وخيلا كثيرة.. وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار. وخلــّـف ألف فرس وألف أمة (= عبدة) وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم... إلخ)) (ابن خلدون – المقدمة- المطبعة الأزهرية- بجوار الأزهر عام 1930- ص 170)
ونقل د. عبد الهادى عن البلاذرى فى (فتوح البلدان) أنّ أبا بكر دعا أهل ((مكة والطائف واليمن وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم (للجهاد) ويرغبهم فيه وفى غنائم الروم.. فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع وأتوا المدينة من كل صوب)) وكلام أبى بكر واضح لا لبس فيه : الاغراء أو الاغواء ب (الغنائم) ليـُـحبـّـب إليهم الغزو.
وإذا كان العامل الاقتصادى أو حتى الدافع الدينى ، سبب الانتصار على الروم والفرس ، فإنّ أصحاب العاطفة الدينية تجاهلوا (مُـعطيات الواقع) حيث كانت الامبراطوريتان الرومانية والفارسية قد تفكــّـكتا بفعل صراعاتهما ، فالصراع الدائم بين الروم والفرس ، والصراع على السلطة داخل كل امبراطورية على حدة ، والصراع الشعبى مع السلطة داخل الامبراطوريتيْن ، كل تلك العوامل أدّتْ إلى تراخى قبضة الروم والفرس – بشكل ما – عن شعوب البلاد الرازحة تحت الاحتلال ، وضاعف من هذا احساس الامبراطوريتيْن بالأمن فى مواجهة عالم ضعيف حولها ، فأتاح ذلك لتلك القوة الأقل امكانيات وأقل تحضرًا.. وكل تلك العوامل أتاحتْ للعرب أنْ يقتلعوا النمر البيزنطى العجوز.. وتخنق دول الفرس الغارقة فى مسشاكلها (د. عبد الهادى- ص195) وأضاف أنّ العربى قد اعتاد قتال الآخرين.. وكان وهو يعتدى يفتخر باعتداءاته.. وكان وهو يغزو الآخرين يعتز بذلك الغزو بدءًا بمستواه القبلى.. ولذلك لم يكن الأمر غريبًـا على هذا العربى وهو يُـهاجم الآمنين خارج حدوده ، فذلك أمر تاريخى قديم انزرع فى أعمق أعماقه.. لأنّ العربى كان غازيًـا للعالم الخارجى وهو لا يحمل صفته كعربى فقط ، وإنما يحمل (راية الإسلام) وباسم هذه الراية يكتسب شرعية الأسر وأخذ الغنائم والجزية والخراج.
وأنّ من بين أسباب تماسك (الجيش الإسلامى) هو وزن الهيكل العشائرى ، فهذا الوزن كان يعكس ركود ما يُـسمى ب (الصراع الطبفى) فالوحدة الأساسية فى جزيرة العرب كانت هى العشيرة.. وكل عشيرة أو قبيلة تــُـمثــّـل وحدة اقتصادية مستقلة عن الأخرى ، فلا ترى الآخرين إلاّ كغرباء عنها.. بينما كانت التمايزات الطبقية فى دولتىْ الروم والفرس قد وصلتْ إلى حد إثارة الثورات والحروب الأهلية الضارية والتى كانت تنخر فى بنية تماسكها نخرًا واضحـًـا من ثورة أو تمرد (ص 196) ويرى د. عبد الهادى أنّ من بين مصادر قوة (الجيش الإسلامى) 1- السيطرة الكاملة على كل القبائل العربية 2- كان محمد يعتمد أساسـًـا على الغارات والغزوات وإخضاع القبائل والسيطرة على مخازن الحبوب والأراضى والمراعى والمنازل وقطعان المواشى الكبيرة والصغيرة.. كما كان الوضع قبل الدعوة المحمدية ، حيث كانت القبيلة المُــنتصرة تستولى على خيرات القبيلة المهزومة.. كحق ناتج عن العنف (المسلح) أى (حق) الحرب ، لذلك فرض الإسلام الخراج والجزية (نقلا عن أحمد صادق سعد فى كتابه حول النمط الآسيوى – ص 59) وأضاف د. عبد الهادى : وقد ازداد هذا المصدر بشكل واسع عبر عملية (الفتوحات / الغزوات) لبلاد الأنهار من خلال الجزية المفروضة على الرؤرس من (أهل الكتاب) و(العجم) والمجوس ، وكانت المسائل اجتهادية ، وقال الإمام الشافعى ((أقله محدود وهو دينار وأكثره غير مُحدد ، وبحسب ما يُـصالحون عليه)) وهو ما فرضه عمربن الخطاب وطبـّـقه عمروبن العاص الذى قال لصاحب إخنا فى مصر، ردًا على سؤاله حول مقدار الجزية ((أخبرنا ما على أحدنا من الجزية)) فأشار عمروبن العاص إلى ركن الكنيسة وقال ((لو أعطيتنى من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك ، إنما أنتم خزانة لنا.. إنْ كثر كثرنا عليكم وإنْ خفــّـف عنا خفــّـفنا عنكم.. لأنّ مصر قد فــُـتحتْ عنوة)) (ابن عبد الحكم – فتوح مصر وأخبارها (مؤسسة دار التعاون- عام 1974- ص 106) وعندما عزل عثمان عمروبن العاص عن الولاية وعينه كقائد عسكرى (فقط) أى أنه غير مسئول عن جمع الجزية قال لعثمان ((أنا إذن كماسك البقرة من قرنيها وغيرى يحلبها)) (المصدر السابق – ص 121) وما قاله عمروبن العاص أكبر دليل على أنّ الغزو والاحتلال لا علاقة لهما ب (نشر الإسلام) إنما الهدف هو نهب موارد الشعوب ، كما أنّ كلام عمربن العاص فيه المفتاح لفهم عقلية الغازى العربى.
