أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الديانة العبرية والموقف من مصر















المزيد.....

الديانة العبرية والموقف من مصر


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 6 - 23:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يرى علماء المصريات Egyptology وعلماء الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) أنّ كارثة الوحدانية ، التى تــُـرادف (الأحادية) وينتج عنها التعصب ، بدأها (آمن – حتب الرابع) الذى عـُـرف فيما بعد باسم (أخناتون) بسبب دعوته التى روّج فيها لإله واحد (آتون) ولم يكتف بذلك وإنما أمر بمحو كل أثر للآلهة السابقة على دعوته ، وخاصة (أوزير) بصفته الإله الذى حاز على شعبية من كل شرائح المجتمع المصرى القديم ، وكان أوزير العدو الأول لأخناتون والعدو الثانى (آمون) الذى عاد اسمه بعد انتهاء فترة حكم أخناتون ، لدرجة أنّ من تولى الحكم بعده (توت – عنخ – آتون) غيـّـر اسمه ليصير (توت – عنح – آمون)
كارثة أخناتون التوحيدية تسبّـبتْ فى انتشار الفكر الأحادى من خلال الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) وكانت البداية ما جاء فى العهد القديم ، سواء فى الأسفار الخمسة الأولى (التكوين ، الخروج.. إلخ) أو باقى الأسفار. ويرى المفكر السورى الكبير (فرّاس السواح) أنّ الآتونية (نسبة إلى آتون إله أخناتون) هى التى أعطتْ الديانة اليهودية دفعتها الأولى . وأنّ كتابة التوراة كانت عبر مسافة زمنية بدأتْ فى القرن العاشر قبل الميلاد وامتـدّتْ حتى القرن الميلادى الأول . وأنّ الأسفار الخمسة الأولى كــُـتبتْ على مدى ثلاثة قرون ، أما آخر أسفار التوراة (سـِـفر المكابين الأول وسـِـفر المكابين الثانى) فقد حـُـرّرتْ خلال القرن الأول قبل الميلاد ، وأنّ ((التوراة المأثرة الثقافية الوحيدة للشعب اليهودى)) (فراس السوّاح – مغامرة العقل الأولى – مؤسسة الفيحاء- مطابع العجلونى – دمشق – عام 1993- ص135، 136) وأضاف ((ومع هذا التطور البطيىء ، تطوّرت فكرة اليهود عن الإله. وكان على إلههم (يهوه) أنْ ينتظر طويلا قبل أنْ ينتقل من مجرد إله خاص بشعب إسرائيل ، يـُـصارع ويُـقارع آلهة الشعوب الأخرى للحفاظ على (وحدانيته) لدى شعبه المختار، إلى إله مُـطلق للعالم . وأنّ آيات التوراة تتحدث عن (يهوه) دائمـًـا كأعظم الآلهة شأنــًـا مثل ((والبيت الذى أنا بانيه عظيم لأنّ إلهنا أعظم من جميع الآلهة)) (أخبار الأيام الثانى – الإصحاح 2 : 5) وذلك رغم أنّ (يهوه) كان إلهـًـا كنعانيا ، فقد وُجدتْ فى أرض كنعان عام 1931 م بين المُـكتشفات قطع من الخزف ، من بقايا عصر البرونز، مكتوب عليها اسم إله هو (ياه) أو (ياهو) كما أنّ الإله (إيل) يقول فى بعض ألواح أوغاريت : اسم ابنى (ياو) وهذا الإله حمله العبرانيون معهم إلى مصر، وعادوا به وقد اختلط بالإله (آتون) بعد هروبهم من هناك أو طردهم .