وعندما كان الشعب الذى يعجز عن دفع الجزية للعرب ، فإنّ عمرو بن العاص سنّ تشريعـًـا قال فيه ((عليهم أنّ يبيعوا من أبنائهم وبناتهم فى جزيتهم)) (ابن عبد الحكم – 116) وذلك عندما غزا برقة. ولما غزا عمروبن العاص مصر قال لرسل المقوقس ((بيننا وبينكم ثلاثة خصال : الدخول فى الإسلام ، وإنْ أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون أو نقاتلكم)) وعندما وافق المقوقس على أداء الجزية ، استشار عمرو بن العاص أصحابه فقالوا له ((لا تجيبهم إلى شىء من الصلح أو الجزية حتى يفتح الله علينا وتصير الأرض كلها لنا.. فيـئـا وغنيمة.. كما صار لنا القصر وما فيه)) (ابن عبد الحكم القرشى – مصدر سابق – ص53، 55)
ولم يكتف الغزاة العرب ب (الجزية) إنما سنّ عمر بن الخطاب آلية (الضيافة الاجبارية) حيث أرسل إلى عمروبن العاص رسالة قال له فيها (( للمسلمين (يقصد العرب) حق النزل لجماعتهم حيث نزلوا ومن نزل عليه ضيف واحد من (المسلمين) أو أكثر من ذلك ، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مُـفترضة عليهم.. وأنّ لهم أرضهم وأموالهم.. لا يُـعرض لهم فى شىء منها فشرط هذا كله على القبط خاصة.. وحصوا (أى أحصوا) عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفــُـرض عليه ديناران.. فكان جميع من أحصى يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا أكثر من ستة آلاف ألف نفس (أى 6مليون) فكانت فريضتهم يومئذ اثنى عشر ألف ألف دينار فى كل سنة)) (ابن عبد الحكم القرشى – ص 55) أى أنّ مصر كانت تدفع للغزاة العرب 12 مليون دينار بسعر القرن السابع الميلادى .
ويرى أصحاب العاطفة الدينية الإسلامية أنّ العرب (دخلوا) مصر لسببيْن 1- نشر الإسلام 2- طرد الرومان الذين كانوا يضطهدون المصريين وينهبون خيراتهم.. وإذا كان السبب الثانى لا خلاف عليه.. وأنّ الرومان غزاة ومحتلون ونهبوا شعبنا (المصرى) فهل تغيّـر الوضع مع العرب ؟ ذكر ابن عبد الحكم (القرشى) أنّ ((عمرو بن العاص لما (فتح) مصر قال لقبط مصر: إنّ من كتمنى كنزًا عنده فقدرتُ عليه قتلته.. وأنّ قبطيـًـا من أهل الصعيد يُـقال له بطرس ذكر لعمرو أنّ عنده كنزًا ، فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد فحبسه فى السجن.. ثم ضرب عمرو بن العاص رأسه.. فقتله)) (ابن عبد الحكم – ص 65)
لم يكتف الغزاة العرب بفرض الخراج والجزية ، إنما سنّ لهم عمر بن الخطاب آلية لم تخطر على ذهن الغزاة الذين حلّ العرب مكانهم ، تلك الآلية ذكرها ابن عبد الحكم (القرشى) حيث كتب ((عن فلان عن فلان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنّ عمربن الخطاب أرسل رسالة لعمرو بن العاص قال لها فيها ((أنْ يختم فى رقاب أهل الذمة بالرصاص.. ويُـظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضـًـا.. ولا يدعونهم يتشبّـهون بالمسلمين فى لبوسهم)) وأنّ عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد أنّ الجزية ((أربعون درهمـًـا من أهل الورق.. وأربعة دنانير على أهل الذهب.. وعليهم من أرزاق (المسلمين) من الحنطة والزيت مديان من الحنطة وثلاثة أقساط من زيت فى كل شهر لكل إنسان (عربى) سواء كان من أهل الشام والجزيرة وودك وعسل لا أدرى كم من الودك والعسل عليهم من (البز) والكسوة التى يكسوها أمير المؤمنين الناس.. ويضيفون من نزل بهم من أهل (الإسلام) ثلاث ليال.. وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعـًـا لكل إنسان.. وأنْ يختم فى أعناق أهل الجزية)) (ابن عبد الحكم – ص 105)
وإذا كان العرب (دخلوا) مصر لنشر الدين الإسلامى كما يقول أصحاب العاطفة الدينة ، فلماذا احتلوا مصر ولم يعودوا إلى جزيرتهم العربية ؟ ولماذا أصروا على أخذ الجزية والخراج؟ ولماذا ينسبون أى كلام لا يُـعجبهم إلى (المستشرقين) فهل السيوطى وابن ماجه والطبرى وابن كثير.. إلخ من (المستشرقين) ؟ وهل ابن عبد الحكم (القرشى) من المستشرقين ؟ وكان يتعمّـد (تشويه) العرب والإسلام عندما ذكر الرسالة التى أرسلها عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص وقال له فيها بعد البسملة ((إنى فكرتُ فى أمرك والذى أنت عليه.. فإذا أرضك (مصر أصبحتْ أرض عمرو بن العاص) أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة فى بر وبحر. وإنها قد عالجتها (الفراعنة) وعملوا فيها عملا مُـحكمًا مع شدة (عتوهم وكفرهم) فعجبتُ من ذلك وأعجب مما عجبتُ أنها لا تؤدى نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدب.. ولقد أكثرتُ فى مكاتبتك فى الذى على أرضك من الخراج.. وظننتُ أنّ ذلك سيأتينا على غير نزر ورجوتُ أنْ تفيق.. فإذا أنت تأتينى بمعاريض تغتالها.. لا توافق الذى فى نفسى ولستُ قابلا منك دون الذى كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك.. إلخ)) (فتوح مصر وأخبارها – ص 109) ومع ملاحظة أنّ ابن عبد الحكم وضع لهذه الرسالة العنوان التالى (استبطاء عمر بن الخطاب عمرو بن العاص فى الخراج) فهل اختلف الغزاة العرب عن الغزاة السابقين ؟
ولأنّ عمرو بن العاص عاش فى مصر، وأدرك معنى وأهمية (الدورة الزراعية) التى لا يعرفها عمر بن الخطاب ، لذلك كتب إليه بعد البسملة ((لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص.. قد بلغنى كتاب أمير المؤمنين الذى استبطأنى فيه من الخراج والذى ذكر فيه عمل (الفراعنة) واعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام.. ولعمرى للخراج يومئذ أوفر وأكثر والأرض أعمر لأنهم كانوا على (كفرهم وعتوهم) أرغب فى عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام.. وذكرت أنّ النهز يخرج الدر فحلبتها حلبـًـا قطع ذلك درها.. والله يا ابن الخطاب لأنا حين يُـراد ذلك منى أشد على نفسى غضبـًـا.. ولكنى حفظتُ ما لم تحفظ .. ولو كنتُ من يهود يثرب ما زدت.. يغفر الله لك ولنا.. وسكتُ عن أشياء كنتُ بها عالمًـا وكان اللسان منى ذلولا.. إلخ)) (ابن عبد الحكم - مصدر سابق – ص 110) فهل هذا كلام (مستشرقين) ؟ وهل ابن عبد الحكم (القرشى) ألــّـف تلك الرسائل المُــتبادلة بين عمر وعمرو؟ وتدور حول (الخراج) وليس حول (نشر الإسلام) أم فيها اعتراف من عمرو ب (حلب) مصر حتى انقطع درها ؟
ورغم رسالة عمرو الصريحة التى أكــّـد فيها أنّ أرض مصر تمّ (حلبها) حتى (انقطع درها، فإنّ عمر بن الخطاب لم يقتنع بكلام عمرو فكتب إليه من جديد ((من عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص.. فقد عجبتُ من كثرة كتبى إليك فى ابطائك بالخراج وكتابك إلىّ.. وقد علمتَ أنى لا أرضى منكَ إلا بالحق البين..ولم أقدمك إلى مصر لتكون لك طعمة ولا لقومك.. ولكنى وجـّـهتك لما رجوتُ من توفيرك الخراج.. إذا أتاك كتابى هذا فاحمل الخراج.. فإنما هو فيىء (المسلمين) وعندى من قد تعلم قوم محصورون.. والسلام)) (فتوح مصر- ص 110) كلام عمر بن الخطاب شديد الوضوح لا يحتاج تفسير ولا تأوليل.. لقد أرسل عمروبن العاص إلى مصر من أجل الخراج وليس من أجل نشر الإسلام.