وفى أسفار التوراة الأولى نجد أنّ اليهود يُـنادون ربهم باسم (إيل) وهو رب الأرباب عند الكنعانيين والآراميين وإله السماء.. وهكذا نجد اسم (إيل) فى كثير من أسماء أعلام اليهود مثل عوئيل ، إسماعيل وإسرائيل.. إلخ وهى أسماء مُـركــّـبة (رعو- إيل) (إسماع – إيل) ومع ملاحظة أنّ اسم إسماعيل مكوّن من (يسمع – إيل) أى الإله (إيل) يسمع . وأنّ اسم إسماعيل كان شائعـًـا عند العرب قبل ميلاد المسيح (جواد على – تاريخ العرب قبل الإسلام – ج1 – الهيئة العامة لقصور الثقافة – عام 2011- ص 390)
ويرى فرّاس السواح – مثله مثل كثير من العلماء – أنّ الرب العبرى انحاز لبنى إسرائيل ، مما يدل على أنهم هم الذين (اخترعوه) والدليل على ذلك أنّ ذاك الإله أعطى لنفسه حق توزيع أراضى الشعوب على بنى إسرائيل أتباع موسى حيث نقرأ ((فى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام (إبراهيم فيما بعد) ميثاقــًـا قائلا : لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر لكبير نهر الفرات)) (تكوين – إصحاح 15: 18، 19) وبعد إبراهيم وإسحاق جاءتْ الحركة الثالثة بقيادة (موسى) ((تلك الشخصية الغامضة فى التاريخ غموض شخصية إبراهيم)) (ص130) وبعد أنْ ادّعى العبرانيون فى كتابهم الذى يُـقدّسونه أنّ ملك مصر يضطهدهم وأنه رفض خروجهم من مصر، طالبوا ربهم بمساعدتهم فى الخروج من مصر، ثمّ يتبيـّـن أنّ هذا الادعاء ليس له أى أساس ، وأنّ أتباع موسى عاتبوه لأنه أخرجهم من مصر، بدليل ما ورد فى العهد القديم ((وتذمّـر على موسى وعلى هارون جميع بنى إسرائيل . وقال لهما كل الجماعة ليتنا متنا فى أرض مصر.. أليس خيرًا لنا أنْ نرجع إلى مصر)) (عدد – إصحاح 14: 1، 3) وأيضًـا ((لماذا أصعدتمانا من مصر لتأتيا بنا إلى هذا المكان الردىء . ليس هو مكان زرع وتين ورمان ولا فيه ماء للشرب)) (عدد : إصحاح 20، إصحاح 21) وكذلك بكوا وقالوا ((من يُـطعمنا لحمًـا قد تذكــّـرنا السمك الذى كنا نأكله فى مصر مجانـًـا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم. الآن يبستْ أنفسنا)) (عدد : إصحاح 11- 4، 5) واستمروا فى البكاء وقالوا للرب ((من يُـطعمنا لحمـًـا. إنه كان لنا خير فى مصر.. لماذا خرجنا من مصر)) (عدد 11- 18)
ولأنّ الإله العبرى المنحاز لبنى إسرائيل أتباع موسى ، شجـّـعهم على احتلال أراضى الشعوب ، لذلك – كما كتب فرّاس السواح – أنه ((عندما تمّ لهم الاستيلاء على فلسطين انقسموا إلى مملكتيْن : إسرائيل فى الشمال ويهوذا فى الجنوب)) واختتم هذه الفقرة قائلا ((وبقى العبرانيون عالة على الثقافات المجاورة)) (ص 131)
وإذا كان أتباع موسى تأثـــّــروا بإله أخناتون (التوحيدى/ الأحادى) ونقلوه إلى ديانتهم العبرية ، فإنّ المفكر الكبير فراس السواح ، عقد مقارنة مُـهمة بين الآتونية والموسوية فكتب ((رغم قلة ما نعرفه عن الديانة الآتونية ، بسبب الانتقام الشامل الذى تعرّضتْ له من قـِـبل الكهنة الثائرين ، فإننا نستطيع أنْ نلمح أوجه التشابه بين الديانتيْن (الآتونية والموسوية) فأولا تــُـصر الديانتان – ولأول مرة فى التاريخ – على وحدانية الإله ، إلاّ أنّ وحدانية أخناتون أعم وأشمل ، لأنه يرى آتون إلهـًـا للأمم كلها ، بينما بقيتْ اليهودية فترة طويلة من تاريخها على الاعتقاد بيهوه إلهـًـا للشعب اليهودى ، يتجلى فى المعارك والانتصارات ، لا كما يتجلى آتون فى الأزهار والأشجار وجميع أشكال النماء والحياة)) (المصدر السابق – ص 132)