ماذا فعل عمربن العاص ؟ كتب إلى عمر ((لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص.. فقد أتانى كتاب أمير المؤمنين يستبطئنى فى الخراج ويزعم أنى أعند عن الحق وأنكب عن الطريق.. وإنى والله ما أرغب عن صالح ما تعلم.. ولكن أهل الأرض استنظرونى إلى أنْ تــُـدرك غلتهم فنظرتُ.. فكان الرفق بهم خيرًا من أنْ يخرق بهم فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه.. والسلام)) (ابن عبد الحكم – مصدر سابق- ص 110) فى هذه الرسالة يبدو عمروبن العاص شديد الواقعية ، لأنه عاش (على أرض الواقع) وتأكــّـد من عدم وجود محصولات زراعية يمكن أنْ يُرسلها لابن الخطاب ، ولذلك استجاب لطلب المصريين الذين طلبوا منه (مهلة) حتى يتم جنى المحصول الجديد .
وتستمر الرسائل بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ، كتب الأول ((إلى العاص ابن العاص.. فإنك لعمرى لا تــُـبالى إذا سمنتَ أنتَ ومن معك.. وأنْ أعجف أنا ومن معى.. فيا غوثاه ثم يا غوثاه)) فكتب إليه عمروبن العاص ((أما بعد.. فيا لبيك ثم يا لبيك.. أتيتك عير أولها عندك وآخرها عندى.. مع إنى أرجو أنْ أجد السبيل إلى أنْ أحمل إليك فى البحر)) أى يتمنى أنْ يُـرسل له المزيد من الطعام عن طريق البحر. وكان تعقيب ابن عبد الحكم ((ثم إنّ عمرًا ندم على كتابه فى الحمل إلى المدينة فى البحر. وقال إنْ أمكنتُ عمر من هذا خربتْ مصر ونقلها إلى المدينة.. فكتب إليه ((إنى نظرتُ فى أمر البحر فإذا هو عـُـسر لا يلتئم ولا يُـستطاع)) (ابن عبد الحكم – مصدر سابق – ص 113) وأنا أتذكــّـر جيدًا وأنا فى الابتدائى أنّ المدرس كان يحكى لنا رسالة عمر إلى عمرو وهو سعيد وفرحان بتجريف مصر لصالح العرب الذين لم يُـفكــّـروا فى حل مشكلة الطعام إلاّ بالغزو ونهب موارد غيرهم من الشعوب.. ولكن المدرس لم يذكر لنا رد عمرو بن العاص وندمه على (قافلة البحر) واعتذاره لعمر بأنّ هذا ((عـُـسر لا يلتئم ولا يُـستطاع)) والأهم هو قول عمرو بن العاص ((إنْ أمكنتُ عمر من هذا خربتْ مصر ونقلها إلى المدينة))
فهل اقتنع عمر بن الخطاب برسالة عمرو واعتذاره عن قافلة البحر؟ لا لم يقتنع حيث كتب من جديد ((إلى العاص ابن العاص.. فقد بلغنى كتابك تعتل فيه فى الذى كنتَ كتبتَ إلىّ به من أمر البحر.. وأيم الله لتفعلنّ أو لأقلعنك وأبعث من يفعل ذلك)) وكان تعقيب ابن عبد الحكم ((فعرف عمرو أنه الجد من عمر بن الخطاب ، ففعل.. وأرسل إليه عمر بن الخطاب رسالة ثانية قال له فيها ((لا تدع بمصر شيئــًـا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلها إلاّ بعثتَ إلينا منه)) (ابن عبد الحكم – مصدر سابق – ص 113) حافظ عمرو بن العاص على منصبه ولم يهتم بخراب مصر كما سبق أنْ كتب . وهكذا تحقــّـقتْ نبوءة عمرو بن العاص (خراب مصر لصالح العرب) الذين استمرأوا الغزو والاحتلال ونهب موارد غيرهم وخاصة من عرق الفلاحين.