بعد ذلك الاختلاف بين الديانتيْن (الآتونية والموسوية) بدأ فراس السواح فى رصد أوجه التشابه بينهما فكتب ((تمنع الديانتان أى نوع من أنواع التصوير أو النحت للإله الواحد ، لذلك فقد تمّ تحطيم كل التماثيل أيام حكم أخناتون ، ومُـسحتْ عن جدران المعابد كل صور وأسماء الآلهة القديمة. وكانت الإشارة الوحيدة المسموح بها كرمز للإله ، هى أشعة الشمس التى كانت جميع الصلوات تحث على النظر للقوة الكامنة خلفها ، فآتون ليس قرص الشمس ذاته ، بل خالق أشعته التى يمدها بالطاقة. وكذلك نقرأ فى التوراة ((لا تصنع لك تمثالا، صورة مما فى السماء من فوق ، وما فى الأرض من أسفل ، وما فى السماء تحت الأرض)) (العهد القديم – سـِـفر التثنية – إصحاح 5 : 7)
وعن التشابه الثانى كتب ((لا نجد فى الديانتيْن أثرًا لفكرة البعث والحساب والحياة الآخرة ، فأخناتون فى صراعه مع الديانات القديمة (القائمة على تعدد الآلهة) أراد أنْ يحرم (أوزير) الإله الشعبى الأول ، ملكوته فى العالم الآخر، لأنه كان رب البعث والحساب الذى يزن الحسنات والسيئات فى العالم الأسفل ، ومالك قلوب الناس الباحثين السعادة فى الحياة الثانية ، فعمد أخناتون إلى إلغاء فكرة البعث والحساب ، وعلى منواله نسجتْ الديانة اليهودية التى لا نجد عندها أفكارًا واضحة عن الحياة بعد الموت ، بل إنّ هذه الفكرة قد أعتبرتْ لفترات طويلة ضلالا مُـبينــًـا ، ولم تبدأ فى السيطرة على عقول بعض المُــتدينين إلاّ فى الفترات المُــتأخرة وقبل ظهور السيد المسيح)) (المصدر السابق – ص 132، 133)
وعن التشابه الثالث كتب ((نظرًا لاتصال الديانات المصرية بالسحر، فقد حاربتْ الآتونية السحر والسحرة وأبطلتْ تأثيرهم فى المجتمع ، كذلك الأمر فى الدينة اليهودية التى حرّمتْ السحر))
بعد هذا الرصد لأوجه التشابه بين الآتونية والموسوية كتب ((إنّ تأثر الديانية اليهودية بالديانة الآتونية ، هو أمر منطقى وممكن ، بصرف النظر عن (حكاية موسى المصرى) فالديانة اليهودية نشأتْ فى زمن لا يبعد كثيرًا عن زمن ازدهار الآتونية. ونستطيع أنْ نفترض أنّ الديانة الآتونية بعد انهيارها ، قد تحوّلتْ إلى ديانة (سرية) انتشرتْ وخضعتْ لتحولات أساسية عبر الوقت ، إلى أنْ اتخذتْ شكلها الجديد على يد (موسى) وقد استمرّتْ بعض الصلوات الآتونية حية فى كتاب التوراة ، ومن ذلك – مثلا – إحدى صلوات أخناتون فى تسبيح إلهه (آتون) التى نجدها فى المزمور رقم 104 من سـِـفر المزامير)) (ص133) ثم نقل فى الصفحات التالية النص المصرى والنص العبرى المُـقابل له ، وهو ما فعله عالم المصريات برستد (الأمريكى) وعالم المصريات أدولف إرمان (الألمانى) وعالمة المصريات نوبلكو (الفرنسية) وعالم المصريات سليم حسن .
ومن عجائب الديانة العبرية ما ورد فى العهد القديم ، حيث أنّ الرب العبرى قال لناثان ((اذهب وقل لعبدى داود هكذا قال الرب . أأنت تبنى لى بيتــًـا لسكناى ؟ لأنى لم أسكن فى بيت منذ يوم أصعدت بنى إسرائيل من مصر إلى اليوم ، بل كنتُ أسير فى خيمة)) (صموئيل الثانى – إصحاح 7- من 4- 6) ولم يتوقف أحد من أصحاب العاطفة الدينية ليسأل : كيف يسير الرب فى خيمة ، ألا يدل ذلك على أنّ كاتب ذلك الكلام كان يعكس واقع البداوة حتى على الرب الذى يعبده ، حيث ورد فى معظم أسفار العهد القديم أنّ (الخيمة) كانت سكنى البدو بما فيهم الأنبياء ، فعندما سُـئل إبراهيم ((أين سارة امرأتك قال هاهى فى الخيمة)) (تكوين : 18/ 9) و((يعقوب إنسانــًـا كاملا يسكن الخيام)) (تكوين : 25/27) و((إبراهيم عبدى بنى مذبحـًـا ودعا باسم الرب ونصب هناك خيمته)) (تكوين : 25/25) و((رحل إسرائيل ونصب خيمته)) (تكوين : 35/21) و((أخذ موسى الخيمة ونصبها)) (خروج : 33/7) بل إنّ اجتماعات الرب مع أتباعه تكون داخل خيمة حيث ورد ((فيوقف الكاهن المُـطهر أمام الرب لدى باب خيمة الاجتماع)) (لاوين : 14/11) وتكرّرتْ خيمة الاجتماع فى سـِـفر العدد 3/28. كما أنّ الرب العبرى ((نزل من عمود سحاب ووقف فى باب الخيمة)) (عدد : 12/ 4) و((ظهر مجد الرب فى خيمة الاجتماع)) (عدد : 14/10) و((لما اجتمعتْ الجماعة على موسى وهارون انصرفا إلى خيمة الاجتماع)) (عدد : 16/ 42) وأنّ بنى إسرائيل ((كانوا يـُـضاجعون النساء المُــتجمعات فى باب خيمة الاجتماع)) (صموئيل الأول : 2/22) و((أخذ داود رأس الفلسطينى وأتى به إلى أورشليم ووضع أدواته فى خيمته)) (صموئيل الأول : 17/54) و((هرب كل إسرائيل كل واحد إلى خيمته)) (صموئيل الثانى : 18/ 17) أما أعجب الآيات العبرية فهى ((وأنا الرب إلهك من أرض مصر حتى أسكنك الخيام)) (هوشع : 12/ 9)
لقد تعمّـدتُ ذكر تلك النصوص (وهى قليلة من كثير) عن (الخيمة) التى هى سكنى بنى إسرائيل ، بل وسكنى الرب العبرى نفسه ، لتكون هى التمهيد الموضوعى لمعرفة أسباب (الحقد الأسود) الذى شنــّــه الرب المُـنحاز لبنى إسرائيل على معظم شعوب المنطقة ، وبصفة خاصة على مصر. وهذا الحقد الأسود هو الترجمة الحقيقية للفارق الحضارى بين البداوة والحضارة ، بين رعاة الغنم والزراع ، وهو ما ورد فى التراث العبرى ، منذ أنْ تقبـّـل الرب قربان الراعى ورفض قربان الزارع ، فى الحكاية الورادة عن ابنىْ (آدم) وهذا العداء للزراعة تجسـّـد فى العداء لمصر، من ذلك ما ورد فى العهد القديم ((ثم قال الرب لموسى مد يدك نحو السماء ليكون برد فى كل أرض مصر على الناس وعلى البهائم وعلى كل عشب الحقل فى أرض مصر... فضرب البرد فى كل أرض مصر جميع ما فى الحقل من الناس والبهائم وكسّـر جميع شجر الحقل إلاّ أرض جاسان حيث كان بنو إسرائيل فلم يكن فيها برد)) (خروج : 9/ 22- 26) ومع ملاحظة أنّ أرض جاسان هى (محافظة الشرقية حاليـًـا) حيث أنّ ملك مصر (الفرعون وفق التعبير العبرى) سمح لبنى إسرائيل بالإقامة فيها ، ولما عرض عليهم العمل بالزراعة أو البناء رفضوا واستحقروا العمل اليدوى ، وهو ما يؤكد أكذوبة أنّ المصريين القدماء كانوا يستخدمون بنى إسرائيل فى أعمال (السـُـخرة)