وهل ابن عبد الحكم (القرشى) من (المستشرقين) عندما ذكر الواقعة التالية التى لم تخطر على ذهن مؤلفى مسرح العبث ((كتب حيان إلى عمر بن عبد العزيز يسأله أنْ يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم.. فسأل عمر عراك بن مالك فقال عراك : ما سمعتُ لهم بعهد ولا عقد وإنما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد.. فكتب عمر بن عبد العزيز إلى حيان أنْ يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم)) (ابن عبد الحكم – القرشى – مصدر سابق ص 67) أى أنّ عمر بن عبد العزيز لم يختلف عن غيره من الخلفاء فى نهب مصر، لدرجة أنّ (الميت) يدفع (الجزية) وهو فى قبره عن طريق ابنه أو والده أو أمه.. إلخ.. ومع ملاحظة أنّ ابن عبد الحكم وضع لهذا الفصل عنوان (من قال أنّ مصر فــُـتحتْ عنوة) فذكر العديد من الشهادات الى تؤكــّـد أنّ مصر تم غزوها بقوة السلاح وشريعته. وأنّ المصريين ((بمنزلة العبيد))
كتب أصحاب العاطفة الدينية الإسلامية أنّ (الجزية) كانت مفروضة على (أهل الكتاب فقط) الذين رفضوا اعتناق الإسلام ، بينما كتب التراث العربى/ الإسلامى تؤكد أنّ ما حدث على أرض الواقع كان غير ذلك ، والدليل أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى عمر بن عبد العزيز وطلب منه ((أنْ يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة.. فكلــّـمه ابن حجيرة فى ذلك فقال : أعيذك بالله أيها الأمير أنْ تكون أول من سنّ ذلك بمصر، فوالله أنّ أهل الذمة ليتحمّـلون جزية من ترهـّـب منهم فكيف تضعها على من أسلم منهم؟ فتركهم عند ذلك)) أى وافقهم على أنّ المسيحى الذى اعتنق الإسلام لا يُـعفى من أداء (الجزية) والسبب كما قال جباة (الجزية) لعمر بن عبد العزيز أنّ ((الإسلام قد أضرّ بالجزية)) وقد تأكــّـد ذلك من الواقعة التى ذكرها ابن عبد الحكم حيث كتب ((أنّ رجلا أسلم فى عهد عمر بن الخطاب فقال : ضعوا الجزية عن أرضى.. فقال عمر بن الخطاب : لا.. إنّ أرضك فــُـتحتْ عنوة)) ونقل ابن عبد الحكم أقوال من أكــّـدوا على فرض الجزية حتى على من اعتنقوا الإسلام فكتب ((وكانت الجزية تؤخذ ممن أسلم)) (ابن عبد الحكم – مصدر سابق – ص106، 107) وهكذا تبدو الحقيقة سافرة ، لا تستطيع مساحيق الأصوليين محوها ((الإسلام أضرّ بالجزية)) وهذا معناه (بالمصرى الفصيح) أنّ الغزاة العرب لم يكن هدفهم (نشر الإسلام) بفدر اهتمامهم الأول والأخير بتحصيل الجزية والخراج ، أى نهب عرق الفلاحين ، وهو ما فعلوه فى الشام والعراق والمغرب ومصر، وكل الدول التى احتلوها.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تكون الدعوة للدين بالسلاح ؟
- توالى انتصارات جيش محمد (4)
- تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)
- كيف انتصرت الدعوة المحمدية ؟ (2)
- كيف انتشر الإسلام ؟
- الآخرة فى أساطير الشعوب والديانة العبرية
- جذور الصراع بين الرعاة والزراع
- الولع بالدمار فى الأساطير وفى الديانة العبرية
- جذور أسطورة الطوفان
- التكوين الكنعانى والتكوين التوراتى
- الأساطير بين الأديان وانتاج الشعوب
- الديانة العبرية والموقف من مصر
- المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
- زهران وخميس والبقرى
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى
- أسباب النزول فى صحيح البخارى (7)


المزيد.....




- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الخروج من جزيرة العرب إلى العالم الخارجى