وجاء أيضـًـا ((ويُـميـّـز الرب بين مواشى إسرائيل ومواشى المصريين . فلا يموت من كل ما لبنى إسرائيل شىء... فماتتْ جميع مواشى المصريين . وأما مواشى بنى إسرائيل فلم يمت منها ولا واحد.... ثم قال الرب لموسى وهارون خـُـذا ملء أيديكما رماد الأتون. وليذره موسى نحو السماء أمام عينىْ فرعون ، ليصير غبارًا على كل أرض مصر، فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور فى كل أرض مصر)) (خروج : 9/ 4- 12)
وجاء فى العهد القديم ((ثم قال الرب يا موسى قلب فرعون غليظ . قد أبى (= رفض) أنْ يُـطلق الشعب. اذهب إلى فرعون فى الصباح. إنه يخرج إلى الماء. وقف للقائه على حافة النهر. والعصا التى تحوّلت حية تأخذها فى يدك . وتقول له رب العبرانيين أرسلنى إليك قائلا أطلق شعبى ليعبدونى فى البرية.. هكذا يقول الرب.. فتعرف أنى أنا الرب. ها أنا أضرب بالعصا التى فى يدى على الماء الذى فى النهر فيتحوّل دمًـا. ويموت السمك الذى فى النهر وينتن النهر. فيعاف المصريون أنْ يشربوا ماءً من النهر)) (خروج : 7/ 14- 18)
يُـصر كاتب العهد القديم على التكرار المُـمل ، كما فى كل التراث العبرى ، لذلك فإنه كرّر ما سبق فكتب ((ثم قال الرب لموسى قل لهارون خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى آجامهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دمًا. فيكون دم فى كل أرض مصر فى الأخشاب وفى الأحجار. ففعل هكذا موسى وهارون كما أمر الرب . رفع العصا وضرب الماء الذى فى النهر أمام عينىْ فرعون. فتحوّل كل الماء الذى فى النهر دمًا... إلخ (خروج : 7/ 19- 22)
لم يكتف الرب العبرى بتحويل النهر إلى دماء وتدمير المحاصيل الزراعية ، وإنما امتد الانتقام غير المُـبرّر على المستوييْن التاريخى والإنسانى ، ليشمل الدخول إلى حجرة نوم الملك المصرى ، حيث كتب كاتب الوحى العبرى ((ولما كملتْ سبعة أيام بعدما ضرب الرب النهر قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبى ليعبدونى . وإنْ كنتَ تأبى أنْ تــُـطلقهم فها أنا أضرب جميع تخومك بالضفادع . فيفيض النهر ضفادع فتصعد وتدخل إلى بيتك وإلى مخدع فراشك وعلى سريرك.. إلخ)) (خروج : 8/ 25)
ويستمر كاتب الوحى العبرى فى سرد باقى اللعنات على مجتمع الزراع فكتب ((ثم قال الرب لموسى قل لهارون مد عصاك واضرب تراب الأرض ليصير بعوضـًـا فى جميع أرض مصر. ففعلا كذلك . مـدّ هارون يده بعصاه وضرب تراب الأرض ، فصار البعوض على الناس وعلى البهائم)) (خروج : 8/ 16- 19)
ولأنّ لعنات الرب العبرى ضد الزراع لا نهاية لها لذلك نقرأ ((ثم قال الرب لموسى بكــّـر فى الصباح وقف أمام الفرعون. إنه يخرج إلى الماء وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبى ليعبدونى . فإنه إنْ كنتَ لا تــُـطلق شعبى ها أنا أرسل عليك وعلى شعبك وعلى بيوتك الذبان . فتمتلىء بيوت المصريين ذبانــًـا.. ولكن أميـّـز فى ذلك اليوم أرض جاسان (الشرقية حاليـًـا) حيث شعبى مُـقيم... إلخ)) (خروج : 8/ 20- 24) ولا يمل كاتب الوحى العبرى من تكرار تفاصيل اللعنات على مصر.. من بعوض وجراد وذبان.. إلخ. ولأنّ الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) ديانة واحدة ، لذلك نقرأ فى العهد الجديد ((بالإيمان صنع الفصح ورشّ الدم لئلا يمسهم الذى أهلك الأبكار. بالإيمان اجتازوا فى البحر الأحمر كما فى اليابسة الأمر الذى لما شرع فيه المصريون غرقوا)) (الرسالة إلى العبرانيين : 11/29) وأيضًا ((فأريد أنْ أذكركم ولو علمتم هذا مرة أنّ الرب بعدما خلــّـص الشعب من أرض مصر أهلك أيضًـا الذين لم يؤمنوا)) ( رسالة يهوذا / 5) ويؤكد ذلك التوجه العبرانى وأنّ (المسيحية امتداد لليهودية) أنّ المسيح ابن داود ابن إبراهيم ابن إسحق.. إلخ (إنجيل متى/1) ثم جاء القرآن ليؤكد ما سبق خاصة التركيز على اللعنات العبرية ضد المصريين فى سور عديدة وآيات عديدة منها آية ((فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قومًـا مجرمين... فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم.. وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها .. وتمتْ كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمّـرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)) (الأعراف/ 133- 137)
ولم يتوقف أحد من أصحاب العاطفة الدينية ليسأل ذلك السؤال المشروع : كيف يكون الرب (الرحيم) كما وصف نفسه فى العهد القديم ، ومع ذلك يُحرّض بنى إسرائيل - أتباع موسى – على سرقة المصريين قبل خروجهم من مصر، فنصحهم قائلا ((وأعطى نعمة لهذا الشعب فى عيون المصريين . فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين . بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابـًـا وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين)) (خروج : 3/ 21، 22) وتكرّر نفس التحريض بعد ذلك كثيرًا فى سـِـفر الخروج ، والمدهش لدرجة إثارة الضحك الساخر الذى لم يخطر على بال مُـبدعى أدب العبثية/ المأساوية ، أنّ كاتب النص التوراتى لم يخجل وهو يستخدم تعبير ((فتسلبون المصريين))
وفى الإصحاح الخامس عشر نقرأ أنّ ((الرب رجل حرب)) فكان من الطبيعى أنْ تنتهى تلك التراجيديا المأساوية بقتل المصريين القدماء كلهم وفق النص التالى (( فدفع الرب المصريين وسط البحر، فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون.. لم يبق منهم ولا واحد.. فخلــّـص الرب فى ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين . ونظر إسرائيل المصريين أمواتــًـا على شاطىء البحر. ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذى صنعه الرب بالمصريين)) (خروج : 14/ 26- 31) ثم جاء القرآن وأكــّـد على نفس المعنى فقال ((وإذْ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)) (البقرة ، 50)



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
- زهران وخميس والبقرى
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى
- أسباب النزول فى صحيح البخارى (7)
- البداوة فى صحيح البخارى (6)
- الميتافيزيقا فى صحيح البخارى (5)
- العبودية فى صحيح البخارى (4)
- البخارى وأحاديثه عن الغزو (3)
- قراءة فى صحيح البخارى (2)
- قراءة فى صحيح البخارى (1)
- بورتريه عن شخصية خالتى
- كروان (وحيد) بين الغربان
- كيف نشأ الجيش فى مصر القديمة
- محمود درويش وأمل دنقل
- هل يمكن قتل (الرغبة فى القتل) ؟
- لماذا العرب ضد العرب


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الديانة العبرية والموقف من مصر